19337383940

الإحصائيات

سورة التوبة
ترتيب المصحف9ترتيب النزول113
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات21.00
عدد الآيات129عدد الأجزاء1.05
عدد الأحزاب2.10عدد الأرباع8.50
ترتيب الطول7تبدأ في الجزء10
تنتهي في الجزء11عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 2/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (37) الى الآية رقم (37) عدد الآيات (1)

بعدَ ذكرِ الأشهرِ الحُرُمِ ذكَرَ اللهُ هنا تلاعبَ المشركينَ بالأشهرِ الحُرُمِ، (النَّسِيء: تأخيرُ حرمةِ شهرٍ ووقتِه إلى شهرٍ آخَر).

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (38) الى الآية رقم (39) عدد الآيات (2)

بدايةُ الحديثِ عن غزوةِ تَبُوك 9هـ بعتابِ الصحابةِ لمَّا تثاقلُوا عن الخروجِ مع النَّبي ﷺ لغزوِ الرومِ، ثُمَّ توعدَهم اللهُ على تركِ الجهادِ، =

فيديو المقطع


المقطع الثالث

من الآية رقم (40) الى الآية رقم (40) عدد الآيات (1)

= وبَيَّنَ لهم هنا أنَّهم إن لم يَنفِرُوا معَهُ ﷺ ولم يشتَغِلُوا بنُصرَتِه فإنَّ اللهَ ينصُرُه كما نصرَه في الهجرةِ، =

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة التوبة

باب التوبة مفتوح للجميع (دعوة الجميع للتوبة)/ البلاغ الأخير في سورة التوبة/ سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا غابت «بسم الله الرحمن الرحيم»؟: 1- قالوا: لأن السورة نزلت في فضح المنافقين والكفّار وأعمالهم، قال علي بن أبي طالب عندما سئل عن عدم كتابة البسملة في سورة التوبة: إن «بسم الله الرحمن الرحيم» أمان، وبراءة -أي سورة التوبة- نزلت بالسيف، ليس فيها أمان. 2- وقالوا: لأن براءة سخط، والبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» رحمة، فكيف الجمع بين السخط والرحمة!
  • • ما علاقة هذه الموضوعات بالتوبة؟: إنه بالرغم من أن السورة قد تضمنت التهديد الشديد للكفار والمنافقين، لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحًا لجميع الناس، وتدعو الجميع إلى التوبة في مرات عديدة.بعض الناس حين يقرأ هذه السورة يشعر بشدتها على الكفار والمنافقين، والبعض الآخر يقرأها فيشعر برحمة الله الواسعة والتي تتجلى في قبوله التوبة من جميع البشر، وهؤلاء أقرب إلى فهم معاني السورة
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «التوبة»، و«براءة».
  • • معنى الاسم :: التوبة: ترك الذنب مع الندم، وبراءة: مصدرُ الفعل (برأ) بمعنى خَلِص، وبراءة: أي إعذار وإنذار.
  • • سبب التسمية :: هي أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، وسميت «براءة»؛ لأنها مفتتحة بها، أي تسمية لها بأول كلمة منها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «الفاضحة»؛ لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم، و«المُقَشقِشة» أي: المبرِّئة من النِّفاق.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن باب التوبة مفتوح للجميع.
  • • علمتني السورة :: أن التوبة إعلان للبداية الجديدة، إعلان للحياة الجديدة، إعلان للهجرة من الظلمات إلى النور، من الضيق الى السعة، من الحزن إلى السعادة
  • • علمتني السورة :: التوبة أنَّ الجهاد سبيل الأمة إلى العزّة، وطريقها إلى الريادة، متى أقامته قويَت وعزّت، وإذا تخلّت عنه ضعفت وهانت.
  • • علمتني السورة :: حرمة دخول الكافر حدود الحرم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾

مدارسة الآية : [37] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ..

التفسير :

[37] إن الذي كانت تفعله العرب في الجاهلية من تحريم أربعة أشهر من السنة، عدداً لا تحديداً بأسماء الأشهر التي حرَّمها الله، فيؤخرون بعضها أو يقدِّمونه ويجعلون مكانه من أشهر الحل ما أرادوا حسب حاجتهم إلى القتال، إن ذلك زيادة في الكفر، يضل الشيطان به الذين كف

النسيء‏:‏ هو ما كان أهل الجاهلية يستعملونه في الأشهر الحرم، وكان من جملة بدعهم الباطلة، أنهم لما رأوا احتياجهم للقتال، في بعض أوقات الأشهر الحرم، رأوا ـ بآرائهم الفاسدة ـ أن يحافظوا على عدة الأشهر الحرم، التي حرم اللّه القتال فيها، وأن يؤخروا بعض الأشهر الحرم، أو يقدموه، ويجعلوا مكانه من أشهر الحل ما أرادوا، فإذا جعلوه مكانه أحلوا القتال فيه، وجعلوا الشهر الحلال حرامًا، فهذا ـ كما أخبر اللّه عنهم ـ أنه زيادة في كفرهم وضلالهم، لما فيه من المحاذير‏.‏

منها‏:‏ أنهم ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، وجعلوه بمنزلة شرع اللّه ودينه، واللّه ورسوله بريئان منه‏.‏

ومنها‏:‏ أنهم قلبوا الدين، فجعلوا الحلال حراما، والحرام حلالا‏.‏

ومنها‏:‏ أنهم مَوَّهوا على اللّه بزعمهم وعلى عباده، ولبسوا عليهم دينهم، واستعملوا الخداع والحيلة في دين اللّه‏.‏

ومنها‏:‏ أن العوائد المخالفة للشرع مع الاستمرار عليها، يزول قبحها عن النفوس، وربما ظن أنها عوائد حسنة، فحصل من الغلط والضلال ما حصل، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ‏}‏ أي‏:‏ ليوافقوها في العدد، فيحلوا ما حرم اللّه‏.‏

‏{‏زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ زينت لهم الشياطين الأعمال السيئة، فرأوها حسنة، بسبب العقيدة المزينة في قلوبهم‏.‏

‏{‏وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ‏}‏ أي‏:‏ الذين انصبغ الكفر والتكذيب في قلوبهم، فلو جاءتهم كل آية، لم يؤمنوا‏.‏

ثم نعى- سبحانه- على ما كانوا يفعلون من تحليل وتحريم للشهور على حسب أهوائهم.. فقال تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ.. والنسيء: مصدر بزنة فعيل مأخوذ من نسأ الشيء إذا أخره. ومنه نسأت الإبل عن الحوض إذا أخرتها عنه. ومنه: أنسأ الله في أجل فلان، أى: أخره والمراد به: تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر.

وقد أشار صاحب الكشاف إلى الأسباب التي جعلت المشركين يحلون الأشهر الحرم فقال:

«كانوا أصحاب حروب وغارات، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شق عليهم ترك المحاربة، فيحلونه ويحرمون مكانه شهرا آخر- وكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر لا يغيرون فيها- حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم فكانوا يحرمون من شتى شهور العام أربعة أشهر، وذلك قوله لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ أى ليوافقو العدة التي هي الأربعة ولا يخالفوها وقد خالفوا التخصيص الذي هو أحد الواجبين.

والمعنى: إنما النسيء الذي يفعله المشركون، من تأخيرهم حرمة شهر إلى آخر، زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ أى: زيادة في كفرهم لأنهم قد ضموا إلى كفرهم بالله كفرا آخر، هو تحليلهم لما حرمه الله وتحريمهم لما أحله وبذلك يكونون قد جمعوا بين الكفر في العقيدة والكفر في التشريع.

قال القرطبي: وقوله: زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ بيان لما فعلته العرب من جمعها أنواعا من الكفر، فإنها أنكرت وجود الباري- تعالى- فقالت: وَمَا الرَّحْمنُ في أصح الوجوه.

وأنكرت البعث فقالت مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، وأنكرت بعثة الرسل فقالوا:

أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ وزعمت أن التحليل والتحريم إليها، فابتدعته من ذاتها مقتفية لشهوانها فأحلت ما حرمه الله: ولا مبدل لكلماته ولو كره المشركون».

وقوله يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا قرأه الكوفيون بضم الياء وفتح الضاد بالبناء للمفعول.

أى: يوقع الذين كفروا بسبب ارتكابهم للنسيء في الضلال والموقع لهم في هذا الضلال كبراؤهم وشياطينهم.

وقرأه أهل الحرمين وأبو عمرو يضل بفتح الياء وكسر الضاد بالبناء للفاعل.

أى: يضل الله الذين كفروا، بأن يخلق فيهم الضلال بسبب مباشرتهم لما أدى إليه وهو ارتكابهم للنسيء.

ويصح أن يكون الفاعل هو الذين كفروا أى يضل الذين كفروا عن الحق بسبب استعمالهم للنسيء الذي هو لون من ألوان استحلال محارم الله.

وقوله: يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً بيان وتفسير لكيفية ضلالهم.

والضمير المنصوب في يُحِلُّونَهُ ويُحَرِّمُونَهُ يعود إلى النسيء، أى الشهر المؤخر عن موعده.

والمعنى أن هؤلاء الكافرين من مظاهر ضلالهم، أنهم يحلون الشهر المؤخر عن وقته عاما من الأعوام، ويحرمون مكانه شهرا آخر ليس من الأشهر الحرم، وأنهم يحرمونه أى: يحافظون على حرمة الشهر الحرام عاما آخر، إذا كانت مصلحتهم في ذلك.

والمواطأة: الموافقة. يقال: واطأت فلانا على كذا إذا وافقته عليه بدون مخالفته.

والمعنى: فعل المشركون ما فعلوه من التحليل والتحريم للأشهر على حسب أهوائهم، ليوافقوا بما فعلوه عدة الأشهر الحرم، بحيث تكون أربعة في العدد وإن لم تكن عين الأشهر المحرمة في شريعة الله.

قال ابن عباس: ما أحل المشركون شهرا من الأشهر الحرم إلا حرموا مكانه شهرا من الأشهر الحلال. وما حرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الأشهر الحرام، لكي يكون عدد الأشهر الحرم أربعة..

وقوله: فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ تفريع على ما تقدم.

أى: فيحلوا بتغييرهم الشهور المحرمة، ما حرمه الله في شرعه. فهم وإن كانوا وافقوا شريعة الله في عدد الشهور المحرمة، إلا أنهم خالفوه في تخصيصها فقد كانوا- مثلا- يستحلون شهر المحرم ويحرمون بدله شهر صفر.

وقوله: زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ ذم لهم على انتكاس بصائرهم، وسوء تفكيرهم.

أى: زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، فجعلهم يرون العمل القبيح عملا حسنا. وقوله:

وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ تذييل قصد به التنفير والتوبيخ للكافرين.

أى: والله تعالى. اقتضت حكمته أن لا يهدى القوم الكافرين إلى طريقه القويم، لأنهم بسبب سوء اختيارهم استحبوا العمى على الهدى، وآثروا طريق الغي على طريق الرشاد..

فكان أمرهم فرطا.

هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى.

1- أن السنة اثنا عشر شهرا، وأن شهور السنة القمرية هي المعول عليها في الأحكام لا شهور السنة الشمسية.

قال الفخر الرازي، اعلم أن السنة عند العرب عبارة عن اثنى عشر شهرا من الشهور القمرية، والدليل عليه هذه الآية إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ الآية، وقوله- تعالى-: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ.. فجعل تقدير القمر بالمنازل علة للسنين والحساب وذلك إنما يصح إذا كانت السنة معلقة بسير القمر.

وأيضا قوله. تعالى: (يسألونك عن الأهلة، قل هي مواقيت للناس والحج..) .

ثم قال، واعلم أن مذهب العرب من الزمان الأول أن تكون السنة قمرية لا شمسية، وهذا الحكم توارثوه عن إبراهيم وإسماعيل. عليهما السلام. فأما عند اليهود والنصارى، فليس الأمر كذلك..) .

وقال الجمل: قوله (اثنا عشر شهرا) هذه شهور السنة القمرية التي هي مبنية على سير القمر في المنازل، وهي شهور العرب التي يعتد بها المسلمون في صيامهم ومواقيت حجهم وأعيادهم وسائر أمورهم وأحكامهم. وأيام هذه الشهور ثلاثمائة وخمسة وخمسون يوما. والسنة الشمسية عبارة عن دوران الشمس في الفلك دورة تامة، وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما.

وربع يوم. فتنقص السنة الهلالية عن السنة الشمسية عشرة أيام، فبسبب هذا النقصان تدور السنة الهلالية فيقع الصوم والحج تارة في الشتاء وتارة في الصيف) .

هذا، وقد تكلم بعض المفسرين عن الشهور القمرية، وعن سبب تسميتها بما سميت به فارجع إليه إن شئت.

2- وجوب التقيد بما شرعه الله من أحكام بدون زيادة أو نقصان عليها.

قال القرطبي ما ملخصه: وضع- سبحانه- هذه الشهور وسماها بأسمائها على ما رتبها عليه يوم خلق السموات والأرض، وأنزل ذلك على أنبيائه في كتبه المنزلة، وهو معنى قوله:

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً. وحكمها باق على ما كانت عليه لم يزلها عن ترتيبها تغيير المشركين لأسمائها، وتقديم المقدم في الاسم منها.

والمقصود من ذلك اتباع أمر الله فيها، ورفض ما كان عليه أهل الجاهلية من تأخير أسماء الشهور وتقديمها.

ولذا قال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات الأرض» .

ثم قال القرطبي كانوا يحرمون شهرا فشهرا حتى استدار التحريم على السنة كلها. فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله فيه. فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض».

3- أخذ بعضهم من قوله تعالى- فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ أن تحريم القتال في الأشهر الحرم ثابت لم ينسخ، وأنه لا يصح القتال فيها إلا أن يكون دفاعا.

قال ابن جريج: حلف بالله عطاء بن أبى رباح أنه ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا فيها.

وذهب جمهور العلماء إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم قد نسخ، بدليل أن الله- تعالى- بعد أن نهى المؤمنين عن أن يظلموا أنفسهم بالقتال فيها أمرهم بقتال المشركين من غير تقيد بزمن فقال وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً فدل ذلك على أن القتال في الأشهر الحرم مباح.

وبدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف في شهر حرام وهو شهر ذي القعدة.

قال ابن كثير: ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى هوازن في شوال، فلما كسرهم.. لجئوا إلى الطائف، فعمد صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فحاصرهم أربعين يوما، وانصرف ولم يفتتحها فثبت أنه حاصر في الشهر الحرام- أى. في شهر ذي القعدة.

ثم قال ما ملخصه: وأما قوله- تعالى- وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً فيحتمل أنه منقطع عما قبله وأنه حكم مستأنف، ويكون من باب التهييج للمؤمنين على قتال أعدائهم.. ويحتمل أنه أذن للمؤمنين بقتال أعدائهم في الشهر الحرام إذا كانت البداءة منهم-. أى من الأعداء: كما قال: - تعالى- الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ وكما قال- تعالى- وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ.

وهكذا الجواب عن حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف واستصحابه الحصار إلى أن دخل الشهر الحرام، فإنه من تتمة قتال هوازن وأحلافها، فإنهم الذين بدءوا القتال للمسلمين.. فعند ذلك قصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما تحصنوا بالطائف ذهب إليهم لينزلهم من حصونهم فنالوا من المسلمين، وقتلوا جماعة منهم.. واستمر حصار المسلمين لهم أربعين يوما، وكان ابتداؤه في شهر حلال، ودخل الشهر الحرام فاستمر فيه أياما ثم قفل عنهم، لأنه يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء، وهذا أمر مقرر.

ومن كلام ابن كثير. رحمه الله- نستنتج أنه يميل إلى القول بأن المنهي عنه هو ابتداء القتال في الأشهر الحرم، لا إتمام القتال فيها متى بدأ الأعداء ذلك وهو قريب من قول القائل: لا يحل القتال فيها ولا في الحرم إلا أن يكون دفاعا.

وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، لأنه لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ أعداءه القتال في الأشهر الحرم، وإنما الثابت أن الأعداء هم الذين ابتدءوا قتال المسلمين فيها، فكان موقف المسلمين هو الدفاع عن أنفسهم:

4- ذكر المفسرون روايات في أول من أخر حرمة شهر إلى آخر، فعن مجاهد قال: كان رجل من بنى كنانة يأتى كل عام إلى الموسم على حمار له فيقول: أيها الناس: إنى لا أعاب ولا أخاب ولا مرد لما أقول. إنا قد حرمنا المحرم وأخرنا صفر. ثم يجيء العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته ويقول: إنا قد حرمنا صفر وأخرنا المحرم.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هذا رجل من بنى كنانة يقال له «القلمس» وكان في الجاهلية. وكانوا في الجاهلية لا يغير بعضهم على بعض في الشهر الحرام. يلقى الرجل قاتل أبيه فلا يمد إليه يده. فلما كان هو قال لقوله: اخرجوا بنا- أى للقتال-. فقالوا له:

هذا المحرم. قال: ننسئه العام، هما العام صفران. فإذا كان العام القابل قضينا.. جعلناهما محرمين.

