ترتيب المصحف | 2 | ترتيب النزول | 87 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 48.00 |
عدد الآيات | 286 | عدد الأجزاء | 2.40 |
عدد الأحزاب | 4.80 | عدد الأرباع | 19.25 |
ترتيب الطول | 1 | تبدأ في الجزء | 1 |
تنتهي في الجزء | 3 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 1/29 | آلم: 1/6 |
ثم نزولُ الجميعِ من الجَنَّةِ إلى الأرضِ.
بعدَ أمرِ النَّاسِ جميعًا بالعِبادةِ، يأتي هنا الحديثُ عن بني إسرائيلَ: يُذَكِّرُهم اللهُ بنعمِهِ عليهم، ويدعُوهم إلى الإيمانِ بالقرآنِ، ويأمرُهم بالصلاةِ والزكاةِ، =
ثُمَّ عَاتبَهم هنا على أمرِهم النَّاسِ بالبرِّ ونسيانِهم أنفسِهم، وأمرُهم بالاستعانةِ بالصبرِ والصلاةِ، ثُمَّ تذكيرُهم ثانيةً بالنِّعمِ، وتحذيرُهم من يومِ القيامةِ.
التفسير :
تفسير الآيتين 38 و 39:ـ كرر الإهباط, ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله:{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} أي:أيَّ وقت وزمان جاءكم مني -يا معشر الثقلين- هدى, أي:رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني, ويدنيكم مني; ويدنيكم من رضائي،{ فمن تبع هداي} منكم, بأن آمن برسلي وكتبي, واهتدى بهم, وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب, والامتثال للأمر والاجتناب للنهي،{ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وفي الآية الأخرى:{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء:نفي الخوف والحزن والفرق بينهما, أن المكروه إن كان قد مضى, أحدث الحزن, وإن كان منتظرا, أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا, حصل ضدهما, وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه, حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه, من الخوف, والحزن, والضلال, والشقاء، فحصل له المرغوب, واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه, فكفر به, وكذب بآياته. فـ{ أولئك أصحاب النار} أي:الملازمون لها, ملازمة الصاحب لصاحبه, والغريم لغريمه،{ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون. وفي هذه الآيات وما أشبهها, انقسام الخلق من الجن والإنس, إلى أهل السعادة, وأهل الشقاوة, وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك، وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب, كما أنهم مثلهم, في الأمر والنهي.
( قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) .
وليست هذه الإِعادة من قبيل التكرار الذي يقصد منه مجرد التوكيد ، بل قص الأمر بالهبوط أولا ليعلق عليه معنى؛ هو كون بعضهم لبعض عدواً .
ثم قصة ثانية ليعلق عليه معنى آخر هو ما ترتب على الهبوط من تفصيل لحال المخاطبين ، وانقسامهم إلى مهتدين وضالين .
والفاء في قوله ( فَإِمَّا ) لإِفادة ترتيب انقسام المخاطبين إلى مهتدين وكافرين على الهبوط المفهوم من قوله : ( اهبطوا ) .
و ( إِمَّا ) هي إن الشرطية دخلت عليها " ما " لإفادة التوكيد ، ويغلب على فعل شرطها أن يكون مؤكداً بالنون وأوجب بعضهم ذلك .
والهدى من الله معناه الدلالة على ما هو حق وخير بلسان رسول ، أو بآيات كتاب .
وقد صرح - سبحانه - بأن الهدى صادر منه بقوله : ( مِّنِّي هُدًى ) ثم أضافه إلى نفسه بقوله : ( هُدَايَ ) للإِيذان بتعظيم أمر الهدى؛ وأنه أحق بأن يتبع ، ويتخذ سبيلا لطمأنينة النفس في الدنيا ، والفوز بالسعادة في الأخرى .
والخوف : الفزع وهو تألم النفس من مكروه يتوقع حصوله .
والحزن : الغم الحاصل لوقوع مكروه أو فقد محبوب .
ومعنى ( لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) أن نفوسهم آمنة مطمئنة بحيث لا يعتريها فزع ، ولا ينتابها ذعر كما أن قوله : ( وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) ينفى عنهم الاغتمام لفوات مطلوب أو فقد محبوب .
ونفي الخوف والحزن ورد في الآية على وجه الإِطلاق ، وظاهره أن المهتدين لا يعتريهم الخوف ولا الحزن في دنياهم ولا في آخرتهم ، ولكن قوله - تعالى - فيما يقابله من جزاء الكافرين ( أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يرجح أن يكون المراد نفي الخوف والحزن في الدار الآخرة .
قول تعالى مخبرا عما أنذر به آدم وزوجته وإبليس حتى أهبطهم من الجنة ، والمراد الذرية - أنه سينزل الكتب ، ويبعث الأنبياء والرسل ؛ كما قال أبو العالية : الهدى : الأنبياء والرسل والبيان ، وقال مقاتل بن حيان : الهدى : محمد صلى الله عليه وسلم . وقال الحسن : الهدى القرآن . وهذان القولان صحيحان ، وقول أبي العالية أعم .
( فمن تبع هداي ) أي : من أقبل على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل ( فلا خوف عليهم ) أي : فيما يستقبلونه من أمر الآخرة ( ولا هم يحزنون ) على ما فاتهم من أمور الدنيا ، كما قال في سورة " طه " : ( قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ) [ طه : 123 ] قال ابن عباس : فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة . ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) [ طه : 124 ]
القول في تأويل قوله تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا
قال أبو جعفر: وقد ذكرنا القول في تأويل قوله: " قلنا اهبطوا منها جميعًا " فيما مضى، (1) فلا حاجة بنا إلى إعادته، إذْ كان معناه في هذا الموضع، هو معناه في ذلك الموضع.
793- وقد حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، في قوله : " اهبطوا منها جميعًا "، قال: آدم وحواء والحية وإبليس. (2)
القول في تأويل قوله تعالى ذكره: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
قال أبو جعفر: وتأويل قوله: " فإما يأتينكم "، فإنْ يَأتكم. و " ما " التي مع " إن " توكيدٌ للكلام، ولدخولها مع " إن " أدخلت النون المشددة في" يأتينَّكم "، تفرقةً بدخولها بين " ما " التي تأتي بمعنى توكيد الكلام - التي تسميها أهل العربية صلة وَحشوًا - وبين " ما " التي تأتي بمعنى " الذي"، فتؤذِن بدخولها في الفعل، أنّ" ما " التي مع " إن " التي بمعنى الجزاء، توكيد، وليست " ما " التي بمعنى " الذي".
وقد قال بعض نحويي أهل البصرة (3) : إنّ " إمَّا " ، " إن " زيدت معها " ما "، &; 1-549 &; وصار الفعل الذي بعده بالنون الخفيفة أو الثقيلة، وقد يكون بغير نون. وإنما حسنت فيه النون لمّا دخلته " ما "، لأن " ما " نفيٌ، فهي مما ليس بواجب، وهي الحرف الذي ينفي الواجب، فحسنت فيه النون، نحو قولهم: " بعينٍ مَّا أرَينَّك "، حين أدخلت فيها " ما " حسنت النون فيما هاهنا.
وقد أنكرت جماعة من أهل العربية دعوى قائل هذه المقالة (4) : أن " ما " التي مع " بعينٍ ما أرَينَّك " بمعنى الجحد، وزعموا أن ذلك بمعنى التوكيد للكلام.
وقال آخرون: بل هو حشو في الكلام، ومعناها الحذف، وإنما معنى الكلام: " بعَين أراك "، وغير جائز أن يُجْعل مع الاختلاف فيه أصلا يُقاس عليه غيره.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى ذكره: مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
قال أبو جعفر: والهدى، في هذا الموضع، البيان والرشاد. كما:-
794- حدثنا المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم العسقلاني قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: " فإما يأتينكم مني هدًى " قال: الهدى، الأنبياءُ والرسل والبيان. (5) .
فإن كان ما قال أبو العالية في ذلك كما قال، فالخطاب بقوله: اهْبِطُوا ، وإن كان لآدم وزوجته، فيجب أن يكون مرادًا به آدمُ وزوجتُه وذريتُهما. فيكون ذلك حينئذ نظير قوله: فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [سورة فصلت: 11]، بمعنى أتينا بما فينا من الخلق طائعين، ونظيرَ قوله في قراءة &; 1-550 &; ابن مسعود: ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرهم مناسكهم ) [سورة البقرة: 128]، فجمع قبل أن تكون ذريةً، وهو في قراءتنا: وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا . وكما يقول القائل لآخر: " كأنك قد تزوجت وولد لك، وكثرتم وعززتم "، ونحو ذلك من الكلام.
وإنما قلنا إن ذلك هو الواجب على التأويل الذي ذكرناه عن أبي العالية، لأنّ آدمَ كان هو النبيَّ أيام حياته بعد أن أُهبط إلى الأرض، (6) والرسولَ من الله جل ثناؤه إلى ولده. فغير جائز أن يكون معنيًّا -وهو الرسولُ صلى الله عليه وسلم- بقوله: " فإما يأتينّكم منّي هُدًى "، خطابًا له ولزوجته،" فإما يأتينكم مني أنبياءُ ورسل " (7) إلا على ما وصفتُ من التأويل.
وقول أبي العالية في ذلك -وإن كان وجهًا من التأويل تحتمله الآية- فأقرب إلى الصواب منه عندي وأشبهُ بظاهر التلاوة، أن يكون تأويلها: فإما يأتينكم يا معشرَ من أُهبط إلى الأرض من سمائي (8) ، وهو آدمُ وزوجته وإبليس -كما قد ذكرنا قبل في تأويل الآية التي قبلها- إما يأتينكم منّي بيانٌ من أمري وطاعتي، ورشاد إلى سبيلي وديني، فمن اتبعه منكم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وإن كان قد سلف منهم قبل ذلك إليّ معصية وخلافٌ لأمري وطاعتي. يعرّفهم بذلك جل ثناؤه أنه التائبُ على من تاب إليه من ذنوبه، والرحيمُ لمن أناب إليه، كما وصف نفسه بقوله: إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
وذلك أن ظاهر الخطاب بذلك إنما هو للذين قال لهم جل ثناؤه: اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ، والذين خوطبوا به هم من سمّينا في قول الحجة من الصحابة والتابعين الذين قد قدّمنا الرواية عنهم. (9) . وذلك، وإن كان خطابًا من الله جل ذكره لمن أُهبط &; 1-551 &; حينئذٍ من السماء إلى الأرض، فهو سنّة الله في جميع خلقه، وتعريفٌ منه بذلك الذين أخبر عنهم في أول هذه السورة بما أخبر عنهم في قوله (10) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [سورة البقرة: 6]، وفي قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [سورة البقرة: 8]، وأنّ حكمه فيهم -إن تابوا إليه وأنابوا واتبعوا ما أتاهم من البيان من عند الله على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم - أنهم عنده في الآخرة ممن لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، وأنهم إن هلكوا على كُفرهم وضلالتهم قبل الإنابة والتوبة، كانوا من أهل النار المخلَّدين فيها.
وقوله: " فمن تَبعَ هُدَايَ"، يعني: فمن اتبع بَياني الذي آتيتُه على ألسن رُسُلي، أو مع رسلي (11) . كما:-
795- حدثنا به المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: " فمن تَبع هُدَاي"، يعني بياني. (12) .
* * *
وقوله: " فلا خوفٌ عليهم "، يعني فهم آمنون في أهوال القيامة من عقاب الله، غير خائفين عذابه، بما أطاعوا الله في الدنيا واتبعوا أمرَه وهُداه وسبيله، ولا هم يحزنون يومئذ على ما خلّفوا بعد وفاتهم في الدنيا. كما:-
796- حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد: " لا خوفٌ عليهم "، يقول: لا خوف عليكم أمامكم (13) .
وليس شيء أعظمَ في صدر الذي يموت ممّا بعد الموت. فأمّنهم منه وسَلاهم عن الدنيا فقال: " ولا هم يحزنون ".
----------
الهوامش :
(1) انظر ص : 534 .
(2) الأثر : 793- لم أجده بهذا الإسناد ، وانظر ، ما مضى الأرقام : 754 وما بعده .
(3) في المطبوعة : "نحويي البصريين" .
(4) في المطبوعة : "وقد أنكر جماعة . . . دعوى قائلي . . . " .
(5) الأثر : 794- في ابن كثير 1 : 148 ، والدر المنثور 1 : 63 ، والشوكاني 1 : 58 .
(6) في المطبوعة : "هو النبي صلى الله عليه وسلم" .
(7) في المطبوعة : " . . . مني هدى أنبياء ورسل . . . " .
(8) في المطبوعة : "فإما يأتينكم مني يا معشر من أهبطته . . . " .
(9) في المطبوعة : "الرواية عنهم" بالحذف
(10) في المطبوعة : "وتعريف منه بذلك للذين" .
(11) في المطبوعة : " . . . بياني الذي أبينه على ألسن رسلي" .
(12) الأثر : 795- لم أجده في مكان .
(13) الأثر : 796- لم أجده في مكان .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 38 | ﴿قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ |
---|
طه: 123 | ﴿قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
هداى:
وقرئ:
1- بسكون الياء، وهى قراءة الأعرج، وفيه الجمع بين ساكنين، وذلك من إجراء الوصل مجرى الوقف.
2- هدى، بقلب الألف ياء وإدغامها فى ياء المتكلم، وهى لغة هذيل، إذ لم يمكن كسر ما قبل الياء، لأنه حرف لا يقبل الحركة، وهى قراءة عاصم الجحدري، وعبد الله بن أبى إسحاق، وعيسى بن عمر.
فلا خوف:
قرئ:
1- بالرفع والتنوين، مراعاة للرفع فى (ولا هم يحزنون) ، فرفعوا للتعادل، وهى قراءة الجمهور.
2- بالفتح، وكذا فى جميع القرآن، ووجهه: أن ذلك نص فى العموم فينفى كل فرد فرد من مدلول الخوف، وهى قراءة الزهري، وعيسى الثقفي، ويعقوب.
3- بالرفع من غير تنوين، على إعمال «لا» عمل «ليس» ، وحذف التنوين تخفيفا لكثرة الاستعمال، وهى قراءة ابن محيصن، وعلى.
التفسير :
تفسير الآيتين 38 و 39:ـ كرر الإهباط, ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله:{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} أي:أيَّ وقت وزمان جاءكم مني -يا معشر الثقلين- هدى, أي:رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني, ويدنيكم مني; ويدنيكم من رضائي،{ فمن تبع هداي} منكم, بأن آمن برسلي وكتبي, واهتدى بهم, وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب, والامتثال للأمر والاجتناب للنهي،{ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وفي الآية الأخرى:{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء:نفي الخوف والحزن والفرق بينهما, أن المكروه إن كان قد مضى, أحدث الحزن, وإن كان منتظرا, أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا, حصل ضدهما, وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه, حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه, من الخوف, والحزن, والضلال, والشقاء، فحصل له المرغوب, واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه, فكفر به, وكذب بآياته. فـ{ أولئك أصحاب النار} أي:الملازمون لها, ملازمة الصاحب لصاحبه, والغريم لغريمه،{ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون. وفي هذه الآيات وما أشبهها, انقسام الخلق من الجن والإنس, إلى أهل السعادة, وأهل الشقاوة, وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك، وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب, كما أنهم مثلهم, في الأمر والنهي.
ونفى الخوف والحزن عن المهتدين يوم القيامة كناية عن سلامتهم من العذاب وفوزهم بالنعيم الخالد في الجنة ، فتمت المقابلة بين جزاء المهتدين وجزاء الكافرين المشار إليه بقوله - تعالى - :
( والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
إذ هذه الآية الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - ( فَمَن تَبِعَ هُدَايَ ) . إلخ ، وورادة مورد المقابل له في تفصيل أحوال من يأتيهم الهدى من الله .
ولم يقل : والذين لم يتبعوا هداي أولئك أصحاب النار . . وإنما قال : ( والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أولئك . . . ) إلخ ، وذلك لأن من لم يتبع هدى الله يشمل من لم تبلغه الدعوة ، وغير المكلفين مثل الصبيان وفاقدي العقل ، وهؤلاء ليسو من أصحاب النار . فظهر أن قوله : ( والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ . . . ) جيء به على قدر من يستحقون الحكم عليهم بأنهم من أصحاب النار والمجازاة بالعذاب الخالد الأليم .
والآيات : جمع آية ، وهي في الأصل العلامة ، وتستعمل في الطائفة من الكتاب المنزل ، وفيما يستدل به على وجود الله وتوحيده ، من نحو بدائع مصنوعاته ومظاهر عنايته بالإِنسان .
وأضاف - سبحانه - الآيات إلى نفسه فقال : ( بِآيَاتِنَآ ) ليكون قبح التكذيب بها أظهر ، وأتى بنون العظمة فقال ( بآياتنا ) دون أن يقول " بآياتي " لبعث المهابة في نفوس السامعين ، وذلك أدعى إلى تلقي الوعيد باهتمام وخشية .
وأصحاب : جمع صاحب مأخوذ من الصحبة ، وهي الاقتران والملازمة ، ودل بقوله : ( هُمْ فِيهَا خَالِدُون ) على أن صحبتهم للنار دائمة ، وليست من الصحبة التي تستمر مدة ثم تنقطع .
هذا جانب من قصة آدم كما حكاه القرآن في هذه السورة ، ومن الحكم التي تؤخذ منها : أن سياسة الأمم على الطريقة المثلى إنما تقوم على أساس راسخ من العلم ، وأن فضل العلم النافع فوق فضل العبادة ، وأن روح الشر الخبيثة إذا طغت على نفس من النفوس ، جعلتها لا ترى البراهين الساطعة ، ولا يوجهها إلى الخير وعد ، ولا يردعها عن الشر وعيد .
كما يستفاد منها كيف أن الرئيس يفسح المجال لمرؤوسيه المخلصين ، يجادلونه في أمر يريد قضاءه ، ولا يزيد عن أن يبين لهم وجهة نظره في رفق ، وإذا تجاوزوا حدود الأدب اللائق به راعى في عتابهم ما عرفه فيهم من سلامة القلب ، وتلقى أوامره بحسن الطاعة .
كما يؤخذ منها أن المتقلب في نعمة يجب أن يحافظ عليها بشكر الله ، ولا يعمل عملا فيه مخالفة لأوامر الله؛ لأن مخالفة أوامر الله ، كثيراً ما تؤدي إلى زوال النعمة ، ومن أراد أن تزداد النعم بين يديه ، فعليه أن يلتزم طاعة الله وشكره .
وقال بعض العلماء : وقد يتبادر إلى الذهن أن آدم قد ارتكب ما نهى عنه ، ارتكاب من يتعمد المخالفة ، فيكون أكله من الشجرة معصية ، مع أنه من الأنبياء المرسلين ، والرسل معصومون من مخالفة أوامر الله .
والجواب عن ذلك أن آدم تعمد الأكل من الشجرة ، ناسياً النهي عن الأكل منها ، وفعل المنهي عنه على وجه النسيان لا يعد من قبيل المعاصي التي يرتكبها الشخص وهو متذكر أنه يرتكب محرماً ، إذ أن ارتكاب المحرم عن علم وتذكر هو الذي يجعل مرتكبه مستحقاً للعقاب ، والأنبياء معصومون من ذلك .
وإذا عاتب الله بعض الأخبار من عباده على ما صدر منهم على وجه النسيان ، فلأن علمهم بالنهي يدعوهم إلى أن يقع النهي من نفوسهم موقع الاهتمام ، بحيث يستفظعون مخالفته استفظاعاً يملأ نفوسهم بالنفور منها ، ويجعلهم على حذر من الوقوع في بلائها .
فالذي وقع من آدم - عليه السلام - هو أنه غفل عن الأخذ بالحزم في استحضار النهي وجعله نصب عينيه حتى أدركه النسيان ، ففعل ما نهى عنه غير متعمد للمخالفة ، قال - تعالى - :
( وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) هذا ، وبعد أن ذكر القرآن الكريم الناس جميعاً بنعم الله عليهم ، ليحملهم بذلك على إخلاص العبادة له ، وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، ومن بين هذه النعم خلق آدم وإظهار فضله على الملائكة ، بعد كل ذلك اتجه إلى تذكير طائفة خاصة من الكافرين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وهم بنو إسرائيل ، استمالة لقلوبهم نحو الإِيمان بالله ، وكسرا لعنادهم ولجاجتهم ، فقال - تعالى - :
( يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ . . . ) .
كما قال هاهنا : ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) أي : مخلدون فيها ، لا محيد لهم عنها ، ولا محيص .
وقد أورد ابن جرير ، رحمه الله ، هاهنا حديثا ساقه من طريقين ، عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة عن أبي سعيد - واسمه سعد بن مالك بن سنان الخدري - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، لكن أقواما أصابتهم النار بخطاياهم ، أو بذنوبهم فأماتتهم إماتة ، حتى إذا صاروا فحما أذن في الشفاعة . وقد رواه مسلم من حديث شعبة عن أبي سلمة به .
[ وذكر هذا الإهباط الثاني لما تعلق به ما بعده من المعنى المغاير للأول ، وزعم بعضهم أنه تأكيد وتكرير ، كما تقول : قم قم ، وقال آخرون : بل الإهباط الأول من الجنة إلى السماء الدنيا ، والثاني من سماء الدنيا إلى الأرض ، والصحيح الأول ، والله تعالى أعلم بأسرار كتابه ] .
وقوله : وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)
يعني: والذين جَحدوا آياتي وكذّبوا رسلي. وآيات الله: حُجَجه وأدلتُه على وحدانيّته وربوبيّته، وما جاءت به الرُّسُل من الأعلام والشواهد على ذلك، وعلى صدقها فيما أنبأتْ عن ربّها. وقد بيّنا أن معنى الكفر، التغطيةُ على الشيء (14) .
" أولئك أصحاب النار "، يعني: أهلُها الذين هم أهلها دون غيرهم، المخلدون فيها أبدًا إلى غير أمَدٍ ولا نهاية. كما:-
797- حدثنا به عُقبة بن سنان البصري، قال: حدثنا غَسان بن مُضَر، قال حدثنا سعيد بن يزيد - وحدثنا سَوَّار بن عبد الله العنبري، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا أبو مَسْلَمَة سعيد بن يزيد - وحدثني يعقوب بن إبراهيم، وأبو بكر بن عون، قالا حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة، عن سعيد بن يزيد - عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمّا أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يَحْيَون، ولكن أقوامًا أصابتْهم النارُ بخطاياهم أو بذنوبهم، فأماتتهم إماتة، حتى إذا صاروا فحمًا أُذِنَ في الشفاعة (15) .
---------------
الهوامش :
(14) انظر ما مضى ص : 255 .
(15) الحديث : 797- رواه الطبري هنا بثلاثة أسانيد ، تنتهي إلى سعيد بن يزيد . وذكره ابن كثير 1 : 158 ، ولكنه سها فذكر أنه رواه من طريقين ، وهي ثلاثة كما ترى :
و"عقبة بن سنان بن عقبة بن سنان البصري" - شيخ الطبري في الإسناد الأول : ثقة ، سمع منه أبو حاتم ، وقال : "صدوق" . ولم أجد له ترجمة إلا في الجرح والتعديل 3/1/311 . و"غسان بن مضر الأزدي البصري" : ثقة من شيوخ أحمد القدماء ، وقال أحمد : "شيخ ثقة ثقة" . وترجمه البخاري في الكبير 4/1/107 ، وابن أبي حاتم 3/2/51 . و"أبو بكر بن عون" - شيخ الطبري في الإسناد الثالث : لم أستطع أن أعرف من هو؟ ولا أثر لذلك في الإسناد ، فإن الطبري رواه عنه وعن يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، كلاهما عن ابن علية . و"سعيد بن يزيد بن مسلمة أبو مسلمة الأزدي البصري" : تابعي ثقة ، روى له الجماعة . وترجمه البخاري 2/1/476 ، وابن أبي حاتم 2/1/73 . وكنيته"أبو مسلمة" بالميم في أولها . ووقع في تفسير ابن كثير"أبو سلمة" بحذفها ، وهو خطأ مطبعي .
وهذا الحديث رواه مسلم 1 : 67-68 ، وابن ماجه : 4309- كلاهما من طريق بشر بن المفضل ، عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة ، به . ولكنه عندهما أطول مما هنا . ولم يروه من أصحاب الكتب الستة غيرهما ، كما يدل على ذلك تخريجه في جامع الأصول لابن الأثير : 8085 . وكذلك رواه الإمام أحمد في المسند : 11093 (3 : 11 حلبي) عن ابن علية . ورواه أيضًا أحمد : 11769 (3 : 78-79) ، ومسلم 1 : 68- كلاهما من طريق شعبة ، عن سعيد بن يزيد .
وهو في الحقيقة جزء من حديث طويل ، ورواه أحمد في المسند ، مطولا ومختصرًا ، من أوجه ، عن أبي نضرة ، منها : 11029 ، 11168 ، 11218- 11220 (3 : 5 ، 20 ، 25-26 حلبي) .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 39 | ﴿وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ |
---|
التغابن: 10 | ﴿وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ |
---|
الحديد: 19 | ﴿وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ |
---|
الحج: 57 | ﴿وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ |
---|
الروم: 16 | ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَـٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} المراد بإسرائيل:يعقوب عليه السلام، والخطاب مع فرق بني إسرائيل, الذين بالمدينة وما حولها, ويدخل فيهم من أتى من بعدهم, فأمرهم بأمر عام، فقال:{ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها، والمراد بذكرها بالقلب اعترافا, وباللسان ثناء, وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه.{ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} وهو ما عهده إليهم من الإيمان به, وبرسله وإقامة شرعه.{ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} وهو المجازاة على ذلك. والمراد بذلك:ما ذكره الله في قوله:{ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ [وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي]} إلى قوله:{ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده, وهو الرهبة منه تعالى, وخشيته وحده, فإن مَنْ خشِيَه أوجبت له خشيته امتثال أمره واجتناب نهيه.
إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام - وفي إضافتهم إلى أبيهم إسرائيل تشريف لهم وتكريم ، وحث لهم على الامتثال لأوامر الله ونواهيه ، فكأنه قيل : يا بني العبد الصالح ، والنبي الكريم ، كونوا مثل أبيكم في الطاعة والعبادة .
ويستعمل مثل هذا التعبير في مقام الترغيب والترهيب ، بناء على أن الحسنة في نفسها حسنة وهي من بيت النبوة أحسن ، والسيئة في نفسها سيئة وهي من بيت النبوة أسوأ ، ففي هذا النداء . خير داع لذوي الفطر السليمة منهم إلى الإِقبال على ما يرد بعده من التذكير بالنعمة ، واستعمالها فيما خلقت له .
ومعنى ( اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) تنبهوا بعقولكم وقلوبكم لتلك المنافع التي أتتكم على سبيل الإِحسان مني ، وقوموا بحقوقها وأكثروا من الحديث عنها بألسنتكم ، فإن التحدث بنعم الله فيه إغراء بشكرها .
