ترتيب المصحف | 39 | ترتيب النزول | 59 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 8.90 |
عدد الآيات | 75 | عدد الأجزاء | 0.43 |
عدد الأحزاب | 0.85 | عدد الأرباع | 3.40 |
ترتيب الطول | 23 | تبدأ في الجزء | 23 |
تنتهي في الجزء | 24 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 7/21 | _ |
العودةُ للأمرِ بإخلاصِ العبادةِ للهِ، ثُمَّ تهديدُ عُبَّادِ الأصنامِ، والتحذيرُ من خَسارةِ النَّفسِ والأهلِ، ثُمَّ وصفُ بعضِ عذابِ عُبَّادِ الأصنامِ.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ وصفِ عذابِ عُبَّادِ الأصنامِ ناسَبَه ذكرُ البشري للذينَ اجتنبُوا عِبادةَ الأصنامِ، والثَّناءُ عليهم، ثُمَّ العودةُ لأدلَّةِ وحدانيةِ اللهِ وقدرتِه: كإنزالِ المطرِ وإنباتِ النباتِ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
أي{ قُلْ} يا أيها الرسول للناس:{ إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين} في قوله في أول السورة:{ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}
ثم أمر- سبحانه- رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما أمره به خالقه فقال: إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ.
أى: قل لهم يا محمد إنى أمرت من قبل الله- عز وجل- أن أعبده عبادة خالصة لا مجال معها للشرك أو الرياء، أو غير ذلك مما يتنافى مع الطاعة التامة لخالقي- سبحانه-.
أي إنما أمرت بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له.
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لمشركي قومك: إن الله أمرني أن أعبده مفردا له الطاعة, دون كلّ ما تدعون من دونه من الآلهة والأنداد .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 36 | ﴿قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّـهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ﴾ |
---|
النمل: 91 | ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَـٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ﴾ |
---|
الزمر: 11 | ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} لأني الداعي الهادي للخلق إلى ربهم، فيقتضي أني أول من ائتمر بما آمر به، وأول من أسلم، وهذا الأمر لا بد من إيقاعه من محمد صلى الله عليه وسلم، وممن زعم أنه من أتباعه، فلا بد من الإسلام في الأعمال الظاهرة، والإخلاص للّه في الأعمال الظاهرة والباطنة.
وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ أى: أمرنى ربي بأن أخلص له العبادة إخلاصا تاما وكاملا، لكي أكون على رأس المسلمين وجوههم له، حتى يقتدى بي الناس في إخلاصى وطاعتي له- عز وجل-.
قال- تعالى-: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.
قال السدي يعني من أمته صلى الله عليه وسلم.
( وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ) : يقول: وأمرني ربي جل ثناؤه بذلك, لأن أكون بفعل ذلك أوَّل من أسلم منكم, فخضع له بالتوحيد, وأخلص له العبادة, وبرئ من كل ما دونه من الآلهة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} في ما أمرني به من الإخلاص والإسلام.{ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يخلد فيه من أشرك، ويعاقب فيه من عصى.
وقوله- سبحانه-: قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ بيان لسوء عاقبة الشرك والمشركين.
أى: وقل لهم- أيها الرسول الكريم- إنى أخاف إن عصيت ربي، فلم أخلص له العبادة والطاعة، عذاب يوم عظيم الأهوال: شديد الحساب، وهو يوم القيامة، ولذلك فأنا لشدة خوفي من عذاب خالقي، أكثرهم إخلاصا له- عز وجل- وامتثالا لأمره، ومحافظة على طاعته.
يقول تعالى : قل يا محمد وأنت رسول الله : ( إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) ، وهو يوم القيامة . وهذا شرط ، ومعناه التعريض بغيره بطريق الأولى والأحرى ،
وقوله تعالى: ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) : يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهم إني أخاف إن عصيت ربي فيما أمرني به من عبادته, مخلصا له الطاعة, ومفرده بالربوبية.( عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) : يعني عذاب يوم القيامة, ذلك هو اليوم الذي يعظم هوله.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 15 | ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ |
---|
الزمر: 13 | ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ |
---|
يونس: 15 | ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} كما قال تعالى:{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ* وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي أى. وقل لهم- أيضا-: الله- تعالى- وحده هو الذي أعبده عبادة لا يحوم حولها شرك، ولا يخالطها شيء من الرياء أو التكلف.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد أمر نبيه صلّى الله عليه وسلم أن يعلن للناس بأساليب متنوعة، أنه لن يتراجع عن طاعته التامة لربه، وأن عليهم أن يتأسوا به في ذلك.
قال الجمل: أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم أولا: بأن يخبرهم بأنه مأمور بالعبادة والإخلاص فيها. وثانيا: بأن يخبرهم بأنه مأمور بأن يكون أول من أطاع وانقاد وأسلم.