قال: ففعل ذلك. فلما كان عام قابل قال: لا تغزوا في صفر. حرموه مع المحرم. هما محرمان» .

وقد كان بعض أهل الجاهلية يتفاخر بهذا النسيء، ومن ذلك قول شاعرهم:

ومنا ناسئ الشهر القلمس قال آخر:

ألسنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما

وقد أبطل الإسلام كل ذلك، وأمر بترتيب الشهور على ما رتبها- سبحانه- عليه يوم خلق السموات والأرض.

وبعد: فهذه سبع وثلاثون آية من أول السورة إلى هنا، نراها- في مجموعها كما سبق أن بينا- قد حددت العلاقات النهائية بين المسلمين وبين أعدائهم من المشركين وأهل الكتاب، كما نراها قد أبرزت الأسباب التي دعت إلى هذا التحديد بأسلوب حكيم مؤثر، يقنع العقول، ويشبع العواطف.

ثم انتقلت السورة بعد ذلك إلى الحديث عن غزوة تبوك وما جرى فيها من أحداث متنوعة.. وقد استغرق هذا الحديث معظم آيات السورة، لا سيما فيما يتعلق بهتك أستار المنافقين، والتحذير منهم.

وقد بدأت السورة حديثها عن غزوة تبوك بتوجيه نداء إلى المؤمنين نعت فيها على المتثاقلين عن الجهاد، وحرضت عليه بشتى ألوان التحريض قال تعالى:

هذا مما ذم الله تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع الله بآرائهم الفاسدة ، وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة ، وتحليلهم ما حرم الله وتحريمهم ما أحل الله ، فإنهم كان فيهم من القوة الغضبية والشهامة والحمية ما استطالوا به مدة الأشهر الثلاثة في التحريم المانع لهم من قضاء أوطارهم من قتال أعدائهم ، فكانوا قد أحدثوا قبل الإسلام بمدة تحليل المحرم وتأخيره إلى صفر ، فيحلون الشهر الحرام ، ويحرمون الشهر الحلال ، ليواطئوا عدة الأشهر الأربعة كما قال شاعرهم - وهو عمير بن قيس المعروف - بجذل الطعان :

لقد علمت معد أن قومي كرام الناس أن لهم كراما ألسنا الناسئين على معد

شهور الحل نجعلها حراما فأي الناس لم ندرك بوتر

وأي الناس لم نعلك لجاما

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : ( إنما النسيء زيادة في الكفر ) قال : النسيء أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم في كل عام ، وكان يكنى " أبا ثمامة " ، فينادي : ألا إن أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب ، ألا وإن صفر العام الأول حلال . فيحله للناس ، فيحرم صفرا عاما ، ويحرم المحرم عاما ، فذلك قول الله : ( إنما النسيء زيادة في الكفر ) [ إلى قوله : ( الكافرين ) وقوله ( إنما النسيء زيادة في الكفر ) ] يقول : يتركون المحرم عاما ، وعاما يحرمونه .

وروى العوفي عن ابن عباس نحوه .

وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام إلى الموسم على حمار له ، فيقول : يا أيها الناس ، إني لا أعاب ولا أحاب ، ولا مرد لما أقول ، إنا قد حرمنا المحرم ، وأخرنا صفرا . ثم يجيء العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته ، ويقول : إنا قد حرمنا صفرا ، وأخرنا المحرم . فهو قوله : ( ليواطئوا عدة ما حرم الله ) قال : يعني الأربعة ( فيحلوا ما حرم الله ) لتأخير هذا الشهر الحرام .

وروي عن أبي وائل ، والضحاك ، وقتادة نحو هذا .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( إنما النسيء زيادة في الكفر ) الآية ، قال : هذا رجل من بني كنانة يقال له : " القلمس " ، وكان في الجاهلية ، وكانوا في الجاهلية لا يغير بعضهم على بعض في الشهر الحرام ، يلقى الرجل قاتل أبيه ولا يمد إليه يده ، فلما كان هو قال : اخرجوا بنا ، قالوا له : هذا المحرم ! قال : ننسئه العام ، هما العام صفران ، فإذا كان العام القابل قضينا جعلناهما محرمين . قال : ففعل ذلك ، فلما كان عام قابل قال : لا تغزوا في صفر ، حرموه مع المحرم ، هما محرمان .

فهذه صفة غريبة في النسيء ، وفيها نظر ؛ لأنهم في عام إنما يحرمون على هذا ثلاثة أشهر فقط ، وفي العام الذي يليه يحرمون خمسة أشهر ، فأين هذا من قوله تعالى : ( يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله ) .

وقد روي عن مجاهد صفة أخرى غريبة أيضا ، فقال عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( إنما النسيء زيادة في الكفر ) الآية ، قال : فرض الله - عز وجل - الحج في ذي الحجة . قال : وكان المشركون يسمون الأشهر ذا الحجة ، والمحرم ، وصفرا ، وربيع ، وربيع ، وجمادى ، وجمادى ، ورجبا ، وشعبان ، ورمضان ، وشوالا وذا القعدة . وذا الحجة يحجون فيه مرة أخرى ثم يسكتون عن المحرم ولا يذكرونه ، ثم يعودون فيسمون صفرا صفرا ، ثم يسمون رجبا جمادى الآخرة ، ثم يسمون شعبان رمضان ، ثم يسمون شوالا رمضان ، ثم يسمون ذا القعدة شوالا ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة ، ثم يسمون المحرم ذا الحجة ، فيحجون فيه ، واسمه عندهم ذو الحجة ، ثم عادوا بمثل هذه القصة فكانوا يحجون في كل شهر عامين ، حتى وافق حجة أبي بكر الآخر من العامين في القعدة ثم حج النبي - صلى الله عليه وسلم - حجته التي حج ، فوافق ذا الحجة ، فذلك حين يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض .

وهذا الذي قاله مجاهد فيه نظر أيضا ، وكيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة ، وأنى هذا ؟ وقد قال الله تعالى : ( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله ) الآية [ التوبة : 3 ] ، وإنما نودي بذلك في حجة أبي بكر ، فلو لم تكن في ذي الحجة لما قال تعالى : ( يوم الحج الأكبر ) ولا يلزم من فعلهم النسيء هذا الذي ذكره - من دوران السنة عليهم وحجهم في كل شهر عامين - فإن النسيء حاصل بدون هذا ، فإنهم لما كانوا يحلون شهر المحرم عاما يحرمون عوضه صفر ، وبعده ربيع وربيع إلى آخر [ السنة والسنة بحالها على نظامها وعدتها وأسماء شهورها ثم في العام القابل يحرمون المحرم ويتركونه على تحريمه ، وبعده صفر ، وربيع وربيع إلى آخرها ] فيحلونه عاما ويحرمونه عاما ؛ ليواطئوا عدة ما حرم الله ، فيحلوا ما حرم الله ، أي : في تحريم أربعة أشهر من السنة ، إلا أنهم تارة يقدمون تحريم الشهر الثالث من الثلاثة المتوالية وهو المحرم ، وتارة ينسئونه إلى صفر ، أي : يؤخرونه . وقد قدمنا الكلام على قوله - صلى الله عليه وسلم - : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ، ثلاثة متوالية : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر ، أي أن الأمر في عدة الشهور وتحريم ما هو محرم منها ، على ما سبق في كتاب الله من العدد والتوالي ، لا كما يعتمده جهلة العرب ، من فصلهم تحريم بعضها بالنسيء عن بعض ، والله أعلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا صالح بن بشر بن سلمة الطبراني ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أنه قال : وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعقبة ، فاجتمع إليه من شاء الله من المسلمين ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال : " وإنما النسيء من الشيطان ، زيادة في الكفر ، يضل به الذين كفروا ، يحلونه عاما ويحرمونه عاما " . فكانوا يحرمون المحرم عاما ، ويستحلون صفرا ويستحلون المحرم ، وهو النسيء .

وقد تكلم الإمام محمد بن إسحاق على هذا في كتاب " السيرة " كلاما جيدا ومفيدا حسنا ، فقال : كان أول من نسأ الشهور على العرب ، فأحل منها ما حرم الله ، وحرم منها ما أحل الله - عز وجل - " القلمس " ، وهو : حذيفة بن عبد مدركة فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد ثم من بعد عباد ابنه قلع بن عباد ، ثم ابنه أمية بن قلع ، ثم ابنه عوف بن أمية ، ثم ابنه أبو ثمامة جنادة بن عوف ، وكان آخرهم ، وعليه قام الإسلام . فكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه ، فقام فيهم خطيبا ، فحرم رجبا ، وذا القعدة ، وذا الحجة ، ويحل المحرم عاما ، ويجعل مكانه صفرا ، ويحرمه عاما ليواطئ عدة ما حرم الله ، فيحل ما حرم الله ، يعني : ويحرم ما أحل الله .

القول في تأويل قوله : إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما النّسيء إلا زيادة في الكفر.

* * *

و " النسيء " مصدر من قول القائل: " نسأت في أيامك، ونسأ الله في أجلك "، أي: زاد الله في أيام عمرك ومدة حياتك، حتى تبقى فيها حيًّا. وكل زيادة حدثت في شيء, فالشيء الحادث فيه تلك الزيادة بسبب ما حدث فيه: " نسيء ". ولذلك قيل للبن إذا كُثِّر بالماء: " نسيء ", وقيل للمرأة الحبلى: " نَسُوء ", و " نُسِئت المرأة ", لزيادة الولد فيها، وقيل: " نسأتُ الناقة وأنسأتها "، إذا زجرتها ليزداد سيرها.

وقد يحتمل أن: " النسيء "، " فعيل " صرف إليه من " مفعول ", كما قيل: " لعينٌ" و " قتيل ", بمعنى: ملعون ومقتول. ويكون معناه: إنما الشهر المؤخَّر زيادة في الكفر.

وكأنّ القول الأوّل أشبه بمعنى الكلام, وهو أن يكون معناه: إنما التأخير الذي يؤخِّره أهل الشرك بالله من شهور الحرم الأربعة، وتصييرهم الحرام منهن حلالا والحلال منهن حرامًا, زيادة في كفرهم وجحودهم أحكامَ الله وآياته.

* * *

وقد كان بعض القرأة يقرأ ذلك: (إِنَّمَا النَّسْيُ) بترك الهمز، وترك مدِّه: (يضل به الذين كفروا)،.

* * *

واختلف القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته عامة الكوفيين: (يَضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمعنى: يضل الله بالنسيء الذي ابتدعوه وأحدثوه، الذين كفروا.

* * *

وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: ( يُضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفُرُوا)، بمعنى: يزول عن محجة الله التي جعلها لعباده طريقًا يسلكونه إلى مرضاته، الذين كفروا.

* * *

وقد حكي عن الحسن البصري: (يُضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفُرُوا)، بمعنى: يضل بالنسيء الذي سنه الذين كفروا, الناسَ.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: هما قراءتان مشهورتان, قد قرأت بكل واحدةٍ القرأة أهل العلم بالقرآن والمعرفة به, وهما متقاربتا المعنى. لأن من أضله الله فهو " ضال "، ومن ضل فبإضلال الله إياه وخذلانه له ضلّ. فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصواب في ذلك مصيبٌ.

* * *

وأما الصواب من القراءة في " النسيء ", فالهمزة, وقراءته على تقدير " فعيل " لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار التي لا يجوز خلافها فيما أجمعت عليه.

* * *

وأما قوله: (يحلونه عامًا)، فإن معناه: يُحلُّ الذين كفروا النسيء = و " الهاء " في قوله: (يحلونه)، عائدة عليه.

ومعنى الكلام: يحلُّون الذي أخَّروا تحريمه من الأشهر الأربعة الحرم، عامًا =(ويحرمونه عامًا ليواطئوا عدة ما حرم الله)، يقول: ليوافقوا بتحليلهم ما حلَّلوا من الشهور، وتحريمهم ما حرموا منها, عدّة ما حرّم الله (1) =(فيحلوا ما حرّم الله زُيِّن لهم سوء أعمالهم)، يقول: حُسِّن لهم وحُبِّب إليهم سيئ أعمالهم وقبيحها، وما خولف به أمرُ الله وطاعته (2) =(والله لا يهدي القوم الكافرين)، يقول: والله لا يوفق لمحاسن الأفعال وجميلها، (3) وما لله فيه رضًى, القومَ الجاحدين توحيدَه، والمنكرين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, ولكنه يخذّلهم عن الهُدى، كما خذَّل هؤلاء الناس عن الأشهر الحرم. (4)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16706- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، قال: " النسيء "، هو أن " جُنَادة بن عوف بن أمية الكناني"، كان يوافي الموسم كلَّ عام, وكان يُكنى " أبا ثُمَامة ", (5) فينادي: " ألا إنّ أبا ثمامة لا يُحَابُ ولا يُعَابُ, (6) ألا وإن صَفَر العامِ الأوَّلِ العامَ حلالٌ"، (7) فيحله الناس, فيحرم صَفَر عامًا, ويحرِّم المحرم عامًا, فذلك قوله تعالى: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، إلى قوله: (الكافرين). وقوله: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، يقول: يتركون المحرم عامًا, وعامًا يحرِّمونه.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا التأويلُ من تأويل ابن عباس، يدل على صحة قراءة من قرأ (النَّسْيُ)، بترك الهمزة وترك المدّ, وتوجيهه معنى الكلام إلى أنه " فَعْلٌ"، من قول القائل: " نسيت الشيء أنساه ", ومن قول الله: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ، [سورة التوبة: 67]، بمعنى: تركوا الله فتركهم.

16707- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، قال: فهو المحرَّم، كان يحرَّم عامًا، وصفرُ عامًا, وزيد صفرٌ آخر في الأشهر الحُرُم, وكانوا يحرمون صفرًا مرة، ويحلُّونه مرة, فعاب الله ذلك. وكانت هوازن وغطفان وبنو سُلَيْم تفعله.

16708- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن أبي وائل: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، قال: كان " النسيء " رجلا من بني كنانة, (8) وكان ذا رأي فيهم, وكان يجعل سنةً المحرمَ صفرًا, فيغزون فيه، فيغنمون فيه، ويصيبون, ويحرِّمه سنة.

16709-...... قال حدثنا أبي, عن سفيان, عن منصور, عن أبي وائل: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، الآية, وكان رجل من بني كنانة يُسَمَّى " النسيء ", فكان يجعل المحرَّم صفرًا، ويستحل فيه الغنائم, فنـزلت هذه الآية.

16710- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إدريس قال، سمعت ليثًا, عن مجاهد قال، كان رجل من بني كنانة يأتي كلَّ عام في الموسم على حمار له, فيقول: " أيها الناس، إني لا أعاب ولا أحَابُ, (9) ولا مَرَدَّ لما أقول، إنَّا قد حرمنا المحرَّم, وأخَّرنا صفر ". ثم يجيء العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته, ويقول: " إنا قد حرَّمنا صفر وأخَّرنا المحرَّم "، فهو قوله: (ليواطئوا عدة ما حرم الله)، قال: يعني الأربعة =(فيحلوا ما حرم الله)، لتأخير هذا الشهر الحرام.

16711- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، " النسيء "، المحرّم, وكان يحرم المحرَّم عامًا ويحرِّم صفر عامًا, فالزيادة " صفر ", وكانوا يؤخرون الشهور حتى يجعلون صفر المحرم, فيحلوا ما حرم الله. وكانت هوازن وغطفان وبنو سليم يعظمونه, هم الذين كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية.

16712- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، إلى قوله: (الكافرين)، عمد أناسٌ من أهل الضلالة فزادوا صفرًا في الأشهر الحرم, فكان يقوم قائمهم في الموسم فيقول: " ألا إن آلهتكم قد حرمت العام المحرَّم "، فيحرمونه ذلك العام. ثم يقول في العام المقبل فيقول: " ألا إن آلهتكم قد حرمت صفر "، فيحرمونه ذلك العام. وكان يقال لهما " الصفران ". قال: فكان أول من نَسَأ النسيء: بنو مالك بن كنانة, وكانوا ثلاثة: أبو ثمامة صفوان بني أمية أحد بني فقيم بن الحارث, ثم أحد بني كنانة. (10)

16713- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، قال: فرض الله الحج في ذي الحجة. قال: وكان المشركون يسمون الأشهر: ذو الحجة, والمحرم, وصفر, وربيع, وربيع, وجمادى, وجمادى, ورجب, وشعبان, ورمضان, وشوال, وذو القعدة, وذو الحجة, يحجون فيه مرة، ثم يسكتون عن المحرم فلا يذكرونه, ثم يعودون فيسمُّون صفر صفر. ثم يسمون رجب جمادى الآخرة, ثم يسمون شعبان ورمضان, ثم يسمون رمضانَ شوالا ثم يسمُّون ذا القعدة شوالا ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة, ثم يسمون المحرم ذا الحجة، فيحجون فيه, واسمه عندهم ذو الحجة. ثم عادوا بمثل هذه القصة, فكانوا يحجون في كل شهر عامين, حتى وافق حجةُ أبي بكر رضي الله عنه الآخرَ من العامين في ذي القعدة. ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم حجَّته التي حجَّ, فوافق ذا الحجة, فذلك حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ".