والمراد بنعمة : المنعم بها عليهم ، وتجمع على نعم ، وقد وردت في القرآن الكريم بمعنى الجمع كما في قوله تعالى : ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا ) فإن لفظ العدد والإِحصاء قرينة على أن المراد بالنعمة : النعم الكثيرة ، ويبدوا أن المراد بالنعمة في الآية التي معنا كذلك النعم المتعددة حيث إنه لم يقم دليل على أن المراد بها نعمة معهودة ، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد في معنى الجمع - اعتماداً على القرينة - من أبلغ الأساليب الكلامية .
ثم أمرهم - سبحانه - بالوفاء بما عاهدهم عليه ، فقال تعالى : ( وَأَوْفُواْ بعهدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) العهد ما من شأنه أن يراعى ويحفظ ، كاليمين والوصية وغيرهما ، ويضاف إلى المعاهد والمعاهد جميعاً ، يقال : أوفيت بعهدي ، أي بما عاهدت غيري عليه ، وأوفيت بعهدك ، أي بما عاهدتني عليه ، وعهد الله : أوامره ونواهيه ، والوفاء به يتأتى باتباع ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه ، ويندرج فيه كل ما أخذ على بني إسرائيل من التوراة ، من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم متى بعث ، والإِيمان بما جاء به من عند الله وتصديقه فيما يخبر عن ربه .
والمعنى : وأوفوا بما عاهدتموني عليه من الإِيمان بي ، والطاعة لي ، والتصديق برسلي ، أوف بما عاهدتكم عليه من التمكين في الأرض في الدنيا والسعادة في الآخرة .
ثم أمرهم - سبحانه - بأن يجعلوا خوفهم من خالقهم وحده ، فقال - تعالى - ( وَإِيَّايَ فارهبون ) أي : خافوني ولا تخافوا سواي ، ولتكن قلوبكم عامرة بخشيتي وحدي ، فإن ذلك يعينكم على طاعتي ، ويبعدكم عن معصيتي .
وحذف متعلق الرهبة للعموم ، أي ارهبوني في جميع ما تأتون ، وما تذرون ، حتى لا أنزل بكم من النقم مثل ما أنزلت بمن قبلكم من المسخ وغيره ، فالآيات الكريمة قد تضمنت وعداً ووعيداً وترغيباً وترهيباً .
يقول تعالى آمرا بني إسرائيل بالدخول في الإسلام ، ومتابعة محمد عليه من الله أفضل الصلاة والسلام ، ومهيجا لهم بذكر أبيهم إسرائيل ، وهو نبي الله يعقوب ، عليه السلام ، وتقديره : يا بني العبد الصالح المطيع لله كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق ، كما تقول : يا ابن الكريم ، افعل كذا . يا ابن الشجاع ، بارز الأبطال ، يا ابن العالم ، اطلب العلم ، ونحو ذلك .
ومن ذلك أيضا قوله تعالى : ( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ) [ الإسراء : 3 ] فإسرائيل هو يعقوب عليه السلام ، بدليل ما رواه أبو داود الطيالسي : حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، قال : حدثني عبد الله بن عباس قال : حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب ؟ . قالوا : اللهم نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اشهد وقال الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس أن إسرائيل كقولك : عبد الله .
وقوله تعالى : ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) قال مجاهد : نعمة الله التي أنعم بها عليهم فيما سمى وفيما سوى ذلك ، فجر لهم الحجر ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وأنجاهم من عبودية آل فرعون .
وقال أبو العالية : نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرسل ، وأنزل عليهم الكتب .
قلت : وهذا كقول موسى عليه السلام لهم : ( يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) [ المائدة : 20 ] يعني في زمانهم .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) أي : بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ) قال : بعهدي الذي أخذت في أعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم . ( أوف بعهدكم ) أي : أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه ، بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من إحداثكم .
[ وقال الحسن البصري : هو قوله : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) الآية [ المائدة : 12 ] . وقال آخرون : هو الذي أخذه الله عليهم في التوراة أنه سيبعث من بني إسماعيل نبيا عظيما يطيعه جميع الشعوب ، والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم فمن اتبعه غفر له ذنبه وأدخل الجنة وجعل له أجران . وقد أورد فخر الدين الرازي هاهنا بشارات كثيرة عن الأنبياء عليهم السلام بمحمد صلى الله عليه وسلم ] .
وقال أبو العالية : ( وأوفوا بعهدي ) قال : عهده إلى عباده : دينه الإسلام أن يتبعوه .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( أوف بعهدكم ) قال : أرض عنكم وأدخلكم الجنة .
وكذا قال السدي ، والضحاك ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس .
وقوله : ( وإياي فارهبون ) أي : فاخشون ؛ قاله أبو العالية ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة .
وقال ابن عباس في قوله تعالى : ( وإياي فارهبون ) أي أنزل بكم ما أنزل بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره .
وهذا انتقال من الترغيب إلى الترهيب ، فدعاهم إليه بالرغبة والرهبة ، لعلهم يرجعون إلى الحق واتباع الرسول والاتعاظ بالقرآن وزواجره ، وامتثال أوامره ، وتصديق أخباره ، والله الهادي لمن يشاء إلى صراطه المستقيم
القول في تأويل قوله تعالى ذكره: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " يا بني إسرائيل " ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن (16) وكان يعقوب يدعى " إسرائيل "، بمعنى عبد الله وصفوته من خلقه. و " إيل " هو الله، و " إسرا " هو العبد، كما قيل: " جبريل " بمعنى عبد الله. وكما:-
798- حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير، عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء، عن عُمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس: أن إسرائيل كقولك: عبد الله. (17)
799- وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبد الله بن الحارث، قال: " إيل "، الله بالعبرانية. (18)
وإنما خاطب الله جل ثناؤه بقوله: " يا بني إسرائيل " أحبارَ اليهود من بني إسرائيل، الذين كانوا بين ظَهرانَيْ مُهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسبهم جل ذكره إلى يعقوب، كما نسب ذرية آدم إلى آدم، فقال: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [سورة الأعراف: 31] وما أشبه ذلك. وإنما خصّهم بالخطاب في هذه الآية والتي بعدها من الآي التي ذكَّرهم فيها نعمَه -وإن كان قد تقدّم ما أنـزل فيهم وفي غيرهم في أول هذه السورة ما قد تقدم- أن الذي احتج به من الحجج والآيات التي فيها أنباء أسلافهم، وأخبارُ أوائلهم، وَقصَصُ الأمور التي هم بعلمها مخصوصون دون غيرهم من سائر الأمم، ليس عند غيرهم من العلم بصحته وحقيقته مثلُ الذي لهم من العلم به، إلا لمن اقتبس علم ذلك منهم. فعرَّفهم بإطلاع محمّد على علمها- مع بعد قومه وعشيرته من معرفتها، وقلة مزاولة محمد صلى الله عليه وسلم درَاسةَ الكتب التي فيها أنباء ذلك (19) - أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم &; 1-555 &; لم يَصلْ إلى علم ذلك إلا بوحي من الله وتنـزيلٍ منه ذلك إليه - لأنهم من عِلْم صحة ذلك بمحلّ ليس به من الأمم غيرهم، فلذلك جل ثناؤه خص بقوله: " يا بني إسرائيل " خطابهم كما:-
800- حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قوله: " يا بني إسرائيل "، قال: يا أهل الكتاب، للأحبار من يهود (20) .
القول في تأويل قوله: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
قال أبو جعفر: ونعمته التي أنعم بها على بني إسرائيل جلّ ذكره، اصطفاؤه منهم الرسلَ، وإنـزاله عليهم الكتب، واستنقاذُه إياهم مما كانوا فيه من البلاء والضَّرَّاء من فرعون وقومه، إلى التمكين لهم في الأرض، وتفجير عيون الماء من الحجر، وإطعام المنّ والسلوى. فأمر جل ثناؤه أعقابهم أن يكون ما سلَف منه إلى آبائهم على ذُكْر، وأن لا ينسوا صنيعه إلى أسلافهم وآبائهم، فيحلّ بهم من النقم ما أحلّ بمن نسي نعمَه عنده منهم وكفرها، وجحد صنائعه عنده. كما:-
801- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " اذكروا نعمتِي التي أنعمتُ عليكم "، أي آلائي عندكم وعند آبائكم، لما كان نجّاهم به من فرعون وقومه (21) .
802- وحدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن &; 1-556 &; الربيع، عن أبي العالية، في قوله: " اذكروا نعمتي"، قال: نعمتُه أنْ جعل منهم الأنبياء والرسل، وأنـزل عليهم الكتب (22) .
803- وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم "، يعني نعمتَه التي أنعم على بني إسرائيل، فيما سمى وفيما سوَى ذلك: فجَّر لهم الحجر، وأنـزل عليهم المنّ والسلوى، وأنجاهم من عبودية آل فرعون (23) .
804- وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد في قوله: " نعمتي التي أنعمت عليكم " قال: نعمه عامة، ولا نعمةَ أفضلُ من الإسلام، والنعم بعدُ تبع لها، وقرأ قول الله يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (24) [سورة الحجرات: 17]
وتذكيرُ الله الذين ذكّرهم جل ثناؤه بهذه الآية من نعمه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، نظيرُ تذكير موسى صلوات الله عليه أسلافَهم على عهده، الذي أخبر الله عنه أنه قال لهم، وذلك قوله: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [سورة المائدة: 20].
القول في تأويل قوله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ (40)
قال أبو جعفر: قد تقدم بياننا فيما مضى -عن معنى العهد- من كتابنا هذا (25) ، واختلاف المختلفين في تأويله، والصوابُ عندنا من القول فيه (26) . وهو في هذا الموضع: عهدُ الله ووصيته التي أخذ على بني إسرائيل في التوراة، أن يبيِّنوا للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسولٌ، وأنهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة أنه نبيّ الله، وأن يؤمنوا به وبما جاء به من عند الله.
" أوف بعهدكم ": وعهدُه إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة، كما قال جل ثناؤه: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [سورة المائدة: 12]، وكما قال: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا &; 1-558 &; النُّورَ الَّذِي أُنْـزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (27) [سورة الأعراف: 156-157].
805- وكما حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وأوفوا بعهدي" الذي أخذتُ في أعناقكم للنبِيّ محمد إذا جاءكم، (28) " أوف بعهدكم "، أي أنجزْ لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه، بوضع ما كان عليكم من الإصْر والأغلال التي كانت في أعْناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم (29) .
806- وحدثنا المثنى، قال: حدثنا آدم، قال حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: " أوْفوا بعهدي أوفِ بعهدكم "، قال: عهدُه إلى عباده، دينُ الإسلام أن يتبعوه،" أوف بعهدكم "، يعني الجنة (30) .
807- وحدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم ": أما " أوفوا بعهدي"، فما عهدت إليكم في الكتاب. وأما " أوف بعهدكم " فالجنة، عهدتُ إليكم أنكم إن عملتم بطاعتي أدخلتكم الجنة (31) .
808- وحدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج في قوله: " وأفوا بعهدي أوف بعهدكم "، قال: ذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في المائدة: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا &; 1-559 &; إلى آخر الآية [سورة المائدة: 12]. فهذا عهدُ الله الذي عهد إليهم، وهو عهد الله فينا، فمن أوفى بعهد الله وفَى الله له بعهده (32) .
809- وحُدِّثت عن المنجاب، قال: حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، في قوله " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم "، يقول: أوفوا بما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عنه من معصيتي في النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيره،" أوف بعهدكم "، يقول: أرض عنكم وأدخلكم الجنة (33) .
810- وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد في قوله: " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم "، قال: أوفوا بأمري أوفِ بالذي وعدتكم، وقرأ: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ حتى بلغ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [سورة التوبة: 111]، قال: هذا عهده الذي عهده لهم (34) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى ذكره: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
قال أبو جعفر: وتأويل قوله: " وإياي فارهبون "، وإياي فاخْشَوْا - واتَّقُوا أيها المضيّعون عهدي من بني إسرائيل، والمكذبون رسولي الذي أخذتُ ميثاقكم - فيما أنـزلتُ من الكتُب على أنبيائي -أن تؤمنوا به وتتبعوه- أن أُحِلّ بكمْ من عقوبتي، إن لم تنيبوا وتتوبوا إليّ باتباعه والإقرار بما أنـزلت إليه، ما أحللتُ بمن خالف أمري وكذّب رُسلي من أسلافكم. كما:-
811- حدثني به محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، &; 1-560 &; عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وإيايَ فارهبون "، أن أنـزل بكم ما أنـزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النَّقِمات التي قد عرفتم، من المسخ وغيره. (35)
812- وحدثنا المثنى بن إبراهيم، قال: حدثني آدم العسقلاني، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: " وإياي فارهَبُون "، يقول: فاخشَوْن.
813- وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " وإياي فارهبون "، يقول: وإياي فاخشون. (36)
-------------
الهوامش :
(16) في المطبوعة : "يا ولد يعقوب . . . " بزيادة النداء" .
(17) الخبر : 798- في ابن كثير 1 : : 149 ، والدر المنثور 1 : 63 . وهذا إسناد صحيح . إسماعيل بن رجاء بن ربيعة : ثقة ، أخرج له مسلم في صحيحه . عمير مولى ابن عباس : هو عمير بن عبد الله الهلالي ، مولى أم الفضل ، وقد ينسب إلى ولاء زوجها"العباس" ، كما ورد في إسناد حديث آخر في المسند : 77 ، وقد ينسب إلى ولاء بعض أولادها ، كما في هذا الإسناد . وهو تابعي ثقة ، ترجمه ابن أبي حاتم 3/1/380 ، وأخرج له الشيخان وغيرهما .
(18) الأثر : 799- في الدر المنثور 1 : 63 . و"المنهال" : هو ابن عمرو الأسدي . و"عبد الله بن الحارث" : هو الأنصاري البصري أبو الوليد ، وهو تابعي ثقة .
(19) قوله : "وقلة مزاولة محمد صلى الله عليه وسلم دراسة الكتب . . . " ، هو كما نقول اليوم في عبارتنا المحدثة : "وعدم مزاولة محمد . . . " . قال الجاحظ في البيان والتبيين 1 : 285 : "واستجار عون ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، بمحمد بن مروان بنصيبين ، وتزوج بها امرأة فقال محمد : كيف ترى نصيبين؟ قال : "كثيرة العقارب ، قليلة الأقارب" . يريد بقوله : "قليلة" ، كقول القائل : "فلان قليل الحياء" ، وليس يريد أن هناك حياء وإن قل . يضعون : "قليلا ، في موضع"ليس" . انتهى .
قلت : ومنه قول دريد بن الصمة في أخيه :
قَلِيــلُ التَّشَـكِّي للمصيبـات, حـافظٌ
مِـنَ الْيَـوْمِ أعقـابَ الأحاديث في غَدِ
وسيأتي قول الطبري في تفسير قوله تعالى من (سورة البقرة : 88)"فقليلا ما يؤمنون" : (1 : 324 ، بولاق) : "وإنما قيل : فقليلا ما يؤمنون ، وهم بالجميع كافرون ، كما تقول العرب : "قلما رأيت مثل هذا قط" . وقد روى عنها سماعًا منها : "مررت ببلاد قلما تنبت إلا الكراث والبصل" ، يعني ما تنبت غير الكراث والبصل ، وما أشبه ذلك من الكلام الذي ينطق به بوصف الشيء بالقلة ، والمعنى فيه نفي جميعه" ، انتهى .
وفي الحديث : "إنه كان يقل اللغو" أي لا يلغو أصلا ، قال ابن الأثير : وهذا اللفظ يستعمل في نفي أصل الشيء (اللسان : قلل) .
ولولا زمان فسد فيه اللسان ، وقل الإيمان ، واشتدت بالمتهجمين الجرأة على تفسير الكلمات ، وتصيد الشبهات - ولولا أن يقول قائل فيفتري على الطبري أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدارس كتب أهل الكتاب ، لكنت في غنى عن مثل هذه الإطالة .
(20) الأثر 800- في الدر المنثور 1 : 63 ، والشوكاني 1 : 61 بتمامه . وسيأتي تمامه في الأثر التالي .
(21) الأثر : 801- من تمام الأثر السالف ، المراجع السالفة ، وابن كثير 1 : 149 .
(22) الأثر : 802- في ابن كير 1 : 149 .
(23) الأثر : 803- في ابن كثير 1 : 149 وفيه : "وفيما سوى ذلك : أن فجر" ، بالزيادة .
(24) الأثر : 804- لم أجده في مكان .
(25) انظر ما مضى : 410-415 .
(26) في المطبوعة : "قد تقدم بياننا معنى العهد فيما مضى من كتابنا . . . " ، غيروه ليستقيم الكلام على ما ألفوه .
(27) في الأصول : " . . . اثنى عشر نقيبًا ، الآية" . و"النبي الأمي ، الآية" . وآثرنا إتمام الآيتين ، كما جرينا عليه فيما سلف ، وفيما سيأتي .
(28) في المطبوعة : " . . . للنبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم . . . " ، وفي المراجع الأخرى .
(29) الأثر : 805- من تمام الأثر السالف رقم : 800 ، ورقم 801 ، ومراجعه ما سلف .
(30) الأثر : 806- في ابن كثير 1 : 150 .
(31) الأثر : 807- في ابن كثير 1 : 150 تضمينًا .
(32) الأثر : 808- لم أجده بنصه في مكان .
(33) الأثر : 809- في ابن كثير 1 : 150 ، الدر المنثور 1 : 63 ، والشوكاني 1 : 61 .
(34) الأثر : 810- لم أجده في مكان .
(35) الأثر : 811- من تمام الآثار السالفة الأرقام : 800 ، 801 ، 805 . وابن كثير 1 : 150 من تمام ما سلف في ص 149 . المراجع المذكورة .
(36) الأثر : 813- في ابن كثير 1 : 150 .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 40 | ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ |
---|
البقرة: 47 | ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ |
---|
البقرة: 122 | ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
إسرائيل:
قرئ:
1- إسرائيل، بهمزة بعد الألف وياء بعدها، وهى قراءة الجمهور.
2- اسراييل، بياءين بعد الألف، وهى قراءة أبى جعفر، والأعمش، وعيسى بن عمر.
3- اسرائل، بهمزة بعد الألف ثم لام، وهو مروى عن ورش.
4- اسرائل، بهمزة مفتوحة بعد الراء ولام.
5- اسرئل، بهمزة مكسورة بعد الراء.
6- اسرال، بألف ممالة بعدها لام خفيفة.
7- اسرال، بألف غير ممالة، وهى رواية خارجة عن نافع.
8- اسرائن، بنون بدل اللام، وهى قراءة الحسن، والزهري، وابن أبى إسحاق.
أوف:
وقرئ:
أوف، مشددا، وهى قراءة الزهري.
فارهبون:
وقرئ:
فارهبونى، بالياء على الأصل، وهى قراءة ابن أبى إسحاق.
التفسير :
ثم أمرهم بالأمر الخاص, الذي لا يتم إيمانهم, ولا يصح إلا به فقال:{ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ} وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالإيمان به, واتباعه, ويستلزم ذلك, الإيمان بمن أنزل عليه، وذكر الداعي لإيمانهم به، فقال:{ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} أي:موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا، فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب, غير مخالف لها; فلا مانع لكم من الإيمان به, لأنه جاء بما جاءت به المرسلون, فأنتم أولى من آمن به وصدق به, لكونكم أهل الكتب والعلم. وأيضا فإن في قوله:{ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به, عاد ذلك عليكم, بتكذيب ما معكم, لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء، فتكذيبكم له تكذيب لما معكم. وأيضا, فإن في الكتب التي بأيدكم, صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به، فإن لم تؤمنوا به, كذبتم ببعض ما أنزل إليكم, ومن كذب ببعض ما أنزل إليه, فقد كذب بجميعه، كما أن من كفر برسول, فقد كذب الرسل جميعهم. فلما أمرهم بالإيمان به, نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به فقال:{ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أي:بالرسول والقرآن. وفي قوله:{ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أبلغ من قوله:{ ولا تكفروا به} لأنهم إذا كانوا أول كافر به, كان فيه مبادرتهم إلى الكفر به, عكس ما ينبغي منهم, وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدهم. ثم ذكر المانع لهم من الإيمان, وهو اختيار العرض الأدنى على السعادة الأبدية، فقال:{ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل, التي يتوهمون انقطاعها, إن آمنوا بالله ورسوله, فاشتروها بآيات الله واستحبوها, وآثروها.{ وَإِيَّايَ} أي:لا غيري{ فَاتَّقُونِ} فإنكم إذا اتقيتم الله وحده, أوجبت لكم تقواه, تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل، كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل, فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم.
( وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ ) .
وبعد أن أمر الله - عز وجل - بني إسرائيل ، أن يوفوا بعهده عموماً أتبع ذلك بأمرهم بأن يوفوا بأمر خاص وهو القرآن الكريم ، وفي التعبير عنه بذلك تعظيم لشأنه ، وتقخيم لأمره . وأفرد - سبحانه - أمرهم بأن يؤمنوا به مع إندراجه في قوله - تعالى - ( وَأَوْفُواْ بعهدي ) للإِشارة إلى أن الوفاء بالعهد لا يحصل منهم إلا إذا صدقوا به .
والمراد بما معهم التوراة ، والتعبير عنها بذلك للإِشعار بعلمهم بتصديقه لها . والمعنى : آمنوا يا بني إسرائيل بالكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم المصدق لكتابكم التوارة ، ومن مظاهر هذا التصديق اشتمال دعوته على ما يحقق دعوتها ، من الأمر بتوحيد الله - تعالى - والحث على التمسك بالفضائل ، والبعد عن الرذائل ، وإخباره بما جاء بها من الإِشارة إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ومطابقة ما وصفته به مطابقة واضحة جلية وموالفقته لها في أصول الدين الكلية ، وهيمنته عليها ، ولذا قال - عليه الصلاة والسلام - : " لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي " .
وفي إخبار بني إسرائيل بأن القرآن الكريم مصدق لما معهم ، إثارة لهممهم لو كانوا يعقلون - للإِقبال عليه ، متدبرين آياته ، حتى تستيقن نفوسهم أنه دعوة الحق والإِصلاح المؤدية إلى السعادة في الدنيا والآخرة وحتى تطمئن قلوبهم إلى أن الإِيمان به معناه الإِيمان بما معهم ، والكفر به ، كفر بما بين أيديهم ، حيث إن ما بين أيديهم قد بشر ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - المنزل عليه القرآن الكريم .
قال الإِمام الرازي : ( وهذه الجملة الكريمة تدل على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجهين :
أولهما : أن الكتب السابقة قد بشرت به ، وشهاداتها لا تكون إلا حقاً .
وثانيهما : أنه - عليه الصلاة والسلام - قد أخبرهم عما في كتبهم بدون معرفة سابقة لها ، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق الوحي .
وبعد أن أمرهم - سبحانه - بالإِيمان الخالص ، عرض بهم لتكذيبهم وجحوهم ، فقال - تعالى - : ( وَلاَ تكونوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ) أي : لا تكونوا أول فريق من أهل الكتاب يكفر بالقرآن الكريم ، فيقتدى بكم أناس آخرون وبهذا تصيرون أئمة للكفر مع أن من الواجب عليكم أن تسارعوا إلى الإيمان به لأنكم أدرى الناس بأنهن من عند الله ، وأكثرهم علماً بأنه الرسول الذي نزل عليه هذا القرآن ، وهو الصادق الأمين فيما يبلغه عن ربه .
والمقصود من هذه الجملة الكريمة ، تبكيتهم على مسارعتهم في الكفر ، واستعظام وقوع الجحود منهم ، وتوعدهم عليه بسوء المآل .
قال الإِمام الرازي : ( هذه الجملة خطاب لبني إسرائيل قبل غيرهم فكأنه - سبحانه - يقول لهم : لا تكفروا بمحمد ، فإنه سيكون بعدكم كفرة ، فلا تكونوا أنتم أولهم لأن هذه الأولية موجبة لمزيد الإِثم ، وذلك لأنهم إذا سُبقوا إلى الكفر ، فإما أن يقتدى بهم غيرهم أولا ، فإن اقتدى بهم غيرهم كان عليهم وزره ووزر كل كافر إلى يوم القيامة ، وإن لم يقتد بهم غيرهم ، اجتمع عليهم أمران : السبق إلى الكفر؛ والتفرد به وكلاهما منقصة عظيمة ، وتؤدى إلى العاقبة الوبيلة ) .
ثم نهاهم عن أن يبيعوا دينهم بديناهم ، فقال - تعالى - : ( وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً ) .
والاشتراء هنا استعارة للاستبدال ، والذي استبدل به الثمن القليل هو الإِيمان بالآيات ، والمراد بالآيات : البراهين المؤيدة لصدق النبي صلى الله عليه وسلم وفي مقدمتها القرآن الكريم والتوراة .
والمراد بالثمن القليل : حظوظ الدنيا وشهواتها من نحو الرياسة والمال والجاه ، وما إلى ذلك من الأمور التي خافوا ضياعها لو اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم .
والمعنى : لا تستبدلوا بالإِيمان بما أنزلت مصدقاً لما معكم شيئاً من حطام الدنيا ، ولا تختاروا على ثواب الله بديلا من الأموال ، فإنها مما كثرت فهي قليلة مسترذلة بالنسبة لما يناله أولو الإيمان الخالص من رعاية ضافية في الدنيا ، وخيرات حسان في الأخرى .
وليس وصف الثمن بالقلة من الأوصاف المخصصة للنكرات ، بقل هو من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل بالآيات؛ إذ لا يكون إلا قليلا وإن بلغ ما بلغ من أعراض الدنيا بجانب رضا الله - عز وجل - .
ونزل تمكينهم من الإِيمان بالآيات لوضوحها منزلة حصوله بالفعل ، فكأن الإِيمان كان في حوزتهم ، ولكنهم خلعوه ، ونبذوه ، مستبدلين الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ فباءوا بغضب على غضب لكفرهم بالقرآن الكريم وبتوراتهم التي بشرت بالرسول - عليه الصلاة والسلام- .
ثم حذرهم - سبحانه - من التمادي في الكفر بما أنزل ، مصدقاً لما معهم ، فقال - تعالى " وإياي فاتقون " الاتقاء معناه الحذر ، يقال : فلان اتقى الله أي حذر عقابه وبطشه ، والحذر من عقاب الله ، يستلزم امتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، فمعنى " وإياي فاتقون " آمنوا بي ، واتبعوا الحق وأعرضوا عن الباطل .
ولهذا قال : ( وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ) [ ( مصدقا ) ماضيا منصوبا على الحال من ( بما ) أي : بالذي أنزلت مصدقا أو من الضمير المحذوف من قولهم : بما أنزلته مصدقا ، ويجوز أن يكون مصدرا من غير الفعل وهو قوله : ( بما أنزلت مصدقا ) ] يعني به : القرآن الذي أنزله على محمد النبي الأمي العربي بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا مشتملا على الحق من الله تعالى ، مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل .
قال أبو العالية ، رحمه الله ، في قوله : ( وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ) يقول : يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم يقول : لأنهم يجدون محمدا صلى الله عليه وسلم مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .
وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة نحو ذلك .
وقوله : ( ولا تكونوا أول كافر به ) [ قال بعض المفسرين : أول فريق كافر به ونحو ذلك ] . قال ابن عباس : ( ولا تكونوا أول كافر به ) وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم .
وقال أبو العالية : يقول : ( ولا تكونوا أول [ كافر به ) أول ] من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم [ يعني من جنسكم أهل الكتاب بعد سماعهم بمحمد وبمبعثه ] .
وكذا قال الحسن ، والسدي ، والربيع بن أنس .
واختار ابن جرير أن الضمير في قوله : ( به ) عائد على القرآن ، الذي تقدم ذكره في قوله : ( بما أنزلت )
وكلا القولين صحيح ؛ لأنهما متلازمان ، لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر بالقرآن .
وأما قوله : ( أول كافر به ) فيعني به أول من كفر به من بني إسرائيل ؛ لأنه قد تقدمهم من كفار قريش وغيرهم من العرب بشر كثير ، وإنما المراد أول من كفر به من بني إسرائيل مباشرة ، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن ، فكفرهم به يستلزم أنهم أول من كفر به من جنسهم .
وقوله : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) يقول : لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها ، فإنها قليلة فانية ، كما قال عبد الله بن المبارك : أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن هارون بن زيد قال : سئل الحسن ، يعني البصري ، عن قوله تعالى : ( ثمنا قليلا ) قال : الثمن القليل الدنيا بحذافيرها .
وقال ابن لهيعة : حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) وإن آياته : كتابه الذي أنزله إليهم ، وإن الثمن القليل : الدنيا وشهواتها .
وقال السدي : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) يقول : لا تأخذوا طمعا قليلا ولا تكتموا اسم الله لذلك الطمع وهو الثمن .
وقال أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) يقول : لا تأخذوا عليه أجرا . قال : وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول : يا ابن آدم علم مجانا كما علمت مجانا .
وقيل : معناه لا تعتاضوا عن البيان والإيضاح ونشر العلم النافع في الناس بالكتمان واللبس لتستمروا على رياستكم في الدنيا القليلة الحقيرة الزائلة عن قريب ، وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة وأما تعليم العلم بأجرة ، فإن كان قد تعين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرة ، ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله ، فإن لم يحصل له منه شيء وقطعه التعليم عن التكسب ، فهو كما لم يتعين عليه ، وإذا لم يتعين عليه ، فإنه يجوز أن يأخذ عليه أجرة عند مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء ، كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد في قصة اللديغ : إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله وقوله في قصة المخطوبة : زوجتكها بما معك من القرآن فأما حديث عبادة بن الصامت ، أنه علم رجلا من أهل الصفة شيئا من القرآن فأهدى له قوسا ، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أحببت أن تطوق بقوس من نار فاقبله فتركه ، رواه أبو داود وروي مثله عن أبي بن كعب مرفوعا ، فإن صح إسناده فهو محمول عند كثير من العلماء منهم : أبو عمر بن عبد البر على أنه لما علمه الله لم يجز بعد هذا أن يعتاض عن ثواب الله بذلك القوس ، فأما إذا كان من أول الأمر على التعليم بالأجرة فإنه يصح كما في حديث اللديغ وحديث سهل في المخطوبة ، والله أعلم .
( وإياي فاتقون ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عمر الدوري ، حدثنا أبو إسماعيل المؤدب ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية ، عن طلق بن حبيب ، قال : التقوى أن تعمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله ، والتقوى أن تترك معصية الله مخافة عذاب الله على نور من الله .
ومعنى قوله : ( وإياي فاتقون ) أنه تعالى يتوعدهم فيما يتعمدونه من كتمان الحق وإظهار خلافه ومخالفتهم الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه .
القول في تأويل قوله تعالى: وَآمِنُوا بِمَا أَنْـزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "آمنوا "، صدِّقوا، كما قد قدمنا البيان عنه قبل. (37) ويعني بقوله: " بما أنـزلت " ما أنـزل على محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن. ويعني بقوله: " مصدِّقًا لما معكم "، أن القرآن مصدِّق لما مع اليهود من بني إسرائيل من التوراة. فأمرهم بالتصديق بالقرآن، وأخبرهم جل ثناؤه أن في تصديقهم بالقرآن تصديقًا منهم للتوراة، لأن الذي في القرآن من الأمر بالإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه واتباعه، نظيرُ الذي من ذلك في التوراة والإنجيل ففي تصديقهم بما &; 1-561 &; أنـزل على محمد تصديقٌ منهم لما معهم من التوراة، وفي تكذيبهم به تكذيبٌ منهم لما معهم من التوراة.
وقوله: " مصدقًا "، قطع من الهاء المتروكة في" أنـزلته " من ذكر " ما " (38) . ومعنى الكلام وآمنوا بالذي أنـزلته مصدقًا لما معكم أيها اليهود، والذي معهم: هو التوراة والإنجيل. كما:-
814- حدثنا به محمد بن عمرو الباهلي، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: " وآمنوا بما أنـزلت مصدقًا لما معكم "، يقول: إنما أنـزلت القرآن مصدقًا لما معكم التوراة والإنجيل. (39) .
815- وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
816- وحدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: " وآمنوا بما أنـزلت مصدِّقًا لما معكم "، يقول: يا معشر أهل الكتاب، آمنوا بما أنـزلت على محمّد مصدقًا لما معكم. يقول: لأنهم يجدون محمّدًا صلى الله عليه وسلم مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل. (40) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: كيف قِيل: " ولا تكونوا أول كافر به "، &; 1-562 &; والخطاب فيه لجميع (41) ، وقوله: " كافر " واحد؟ وهل نجيز -إن كان ذلك جائزًا- أن يقول قائل: " ولا تكونوا أول رجُل قام "؟
قيل له: إنما يجوز توحيد ما أضيف له " أفعل "، وهو خبر لجميع (42) إذا كان اسمًا مشتقًّا من " فعل ويفعل "، لأنه يؤدِّي عن المرادِ معه المحذوفَ من الكلام وهو " مَنْ"، ويقوم مقامه في الأداء عن معنى ما كان يؤدي عنه " مَنْ" من الجمع والتأنيث، وهو في لفظ واحد. ألا ترى أنك تقول: ولا تكونوا أوَّلَ من يكفر به." فمن " بمعنى جميع (43) ، وهو غير متصرف تصرفَ الأسماء للتثنية والجمع والتأنيث. فإذا أقيم الاسمُ المشتق من " فعل ويفعل " مُقَامه، جرى وهو موحّد مجراه في الأداء عما كان يؤدي عنه " مَنْ" من معنى الجمع والتأنيث، كقولك: " الجيش مُنهزم "،" والجند مقبلٌ" (44) ، فتوحِّد الفعلَ لتوحيد لفظ الجيش والجند. وغير جائز أن يقال: " الجيش رجل، والجند غلام "، حتى تقول: " الجند غلمان والجيش رجال ". لأن الواحد من عدد الأسماء التي هي غير مشتقة من " فعل ويفعل "، لا يؤدّي عن معنى الجماعة منهم، ومن ذلك قول الشاعر:
وَإِذَا هُــمُ طَعِمُــوا فَـأَلأَمُ طَـاعِمٍ
وَإِذَا هُـمُ جَـاعُوا فَشَـرُّ جِيَـاعِ (45)
فوحّد مَرّةً على ما وصفتُ من نية " مَنْ"، وإقامة الظاهر من الاسم الذي هو مشتق من " فعل ويفعل " مقامه، وجمع أخرى على الإخراج على عدد أسماء &; 1-563 &; المخبر عنهم، ولو وحَّد حيث جَمع، أو جمع حيث وحَّد، كان صوابًا جائزًا (46) .
وأما تأويل ذلك (47) فإنه يعني به: يا معشر أحبار أهل الكتاب، صدِّقوا بما أنـزلتُ على رسولي محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن المصدِّق كتابَكم، والذي عندكم من التوراة والإنجيل، المعهود إليكم فيهما أنه رسولي ونبيِّيَ المبعوثُ بالحق، ولا تكونوا أوَّل أمّتكُمْ كذَّبَ به (48) وَجحد أنه من عندي، وعندكم من العلم به ما ليس عند غيركم.
وكفرهم به: جُحودهم أنه من عند الله (49) . والهاء التي في" به " من ذكر " ما " التي مع قوله: وَآمِنُوا بِمَا أَنْـزَلْتُ . كما:-
817- حدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، قال قال ابن جريج في قوله: " ولا تكونوا أوّل كافر به "، بالقرآن. (50)
قال أبو جعفر: وروى عن أبي العالية في ذلك ما:-
818- حدثني به المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: " ولا تكونوا أول كافر به "، يقول: لا تكونوا أول من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم. (51) .
وقال بعضهم: " ولا تكونوا أول كافر به "، يعني: بكتابكم. ويتأول أنّ في تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم تكذيبًا منهم بكتابهم، لأن في كتابهم الأمرَ باتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذان القولان من ظاهر ما تدلّ عليه التلاوة بعيدانِ. وذلك أن الله جل ثناؤه &; 1-564 &; أمر المخاطبين بهذه الآية في أولها بالإيمان بما أنـزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فقال جل ذكره: وَآمِنُوا بِمَا أَنْـزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ . ومعقول أن الذي أنـزله الله في عصر محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن لا محمد، لأن محمدًا صلوات الله عليه رسولٌ مرسل، لا تنـزيلٌ مُنْـزَل، والمنْـزَل هو الكتاب. ثم نهاهم أن يكونوا أوَّل من يكفر بالذي أمرهم بالإيمان به في أول الآية (52) ، ولم يجر لمحمد صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ذكرٌ ظاهر، فيعاد عليه بذكره مكنيًّا في قوله: " ولا تكونوا أول كافر به " - وإن كان غير محال في الكلام أن يُذْكر مكنيُّ اسمٍ لم يَجْرِ له ذكرٌ ظاهر في الكلام (53) .
وكذلك لا معنى لقول من زعم أنّ العائد من الذكر في" به " على " ما " التي في قوله: لِمَا مَعَكُمْ . لأن ذلك، وإن كان محتمَلا ظاهرَ الكلام (54) ، فإنه بعيدٌ مما يدل عليه ظاهر التلاوة والتنـزيل، لما وصفنا قبل من أن المأمور بالإيمان به في أول الآية هو القرآن. فكذلك الواجب أن يكون المنهيُّ عن الكفر به في آخرها هو القرآن (55) . وأما أن يكون المأمور بالإيمان به غيرَ المنهيّ عن الكفر به، في كلام واحد وآية واحدة، فذلك غير الأشهر الأظهر في الكلام. هذا مع بُعْد معناه في التأويل. (56) .
819- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد &; 1-565 &; بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وآمنوا بما أنـزلت مصدقًا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به "، وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم (57) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى ذكره: وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك:
820- فحدثني المثنى بن إبراهيم قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: " ولا تشترُوا بآياتي ثمنًا قليلا "، يقول: لا تأخذوا عليه أجرًا. قال: هو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابنَ آدم، عَلِّمْ مَجَّانًا كما عُلِّمتَ مَجَّانًا (58) .
وقال آخرون بما:-
821 - حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا "، يقول: لا تأخذوا طمَعًا قليلا وتكتُموا اسمَ الله، وذلك الثمن هو الطمع (59) .
&; 1-566 &;
فتأويل الآية إذًا: لا تبيعوا ما آتيتكم من العلم بكتابي وآياته بثمن خسيسٍ وعَرضٍ من الدنيا قليل. وبيعُهم إياه - تركهم إبانةَ ما في كتابهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم للناس، وأنه مكتوب فيه أنه النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل - بثمن قليل، وهو رضاهم بالرياسة على أتباعهم من أهل ملتهم ودينهم، وأخذهم الأجرَ ممَّن بيّنوا له ذلك على ما بيّنوا له منه.
وإنما قلنا بمعنى ذلك: " لا تبيعوا " (60) ، لأن مشتري الثمن القليل بآيات الله بائعٌ الآياتِ بالثمن، فكل واحد من الثمَّن والمثمَّن مبيع لصاحبه، وصاحبه به مشتري: وإنما معنى ذلك على ما تأوله أبو العالية (61) ، بينوا للناس أمر محمّد صلى الله عليه وسلم، ولا تبتغوا عليه منهم أجرًا. فيكون حينئذ نهيُه عن أخذ الأجر على تبيينه، هو النهيَ عن شراء الثمن القليل بآياته.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى ذكره: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
قال أبو جعفر: يقول: فاتقونِ - في بَيعكم آياتي بالخسيس من الثمن، وشرائكم بها القليل من العَرَض، وكفركم بما أنـزلت على رسولي وجحودكم نبوة نبيِّي - أنْ أُحِلّ بكم ما أحللتُ بأسلافكم الذين سلكوا سبيلكم من المَثُلات والنَّقِمَات.
------------
الهوامش :
(37) انظر ما مضى : 234 ، 235 .
(38) قوله"قطع" ، أي حال . وانظر ما سلف ص 230 : تعليق : 4 ، وص 330 تعليق : 1 .
(39) الأثر : 814- في ابن كثير 1 : 150 تضمينًا ، والدر المنثور 1 : 264 ، والشوكاني 1 : 61 .
(40) الأثر : 815- في ابن كثير 1 : 150 ، والدر المنثور 1 : 64 ، والشوكاني 1 : 61 .
(41) في المطبوعة في المواضع الثلاثة : "لجمع . . . لجمع . . . جمع" .
(42) في المطبوعة في المواضع الثلاثة : "لجمع . . . لجمع . . . جمع" .
(43) في المطبوعة في المواضع الثلاثة : "لجمع . . . لجمع . . . جمع" .
(44) في المطبوعة . "الجيش ينهزم ، والجند يقبل" ، وهو خطأ صرف .
(45) نوادر أبي زيد : 152 ، لرجل جاهلي ، ومعاني القرآن للفراء 1 : 33 ، وهي ثلاثة أبيات نوادر ، وقبله :
ومُــوَيْلكٌ زمَــعُ الكِـلابِ يَسُـبُّنِي
فَسَــماعِ أسْــتَاهَ الكــلابِ سَـمَاعِ
هَـلْ غـير عَـدْوِكُمُ عَـلَى جَـارَاتكُمْ
لبُطُــونِكُمْ مَلَــثَ الظَّــلامِ دَوَاعِـي
وقوله : "طعموا" أي شبعوا ، فهم عندئذ ألأم من شبع . وفي الحديث : "طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة" ، يعني شبع . الواحد قوت الاثنين ، وشبع الاثنين قوت الأربعة .
(46) انظر مثل ما قال الطبري في معاني القرآن للفراء 1 : 32-33 .
(47) في المطبوعة : "فأما . . . " بالفاء .
(48) في المطبوعة : "أول من كذب به" ، والذي أثبتناه هو صواب بيان الطبري .
(49) في المخطوطة : "وكفرهم به وجحودهم . . . " وهو خطأ .
(50) الأثر : 817- في الدر المنثور 1 : 64 ، والشوكاني 1 : 61 .
(51) الأثر : 818- في ابن كثير 1 : 150 ، والدر المنثور 1 : 64 ، والشوكاني 1 : 61 .
(52) في المطبوعة زيادة بين هاتين الجملتين ، وهي مقحمة مفسدة للكلام نابية في السياق . ونصها" . . . في أول الآية من أهل الكتاب ، فذلك هو الظاهر المفهوم . ولم يجر لمحمد . . . " .
(53) بيان الطبري جيد محكم ، وإن ظن بعض من نقل كلامه أن كلا القولين صحيح ، لأنهما متلازمان . لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر بالقرآن (ابن كثير 1 : 150) . ونعم ، كلا القولين صحيح المعنى في ذاته ، ولكن الطبري يحدد دلالة الألفاظ والضمائر في الآية ، ويعين ما يحتمله ظاهر التلاوة والتنزيل ، ويخلص معنى من معنى ، وإن كان كلاهما صحيحًا في العقل ، صحيحًا في الحكم ، صحيحًا في الدين . وما أكثر ما يتساهل الناس إذا تقاربت المعاني ، ولا يخلص معنى من معنى إلا بصير بالعربية كأبي جعفر رضي الله عنه .
(54) في المطبوعة : "محتمل ظاهر الكلام" .
(55) في المخطوطة : " . . . أن الأمر بالإيمان به في أول الآية . . . أن يكون النهي عن الكفر به في آخرها . . . " ، والذي في المطبوعة أجود وأبين .
(56) وهذا أيضًا من جيد البصر؛ بمنطق العربية ، وإن ظنه بعضهم قريبًا من قريب .
(57) الخبر : 819- من تمام الأخبار السالفة الأرقام 805 ، 811 ، في الدر المنثور 1 : 63 .
(58) الأثر : 820- من تمام الأثر السالف رقم : 818 ومراجعه هناك . وفي ابن كثير 1 : 151 . والمجان : عطية الشيء بلا منة ولا ثمن . قال أبو العباس : سمعت ابن الأعرابي يقول : المجان عند العرب الباطل ، وقالوا : "ماء مجان" . قال الأزهري : العرب تقول : تمر"مجان" ، وماء"مجان" ، يريدون أنه كثير كاف . قال : واستطعمني أعرابي تمرًا فأطعمته كتلة واعتذرت إليه من قلته ، فقال : هذا والله"مجان" . أي كثير كاف . وقولهم : أخذه مجانًا : أي بلا بدل ، وهو فعال لأنه ينصرف (اللسان : مجن) .
(59) الأثر : 821- في ابن كير 1 : 151 . وفي المطبوعة وابن كثير : "فذلك الطمع هو الثمن" ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو أجود .
(60) في المطبوعة : "وإنما قلنا معنى ذلك . . . " .
(61) في المطبوعة : "وإنما معناه على ما تأوله . . . " .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 41 | ﴿وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ |
---|
المائدة: 44 | ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ثم قال:{ وَلَا تَلْبِسُوا} أي:تخلطوا{ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} فنهاهم عن شيئين, عن خلط الحق بالباطل, وكتمان الحق؛ لأن المقصود من أهل الكتب والعلم, تمييز الحق, وإظهار الحق, ليهتدي بذلك المهتدون, ويرجع الضالون, وتقوم الحجة على المعاندين؛ لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته, ليميز الحق من الباطل, ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم, فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم. ومن لبس الحق بالباطل, فلم يميز هذا من هذا, مع علمه بذلك, وكتم الحق الذي يعلمه, وأمر بإظهاره, فهو من دعاة جهنم, لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم, فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين.
وبعد أن نهى القرآن الكريم بني إسرائيل عن الكفر والضلال ، عقب ذلك بنهيهم عن أن يعملوا لإِضلال غيرهم ، فقال - ( وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل وَتَكْتُمُواْ الحق وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) .
اللبس - بفتح اللام - الخلط ، وفعله : ليس ، من باب : ضرب تقول : لبَست عليه الأمر ، ألبِسه إذا مزجت بينه بمشكله ، وحقه بباطله .
ولدعاة الضلالة طريقتان في إغواء الناس :
إحداهما : طريقة خلط الحق بالباطل حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر وهي المشار إليها بقوله تعالى : ( وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل ) .
والثانية : طريقة جحد الحق وإخفائه حتى لا يظهر ، وهي المشار إليها بقوله تعالى : ( وَتَكْتُمُواْ الحق ) .
وقد استعمل بنو إسرائيل الطريقتين لصرف الناس عن الإِسلام ، قد كان بعضهم يؤول نصوص كتبهم الدالة على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - تأويلا فاسداً ، يخلصون فيه الحق بالباطل ، ليوهموا العامة أنه ليس هو النبي المنتظر ، وكان بعضهم يلقى حول الحق الظاهر شبهاً ، لوقع ضعفاء الإِيمان في حيرة وتردد ، وكان بعضهم يخفى أو يحذف النصوص الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي لا توافق أهواءهم وشهواتهم ، فنهاهم الله - تعالى - عن هذه التصرفات الخبيثة .
والمعنى : ولا تخلطوا الحق الواضح الذي نطقت به الكتب السماوية ، وأيدته العقول السليمة ، بالباطل الذي تخترعونه من عند أنفسكم ، إرضاء لأهوائكم ، ولا تكتموا الحق الذي تعرفونه ، كما تعرفون أبناءكم ، بغية انصراف الناس عنه " لأن من جهل شيئا عاداه ، فالنهي الأول عن التغيير والخلط ، والنهي الثاني عن الكتمان والإِخفاء .
وقوله تعالى ( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) جملة حالية ، أي وأنتم من ذوي العلم ، ولا يناسب من كان كذلك أن يكتم الحق ، أو يلبسه بالباطل ، وإذا كان هذا الفعل - وهو لبس الحق بالباطل ، أو كتمانه وإظهار الباطل وحده - يعد من كبائر الذنوب ، فإن وقعه يكون أقبح ، وفساده أكبر ، وعاقبته أشأم متى صدر من عالم فاهم ، يميز بين الحق والباطل .
ففي هذه الجملة الكريمة بيان لحال بني إسرائيل ، المخاطبين بهذا النهي ، وتبكيت لهم ، لأنهم لم يفعلوا ما فعله عن جهالة ، وإنما عن علم وإصرار على سلوك هذا الطريق المعوج .
قال أبو حيان في البحر : " وهذه الحال ، وإن كان ظاهرها أنها قيد في النهي عن اللبس والكتم ، فلا تدل بمفهومها على جواز اللبس والكتم حالة الجهل ، إذ الجاهل بحال الشيء لا يردي كونه حقاً أو باطلا ، وإنما فائدتها بيان أن الإِقدام على الأشياء القبيحة ، مع العلم بها ، أفحش من الإِقدام عليها مع الجهل .
يقول تعالى ناهيا لليهود عما كانوا يتعمدونه ، من تلبيس الحق بالباطل ، وتمويهه به وكتمانهم الحق وإظهارهم الباطل : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) فنهاهم عن الشيئين معا ، وأمرهم بإظهار الحق والتصريح به ؛ ولهذا قال الضحاك ، عن ابن عباس ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) لا تخلطوا الحق بالباطل والصدق بالكذب .
وقال أبو العالية : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) يقول : ولا تخلطوا الحق بالباطل ، وأدوا النصيحة لعباد الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
ويروى عن سعيد بن جبير والربيع بن أنس ، نحوه .
وقال قتادة : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) [ قال ] ولا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام ؛ إن دين الله الإسلام ، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله .
وروي عن الحسن البصري نحو ذلك .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) أي : لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به ، وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم . وروي عن أبي العالية نحو ذلك .
وقال مجاهد ، والسدي ، وقتادة ، والربيع بن أنس : ( وتكتموا الحق ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم .
[ قلت : ( وتكتموا ) يحتمل أن يكون مجزوما ، ويجوز أن يكون منصوبا ، أي : لا تجمعوا بين هذا وهذا كما يقال : لا تأكل السمك وتشرب اللبن . قال الزمخشري : وفي مصحف ابن مسعود : وتكتمون الحق أي : في حال كتمانكم الحق وأنتم تعلمون حال أيضا ، ومعناه : وأنتم تعلمون الحق ، ويجوز أن يكون المعنى : وأنتم تعلمون ما في ذلك من الضرر العظيم على الناس من إضلالهم عن الهدى المفضي بهم إلى النار إلى أن سلكوا ما تبدونه لهم من الباطل المشوب بنوع من الحق لتروجوه عليهم ، والبيان : الإيضاح ، وعكسه الكتمان وخلط الحق بالباطل ] .
القول في تأويل قوله تعالى: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
قال أبو جعفر: يعني بقوله: " ولا تلبسُوا "، لا تخلطوا. واللَّبْس هو الخلط. &; 1-567 &; يقال منه: لَبَست عليه هذا الأمر ألبِسُه لبسًا: إذا خلطته عليه (62) . كما:-
822 - حُدِّثت عن المنجاب، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ [سورة الأنعام: 9] يقول: لخلطنا عليهم ما يخلطون (63) .
ومنه قول العجاج:
لَمَّــا لَبَسْــنَ الْحَــقَّ بِــالتَّجَنِّي
غَنِيــنَ وَاسْــتَبْدَلْنَ زَيْــدًا مِنِّـي (64)
يعني بقوله: " لبسن "، خلطن. وأما اللُّبس فإنه يقال منه: لبِسْته ألبَسُه لُبْسًا ومَلْبَسًا، وذلك الكسوةُ يكتسيها فيلبسها (65) . ومن اللُّبس قول الأخطل:
لَقَـدْ لَبِسْـتُ لِهَـذَا الدَّهْـرِ أَعْصُـرَهُ
حَتَّى تَجَلَّلَ رَأْسِي الشَّيْبُ واشْتَعَلا (66)
ومن اللبس قول الله جل ثناؤه: وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ . [سورة الأنعام: 9]
* * *
فإن قال لنا قائل (67) وكيف كانوا يلبِسون الحق بالباطل وهم كفّار؟ وأيُّ حق كانوا عليه مع كفرهم بالله؟
قيل: إنه كان فيهم منافقون منهم يظهرون التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم ويستبطنون الكفر به. وكان عُظْمُهم يقولون (68) : محمد نبيٌّ مبعوث، إلا أنه &; 1-568 &; مبعوث إلى غيرنا. فكان لَبْسُ المنافق منهم الحقَّ بالباطل، إظهارَه الحقّ بلسانه، وإقرارَه بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به جهارًا (69) ، وخلطه ذلك الظاهر من الحق بما يستبطنه (70) . وكان لَبْسُ المقرّ منهم بأنه مبعوث إلى غيرهم، الجاحدُ أنه مبعوث إليهم، إقرارَه بأنه مبعوث إلى غيرهم، وهو الحق، وجحودَه أنه مبعوث إليهم، وهو الباطل، وقد بَعثه الله إلى الخلق كافة. فذلك خلطهم الحق بالباطل ولَبْسهم إياه به. كما:-
823 - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قوله: " ولا تلبِسُوا الحق بالباطل "، قال: لا تخلطوا الصدق بالكذب (71) .
824 - وحدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: " ولا تلبِسُوا الحقّ بالباطل "، يقول: لا تخلطوا الحق بالباطل، وأدُّوا النصيحةَ لعباد الله في أمر محمد صلى الله عليه وسلم (72) .
825 - وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مجاهد: " ولا تلبسوا الحق بالباطل "، اليهوديةَ والنصرانية بالإسلام (73) .
826 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد في قوله: " ولا تلبِسُوا الحقّ بالباطل "، قال: الحقّ، التوراةُ الذي أنـزل الله على موسى، والباطلُ: الذي كتبوه بأيديهم (74) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى ذكره: وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)
قال أبو جعفر: وفي قوله: " وتكتموا الحق "، وجهان من التأويل:
أحدُهما: أن يكون الله جل ثناؤه نهاهم عن أن يكتموا الحق، كما نهاهم أن يلبسوا الحق بالباطل. فيكون تأويل ذلك حينئذ: ولا تلبسوا الحق بالباطل ولا تكتموا الحق. ويكون قوله: " وتكتموا " عند ذلك مجزومًا بما جُزِم به تَلْبِسُوا ، عطفًا عليه.