وثالثا: بأن يخبرهم بخوفه من العذاب على تقدير العصيان.ورابعا: بأن يخبرهم بأنه امتثل الأمر وانقاد وعبد الله- تعالى- وأخلص له الدين على أبلغ وجه وآكده، إظهارا لتصلبه في الدين، وحسما لأطماعهم الفارغة،
( قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه ) وهذا أيضا تهديد وتبر منهم ،
القول في تأويل قوله تعالى : قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لمشركي قومك: الله أعبد مخلصا, مفردا له طاعتي وعبادتي, لا أجعل له في ذلك شريكا, ولكني أفرده بالألوهة, وأبرأ مما سواه من الأنداد والآلهة, فاعبدوا أنتم أيها القوم ما شئتم من الأوثان والأصنام, وغير ذلك مما تعبدون من سائر خلقه, فستعلمون وبال عاقبة عبادتكم ذلك إذا لقيتم ربكم.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لمشركي قومك: الله أعبد مخلصا, مفردا له طاعتي وعبادتي, لا أجعل له في ذلك شريكا, ولكني أفرده بالألوهة, وأبرأ مما سواه من الأنداد والآلهة, فاعبدوا أنتم أيها القوم ما شئتم من الأوثان والأصنام, وغير ذلك مما تعبدون من سائر خلقه, فستعلمون وبال عاقبة عبادتكم ذلك إذا لقيتم ربكم.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} كما قال تعالى:{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ* وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}
{ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ} حقيقة هم{ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} حيث حرموها الثواب، واستحقت بسببهم وخيم العقاب{ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي:فرق بينهم وبينهم، واشتد عليهم الحزن، وعظم الخسران.{ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} الذي ليس مثله خسران، وهو خسران مستمر، لا ربح بعده، بل ولا سلامة.
وتمهيدا لتهديدهم بقوله: فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ... .
فالأمر في قوله- تعالى-: فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ... للتهديد والتقريع والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
والمعنى. إذا كان الأمر كما ذكرت لكم- أيها المشركون- من أنى أول المسلمين وجوههم لله- تعالى- وحده، فاعبدوا ما شئتم أن تعبدوه من دونه- عز وجل- فسترون عما قريب سوء عاقبة شرككم وجحودكم لنعم الله- تعالى-.
وقوله: قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بيان لسوء عاقبة من أعرض عن دعوة الحق، وقوله: الَّذِينَ خَسِرُوا.. خبر إن.
أى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: ليس الخاسرون هم الذين أخلصوا عبادتهم لله- تعالى- وحده- كما زعمتم- وإنما الخاسرون هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، بسبب إلقائهم في النار، وحرمانهم من النعيم الذين أعده الله- تعالى- لعباده المؤمنين.
وقال- سبحانه- خسروا أنفسهم وأهليهم للإشعار بأن هؤلاء المشركين لم يخسروا أنفسهم فقط بسبب دخلوهم النار، وإنما خسروا فوق ذلك أهليهم لأنهم حيل بينهم وبين أهليهم، لأن أهليهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده.
وجملة: أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ مستأنفة لتأكيد ما قبلها، وتصديرها بحرف التنبيه، للإشعار بأن هذا الخسران الذي حل بهم قد بلغ الغاية والنهاية في بابه.
( قل إن الخاسرين ) أي : إنما الخاسرون كل الخسران ( الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) أي : تفارقوا فلا التقاء لهم أبدا ، سواء ذهب أهلوهم إلى الجنة وقد ذهبوا هم إلى النار ، أو أن الجميع أسكنوا النار ، ولكن لا اجتماع لهم ولا سرور ، ( ذلك هو الخسران المبين ) أي : هذا هو الخسار البين الظاهر الواضح .
وقوله: ( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهم: إن الهالكين الذين غَبَنوا أنفسهم, وهلكت بعذاب الله أهلوهم مع أنفسهم, فلم يكن لهم إذ دخلوا النار فيها أهل, وقد كان لهم في الدنيا أهلون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) قال: هم الكفار الذين خلقهم الله للنار, وخلق النار لهم, فزالت عنهم الدنيا, وحرمت عليهم الجنة, قال الله: خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ .
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) قال: هؤلاء أهل النار, خسروا أنفسهم في الدنيا, وخسروا الأهلين, فلم يجدوا في النار أهلا وقد كان لهم في الدنيا أهل.
حُدثت عن ابن أبي زائدة, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قال: غبنوا أنفسهم وأهليهم, قال: يخسرون أهليهم, فلا يكون لهم أهل يرجعون إليهم, ويخسرون أنفسهم, فيهلكون في النار, فيموتون وهم أحياء فيخسرونهما.
وقوله: ( أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) يقول تعالى ذكره: ألا إن خسران هؤلاء المشركين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة, وذلك هلاكها هو الخسران المبين, يقول تعالى ذكره: هو الهلاك الذي يبين لمن عاينه وعلمه أنه الخسران.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الزمر: 15 | ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ |
---|
الشورى: 45 | ﴿وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ثم ذكر شدة ما يحصل لهم من الشقاء فقال:{ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ} أي:قطع عذاب كالسحاب العظيم{ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ}
{ ذَلِكَ} الوصف الذي وصفنا به عذاب أهل النار، سوط يسوق الله به عباده إلى رحمته،{ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} أي:جعل ما أعده لأهل الشقاء من العذاب داع يدعو عباده إلى التقوى، وزاجر عما يوجب العذاب. فسبحان من رحم عباده في كل شيء، وسهل لهم الطرق الموصلة إليه، وحثهم على سلوكها، ورغبهم بكل مرغب تشتاق له النفوس، وتطمئن له القلوب، وحذرهم من العمل لغيره غاية التحذير، وذكر لهم الأسباب الزاجرة عن تركه.