16714- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، قال: حجوا في ذي الحجة عامين, ثم حجوا في المحرم عامين, ثم حجُّوا في صفر عامين, فكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين, حتى وافقت حجة أبي بكر الآخرَ من العامين في ذي القعدة، قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم بسنة. ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم من قابلٍ في ذي الحجة، فذلك حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ".

16715- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة, عن حصين, عن أبي مالك: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، قال: كانوا يجعلون السنة ثلاثةَ عشر شهرًا, فيجعلون المحرَّم صفرًا, فيستحلُّون فيه الحرمات. فأنـزل الله: (إنما النسيء زيادة في الكفر).

16716- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا)، الآية. قال: هذا رجل من بني كنانة يقال له: " القَلَمَّس ", كان في الجاهلية. وكانوا في الجاهلية لا يغير بعضهم على بعض في الشهر الحرام, يلقى الرجل قاتل أبيه فلا يمُدّ إليه يده. فلما كان هو, قال: " اخرجوا بنا " اخرجوا له: " هذا المحرَّم "! فقال: " ننسئه العام, هما العام صفران, فإذا كان عام قابلٍ قضينا، فجعلناهما محرَّمَين ". قال: ففعل ذلك. فلما كان عام قابل قال: " لا تغزوا في صفر، حرِّموه مع المحرم, هما محرَّمان، المحرَّم أنسأناه عامًا أوَّلُ ونقضيه ". ذلك " الإنساء "، وقال منافرهم: (11)

وَمِنَّا مُنْسِي الشُّهُورِ القَلَمَّسُ (12)

وأنـزل الله: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، إلى آخر الآية.

* * *

وأما قوله: (زيادة في الكفر)، فإن معناه زيادة كُفْر بالنسيء، إلى كفرهم بالله قبلَ ابتداعهم النسيء، (13) كما:-

16717- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، يقول: ازدادوا به كفرًا إلى كفرهم.

* * *

وأما قوله: (ليواطئوا)، فإنه من قول القائل: " واطأت فلانا على كذا أواطئه مُواطأة "، إذا وافقته عليه, معينًا له, غير مخالف عليه.

* * *

وروي عن ابن عباس في ذلك ما:-

16718- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (ليواطئوا عدة ما حرم الله)، يقول: يشبهون.

* * *

قال أبو جعفر: وذلك قريب المعنى مما بَيَّنَّا, وذلك أن ما شابه الشيء، فقد وافقه من الوجه الذي شابهه.

وإنما معنى الكلام: أنهم يوافقون بعدة الشهور التي يحرِّمونها، عدة الأشهر الأربعة التي حرَّمها الله, لا يزيدون عليها ولا ينقصون منها, وإن قدَّموا وأخَّروا. فذلك مواطأة عِدتهم عدَّةَ ما حرّم الله.

-------------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير " عدة " فيما سلف 3 : 459 14 : 234 .

(2) انظر تفسير " زين " فيما سلف ص : 7 : تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(3) في المطبوعة : " لمحاسن الأفعال وحلها " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، وصوابه ما أثبت.

(4) انظر تفسير " هدى " فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) .

(5) انظر أخبار " النسأة " ، وخبر " جنادة بن عوف بن أمية " في سيرة ابن هشام 1 : 44 - 47 ، والمحبر : 156 ، 157 ، وغيرهما . و " جنادة بن عوف " ، هو الذي قام عليه الإسلام من النسأة.

(6) كان في المطبوعة : " لا يجاب " بالجيم ، ووردت بالجيم في كثير من الكتب ، منها لسان العرب ( نسأ ) ، ولكنه ورد في المحبر : 157 ، بالحاء المهملة ، وهو من " الحوب " ، أي : الإثم ، أي : لا ينسب إلى الإثم . وانظر الخبر التالي رقم : 16710 .

(7) في المطبوعة : " صفر العام الأول حلال"، حذف " العام " الثانية ، وهي ثابتة في المخطوطة .

(8) قوله : " كان النسيء رجلا "، دال على صواب قوله هناك ص : 237 ، تعليق 1 : ، على أن " النسيء " في ذلك الموضع صواب أيضًا ، وانظر الأثر التالي ، قوله: "وكان رجل من بني كنانة يسمى النسيء" ، وهذا كله لم تذكره كتب اللغة التي بين يدي .

(9) " أحاب " مضى تفسيرها ص : 243 ، تعليق : 2 ، وكانت هنا في المطبوعة أيضًا "أجاب" بالجيم .

(10) هكذا جاء في المخطوطة : " وكانوا ثلاثة "، ثم لم يذكر غير واحد . وقوله : " أبو ثمامة ، صفوان بن أمية "، مضى قبل في الأثر رقم: 16706 أن "أبا ثمامة" هو "جنادة بن عوف بن أمية"، أما صفوان هذا فقد ذكره أبو عبيد البكري في شرح الأمالي: 10، وقال: قال الليثي : كان الذي انبرى للنسئ ، القلمس ، وهو : صفوان بن محرث ، أحد بني مالك بن كنانة ، وكان له بذلك ملكة وأكل ، وتوارثه بنوه إلى الإسلام ". ولكن الذي ذكره ابن حبيب في المحبر ، وابن هشام في سيرته 1 : 44 . قال ابن إسحاق : " وكان أول من نسأ الشهور على العرب ، فأحلت ما أحل ، وحرمت منها ما حرم : القلمس ، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم ابن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة . ثم قام بعده على ذلك ، ابنه : عباد بن حذيفة . ثم قام بعد عباد : قلع بن عباد . ثم قام بعد قلع : أمية بن قلع . ثم قلم بعد أمية : عوف بن أمية . ثم قام بعد عوف : أبو ثمامة جنادة بن عوف ، وكان آخرهم ، وعليه قام الإسلام " . وذلك ما قاله ابن حبيب ، وما قاله ابن حزم في الجمهرة : 178 ، والمصعب الزبيري في نسب قريش : 12 .

ولم أجد هذا الخبر في مكان آخر ، فأعرف مقالة قتادة في أمر النسئ والنسأة .

و " صفوان بن محرث " الذي ذكره البكري ، هو " صفوان بن أمية " المذكور في هذا الخبر ، وهو : " صفوان بن أمية بن محرث بن بن خمل بن شق بن رقبة بن مخدج بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة " ، وكان أحد حكام العرب في الجاهلية ، وأحد من حرم الخمر على نفسه في الجاهلية ( انظر المحبر : 133 ، 237 أمالي القالي 1 : 240 وذكر شعره في تحريم الخمر ) . وبين من هذا كله أن " صفوان بن أمية " ، ليس من " بني فقيم بن الحارث بن مالك " . بل من بني " مخدج بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك " .

ثم انظر ص : 250 ، تعليق : 1 ، وذكر " القلمس " للناسئ في شعر عبد الرحمن بن الحكم ، وأمه هي : " آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أمية بن محرث " .

(11) في المطبوعة : " وقال شاعرهم " ، وأثبت ما في المخطوطة . و " المنافر " ، هو المفاخر في المنافرة . قال ابن سيده : " وكأنما جاءت المنافرة ، في أول ما استعملت ، أنهم كانوا يسألون الحاكم : أينا أعز نفرا ؟ " . و " المنافرة " : هي أن يفتخر الرجلان كل واحد منهما على صاحبه ، ثم يحكما بينهما رجلا .

(12) هكذا جاء في المخطوطة مضطرب الميزان، وذكره القرطبي في تفسيره 8 : 138 .

ومنـــا ناســئ الشــهر القلمس

وهو أيضًا غير مستقيم ، والذي وجدته ، هو ما قاله عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، قال :

نمَـانِي أبُـو العَـاصِي الأمِينُ وَهَاشِمٌ

وعُثْمـانُ , والنَّاسِـي الشُّـهُورَ القَلَمَّسُ

وأم عبد الرحمن بن الحكم، ومروان بن الحكم، هي : " آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أمية بن محرث بن خمل بن شق" ، و "صفوان" هذا هو الذي جاء ذكره في الخبر رقم : 16712 ، وأنه كان من " النسأة " ، وكل ناسئ كان يقال له : "القلمس" ، فهذا البيت يؤيد ما قاله قتادة بعض التأييد. وانظر البيت الذي ذكرته في نسب قريش للمصعب الزبيري ص : 98 .

(13) في المطبوعة : " وقيل : ابتداعهم النسئ " ، غير ما في المخطوطة ، فأفسد الكلام كله .

المعاني :

النَّسِيءُ :       التَّاخِيرُ لِحُرْمَةِ شَهْرٍ إِلَى شَهْرٍ آخَرَ السراج
النّسيء :       تأخير حُرمة شهر إلى آخر معاني القرآن
لِّيُوَاطِئُوا :       لِيُوَافِقُوا السراج
عِدَّةَ :       عَدَدَ السراج

التدبر :

وقفة
[37] ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ النسيء عادة قبيحة من عادات العرب في الجاهلية، وهي العبث بالشهور حتى لا تتوالى عليهم الأشهر الحرم.
وقفة
[37] على المجتمع أن يراجع العادات الدخيلة عليه بين آونة وأخرى؛ فلعل بعض هذه العادات يكون قبيحًا وقد استحسنها مع كثرة ممارستها ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾.
وقفة
[37] ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ استعمال الحيلة لفعل شيء محرم أو الفرار من واجب هو تلاعب بالدين، مثل تلاعب المشركين بتأخير الأشهر الحرم ليقترفوا الحرام.
وقفة
[37] الحيلة لعمل محرم أو فرار من واجب لعب بالدين، كلعب المشركين بتأخير اﻷشهر الحرم ليقترفوا الحرام ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾.
عمل
[37] ألق كلمة، أو أرسل رسالة عن خطر التحايل على الشريعة, وأهمية مراقبة الله ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّـهُ﴾.
تفاعل
[37] ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ:
  • إنما: كافة ومكفوفة. النسيء: مبتدأ مرفوع بالضمة ومعناه: تأخير حرمة الشهر الى شهر آخر. زيادة: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. في الكفر: جار ومجرور متعلق بزيادة.
  • ﴿ يُضَلُّ بِهِ:
  • الجملة في محل نصب حال من «النَّسِيءُ» ويجوز أن تكون خبرا ثانيا له. يضلّ: فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو على أن يكون «الَّذِينَ» مفعولا به. به: جار ومجرور متعلق بيضل. والوجه الآخر في اعراب الآية هو مجيء الفعل نائبا للمجهول فيكون الذين: نائبا للفاعل.
  • ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع نائب فاعل وحذف المفعول وتقديره من يقبله. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «كَفَرُوا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً:
  • يحلّون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. عاما: تمييز منصوب بالفتحة. ويستعمل للزمان المتقادم ويجوز أن يعرب حالا منصوبا بالفتحة. ويحرمونه عاما:معطوفة بالواو: على «يُحِلُّونَهُ عاماً» وتعرب إعرابها
  • ﴿ لِيُواطِؤُا عِدَّةَ:
  • أي ليوافقوا. اللام: للتعليل حرف جر. يواطئوا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون. الواو:ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. عدة: مفعول به منصوب بالفتحة. و «أن» المضمرة وما تلاها في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بيحلون وجملة «يواطئوا» صلة «أن» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ ما حَرَّمَ اللَّهُ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة.حرم: فعل ماض مبني على الفتح. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.وجملة «حَرَّمَ اللَّهُ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به.
  • ﴿ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ:
  • الفاء: عاطفة. يحلوا: تعرب إعراب «يواطئوا» ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. حرم الله: سبق إعرابها والعائد الى الموصول ضمير منصوب المحل بحرم لأنه مفعول به محذوف. التقدير حرّمه.
  • ﴿ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ:
  • زيّن: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. لهم: جار ومجرور متعلق بزين و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام. سوء: نائب فاعل مرفوع بالضمة. أعمال:مضاف اليه مجرور بالكسرة وهو مضاف و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي:
  • الواو: استئنافية. الله: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة.لا: نافية لا عمل لها. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو.
  • ﴿ الْقَوْمَ الْكافِرِينَ:
  • القوم: مفعول به منصوب بالفتحة. الكافرين: صفة- نعت- للقوم منصوبة مثلها وعلامة نصبها الياء لأنها جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته وجملة «لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» في محل رفع خبر المبتدأ. '

المتشابهات :

البقرة: 264﴿لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
التوبة: 37﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [37] لما قبلها :     ولمَّا كانت الآية السَّابِقة كالمُقَدِّمة إلى المقصودِ هنا، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

النسيء:
وقرئ:
1- مهموزا، وهى قراءة الجمهور.
2- بتشديد الياء من غير همز، وهى قراءة الزهري، وحميد، وأبى جعفر.
3- النسء، بإسكان السين، وهى قراءة السلمى، وطلحة، والأشهب.
4- النسوء، على وزن «فعول» بفتح الفاء، وهى قراءة مجاهد.
يضل:
قرئ:
1- مبنيا للمفعول، وهى قراءة ابن مسعود، والأخوين، وحفص.
2- مبنيا للفاعل، وهى قراءة باقى السبعة.
3- بفتحتين، من «ضللت» ، بكسر اللام، وهى قراءة أبى رجاء.
4- نضل، بالنون المضمومة، وكسر الضاد، وهي قراءة النخعي، ومحبوب عن الحسن.
ليواطئوا:
قرئ:
ليواطيوا، بالياء المضمومة، وهى قراءة الأعمش، وأبى جعفر.
زين:
1- مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبنيا للفاعل، ونصب «سوء» والتقدير: زين لهم ذلك الفعل سوء أعمالهم، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [38] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا ..

التفسير :

[38] يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ما بالكم إذا قيل لكم:اخرجوا إلى الجهاد في سبيل الله لقتال أعدائكم تكاسلتم ولزمتم مساكنكم؟ هل آثرتم حظوظكم الدنيوية على نعيم الآخرة؟ فما تستمتعون به في الدنيا قليل زائل، أما نعيم الآخرة الذي أعدَّه الله

اعلم أن كثيرا من هذه السورة الكريمة، نزلت في غزوة تبوك، إذ ندب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسلمين إلى غزو الروم، وكان الوقت حارًا، والزاد قليلا، والمعيشة عسرة، فحصل من بعض المسلمين من التثاقل ما أوجب أن يعاتبهم اللّه تعالى عليه ويستنهضهم، فقال تعالى‏:‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ ألا تعملون بمقتضى الإيمان، وداعي اليقين من المبادرة لأمر اللّه، والمسارعة إلى رضاه، وجهاد أعدائه والنصرة لدينكم، فـ ‏{‏مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ‏}‏ أي‏:‏ تكاسلتم، وملتم إلى الأرض والدعة والسكون فيها‏.‏

‏{‏أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ‏}‏ أي‏:‏ ما حالكم إلا حال من رضي بالدنيا وسعى لها ولم يبال بالآخرة، فكأنه ما آمن بها‏.‏

‏{‏فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ التي مالت بكم، وقدمتموها على الآخرة ‏{‏إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏ أفليس قد جعل اللّه لكم عقولا تَزِنُون بها الأمور، وأيها أحق بالإيثار‏؟‏‏.‏

أفليست الدنيا ـ من أولها إلى آخرها ـ لا نسبة لها في الآخرة‏.‏ فما مقدار عمر الإنسان القصير جدا من الدنيا حتى يجعله الغاية التي لا غاية وراءها، فيجعل سعيه وكده وهمه وإرادته لا يتعدى حياته الدنيا القصيرة المملوءة بالأكدار، المشحونة بالأخطار‏.‏

فبأي رَأْيٍ رأيتم إيثارها على الدار الآخرة الجامعة لكل نعيم، التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأنتم فيها خالدون، فواللّه ما آثر الدنيا على الآخرة من وقر الإيمان في قلبه، ولا من جزل رأيه، ولا من عُدَّ من أولي الألباب،

قال الإمام ابن كثير: هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر، وحمارة القيظ، .

وتبوك: اسم لمكان معروف في أقصى بلاد الشام من ناحية الجنوب، ويبعد عن المدينة المنورة من الجهة الشمالية بحوالى ستمائة كيلو متر.

وكانت غزوة تبوك في شهر رجب من السنة التاسعة، وهي آخر غزوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان السبب فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغه أن الروم قد جمعوا له جموعا كثيرة على أطراف الشام، وأنهم يريدون أن يتجهوا إلى الجنوب لمهاجمة المدينة.

فاستنفر صلى الله عليه وسلم الناس إلى قتال الروم، وكان صلى الله عليه وسلم قلما يخرج إلى غزوة إلا ورى بغيرها حتى يبقى الأمر سرا.