والوجه الآخر منهما: أن يكون النهي من الله جل ثناؤه لهم عن أن يلبسوا الحق بالباطل، ويكون قوله: " وتكتموا الحق " خبرًا منه عنهم بكتمانهم الحق الذي يعلمونه، فيكون قوله: " وتكتموا " حينئذ منصوبًا لانصرافه عن معنى قوله: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ، إذ كان قوله: وَلا تَلْبِسُوا نهيًا، وقوله " وتكتموا الحق " خبرًا معطوفًا عليه، غيرَ جائز أن يعاد عليه ما عمل في قوله: تَلْبِسُوا من الحرف الجازم. وذلك هو المعنى الذي يسميه النحويون صَرْفًا (75) . ونظيرُ ذلك في المعنى والإعراب قول الشاعر:
لا تَنْــهَ عَـنْ خُـلُقٍ وَتَـأْتِيَ مِثْلَـهُ
عَـارٌ عَلَيْـكَ إَِذَا فَعَلْـتَ عَظِيمُ (76) &; 1-570 &;
فنصب " تأتي" على التأويل الذي قلنا في قوله: " وتكتموا " (77) ، لأنه لم يرد: لا تنه عن خُلق ولا تأت مثله، وإنما معناه: لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله، فكان الأول نهيًا، والثاني خبرًا، فنصبَ الخبر إذ عطفه على غير شكله.
فأما الوجه الأول من هذين الوجهين اللذين ذكرنا أن الآية تحتملهما، فهو على مذهب ابن عباس الذي:-
827 - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قوله: " وتكتموا الحق "، يقول: ولا تكتموا الحق وأنتم تعلمون.
828 - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وتكتموا الحق "، أي ولا تكتموا الحق. (78) .
وأما الوجه الثاني منهما، فهو على مذهب أبي العالية ومجاهد.
829 - حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: " وتكتموا الحق وأنتم تعلمون "، قال: كتموا بعث محمد صلى الله عليه وسلم (79) .
830 - وحدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.
831 - وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.
وأما تأويل الحق الذي كتموه وهم يعلمونه، فهو ما:-
832 - حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وتكتموا الحق "، يقول: لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وما جاء به، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم. (80)
833 - وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: " وتكتموا الحق "، يقول: إنكم قد علمتم أن محمدًا رسول الله، فنهاهم عن ذلك. (81)
834 - وحدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: " وتكتموا الحق وأنتم تعلمون "، قال: يكتم أهل الكتاب محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل (82) .
835 - وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
836 - وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " وتكتموا الحقَّ وأنتم تعلمون "، قال: الحقُّ هو محمد صلى الله عليه وسلم (83) .
837 - وحدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن &; 1-572 &; الربيع، عن أبي العالية: " وتكتموا الحق وأنتم تعلمون "، قال: كتَموا بعثَ محمد صلى الله عليه وسلم، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم (84) .
838 - وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: تكتمون محمدًا وأنتم تعلمون، وأنتم تجدونه عندكم في التوراة والإنجيل (85) .
فتأويل الآية إذًا: ولا تخلطوا على الناس - أيها الأحبار من أهل الكتاب - في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند ربه، وتزعموا أنه مبعوثٌ إلى بعض أجناس الأمم دون بعض، أو تنافقوا في أمره، وقد علمتم أنه مبعوث إلى جميعكم وجميع الأمم غيركم، فتخلطوا بذلك الصدق بالكذب، وتكتموا به ما تجدونه في كتابكم من نعته وصفته، وأنه رسولي إلى الناس كافة، وأنتم تعلمون أنه رسولي، وأن ما جاء به إليكم فمن عندي، وتعرفون أن من عهدي - الذي أخذت عليكم في كتابكم - الإيمانَ به وبما جاء به والتصديقَ به.
---------
الهوامش :
(62) في المطبوعة : "لبست عليهم الأمر . . . خلطته عليهم" .
(63) الخبر : 822- لم أجده في مكان ، ولم يذكره الطبري في مكانه من تفسير هذه الآية في سورة الأنعام (7 : 98 بولاق) .
(64) ديوانه : 65 . غني عن الشيء واستغنى : اطرحه ورمى به من عينه ولم يلتفت إليه .
(65) في المطبوعة : "وذلك في الكسوة . . . " ، بالزيادة .
(66) ديوانه : 142 ، وفيه"وقد لبست" . وأعصر جمع عصر : وهو الدهر والزمان . وعني هنا اختلاف الأيام حلوها ومرها ، فجمع . ولبس له أعصره : عاش وقاسى خيره وشره . وتجلل الشيب رأسه : علاه .
(67) في المطبوعة : "إن قال . . . " .
(68) في المطبوعة : "وكان أعظمهم . . . " ، وهو تحريف قد مضى مثله مرارًا . وعظم الشيء : معظمه وأكثره .
(69) في المطبوعة : "وإقراره لمحمد . . . " .
(70) في المطبوعة : "بالباطل الذي يستبطنه" .
(71) الخبر : 823- في ابن كثير 1 : 152 ، والدر المنثور 1 : 64 ، والشوكاني 1 : 62 .
(72) الأثر : 824- في ابن كثير 1 : 152 .
(73) الأثر : 825- لم أجده عن مجاهد ، ومثله عن قتادة في ابن كثير 1 : 152 ، والدر المنثور 1 : 64 .
(74) الأثر : 826- في الدر المنثور 1 : 64 ، والشوكاني 1 : 62 .
(75) ذكر هذا الفراء في كتابه معاني القرآن 1 : 33-34 ، ثم قال : "فإن قلت : وما الصرف؟ قلت : أن تأتي بالواو معطوفًا على كلام في أوله حادثه لا تستقيم إعادتها على ما عطف عليها ، فإذا كان كذلك فهو الصرف ، كقول الشاعر : . . . " وأنشد البيت وقال : "ألا ترى أنه لا يجوز إعادة"لا" في"تأتي مثله" ، فلذلك سمى صرفًا ، إذ كان معطوفًا ، ولم يستقم أن يعاد فيه الحادث الذي قبله" .
(76) هذا من الأبيات التي رويت في عدة قصائد . كما قال صاحب الخزانة 3 : 617 . نسبه سيبويه 1 : 424 للأخطل ، وهو في قصيدة للمتوكل الليثي ، ونسب لسابق البربري ، وللطرماح ، ولأبي الأسود الدؤلي قصيدة ساقها صاحب الخزانة (3 : 618) ، وليست في ديوانه الذي نشره الأستاذ محمد حسن آل ياسين في (نفائس المخطوطات) طبع مطبعة المعارف ببغداد سنة 1373ه (1954م) ، وهذا الديوان من نسخة بخط أبي الفتح عثمان بن جنى . ولم يلحقها الأستاذ الناشر بأشتات شعر أبي الأسود التي جمعها .
(77) في المطبوعة : "وتكتموا ، الآية ، لأنه . . . " ، وهو خطأ في قراءة ما في المخطوطة وهو : "وتكتموا إلا أنه لم يرد" .
(78) الخبران : 827 ، 828- لم أجدهما بنصهما في مكان ، وثانيهما في ضمن خبر ابن عباس الذي سلف تخريجه رقم : 819 ، وفي ابن كثير 1 : 152 ، والدر المنثور 1 : 63 .
(79) الأثر : 829- لم أجده في مكان .
(80) الخبر : 832- في ابن كثير 1 : 152 ، والدر المنثور 1 : 63 ، والشوكاني 1 : 61 .
(81) الخبر : 833- في الدر المنثور 1 : 64 ، والشوكاني 1 : 62 ، إلا قوله : "فنهاهم عن ذلك" وفي المطبوعة" . . . رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
(82) الأثر : 834- في ابن كثير 1 : 152 تضمينًا .
(83) الأثر : 836- في ابن كثير 1 : 152 تضمينًا ، وفي الدر المنثور 1 : 64 ، والشوكاني 1 : 62 .
(84) الأثر : 837- لم أجده في مكان .
(85) الأثر : 838- لم أجده بنصه في مكان . وفي المطبوعة : "تكتمون محمدًا . . . " .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 42 | ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ |
---|
آل عمران: 71 | ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
وتكتموا:
وقرئ:
وتكتمون الحق، وهى قراءة عبد الله، وتخريجها على أنها جملة فى موضع الحال.
التفسير :
ثم قال:{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أي:ظاهرا وباطنا{ وَآتُوا الزَّكَاةَ} مستحقيها،{ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} أي:صلوا مع المصلين، فإنكم إذا فعلتم ذلك مع الإيمان برسل الله وآيات الله, فقد جمعتم بين الأعمال الظاهرة والباطنة, وبين الإخلاص للمعبود, والإحسان إلى عبيده، وبين العبادات القلبية البدنية والمالية. وقوله:{ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} أي:صلوا مع المصلين, ففيه الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها، وفيه أن الركوع ركن من أركان الصلاة لأنه عبّر عن الصلاة بالركوع، والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها.
وبعد أن أمرهم - سبحانه - بأصل الدين الذي هو الإِيمان به وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أردفه بركنين من أركانه العملية ، إذا قاموا بهما لانت قلوبهم للحق ، وانعطفت نفوسهم نحو خشية الله وحده ، فقال تعالى : ( وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة واركعوا مَعَ الراكعين ) والمراد بإقامة الصلاة ، أداؤها مستوفية لأركانها وشرائطها وآدابها . والمراد بإيتاء الزكاة دفعها لمستحقيها كاملة غير منقوصة .
والمعنى : عليكم يا معشر اليهود أن تحافظوا على أداء الصلاة ، التي هي أعظم العبادات البدنية ، وعلى إيتاء الزكاة التي هي أعظم العبادات المالية ، وأن تخضعوا لما يلزمكم في دين الله - تعالى - لأن في محافظتكم على هذه العبادات تطهيراً لقلوبكم ، وتأليفاً لنفوسكم ، وتزكية لمشاعركم ، ولأنكم إن لم تحافظوا عليها كما أمركم الله - تعالى - فسيلحقكم الخزي في الدنيا ، والعذاب في الأخرى .
هذا ، ونرى من المناسب أن نختم تفسير هذه الآيات الكريمة ، وبيان ما اشتملت عليه من توجيه سليم ، وتركيب بليغ ، بما قاله أبو حيان في تفسيره ، فقال قال - رحمه الله - :
" وفي هذه الجمل - وإن كانت معطوفات بالواو التي لا تقتضي في الوضع ترتيباً - ترتيبٌ عجيب من الفصاحة ، وبناء الكلام بعضه على بعض ، وذلك أنه تعالى أمرهم أولا بذكر النعمة التي أنعمها عليهم ، إذ في ذلك ما يدعو إلى محبة المنعم ووجوب طاعته : ثم أمرهم بإيفاء العهد الذي التزموه للمنعم ، ثم رغبهم بترتيب إيفائه هو تعالى بعهدهم في الإِيفاء بالعهد ، ثم أمرهم بالخوف من نقمة إن لم يوفوا ، فاكتنف الأمر بالإِيفاء أمر بذكر النعمة والإِحسان ، وأمر بالخوف من العصيان .
ثم أعقب ذلك بالأمر بإِيمان خاص وهو ما أنزل من القرآن ، ورغب في ذلك بأنه مصدق لما معهم ، فليس أمراً مخالفاً لما في أيديهم ، لأن الانتقال إلى الموافق أقرب من الانتقال إلى المخالف ثم نهاهم عن استبدال الخسيس بالنفيس ، ثم أمرهم - تعالى - باتقائه ثم أعقب ذلك بالنهي عن لبس الحق بالباطل ، وعن كتم الحق ، فكان الأمر بالإِيمان أمراً بترك الضلال ، والنهي عن لبس الحق بالباطل ، وكتمان الحق تركاً للإِضلال .
ولما كان الضلال ناشئاً عن أمرين :
إما تمويه الباطل حقاً ، إن كانت الدلائل قد بلغت المستمع ، وإما عن كتمان الدلائل إن كانت لم تبلغه ، أشار إلى الأمرين بلا تلبسوا وتكتموا ، ثم قبح عليهم هذين الوصفين مع وجود العلم ، ثم أمرهم بعد تحصيل الإِيمان ، وإظهار الحق بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، لأن الصلاة آكد العبادات البدنية ، والزكاة آكد العبادات المالية ثم ختم ذلك بالأمر بالانقياد والخضوع له - تعالى - مع جملة الخاضعين الطائعين .
فكان افتتاح هذه الآيات بذكر النعم واختتامها بالانقياد للمنعم ، وما بينهما من تكاليف اعتقادية ، وأفعال بدنية ومالية ، وبنحو ما تضمنته هذه الآيات من الافتتاح والإِرداف والاختتام يظهر فضل كلام الله - تعالى - على سائر الكلام ، وهذه الأوامر والنواهي ، وإن كانت خاصة ببني إسرائيل في الصورة ، إلا أنها عامة في المعنى ، فيجب على كل مكلف في كل زمان ومكان أن يعمل به " .
وبعد كل هذه الأوامر والنواهي ، وبخهم الله - تعالى - وقرعهم على ارتكابهم لأمور لا تصدر عن عاقل . وهي أنهم يأمرون الناس بالخير ولا يفعلونه ، فقال تعالى :
( أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ . . . )
( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ) قال مقاتل : قوله تعالى لأهل الكتاب : ( وأقيموا الصلاة ) أمرهم أن يصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ( وآتوا الزكاة ) أمرهم أن يؤتوا الزكاة ، أي : يدفعونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( واركعوا مع الراكعين ) أمرهم أن يركعوا مع الراكعين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
يقول : كونوا منهم ومعهم .
وقال علي بن طلحة ، عن ابن عباس : [ ( وآتوا الزكاة ) ] يعني بالزكاة : طاعة الله والإخلاص .
وقال وكيع ، عن أبي جناب ، عن عكرمة عن ابن عباس ، في قوله : ( وآتوا الزكاة ) قال : ما يوجب الزكاة ؟ قال : مائتان فصاعدا .
وقال مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، في قوله تعالى : ( وآتوا الزكاة ) قال : فريضة واجبة ، لا تنفع الأعمال إلا بها وبالصلاة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير عن أبي حيان [ العجمي ] التيمي ، عن الحارث العكلي في قوله : ( وآتوا الزكاة ) قال : صدقة الفطر .
وقوله تعالى : ( واركعوا مع الراكعين ) أي : وكونوا مع المؤمنين في أحسن أعمالهم ، ومن أخص ذلك وأكمله الصلاة .
[ وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة ، وبسط ذلك في كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله ، وقد تكلم القرطبي على مسائل الجماعة والإمامة فأجاد ] .
القول في تأويل قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)
قال أبو جعفر: ذُكِر أن أحبارَ اليهود والمنافقين كانوا يأمرون الناس بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولا يفعلونه، فأمرهم الله بإقام الصلاة مع المسلمين المصدِّقين بمحمد وبما جاء به، وإيتاء زكاة أموالهم معهم، وأن يخضعوا لله ولرسوله كما خضعوا.
839 - كما حُدِّثت عن عمار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، في قوله: " وأقيموا الصلاةَ وآتُوا الزكاة "، قال: فريضتان واجبتان، فأدُّوهما إلى الله (86) .
وقد بينا معنى إقامة الصلاة فيما مضى من كتابنا هذا، فكرهنا إعادته (87) .
أما إيتاءُ الزكاة، فهو أداء الصدقة المفروضة. وأصل الزَّكاة، نماءُ المال وتثميرُه وزيادتُه. ومن ذلك قيل: زكا الزرع، إذا كثر ما أخرج الله منه. وزَكتِ النَّفقة، إذا كثرتْ. وقيل زكا الفَرْدُ، إذا صارَ زَوْجًا بزيادة الزائد عليه حتى صار به شفْعًا، كما قال الشاعر:
كَـانُوا خَسـًا أو زَكـًا مِنْ دُونِ أَرْبَعَةٍ
لَـمْ يُخْـلَقُوا, وَجُـدُودُ النَّـاسِ تَعْتَلـجُ (88)
وقال آخر:
فَــلا خَســًا عَدِيــدُهُ وَلا زَكــا
كَمَـا شِـرَارُ الْبَقْـلِ أَطْـرَافُ السَّـفَا (89)
قال أبو جعفر: السفا شوك البُهْمَى، والبُهْمى الذي يكون مُدَوَّرًا في السُّلاء (90) .
يعني بقوله: " ولا زكا "، لم يُصَيِّرْهم شَفعًا من وَترٍ، بحدوثه فيهم (91) .
وإنما قيل للزكاة زكاة، وهي مالٌ يخرجُ من مال، لتثمير الله - بإخراجها مما أخرجت منه - ما بقي عند ربِّ المال من ماله. وقد يحتمل أن تكون سُمِّيت زكاة، لأنها تطهيرٌ لما بقي من مال الرجل، وتخليص له من أن تكون فيه مَظْلمة لأهل السُّهْمان (92) ، كما قال جل ثناؤه مخبرًا عن نبيه موسى صلوات الله عليه: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً [سورة الكهف: 74]، يعني بريئة من الذنوب طاهرة. وكما يقال للرجل: هو عدل زَكِيٌّ - لذلك المعنى (93) . وهذا الوجه أعجب إليّ - في تأويل زكاة المال - من الوجه الأوّل، وإن كان الأوّل مقبولا في تأويلها.
وإيتاؤها: إعطاؤُها أهلها.
وأما تأويل الرُّكوع، فهو الخضوع لله بالطاعة. يقال منه: ركع فلانٌ لكذا وكذا، إذا خضع له، ومنه قول الشاعر:
بِيعَـتْ بِكَسْـرٍ لَئِـيمٍ وَاسْـتَغَاثَ بِهَـا
مِـنَ الْهُـزَالِ أَبُوهَـا بَعْـدَ مَـا رَكَعَا (94) &; 1-575 &;
يعني: بعد مَا خضَع من شِدَّة الجهْد والحاجة.
قال أبو جعفر: وهذا أمرٌ من الله جل ثناؤه - لمن ذكر من أحبار بني إسرائيل ومنافقيها - بالإنابة والتوبة إليه، وبإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والدخولِ مع المسلمين في الإسلام، والخضوع له بالطاعة؛ ونهيٌ منه لهم عن كتمان ما قد علموه من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، بعد تظاهر حججه عليهم، بما قد وصفنا قبل فيما مضى من كتابنا هذا، وبعد الإعذار إليهم والإنذارِ، وبعد تذكيرهم نعمه إليهم وإلى أسلافهم تعطُّفًا منه بذلك عليهم، وإبلاغًا في المعذرة (95) .
--------------
الهوامش :
(86) الأثر : 839- لم أجده في مكان .
(87) انظر ما مضى ص : 241-242 .
(88) اللسان (خسا) ، وفيه : "الفراء : العرب تقول للزوج زكا ، وللفرد خسا . . . قال ، وأنشدتني الدبيرية . . . " وأنشد البيت . وتعتلج : تصطرع ويمارس بعضها بعضا .
(89) لرجل من بني سعد ، ثم أحد بني الحارث في عمرو بن كعب بن سعد . وهذا الرجز في خبر للأغلب العجلي ، (طبقات فحول الشعراء : 572 / ومعجم الشعراء : 490 / والأغاني 18 : 164) ورواية الطبقات والأغاني : "كما شرار الرعى" . والرعى (بكسر فسكون) : الكلأ نفسه ، والمرعى أيضًا . والسفا : شوط البهمي والسنبل وكل شيء له شوك . يقول : أنت في قومك كالسفا في البهمي ، هو شرها وأخبثها . والبيت الأول زيادة ليست في المراجع المذكورة .
(90) البهمي : من أحرار البقول ، (وهي ما رق منها ورطب وأكل غير مطبوخ) ، تنبت كما ينبت الحب ، ثم يبلغ بها النبت إلى أن تصير مثل الحب ، ترتفع قدر الشبر ، ونباتها ألطف من نبات البر ، وطعمها طعم الشعير ، ويخرج لها إذا يبست شوك مثل شوك السنبل ، (وهو السفا) ، وإذا وقع في أنوف الإبل أنفت منه ، حتى ينزعه الناس من أفواهها وأنوفها . وفي المطبوعة : "في السلى" بتشديد الياء ، وفي المخطوطة"في السلى" بضم السين وتشديد اللام . والصواب ما أثبته ، والسلاء جمع سلاءة ، وهي شوكة النخلة ، وأراد بها سفا البهمي أي شوكها .
(91) قوله : "بحدوثه فيهم" ، أي بوجوده في هؤلاء القوم . والعديد (في الرجز) ، من قولهم فلان عديد بني فلان : أي يعد فيهم وليس منهم : يريد أنه إذا دخل في قوم لم يعد فيهم شيئًا ، فإذا كانوا شفعًا ، لم يصيرهم دخوله وترًا ، وإذا كانوا وترًا لم يصيرهم شفعًا ، فهو كلا شيء في العدد . يهجوه ويستسقطه .
(92) السهمان جمع سهم ، كالسهام : وهو النصيب والحظ .
(93) في المطبوعة : "بذلك المعنى" وليست بشيء .
(94) هذا البيت من أبيات لعصام بن عبيد الزماني (من بني زمان بن مالك بن صعب بن علي بن بكر بن وائل) رواها أبو تمام في الوحشيات رقم 130 (مخطوطة عندي) ، ورواها الجاحظ في الحيوان 4 : 281 ، وجاء فيه : "قال الزيادي" وهو تحريف وتصحيف كما ترى . وهذه الأبيات من مناقضة كانت بين الزماني ويحيى بن أبي حفصة . وذلك أن يحيى تزوج بنت طلبة بن قيس بن عاصم المنقري فهاجاه عصام الزماني وقال :
أَرَى حَجْـــرًا تغــيَّر واقشــعرَّا
وبُــدِّل بعــد حُــلْو العيش مُـرًّا
فأجابه يحيى بأبيات منها :
ألا مَــنْ مُبلــغٌ عنِّــى عِصَامًـا
بــأَنِّي سَــوْفَ أَنْقُـضُ مَـا أَمـرَّا
هكذا روى المرزباني في معجم الشعراء : 270 ، وروى أبو الفرج في أغانيه 10 : 75 أن يحيى خطب إلى مقاتل بن طلبة المنقري ابنته وأختيه ، فأنعم له بذلك . فبعث يحيى إلى بنيه سليمان وعمر وجميل ، فأتوه فزوجهن بنيه الثلاثة ، ودخلوا بهن ثم حملوهن إلى حجر ، (وهو مكان) .
وأبيات عصام الزماني ، ونقيضتها التي ناقضه بها يحيى ، من جيد الشعر ، فاقرأها في الوحشيات ، والحيوان ، والشعر والشعراء : 740 ، ورواية الحيوان والوحشيات
"بِيعَتْ بـوَكْسٍ قَليـلٍ واسْـتَقَلَّ بِهَـا"
الوكس : اتضاع الثمن في البيع . وفي المخطوطة والمطبوعة"بكسر لئيم" ، وهو تحريف لا معنى له ، وأظن الصواب ما أثبت اجتهادًا . والكسر : أخس القليل . وقوله : "بيعت" الضمير لابنة مقاتل بن طلبة المنقري التي تزوجها يحيى أو أحد بنيه . يقول : باعها أبوها بثمن بخس دنئ خسيس ، فزوجها مستغيثًا ببيعها مما نزل به من الجهد والفاقة ، فزوجها هذا الغنى اللئيم الدنيء ، ليستعين بمهرها .
(95) في المطبوعة : "وإبلاغا إليهم . . . " بالزيادة .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 43 | ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ |
---|
البقرة: 110 | ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ﴾ |
---|
النور: 56 | ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ |
---|
البقرة: 83 | ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ﴾ |
---|
النساء: 77 | ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ﴾ |
---|
المزمل: 20 | ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} أي:بالإيمان والخير{ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} أي:تتركونها عن أمرها بذلك، والحال:{ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} وأسمى العقل عقلا لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير, وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به, وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله, أو نهاه عن الشر فلم يتركه, دل على عدم عقله وجهله, خصوصا إذا كان عالما بذلك, قد قامت عليه الحجة. وهذه الآية, وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل, فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين:أمر غيره ونهيه, وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما, لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين, والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر, فليس في رتبة الأول, وهو دون الأخير، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة.
الأمر : طلب إيجاد الفعل . والبر : اسم يتناول كل عمل من أعمال الخير . والنسيان : ضد الذكر ، وهو السهو الحادث بعد حصول العلم . والعقل : يطلق على قوة في النفس ، تستعد بها لقبول العلم . وإدراك الشيء .
والمعنى : كيف يليق بكم يا معشر اليهود ، وأنتم تأمرون الناس بأمهات الفضائل ، وألوان الخيرات ، أن تنسوا أنفسكم ، فلا تأمروا بما تأمرون به غيركم ، وأنتم مع ذلك تقرأون توراتكم ، وتدركون أي عقوبة أليمة لمن يأمر الناس بالخير وينسى نفسه ، أفلا عقل لكم يحبسكم عن هذا السفه الذي تردتيم فيه ، ويذحركم من سوء عاقبته .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - كان يهود المدينة يقول الرجل منهم لصهره ، ولذي قرابته ، ولمن بينه وبينه صلة من المسلمين أثبت على الذي أنت عليه ، وما يأمرك به هذا الرجل يريدون محمداً صلى الله عليه وسلم - فإن أمره حق ، فكانوا يأمرون بالناس بذلك ولا يفعلونه .
والمراد بالنسيان في الآية الكريمة ، تركهم العمل بما يأمرون به غيرهم ، لأن الناسي حقيقة ليس مؤاخذا على ما نسيه ، فلا يستحق هذا التوبيخ الشديد الوارد في الآية الكريمة ، وليس التوبيخ متوجها إلى كونهم كانوا يأمرون الناس بالبر ، لأنهن فعل محمود ، وإنما التوبيخ متوجه إلى كونهم تركوا العمل بما يرشدون إليه سواهم ، فهم يداوون الناس ، وقلوبهم مليئة بالأمراض والعلل .
وقوله تعالى : ( أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) أسمى أنواع الهداية وآلإرشاد السليم ، فإن من ألطف الأساليب في الخطاب والتوجيه ، أن يكون للموجه إليه النصح صفة من شأنها أن تسوقه إلى خير ، ولكنه ينساق إلى غيره من أنواع الشرور فيقع فعله من الناس موقع الدهشة والغرابة ، فيذكر له مسدى النصح تلك الصفة في معرض الاستفهام بغية تذكيره بأن ما صدر منه لا يلتقى مع ما عرف عنه .
وتطبيقاً لهذا المبدأ نقول : إن المخاطبين بقوله تعالى : ( أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) يعقلون ويدركون الأشياء ، وبهذا الإِدراك توجه إليهم التكليف بالعقائد والشرائع ، ولكنهم لم يسيروا على مقتضى ما لديهم من عقول ، حيث كانوا يأمرون الناس بالخير ، ويصرفون أنفسهم عنه ، فكأنه - سبحانه - يقول لهم : إن ما أتيتم من أفعال سقيمة . يجعل الناظر إليكم يحكم عليكم بلا أدنى تردد بأنكم لا عقول لكم ، ولا فضيلة لديكم ، وفي هذا الأسلوب ما فيه من الترغيب في فعل الخير؛ والترهيب من فعل الشر .
ولما كانت الأمور التي كلفهم الله بها قبل ذلك فيها مشقة لا يتحملها كل أحد بسهولة . فقد أرشدهم إلى الوسائل التي تقوى عزائمهم ، وتطهر قلوبهم ، وتعالج أمراض نفوسهم فقال تعالى :
( واستعينوا بالصبر والصلاة . . . )
يقول تعالى : كيف يليق بكم - يا معشر أهل الكتاب ، وأنتم تأمرون الناس بالبر ، وهو جماع الخير - أن تنسوا أنفسكم ، فلا تأتمروا بما تأمرون الناس به ، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب ، وتعلمون ما فيه على من قصر في أوامر الله ؟ أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم ؛ فتنتبهوا من رقدتكم ، وتتبصروا من عمايتكم . وهذا كما قال عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة في قوله تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) قال : كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه ، وبالبر ، ويخالفون ، فعيرهم الله ، عز وجل . وكذلك قال السدي .