وقوله- سبحانه-: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ... تفصيل لهذا الخسران بعد تهويله عن طريق الإبهام والإجمال.
والظلل: جمع ظلة، وأصلها السحابة التي تظل ما تحتها، والمراد بها هنا طبقات النار التي تكون من فوقهم ومن تحتهم. وأطلق عليها هذا الاسم من باب التهكم بهم، إذ الأصل في الظلل أنها تقى من الحر، بينما الظلل التي فوق المشركين وتحتهم محرقة.
أى: لهؤلاء المشركين طبقات من النار من فوقهم، وطبقات أخرى من النار من تحتهم، فهم محاطون بها من كل جانب، ولا يستطيعون التفلت منها.
قال الجمل في حاشيته: «فإن قلت: الظلة ما فوق الإنسان فكيف سمى ما تحته بالظلة؟.
قلت: فيه وجوه: الأول: أنه من باب إطلاق اسم أحد الضدين على الآخر. الثاني: أن الذي تحته من النار يكون ظلة لآخر تحته في النار لأنها دركات. الثالث: أن الظلة التحتانية إذا كانت مشابهة الفوقانية في الإيذاء والحرارة، سميت باسمها لأجل المماثلة والمشابهة» .
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ ... يعود إلى العذاب الشديد الذي أعده- سبحانه- لأولئك المشركين.
أى: ذلك العذاب الشديد يخوف الله- تعالى- به عباده، حتى يحذروا ما يوصل إليه، ويجتنبوا كل قول أو فعل من شأنه أن يفضى إلى النار.
وقوله- تعالى-: يا عِبادِ فَاتَّقُونِ نداء منه- تعالى- للناس يدل على رحمته بهم، وفضله عليهم، أى: عليكم يا عبادي أن تلتزموا طاعتي، وتجتنبوا معصيتي، لكي تنالوا رضائى وجنتي، وتبتعدوا عن سخطى وناري.
وإلى هنا نرى هذه الآيات الكريمة قد بشرت الصابرين بالعطاء الذي لا يعلم مقدار فضله إلا الله- تعالى-، وأمرت بإخلاص العبادة لله- سبحانه- بأساليب متنوعة، وحذرت المشركين من سوء المصير إذا ما استمروا في شركهم وكفرهم.
وبعد أن بين- سبحانه- ما أعده للخاسرين من عذاب أليم، أتبع ذلك ببيان ما أعده للمتقين من نعيم مقيم، فقال- تعالى-:
ثم وصف حالهم في النار فقال : ( لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ) كما قال : ( لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين ) [ الأعراف : 41 ] ، وقال : ( يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون ) [ العنكبوت : 55 ] .
وقوله : ( ذلك يخوف الله به عباده ) أي : إنما يقص خبر هذا الكائن لا محالة ليخوف به عباده ، لينزجروا عن المحارم والمآثم .
وقوله : ( يا عباد فاتقون ) أي : اخشوا بأسي وسطوتي ، وعذابي ونقمتي .
القول في تأويل قوله تعالى : لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الخاسرين يوم القيامة في جهنم: ( مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ) وذلك كهيئة الظلل المبنية من النار ( وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ) يقول: ومن تحتهم من النار ما يعلوهم, حتى يصير ما يعلوهم منها من تحتهم ظللا وذلك نظير قوله جلّ ثناؤه لَهُمْ: مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ يغشاهم مما تحتهم فيها من المهاد.
وقوله: ( ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ) يقول تعالى ذكره: هذا الذي أخبرتكم أيها الناس به, مما للخاسرين يوم القيامة من العذاب, تخويف من ربكم لكم, يخوفكم به لتحذروه, فتجتنبوا معاصيه, وتنيبوا من كفركم إلى الإيمان به, وتصديق رسوله, واتباع أمره ونهيه, فتنجوا من عذابه في الآخرة ( فَاتَّقُونِ ) يقول: فاتقوني بأداء فرائضي عليكم, واجتناب معاصيّ, لتنجوا من عذابي وسخطي.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
لما ذكر حال المجرمين ذكر حال المنيبين وثوابهم، فقال:{ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} والمراد بالطاغوت في هذا الموضع، عبادة غير اللّه، فاجتنبوها في عبادتها. وهذا من أحسن الاحتراز من الحكيم العليم، لأن المدح إنما يتناول المجتنب لها في عبادتها.
{ وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ} بعبادته وإخلاص الدين له، فانصرفت دواعيهم من عبادة الأصنام إلى عبادة الملك العلام، ومن الشرك والمعاصي إلى التوحيد والطاعات،{ لَهُمُ الْبُشْرَى} التي لا يقادر قدرها، ولا يعلم وصفها، إلا من أكرمهم بها، وهذا شامل للبشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن، والرؤيا الصالحة، والعناية الربانية من اللّه، التي يرون في خلالها، أنه مريد لإكرامهم في الدنيا والآخرة، ولهم البشرى في الآخرة عند الموت، وفي القبر، وفي القيامة، وخاتمة البشرى ما يبشرهم به الرب الكريم، من دوام رضوانه وبره وإحسانه وحلول أمانه في الجنة.