ولكنه في هذه الغزوة صرح للمسلمين بوجهته وهي قتال الروم، وذلك لبعد المسافة، وضيق الحال، وشدة الحر، وكثرة العدو.

وقد لبى المؤمنون دعوة رسولهم صلى الله عليه وسلم لقتال الروم، وصبروا على الشدائد، والمتاعب وبذلوا الكثير من أموالهم، ولم يتخلف منهم إلا القليل.

أما المنافقون وكثير من الأعراب، فقد تخلفوا عنها، وحرضوا غيرهم على ذلك، وحكت السورة- في كثير من آياتها الآتية- ما كان منهم من جبن ومن تخذيل الناس عن القتال، ومن تحريض لهم على القعود وعدم الخروج.

وبعد أن وصل الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى تبوك، لم يجدوا جموعا للروم. فأقاموا هناك بضع عشرة ليلة، ثم عادوا إلى المدينة» .

وقوله- سبحانه-: انْفِرُوا من النفر وهو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان لسبب من الأسباب الداعية لذلك.

يقال: نفر فلان إلى الحرب ينفر وينفر نفرا ونفورا، إذا خرج بسرعة ويقال: استنفر الإمام الناس، إذا حرضهم على الخروج للجهاد. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: وإذا استنفرتم فانفروا أى: وإذا دعاكم الإمام إلى الخروج معه للجهاد فاخرجوا معه بدون تثاقل.

واسم القوم الذين يخرجون للجهاد: النفير والنفرة والنفر.

ويقال: نفر فلان من الشيء، إذا فزع منه، وأدبر عنه، ومنه قوله- تعالى- وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ، وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً .

وقوله: اثَّاقَلْتُمْ: من الثقل ضد الخفة. يقال: تثاقل فلان عن الشيء، إذا تباطأ عنه ولم يهتم به.. ويقال: تثاقل القوم: إذا لم ينهضوا لنجدة المستجير بهم. وأصل اثَّاقَلْتُمْ تثاقلتم، فأبدلت التاء ثاء ثم أدغمت فيها، ثم اجتلبت همزة الوصل من أجل التوصل للنطق بالساكن.

والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أى: ما الذي جعلكم تباطأتم عن الخروج إلى الجهاد، حين دعاكم رسولكم صلى الله عليه وسلم إلى قتال الروم، وإلى النهوض لإعلاء كلمة الله، ونصرة دينه؟

وقد ناداهم- سبحانه- بصفة الإيمان، لتحريك حرارة العقيدة في قلوبهم، وتوجيه عقولهم إلى ما يستدعيه الإيمان الصادق من طاعة لله ولرسوله. والاستفهام في قوله:

ما لَكُمْ لإنكار واستبعاد صدور هذا التثاقل منهم، مع أن هذا يتنافى مع الإيمان والطاعة.

قال الجمل: و «ما» مبتدأ، و «لكم» خبر، وقوله «اثاقلتم» حال. وقوله: «إذا قيل لكم» ظرف لهذه الحال مقدم عليها.

والتقدير: أى شيء ثبت لكم من الأعذار. حال كونكم متثاقلين في وقت قول الرسول لكم: انفروا في سبيل الله .

وقوله. «إلى الأرض» متعلق بقوله: «اثاقلتم» على تضمينه معنى الميل إلى الراحة،والإخلاد إلى الأرض، ولذا عدى بإلى.

أى: اثاقلتم مائلين إلى الراحة وإلى شهوات الدنيا الفانية، وإلى الإقامة بأرضكم ودياركم، وكرهتم الجهاد مع أنه ذروة سنام الإسلام.

وإن التعبير بقوله، سبحانه، اثَّاقَلْتُمْ لفي أسمى درجات البلاغة، وأعلى مراتب التصوير الصادق، لأنه بلفظه وجرسه يمثل الجسم المسترخى الثقيل الذي استقر على الأرض.. والذي كلما حاول الرافعون أن يرفعوه عاد إليه ثقله فسقط من بين أيديهم، وأخلد إلى الأرض.

وذلك لأن ما استولى عليه من حب للذائذ الدنيا وشهواتها، أثقل بكثير من حبه لنعيم الآخرة وخيراتها.

وقوله، سبحانه،: أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ إنكار آخر لتباطئهم عن الجهاد، وتعجب من ركونهم إلى الدنيا مع أن إيمانهم يتنافى مع ذلك.

وقوله. فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ بيان لحقارة متاع الدنيا بالنسبة لنعيم الآخرة الدائم.

والمعنى: أى شيء حال بينكم، أيها المؤمنون، وبين المسارعة إلى الجهاد عند ما دعاكم رسولكم صلى الله عليه وسلم إليه. أرضيتم براحة الحياة الدنيا ولذائذها الناقصة.

إن كان أمركم كذلك، فقد أخطأتم الصواب، لأن متاع الحياة الدنيا مهما كثر فهو قليل مستحقر بجانب متاع الآخرة الباقي، ونعيمها الخالد.

قال الآلوسى ما ملخصه: «في» من قوله فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ تسمى بفي القياسية. لأن المقيس يوضع في جنب ما يقاس به. وفي ترشيح الحياة الدنيا بما يؤذن بنفاستها، ويستدعى الرغبة فيها، وتجريد الآخرة عن مثل ذلك مبالغة في بيان حقارة الدنيا ودناءتها وعظم شأن الآخرة ورفعتها.

وقد أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن المستورد، أخى بنى فهر، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم، فلينظر بم ترجع» .

وقال الفخر الرازي: اعلم أن هذه الآية تدل على وجوب الجهاد في كل حال، لأنه، سبحانه، نص على أن تثاقلهم عن الجهاد أمر منكر، ولو لم يكن الجهاد واجبا لما كان هذا التثاقل منكرا. وليس لقائل أن يقول: الجهاد إنما يجب في الوقت الذي يخاف هجوم الكفار فيه، لأنه عليه السلام، ما كان يخاف هجوم الروم عليه، ومع ذلك فقد أوجب الجهاد معهم..

وأيضا هو واجب على الكفاية، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين. والخطاب في الآية للمؤمنين الذين تقاعسوا في الخروج إلى غزوة تبوك مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر وحمارة القيظ ، فقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله ) أي : إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله ( اثاقلتم إلى الأرض ) أي : تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار ، ( أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ) أي : ما لكم فعلتم هكذا ؟ أرضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة .

ثم زهد تبارك وتعالى في الدنيا ، ورغب في الآخرة ، فقال : ( فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ) كما قال الإمام أحمد .

حدثنا وكيع ويحيى بن سعيد قالا حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن المستورد أخي بني فهر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل إصبعه هذه في اليم ، فلينظر بم ترجع ؟ وأشار بالسبابة .

انفرد بإخراجه مسلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا بشر بن مسلم بن عبد الحميد الحمصي ، حدثنا الربيع بن روح ، حدثنا محمد بن خالد الوهبي ، حدثنا زياد - يعني الجصاص - عن أبي عثمان قال : قلت : يا أبا هريرة ، سمعت من إخواني بالبصرة أنك تقول : سمعت نبي الله يقول : إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة ، قال أبو هريرة : بل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة ، ثم تلا هذه الآية : ( فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل )

فالدنيا ما مضى منها وما بقي منها عند الله قليل .

وقال [ سفيان ] الثوري ، عن الأعمش في الآية : ( فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ) قال : كزاد الراكب .

وقال عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه : لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة قال : ائتوني بكفني الذي أكفن فيه أنظر إليه ، فلما وضع بين يديه نظر إليه فقال : أما لي من كبير ما أخلف من الدنيا إلا هذا ؟ ثم ولى ظهره فبكى وهو يقول أف لك من دار ، إن كان كثيرك لقليل ، وإن كان قليلك لقصير ، وإن كنا منك لفي غرور .

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ (38)

قال أبو جعفر: وهذه الآية حثٌّ من الله جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسوله على غزو الروم, وذلك غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك.

يقول جل ثناؤه: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله =(ما لكم)، أيّ شيء أمرُكم =(إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله)، يقول: إذا قال لكم رسولُ الله محمدٌ =(انفروا) ، أي: اخرجوا من منازلكم إلى مغزاكم.

* * *

وأصل " النفر "، مفارقة مكان إلى مكان لأمرٍ هاجه على ذلك. ومنه: " نفورًا الدابة ". غير أنه يقال: من النفر إلى الغزو: " نَفَر فلان إلى ثغر كذا ينْفِر نَفْرًا ونَفِيرًا ", وأحسب أن هذا من الفروق التي يفرِّقون بها بين اختلاف المخبر عنه، (14) وإن اتفقت معاني الخبر. (15)

* * *

فمعنى الكلام: ما لكم أيها المؤمنون، إذا قيل لكم: اخرجُوا غزاة = " في سبيل الله "، أي: في جهاد أعداء الله (16) =(اثَّاقلتم إلى الأرض)، يقول: تثاقلتم إلى لزوم أرضكم ومساكنكم والجلوس فيها.

* * *

وقيل: " اثّاقلتم " لإدغام " التاء " في " الثاء " فأحدثتْ لها ألف. (17) ليُتَوصَّل إلى الكلام بها، لأن " التاء " مدغمة في " الثاء ". ولو أسقطت الألف، وابتدئ بها، لم تكن إلا متحركة, فأحدثت الألف لتقع الحركة بها, كما قال جل ثناؤه: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا ، [سورة الأعراف: 38]، وكما قال الشاعر: (18)

تُـولِي الضَّجِـيعَ إذَا مَا اسْتَافَهَا خَصِرًا

عَـذْبَ المَـذَاقِ, إذَا مَـا أتَّـابَعَ القُبَـلُ (19)

[فهو من " الثقل "، ومجازه مجاز " افتعلتم "]، من " التثاقل ". (20)

وقوله: (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة)، يقول جل ثناؤه, أرضيتم بحظ الدنيا والدّعة فيها، عوضًا من نعيم الآخرة، وما عند الله للمتقين في جنانه =(فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة)، يقول: فما الذي يستمتع به المتمتعون في الدنيا من عيشها ولذَّاتها في نعيم الآخرة والكرامة التي أعدَّها الله لأوليائه وأهل طاعته (21) =(إلا قليل)، يسير. يقول لهم: فاطلبوا، أيها المؤمنون، نعيم الآخرة، وشرف الكرامة التي عند الله لأوليائه، (22) بطاعتِه والمسارعة إلى الإجابة إلى أمره في النفير لجهاد عدوِّه.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16719- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض)، أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح، وبعد الطائف, وبعد حنين. أمروا بالنَّفير في الصيف، حين خُرِفت النخل, (23) وطابت الثمار, واشتَهُوا الظلال, وشقّ عليهم المخرج.

16720- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض) الآية, قال: هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح وحنين وبعد الطائف. أمرهم بالنَّفير في الصيف, حين اختُرِفت النخل, وطابت الثمار, واشتهوا الظلال, وشقَّ عليهم المخرج. قال: فقالوا: " الثقيل ", ذو الحاجة, والضَّيْعة, والشغل, (24) والمنتشرُ به أمره في ذلك كله. فأنـزل الله: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا ، [سورة التوبة: 41]

------------------------

الهوامش :

(14) يعني أبو جعفر ، أنهم لم يقولوا في النفر إلى الغزو " نفورا " في مصدره ، وقد أثبتت كتب اللغة أنه يقال في مصدره "نفر إلى الغزو نفورا".

(15) انظر "النفر" فيما سلف 8 : 536 ، ولم يفسره هناك.

(16) انظر تفسير "سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل).

(17) في المطبوعة: "لأنه أدغم التاء في الثاء فأحدث لها ألف" ، وكان في المخطوطة: "لأنه غام" ، فلم يحسن قراءتها، فغير الكلام ، فأثبته على الصواب من المخطوطة . وانظر ما سلف في الإدغام 2 : 224 .

(18) لم أعرف قائله

(19) مضى شرحه وتفسيره آنفًا 2 : 223، ومعاني القرآن للفراء 1 : 438.

(20) مكان هذه الجملة في المطبوعة: "فهو بنى الفعل افتعلتم من التثاقل" ، وهو كلام غث جدا. وفي المخطوطة : " فهو بين الفعل افتعلتم من التثاقل " ، غير منقوط ، وصححت هذه العبارة اجتهادا ، مؤتنسًا بما قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 260 ، قال : " ومجاز : اثاقلتم ، مجاز : افتعلتم ، من التثاقل ، فأدغمت التاء في الثاء ، فثقلت وشددت " . يعني أبو عبيدة : أنك لو بنيت " افتعل " من " الثقل " ، كان واجبا إدغام التاء في الثاء . وانظر أيضًا معاني القرآن للفراء 1 : 437 ، 438 .

(21) انظر تفسير "متاع" فيما سلف من فهارس اللغة (متع).

(22) في المطبوعة: "وترف الكرامة" ، والصواب ما في المخطوطة.

(23) "خرف النخل يخرفه خرفًا ، واخترفه اخترافًا" ، صرم ثمره واجتناه بعد أن يطيب.

(24) في المطبوعة: "فقالوا: منا الثقيل وذو الحاجة والضيعة ..." ، غير ما في المخطوطة ، وكان في المخطوطة ما أثبت. وهو مقبول، مع شكي في أن يكون سقط من الكلام شيء. وقوله : " الثقيل : ذو الحاجة والضيعة " هو تفسير قوله تعالى : (انفروا خفافًا وثقالا) ، جمع " ثقيل " ، كما سترى في تفسير الآية ص : 262 وما بعدها .

المعاني :

انفروا :       اخرجوا غزاة ً (لتبوك) معاني القرآن
اثَّاقَلْتُمْ :       تَبَاطَاتُمْ، وَتَكَاسَلْتُمْ السراج
اثاقلتم :       تباطأتم و أخلدتم معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[38] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾ عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب، لما فيها من المضار الشديدة.
وقفة
[38] ﴿مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾ لا يضعف القلب ويكبله عن بلوغ معالي الأمور إلا الانجذاب لسفولة الأرض.
وقفة
[38] ﴿مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ لا يضعف القلب ويوهن العزيمة إلا حُب الدنيا وشهواتها!
وقفة
[38] النفير في القرآن نوعان: للجهاد: ﴿انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾، وللعلم: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ [122]، فلا عزة بغير جهاد، ولا جهاد إلا بعلم.
وقفة
[38] ﴿أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ عاتبهم الله على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة في الآخرة؛ إذ لا تنال راحة الآخرة إلا بنصب الدنيا.
عمل
[38] ﴿أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ اجعلها شعارك عندما يتعلق قلبك بالدنيا وينسى الآخرة!
وقفة
[38] ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ لن تندم على شيء أعظم من ندمك على طاعة فرطت فيها من أجل دنيا.
وقفة
[38] الإله الخبير الذي خلق الدنيا والآخرة يقول لنا: ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾، ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى﴾ [النساء: 77].

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • يا: أداة نداء أي منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» زائدة للتنبيه. الذين: اسم موصول مبني على الفتح بدل من «أي» آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ ما لَكُمْ:
  • ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لكم: جار ومجرور متعلق بخبر «ما» والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ إِذا قِيلَ لَكُمُ:
  • إذا: ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب مفعول به لما دلّ عليه قوله من معنى القول كأنه قيل: ما تصنعون اذا قيل لكم. وهي أداة شرط غير جازمة. قيل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح.لكم: جار ومجرور متعلق بقيل والميم علامة جمع الذكور وجملة «قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا» في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
  • انفروا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. في سبيل: جار ومجرور متعلق بانفروا. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة والجملة الفعلية «انْفِرُوا» في محل رفع نائب فاعل.
  • ﴿ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ:
  • الجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها من الاعراب. أثاقلتم: اي تثاقلتم بمعنى «تباطأتم» فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. والميم علامة جمع الذكور. إلى الأرض: جار ومجرور متعلق باثاقلتم. وأصلها تثاقلتم ادغمت التاء في الثاء واوصلت بالالف.
  • ﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا:
  • الهمزة: همزة إنكار وتوبيخ بلفظ استفهام.رضيتم: تعرب إعراب «اثَّاقَلْتُمْ». بالحياة: جار ومجرور متعلق برضيتم.الدنيا: صفة- نعت- للحياة مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ:
  • جار ومجرور متعلق برضيتم والباء بمعنى «عوض» أو البدلية أي بدل الآخرة. فما: الفاء: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها.متاع: مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف.
  • ﴿ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ:
  • الحياة: مضاف اليه مجرور بالكسرة. الدنيا:أعربت. في الآخرة: جار ومجرور متعلق بالخبر بمعنى: في جنب الآخرة.
  • ﴿ إِلَّا قَلِيلٌ:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. قليل: خبر المبتدأ «مَتاعُ» مرفوع بالضمة المنونة. '

المتشابهات :

آل عمران: 14﴿وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَ‍َٔابِ
التوبة: 38﴿أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَـ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ
يونس: 23﴿إِنَّمَا بَغۡيُكُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۖ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ
القصص: 60﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَـ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ
القصص: 61﴿أَفَمَن وَعَدۡنَٰهُ وَعۡدًا حَسَنٗا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعۡنَٰهُ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ
الشورى: 36﴿فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ
الزخرف: 35﴿وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكم إذا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا﴾ نَزَلَتْ في الحَثِّ عَلى غَزْوَةِ تَبُوكَ، وذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا رَجَعَ مِنَ الطّائِفِ وغَزْوَةِ حُنَيْنٍ أمَرَ بِالجِهادِ لِغَزْوِ الرُّومِ، وذَلِكَ في زَمَنِ عُسْرَةٍ مِنَ النّاسِ، وجَدْبٍ مِنَ البِلادِ، وشِدَّةٍ مِنَ الحَرِّ، حِينَ أخْرَفَتِ النَّخْلُ، وطابَتِ الثِّمارُ، فَعَظُمَ عَلى النّاسِ غَزْوُ الرُّومِ، وأحَبُّوا الظِّلالَ والمُقامَ في المَساكِنِ والمالِ، وشَقَّ عَلَيْهِمُ الخُرُوجُ إلى القِتالِ، فَلَمّا عَلِمَ اللَّهُ تَثاقُلَ النّاسِ أنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [38] لما قبلها :     وبعد ذِكر معايِب هؤلاءِ الكُفَّارِ وفَضائحِهم؛ عاد الحديث هنا إلى التَّرغيبِ في قتالهم، وبداية الحديث عن غزوةِ تَبُوك 9هـ بعتابِ الصحابةِ لمَّا تثاقلُوا عن الخروجِ مع النَّبي r لغزوِ الرومِ، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

"اثاقلتم:
وقرئ:
تثاقلتم، وهى قراءة الأعمش.