وقال ابن جريج : ( أتأمرون الناس بالبر ) أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ، ويدعون العمل بما يأمرون به الناس ، فعيرهم الله بذلك ، فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة .
وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وتنسون أنفسكم ) أي : تتركون أنفسكم ( وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) أي : تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة ، وتتركون أنفسكم ، أي : وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي ، وتنقضون ميثاقي ، وتجحدون ما تعلمون من كتابي .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس في هذه الآية ، يقول : أتأمرون الناس بالدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما أمرتم به من إقام الصلاة ، وتنسون أنفسكم .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني علي بن الحسن ، حدثنا مسلم الجرمي ، حدثنا مخلد بن الحسين ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة في قول الله تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ) قال : قال أبو الدرداء : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذه الآية : هؤلاء اليهود إذا جاء الرجل يسألهم عن الشيء ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق ، فقال الله تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون )
والغرض أن الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم ، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه ، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له ، بل على تركهم له ، فإن الأمر بالمعروف [ معروف ] وهو واجب على العالم ، ولكن [ الواجب و ] الأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به ، ولا يتخلف عنهم ، كما قال شعيب ، عليه السلام : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) [ هود : 88 ] . فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب ، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف . وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها ، وهذا ضعيف ، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية ؛ فإنه لا حجة لهم فيها . والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف ، وإن لم يفعله ، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه ، [ قال مالك عن ربيعة : سمعت سعيد بن جبير يقول له : لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر . وقال مالك : وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء ؟ قلت ] ولكنه - والحالة هذه - مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية ، لعلمه بها ومخالفته على بصيرة ، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم ؛ ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك ، كما قال الإمام أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير : حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي والحسن بن علي المعمري ، قالا حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا علي بن سليمان الكلبي ، حدثنا الأعمش ، عن أبي تميمة الهجيمي ، عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه .
هذا حديث غريب من هذا الوجه .
حديث آخر : قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا وكيع ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد هو ابن جدعان ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مررت ليلة أسري بي على قوم شفاههم تقرض بمقاريض من نار . قال : قلت : من هؤلاء ؟ قالوا : خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون ؟ .
ورواه عبد بن حميد في مسنده ، وتفسيره ، عن الحسن بن موسى ، عن حماد بن سلمة به .
ورواه ابن مردويه في تفسيره ، من حديث يونس بن محمد المؤدب ، والحجاج بن منهال ، كلاهما عن حماد بن سلمة ، به .
وكذا رواه يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة به .
ثم قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم التستري ببلخ ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا عمر بن قيس ، عن علي بن زيد عن ثمامة ، عن أنس ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مررت ليلة أسري بي على أناس تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نار . قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم .
وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه - أيضا - من حديث هشام الدستوائي ، عن المغيرة - يعني ابن حبيب - ختن مالك بن دينار ، عن مالك بن دينار ، عن ثمامة ، عن أنس بن مالك ، قال : لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم تقرض شفاههم ، فقال : يا جبريل ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ؛ أفلا يعقلون ؟ .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : قيل لأسامة - وأنا رديفه - : ألا تكلم عثمان ؟ فقال : إنكم ترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم . إني لا أكلمه فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمرا - لا أحب أن أكون أول من افتتحه ، والله لا أقول لرجل إنك خير الناس . وإن كان علي أميرا - بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، قالوا : وما سمعته يقول ؟ قال : سمعته يقول : يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق به أقتابه ، فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه ، فيطيف به أهل النار ، فيقولون : يا فلان ما أصابك ؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه .
ورواه البخاري ومسلم ، من حديث سليمان بن مهران الأعمش ، به نحوه .
[ وقال أحمد : حدثنا سيار بن حاتم ، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يعافي الأميين يوم القيامة ما لا يعافي العلماء . وقد ورد في بعض الآثار : أنه يغفر للجاهل سبعين مرة حتى يغفر للعالم مرة واحدة ، ليس من يعلم كمن لا يعلم . وقال تعالى : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ) [ الزمر : 9 ] . وروى ابن عساكر في ترجمة الوليد بن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أناسا من أهل الجنة يطلعون على أناس من أهل النار فيقولون : بم دخلتم النار ؟ فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم ، فيقولون : إنا كنا نقول ولا نفعل رواه من حديث الطبراني عن أحمد بن يحيى بن حيان الرقي عن زهير بن عباد الرواسي عن أبي بكر الداهري عن عبد الله بن حكيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن الوليد بن عقبة فذكره ] .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : إنه جاءه رجل ، فقال : يا ابن عباس ، إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، قال : أوبلغت ذلك ؟ قال : أرجو . قال : إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله فافعل . قال : وما هن ؟ قال : قوله عز وجل : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) أحكمت هذه ؟ قال : لا . قال : فالحرف الثاني . قال : قوله تعالى : ( لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) [ الصف : 2 ، 3 ] أحكمت هذه ؟ قال : لا . قال : فالحرف الثالث . قال : قول العبد الصالح شعيب ، عليه السلام : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) [ هود : 88 ] أحكمت هذه الآية ؟ قال : لا . قال : فابدأ بنفسك .
رواه ابن مردويه في تفسيره .
وقال الطبراني حدثنا عبدان بن أحمد ، حدثنا زيد بن الحريش ، حدثنا عبد الله بن خراش ، عن العوام بن حوشب ، عن [ سعيد بن ] المسيب بن رافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في ظل سخط الله حتى يكف أو يعمل ما قال ، أو دعا إليه .
إسناده فيه ضعف ، وقال إبراهيم النخعي : إني لأكره القصص لثلاث آيات ؛ قوله تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) [ الصف : 2 ، 3 ] وقوله إخبارا عن شعيب : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) [ هود : 88 ] .
وما أحسن ما قال مسلم بن عمرو :
ما أقبح التزهيد من واعظ يزهد الناس ولا يزهد لو كان في تزهيده صادقا
أضحى وأمسى بيته المسجد إن رفض الناس فما باله
يستفتح الناس ويسترقد الرزق مقسوم على من ترى
يسقى له الأبيض والأسود
وقال بعضهم : جلس أبو عثمان الحيري الزاهد يوما على مجلس التذكير فأطال السكوت ، ثم أنشأ يقول :
وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي والطبيب مريض
قال : فضج الناس بالبكاء . وقال أبو العتاهية الشاعر :
وصفت التقى حتى كأنك ذو تقى وريح الخطايا من ثيابك تسطع
وقال أبو الأسود الدؤلي :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
فابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى بالقول منك وينفع التعليم
وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الواحد بن زيد البصري العابد الواعظ قال : دعوت الله أن يريني رفيقي في الجنة ، فقيل لي في المنام : هي امرأة في الكوفة يقال لها : ميمونة السوداء ، فقصدت الكوفة لأراها . فقيل لي : هي ترعى غنما بواد هناك ، فجئت إليها فإذا هي قائمة تصلي والغنم ترعى حولها وبينهن الذئاب لا ينفرن منه ، ولا يسطو الذئاب عليهن . فلما سلمت قالت : يا ابن زيد ، ليس الموعد هنا إنما الموعد ثم ، فسألتها عن شأن الذئاب والغنم . فقالت : إني أصلحت ما بيني وبين سيدي فأصلح ما بين الذئاب والغنم . فقلت لها : عظيني . فقالت : يا عجبا من واعظ يوعظ ، ثم قالت : يا ابن زيد ، إنك لو وضعت موازين القسط على جوارحك لخبرتك بمكتوم مكنون ما فيها ، يا ابن زيد ، إنه بلغني ما من عبد أعطى من الدنيا شيئا فابتغى إليه تائبا إلا سلبه الله حب الخلوة وبدله بعد القرب البعد وبعد الأنس الوحشة ثم أنشأت تقول :
يا واعظا قام لاحتساب يزجر قوما عن الذنوب تنهى وأنت السقيم حقا هذا من المنكر العجيب تنهى عن الغي والتمادي وأنت في النهي كالمريب لو كنت أصلحت قبل هذا غيك أو تبت من قريب كان لما قلت يا حبيبي موضع صدق من القلوب
القول في تأويل قوله تعالى : أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى البر الذي كان المخاطبون بهذه الآية يأمرون الناس به وينسون أنفسهم, بعد إجماع جميعهم على أن كل طاعة لله فهي تسمى " برا ". فروي عن ابن عباس ما:-
840- حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهدة من التوراة, وتتركون أنفسكم: (96) أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي, وتنقضون ميثاقي, وتجحدون ما تعلمون من كتابي.
841- وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس في قوله: (أتأمرون الناس بالبر) يقول: أتأمرون الناس بالدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم, وغير ذلك مما أمرتم به من إقام الصلاة، وتنسون أنفسكم .
* * *
وقال آخرون بما:-
842- حدثني به موسى بن هارون, قال: حدثني عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) قال: كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وهم يعصونه.
843- وحدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) قال: كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ويخالفون, فعيرهم الله.
844- وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا الحجاج, قال: قال ابن جريج: (أتأمرون الناس بالبر) أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة, ويدعون العمل بما يأمرون به الناس, فعيرهم الله بذلك, فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة.
* * *
وقال آخرون بما:-
845- حدثني به يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: هؤلاء اليهود كان إذا جاء الرجل يسألهم ما ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء, أمروه بالحق. فقال الله لهم: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) (97)
846- وحدثني علي بن الحسن, قال: حدثنا مسلم الجَرْمي, قال: حدثنا مخلد بن الحسين, عن أيوب السختياني, عن أبي قلابة، في قول الله: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب) قال: قال أبو الدرداء: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا. (98)
* * *
قال أبو جعفر: وجميع الذي قال في تأويل هذه الآية من ذكرنا قوله متقارب المعنى; لأنهم وإن اختلفوا في صفة " البر " الذي كان القوم يأمرون به غيرهم، الذين وصفهم الله بما وصفهم به, فهم متفقون في أنهم كانوا يأمرون الناس بما لله فيه رضا من القول أو العمل, ويخالفون ما أمروهم به من ذلك إلى غيره بأفعالهم.
فالتأويل الذي يدل على صحته ظاهر التلاوة إذا: أتأمرون الناس بطاعة الله وتتركون أنفسكم تعصيه؟ فهلا تأمرونها بما تأمرون به الناس من طاعة ربكم؟ معيرهم بذلك، ومقبحا إليهم ما أتوا به. (99)
* * *
ومعنى " نسيانهم أنفسهم " في هذا الموضع نظير النسيان الذي قال جل ثناؤه: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: 67] بمعنى: تركوا طاعة الله فتركهم الله من ثوابه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (تتلون) : تدرسون وتقرءون. كما:-
847- حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس: (وأنتم تتلون الكتاب)، &; 2-10 &; يقول: تدرسون الكتاب بذلك. ويعني بالكتاب: التوراة. (100)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (أفلا تعقلون) (101) أفلا تفقهون وتفهمون قبح ما تأتون من معصيتكم ربكم التي تأمرون الناس بخلافها وتنهونهم عن ركوبها وأنتم راكبوها, وأنتم تعلمون أن الذي عليكم من حق الله وطاعته، واتباع محمد والإيمان به وبما جاء به، (102) مثل الذي على من تأمرونه باتباعه. كما:
848- حدثنا به محمد بن العلاء, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق عن الضحاك, عن ابن عباس: (أفلا تعقلون) يقول: أفلا تفهمون؟ فنهاهم عن هذا الخلق القبيح. (103)
* * *
قال أبو جعفر: وهذا يدل على صحة ما قلنا من أمر أحبار يهود بني إسرائيل غيرهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم, وأنهم كانوا يقولون: هو مبعوث إلى غيرنا! كما ذكرنا قبل. (104)
------------
الهوامش :
(96) في المطبوعة ، وفي المراجع : "والعهد من التوراة" . والعهد والعهدة واحد .
(97) الأثر : 845 - في ابن كثير 1 : 154 ، وفيه"إذا جاء الرجل سألهم عن الشيء ليس فيه . . . " وفي المخطوطة : "يسألهم ليس فيه" .
(98) الخبر : 846 - نقله ابن كثير 1 : 154 عن هذا الموضع . وذكره السيوطي 1 : 64 ، ونسبه أيضًا لعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، وقلده الشوكاني 1 : 65 . وقد رواه البيهقي ص : 210 ، من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، به نحوه . و"مسلم الجرمي" : وقع في ابن كثير في هذا الموضع"أسلم" ، وهو خطأ مطيعي . ووقع فيه وفي نسخ الطبري"الحرمي" ، بالحاء . وقد رجحنا في ترجمته - فيما مضى : 154 أنه بالجيم . وذكرنا مصادر ترجمته هناك ، ونزيد هنا أنه ترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 4 / 1 /188 ، ووصفه بأنه"من الغزاة" . وشيخه"مخلد بن الحسين" - بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة ساكنة : ثقة معروف ، قال ابن سعد : "كان ثقة فاضلا" وقال أبو داود : "كان أعقل أهل زمانه" . وأبو قلابة : هو عبد الله ابن زيد الجرمي ، أحد الأعلام من ثقات التابعين ، وأرى أن روايته عن أبي الدرداء مرسلة ، فإن أبا الدرداء مات سنة 32 ، وأبو قلابة متأخر الوفاة ، مات سنة 104 ، وقيل : 107 .
(99) في المطبوعة : "ومقبحا إليهم" .
(100) الخبر : 847 - في الدر المنثور 1 : 64 ، وتتمته في الخبر الآتي إلا قوله : "ويعني بالكتاب التوراة" وأخشى أن تكون من كلام الطبري .
(101) في المخطوطة : "يعني بذلك أفلا تفقهون" . . .
(102) في المطبوعة : "في اتباع محمد . . . " .
(103) الخبر : 848 - من تتمة الأثر السالف . وفي المطبوعة : "فنهاهم" .
(104) انظر ما مضى رقم: 840 - 841.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها, والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور, ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان, وتنهى عن الفحشاء والمنكر, يستعان بها على كل أمر من الأمور{ وَإِنَّهَا} أي:الصلاة{ لَكَبِيرَةٌ} أي:شاقة{ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع, وخشية الله, ورجاء ما عنده يوجب له فعلها, منشرحا صدره لترقبه للثواب, وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك, فإنه لا داعي له يدعوه إليها, وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه.
قوله تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) الاستعانة : طلب المعونة ، والصبر حبس النفس على ما نكره . يقال : صبر على الطاعة . أي حبس نفسه عليها متحملا ما يلاقيه في أدائها من مشاق وصبر عن المعصية . أي كف نفسه عما تنزع إليه من أهواء .
والمعنى : واستعينوا على ترك ما تحبون من شهوات الدنيا ، والدخول فيما تستثقله نفوسكم من قبول الإِسلام ، والتقيد بتكاليفه بفضيلة الصبر التي تحجز أنفسكم من غشيان الموبقات ، وبفريضة الصلاة التي تنهاكم عن الفحشاء والمنكر .
قوله تعالى : ( وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين ) كبيرة : أي صعبة شاقة . يقال كبر الشيء إذا شق وثقل ، ومنه قوله تعالى : ( كَبُرَ عَلَى المشركين مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) أي ثقل وصعب - والخاشعين : من الخشوع وهو في الأصل اللين والسهولة " ومعناه في الآية الكريمة . الخضوع والاستكانة لله تعالى ، والضمير في - إنها - للصلاة لعظيم شأنها واستجماعها لضربوا من الصبر ، والاستثناء مفرغ . أي كبيرة على كل الناس إلا على الخاشعين .
والمعنى : إن الصلاة صعبة إلا على الخاضعين المخبتين المتطامنة قلوبهم وجوارحهم لله تعالى لأنهم موقنون أنها من أهم وسائل الفلاح في الدنيا ، والسعادة في الآخرة ، ولأنهم يجدون عند أدائها اغتباطاً وسروراً يجعل نفوسهم تنشط إليها كلما حل وقتها بهمة وإخلاص .
قال الإِمام الرازي : " فإن قيل : إن كانت ثقيلة على هؤلاء سهلة على الخاشعين ، فيجب أن يكون ثوابهم أكثر ، وثواب الخاشع أقل ، وذلك منكر من القول؟ قلنا : ليس المراد أن الذي يلحقهم من التعب أكثر مما يلحق الخاشع . وكيف يكون ذلك ، والخاشع يستعمل في الصلاة جوارحه وقلبه ، ولا يغفل فيها؛ وإذا كان هذا فعل الخاشع فالثقل عليه يفعل الصلاة أعظم . وإنما المراد بقوله تعالى : ( وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ ) أي ثقيلة على غير الخاشع؛ لأنه لا يعتقد في فعلها ثواباً ، ولا في تركها عقاباً ، فيصعب عليه فعلها ، فالحاصل أن الملحد لاعتقاده عدم المنفعة في أدائها ثقل عليه فعلها ، لأن الاشتغال بما لا فائدة فيه يثقل على الطبع . أما الموحد فلما اعتقد في فعلها أعظم المنافع ، وفي تركها أكبر المضار ، لم يثقل عليه أداؤها . بل أداها وهو سعيد بها ، ألا ترى إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " جعلت قرة عيني في الصلاة " وصفها بذلك لأنها كانت لا تثقل عليه .
يقول تعالى آمرا عبيده ، فيما يؤملون من خير الدنيا والآخرة ، بالاستعانة بالصبر والصلاة ، كما قال مقاتل بن حيان في تفسير هذه الآية : استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض ، والصلاة .
فأما الصبر فقيل : إنه الصيام ، نص عليه مجاهد .
[ قال القرطبي وغيره : ولهذا سمي رمضان شهر الصبر كما نطق به الحديث ] .
وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن جري بن كليب ، عن رجل من بني سليم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الصوم نصف الصبر .
وقيل : المراد بالصبر الكف عن المعاصي ؛ ولهذا قرنه بأداء العبادات وأعلاها : فعل الصلاة .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن حمزة بن إسماعيل ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : الصبر صبران : صبر عند المصيبة حسن ، وأحسن منه الصبر عن محارم الله .
[ قال ] وروي عن الحسن البصري نحو قول عمر .
وقال ابن المبارك عن ابن لهيعة عن مالك بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب فيه ، واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو يتجلد ، لا يرى منه إلا الصبر .
وقال أبو العالية في قوله : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) على مرضاة الله ، واعلموا أنها من طاعة الله .
وأما قوله : ( والصلاة ) فإن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر ، كما قال تعالى : ( اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ) الآية [ العنكبوت : 45 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن عكرمة بن عمار ، عن محمد بن عبد الله الدؤلي ، قال : قال عبد العزيز أخو حذيفة ، قال حذيفة ، يعني ابن اليمان : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى . ورواه أبو داود [ عن محمد بن عيسى عن يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار كما سيأتي ] .
وقد رواه ابن جرير ، من حديث ابن جريج ، عن عكرمة بن عمار ، عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة ، عن عبد العزيز بن اليمان ، عن حذيفة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .
[ ورواه بعضهم عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة ؛ ويقال : أخي حذيفة مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وقال محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة : حدثنا سهل بن عثمان أبو مسعود العسكري ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال : قال عكرمة بن عمار : قال محمد بن عبد الله الدؤلي : قال عبد العزيز : قال حذيفة : رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وهو مشتمل في شملة يصلي ، وكان إذا حزبه أمر صلى . وحدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع حارثة بن مضرب سمع عليا يقول : لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى أصبح ] .
قال ابن جرير : وروي عنه ، عليه الصلاة والسلام ، أنه مر بأبي هريرة ، وهو منبطح على بطنه ، فقال له : اشكنب درد [ قال : نعم ] قال : قم فصل فإن الصلاة شفاء [ ومعناه : أيوجعك بطنك ؟ قال : نعم ] . قال ابن جرير : وقد حدثنا محمد بن العلاء ويعقوب بن إبراهيم ، قالا حدثنا ابن علية ، حدثنا عيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه : أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر ، فاسترجع ، ثم تنحى عن الطريق ، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) .
وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جرير : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) قال : إنهما معونتان على رحمة الله .
والضمير في قوله : ( وإنها ) عائد إلى الصلاة ، نص عليه مجاهد ، واختاره ابن جرير .
ويحتمل أن يكون عائدا على ما يدل عليه الكلام ، وهو الوصية بذلك ، كقوله تعالى في قصة قارون : ( وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون ) [ القصص : 80 ] وقال تعالى : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) [ فصلت : 34 ، 35 ] أي : وما يلقى هذه الوصية إلا الذين صبروا ( وما يلقاها ) أي : يؤتاها ويلهمها ( إلا ذو حظ عظيم )
وعلى كل تقدير ، فقوله تعالى : ( وإنها لكبيرة ) أي : مشقة ثقيلة إلا على الخاشعين . قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني المصدقين بما أنزل الله . وقال مجاهد : المؤمنين حقا . وقال أبو العالية : إلا على الخاشعين الخائفين ، وقال مقاتل بن حيان : إلا على الخاشعين يعني به المتواضعين . وقال الضحاك : ( وإنها لكبيرة ) قال : إنها لثقيلة إلا على الخاضعين لطاعته ، الخائفين سطواته ، المصدقين بوعده ووعيده .
وهذا يشبه ما جاء في الحديث : لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه .
وقال ابن جرير : معنى الآية : واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب ، بحبس أنفسكم على طاعة الله وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر ، المقربة من رضا الله ، العظيمة إقامتها إلا على المتواضعين لله المستكينين لطاعته المتذللين من مخافته .
هكذا قال ، والظاهر أن الآية وإن كانت خطابا في سياق إنذار بني إسرائيل ، فإنهم لم يقصدوا بها على سبيل التخصيص ، وإنما هي عامة لهم ولغيرهم . والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (واستعينوا بالصبر) : استعينوا على الوفاء بعهدي الذي عاهدتموني في كتابكم -من طاعتي واتباع أمري, وترك ما تهوونه &; 2-11 &; من الرياسة وحب الدنيا إلى ما تكرهونه من التسليم لأمري, واتباع رسولي محمد صلى الله عليه وسلم - بالصبر عليه والصلاة.
* * *
وقد قيل: إن معنى " الصبر " في هذا الموضع: الصوم, و " الصوم " بعض معاني" الصبر " . وتأويل من تأول ذلك عندنا (105) أن الله تعالى ذكره أمرهم بالصبر على ما كرهته نفوسهم من طاعة الله, وترك معاصيه. وأصل الصبر: منع النفس محابَّها، وكفها عن هواها; ولذلك قيل للصابر على المصيبة: صابر, لكفه نفسه عن الجزع; وقيل لشهر رمضان " شهر الصبر ", لصبر صائميه عن المطاعم والمشارب نهارا, (106) وصبره إياهم عن ذلك: (107) حبسه لهم, وكفه إياهم عنه, كما تصبر الرجل المسيء للقتل فتحبسه عليه حتى تقتله. (108) ولذلك قيل: قتل فلان فلانا صبرا, يعني به: حبسه عليه حتى قتله, فالمقتول " مصبور ", والقاتل " صابر ".
* * *
وأما الصلاة فقد ذكرنا معناها فيما مضى. (109)
* * *
فإن قال لنا قائل: قد علمنا معنى الأمر بالاستعانة بالصبر على الوفاء بالعهد والمحافظة على الطاعة, فما معنى الأمر بالاستعانة بالصلاة على طاعة الله, وترك معاصيه, والتعري عن الرياسة, وترك الدنيا؟ قيل: إن الصلاة فيها تلاوة كتاب الله, الداعية آياته إلى رفض الدنيا وهجر &; 2-12 &; نعيمها, المسلية النفوس عن زينتها وغرورها, المذكرة الآخرة وما أعد الله فيها لأهلها. ففي الاعتبار بها المعونة لأهل طاعة الله على الجد فيها, كما روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
849- حدثني بذلك إسماعيل بن موسى الفزاري, قال: حدثنا الحسين بن رتاق الهمداني, عن ابن جرير, عن عكرمة بن عمار, عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة, عن عبد العزيز بن اليمان, عن حذيفة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ". (110)
850- وحدثني سليمان بن عبد الجبار, قال: حدثنا خلف بن الوليد الأزدي, قال: حدثنا يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار, عن محمد بن عبد الله الدؤلي, قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة, قال حذيفة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى " . (111) .
851- &; 2-13 &; وكذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى أبا هريرة منبطحا على بطنه فقال له: " اشكَنْب دَرْد "؟ قال: نعم, قال: قم فصل؛ فإن في الصلاة شفاء . (112)
فأمر الله جل ثناؤه الذين وصف أمرهم من أحبار بني إسرائيل أن يجعلوا مفزعهم في الوفاء بعهد الله الذي عاهدوه إلى الاستعانة بالصبر والصلاة كما أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بذلك, فقال له: فَاصْبِرْ يا محمد عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى [طه: 130] فأمره جل ثناؤه في نوائبه بالفزع إلى الصبر والصلاة. وقد:-
852- حدثنا محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم، قالا حدثنا ابن علية, قال: حدثنا عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه: أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم، وهو في سفر, فاسترجع. ثم تنحى عن الطريق, فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس, ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) . (113)
* * *
وأما أبو العالية فإنه كان يقول بما:-
853- حدثني به المثنى قال، حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية: (واستعينوا بالصبر والصلاة) قال يقول: استعينوا &; 2-15 &; بالصبر والصلاة على مرضاة الله, واعلموا أنهما من طاعة الله.
* * *
وقال ابن جريج بما:-
854- حدثنا به القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثني حجاج, قال: قال ابن جريج في قوله: (واستعينوا بالصبر والصلاة) قال: إنهما معونتان على رحمة الله. (114)
855- وحدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: (واستعينوا بالصبر والصلاة) الآية, قال: قال المشركون: والله يا محمد إنك لتدعونا إلى أمر كبير! قال: إلى الصلاة والإيمان بالله جل ثناؤه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وإنها)، وإن الصلاة, ف " الهاء والألف " في" وإنها " عائدتان على " الصلاة ". وقد قال بعضهم: إن قوله: (وإنها) بمعنى: إن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم, ولم يجر لذلك بلفظ الإجابة ذكر فتجعل " الهاء والألف " كناية عنه, وغير جائز ترك الظاهر المفهوم من الكلام إلى باطن لا دلالة على صحته. (115)
* * *
ويعني بقوله: (لكبيرة) : لشديدة ثقيلة. كما:-
856- حدثني يحيى بن أبي طالب, قال: أخبرنا ابن يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, في قوله: (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) قال: إنها لثقيلة. (116)
* * *
ويعني بقوله: (إلا على الخاشعين) : إلا على الخاضعين لطاعته, الخائفين سطواته, المصدقين بوعده ووعيده. كما:-
856- حدثني المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: (إلا على الخاشعين) يعني المصدقين بما أنـزل الله.