ولما أخبر أن لهم البشرى، أمره اللّه ببشارتهم، وذكر الوصف الذي استحقوا به البشارة فقال:{ فَبَشِّرْ عِبَادِ}
الطاغوت: يطلق على كل معبود سوى الله- تعالى- كالشيطان والأصنام وما يشبههما، مأخوذ من الطغيان، وهو مجاوزة الحد في كل شيء. ويستعمل في الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.
والاسم الموصول مبتدأ. وجملة «أن يعبدوها» بدل اشتمال من الطاغوت، وجملة «لهم البشرى» هي الخبر.
والمعنى: والذين اجتنبوا عبادة الطاغوت، وكرهوا عبادة غير الله- تعالى- أيا كان هذا المعبود، وأقبلوا على الخضوع والخشوع له وحده- عز وجل-.
أولئك الذين يفعلون ذلك «لهم البشرى» العظيمة في حياتهم، وعند مماتهم، وحين يقفون بين يدي الله- تعالى-: فَبَشِّرْ عِبادِ أى: فبشر- أيها الرسول الكريم- عبادي الذين هذه مناقبهم، وتلك صفاتهم....
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه : ( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ) نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبي ذر ، وسلمان الفارسي .
والصحيح أنها شاملة لهم ولغيرهم ، ممن اجتنب عبادة الأوثان ، وأناب إلى عبادة الرحمن . فهؤلاء هم الذين لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
وقوله: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ ) : أي اجتنبوا عبادة كلّ ما عبد من دون الله من شيء. وقد بيَّنا معنى الطاغوت فيما مضى قبل بشواهد ذلك, وذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع, وذكرنا أنه في هذا الموضع: الشيطان, وهو في هذا الموضع وغيره بمعنى واحد عندنا.
ذكر من قال ما ذكرنا في هذا الموضع:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ ) قال: الشيطان.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ) قال: الشيطان.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ) قال: الشيطان هو ها هنا واحد وهي جماعة.
والطاغوت على قول ابن زيد هذا واحد مؤنث, ولذلك قيل: أن يعبدوها. وقيل: إنما أُنثت لأنها في معنى جماعة.
وقوله: ( وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ ) يقول: وتابوا إلى الله ورجعوا إلى الإقرار بتوحيده, والعمل بطاعته, والبراءة مما سواه من الآلهة والأنداد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا زيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ ) : وأقبلوا إلى الله.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله: ( وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ ) قال: أجابوا إليه.
وقوله: ( لَهُمُ الْبُشْرَى ) يقول: لهم البشرى في الدنيا بالجنة في الآخرة ( فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ) يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فبشر يا محمد عبادي الذين يستمعون القول من القائلين, فيتبعون أرشده وأهداه, وأدله على توحيد الله, والعمل بطاعته, ويتركون ما سوى ذلك من القول الذي لا يدل على رشاد, ولا يهدي إلى سداد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) وأحسنه طاعة الله.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) قال: أحسن ما يؤمرون به فيعلمون به.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
الطاغوت:
وقرئ:
الطواغيت، جمعا، وهى قراءة الحسن.
التفسير :
{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ}
وهذا جنس يشمل كل قول فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره مما ينبغي اجتنابه، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه، وأحسنه على الإطلاق كلام اللّه وكلام رسوله، كما قال في هذه السورة:{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} الآية.
وفي هذه الآية نكتة، وهي:أنه لما أخبر عن هؤلاء الممدوحين أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كأنه قيل:هل من طريق إلى معرفة أحسنه حتى نتصف بصفات أولي الألباب، وحتى نعرف أن من أثره علمنا أنه من أولي الألباب؟
قيل:نعم، أحسنه ما نص اللّه عليه{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} الآية.
{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} لأحسن الأخلاق والأعمال{ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} أي:العقول الزاكية.
ومن لبهم وحزمهم، أنهم عرفوا الحسن من غيره، وآثروا ما ينبغي إيثاره، على ما سواه، وهذا علامة العقل، بل لا علامة للعقل سوى ذلك، فإن الذي لا يميز بين الأقوال، حسنها، وقبيحها، ليس من أهل العقول الصحيحة، أو الذى يميز، لكن غلبت شهوته عقله، فبقي عقله تابعا لشهوته فلم يؤثر الأحسن، كان ناقص العقل.
ثم وصفهم- سبحانه- بما يدل على صفاء عقولهم، وطهارة قلوبهم، فقال: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ....
وللعلماء في تفسير هذه الجملة الكريمة أقوال منها: أن المراد بالقول الذي يتبعون أحسنه.
ما يشمل تعاليم الإسلام كلها النابعة من الكتاب والسنة.
والمراد بالأحسن الواجب والأفضل، مع جواز الأخذ بالمندوب والحسن.