مدارسة الآية : [39] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ..

التفسير :

[39] إن لا تنفروا أيها المؤمنون إلى قتال عدوكم ينزلِ الله عقوبته بكم، ويأت بقوم آخرين ينفرون إذا استُنْفِروا، ويطيعون الله ورسوله، ولن تضروا الله شيئاً بتولِّيكم عن الجهاد، فهو الغني عنكم وأنتم الفقراء إليه. وما يريده الله يكون لا محالة. والله على كل شيء

‏{‏إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا‏}‏ في الدنيا والآخرة، فإن عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب، لما فيها من المضار الشديدة، فإن المتخلف، قد عصى اللّه تعالى وارتكب لنهيه، ولم يساعد على نصر دين اللّه، ولا ذب عن كتاب اللّه وشرعه، ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم الذي يريد أن يستأصلهم ويمحق دينهم، وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان، بل ربما فَتَّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء اللّه، فحقيق بمن هذا حاله أن يتوعده اللّه بالوعيد الشديد، فقال‏:‏ ‏{‏إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ‏}‏ ثم لا يكونوا أمثالكم ‏{‏وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا‏}‏ فإنه تعالى متكفل بنصر دينه وإعلاء كلمته، فسواء امتثلتم لأمر اللّه، أو ألقيتموه، وراءكم ظهريا‏.‏

‏{‏وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ لا يعجزه شيء أراده، ولا يغالبه أحد‏.‏

ثم هددهم، سبحانه، بالعذاب الأليم، إن لم ينفروا للجهاد في سبيله فقال إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ، وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً.

أى: إِلَّا تَنْفِرُوا، أيها المؤمنون، للجهاد كما أمركم رسولكم يُعَذِّبْكُمْ الله عَذاباً أَلِيماً في الدنيا بإنزال المصائب، بكم، وفي الآخرة بنار جهنم.

وقوله: وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ أى: ويستبدل بكم قوما يطيعون رسوله في العسر واليسر، والمنشط والمكره.. كما قال،: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ.

قال صاحب المنار: قيل المراد بهؤلاء القوم: أهل اليمن، وقيل أهل فارس وليس في محله، فإن الكلام للتهديد، والله يعلم أنه لا يقع الشرط ولا جزاؤه.

وإنما المراد يطيعونه- سبحانه- ويطيعون رسوله، لأنه قد وعده بالنصر وإظهار دينه، فإن لم يكن هذا الإظهار بأيديكم. فلا بد أن يكون بأيدى غيركم وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ.

وقد مضت سنته- تعالى- بأنه لا بقاء للأمم التي تتثاقل عن الدفاع عن نفسها وحفظ حقيقتها وسيادتها، ولا تتم فائدة القوة الدفاعية والهجومية إلا بطاعة الإمام، فكيف إذا كان الإمام والقائد هو النبي الموعود من ربه بالنصر.. .

والضمير في قوله وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً يعود إلى الله، تعالى.

أى: إن تباطأتم «أيها المؤمنون» عن الجهاد، يعذبكم الله عذابا أليما ويستبدل بكم قوما سواكم لنصرة نبيه، ولن تضروا الله شيئا من الضرر بسبب تقاعسكم. لأنكم أنتم الفقراء إليه، وهو، سبحانه، الغنى الحميد.

وقيل: الضمير يعود للرسول، صلى الله عليه وسلم أى: ولا تضروا الرسول شيئا ما من الضرر بسبب تثاقلكم عن الجهاد، لأن الله قد وعده بالنصر ووعده كائن لا محاله.

وقوله: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تذييل مؤكد لما قبله.

أى: والله، تعالى: على كل شيء من الأشياء قدير، ولا يعجزه أمر، ولا يحول دون نفاذ مشيئته حائل، فامتثلوا أمره لتفوزوا برضوانه.

فأنت ترى أن هذه الآية وسابقتها قد اشتملت على أقوى الأساليب التي ترغب في الجهاد، وترهب من النكوص عنه، وتبعث على الطاعة لله ولرسوله.

ثم توعد تعالى على ترك الجهاد فقال : ( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ) قال ابن عباس : استنفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيا من العرب ، فتثاقلوا عنه ، فأمسك الله عنهم القطر فكان عذابهم .

( ويستبدل قوما غيركم ) أي : لنصرة نبيه وإقامة دينه ، كما قال تعالى : ( إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) [ محمد : 38 ] .

( ولا تضروه شيئا ) أي : ولا تضروا الله شيئا بتوليكم عن الجهاد ، ونكولكم وتثاقلكم عنه ، ( والله على كل شيء قدير ) أي : قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم .

وقد قيل : إن هذه الآية ، وقوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) وقوله ( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ) [ التوبة : 120 ] إنهن منسوخات بقوله تعالى : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) [ التوبة : 122 ] روي هذا عن ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، وزيد بن أسلم . ورده ابن جرير وقال : إنما هذا فيمن دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الجهاد ، فتعين عليهم ذلك ، فلو تركوه لعوقبوا عليه .

وهذا له اتجاه ، والله [ سبحانه و ] تعالى أعلم [ بالصواب ] .

القول في تأويل قوله : إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله, متوعِّدَهم على ترك النَّفْر إلى عدوّهم من الروم: إن لم تنفروا، أيها المؤمنون، إلى من استنفركم رسول الله, يعذّبكم الله عاجلا في الدنيا، بترككم النَّفْر إليهم، عذابًا مُوجعًا (25) =(ويستبدل قومًا غيركم)، يقول: يستبدل الله بكم نبيَّه قومًا غيرَكم, ينفرون إذا استنفروا, ويجيبونه إذا دعوا, ويطيعون الله ورسوله (26) =(ولا تضروه شيئا)، يقول: ولا تضروا الله، بترككم النّفير ومعصيتكم إياه شيئًا, لأنه لا حاجة به إليكم, بل أنتم أهل الحاجة إليه, وهو الغني عنكم وأنتم الفقراء =(والله على كل شيء قدير)، يقول جل ثناؤه: والله على إهلاككم واستبدال قوم غيركم بكم، وعلى كل ما يشاء من الأشياء، قدير. (27)

* * *

وقد ذكر أن " العذاب الأليم " في هذا الموضع، كان احتباسَ القَطْر عنهم.

* ذكر من قال ذلك:

16721- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثني عبد المؤمن بن خالد الحنفي قال، حدثني نجدة الخراساني قال: سمعت ابن عباس, سئل عن قوله: (إلا تنفروا يعذبكم عذابًا أليمًا)، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر حيًّا من أحياء العرب فتثاقلوا عنه, فأمسك عنهم المطر, فكان ذلك عذابَهم, فذلك قوله: (إلا تنفروا يعذبكم عذابًا أليما). (28)

16722- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبد المؤمن, عن نجدة قال: سألت ابن عباس, فذكر نحوه = إلا أنه قال: فكان عذابهم أنْ أمسك عنهم المطر. (29)

16723- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (إلا تنفروا يعذبكم عذابًا أليمًا)، استنفر الله المؤمنين في لَهَبَان الحرِّ في غزوة تبوك قِبَل الشأم، (30) على ما يعلم الله من الجَهْد.

* * *

وقد زعم بعضهم أن هذه الآية منسوخة.

* ذكر من قال ذلك:

16724- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح, عن الحسين, عن يزيد, عن عكرمة والحسن البصري قالا قال: (إلا تنفروا يعذبكم عذابًا أليمًا)، وقال: مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ، إلى قوله: لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، فنسختها الآية التي تلتها: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ، إلى قوله: لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ، [سورة التوبة: 120 - 122].

* * *

قال أبو جعفر: ولا خبرَ بالذي قال عكرمة والحسن، من نسخ حكم هذه الآية التي ذكَرا، (31) يجب التسليم له, ولا حجةَ نافٍ لصحة ذلك. (32) وقد رأى ثبوت الحكم بذلك عددٌ من الصحابة والتابعين سنذكرهم بعدُ، وجائزٌ أن يكون قوله: (إلا تنفروا يعذبكم عذابًا أليمًا)، الخاص من الناس, ويكون المراد به من استنفرَه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينفر، على ما ذكرنا من الرواية عن ابن عباس.

وإذا كان ذلك كذلك، كان قوله: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ، نهيًا من الله المؤمنين عن إخلاء بلاد الإسلام بغير مؤمنٍ مقيم فيها, وإعلامًا من الله لهم أن الواجب النَّفرُ على بعضهم دون بعض, وذلك على من استُنْفِرَ منهم دون من لم يُسْتَنْفَر. وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن في إحدى الآيتين نسخ للأخرى, وكان حكم كل واحدة منهما ماضيًا فيما عُنِيَتْ به.

------------------

الهوامش :

(25) انظر تفسير "النفر" فيما سلف قريبا ص : 249.

(26) انظر تفسير "الاستبدال" فيما سلف 8 : 123، تعليق : 2 ، والمراجع هناك.

(27) انظر تفسير " قدير " فيما سلف من فهارس اللغة (قدر)

(28) الأثر: 16721 - "زيد بن الحباب العكلي" ، سلف مرارًا، آخرها رقم : 16684 .

و "عبد المؤمن بن خالد الحنفي" ، ثقة ، مضى برقم 11914 .

و " نجدة الخراساني " هو : " نجدة بن نفيع الحنفي " ، ثقة ، مضى أيضًا برقم : 11914 .

وهذا الخبر ، رواه الطبري فيما يلي برقم : 16722 ، من طريق يحيى بن واضح ، عن عبد المؤمن .

ورواه أبو داود في سننه 3 : 16 ، رقم : 2506 ، من طريق زيد بن الحباب، مختصرًا، ورواه البيهقي في السنن 9 : 48 ، بنحوه . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 239 ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والحاكم ، وصححه الحاكم.

(29) الأثر : 16722 - هو مكرر الأثر السالف ، وهذا أيضا لفظ أبي داود والبيهقي : "المطر" ، من طريق زيد بن الحباب السالف.

(30) "لهبان الحر"، (بفتح اللام والهاء)، شدته في الرمضاء. ويقال : " يوم لهبان " ، صفة ، أي شديد الحر. و " اللهبان " مصدر مثل : اللهب ، واللهيب ، واللهاب (بضم اللام) ، وهو اشتعال النار إذا خلصت من الدخان.

(31) في المطبوعة: "التي ذكروا" ، والصواب من المخطوطة.

(32) في المطبوعة: "ولا حجة تأتي بصحة ذلك" وفي المخطوطة: "ولا حجة بات بصحة ذلك"، غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت.

المعاني :

إِلَّا تَنْفِرُوا :       إِلَّا تَخْرُجُوا لِلْجِهَادِ السراج

التدبر :

وقفة
[39] ﴿إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ فإن عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب؛ لما فيها من المضار الشديدة: فإن المتخلف قد عصى الله تعالى وارتكب لنهيه، ولم يساعد على نصر دين الله، ولا ذَبَّ عن كتاب الله وشرعه، ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم الذي يريد أن يستأصلهم ويمحق دينهم، وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان، بل رُبَّما فَتَّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء الله.
وقفة
[39] قوله تعالى: ﴿إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ قد يكون العذاب من عنده وقد يكون بأيدي العباد، فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة حتى تقع بينهم الفتنة كما هو الواقع؛ فإن الناس إذا اشتغلوا بالجهاد في سبيل الله جمع الله قلوبهم وألف بينهم وجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم.
وقفة
[39] توعد من تخلف عن الجهاد بقوله: ﴿إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ﴾، مع المبالغة في ألم العذاب: ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾، وهدد معه بالاستبدال: ﴿وَيَسْتَبْدِلْ﴾، مع الإعلان عن علو القدرة الإلهية، فلا يعجزها شيء: ﴿وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ .
وقفة
[39] ﴿يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ تهدید بكل أقسام العذاب، وهي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وقطع منافع الدنيا ومنافع الآخرة.
وقفة
[39] ﴿يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ وأوضح عذاب هو ما أخبر عنه النبي ﷺ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» [أبو داود 3462، وصححه الألباني].
تفاعل
[39] ﴿يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
عمل
[39] ﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ اعلمْ أنَّك لو دُعِيتَ إلى عملِ خيرٍ فاعتذرتَ عنه، فسوف يأتي غيرُك ويأخذُ شرفَ هذا العملِ، فردّدْ دائمًا: اللهمَّ استعملْنا ولا تستبدلْنا.
وقفة
[39] اعلم أن من سنة الله تعالى في خلقه الاستبدال؛ فمن بدل وضيع أذهبه الله وأتى بخير منه ﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
عمل
[39] تذكر أسماء ثلاث دول أو أمم استبدل الله بها غيرها لما استبدلوا بشرع الله هوى أنفسهم، ثم استعذ برضى الله من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، ومن تحول عافيته وفجاءة نقمته، ﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ:
  • إلّا: مكونة أو مركبة من «إن» حرف شرط جازم و «لا» نافية لا عمل لها. تنفروا: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. يعذب: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بإن أيضا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي سبحانه وتعالى والكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. وجملة «يُعَذِّبْكُمْ» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ:
  • عذابا: مفعول به منصوب بالفتحة وهو مصدر الفعل أي- تعذيبا-. أليما: صفة- نعت- لعذابا منصوبة مثلها بالفتحة.ويستبدل: معطوفة بالواو على «يعذب» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ قَوْماً غَيْرَكُمْ:
  • قوما: مفعول به منصوب بالفتحة. أي يستبدل بكم قوما.غير: صفة- نعت- لقوما ويجوز أن تكون بدلا من «قَوْماً» منصوبا بالفتحة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً:
  • الواو: عاطفة. لا: نافية لا عمل لها. تضروه:معطوفة على «يُعَذِّبْكُمْ» مجزومة مثلها وعلامة جزم الفعل المضارع حذف النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. شيئا: مفعول مطلق منصوب بالفتحة. في موضع المصدر أي «ضررا».
  • ﴿ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
  • الواو: استئنافية. الله: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. على كل: جار ومجرور متعلق بقدير. شيء: مضاف اليه مجرور بالكسرة المنونة. قدير: خبر المبتدأ «لفظ الجلالة» مرفوع بالضمة المنونة. '

المتشابهات :

التوبة: 39﴿إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ
هود: 57﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [39] لما قبلها :     ولمَّا خرج الكلام السابق مخرج العتاب؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أن الأمر لا يقتصر على مجرد كونه عتابًا، بل فيه عذاب مترتب على هذا التخلف والتثاقل، قال تعالى:
﴿ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [40] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ ..