857- وحدثني المثنى, قال: حدثنا آدم العسقلاني, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: (إلا على الخاشعين) قال: يعني الخائفين.
858- وحدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفيان, عن جابر, عن مجاهد: (إلا على الخاشعين) قال: المؤمنين حقا. (117)
859- وحدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
860- وحدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: الخشوع: الخوف والخشية لله. وقرأ قول الله: خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ [الشورى: 45] قال: قد أذلهم الخوف الذي نـزل بهم, وخشعوا له.
* * *
وأصل " الخشوع ": التواضع والتذلل والاستكانة, ومنه قول الشاعر: (118)
لمـا أتـى خـبر الزبـير تـواضعت
ســور المدينــة والجبـال الخشـع (119)
يعني: والجبال خشع متذللة لعظم المصيبة بفقده.
* * *
فمعنى الآية: واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم على طاعة الله, وكفها عن معاصي الله, وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر, المقربة من مراضي الله, العظيمة إقامتها إلا على المتواضعين لله، المستكينين لطاعته، المتذللين من مخافته.
-------------
الهوامش :
(105) في المطبوعة : " . . . بعض معاني الصبر عندنا بل تأويل ذلك عندنا . . . " وفي المخطوطة : " . . . بعض معاني الصبر عند تأويل من تأول ذلك عندنا . . . " وكأن الصواب ما أثبته .
(106) في المطبوعة والمخطوطة : "لصبره صائمة . . . " ، ولكن الكلام لا يستقيم لاختلال الضمائر في الجملة التالية .
(107) الضمير في قوله"وصبره" إلى شهر رمضان .
(108) في المخطوطة والمطبوعة : "كما يصبر . . . فيحبسه . . . حتى يقتله" كله بالياء ، والصواب ما أثبته .
(109) انظر ما مضى : 1 : 242 - 243 .
(110) الحديث : 849 -"الحسين بن رتاق الهمداني" : هكذا ثبت في المطبوعة . ولم أجد راويا بهذا الاسم ولا ما يشبهه ، فيما لدى من المراجع ، وفي المخطوطة"الحسين بن زياد الهمداني" - ولم أجد في الرواة من يسمى"الحسين بن زياد" إلا اثنين ، لم ينسب واحد منهما همدانيا ، ولا يصلح واحد منهما في هذا الإسناد : أحدهما : "حسين بن زياد" ، دون وصف آخر ، ترجمه البخاري في الكبير 1 / 2 / 387 برقم : 2881 ، وذكر أنه يروي عن عكرمة ، ويروي عنه جرير بن حازم ، وجرير مات سنة 175 فهذا قديم جدا ، لا يدركه إسماعيل بن موسى الفزاري المتوفي سنة 245 . والثاني"حسين ابن زياد أبو علي المروزي" ترجمه البخاري عقب ذاك ، وذكر أنه مات سنة 220 . فهذا متأخر عن أن يدرك الرواية عن ابن جريج المتوفى سنة 150 . وعكرمة بن عمار : هو العجلي اليمامي . وفي المخطوطة"عكرمة عن عمار" . وهو خطأ . والحديث سيأتي عقب هذا بإسناد آخر صحيح .
(111) الحديث: 850 - هو الذي قبله بمعناه:"خلف بن الوليد": هو أبو الوليد العتكي الجوهري، و"العتكي": نسبة إلى"العتيك"، بطن من الأزد. وهو من شيوخ أحمد الثقات. يحيى ابن زكريا: هو ابن أبي زائدة. محمد بن عبد الله الدؤلي: هو"محمد بن عبيد أبو قدامة" الذي في الإسناد السابق. ووقع في الأصول هنا"محمد بن عبيد بن أبي قدامة". وهو خطأ. بل"أبو قدامة" كنية"محمد بن عبيد". وقد حققنا ترجمته في شرح حديث آخر في المسند: 6548، ورجحنا أن ابن أبي زائدة أخطأ في اسمه، فسماه"محمد بن عبد الله". والحديث رواه أحمد في المسند 5: 388 (حلبي) عن إسماعيل بن عمر، وخلف بن الوليد، كلاهما عن يحيى بن زكريا. ورواه أبو داود: 1319، عن محمد بن عيسى، عن يحيى بن زكريا - بهذا الإسناد. وأشار إليه البخاري في الكبير 1 /1 172، في ترجمة"محمد بن عبيد أبي قدامة الحنفي"، قال:"وقال النضر عن عكرمة، عن محمد بن عبيد أبي قدامة، سمع عبد العزيز أخا حذيفة، عن حذيفة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. وقال ابن أبي زائدة: عن عكرمة عن محمد ابن عبد الله الدؤلي". و"النضر" الذي يشير إليه البخاري: هو النضر بن محمد الجريشي اليمامي. و"عبد العزيز بن اليمان": هو أخو حذيفة بن اليمان، كما صرح بنسبه في الرواية السابقة، وكما وصف بذلك في هذه الرواية، وفي روايتي المسند والبخاري في الكبير. وأما رواية أبي داود ففيها"عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة". وكذلك في رواية ابن منده، التي أشار إليها الحافظ في الإصابة 5: 159. ورجح الحافظ في ذلك الموضع، وفي التهذيب 6: 364 - 365 أنه ابن أخي حذيفة، لا أخوه. ولكن أكثر الرواة ذكروا أنه أخوه، كما أشرنا، لم يخالفهم إلا"محمد بن عيسى" شيخ أبي داود - فيما رأيت. فلا أدري مم هذا الترجيح؟ بل الذي أراه ترجيح رواية الأكثر، ومنهم"النضر ابن محمد"، وكان مكثرا للرواية عن عكرمة بن عمار. وبذلك جزم ابن أبي حاتم في ترجمة"عبد العزيز بن اليمان" في كتاب الجرح والتعديل 2 /2 /399، لم يذكر خلافا ولا قولا آخر. والحديث ذكره أيضًا ابن كثير 1: 157 - 158 من روايات المسند وأبي داود والطبري ثم ذكر نحوه مطولا، من رواية محمد نصر المروزي في كتاب الصلاة.
(112) الحديث: 851 - هكذا ذكره الطبري معلقا، دون إسناد. وقد رواه أحمد في المسند: 9054 (2: 390 حلبي)، عن أسود بن عامر، عن ذواد أبي المنذر، عن ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة. ثم رواه مرة أخرى: 9229 (2: 403حلبي)، عن موسى بن دواد، عن ذواد. وكذلك رواه ابن ماجه: 3458، بإسنادين عن ذواد. و"ذواد": بفتح الذال المعجمة وتشديد الواو وآخره دال مهملة. وضبطه صاحب الخلاصة"ذؤاد" بضم المعجمةوبعدها همزة مفتوحة، وهو خطأ. وذواد: هو ابن علبة الحارثي، وكان شيخا صالحا صدوقا، وضعفه ابن معين، فقال:"ليس بشيء" وترجمه البخاري في الكبير 2 / 1 /241، والصغير، ص: 214، وقال:"يخالف في بعض حديثه". وروى هذا الحديث في الصغير عن ابن الأصبهاني، عن المحاربي، عن ليث، عن مجاهد:"قال لي أبو هريرة: يا فارسي، شكم درد" ثم قال البخاري:"قال ابن الأصبهاني: ورفعه ذواد، وليس له أصل، أبو هريرة لم يكن فارسيا، إنما مجاهد فارسي". فهذا تعليل دقيق من ابن الأصبهاني، ثم من البخاري، يقضي بضعف إسناد الحديث مرفوعا.قوله في متن الرواية"اشكنب درد": كتب عليها في طبعة بولاق ما نصه:"يعني: تشتكي بطنك، بالفارسية. كذا بهامش الأصل". وكذلك ثبت هذا اللفظ في المسند، إلا الموضع الأول فيه كتب"ذرد" بنقطة فوق الدال الأولى، وهو تصحيف. وثبت هذا اللفظ في رواية البخاري في التاريخ الصغير، ص 214:"شكم درد". وفي رواية ابن ماجه"اشكمت درد". وكتب الأستاذ فؤاد عبد الباقي شارحا له:"بالفارسية: اشكم، أي بطن. ودرد، أي وجع. والتاء للخطاب. والهمزة همزة وصل. كذا حققه الدكتور حسين الهمداني. ومعناه: أتشتكي بطنك؟ ولكن جاء في تكملة مجمع بحار الأنوار، ص 7 (أشكنب ددم). وفي رواية بسكون الباء". وأنا أرى أن النقل الأخير فيه خطأ. لأني نقلت في أوراق على المسند قديما أن صوابها"أشكنب دردم". وأكبر ظني الآن أنى نقلت ذاك عن تكملة مجمع بحار الأنوار، وهو ليس في متناول يدى حين أكتب هذا.
(113) الخبر : 852 - إسناده صحيح . عيينة بن عبد الرحمن : ثقة . وأبوه عبد الرحمن بن جرشن الغطفاني : تابعى ثقة .
الأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور 1: 68، ونسبه أيضًا لسعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في الشعب.
قُثَم بن العباس بن عبد المطلب، أخو عبد الله بن العباس. وأمه أم الفضل كان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح سماعه عنه، فإنه كان في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوق ثمان. وخرج مع سعيد بن عثمان زمن معاوية إلى سمرقند، فاستشهد بها. استرجع: قال:"إنا لله وإنا إليه راجعون".
(114) الأثر : 854 - الحسين : هو سنيد بن داود المصيصي ، و"سنيد" لقب له ، كما مضى : 144 .
(115) الظاهر : هو ما تعرفه العرب من كلامها . والباطن : ما يأتي بالاستنباط من الظاهر على طريق العرب في بيانها . وانظر ما مضى 1 : 72 تعليق : 2 .
(116) الأثر : 856 - في المطبوعة"أخبرنا ابن زيد" ، والصواب"يزيد" من المخطوطة . وهو"يزيد بن هرون" . وقد مضى مثل هذا الإسناد على الصواب : 284 .
ومن الرواة عن جويبر : "حماد بن زيد" ، ولا يحتمل أن يكون مرادا في هذا الإسناد ، لأن حماد ابن زيد مات سنة 179 . فلا يحتمل أن يروي عنه يحيى بن أبي طالب ، لأنه ولد سنة 182 ، كما في ترجمته في تاريخ بغداد للخطيب 14 : 220 - 221 .
(117) الأثر : 858 - محمد بن عمرو ، هو : محمد بن عمرو بن العباس ، أبو بكر الباهلي ، وهو من شيوخ الطبري الثقات ، أكثر من الرواية عنه ، مات سنة 249 . وله ترجمة في تاريخ بغداد 3 : 127 . و"أبو عاصم" : هو النبيل ، الضحاك بن مخلد . و"سفيان" : هو الثوري . و"جابر" : هو ابن يزيد الجعفي .
وهكذا جاء هذا الإسناد في هذا الموضع في المخطوطة . ووقع في المطبوعة"محمد بن جعفر" بدل"محمد بن عمرو" ، وهو خطأ لا شك فيه .
إنما الشبهة هنا : أن هذا الإسناد"أبو عاصم ، عن سفيان ، عن جابر" _ يرويه الطبري في أكثر المواضع"عن محمد بن بشار" ، عن أبي عاصم . وأما روايته عن"محمد بن عمرو" ، فإنما هي لإسناد "أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد" . والأمر قريب ، ولعله روى هذا وذاك .
(118) الشعر لجرير .
(119) ديوان جرير : 345 ، والنقائض : 969 ، وقد جاء منسوبا له في تفسيره (1 : 289 /7 : 157 بولاق ) ، وطبقات ابن سعد : 3/1/ 79 ، وسيبويه 1 : 25 ، والأضداد لابن الأنباري : 258 ، والخزانة 2 : 166 . استشهد به سيبويه على أن تاء التأنيث جاءت للفعل ، لما أضاف"سور" إلى مؤنث وهو"المدينة" ، وهو بعض منها . قال سيبويه : "وربما قالوا في بعض الكلام : "ذهبت بعض أصابعه" ، وإنما أنث البعض ، لأنه أضافه إلى مؤنث هو منه ، ولو لم يكن منه لم يؤنثه . لأنه لو قال : "ذهبت عبد أمك" لم يحسن . (1 : 25) .
وهذا البيت يعير به الفرزدق بالغدر ويهجوه ، فإن الزبير بن العوام رضي الله عنه حين انصرف يوم الجمل ، عرض له رجل من بني مجاشع رهط الفرزدق ، فرماه فقتله غيلة . ووصف الجبال بأنها"خشع" . يريد عند موته ، خشعت وطأطأت من هول المصيبة في حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن قبح ما لقي من غدر بني مجاشع .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 45 | ﴿وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ |
---|
البقرة: 153 | ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
والخشوع هو:خضوع القلب وطمأنينته, وسكونه لله تعالى, وانكساره بين يديه, ذلا وافتقارا, وإيمانا به وبلقائه. ولهذا قال:{ الَّذِينَ يَظُنُّونَ} أي:يستيقنون{ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} فيجازيهم بأعمالهم{ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات, ونفس عنهم الكربات, وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه, كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه.
ثم وصف - سبحانه - الخاشعين وصفاً يناسب المقام ، ويظهر وجه الاستعانة ، فقال - تعالى : ( الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) .
الظن : يرد في أكثر الكلام بعنى الاعتقاد الراجح ، وهو ما يتجاوز مرتبة الشك ، وقد يقوي حتى يصل إلى مرتبة اليقين والقطع ، وهو المراد هنا؛ ومثل ذلك قوله - تعالى -
( أَلا يَظُنُّ أولئك أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ . لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ) أي ألا يعتقد أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم . وقوله تعالى : ( إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ ) أي علمت أني ملاق حسابيه .
وملاقاة الخاشعين لربهم معناها الحشر إليه بعد الموت ، ومجازاتهم على ما قدموا من عمل .
والمعنى : إن الصلاة لثقيلة إلا على الخاشعين ، الذين يعتقدون لقاء الله - تعالى - يوم الحساب ، وأنهم عائدون إليه لينالوا ما يستحقونه من جزاء على حسب أعمالهم .
قال ابن جرير - مرجحاً أن المراد بالظن هنا العلم واليقين - : " إن قال لنا قائل : وكيف أخبر الله - تعالى - عمن قد وصفه بالخشوع له بالطاعة أنه يظن أنه ملاقيه ، والظن شك ، والشاك في لقاء الله كافر؟ قيل له : إن العرب قد تسمى اليقين ظناً : والشك ظناً؛ نظير تسميتهم الظلمة سدفة ، والضاء سدفة ، والمغيث صارخاً ، والمستغيث صارخاً ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمي بها الشيء وضده ، ومما يدل على أنه يسمى به اليقين ، قول دريد بن الصمة : ( فقلت لهم ظنوا بألفى مدجج . . . ) .
يعني بذلك : تيقنوا أن ألفي مدجج تأتيكم ، ثم قال : والشاهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين أكثر من أن تحصى ، وفيما ذكرنا لمن وفق في فهمه كافية ، ومنه قوله تعالى : ( وَرَأَى المجرمون النار فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا ) وعن مجاهد قال : " كل ظن في القرآن فهو علم " .
والذين قالوا إن الظن هنا على معناه الحقيقي ، وهو الاعتقاد الراجح ، فسروا " ملاقاة الخاشعين لربهم " بمعنى قربهم من رضاه يوم القيامة " ورجوعهم الآية " بمعنى حلولهم بجواره الطيب ، واستقرارهم في جناته ، أي : وإن الصلاة لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يتوقعون قربهم من ربهم ، ودخولهم جناته عند رجوعهم إليه .
وإلى هذا التفسير ذهب صاحب الكشاف ، فقال قال : ( فإن قلت : ما لها لم تثقل على الخاشعين والخشوع في نفسه مما يثقل؟ قلت : لأنهم يتوقعون ما ادخر للصابرين على متاعبها فتهون عليهم . ألا ترى إلى قوله تعالى : ( الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ ) أي يتوقعون لقاء ثوابه ، ونيل ما عنده ويطمعون فيه ) .
وإنما كان شعور الخاشعين بذلك كله ظناً لا يقيناً ، لأن خواتيم الحياة لا يعلمها كيف تكون سوى علام الغيوب ، ففي وصفهم بأنهم ( يَظُنُّونَ ) إشارة إلى خوفهم ، وعدم أمنهم مكر الله - تعالى - وهكذا يكون المؤمن دائماً بين الخوف والرجاء .
ومن هذا العرض لمعنى الآية الكريمة يتبين لنا ، أن من فسر الظن هنا بمعنى اليقين والعلم ، يرى أن لقاء الخاشعين لله معناه الحشر بعد الموت ، ورجوعهم إليه معناه مجازاتهم على أعمالهم والحشر والمجازاة يعتقد صحتهما الخاشعون اعتقاداً جازماً .
أما من فسر الظن هنا بمعنى الاعتقاد الراجح ، فيرى أن لقاء الخاشعين لله معناه توقعهم لقاء توابه ، ورجوعهم إليه معناه ظفرهم بجناته ، وتوقع الثواب والظفر بالجنات يرجح الخاشعون حصولهما لأن مرجعهما إلى فضل الله وحده .
والذي نراه أن الرأي الأول أكثر اتساقاً مع ظاهر معنى الآية الكريمة وبه قال قدماء المفسرين ، كمجاهد وأبي العالية وغيرهما .
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة توبيخ أحبار اليهود على نصحهم لغيرهم وتركهم لأنفسهم وإرشادهم إلى العلاج الذي يشفيهم من هذا الخلق الذميم ، ومن غيره متى استعملوه بصدق وإخلاص ، وهذا العلاج يتمثل في تذرعهم بالصبر . ومداومتهم على الصلاة ، وشكرهم لله - تعالى - على نعمه التي فصلت الآيات بعد ذلك الحديث عنها ، وها نحن نذكرها مرتبة كما ساقها القرآن الكريم .
أولاً : نعمة تفضيلهم على العالمين : قال - تعالى - :
( يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِي التي أَنْعَمْتُ . . . )
وقوله تعالى : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون ) هذا من تمام الكلام الذي قبله ، أي : وإن الصلاة أو الوصاة لثقيلة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ، أي : [ يعلمون أنهم ] محشورون إليه يوم القيامة ، معروضون عليه ، وأنهم إليه راجعون ، أي : أمورهم راجعة إلى مشيئته ، يحكم فيها ما يشاء بعدله ، فلهذا لما أيقنوا بالمعاد والجزاء سهل عليهم فعل الطاعات وترك المنكرات .
فأما قوله : ( يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال ابن جرير ، رحمه الله : العرب قد تسمي اليقين ظنا ، والشك ظنا ، نظير تسميتهم الظلمة سدفة ، والضياء سدفة ، والمغيث صارخا ، والمستغيث صارخا ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمى بها الشيء وضده ، كما قال دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
يعني بذلك : تيقنوا بألفي مدجج يأتيكم ، وقال عميرة بن طارق :
بأن يعتزوا قومي وأقعد فيكم وأجعل مني الظن غيبا مرجما
يعني : وأجعل مني اليقين غيبا مرجما ، قال : والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين أكثر من أن تحصر ، وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية ، ومنه قول الله تعالى : ( ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ) [ الكهف : 53 ] .
ثم قال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال : كل ظن في القرآن يقين ، أي : ظننت وظنوا .
وحدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا أبو داود الحفري ، عن سفيان عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كل ظن في القرآن فهو علم . وهذا سند صحيح .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال : الظن هاهنا يقين .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة نحو قول أبي العالية .
وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) علموا أنهم ملاقو ربهم ، كقوله : ( إني ظننت أني ملاق حسابيه ) [ الحاقة : 20 ] يقول : علمت .
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
قلت : وفي الصحيح : أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : ألم أزوجك ، ألم أكرمك ، ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى . فيقول الله تعالى : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول الله : اليوم أنساك كما نسيتني . وسيأتي مبسوطا عند قوله : ( نسوا الله فنسيهم ) [ التوبة : 67 ] إن شاء الله ، والله تعالى أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى الَّذِينَ يَظُنُّونَ
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف أخبر الله جل ثناؤه عمن قد وصفه بالخشوع له بالطاعة، أنه " يظن " أنه ملاقيه, والظن: شك, والشاك في لقاء الله عندك بالله كافر؟
قيل له: إن العرب قد تسمي اليقين " ظنا ", والشك " ظنا ", نظير تسميتهم الظلمة &; 2-18 &; " سدفة "، والضياء " سدفة ", والمغيث " صارخا ", والمستغيث " صارخا ", وما أشبه ذلك من الأسماء التي تسمي بها الشيء وضده. ومما يدل على أنه يسمى به اليقين، قول دريد بن الصمة:
فقلــت لهـم ظنـوا بـألفي مدجـج
سـراتهم فـي الفارسـي المسرد (120)
يعني بذلك: تيقنوا ألفي مدجج تأتيكم. وقول عميرة بن طارق:
بــأن تغـتزوا قـومي وأقعـد فيكـم
وأجـعل منـي الظن غيبا مرجما (121)
يعني: وأجعل مني اليقين غيبا مرجما. والشواهد من أشعار العرب وكلامها &; 2-19 &; على أن " الظن " في معنى اليقين أكثر من أن تحصى, وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية.
ومنه قول الله جل ثناؤه: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا [الكهف: 53] وبمثل الذي قلنا في ذلك جاء تفسير المفسرين.
861- حدثني المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: (يظنون أنهم ملاقو ربهم) قال: إن الظن ههنا يقين.
862- وحدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفيان, عن جابر, عن مجاهد, قال: كل ظن في القرآن يقين, إِنِّي ظَنَنْتُ ، وَظَنُّوا .
863- حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو داود الحفري, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: كل ظن في القرآن فهو علم. (122)
864- وحدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) أما " يظنون " فيستيقنون.
865- وحدثني القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثني حجاج, قال: قال ابن جريج: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) علموا أنهم ملاقو ربهم, هي كقوله: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة: 20] يقول: علمت.
866- وحدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) قال: لأنهم لم يعاينوا, فكان ظنهم يقينا, وليس ظنا في شك. وقرأ: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف قيل إنهم ملاقو ربهم، فأضيف " الملاقون " إلى الرب تبارك وتعالى، وقد علمت أن معناه: الذين يظنون أنهم يلقون ربهم؟ وإذ كان المعنى كذلك, فمن كلام العرب ترك الإضافة وإثبات النون, وإنما تسقط النون وتضيف، في الأسماء المبنية من الأفعال، إذا كانت بمعنى " فعل ", فأما إذا كانت بمعنى " يفعل وفاعل ", فشأنها إثبات النون, وترك الإضافة.
قيل: لا تدافع بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب وألسنها في إجازة إضافة الاسم المبني من " فعل ويفعل ", وإسقاط النون وهو بمعنى " يفعل وفاعل ", أعني بمعنى الاستقبال وحال الفعل ولما ينقض, فلا وجه لمسألة السائل عن ذلك: لم قيل؟ وإنما اختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله أضيف وأسقطت النون.
فقال نحويو البصرة: أسقطت النون من: (ملاقو ربهم) وما أشبهه من الأفعال التي في لفظ الأسماء وهي في معنى " يفعل " وفي معنى ما لم ينقض استثقالا لها, وهي مرادة كما قال جل ثناؤه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [سورة آل عمران: 185 الأنبياء:35 العنكبوت: 57]، وكما قال: إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ [القمر: 27] ولما يرسلها (123) بعد; وكما قال الشاعر:
&; 2-21 &; هـل أنـت بـاعث دينـار لحاجتنـا
أو عبـد رب أخـا عـون بن مخراق? (124)
فأضاف " باعثا " إلى " الدينار ", ولما يبعث, ونصب " عبد رب " عطفا على موضع دينار، لأنه في موضع نصب وإن خفض، وكما قال الآخر: (125)
الحـــافظو عــورة العشــيرة, لا
يــأتيهم مـن ورائـهم نطـف (126)
بنصب " العورة " وخفضها، فالخفض على الإضافة, والنصب على حذف النون استثقالا وهي مرادة. وهذا قول نحويي البصرة. (127)
* * *
وأما نحويو الكوفة فإنهم قالوا: جائز في (ملاقو) الإضافة, وهي في معنى يلقون, وإسقاط النون منه لأنه في لفظ الأسماء, فله في الإضافة إلى الأسماء حظ الأسماء. وكذلك حكم كل اسم كان له نظيرا. قالوا: وإذا أثبت في شيء من ذلك النون وتركت الإضافة, فإنما تفعل ذلك به لأن له معنى يفعل الذي لم يكن ولم يجب بعد. قالوا: فالإضافة فيه للفظ, وترك الإضافة للمعنى.
* * *
فتأويل الآية إذا: واستعينوا على الوفاء بعهدي بالصبر عليه والصلاة, وإن الصلاة لكبيرة إلا على الخائفين عقابي, المتواضعين لأمري, الموقنين بلقائي والرجوع إلي بعد مماتهم.
وإنما أخبر الله جل ثناؤه أن الصلاة كبيرة إلا على من هذه صفته; لأن من كان غير موقن بمعاد ولا مصدق بمرجع ولا ثواب ولا عقاب, فالصلاة عنده عناء وضلال, لأنه لا يرجو بإقامتها إدراك نفع ولا دفع ضر, وحق لمن كانت هذه الصفة صفته أن تكون الصلاة عليه كبيرة, وإقامتها عليه ثقيلة, وله فادحة.
وإنما خفت على المؤمنين المصدقين بلقاء الله, الراجين عليها جزيل ثوابه, الخائفين بتضييعها أليم عقابه, لما يرجون بإقامتها في معادهم من الوصول إلى ما وعد الله عليها أهلها, ولما يحذرون بتضييعها ما أوعد مضيعها. فأمر الله جل ثناؤه أحبار بني إسرائيل الذين خاطبهم بهذه الآيات، أن يكونوا من مقيميها الراجين ثوابها إذا كانوا أهل يقين بأنهم إلى الله راجعون، وإياه في القيامة ملاقون.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)
قال أبو جعفر: و " الهاء والميم " اللتان في قوله: (وأنهم) من ذكر الخاشعين, و " الهاء " في" إليه " من ذكر الرب تعالى ذكره في قوله: مُلاقُو رَبِّهِمْ فتأويل الكلمة: وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الموقنين أنهم إلى ربهم راجعون.
* * *
ثم اختلف في تأويل " الرجوع " الذي في قوله: (وأنهم إليه راجعون) فقال بعضهم، بما:-
867- حدثني به المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: (وأنهم إليه راجعون)، قال: يستيقنون أنهم يرجعون إليه يوم القيامة .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك أنهم إليه يرجعون بموتهم.
* * *
وأولى التأويلين بالآية، القول الذي قاله أبو العالية; لأن الله تعالى ذكره, قال في الآية التي قبلها: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فأخبر جل ثناؤه أن مرجعهم إليه بعد نشرهم وإحيائهم من مماتهم, وذلك لا شك يوم القيامة, فكذلك تأويل قوله: (وأنهم إليه راجعون).