فهم يتركون العقاب مع أنه جائز، ويأخذون بالعفو لأنه الأفضل، كما قال- تعالى- وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى....
وكما قال- سبحانه-: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ.
فيكون المعنى: الذين يستمعون الأقوال الحسنة والأشد حسنا فيأخذون بما هو أشد حسنا ومنها أن المراد بالقول هنا ما يشمل الأقوال كلها سواء أكانت طيبة أم غير طيبة. فهم يستمعون من الناس إلى أقوال متباينة، فيتبعون الطيب منها، وينبذون غيره.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه: قوله: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ. هم الذين اجتنبوا وأنابوا لا غيرهم، وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة ... وأراد أن يكونوا نقادا في الدين، مميزين بين الحسن والأحسن، والفاضل والأفضل، فإذا اعترضهم أمران: واجب ومندوب، اختاروا الواجب ... فهم حريصون على فعل ما هو أكثر ثوابا عند الله..
وقيل: يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن. وقيل: يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها. نحو القصاص والعفو، والانتصار والإغضاء..
وعن ابن عباس: هو الرجل يجلس مع القوم فيسمع الحديث فيه محاسن ومساوئ، فيحدث بأحسن ما سمع، ويكف عما سواه. .
ويبدو لنا أن هذا القول الأخير المأثور عن ابن عباس- رضى الله عنهما- هو أقرب الأقوال إلى الصواب، لأنه هو الظاهر من معنى الجملة الكريمة.
وقوله- سبحانه-: أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ثناء آخر من الله- تعالى- على هؤلاء المؤمنين الذين اجتنبوا عبادة الطاغوت، وأخلصوا لله- تعالى- العبادة.
أى: أولئك الذين هداهم الله- تعالى- إلى دينه الحق، وإلى الصراط المستقيم، وأولئك هم أصحاب العقول السليمة، والمدارك القويمة، والقلوب الطاهرة النقية..
قال الآلوسى: وفي الآية دلالة على حط قدر التقليد المحض، ولذا قيل:
شمر وكن في أمور الدين مجتهدا ... ولا تكن مثل عير قيد فانقادا
واستدل بها على أن الهداية تحصل بفعل الله- تعالى- وقبول النفس لها ... . ثم بين- سبحانه- أن من أحاطت به خطيئته، لن يستطيع أحد إنقاذه من العذاب.
ثم قال : ( فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) أي : يفهمونه ويعملون بما فيه ، كقوله تعالى لموسى حين آتاه التوراة : ( فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ) [ الأعراف : 145 ] .
( أولئك الذين هداهم الله ) أي : المتصفون بهذه الصفة هم الذين هداهم الله في الدنيا والآخرة ، أي : ذوو العقول الصحيحة ، والفطر المستقيمة .
وقوله: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ) يقول تعالى ذكره: الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه, الذين هداهم الله, يقول: وفقهم الله للرشاد وإصابة الصواب, لا الذين يعرضون عن سماع الحقّ, ويعبدون ما لا يضرّ, ولا ينفع. وقوله: ( أُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ ) يعني: أولو العقول والحجا.
وذُكر أن هذه الآية نـزلت في رهط معروفين وحَّدوا الله, وبرئوا من عبادة كل ما دون الله قبل أن يُبعث نبيّ الله, فأنـزل الله هذه الآية على نبيه يمدحهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ... ) الآيتين, حدثني أبي أن هاتين الآيتين نـزلتا في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون: لا إله إلا الله: زيد بن عمرو, وأبي ذرّ الغفاري, وسلمان الفارسيّ, نـزل فيهم: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ) في جاهليتهم ( وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) لا إله إلا الله, أولئك الذين هداهم الله بغير كتاب ولا نبي ( وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ ).
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 90 | ﴿ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ |
---|
الزمر: 18 | ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:أفمن وجبت عليه كلمة العذاب باستمراره على غيه وعناده وكفره، فإنه لا حيلة لك في هدايته، ولا تقدر تنقذ من في النار لا محالة.
فقال- تعالى- أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ، أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ.
والاستفهام للنفي، والتقدير: أفمن وجب عليه العذاب بسبب إصراره على كفره حتى النهاية، أفتستطيع أنت- أيها الرسول الكريم- أن تنقذه من هذا المصير الأليم؟ لا- أيها الرسول الكريم- إنك لا تستطيع ذلك. لأن من سبق عليه قضاؤنا بأنه من أهل النار، بسبب استحبابه الكفر على الإيمان لن تستطيع أنت أو غيرك إنقاذه منها.
يقول تعالى : أفمن كتب الله أنه شقي تقدر تنقذه مما هو فيه من الضلال والهلاك ؟ أي : لا يهديه أحد من بعد الله ; لأنه من يضلل الله فلا هادي له ، ومن يهده فلا مضل له .
القول في تأويل قوله تعالى : أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)
يعني تعالى ذكره بقوله: ( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ) : أفمن وجبت عليه كلمة العذاب في سابق علم ربك يا محمد بكفره به.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ) بكفره.