التفسير :

[40] يا معشر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن لا تنفروا معه إذا استَنْفَركم، وإن لا تنصروه، فقد أيده الله ونصره يوم أخرجه الكفار -من قريش- من بلده «مكة»، وهو ثاني اثنين (هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه)، وألجؤوهما إلى نَقْب في جبل ثورﺑ«مكة»، فمكث

أي‏:‏ إلا تنصروا رسوله محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاللّه غني عنكم، لا تضرونه شيئا، فقد نصره في أقل ما يكون وأذلة ‏{‏إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ من مكة لما هموا بقتله، وسعوا في ذلك، وحرصوا أشد الحرص، فألجؤوه إلى أن يخرج‏.‏

‏{‏ثَانِيَ اثْنَيْنِ‏}‏ أي‏:‏ هو وأبو بكر الصديق رضي اللّه عنه‏.‏ ‏{‏إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ‏}‏ أي‏:‏ لما هربا من مكة، لجآ إلى غار ثور في أسفل مكة، فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب‏.‏

فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة، حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما، فأنزل اللّه عليهما من نصره ما لا يخطر على البال‏.‏

‏{‏إِذْ يَقُولُ‏}‏ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏{‏لِصَاحِبِهِ‏}‏ أبي بكر لما حزن واشتد قلقه، ‏{‏لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا‏}‏ بعونه ونصره وتأييده‏.‏

‏{‏فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ‏}‏ أي‏:‏ الثبات والطمأنينة، والسكون المثبتة للفؤاد، ولهذا لما قلق صاحبه سكنه وقال ‏{‏لا تحزن إن اللّه معنا‏}‏

‏{‏وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا‏}‏ وهي الملائكة الكرام، الذين جعلهم اللّه حرسا له، ‏{‏وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى‏}‏ أي‏:‏ الساقطة المخذولة، فإن الذين كفروا قد كانوا على حرد قادرين، في ظنهم على قتل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأخذه، حنقين عليه، فعملوا غاية مجهودهم في ذلك، فخذلهم اللّه ولم يتم لهم مقصودهم، بل ولا أدركوا شيئا منه‏.‏

ونصر اللّه رسوله بدفعه عنه، وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع، فإن النصر على قسمين‏:‏ نصر المسلمين إذا طمعوا في عدوهم بأن يتم اللّه لهم ما طلبوا، وقصدوا، ويستولوا على عدوهم ويظهروا عليهم‏.‏

والثاني نصر المستضعف الذي طمع فيه عدوه القادر، فنصر اللّه إياه، أن يرد عنه عدوه، ويدافع عنه، ولعل هذا النصر أنفع النصرين، ونصر اللّه رسوله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من هذا النوع‏.‏

وقوله ‏{‏وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا‏}‏ أي كلماته القدرية وكلماته الدينية، هي العالية على كلمة غيره، التي من جملتها قوله‏:‏ ‏{‏وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏{‏إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ‏}‏ ‏{‏وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ‏}‏ فدين اللّه هو الظاهر العالي على سائر الأديان، بالحجج الواضحة، والآيات الباهرة والسلطان الناصر‏.‏

‏{‏وَاللَّهُ عَزِيزٌ‏}‏ لا يغالبه مغالب، ولا يفوته هارب، ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ يضع الأشياء مواضعها، وقد يؤخر نصر حزبه إلى وقت آخر، اقتضته الحكمة الإلهية‏.‏

وفي هذه الآية الكريمة فضيلة أبي بكر الصديق بخصيصة لم تكن لغيره من هذه الأمة، وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة، والصحبة الجميلة، وقد أجمع المسلمون على أنه هو المراد بهذه الآية الكريمة، ولهذا عدوا من أنكر صحبة أبي بكر للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كافرًا، لأنه منكر للقرآن الذي صرح بها‏.‏

وفيها فضيلة السكينة، وأنها من تمام نعمة اللّه على العبد في أوقات الشدائد والمخاوف التي تطيش بها الأفئدة، وأنها تكون على حسب معرفة العبد بربه، وثقته بوعده الصادق، وبحسب إيمانه وشجاعته‏.‏

وفيها‏:‏ أن الحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصديقين، مع أن الأولى ـ إذا نزل بالعبد ـ أن يسعى في ذهابه عنه، فإنه مضعف للقلب، موهن للعزيمة‏.‏

ثم ذكرهم، سبحانه، بما يعرفونه من حال الرسول صلى الله عليه وسلم حيث نصره الله. تعالى، على أعدائه بدون عون منهم، وأيده بجنود لم يروها فقال، إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ.

قال ابن جرير. هذا إعلام من الله لأصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم أنه المتوكل بنصر رسوله على أعداء دينه، وإظهاره عليهم دونهم، أعانوه أو لم يعينوه، وتذكير منه لهم بأنه فعل ذلك به، وهو من العدد في قلة، والعدو في كثرة فكيف به وهو من العدد في كثرة والعدو في قلة .

والمعنى: إنكم، أيها المؤمنون، إن آثرتم القعود والراحة على الجهاد وشدائده، ولم تنصروا رسولكم الذي استنفركم للخروج معه. فاعلموا أن الله سينصره بقدرته النافذة، كما نصره، وأنتم تعلمون ذلك، وقت أن أخرجه الذين كفروا من مكة ثانِيَ اثْنَيْنِ أى: أحد اثنين.

والثاني: أبو بكر الصديق، رضى الله عنه.

يقال. فلان ثالث ثلاثة، أو رابع أربعة.. أى: هو واحد من الثلاثة أو من الأربعة.

فإذا قيل: فلان رابع ثلاثة أو خامس أربعة، فمعناه أنه صير الثلاثة أربعة بإضافة ذاته إليهم، أو صير الأربعة خمسة.

وأسند سبحانه الإخراج إلى المشركين مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج بنفسه بإذن من الله، تعالى، لأنهم السبب في هذا الخروج حيث اضطروه إلى ذلك، بعد أن تآمروا على قتله.

قيل: وجواب الشرط في قوله، إِلَّا تَنْصُرُوهُ محذوف وقوله فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ تعليل لهذا المحذوف.

والتقدير: إلا تنصروه ينصره الله في كل حال. فَقَدْ نَصَرَهُ سبحانه وقت أن أخرجه الكافرون من بلده ولم يكن معه سوى رجل واحد.

وقال صاحب الكشاف: فإن قلت. كيف يكون قوله فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ جوابا للشرط؟.

قلت «فيه وجهان» أحدهما: إلا تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد. ولا أقل من الواحد، فدل بقوله. فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ على أنه ينصره في المستقبل كما نصره في ذلك الوقت.

والثاني. أنه أوجب له النصرة وجعله منصورا في ذلك الوقت، فلن يخذل من بعده، .

وقوله: ثانِيَ اثْنَيْنِ حال من الهاء في قوله أَخْرَجَهُ أى أخرجه الذين كفروا حال كونه منفردا عن جميع الناس إلا أبا بكر الصديق- رضى الله عنه-.

وقوله: إِذْ هُما فِي الْغارِ بدل من قوله إِذْ أَخْرَجَهُ.

والغار: النقب العظيم يكون في الجبل. والمراد به هنا: غار جبل ثور. وهو جبل في الجهة الجنوبية لمكة، وقد مكثا فيه ثلاثة أيام.

وقوله: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا بدل ثان من قوله إِذْ أَخْرَجَهُ.

أى. إلا تنصروه فقد نصره الله وقت أن أخرجه الذين كفروا من مكة، ووقت أن كان هو وصاحبه أبو بكر في الغار، ووقت أن كان صلى الله عليه وسلم يقول لصاحبه الصديق: لا تحزن إن الله معنا بتأييده ونصره وحمايته.

وذلك أن أبا بكر وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، أحس بحركة المشركين من فوق الغار، فخاف خوفا شديدا لا على حياته هو، وإنما على حياة النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منه ذلك، أخذ في تسكين روعه وجزعه وجعل يقول له: لا تحزن إن الله معنا.

أخرج الشيخان عن أبى بكر قال. نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار، وهم على رءوسنا، فقلت. يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال:

«يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا» .

وقوله: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها.. بيان لما أحاط الله به نبيه- صلى الله عليه وسلم- من مظاهر الحفظ والرعاية.

والسكينة: من السكون، وهو ثبوت الشيء بعد التحرك. أو من السكن- بالتحريك- وهو كل ما سكنت إليه نفسك، واطمأنت به من أهل وغيرهم.

والمراد بها هنا: الطمأنينة التي استقرت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم فجعلته لا يبالى بجموع المشركين المحيطين بالغار، لأنه واثق بأنهم لن يصلوا إليه.

والمراد بالجنود المؤيدين له. الملائكة الذين أرسلهم- سبحانه- لهذا الغرض: والضمير في قوله: عَلَيْهِ يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

أى. فأنزل الله سكينته وطمأنينته وأمنه على رسوله صلى الله عليه وسلم وأيده وقواه بجنود من الملائكة لم تروها أنتم، كان من وظيفتهم حراسته وصرف أبصار المشركين عنه.

ويرى بعضهم أن الضمير في قوله عَلَيْهِ يعود إلى أبى بكر الصديق، لأن الأصل في الضمير أن يعود إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور هنا هو الصاحب ولأن الرسول لم يكن في حاجة إلى السكينة. وإنما الذي كان في حاجة إليها هو أبو بكر، بسبب ما اعتراه من فزع وخوف.

وقد رد أصحاب الرأى الأول على ذلك بأن قوله وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها الضمير فيه لا يصح إلا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو معطوف على ما قبله فوجب أن يكون الضمير في قوله عَلَيْهِ عائدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يحصل تفكك في الكلام.

أما نزول السكينة فلا يلزم منه أن يكون لدفع الفزع والخوف، بل يصح أن يكون لزيادة الاطمئنان، وللدلالة على علو شأنه صلى الله عليه وسلم.

قال ابن كثير قوله فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ أى. تأييده ونصره عليه أى. على الرسول صلى الله عليه وسلم في أشهر القولين. وقيل. على أبى بكر.

قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تزل معه سكينة. وهذا لا ينافي تجدد سكينة خاصة بتلك الحال، ولهذا قال: وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها أى: الملائكة .

وقوله: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا بيان لما ترتب على إنزال السكينة والتأييد بالملائكة.

والمراد بكلمة الذين كفروا. كلمة الشرك، أو كلمتهم التي اجتمعوا عليها في دار الندوة وهي اتفاقهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمراد بكلمة الله: دينه الذي ارتضاه لعباده، وهو دين الإسلام، وما يترتب على اتباع هذا الدين من نصر وحسن عاقبة، أى: كانت نتيجة إنزال السكينة والتأييد بالملائكة، أن جعل كلمة الشرك هي السفلى، أى. المقهورة الذليلة. وكلمة الحق والتوحيد المتمثلة في دين الإسلام هي العليا أى: هي الثابتة الغالبة النافذة.

وقراءة الجمهور برفع. كَلِمَةَ على الابتداء. وقوله هِيَ مبتدأ ثان: وقوله:

الْعُلْيا خبرها، والجملة خبر المبتدأ الأول.

ويجوز أن يكون الضمير هِيَ ضمير فصل، وقوله الْعُلْيا هو الخبر وقرأ الأعمش ويعقوب وَكَلِمَةُ اللَّهِ بالنصب عطفا على مفعول جعل وهو كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا.

أى: وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وجعل كلمة الله هي العليا.

قالوا: وقراءة الرفع أبلغ وأوجه، لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام والثبوت، ولأن الجعل لم يتطرق إلى الجملة الثانية وهي قوله: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا لأنها في ذاتها عالية ثابتة، بدون جعلها كذلك في حادثة معينة. بخلاف علو غيرها فهو غير ذاتى، وإنما هو علو مؤقت في حالة معينة، ثم مصيرها إلى الزوال والخذلان بعد ذلك.

وقوله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ تذييل مقرر لمضمون ما قبله.

أى: والله- تعالى- عَزِيزٌ لا يغلبه غالب، ولا يقهره قاهر، ولا ينصر من عاقبه ناصر، حَكِيمٌ في تصريفه شأن خلقه، لا قصور في تدبيره، ولا نقص في أفعاله.

هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية: الدلالة على فضل أبى بكر الصديق- رضى الله عنه- وعلى علو منزلته، وقوة إيمانه، وشدة إخلاصه لله- تعالى- ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

ومما يشهد لذلك، أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند ما أذن الله له بالهجرة، لم يخبر أحدا غيره لصحبته في طريق هجرته إلى المدينة.

ولقد أظهر الصديق- رضى الله عنه- خلال مصاحبته للرسول صلى الله عليه وسلم الكثير من ألوان الوفاء والإخلاص وصدق العقيدة .

قال الآلوسى ما ملخصه: واستدل بالآية على فضل أبى بكر.. فإنها خرجت مخرج العتاب للمؤمنين ما عدا أبا بكر.. فعن الحسن قال: عاتب الله جميع أهل الأرض غير أبى بكر فقال:

إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ الآية.

ولأن فيها النص على صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم ولم يثبت ذلك لأحد من الصحابة: لأنه هو المراد بالصاحب في قوله إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ وهذا مما وقع عليه الإجماع.

ومن هنا قالوا: من أنكر صحبة أبى بكر فقد كفر، لإنكار كلام الله، وليس ذلك لسائر الصحابة .

وقد ساق الإمام الرازي، والشيخ رشيد رضا، عند تفسيرهما لهذه الآية اثنى عشر وجها في فضل أبى بكر الصديق- رضى الله عنه-، فارجع إليهما إن شئت .

يقول تعالى : ( إلا تنصروه ) أي : تنصروا رسوله ، فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه ، كما تولى نصره ( إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين ) [ إذ هما في الغار ] ) أي : عام الهجرة ، لما هم المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه ، فخرج منهم هاربا صحبة صديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قحافة ، فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهم ، ثم يسيرا نحو المدينة ، فجعل أبو بكر - رضي الله عنه - يجزع أن يطلع عليهم أحد ، فيخلص إلى الرسول - عليه السلام - منهم أذى ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يسكنه ويثبته ويقول : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا عفان ، حدثنا همام ، أنبأنا ثابت ، عن أنس أن أبا بكر حدثه قال : قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الغار : لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه . قال : فقال : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما .

أخرجاه في الصحيحين .

ولهذا قال تعالى : ( فأنزل الله سكينته عليه ) أي : تأييده ونصره عليه ، أي : على الرسول في أشهر القولين : وقيل : على أبي بكر ، وروي عن ابن عباس وغيره ، قالوا : لأن الرسول لم تزل معه سكينة ، وهذا لا ينافي تجدد سكينة خاصة بتلك الحال ؛ ولهذا قال : ( وأيده بجنود لم تروها ) أي الملائكة ، ( وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا )

قال ابن عباس : يعني ( كلمة الذين كفروا ) الشرك و ( كلمة الله ) هي : لا إله إلا الله .

وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله .

وقوله : ( والله عزيز ) أي : في انتقامه وانتصاره ، منيع الجناب ، لا يضام من لاذ ببابه ، واحتمى بالتمسك بخطابه ، ( حكيم ) في أقواله وأفعاله .

القول في تأويل قوله : إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا

قال أبو جعفر: وهذا إعلامٌ من الله أصحابَ رسوله صلى الله عليه وسلم أنّه المتوكّل بنصر رسوله على أعداء دينه وإظهاره عليهم دونهم, أعانوه أو لم يعينوه, = وتذكيرٌ منه لهم فعلَ ذلك به, وهو من العدد في قلة، والعدوُّ في كثرة, فكيف به وهو من العدد في كثرة، والعدو في قلة؟

يقول لهم جل ثناؤه: إلا تنفروا، أيها المؤمنون، مع رسولي إذا استنفركم فتنصروه, فالله ناصره ومعينه على عدوّه ومغنيه عنكم وعن معونتكم ونصرتكم; كما نصره =(إذ أخرجه الذين كفروا)، بالله من قريش من وطنه وداره =(ثاني اثنين)، يقول: أخرجوه وهو أحد الاثنين، أي: واحد من الاثنين.

* * *

وكذلك تقول العرب: " هو ثاني اثنين " يعني: أحد الاثنين, و " ثالث ثلاثة, ورابع أربعة ", يعني: أحد الثلاثة, وأحد الأربعة. وذلك خلاف قولهم: " هو أخو ستة، وغلام سبعة ", لأن " الأخ "، و " الغلام " غير الستة والسبعة, " وثالث الثلاثة "، أحد الثلاثة.

* * *

وإنما عنى جل ثناؤه بقوله: (ثاني اثنين)، رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه, لأنهما كانا اللذين خرجَا هاربين من قريش إذ همُّوا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم واختفيا في الغار.

* * *

وقوله: (إذ هما في الغار)، يقول: إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رحمة الله عليه، في الغار.

* * *

و " الغار "، النقب العظيم يكون في الجبل.

* * *

=(إذ يقول لصاحبه)، يقول: إذ يقول رسول الله لصاحبه أبي بكر، (لا تحزن)، وذلك أنه خافَ من الطَّلَب أن يعلموا بمكانهما, فجزع من ذلك, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحزن "، لأن الله معنا والله ناصرنا, (33)

فلن يعلم المشركون بنا ولن يصلوا إلينا.

يقول جل ثناؤه: فقد نصره الله على عدوه وهو بهذه الحال من الخوف وقلة العدد, فكيف يخذله ويُحْوِجه إليكم، وقد كثَّر الله أنصاره, وعدد جنودِه؟

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16725- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (إلا تنصروه)، ذكر ما كان في أول شأنه حين بعثَه. يقول الله: فأنا فاعلٌ ذلك به وناصره، كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين.