------------
الهوامش :
(120) الأصمعيات: 23، وشرح الحماسة 2: 156، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 40، وسيأتي غير منسوب في 25: 83، وغير منسوب في 13: 58 برواية أخرى:"فظنوا بألفي فارس متلبب"، وقبل البيت في رواية الأصمعي:
وقلـت لعـارض, وأصحـاب عارض
ورهـط بنـي السـوداء, والقوم شهدي
علانيـــة ظنـــوا . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ورواية أبي تمام : "نصحت لعارض" . . "فقلت لهم ظنوا . . " وهذا الشعر قاله في رثاء أخيه عبد الله بن الصمة ، وهو عارض ، المذكور في شعره . المدجج : الفارس الذي قد تدجج في شكته ، أي دخل في سلاحه ، كأنه تغطى به . والسراة جمع سري : وهم خيار القوم من فرسانهم . والفارسي المسرد : يعني الدروع الفارسية ، قال عمرو بن امرئ القيس الخزرجي :
إذا مشــينا فــي الفارســي كمـا
يمشــى جمــال مَصـاعبٌ قُطُـفُ
السرد: إدخال حلق الدرع بعضها في بعض. والمسرد: المحبوك النسج المتداخل الحلق. ينذر أخاه وقومه أنهم سوف يلقون عدوا من ذوى البأس قد استكمل أداة قتاله.
(121) نقائض جرير والفرزدق : 53 ، 785 ، والأضداد لابن الأنباري . 12 وهو عميرة بن طارق بن ديسق اليربوعي ، قالها في خبر له مع الحوفزان ، ورواية النقائض : "وأجلس فيكم . . . " ، و"أجعل علمي ظن غيب مرجما" . وقبل البيت :
فـلا تـأمرني يـا ابـن أسـماء بالتي
تجــر الفتـى ذا الطعـم أن يتكلمـا
ذو الطعم" ذو الحرم . وتجر ، من الإجرار : وهو أن يشق لسان الفصيل ، إذا أرادوا فطامه ، لئلا يرضع . يعني يحول بينه وبين الكلام .
وغزا الأمر واغتزاه : قصده ، ومنه الغزو : وهو السير إلى قتال العدو وانتهابه ، والمرجم : الذي لا يوقف على حقيقة أمره ، لأنه يقذف به على غير يقين ، من الرجم : وهو القذف .
هذا ، والبيت ، كما رواه في النقائض ، ليس بشاهد على أن الظن هو اليقين . ورواية الطبري هي التي تصلح شاهدا على هذا المعنى .
(122) الأثر : 863 - إسحاق : هو ابن راهويه الإمام الحافظ . أبو داود الحفري - بالحاء المهملة والفاء المفتوحتين - هو : عمر بن سعد بن عبيد . ووقع في تفسير ابن كثير 1 : 159"أبو داود الجبري" ، وهو تصحيف . وسفيان : هو الثوري .
(123) في المطبوعة : "ولما يرسلها بعد" .
(124) سيبويه 1 : 87 ، والخزانة 3 : 476 ، والعيني 3 : 563 . قال صاحب الخزانة : "البيت من أبيات سيبويه التي لم يعرف قائلها . وقال ابن خلف : قيل هو لجابر بن رألان السنبسي ، وسنبس أبو حي من طيء . ونسبه غير خدمة سيبويه إلى جرير ، وإلى تأبط شرا ، وإلى أنه مصنوع والله أعلم بالحال!" . دينار وعبد رب ، رجلان . والشاهد فيه نصب"عبد رب" على موضع"دينار" ، لأن المعنى : هل أنت باعث دينارا أو عبد رب .
(125) هو عمرو بن امرئ القيس ، من بني الحارث بن الخزرج ، وهو عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، جاهلي قديم .
(126) جمهرة أشعار العرب : 127 ، سيبويه 1 : 95 ، واللسان (وكف) والخزانة 2 : 188 ، 337 ، 483 / 3 : 400 ، 473 . وهو من قصيدة يقولها لمالك بن العجلان النجاري في خبر مذكور . والعورة : المكان الذي يخاف منه مأتى العدو . والنطف : العيب والريبة ، يقال : هم أهل الريب والنطف . وهذه رواية سيبويه والطبري ، وأما رواية غيره فهي : "من ورائنا وكف" ، والوكف العيب والنقص .
(127) قال سيبويه 1 : 95 : "لم يحذف النون للإضافة ، ولا ليعاقب الاسم النون ، ولكن حذفوها كما حذفوها من اللذين والذين ، حين طال الكلام ، وكان الاسم الأول منتهاه الاسم الآخر" .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 46 | ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ |
---|
البقرة: 156 | ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الآيتين 47 و 48:ـ ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته, وعظا لهم, وتحذيرا وحثا. وخوفهم بيوم القيامة الذي{ لَا تَجْزِي} فيه، أي:لا تغني{ نَفْسٌ} ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين{ عَنْ نَفْسٍ} ولو كانت من العشيرة الأقربين{ شَيْئًا} لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه.{ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا} أي:النفس, شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له, ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة،{ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} أي:فداء{ ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب} ولا يقبل منهم ذلك{ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} أي:يدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله:{ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} هذا في تحصيل المنافع،{ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} هذا في دفع المضار, فهذا النفي للأمر المستقل به النافع.{ ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل} هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض, كالعدل, أو بغيره, كالشفاعة، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين, لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع, وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع, ويدفع المضار, فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته.
أعاد القرآن الكريم نداءهم ، تأكيداً لتذكيرهم بواجب الشكر ، واهتماماً بمضمون الخطاب وما يشتمل عليه من أوامر ومنهيات ، وتفصيلا لما أسبغه الله عليهم من منن بعد أن أجملها في النداء الأول ، ليكون التذكير أتم والتأثير أشد ، والشكر عليها أرجى .
وقد جرت سنة القرآن الكريم أن يكرر الجمل المشتملة على أمور تستوجب المزيد من العناية كما في حال ذكر النعم ، لأن تكرارها يغري النفوس الكريمة بطاعة مرسلها ، والسير على الطريق القويم .
وقوله تعالى : ( وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين ) عطف على نعمتي ، أي واذكروا تفضيلي وإياكم على العالمين ، وهذا التفضيل نعم خاصة ، فعطفه على ( نِعْمَتِي ) من عطف الخاص على العام للعناية به ، وهو - أي : التفضيل مبدأ تفصيل النعم وتعدادها ، والمقصود منه الخص على الاتصاف بما يناسب تلك النعم ، ويستبقى ذلك الفضل .
وقد ذكر الله - تعالى - بني إسرائيل المعاصرين للعهد النبوي بهذه النعم مع أنها كانت لآبائهم . كما يدل عليه سياق الآيات؛ لأن النعم على الآباء نعم على الأبناء لكونهم منهم ، ولأن شرف الأصول يسري إلى الفروع ، فكان التذكير بتلك النعم فيه شرف لهم ، وحسن سمعة تعود عليهم ، وتغريهم بالإِيمان والطاعة - لو كانوا يعقلون- .
ومن مظاهر ، تفضيل الله لبني إسرائيل على عالمي زمانهم ، جمعه لهم من المحامد قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم . ما لم يجمع لغيرهم . فقد حياهم بكثير من النعم ، وبعث فيهم عدداً كبيراً من الأنبياء ، ونجاهم من عدوهم ، ولم يعجل العقوبة عليهم رغم عصيانهم واعتدائهم ، واقترافهم شتى ألوان المنكرات عن تعمد وإصرار ، ولم ينزل بهم قارعة تستأصلهم بذنوبهم كما استأصل غيرهم كقوم عاد وثمود .
ولكن بني إسرائيل لم يقابلوا نعم الله بالشكر والعرفان . بل قابلوها بالجحود والطغيان فسلبها الله عنهم ، ومنحها لقوم آخرين لم يكونوا أمثالهم .
ولقد حكى القرآن ألوانا من النعم التي منحها الله لبني إسرائيل ولكنهم قابلوها بالبطر والكفران فأزالها الله عنهم . من ذلك قوله تعالى :
( سَلْ بني إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب ) أي : سل - يا محمد - بني إسرائيل المعاصرين لك . سؤال تقريع وتوبيخ . كم آتاهم الله على أيدي أنبيائهم من النعم الجليلة ، والمعجزات الباهرة ، ولكنهم بعد أن جاءتهم هذه الآيات ، وتمكنوا منها وعقلوها قابلوها بالعناد والاستهزاء ، وجعلوها من أسباب ضلالهم مع أنها مسوقة لهدايتهم وسعادتهم ، فكانت نتيجة ذلك أن ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة في الدنيا ، وتوعدهم بشديد العقاب في الآخرة .
ومن الآيات التي صرحت بأن الله - تعالى - أعطى بني إسرائيل نعماً وفيرة ، ولكنهم لم يحمدوه عليها . قوله تعالى :
( وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بني إِسْرَائِيلَ مِنَ العذاب المهين * وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين * وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيات مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ ) أي : ولقد نجينا بفضلنا . وكرمنا بني إسرائيل من العذاب المعني الذي كان ينزله بهم فرعون وجنده ، بأن أغرقناه ومن معه أمام أعينهم؛ لأنه كان ظلوماً غشوماً ، وفضلا عن ذلك فقد اصطفينا بني إسرائيل - على علم منا بما يكون منهم - على عالمي زمانهم وآتيناهم من النعم والمعجزات . ما فيه اختبار لقلوبهم ، وامتحان لنفوسهم . فكانت نتيجة هذا الاختبار والامتحان أن كفروا بنعم الله ، وكذبوا برسله وقتلوهم . فتوعدهم الله في الدنيا بأن يسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى قيوم القيامة . أما في الآخرة فمأواهم جهنم وبئس المهاد .
- وأيضاً - من الآيات التي ساقت أنواعاً من نعم الله على بني إسرائيل ولكنهم لم يشكروه عليها قوله تعالى :
( وَلَقَدْ آتَيْنَا بني إِسْرَائِيلَ الكتاب والحكم والنبوة وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العالمين . وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأمر فَمَا اختلفوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) والمعنى : ولقد آتينا بني إسرائيل التوراة لتكون هداية لهم ومنحناهم الحكمة والفقه في الدين ، وجعلنا النبوة في عدد كبير منهم ، ورزقناهم من طيبات الأغذية والأشربة ، وفضلناهم على من عاصرهم من الأمم قيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وفضلا عن ذلك فقد سقنا لهم على أيدي أنبيائهم الكثير من المعجزات والدلائل التي تقوى إيمانهم ، وتهديهم إلى الطريق المستقيم ولكنهم لم ينتفعوا بهذه النعم . بل جعلوا علمهم بالدين الحق سبباً للخلاف والشقاق ، والسير في طريق الضلال ، وسيعاقبهم الله بما يستحقونه جزاء جحودهم وعنادهم .
والعبرة التي نستخلصها من هذه الآيات وأمثالها . أن الله - تعالى - فضل بني إسرائيل على غيرهم من الأمم السابقة على الأمة الإسلامية . ومنحهم الكثير من النعم ، ولكنهم لم يقابلوا ذلك بالشكر . بل قابلوه بالتمرد والحسد والبطر . فسلب الله عنهم ما حباهم من نعم ، ووصفهم في كتابه بأقبح الصفات وأسوأ الطباع . كقسوة القلب ، ونقض العهد ، والتهالك على شهوات الدنيا ، والتعدي على الغير . والتحايل على استحلال محارم الله ، ونبذهم للحق واتباعهم الباطل . . . إلى غير ذلك من الصفات التي توارد ذكرها في القرآن الكريم .
وهذا مصير كل أمة بدلت نعمة الله كفراً؛ لأن الميزان عند الله للتقوى والعمل للصالح ، وليس للجنس أو اللون أو النسب .
قال الإِمام الرازي ما ملخصه : فإن قيل : إن تفضيلهم على العالمين يقتضي تفضيلهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا باطل . فكيف الجواب؟ قلنا : الجواب من وجوه أقربها إلى الصواب أن المراد : فضلتكم على عالمي زمانكم وذلك لأن الشخص الذي سيوجد بعد ذلك وهو الآن ليس بموجود لم يكن من جملة العالمين حال عدمه ، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما كانت موجودة في ذلك الوقت ، فلا يلزم من كون بني إسرائيل أفضل العالمين في ذلك الوقت . أنهم أفضل من الأمة المحمدية . وهذا هو الجواب أيضاً عن قوله - تعالى - : ( وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين ) وبهذا يتعين بطلان دعوى اليهود أنهم شعب الله المختار . استناداً إلى هذه الآية الكريمة وأمثالها ، لأنها دعوى لا تؤيدها النصوص ، ولايشهد لها العقل السليم . ثم قال تعالى :
( واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ . . . )
يذكرهم تعالى سالف نعمه على آبائهم وأسلافهم ، وما كان فضلهم به من إرسال الرسل منهم وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم ، كما قال تعالى : ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين ) [ الدخان : 32 ] ، وقال تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) [ المائدة : 20 ] .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : ( وأني فضلتكم على العالمين ) قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان ؛ فإن لكل زمان عالما .
وروي عن مجاهد ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك ، ويجب الحمل على هذا ؛ لأن هذه الأمة أفضل منهم ؛ لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم ) [ آل عمران : 110 ] وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشيري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم توفون سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله . والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس )
[ وقيل : المراد تفضيل بنوع ما من الفضل على سائر الناس ، ولا يلزم تفضيلهم مطلقا ، حكاه فخر الدين الرازي وفيه نظر . وقيل : إنهم فضلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم ، حكاه القرطبي في تفسيره ، وفيه نظر ؛ لأن ( العالمين ) عام يشمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء ، فإبراهيم الخليل قبلهم وهو أفضل من سائر أنبيائهم ، ومحمد بعدهم وهو أفضل من جميع الخلق وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين ] .
القول في تأويل قوله تعالى يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
قال أبو جعفر: وتأويل ذلك في هذه الآية نظير تأويله في التي قبلها في قوله: (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي). وقد ذكرته هنالك (128) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)
قال أبو جعفر: وهذا أيضا مما ذكرهم جل ثناؤه من آلائه ونعمه عندهم. ويعني بقوله: (وأني فضلتكم على العالمين) : أني فضلت أسلافكم, فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم إلى أنها نعم منه عليهم, إذ كانت مآثر الآباء مآثر للأبناء, والنعم عند الآباء نعما عند الأبناء, لكون الأبناء من الآباء, وأخرج جل ذكره قوله: (وأني فضلتكم على العالمين) مخرج العموم, وهو يريد به خصوصا; لأن المعنى: وإني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه (129) . كالذي:-
868- حدثنا به محمد بن عبد الأعلى الصنعاني, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر -وحدثنا الحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر- عن قتادة، (وأني فضلتكم على العالمين) قال: فضلهم على عالم ذلك الزمان.
869 - حدثني المثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية: (وأني فضلتكم على العالمين) قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب، على عالم من كان في ذلك الزمان, فإن لكل زمان عالما.
870 - حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مجاهد في قوله: (وأني فضلتكم على العالمين) قال: على من هم بين ظهرانيه.
871 - وحدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: على من هم بين ظهرانيه.
872 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سألت ابن زيد عن قول الله: (وأني فضلتكم على العالمين)، قال: عالم أهل ذلك الزمان. وقرأ قول الله: وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان: 32] قال: هذه لمن أطاعه واتبع أمره, وقد كان فيهم القردة، وهم أبغض خلقه إليه, وقال لهذه الأمة: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110] قال: &; 2-25 &; هذه لمن أطاع الله واتبع أمره واجتنب محارمه.
* * *
قال أبو جعفر: والدليل على صحة ما قلنا من أن تأويل ذلك على الخصوص الذي وصفنا ما:-
873 - حدثني به يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, وحدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر جميعا, عن بهز بن حكيم, عن أبيه, عن جده, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ألا إنكم وفيتم سبعين أمة " -قال يعقوب في حديثه: أنتم آخرها-. وقال الحسن: " أنتم خيرها وأكرمها على الله ". (130)
* * *
فقد أنبأ هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لم يكونوا مفضلين على أمة محمد عليه الصلاة والسلام, وأن معنى قوله: وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [الجاثية: 16] وقوله: (وأني فضلتكم على العالمين) على ما بينا من تأويله. &; 2-26 &; وقد أتينا على بيان تأويل قوله: (العالمين) بما فيه الكفاية في غير هذا الموضع, فأغنى ذلك عن إعادته (131) .
-----------------
الهوامش :
(128) انظر 1 : 555 - 559
(129) انظر 1 : 143 - 146 ، ثم 151 - 152 . يقال لكل ما كان في وسط شيء ومعظمه : "هو بين ظهرينا وظهرانينا" على تقدير أنه مقيم بين ظهر من وراءه وظهر من أمامه ، فهو مكنوف من جانبيه ، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا . ويقال أيضًا : "هو بين أظهرهم مقيم" بهذا المعنى . ويقال أيضًا : " لقيته بين ظهراني الليل" ، أي بين العشاء والفجر ، وعلى هذا فقس استعمال هذه الكلمة .
(130) الحديث: 873 - بهز، بفتح الباء وسكون الهاء: هو ابن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري. وهو ثقة، وثقه ابن معين وابن المديني وغيرهما، ولا حجة لمن تكلم فيه، وقد ترجمه البخاري في الكبير 1 / 2 /143، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1 / 430 - 431. بل أخرج له البخاري في الصحيح تعليقا، كما ذكر الحافظ في الإصابة 6: 112، في ترجمة جده. أبوه حكيم بن معاوية: تابعي ثقة، ترجمه البخاري 2 / 1 /12، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 207. وجده معاوية بن حيدة: صحابي ثابت الصحبة، قال ابن سعد في الطبقات 7 / 1 /22:"وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم وصحبه، وسأله عن أشياء، وروى عنه أحاديث". وترجمه البخاري 4 / 1 /329، وقال:"سمع النبي صلى الله عليه وسلم".
وهذا الحديث رواه الطبري هنا بإسنادين: من طريق ابن علية عن بهز، ومن طريق معمر بن راشد عن بهز. وسيأتي بهذين الإسنادين منفصلين (4: 30 بولاق).
ورواه الترمذي 4: 82 - 83، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن بهز، عن أبيه، عن جده:"أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول، في قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، قال: أنتم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله". ثم قال الترمذي:"هذا حديث حسن. وقد روى غير واحد هذا الحديث عن بهز بن حكيم، نحو هذا، ولم يذكروا فيه (كنتم خير أمة أخرجت للناس)". ورواه ابن ماجه: 4288، من طريق ابن علية، عن بهز. ورواه الإمام أحمد في المسند (5: 3 حلبي)، عن يزيد بن هرون، عن بهز. ورواه (5:5)، عن يحيى القطان، عن بهز.
ورواه الدارمي 2: 313، عن النضر بن شميل، عن بهز.ورواه ابن ماجه أيضًا: 4287، من طريق ابن شوذب، عن بهز.
ثم لم ينفرد به بهز عن أبيه حكيم، إذ رواه أيضًا سعيد بن إياس الجريري: فرواه الإمام أحمد (4: 447)، عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن الجريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، بنحوه. ورواه أيضًا مطولا (5: 3)، عن حسن بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن الجريري. والحديث ذكره ابن كثير 1: 160، نسبه إلى"المسانيد والسنن". ثم ذكره مرة أخرى 2: 214، عن"مسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه، ومستدرك الحاكم". ثم قال عقبه:"وهو حديث مشهور. وقد حسنه الترمذي".
(131) انظر ما سلف 1 : 143 - 146 .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 40 | ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ |
---|
البقرة: 47 | ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ |
---|
البقرة: 122 | ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الآيتين 47 و 48:ـ ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته, وعظا لهم, وتحذيرا وحثا. وخوفهم بيوم القيامة الذي{ لَا تَجْزِي} فيه، أي:لا تغني{ نَفْسٌ} ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين{ عَنْ نَفْسٍ} ولو كانت من العشيرة الأقربين{ شَيْئًا} لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه.{ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا} أي:النفس, شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له, ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة،{ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} أي:فداء{ ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب} ولا يقبل منهم ذلك{ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} أي:يدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله:{ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} هذا في تحصيل المنافع،{ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} هذا في دفع المضار, فهذا النفي للأمر المستقل به النافع.{ ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل} هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض, كالعدل, أو بغيره, كالشفاعة، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين, لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع, وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع, ويدفع المضار, فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته.
بعد أن ذكرهم - سبحانه - في الآية السابعة بنعمة عظمى من نعمه حذرهم في هذه الآية الكريمة من التقصير في العمل الصالح ، وذلك لأن وصفهم بالتفضيل على عالمي زمانهم قد يحملهم على الغرور ، ويجعلهم يتوهمون أنهم مغفور لهم لو أذنبوا . فجاءت هذه الآية الكريمة لتقتلع من أذهانهم تلك الأوهام بأحكم عبارة وأجمع بيان .
والمراد باتقاء اليوم ، وهو يوم القيامة ، الحذر مما يحدث فيه من أهوال وعذاب ، والحذر منه يكون بالتزام حدود الله - تعالى - وعدم تعديها ، فهو من إطلاق الزمان على ما يقع فيه كما تقول " مكان مخيف " وتنكير النفس في الموضعين وهو في حيز النفي يفيد عموم النفس . أي : لا تقضى فيه نفس كائنة من كانت عن نفس أخرى شيئاً من الحقوق .
ووصف اليوم بهذا الوصف ، ولم يقل " يوم القيامة " مثلا ، للإِشعار بأن التصرف في ذلك اليوم لله وحده ، فليس فيه ما اعتاد الناس في هذه الدنيا من دفاع بعضهم عن بعض .
والمعنى : احذروا - يا بني إسرائيل - يوماً عظيماً أمامكم ، سيحصل فيه من الحساب والجزاء مالا منجاة من هوله إلا بتقوى الله في جميع الأحوال والإِخلاص له في كل الأعمال ، فهو يوم لا تقضى فيه نفس مهما كان قدرها عظيما عن نفس شيئاً ما ، مهما يكن ذنباً صغيراً .
ثم وصف القرآن الكريم ذلك اليوم بوصف آخر يناسب المقام . فقال تعالى : ( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ) الضمير في ( منها ) يعود إلى النفس المحاسبة في ذلك اليوم . والشفاعة : من الشفع ضد الوتر ، وهي انضمام الغير إلى الشخص ليدفع عنه ، أي لا يقبل منها أن تأتي يشفيع ليحصل لها نفعاً ، أو يدفع عنها ضرراً .
والآية الكريمة قد نفت قبول الشفاعة من أحد نفياً مطلقاً ، ولكن هنالك آيات كريمة تنفى قبول الشفاعة إلا ممن أذن له الرحمن في ذلك ، من هذه الآيات قوله تعالى : ( مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) وقوله تعالى : ( يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ) وللجمع بين هذه الآيات ، تحمل الآيات التي تنفى الشفاعة نفياً مطلقاً على أنها واردة في شأن النفوس الكافرة ، وتحمل الآيات التي تبيح الشفاعة على أنها واردة في شأن المؤمنين إذا أذن الله فيها للشافعين ، وقد وردت أحاديث صحيحة بلغت مبلغ التواتر المعنوي في أن النبي صلى الله عليه وسلم ستكون له شفاعة في دفع العذاب عن أقوام المؤمنين ، وتخفيفه عن أهل الكبائر من المسلمين ، من ذلك ما أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وجعلت أمتي خير الأمم ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " .
قال الإِمام ابن جرير : ( وهذه الآية وإن كان مخرجها عاماً في التلاوة فإن المراد بها خاص في التأويل ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . أنه قال : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ، وأنه قال : ليس من نبي إلا وقد أعطى دعوة ، وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي ، وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئاً . فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم عن كثير من عقوبة إجرامهم بينه وبينهم ، وأن قوله ( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ) إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله - عز وجل - " اهـ .
ثم وصف اليوم بوصف ثالث فقال تعالى : ( وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) .
العدل : العوض والفداء . سمي بالمصدر لأن الفادي يعدل المفدي بمثله في القيمة أو العين .
ويسويه به . يقال : عدل كذا بكذا : أي سواه به .
والمعنى : لا يؤخذ منها فداء أو بدل في ذلك اليوم إن هي استطاعت إحضاره على سبيل الفرض والتقدير .
ثم وصفه بوصف رابع فقال تعالى : ( وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) والنصر هو الإِعانة في الحرب وغيره بقوة الناصر ، وقدم المسند إليه لزيادة التأكيد المفيد أن انتفاء نصرهم محقق . فضلا عما استفيد من نفي العدل وإسناده للمجهول وجاء الضمير في قوله تعالى : ( وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) جمعاً مع أنه عائد على النفس وهو قوله تعالى : ( لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ ) ؛ لأن النكرة إذا وقعت في سياق النفي تناولت كل فرد من أفرادها ، وبهذا صارت في معنى الجمع ، وصح أن يعود عليها ضمير الجمع وهو ( هم ) .
والمعنى : أنهم لا يجدون من يعينهم ويمنعهم من عذاب الله يوم القيامة .
ولما كان اليهود يعتقدون أنهم شعب مميز ، وأن نسبتهم إلى الأنبياء ستجعلهم في مأمن من العقاب رغم عصيانهم وفسوقهم ، وأن آباءهم سيشفعون لهم . . . لما كانوا كذلك جاءت هذه الآية الكريمة لتبطل ما اعتقدوه ، وتقطع ما أمَّلوه ، ولتنقض كل ما يحتمل أن يكون وسيلة للنجاة يوم القيامة سوى الإِيمان والعمل الصالح .
فقد نفت الآية الكريمة وجود من ينوب عنهم بقولها ( لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ) .
ونفت انتفاعهم بشفاعة الشافعين يوم الحساب بقولها ( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ) .
ونفت قبول البدل أو الفداء عما ارتكبوه من خطايا بقولها ( وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) .
ونفت وجود من ينتصر لهم أو يدافع عنهم بقولها ( وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) .
وهكذا سدت عليهم الآية الكريمة كل منفذ يتوهمون نجاتهم من عذاب الله بسببه ، ما داموا مصرين على كفرهم وجحودهم .
هذا ، وقد اشتملت هاتان الآيتان على أسلوب حكيم في التوجيه ، وطريقة فريدة في الإِرشاد ، جمعت بين الترغيب والترهيب ، فإن الآية الأولى ابتدأت بندائهم باسم أبيهم إسرائيل - عليه السلام - الذي هو أصل عزهم ، ومنشأ تفضيلهم لتحيي الشعور بالكرامة في نفوسهم ، ولتغرس الإِحساس بالشرف في مشاعرهم ، ولتحملهم على الترفع عن الدنايا؛ لأن الذي يشعر أنه من منبت كريم تعاف نفسه الحقد والكذب والصغار ، ثم جاءت الآية الثانية فأرشدتهم إلى أن التقوى هي سبب السلامة والفوز ، وحذراهم من أهوال يوم القيامة وأفهمتهم بأن انتسابهم إلى أولئك الآباء لن يغني من الله شيئاً يوم الجزاء ، وإنما الذي ينفعهم في ذلك اليوم هو اتباع تعاليم الإِسلام ، التي أتى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي ذلك ما فيه من كبح غرورهم ، وإبطال ظنونهم .