وقوله: ( أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أفأنت تنقذ يا محمد من هو في النار من حق عليه كلمة العذاب, فأنت تنقذه، فاستغنى بقوله: ( تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ) عن هذا. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: هذا مما يراد به استفهام واحد, فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه, فيرد الاستفهام إلى موضعه الذي هو له. وإنما المعنى والله أعلم: أفأنت تنقذ من في النار من حقَّت عليه كلمة العذاب. قال: ومثله من غير الاستفهام: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ فردد " أنكم " مرتين. والمعنى والله أعلم: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم، ومثله قوله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وكان بعضهم يستخطئ القول الذي حكيناه عن البصريين, ويقول: لا تكون في قوله: ( أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ) كناية عمن تقدّم, لا يقال: القوم ضربت من قام, يقول: المعنى: ألتجزئة أفأنت تُنْقذ من في النار منهم. وإنما معنى الكلمة: أفأنت تهدي يا محمد من قد سبق له في علم الله أنه من أهل النار إلى الإيمان, فتنقذه من النار بالإيمان؟ لست على ذلك بقادر.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
لكن الغنى كل الغنى، والفوز كل الفوز، للمتقين الذين أعد لهم من الكرامة وأنواع النعيم، ما لا يقادر قدره.
{ لَهُمْ غُرَفٌ} أي:منازل عالية مزخرفة، من حسنها وبهائها وصفائها، أنه يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، ومن علوها وارتفاعها، [أنها]ترى كما يرى الكوكب الغابر في الأفق الشرقي أو الغربي، ولهذا قال:{ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ} أي:بعضها فوق بعض "مَبْنِيَّةٌ"بذهب وفضة، وملاطها المسك الأذفر.
{ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} المتدفقة، المسقية للبساتين الزاهرة والأشجار الطاهرة، فتغل بأنواع الثمار اللذيذة، والفاكهة النضيجة.
{ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} وقد وعد المتقين هذا الثواب، فلا بد من الوفاء به، فليوفوا بخصال التقوى، ليوفيهم أجورهم.
وقوله- تعالى-: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ ... بيان لحسن عاقبة المؤمنين، بعد بيان سوء عاقبة من حقت عليهم كلمة العذاب..
والغرف جمع غرفة، وتطلق على الحجرة التي تكون مرتفعة عن الأرض.
أى: هذا حال الذين حقت عليهم كلمة العذاب، أما حال الذين اتقوا ربهم فيختلف اختلافا تاما عن غيرهم، فإن الله- تعالى- قد أعد لهم- على سبيل التكريم والتشريف- غرفا من فوقها غرف أخرى مبنية..
ووصفت بذلك للإشارة إلى أنها معدة ومهيأة لنزولهم فيها، قبل أن يقدموا عليها، زيادة في تكريمهم وحسن لقائهم.
وهذه الغرف جميعها «تجرى من تحتها الأنهار» ليكون ذلك أدعى إلى زيادة سرورهم.
وقوله- تعالى- وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ تذييل مؤكد لمضمون ما قبله من كون المتقين لهم تلك الغرف المبنية. ولفظ «وعد» مصدر منصوب بفعل مقدر.
أى: وعدهم- تعالى- بذلك وعدا لا يخلفه، لأنه- سبحانه- ليس من شأنه أن يخلف الموعد الذي يعده لعباده.
وقد ذكر الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية بعض الأحاديث، منها ما رواه الإمام أحمد عن أبى مالك الأشعرى، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلّى والناس نيام» .
وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد بشرت المتقين بأحسن البشارات وأكرمها، وتوعدت المصرين على كفرهم وفجورهم باستحالة إنقاذهم من عذاب النار.
ثم أخبر عن عباده السعداء أنهم لهم غرف في الجنة ، وهي القصور الشاهقة ( من فوقها غرف مبنية ) ، أي : طباق فوق طباق ، مبنيات محكمات مزخرفات عاليات .
قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن في الجنة لغرفا يرى بطونها من ظهورها ، وظهورها من بطونها " فقال أعرابي : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : " لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وصلى لله بالليل والناس نيام " .
ورواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ، وقال : " حسن غريب ، وقد تكلم بعض أهل العلم فيه من قبل حفظه " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن ابن معانق - أو : أبي معانق - عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن في الجنة لغرفة يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وألان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلى والناس نيام " .
تفرد به أحمد من حديث عبد الله بن معانق الأشعري ، عن أبي مالك ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء " . قال : فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش ، فقال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : " كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي " .
أخرجاه في الصحيحين ، من حديث أبي حازم ، وأخرجاه أيضا في الصحيحين من حديث مالك ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال الإمام أحمد : حدثنا فزارة ، أخبرني فليح ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة أهل الغرف ، كما تراءون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع ، في تفاضل أهل الدرجات " . فقالوا : يا رسول الله ، أولئك النبيون ؟ فقال : " بلى ، والذي نفسي بيده ، وأقوام آمنوا بالله وصدقوا الرسل " .