16726- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله: (إلا تنصروه فقد نصره الله)، قال: ذكر ما كان في أول شأنه حين بُعثَ, فالله فاعلٌ به كذلك، ناصره كما نصره إذ ذاك (ثانيَ اثنين إذ هما في الغار).

16727- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (إلا تنصروه فقد نصره الله)، الآية, قال: فكان صاحبَه أبو بكر، وأما " الغار "، فجبل بمكة يقال له: " ثَوْر ".

16728- حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي قال، حدثنا أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة, عن عروة قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه, وكان لأبي بكر مَنِيحةٌ من غَنَم تروح على أهله, (34) فأرسل أبو بكر عامر بن فهيرة في الغنم إلى ثور. وكان عامر بن فهيرةَ يروح بتلك الغنم على النبي صلى الله عليه وسلم بالغار في ثور, وهو " الغار " الذي سماه الله في القرآن. (35)

16729- حدثني يعقوب بن إبراهيم بن جبير الواسطي قال، حدثنا عفان وحَبَّان قالا حدثنا همام, عن ثابت، عن أنس, أن أبا بكر رضي الله عنه حدَّثهم قال: بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وأقدامُ المشركين فوق رؤوسنا, فقلت: يا رسول الله, لو أن أحدهم رفع قَدَمَه أبصرنا! فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ (36)

16730- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن شريك, عن إبراهيم بن مهاجر, عن مجاهد قال: مكث أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثًا.

16731- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري: (إذ هما في الغار)، قال: في الجبل الذي يسمَّى ثورًا, مكث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثلاث ليالٍ.

16732- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عمرو بن الحارث, عن أبيه: أن أبا بكر الصديق رحمة الله تعالى عليه حين خطب قال: أيُّكم يقرأ " سورة التوبة "؟ (37) قال رجل: أنا. قال: اقرأ. فلما بلغ: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن)، بكى أبو بكر وقال: أنا والله صاحبُه. (38)

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأنـزل الله طمأنينته وسكونه على رسوله (39) = وقد قيل: على أبي بكر =(وأيده بجنود لم تروها)، يقول: وقوّاه بجنودٍ من عنده من الملائكة، لم تروها أنتم (40) =(وجعل كلمة الذين كفروا)، وهي كلمة الشرك =(السُّفْلى)، لأنها قُهِرَت وأذِلَّت، وأبطلها الله تعالى، ومحق أهلها, وكل مقهور ومغلوب فهو أسفل من الغالب، والغالب هو الأعلى =(وكلمة الله هي العليا)، يقول: ودين الله وتوحيده وقولُ لا إله إلا الله, وهي كلمتُه =(العليا)، على الشرك وأهله, الغالبةُ، (41) كما:-

16733- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى)، وهي: الشرك بالله =(وكلمة الله هي العليا)، وهي: لا إله إلا الله.

* * *

وقوله: (وكلمة الله هي العليا)، خبر مبتدأ، غيرُ مردودٍ على قوله: (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى)، لأن ذلك لو كان معطوفًا على " الكلمة " الأولى، لكان نصبًا. (42)

* * *

وأما قوله: (والله عزيز حكيم)، فإنه يعني: (والله عزيز)، في انتقامه من أهل الكفر به, لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب، ولا ينصر من عاقبه ناصر =(حكيم)، في تدبيره خلقَه، وتصريفه إياهم في مشيئته. (43)

------------------------

الهوامش:

(33) انظر تفسير "مع" فيما سلف ص : 240 ، تعليق : 2، والمراجع هناك.

(34) " المنيحة" ، شاة أو ناقة يعيرها الرجل أخاه، يحتلبها وينتفع بلبنها سنة، ثم يردها إليه.

(35) الأثر: 16728 - هذا جزء من كتاب عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان، والذي خرجته فيما سلف برقم : 16083 ، ومواضع أخرى كثيرة. وهذا الجزء من الكتاب في تاريخ الطبري 2 : 246.

(36) الأثر : 16729 - " يعقوب بن إبراهيم بن جبير الواسطي" ، شيخ الطبري ، لم أجد له ترجمة في غير الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 4 2 302 .

و "عفان" هو "عفان بن مسلم بن عبد الله الصفار"، ثقة، من شيوخ أحمد والبخاري، مضى برقم : 5392 .

و "حبان"، هو "حبان بن هلال الباهلي" ، ثقة، روى له الجماعة. مضى برقم : 5472 . " حبان " بفتح الحاء لا بكسرها.

و "همام" هو "همام بن يحيى بن دينار الأزدي" ، ثقة روى له الجماعة ، مضى مرارًا، آخرها: 16306.

و "ثابت" هو "ثابت بن أسلم البناني" ، ثقة روى له الجماعة، مضى برقم : 2942 ، 7030 .

وهذا الخبر رواه من طريق عفان بن مسلم، ابن سعد في الطبقات 3 1 123 ، وأحمد في مسنده رقم : 11، والترمذي في تفسير الآية.

ورواه من طريق حبان بن هلال، البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 245 ) ، ومسلم في صحيحه 15 : 149 .

ورواه البخاري من طريق محمد بن سنان ، عن هلال في صحيحه (الفتح 7 : 9) .

وقال الترمذي: "هذا حديث صحيح غريب، إنما يروى من حديث همام . وقد روى هذا الحديث حبان بن هلال ، وغير واحد ، عن همام ، نحو هذا " .

وخرجه السيوطي في الدر 3 : 242 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة ، وأبي عوانة ، وابن حبان ، وابن المنذر ، وابن مردويه.

(37) في المخطوطة: "سورة البقرة" ، وهو خطأ أبين من أن يدل على تصحيحه.

(38) الأثر : 16732 - " عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري"، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم : 5973 .

وأبوه "الحارث بن يعقوب بن ثعلبة، أو : ابن عبد الله ، الأنصاري المصري". ثقة. مترجم في التهذيب ، والكبير 1 2 282 ، وابن أبي حاتم 1 2 93.

(39) انظر تفسير "السكينة" فيما سلف ص : 189، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(40) انظر تفسير " التأييد " فيما سلف ص : 44 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك.

(41) انظر تفسير "الأعلى" فيما سلف 7 : 234.

(42) انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء 1: 438 ، وهو فصل جيد واضح.

(43) انظر تفسير "عزيز" و "حكيم"، فيما سلف من فهارس اللغة (عزز) ، (حكم).

المعاني :