ثانياً : نعمة إنجائهم من عدوهم :
لما ذكرهم [ الله ] تعالى بنعمه أولا عطف على ذلك التحذير من حلول نقمه بهم يوم القيامة فقال : ( واتقوا يوما ) يعني يوم القيامة ( لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) أي : لا يغني أحد عن أحد كما قال : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ الأنعام : 164 ] ، وقال : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) [ عبس : 37 ] ، وقال ( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ) [ لقمان : 33 ] ، فهذه أبلغ المقامات : أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا ، وقوله تعالى : ( ولا يقبل منها شفاعة ) يعني عن الكافرين ، كما قال : ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) [ المدثر : 48 ] ، وكما قال عن أهل النار : ( فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ) [ الشعراء : 110 ، 111 ] ، وقوله : ( ولا يؤخذ منها عدل ) أي : لا يقبل منها فداء ، كما قال تعالى : ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ) [ آل عمران : 91 ] وقال : ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم ) [ المائدة : 36 ] وقال تعالى : ( وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ) [ الأنعام : 70 ] ، وقال : ( فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا ) الآية [ الحديد : 15 ] ، فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ، ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه ، فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ، ولا يقبل منهم فداء ، ولو بملء الأرض ذهبا ، كما قال تعالى : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) [ البقرة : 254 ] ، وقال ( لا بيع فيه ولا خلال ) [ إبراهيم : 31 ] .
[ وقال سنيد : حدثني حجاج ، حدثني ابن جريج ، قال : قال مجاهد : قال ابن عباس : ( ولا يؤخذ منها عدل ) قال : بدل ، والبدل : الفدية ، وقال السدي : أما عدل فيعدلها من العذاب يقول : لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها ، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ] . وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : ( ولا يؤخذ منها عدل ) يعني : فداء .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي مالك ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحو ذلك .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - في حديث طويل ، قال : والصرف والعدل : التطوع والفريضة .
وكذا قال الوليد بن مسلم ، عن عثمان بن أبي العاتكة ، عن عمير بن هانئ .
وهذا القول غريب هنا ، والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية ، وقد ورد حديث يقويه ، وهو ما قال ابن جرير : حدثني نجيح بن إبراهيم ، حدثنا علي بن حكيم ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عمرو بن قيس الملائي ، عن رجل من بني أمية - من أهل الشام أحسن عليه الثناء - قال : قيل : يا رسول الله ، ما العدل ؟ قال : العدل الفدية .
وقوله تعالى : ( ولا هم ينصرون ) أي : ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله ، كما تقدم من أنه لا يعطف عليهم ذو قرابة ولا ذو جاه ولا يقبل منهم فداء . هذا كله من جانب التلطف ، ولا لهم ناصر من أنفسهم ، ولا من غيرهم ، كما قال : ( فما له من قوة ولا ناصر ) [ الطارق : 10 ] أي : إنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة ، ولا ينقذ أحدا من عذابه منقذ ، ولا يجيره منه أحد ، كما قال تعالى : ( وهو يجير ولا يجار عليه ) [ المؤمنون : 88 ] . وقال ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ) [ الفجر : 25 ، 26 ] ، وقال ( ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون ) [ الصافات : 25 ، 26 ] ، وقال ( فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم ) الآية [ الأحقاف : 28 ] .
وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله : ( ما لكم لا تناصرون ) ما لكم اليوم لا تمانعون منا ؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم .
قال ابن جرير : وتأويل قوله : ( ولا هم ينصرون ) يعني : إنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر ، كما لا يشفع لهم شافع ، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية ، بطلت هنالك المحاباة واضمحلت الرشا والشفاعات ، وارتفع من القوم التعاون والتناصر ، وصار الحكم إلى عدل الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء ، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها وذلك نظير قوله تعالى : ( وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون ) [ الصافات : 24 ، 26 ]
القول في تأويل قوله تعالى وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا
قال أبو جعفر: وتأويل قوله: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) : واتقوا يوما لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا. وجائز أيضا أن يكون تأويله: واتقوا يوما لا تجزيه نفس عن نفس شيئا, كما قال الراجز:
قــد صبحــت, صبحهـا السـلام
بكبــــد خالطهــــا ســـنام
في ساعة يحبها الطعام (132)
وهو يعني: يحب فيها الطعام. فحذفت " الهاء " الراجعة على " اليوم ", إذ فيه اجتزاء -بما ظهر من قوله: (واتقوا يوما لا تجزي نفس) الدال على المحذوف منه- عما حذف, إذ كان معلوما معناه.
وقد زعم قوم من أهل العربية أنه لا يجوز أن يكون المحذوف في هذا الموضع إلا " الهاء ". وقال آخرون: لا يجوز أن يكون المحذوف إلا " فيه ". وقد دللنا فيما مضى على جواز حذف كل ما دل الظاهر عليه. (133)
* * *
وأما المعنى في قوله: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) فإنه تحذير من الله تعالى ذكره عباده الذين خاطبهم بهذه الآية -عقوبته أن تحل بهم يوم القيامة, وهو اليوم الذي لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا, ولا يجزي فيه والد عن ولده, ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. (134)
* * *
وأما تأويل قوله: " لا تجزي نفس " فإنه يعني: لا تغني: كما:-
874- حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " واتقوا يوما لا تجزي نفس " أما " تجزي": فتغني.
* * *
أصل " الجزاء " -في كلام العرب-: القضاء والتعويض. يقال: " جزيته قرضه ودينه أجزيه جزاء "، بمعنى: قضيته دينه. ومن ذلك قيل: " جزى الله فلانا عني خيرا أو شرا "، بمعنى: أثابه عني وقضاه عني ما لزمني له بفعله الذي سلف منه إلي. وقد قال قوم من أهل العلم بلغة العرب: " يقال أجزيت عنه كذا ": إذا أعنته عليه، وجزيت عنك فلانا: إذا كافأته
وقال آخرون منهم: بل " جَزَيْتُ عنك " قضيت عنك. و " أجزَيتُ" كفيت. &; 2-28 &; وقال آخرون منهم: بل هما بمعنى واحد، يقال: " جزت عنك شاة وأجزَت، وجزى عنك درهم وأجزى، ولا تجزي عنك شاة ولا تجزي" بمعنى واحد، إلا أنهم ذكروا أن " جزت عنك، ولا تُجزي عنك " من لغة أهل الحجاز، وأن " أجزأ وتجزئ" من لغة غيرهم. وزعموا أن تميما خاصة من بين قبائل العرب تقول: " أجزأت عنك شاة، وهي تجزئ
عنك ".وزعم آخرون أن " جزى " بلا همز: قضى، و " أجزأ " بالهمز: كافأ (135) فمعنى الكلام إذا: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيئا ولا تغني عنها غنى.
فإن قال لنا قائل: وما معنى: لا تقضي نفس عن نفس، ولا تغني عنها غنى؟
قيل: هو أن أحدنا اليوم ربما قضى عن ولده أو والده أو ذي الصداقة والقرابة دينه. وأما في الآخرة فإنه فيما أتتنا به الأخبار عنها- يسر الرجل أن يَبْرُدَ له على ولده أو والده حق . (136) وذلك أن قضاء الحقوق في القيامة من الحسنات والسيئات. كما:
875- حدثنا أبو كريب ونصر بن عبد الرحمن الأزدي، قالا: حدثنا المحاربي، عن أبي خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن، عن زيد بن أبي أنيسة، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله عبدا كانت عنده لأخيه مَظلمة في عِـرض -قال أبو كريب في حديثه: أو مال أو جاه، فاستحله قبل أن يؤخذ منه وليس ثَمَّ دينار ولا درهم، فإن كانت له حسنات أخذوا من حسناته، وإن لم تكن له حسنات حملوا عليه من سيئاتهم " (137)
876- حدثنا أبو عثمان المقدمي، قال: حدثنا الفروي، قال: حدثنا مالك، عن المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . (138)
877- حدثنا خلاد بن أسلم, قال: حدثنا أبو همام الأهوازي, قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد, عن سعيد عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. (139)
878 - حدثنا موسى بن سهل الرملي, قال: حدثنا نعيم بن حماد, قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي, عن عمرو بن أبي عمرو, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يموتن أحدكم وعليه دين, فإنه ليس هناك دينار ولا درهم, إنما يقتسمون هنالك الحسنات والسيئات " وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يمينا وشمالا. (140)
879 - حدثني محمد بن إسحاق, قال: قال: حدثنا سالم بن قادم, قال: حدثنا أبو معاوية هاشم بن عيسى, قال: أخبرني الحارث بن مسلم, عن الزهري, عن أنس بن مالك, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أبي هريرة. (141)
* * *
قال أبو جعفر: فذلك معنى قوله جل ثناؤه: (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) &; 2-31 &; يعني: أنها لا تقضي عنها شيئا لزمها لغيرها; لأن القضاء هنالك من الحسنات والسيئات على ما وصفنا. وكيف يقضي عن غيره ما لزمه من كان يسره أن يثبت له على ولده أو والده حق, فيؤخذ منه ولا يتجافى له عنه؟ . (142)
وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معنى قوله: (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) : لا تجزي منها أن تكون مكانها.
وهذا قول يشهد ظاهر القرآن على فساده. (143) وذلك أنه غير معقول في كلام العرب أن يقول القائل: " ما أغنيت عني شيئا ", بمعنى: ما أغنيت مني أن تكون مكاني, بل إذا أرادوا الخبر عن شيء أنه لا يجزي من شيء, قالوا: " لا يجزي هذا من هذا ", ولا يستجيزون أن يقولوا: " لا يجزي هذا من هذا شيئا ".
فلو كان تأويل قوله: (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) ما قاله من حكينا قوله لقال: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس) كما يقال: لا تجزي نفس من نفس, ولم يقل: " لا تجزي نفس عن نفس شيئا ". وفي صحة التنـزيل بقوله: " لا تجزي نفس عن نفس شيئا " أوضح الدلالة على صحة ما قلنا وفساد قول من ذكرنا قوله في ذلك. (144)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ
قال أبو جعفر: و " الشفاعة " مصدر من قول الرجل: شفع لي فلان إلى فلان شفاعة (145) وهو طلبه إليه في قضاء حاجته. وإنما قيل للشفيع " شفيع وشافع " لأنه &; 2-32 &; ثنى المستشفع به, فصار به شفعا (146) فكان ذو الحاجة -قبل استشفاعه به في حاجته- فردا, فصار صاحبه له فيها شافعا, وطلبه فيه وفي حاجته شفاعة. ولذلك سمي الشفيع في الدار وفي الأرض " شفيعا " لمصير البائع به شفعا. (147)
* * *
فتأويل الآية إذا: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس حقا لزمها لله جل ثناؤه ولا لغيره, ولا يقبل الله منها شفاعة شافع, فيترك لها ما لزمها من حق.
وقيل: إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها، لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل, وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه, وسيشفع لنا عنده آباؤنا. فأخبرهم الله جل وعز أن نفسا لا تجزي عن نفس شيئا في القيامة, ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه. كما:-
880 - حدثني عباس بن أبي طالب, قال: حدثنا حجاج بن نصير, عن شعبة, عن العوام بن مراجم -رجل من قيس بن ثعلبة-, عن أبي عثمان النهدي, عن عثمان بن عفان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة, كما قال الله عز وجل وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ... [الأنبياء: 47] الآية (148)
&; 2-33 &; فآيسهم الله جل ذكره مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله -مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق وخلافهم أمر الله في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عنده- بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم؛ وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم, وجعل ما سن فيهم من ذلك إماما لكل من كان على مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله (149) .
وهذه الآية وإن كان مخرجها عاما في التلاوة, فإن المراد بها خاص في التأويل لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" وأنه قال: " ليس من نبي إلا وقد أعطي دعوة, وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي, وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئا ". (150)
فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين -بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم- عن كثير من عقوبة إجرامهم بينهم وبينه (151) وأن قوله: (ولا يقبل منها شفاعة) إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله عز وجل. وليس هذا من مواضع الإطالة في القول في الشفاعة والوعد والوعيد, فنستقصي الحجاج في ذلك, وسنأتي على ما فيه الكفاية في مواضعه إن شاء الله .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ
قال أبو جعفر: و " العدل " -في كلام العرب بفتح العين-: الفدية، كما:-
881 - حدثنا به المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية: (ولا يؤخذ منها عدل) قال: يعني فداء.
882 - حدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي: (ولا يؤخذ منها عدل) أما عدل: فيعدلها من العدل, يقول: لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها.
883 - حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: (ولا يؤخذ منها عدل) قال: لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها.
884 - حدثنا القاسم بن الحسن, قال: حدثنا حسين, قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مجاهد: قال ابن عباس: (ولا يؤخذ منها عدل) قال: بدل, والبدل: الفدية.
885 - حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: (ولا يؤخذ منها عدل) قال: لو أن لها ملء الأرض ذهبا لم يقبل منها فداء قال: ولو جاءت بكل شيء لم يقبل منها.
886 - وحدثني نجيح بن إبراهيم, قال: حدثنا علي بن حكيم, قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن عمرو بن قيس الملائي, عن رجل من بني أمية -من أهل الشام أحسن عليه الثناء-, قال: قيل يا رسول الله ما العدل؟ قال: العدل: الفدية (152) .
&; 2-35 &;
وإنما قيل للفدية من الشيء والبدل منه " عدل ", لمعادلته إياه وهو من غير جنسه; ومصيره له مثلا من وجه الجزاء, لا من وجه المشابهة في الصورة والخلقة, كما قال جل ثناؤه: وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا [الأنعام: 70] بمعنى: وإن تفد كل فدية لا يؤخذ منها. (153) يقال منه: " هذا عدله وعديله ". وأما " العدل " بكسر العين, فهو مثل الحمل المحمول على الظهر, يقال من ذلك: " عندي غلام عدل غلامك, وشاة عدل شاتك " -بكسر العين-, إذا كان غلام يعدل غلاما, وشاة تعدل شاة. (154) وكذلك ذلك في كل مثل للشيء من جنسه. فإذا أريد أن عنده قيمته من غير جنسه نصبت العين فقيل: " عندي عدل شاتك من الدراهم ". وقد ذكر عن بعض العرب أنه يكسر العين من " العدل " الذي هو بمعنى الفدية لمعادلة ما عادله من جهة الجزاء, وذلك لتقارب معنى العدل والعدل عندهم, فأما واحد " الأعدال " فلم يسمع فيه إلا " عدل " بكسر العين. (155)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)
وتأويل قوله: (ولا هم ينصرون) يعني أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر, كما لا يشفع لهم شافع, ولا يقبل منهم عدل ولا فدية. بطلت هنالك المحاباة واضمحلت الرشى والشفاعات, وارتفع بين القوم التعاون والتناصر (156) وصار الحكم إلى العدل الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء, فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها. وذلك نظير قوله جل ثناؤه: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات: 24-26] وكان ابن عباس يقول في معنى: لا تَنَاصَرُونَ ، ما:-
887 - حدثت به عن المنجاب, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس: مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ ما لكم لا تمانعون منا؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم! (157)
* * *
وقد قال بعضهم في معنى قوله: (ولا هم ينصرون) : وليس لهم من الله يومئذ نصير ينتصر لهم من الله إذا عاقبهم. وقد قيل: ولا هم ينصرون بالطلب فيهم والشفاعة والفدية.
* * *
قال أبو جعفر: والقول الأول أولى بتأويل الآية لما وصفنا من أن الله جل ثناؤه إنما أعلم المخاطبين بهذه الآية أن يوم القيامة يوم لا فدية -لمن استحق من خلقه عقوبته-, ولا شفاعة فيه, ولا ناصر له. وذلك أن ذلك قد كان لهم في الدنيا, فأخبر أن ذلك يوم القيامة معدوم لا سبيل لهم إليه.
* * *
---------------------------
الهوامش:
(132) الكامل 1 : 22 ، وأمالي ابن الشجري 1 : 6 ، 186 وغيرهما . صبح القوم : سقاهم الصبوح ، وهو ما يشرب صباحا من لبن أو خمر . يدعو لها بالخير من حسن ما أطعمته على مسغبة كابدها .
(133) انظر 1 : 139 - 141 ، 179 ، وانظر لسان العرب (جزى) .
(134) تضمين من آية سورة لقمان : 33 .
(135) انظر ما جاء في ذلك في لسان العرب (جزى) ، والذي جاء به الطبري أتم وأبين.
(136) يرد عليه حق : وجب ولزم . ويرد لي كذا وكذا : أي ثبت . ويقال : لي عليه ألف بارد ، أي ثابت .
(137) الحديث: 875 - هذا إسناد صحيح. نصر بن عبد الرحمن الأزدي: سبق في. 423، وأثبت في الشرح هناك"التاجي"، وهو سهو، صوابه"الناجي" بالنون. و"الأزدي" بالزاي، وفي المطبوعة هنا"الأودي" بالواو، وهو خطأ. المحاربي: هو عبد الرحمن بن محمد، سبق في: 221. أبو خالد الدالاني، يزيد بن عبد الرحمن: تكلموا فيه، والحق أنه ثقة، وثقه أبو حاتم وغيره، وترجمه البخاري في الكبير 4/2 /346 - 347، وابن أبي حاتم 4/2 /277، فلم يذكرا فيه جرحا. وهو مترجم في التهذيب في الكني، لخلاف في اسم أبيه، ولكن رجح الترمذي والطبري ما ذكرنا، وكذلك رجح البخاري وابن أبي حاتم."الدالاني" في المطبوعة هنا"الدولابي"، وهو خطأ، صححناه من المخطوطة .
والحديث رواه الترمذي 3: 292 ، عن هناد ، ونصر بن عبد الرحمن ، كلاهما عن المحاربي ، بهذا الإسناد، ثم قال: " هذا حديث حسن صحيح . وقد روى مالك بن أنس ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه " .
وقوله أثناء الحديث "قال أبو كريب" ، في المطبوعة " قال أبو بكر" ، وهو خطأ واضح ، صحته من المخطوطة .
(138) الحديث: 876 - هو الحديث السابق، بمعناه، ولكن من رواية مالك. وهي الرواية التي نقلنا إشارة الترمذي إليها.أبو عثمان المقدمي - بضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المهملة المفتوحة: وهو أحمد بن محمد بن أبي بكر، نسب إلى"مقدم" أحد أجداده. وهو ثقة، ترجمه ابن أبي حاتم 1/1/ 73، وقال:"سمعت منه بمكة، وهو صدوق"، وترجمه السمعاني في الأنساب، في الورقة: 539 والخطيب في تاريخ بغداد 4: 398 - 399، مات سنة 264. الفروي: بفتح الفاء وسكون الراء، نسبة إلى أحد أجداده ، وفي المطبوعة بالقاف بدل الفاء، وهو تصحيف . وهو : إسحاق بن محمد بن أبي فروة ، أحد الرواة عن مالك، وأحد شيوخ البخاري، وهو ثقة، تكلم فيه بعضهم بغير حجة. وقد رجحنا توثيقه في شرح المسند: 7425 والحديث من طريق مالك: رواه البخاري 11: 343 - 344 (فتح الباري)، عن إسماعيل - وهو ابن أبي أويس، ابن أخت مالك ونسيبه - عن مالك. ورواه أحمد في المسند: 9613 (2: 435 حلبي)، من طريق مالك وابن أبي ذئب، كلاهما عن المقبري. ثم رواه أيضًا: 10580 (2: 506)، من طريق ابن أبي ذئب. ورواه البخاري أيضًا 5: 73، من طريق ابن أبي ذئب. وأوله في هذه الروايات:"من كانت عنده مظلمة...)، فذكر نحوه، بمعناه.
(139) الحديث: 877 - هو الحديث السابق، بنحوه، من طريق أخرى. أبو همام الأهوازي: هو محمد بن الزبرقان، وهو ثقة، وترجمه البخاري في الكبير 1 /1 / 87، وقال:"معروف الحديث"، ابن أبي حاتم 3 / 2 / 260، وأخرج له الشيخان في الصحيحين. عبد الله بن سعيد: أنا أرجح أنه"عبد الله بن سعيد بن أبي هند"، وهو ثقة. وبعيد أن يكون"عبد الله بن سعيد المقبري"، إذ يأباه سياق الإسناد، لو كان إياه لكان"عبد الله بن سعيد عن أبيه". أما وهو"عبد الله بن سعيد عن سعيد" - فالظاهر أنه غير ابن سعيد المقبري. والحديث صحيح بكل حال، بالأسانيد السابقة.
(140) الحديث : 878 - هذا إسناد صحيح متصل عن ابن عباس ، ولم أجده في مسند الإمام أحمد ، ولا في الكتب الستة ، ولا في مجمع الزوائد ، ولا أشار إليه الترمذي في قوله"وفي الباب" . فهو فائدة زائدة ، يستفاد من رواية أبي جعفر رحمه الله .
(141) الحديث: 879 - هذا إسناد فيه إشكال لم أستطع تحقيقه. أما"سلم بن قادم": فإنه"سلم" بفتح السين وسكون اللام. وفي المطبوعة هنا"سالم" بالألف بعد السين، وهو خطأ. وسلم هذا: بغدادي ثقة، يروي عن سفيان بن عيينة، وبقية بن الوليد، وغيرهما. ترجمه ابن أبي حاتم 2 /1 / 268، والخطيب في تاريخ بغداد 9: 145 - 146. وله ترجمة موجزة في لسان الميزان 3: 65.
وأبو معاوية هاشم بن عيسى: هو هاشم بن أبي هريرة الحمصي، اشتهر بالانتساب إلى كنية أبيه، أعنى"هاشم بن أبي هريرة". ترجمة ابن أبي حاتم 4 / 2 / 105، ولم يذكر فيه جرحا. وله ترجمة غير محررة في لسان الميزان 6: 184، ذكر فيها اسم الراوي عنه"مسلم بن قادم"، وهو تحريف.
وأما الإشكال في الإسناد، ففي"الحارث بن مسلم"، الراوي هنا عن الزهري. فما أدري من ذا؟ ولا ما صحته؟ ولعل فيه تحريفا لم أستطع إدراكه. ثم لم أجد هذا الحديث من حديث أنس قط، بعد طول البحث والتتبع. وهناك في المستدرك للحاكم 4: 576، حديث آخر لأنس، من وجه آخر فيه بعض هذا المعنى. إسناده ضعيف.
(142) في المطبوعة : "فيأخذه منه" ، والذي في المخطوطة أعرب . تجافى له عن الشيء : أعرض عنه ولم يلازمه بطلبه ، وتجاوز له عنه .
(143) انظر ما مضى في معنى"ظاهر" 1 ، 72 ، تعليق : 2 ، وهذا الجزء 2 : 15 .
(144) هذا من جيد البيان عن معاني اللغة ، وهو منهج من النظر سبق به الطبري كل من تكلم في الفصل بين معاني الكلام العربي .
(145) في المخطوطة : " شفع لي فلان شفاعة" . بالحذف .
(146) في المطبوعة : " المستشفع له" ، وهو خطأ ، كما يدل عليه تمام الكلام .
(147) قال ابن قتيبة في تفسير"الشفعة" : "كان الرجل في الجاهلية ، إذا أراد بيع منزل ، أتاه رجل فشفع إليه فيما باع ، فشفعه وجعله أولى بالميبع ممن بعد سببه . فسميت شفعة ، وسمى طالبها شفيعا" . والشفعة في الدار والأرض : القضاء بها لصاحبها (اللسان : شفع) .
(148) الحديث: 880 - عباس بن أبي طالب: هو عباس بن جعفر بن الزبرقان البغدادي، وهو ثقة، مترجم في التهذيب، ترجمه ابن أبي حاتم 3 / 1 /215، والخطيب في تاريخ بغداد 12: 411 - 142."العوام بن مراجم". بالراء والجيم، ثبت في الأصول"مزاحم" بالزاي والحاء، وهو تصحيف.
والحديث ضعيف الإسناد، من أجل حجاج بن نصير الفساطيطي. وقد رواه عبد الله بن أحمد، في الزوائد على المسند: 520، عن عباس بن محمد وأبي يحيى البزار، كلاهما عن حجاج بن نصير. وقد فصلنا القول في ضعفه هناك.
وأما معناه فصحيح ثابت، من حديث أبي هريرة، رواه أحمد في المسند: 7203. ورواه مسلم، والترمذي، وصححه. "الجماء": لا قرن لها. و"القرناء": ذات القرن.
(149) في المطبوعة : "في رحمة الله" وليست بجيدة .
(150) حديث : "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" : هكذا ذكره الطبري دون إسناد . وهو حديث صحيح ، ذكره السيوطي في الجامع الصغير ، ونسبه لأحمد ، وأبي داود ، والترمذي ، وابن حبان ، والحاكم-عن أنس . والترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم-عن جابر . انظر شرح المناوي الكبير ، رقم 4892 (ج 4 ص 163) .
وحديث"ليس من نبي" إلخ : كذلك جاء به الطبري دون إسناد . ومعناه ثابت صحيح ، من حديث أنس بن مالك ، رواه البخاري ، ومسلم . انظر الترغيب والترهيب 4 : 213 .
(151) في المطبوعة : "إجرامهم بينه وبينهم" ، والذي في المخطوطة هو الصواب الجيد .
(152) الحديث: 886 - نجيح بن إبراهيم: لم أجد في كل المراجع التي بين يدى، غير ترجمة"نجيح بن إبراهيم بن محمد الكرماني"، في لسان الميزان 6: 149، وأنه كوفي ثقة، يروي عن أبي نعيم فهو من طبقة شيوخ الطبري. فالراجح أنه هو. علي بن حكيم - بفتح الحاء - هو الأودي الكوفي، وهو ثقة من شيوخ البخاري ومسلم.حميد بن عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، وأبوه: ثقتان. عمرو بن قيس الملائي - بضم الميم وتخفيف اللام - الكوفي: ثقة من أتباع التابعين. وقد روى هذا الحديث مرفوعا، عن رجل أبهم اسمه وأثنى عليه، والراجح أنه تابعي. فيكون الإسناد مرسلا أو منقطعا، فهو ضعيف ولم أجده عن غير الطبري، نقله عنه ابن كثير 1: 161، والسيوطي 1: 68.
(153) الجملة في تفسير الآية ، ساقطة من المخطوطة .
(154) وهذه الجملة في المخطوطة جاءت هكذا : "يقال من ذلك : عندي غلام عدل غلاما وشاة عدل شاة" ، واكتفى بهذا القدر منها ، مع الخطأ البين فيها .
(155) وهذا أيضًا بيان جيد ، قلما تصيبه في كتاب من كتب اللغة .
(156) في المطبوعة : "وارتفع من القوم" ، وهو خطأ . وارتفع هنا : بمعنى ذهب وانقضى مجاز من الارتفاع ، وهو العلو .
(157) الأثر : 887 - لم يذكره في تفسير الآية من سورة الصافات ، انظر (23 : 32 بولاق)
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 48 | ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ |
---|
البقرة: 123 | ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْماً لاّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ |
---|
البقرة: 281 | ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لا تجزى:
وقرئ:
لا تجزأ، من أجزاء، بمعنى: أغنى.
نفس عن نفس:
قرئ:
نسمة عن نسمة. وهى قراءة أبى السرار الغنوي.
ولا يقبل:
وقرئ:
1- ولا تقبل، بالتاء، وهو القياس والأكثر. ومن قرأ بالياء فهو أيضا جائز فصيح.
2- ولا يقبل، بفتح الياء ونصب «شفاعة» على البناء للفاعل.