ورواه الترمذي عن سويد ، عن ابن المبارك عن فليح به وقال : حسن صحيح .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر وأبو كامل قالا حدثنا زهير ، حدثنا سعد الطائي ، حدثنا أبو المدلة - مولى أم المؤمنين - أنه سمع أبا هريرة يقول : قلنا : يا رسول الله ، إنا إذا رأيناك رقت قلوبنا ، وكنا من أهل الآخرة ، فإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد . قال : " لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي ، لصافحتكم الملائكة بأكفهم ، ولزارتكم في بيوتكم . ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم " قلنا : يا رسول الله ، حدثنا عن الجنة ، ما بناؤها ؟ قال : " لبنة ذهب ولبنة فضة ، وملاطها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم ولا يبأس ، ويخلد ولا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه . ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام ، وتفتح لها أبواب السماوات ، ويقول الرب : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " .
وروى الترمذي ، وابن ماجه بعضه ، من حديث سعد أبي مجاهد الطائي - وكان ثقة - عن أبي المدلة - وكان ثقة - به .
وقوله : ( تجري من تحتها الأنهار ) أي : تسلك الأنهار بين خلال ذلك ، كما يشاءوا وأين أرادوا ، ( وعد الله ) أي : هذا الذي ذكرناه وعد وعده الله عباده المؤمنين ( إن الله لا يخلف الميعاد )
وقوله: ( لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّة ) يقول تعالى ذكره: لكن الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب محارمه, لهم في الجنة غرف من فوقها غرف مبنية علاليّ بعضها فوق بعض ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) يقول تعالى ذكره: تجري من تحت أشجار جناتها الأنهار.
وقوله: ( وَعَدَ اللَّهُ ) يقول جل ثناؤه: وعدنا هذه الغرف التي من فوقها غرف مبنية في الجنة, هؤلاء المتقين ( لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ) يقول جل ثناؤه: والله لا يخلفهم وعده, ولكنه يوفي بوعده.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 198 | ﴿ لَـٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّـهِ﴾ |
---|
الزمر: 20 | ﴿ لَـٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يذكر تعالى أولي الألباب، ما أنزله من السماء من الماء، وأنه سلكه ينابيع في الأرض، أي:أودعه فيها ينبوعا، يستخرج بسهولة ويسر،{ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} من بر وذرة، وشعير وأرز، وغير ذلك.{ ثُمَّ يَهِيجُ} عند استكماله، أو عند حدوث آفة فيه{ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا} متكسرا{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} يذكرون بها عناية ربهم ورحمته بعباده، حيث يسر لهم هذا الماء، وخزنه بخزائن الأرض تبعا لمصالحهم.
ويذكرون به كمال قدرته، وأنه يحيي الموتى، كما أحيا الأرض بعد موتها، ويذكرون به أن الفاعل لذلك هو المستحق للعبادة.
اللّهم اجعلنا من أولي الألباب، الذين نوهت بذكرهم، وهديتهم بما أعطيتهم من العقول، وأريتهم من أسرار كتابك وبديع آياتك ما لم يصل إليه غيرهم، إنك أنت الوهاب.
ثم ضرب- سبحانه- مثلا لسرعة زوال الحياة الدنيا، وقرب اضمحلال بهجتها. كما بين حال من شرح الله صدره للإسلام فقال- تعالى-:.
والاستفهام في قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ... للتقرير.
والينابيع: جمع ينبوع، وهو المنبع أو المجرى الذي يكون في باطن الأرض، والذي يحمل الكثير من المياه الجارية أو المخزونة في جوف الأرض.
والمعنى: لقد علمت- أيها العاقل- أن الله- تعالى- أنزل من السحب المرتفعة في جو السماء، ماء كثيرا، فأدخله بقدرته في عيون ومسارب في الأرض، هذه العيون والمسارب تارة تكون ظاهرة على وجه الأرض، وتارة تكون في باطنها، وكل ذلك من أعظم الأدلة على قدرة الله- تعالى- ورحمته بعباده.
ثم بين- سبحانه- مظهرا آخر من مظاهر قدرته فقال: ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ....
أى: هذا الماء الذي أنزله- سبحانه- بقدرته من السماء، قد سلكه ينابيع في الأرض، ثم يخرج بسبب هذا الماء زرعا مختلفا في ألوانه وفي أشكاله، فمنه ما هو أخضر ومنه ما هو أصفر، ومنه ما ليس كذلك مما يدل على كمال قدرة الله- تعالى-.
وقوله- تعالى-: ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً بيان لمظهر ثالث من مظاهر قدرته- عز وجل-.
والفعل «يهيج» مأخوذ من الهيج بمعنى اليبس والجفاف. يقال: هاج النبات هيجا وهياجا، إذا يبس وأصفر. أو مأخوذ من الهيج بمعنى شدة الحركة. يقال: هاج الشيء يهيج، إذا ثار لمشقة أو ضرر، ثم يعقب ذلك الهيجان الجفاف واليبس.
أى: ثم يصاب هذا الزرع المختلف الألوان بالجفاف والضمور، فتراه مصفرا من بعد اخضراره ونضارته، ثم يجعله- سبحانه- «حطاما» أى: فتاتا متكسرا. يقال: حطم الشيء حطما- من باب تعب- إذا تكسر وتفتت وتحطم.
إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكرناه من إنزال الماء من السماء، ومن سلكه ينابيع في الأرض، ومن إخراج النبات المختلف الألوان بسببه لَذِكْرى عظيمة لِأُولِي الْأَلْبابِ.
أى: لأصحاب العقول السليمة، والأفكار القويمة.
والمقصود من هذه الآية الكريمة، التحذير من الانهماك في الحياة الدنيا ومتعها، حيث شبهها- سبحانه- في سرعة زوالها وقرب اضمحلالها- بالزرع الذي يبدو مخضرا وناضرا ... ثم يعقب ذلك الجفاف والذبول والاضمحلال.
وفي هذا المعنى وردت آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً .
يخبر تعالى : أن أصل الماء في الأرض من السماء كما قال تعالى : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) [ الفرقان : 48 ] ، فإذا أنزل الماء من السماء كمن في الأرض ، ثم يصرفه تعالى في أجزاء الأرض كما يشاء ، وينبعه عيونا ما بين صغار وكبار ، بحسب الحاجة إليها ; ولهذا قال : ( فسلكه ينابيع في الأرض ) .
قال ابن أبي حاتم - رحمه الله - : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا أبو قتيبة عتبة بن يقظان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ) ، قال : ليس في الأرض ماء إلا نزل من السماء ، ولكن عروق في الأرض تغيره ، فذلك قوله تعالى : ( فسلكه ينابيع في الأرض ) ، فمن سره أن يعود الملح عذبا فليصعده .
وكذا قال سعيد بن جبير ، وعامر الشعبي : أن كل ماء في الأرض فأصله من السماء .
وقال سعيد بن جبير : أصله من الثلج يعني : أن الثلج يتراكم على الجبال ، فيسكن في قرارها ، فتنبع العيون من أسافلها .
وقوله : ( ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ) أي : ثم يخرج بالماء النازل من السماء والنابع من الأرض زرعا ( مختلفا ألوانه ) أي : أشكاله وطعومه وروائحه ومنافعه ، ( ثم يهيج ) أي : بعد نضارته وشبابه يكتهل ( فتراه مصفرا ) ، قد خالطه اليبس ، ( ثم يجعله حطاما ) أي : ثم يعود يابسا يتحطم ، ( إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ) أي : الذين يتذكرون بهذا فيعتبرون إلى أن الدنيا هكذا ، تكون خضرة نضرة حسناء ، ثم تعود عجوزا شوهاء ، والشاب يعود شيخا هرما كبيرا ضعيفا [ قد خالطه اليبس ] ، وبعد ذلك كله الموت . فالسعيد من كان حاله بعده إلى خير ، وكثيرا ما يضرب الله تعالى مثل الحياة الدنيا بما ينزل الله من السماء من ماء ، وينبت به زروعا وثمارا ، ثم يكون بعد ذلك حطاما ، كما قال تعالى : ( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا ) [ الكهف : 45 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ (21)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( أَلَمْ تَرَ ) يا محمد ( أَنَّ اللَّهَ أَنـزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) وهو المطر ( فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ) يقول: فأجراه عيونا في الأرض، واحدها ينبوع, وهو ما جاش من الأرض.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن يمان, عن سفيان, عن جابر, عن الشعبيّ, في قوله: ( فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ) قال: كلّ ندى وماء في الأرض من السماء نـزل.
قال: ثنا ابن يمان, عن سفيان, عن جابر, عن الحسن بن مسلم بن بيان, قال: ثم أنبت بذلك الماء الذي أنـزله من السماء فجعله في الأرض عيونا زرعا( مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ) يعني: أنواعا مختلفة من بين حنطة وشعير وسمسم وأرز, ونحو ذلك من الأنواع المختلفة ( ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ) يقول: ثم ييبس ذلك الزرع من بعد خُضرته, يقال للأرض إذا يبس ما فيها من الخضر وذوى: هاجت الأرض, وهاج الزرع.
وقوله: ( فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ) يقول: فتراه من بعد خُضرته ورطوبته قد يبس فصار أصفر, وكذلك الزرع إذا يبس اصفرّ( ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ) والحطام: فتات التبن والحشيش, يقول: ثم يجعل ذلك الزرع بعد ما صار يابسا فُتاتا متكسرا.
وقوله: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ ) يقول تعالى ذكره: إن في فعل الله ذلك كالذي وصف لذكرى وموعظة لأهل العقول والحجا يتذكرون به, فيعلمون أن من فعل ذلك فلن يتعذر عليه إحداث ما شاء من الأشياء, وإنشاء ما أراد من الأجسام والأعراض, وإحياء من هلك من خلقه من بعد مماته وإعادته من بعد فنائه, كهيئته قبل فنائه, كالذي فعل بالأرض التي أنـزل عليها من بعد موتها الماء, فأنبت بها الزرع المختلف الألوان بقدرته.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الحج: 63 | ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ |
---|
فاطر: 27 | ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا﴾ |
---|
الزمر: 21 | ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يجعله:
وقرئ:
بالنصب، وهى قراءة أبى بشر.
وقال صاحب «الكامل» : هو ضعيف.