في الغار :       غار جبل ثور قرب مكّة معاني القرآن
لصاحبه :       إبي بكر الصّديق رضي الله عنه معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[40] ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ﴾ أتظنون أن جهادكم هو الذي ينصر محمدًا ودينه؟ کلا؛ فالله ناصره بأيسر وسيلة وأهون سبب، کما نصره يوم الهجرة برجل واحد! هو أبو بكر على قریش کلها.
وقفة
[40] ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ﴾ تكفّل الله بنصرة نبيه، ولكنه حذّر الناس من تَرْك نصرته حتى لا يُعاقب الأمة الخاذلة ويبدلها بآخرين ينصرون.
وقفة
[40] ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ﴾ انظر كيف جعل الله خروج نبيه من مكة، بل إخراجه، نصرًا مبينًا، وأنزل عليه سكينة وجنودًا تؤيده، وجعل كلمة الكافرين السفلى، فما يظنه بعض الناس هزيمة -بسبب ما حصل لأنبياء الله وأوليائه من القتل والسجن- إنما هو في ميزان الله نصر، بل النصر المبين.
عمل
[40] ابحث عن سنة من سنن النبي ﷺ لم تطبقها، وطبقها ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ﴾.
وقفة
[40] ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ توفيق الله حين يأتي يرفعك فوق قوى الأرض والإمكانات، مهما كانت القدرات محدودة .
وقفة
[40] علمتنى الهجرة: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾، قلة عدد (ثانى اثنين)، وقلة منعة (في الغار)، ونصره الله؛ لأن الكون بيده، والأسباب عجماء صماء بكماء إن لم يأذن لها.
وقفة
[40] ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ هذا إعلام من الله عز وجل أنه المتكفل بنصر رسوله ﷺ، وإعزاز دينه؛ أعانوه، أو لم يعينوه، وأنه قد نصره عند قلة الأولياء، وكثرة الأعداء، فكيف به اليوم وهو في كثرة من العدد والعُدد.
وقفة
[40] ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ قال الشعبي: «عاتب الله عز وجل أهل الأرض جميعًا في هذه الآية إلا أبا بكر الصديق رضي الله عنه».
وقفة
[40] كن مع الله تكن، وبدونه تفشل وتهن ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾.
لمسة
[40] ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ في اللغة معناها: أحد اثنين، (ثالث ثلاثة) معناها أحد ثلاثة، كل واحد منهم هو ثالث ثلاثة، ليس هنالك منزلة معينة، وهكذا، في اللغة لا نقول رابع ثلاثة أو خامس أربعة؛ لأن لهذه معنى مختلفًا تمامًا؛ كانوا ثلاثة فجاء رابع وصاروا أربعة فيقال: رابع ثلاثة.
وقفة
[40] ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾، تحدى الصعوبات والعقبات في حياتك.
وقفة
[40] مهما كنت عظيمًا وكبيرًا وقويًا إلا إنك فى حاجة لصديق ذى قلب رقيق وفكر عميق وخلق رقيق ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾.
وقفة
[40] ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ أصدق الأصحاب من وقف معك وقت الشدائد، ورضي بأن يعيش الشدة نفسها معك.
وقفة
[40] ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ غار آوى النبي ﷺ فخلد الله ذكره في أعظم كتاب، فبماذا تظن الكريم سيجازيك لو آويت حبه قلبك؟
وقفة
[40] ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ إذا أنار قلبك بالهداية؛ فلذ بأظلم مكان وبأعتم زاوية ستملؤها أنت بالضياء.
وقفة
[40] ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ الغار ليس مبررًا للحزن حين تشعر أن الله معك.
وقفة
[40] الصديق من يسير معك في المجهول، ثقة بك ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾.
وقفة
[40] ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ لا يختص بمصاحبته في الغار؛ بل هو صاحبه المطلق، الذي كمل في الصحبة كمالًا لم يشركه فيه غيره، فصار مختصًا بالأكملية من الصحبة.
وقفة
[40] ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ كان النبي صلى الله عليه وسلم مشغولًا بشأن عظيم، بالهجرة ومطاردة الكافرين، لكنه فى خضم انشغاله لم ينسى حزن صاحبه؛ لا عذر لنا.
وقفة
[40] ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ الأعداء على فم الغار تلهث سيوفهم، وقلبه ملتفت عنهم معلقٌ بالله.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾ أعظم وأجمل هدايا المولى، أن يجمعك بأشخاص تقرأ الأمل بين أحرف كلماتهم، فتشعر أن أوجاع الحياة انتهت!
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾ الصاحب الحقيقي هو العُدة في البلاء والمؤنس في الرخاء وعند اليأس يسكب في القلب الأمل ويرسم الابتسامة عند الألم.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾ الصَّاحبُ بحقٍّ هو الذي يُخفِّفُ عنكَ الأحزانَ.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾ الصحبة تعني المؤازرة عند الأحزان.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾ لملم جراح صاحبك.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾ كيف يعلم الله أنه سيخونه بعد موته ثم يسميه صاحبًا؟ يا عقلاء الشيعة استيقظوا.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾ حق الصحبة: تخفيف الأحزان.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾ أعظم ما يبلسم جراحنا, تلك المواساة التي يقولها لنا من يشاركنا ذات الألم.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾ من أجمل اﻷرزاق: نفس تنسجم معها ويؤلمها حزنك، إن هذا التفاهم الروحي مصدره الله: ﴿سيجعل لهم الرحمن ودًا﴾ [مريم: 96].
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾، ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ﴾ [الذاريات: 28]، كن مشعل سعادة لمن حولك، تنهاهم عن الخوف والحزن.
وقفة
[40] الصاحب بحق هو الذي يخفف عنك الأحزان، ويشعرك عند خوفك بالأمان: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾.
وقفة
[40] يحتاج الإنسان منا إلى صديق صادق بجواره، فرحلة الحياة تتطلب وجود من يحملون معك حمولها الثقال ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾، لو كان أحد من الناس يستغني عن الأصدقاء لكان خير الأنبياء ﷺ، فالعبرة بحسن الاصطفاء وجودة الاختيار.
وقفة
[40] صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾، يَا لَحَظّك يا أبا بكر! ترى وجهه وتسمع صوته ويربت على قلبك أيضًا.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ احتوت على مشاعر الأخوة الصادقة :صحبة شعور ومواساة، تذكير وتثبيت.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ النبي صلى الله عليه وسلم قال لصاحبه أبي بكر الصديق: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» [البخاري 4663]، وهذه مرتبة عظمى، وفضيلة كبرى لهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ قل: «اللهم ارزقنا الصحبة الصالحة التي تعيننا على طاعتك».
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ لم يقل: «ﻻ تحزن، أنا رسول الله، وأنا معك»، بل تبرأ من حوله وقوته.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ أوفى الأصحاب وأنفعهم الذين يعظمون محبة الله في قلبك ويشعرونك أنهم معك.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ لماذا نحزن والله معنا؟! مدبّر أمرنا ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ [يونس: 3]؛ توكّل على الحي القيّوم مُتيقّنًا بقُرب الفرج.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ من كان في معية الله الذي لا تدركه الأبصار؛ فإنه لن تدركه أبصار الذين يبحثون عنه.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ أعظم صحبة: تلك التي تخفف عنك عناء الحياة، وتقربك من الله.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ قوّة اليقين بالمعيّة الإلهيّة تنفي خبَثَ الخوف والحُزن والاستيحاش، زِد يقينك بالله.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ هذه سمةُ الصديق الصالح يهدئه إذا ارتاع يشد من أزرِه يذكره بربه.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ ألا ترى كيف قال: (لَا تَحْزَنْ)، ولم يقل: (لا تخف)؛ لأن حزنه على رسول الله ﷺ شغله عن خوفه على نفسه.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ ما أحوجنا إلى من يثير مشاعرنا، ويدفع بنا للحياة، لنقطع مسافات الطريق بقوة الروح!
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ إن كان لك صديق واحد يهدئ من روعك ويذكرك بالله في ساعة الحزن والشدة؛ فأنت في نعمة عظيمة.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ ما أجمَل الصدَّاقة حينما يُشعِرُك صديقُك بالأمان ويُبعِد عنك مخاوِفَك!
وقفة
[40] الصاحب الذي يستحق أن تتمسك به؛ من يسعى لبث الاطمئنان لقلبك ويعلقك بالله ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾.
عمل
[40] اغتنم قرب من تحب في وقت محنته، حين تقبل دنياه لن تجد مكانًا في الزحام ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾.
وقفة
[40] الصاحب الصالح يذكرك بربك: ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا﴾ [طه: 33]، يصبرك: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾، ويصحح أخطاءك: ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ﴾ [الكهف: 37].
عمل
[40] يجب ألا نشعر بالضعف إلا لله، ولا نطأطئ رؤوسنا لسواه ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾.
وقفة
[40] في العلاقات لا تصاحب إلا من يكتم سرك ويستر عيبك وينشر حسناتك ويطوى سيئاتك، فإن لم تجده فلا تصاحب إلا نفسك ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾.
وقفة
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ حين تواسي الآخرين في أحزانهم ينزل الله السكينة عليك.
عمل
[40] ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ طمأن قلبه، شد أزره، أعظم العطايا أن يرزق العبد من يذكره بالله، ادعو لأصحابكم فإنهم جسر ممتد للجنة، ولكم بالمثل.
وقفة
[40] رجل مطارد يحيط به الموت من كل جانب ومع ذلك ﴿يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾، ما أجمل الثقة بالله!
لمسة
[40] قال تعالى: ﴿لَا تَحْزَنْ﴾ ولم يقل: (لا تخف)، فالخوف هو توقع أمر مكروه لم يقع بعد، أما الحزن على ما وقع من المكروه، إذن الخوف يسبق الحزن إذا وقع المكروه حزِنت، وبالنسبة للآية الكريمة كان أبو بكر رضي الله عنه يخاف أن يُدرك من قِبَل الكفار حتى ذُكِر أنه كان يمشي أمام النبي ﷺ وعن يمينه وعن يساره خشية من لحاق الكفار بهم، الآن هما في الغار والكفار وصلوا إلى الغار ما كان يخافه حصل، وقال: «لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا» فصار حزنًا، مرحلة الخوف انتهت وصار حزنًا فقال: ﴿لَا تَحْزَنْ﴾.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ﴾ الحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصديقين، مع أن الأَولَى إذا نزل بالعبد أن يسعى في ذهابه عنه؛ فإنه مضعف للقلب، مُوهِنٌ للعزيمة.
عمل
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ﴾ كفكف دموع من حولك، أَرْبِت على أكتافهم، ازرع شيئًا من التفاؤل في أرواحهم المنهكة.
وقفة
[40] الحزن يفُتُّ العضد، ويضعف العزيمة والقلب، فعلى المسلم أن يُذهبه عنه وعن من حوله قدر الإمكان ﴿لَا تَحْزَنْ﴾.
وقفة
[40] السبب الكلي لكي ﴿لَا تَحْزَنْ﴾: أن تشعر أن الله معك، لا تقل: (لكن)، لا تقل: (ظروفي)، في غار آلامك الله معك.
وقفة
[40] ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ: لم يأت الحزن في القرآن ﺇﻻ ﻣﻨﻬﻴًﺎ ﻋﻨﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﻓﻴﻪ ﻭﻫﻮ ﺃﺣﺐ ﺷﻲﺀ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ، وقد ﺍﺳﺘﻌﺎﺫ ﻣﻨﻪ ﺭﺳﻮﻟﻨﺎ ﻓﺄﺣﺴﻨﻮﺍ ﺍﻟﻈﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﴿لَا تَحْزَنْ﴾.
وقفة
[40] لمّا خاف الصدّيق رضي الله عنه على النبي ﷺ في الغار طمأنه النبي ﷺ بـ «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» [البخاري 3653]، فـ ﴿لَا تَحْزَنْ﴾ يا مهموم؛ فإن الله معك.
وقفة
[40] قال يوسف عليه السلام لأخيه: ﴿فلا تبتئس﴾ [يوسف: 69]، وشعيب لموسى عليهم السلام: ‏﴿لا تخف﴾ [القصص: 25]، ومحمد صلى الله عليه وسلم لصاحبه: ‏﴿لَا تَحْزَنْ﴾؛ نشر الطمأنينة في النفوس منهج نبوي.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ ولو فقدت كل شي، يكفيك أن الله معك، وسيعوضك.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ ليست المعية العامة بالعلم والإحاطة، فهذه تشمل كل الخلق، بل معية التأييد والنصرة، وهذه لا تشمل إلا المؤمنين الذين استجلبوها بطاعة الله وموافقة أمره.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ منهج رباني في التخفيف عن المكروبين، لا يتضمن الاستغراق في تفاصيل المشكلات، بل يقوي النفس على المشكلات بالاستعانة برب الأرض والسماوات.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ هل الحزن شعار الإيمان؟! كلا، قال ابن القيم: «اعلم أن الحزن من عوارض الطريق، وليس من مقامات الإيمان ولا من منازل السائرين، ولهذا لم يأمر الله به في موضع قط، ولا أثنى عليه، ولا رتب عليه جزاءً ولا ثوابًا، بل نهی عنه في غير موضع».
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ جاء النهي عن الحزن في القرآن في مواضع؛ لأنه يوهن العزم، ويضعف القلب، ويُقنّط من رحمة الله، إلاّ ما كان حُزنًا طبيعيًّا: كالحزن على فراق حبيب.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ حسن الظن بالله عز وجل ينقذك وقت الأزمات .
عمل
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ اهمس بها لقلبك عند كل منعطف عندما تراه يتهاوى ويختنق، اهمس له بها كي يصمد في وجه الحياة،كي لا ينكسر!
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ بقدر معية الله يكون الفرح والسرور، وبالبعد عن معية الله يحل الحزن والثبور، اللهم كن معنا ولا تكن علينا.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ علل النهي عن الحزن بأن الله معهم، إذا كان الله معك فلا ضير أن يتكالب عليك الأعداء وتكون في غارٍ وحدك.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ مَعيّة الله تَجتاح كُل الآلام والمخاوف .
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ لن تُغلب والله معك.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ ينجينا من ضيق الأزمة إلى رحابة الفرج، يخرجنا من كل غار مظلم إلى النور والسعة.
عمل
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ واسِ صاحبك، وهدئ من روعه، هنا تكمل الصحبة.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ لا حزن مع الله، فمن كان الله معه فما له وللحزن؟! الحزن كل الحزن لمن فاته الله.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ العظماء يستقبلون المصائب كأنها قطرات الغيث؛ لأنهم مع (الله).
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ ولو فقدت صحتك وأحبتك ومالك، وخسرت كل شيء، وأي شيء، لا تحزن والله معك.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ هذه الآيةُ وضعتْ منهجَ التّخفيفِ على المحزونين: لا تحدّثْهم عن تفاصِيل مشكلاتِهم، ولكن حدّثْهم عن ربٍّ يعرفُها.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ متى ما تعلقت القلوب بخالق السماوات، ارتوت من نبع الأمن والطمأنينة والثبات.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ مَن كان الله معه؛ فلا يحزن؛ فإن معه الركن الذي لا يُضام، والقوة التي لا تُرام، والعزة التي لا تُغلب.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ قلب تعلق بالله لا يقلق ولا يحزن.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ قلبٌ عرف ربه في الرخاء لن يَضِلّ الطريق عند الشدة والبلاء!
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ لست أدري ما الأشياء الغالية التي فقدتها وما الذي بقي لديك؛ لكنني متأكد أن شيئًا سيواسينا جميعًا؛ اليقين بأن الله معنا.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ آية مليئة بالراحة والسكينة والطمأنينة، والقرآن كلّه راحة.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ من صحب الرسول وما جاء به بقلبه وعمله، وإن لم يصحبه ببدنه، فإن الله معه.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾، ﴿كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 62]، متى ما تعلقت القلوب بخالقها ارْتوت أمنًا واطمئنانًا ونصرًا وثباتًا.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ أنتَ لا تحتاجُ لِطردِ أحزانِكَ لأَيِّ حُلول، فقط عليكَ معرِفَةُ أنَّ الله معك ولن يُخَيِّبَك أبدًا.
تفاعل
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ اشعر الآن أنّ الله معك، قُل بقلبك: «الله معي».
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ كيف نحزن والله سبحانة معنا يرانا ويسمعنا ويغفر لنا ويرحمنا ويرزقنا؟! كيف نحزن والصلاة قرة أعيننا؟! كيف نحزن والقرآن الكريم بينا أيدينا؟!
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم سببًا أرضيًّا واحدًا لتفاؤله, طاقة التفاؤل الحق كلها تأتي من السماء.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ دعونا نتعلم من هنا أن نواسي غيرنا ونحن نعيش لحظاتنا العصبية.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ عبارة دافئة جدًا تبعث في النفس روح التفاؤل، اللهم لا تجعلنا بحاجة لغيرك وأنت أقرب إلينا من حبل الوريد.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ بقي النبي ﷺ في الغار ثلاثة أيام، من المؤكد لقد دارت أحاديث كثيرة، لكن الكلمة الكبرى التي أراد الله خلودها: (لَا تَحْزَنْ).
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ قالها ﷺ في أضعف مراحل دعوته، فأحاطه الله بالحفظ والنصر، فمتى نثق أن الله معنا لنقولها؟!
وقفة
[40] يقول الله: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾، إذا كان الله معكم فلن يضركم شيء، فقط عليكم بالصدق مع الله، والتوكل عليه، فهو حسبكم ونعم الوكيل.
وقفة
[40] في أشد المحن يأتي الفرج مباشرة بإذن الله إذا كان القلب معلقًا به سبحانه ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾، ﴿كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 62].
عمل
[40] طبطب على قلب صديقكَ المحزون إذا تجمّعت في قلبه مشاعره الموجِعة بما واسى به نبيّك صاحبه في الغار ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾.
وقفة
[40] الثقة بالله، بها أعمى الله الكفار عن محمد في الغار ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾.
وقفة
[40] ﴿لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا﴾ [طه: 46]، ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾، حين تشعر أنك فقدت الأمل في الأشياء حولك، وأنه لا شيء يمكن التشبث به، هذه لحظة المعية الخالدة.
وقفة
[40] كل من وافق الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر خالف فيه غيره، فهو من الذين اتبعوه في ذلك، وله نصيب من قوله: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾؛ فإن المعية الإلهية المتضمنة للنصر هي لِـمَا جاء به إلى يوم القيامة، وهذا قد دلّ عليه القرآن، وقد رأينا من ذلك وجربنا ما يطول وصفه.
وقفة
[40] في أحيان كثيرة لا يكون بمقدورك أن تفعل شيئًا لمن يلجأ إليك، ولكنك تستطيع دائمًا أن تشعره بأنك معه، أنك حاضر، أن تخفف عنه، كلماته صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في الغار: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ تشير لهذا المعنى، فلم يكن هناك غير الكلمات والتضامن.
وقفة
[40] رفيق الدرب الذي تحتاجه ليس شخصًا عاديًا، ولكنه يشعر بك ويعرف متى يقول لك بحب: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾.
وقفة
[40] علمتني الهجرة: أن تختار صديقك بعناية فائقة، فالحياة سفر شاق، والليالي هجرة، ونحتاج لصديق يقول لنا : ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾.
وقفة
[40] الطاقه الإيجابية في وسط المحن من أهم أسباب النجاح والسكينة ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾.
وقفة
[40] قمة التفاؤل: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾، قمة الإيجابية: ﴿عسى الله أن يأتيني بهم جميعا﴾ [يوسف: 83]، قمة الرضا: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83].
وقفة
[40] ﴿إن معي ربي سيهدين﴾ [الشعراء: 62]، ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾، ضعُف إيمان بني إسرائيل فاستقلّ موسى بالمعيّة، وقوي إيمان الصدّيق فأُدخل فيها.
عمل
[40] مهما تكالبت عليك الهموم، وعاداك الحاسدون تذكر: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾، كان الله معك.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ من كان صادقًا في توكله كان الله معه, وعدًا لا يخلف؛ فالنبي ﷺ صدق في ثقته واعتماده على الله فصدقه الله وعده, ولهذا ﴿فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ﴾ الأمان، القوة، النصر، السكينة، كلها من عند الله ينزلها على عباده المتقين.
وقفة
[40] ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ﴾ وإذا العناية لاحظتك عيونها نـمْ فالمخاوف كلّهن أمان.
وقفة
[40] ﴿إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ اعتقاد المؤمن أن الله معه يكفيه ليشعر بالأمان، إذا كنت في مكان موحش يكفي أن تفكر في قرب الله لتذهب وحشة المكان.
وقفة
[40] ﴿إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ لا تبالي، لا تكترث، لو كانت الشعرة والثانية وجزء من الثانية حينما يحفك لطف الله وتكون بمعيته.
وقفة
[40] ﴿إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ في كل المواسم.
وقفة
[40] في الغار: ﴿إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾، في بطن الحوت: ﴿لا إله إلّا أنت﴾ [الأنبياء: 87]، في السجن: ﴿مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّـهِ﴾ [يوسف: 38]، في الكهف: ﴿لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَـٰهًا﴾ [الكهف: 14]؛ التوحيد نجاة.
عمل
[40]‏ حين يتخلون عنك لا تشعر بالوحشة، أعظم كرامات التاريخ نالها أصحابها حين كانوا وحدهم ﴿إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾.
وقفة
[40] ﴿إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ﴾ بعض الرحمات تريد منك كلمة واحدة لتهطل بغزارة.
وقفة
[40] ﴿إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ﴾ بعض الرحمات الإلهية مرهونة بكلمة واحدة ترددها بيقين، لتنهمر بعدها السكينة بغزارة!
وقفة
[40] ﴿فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ حين تطاردك المخاوف، وتزلزلك الأزمات، فاستدع من ربك السكينة.
وقفة
[40] ﴿فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ فضيلة السكينة، وأنها من تمام نعمة الله على العبد في أوقات الشدائد والمخاوف التي تطيش فيها الأفئدة، وأنها تكون على حسب معرفة العبد بربه، وثقته بوعده الصادق، وبحسب إيمانه وشجاعته.
وقفة
[40] ﴿فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ على من يعود الضمير في (عليه)؟ الرسول ﷺ أم أبو بكر الصديق رضي الله عنه؟ الجواب: قولان، والأقرب أنه عائد إلى النبي ﷺ، فالقاعدة: إذا تردد عود الضمير إلى أقرب مذكور أو إلى المحدَّث عنه فهو للمحدث عنه، كما تقول: «مررت بغلام زيد فأكرمته»، فهو عائد إلى الغلام.
وقفة
[40] ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾ إذا أراد الله تأييدك: المطر، الهواء، الليل، القلوب، المشاعر، العجماوات، وحتى الأصوات كلها تعمل لصالحك.
وقفة
[40] ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾ عدم رؤيتك للأشياء لا يعني عدم وجودها.
وقفة
[40] رحمة الله قد تكون قريبه منك وأنت لا تراها، قال تعالى: ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾، فإن كنت لا ترى رحمة الله ولطفه فذلك لا يعني عدم وجودها.
وقفة
[40] ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّـهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾ فدين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان بالحجج الواضحة، والآيات الباهرة، والسلطان الناصر.
وقفة
[40] ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ لو جاءت كلمةُ الله بالفتح (كلمةَ) فكأنها تفيد أن كلمة الله لم تكن يوماً هي العليا، لكنها بالضم تفيد ذلك أنها دائمًا هي العليا.

الإعراب :

  • ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ:
  • إلّا: مكونة من «إن» حرف شرط جازم و «لا» نافية لا عمل لها. تنصروه: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل.والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أي إلّا تنصروا محمدا. فقد: الفاء واقعة في جواب الشرط. قد: حرف تحقيق. نصره:فعل ماض مبني على الفتح. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.وجملة «فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ» جواب شرط جازم مسبوق بقد مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ:
  • ذ: ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بنصره بمعنى «حين». أخرجه: فعل ماض مبني على الفتح والهاء:ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. وجملة «أَخْرَجَهُ الَّذِينَ» في محل جر مضاف اليه لوقوعها بعد الظرف «إِذْ».
  • ﴿ كَفَرُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف فارقة. والجملة: صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ ثانِيَ اثْنَيْنِ:
  • ثاني: حال منصوب بالفتحة. بمعنى: أحد اثنين أو واحد من اثنين وهو مضاف. اثنين: مضاف اليه مجرور بالإضافة وعلامة جره:الياء لأنه مثنى والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته.
  • ﴿ إِذْ هُما فِي الْغارِ:
  • إذ هما: بدل من «إِذْ أَخْرَجَهُ» هما: ضمير رفع منفصل للغائبين مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. في الغار: جار ومجرور متعلق بخبر «هُما» والجملة الاسمية «هُما فِي الْغارِ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ:
  • إذ يقول: بدل ثان من «إِذْ أَخْرَجَهُ». يقول: فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو.لصاحبه: جار ومجرور متعلق بيقول. والهاء: ضمير مبني على الكسر في محل جر مضاف اليه. وجملة «يَقُولُ لِصاحِبِهِ» في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف «إِذْ
  • ﴿ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول- لا: ناهية جازمة. تحزن: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: سكون آخره. والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. مع: ظرف مكان متعلق بخبر «إِنَّ» و «نا»: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:
  • الفاء: استئنافية. ويجوز أن تعرب إعراب «فَقَدْ». أنزل: فعل ماض مبني على الفتح. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ:
  • سكينة: مفعول به منصوب بالفتحة. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. عليه: جار ومجرور متعلق بأنزل أي على قلب أبي بكر الصديق لقلقه على الرسول الكريم.
  • ﴿ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ:
  • وأيد: معطوفة بالواو على «أنزل» والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي سبحانه. والهاء ترجع الى الرسول الكريم ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. بجنود: جار ومجرور متعلق بأيده أي بجنود من الملائكة.
  • ﴿ لَمْ تَرَوْها:
  • الجملة: في محل جر صفة- نعت- لجنود على اللفظ. وفي محل نصب حال على المعنى أي من الملائكة لأنها معرفة. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تروا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون والواو:ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها»: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ:
  • وجعل: تعرب إعراب «وأيد» كلمة: مفعول به أول منصوب بالفتحة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ كَفَرُوا السُّفْلى:
  • كفروا: سبق إعرابها. السفلى: مفعول به ثان منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر أي الشرك.
  • ﴿ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا:
  • الواو: استئنافية. كلمة: مبتدأ مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسر. هي:ضمير فصل أو حرف عماد لا محل لها من الإعراب. العليا: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. ويجوز أن تعرب «هِيَ» مبتدأ ثانيا و «الْعُلْيا» خبر «هِيَ» والجملة الاسمية «هِيَ الْعُلْيا» في محل رفع خبر المبتدأ الأول «كَلِمَةَ».
  • ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
  • الواو: استئنافية. الله: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة.عزيز حكيم: خبران للفظ الجلالة مرفوعان بالضمة. '

المتشابهات :

التوبة: 26﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا
التوبة: 40﴿فَـ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [40] لما قبلها :     وبعد العتاب ثم التهديد بالعذاب الأليم؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل لهم هنا أنَّهم إن لم يَنفِرُوا معَهُ r ولم يشتَغِلُوا بنُصرَتِه؛ فإنَّ اللهَ ينصُرُه كما نصرَه في الهجرةِ، قال تعالى:
﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

كلمة الله:
قرئ:
1- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
2- بالنصب أي: وجعل كلمة الله.

البحث بالسورة

البحث في المصحف