ترتيب المصحف | 16 | ترتيب النزول | 70 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 14.50 |
عدد الآيات | 128 | عدد الأجزاء | 0.75 |
عدد الأحزاب | 1.50 | عدد الأرباع | 6.00 |
ترتيب الطول | 9 | تبدأ في الجزء | 14 |
تنتهي في الجزء | 14 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 3/21 | _ |
لمَّا بَالغَ اللهُ في الردِّ على شُبُهَاتِ وافتراءاتِ المشركينَ، بَيَّنَ لهم هنا أنَّ هذا كلَّه لا يمنعُهم من التوبةِ، ثُمَّ ذَكَّرَهم بإبراهيمَ عليه السلام وأثْنَى عليه ليتَأسَّوْا به إنْ كانُوا صادقينَ في اتِّباعِ مِلَّتِه، ثُمَّ أمرَ نبيَّه ﷺ باتِّباعِ
قريبًا إن شاء الله
لمَّا أمَرَ نبيَّه ﷺ باتباعِ ملةِ إبراهيمَ عليه السلام ، بَيَّنَ هنا الشّيءَ الذي أمرَه بمتابعتِه، وهو دعوةُ النَّاسِ إلى الدِّينِ بـ: الحكمةِ، والموعظةِ الحسنةِ، والمجادلةِ بالطريقِ الأحسنِ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
وهذا حض منه لعباده على التوبة، ودعوة لهم إلى الإنابة، فأخبر أن من عمل سوءا بجهالة بعاقبة ما تجني عليه، ولو كان متعمدا للذنب، فإنه لا بد أن ينقص ما في قلبه من العلم وقت مفارقة الذنب. فإذا تاب وأصلح بأن ترك الذنب وندم عليه وأصلح أعماله، فإن الله يغفر له ويرحمه ويتقبل توبته ويعيده إلى حالته الأولى أو أعلى منها.
وقوله- سبحانه- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ.. بيان لسعة رحمته- سبحانه- بعباده، ورأفته بهم.
والمراد بالجهالة: الجهل والسفه اللذان يحملان صاحبهما على ارتكاب ما لا يليق بالعقلاء، وليس المراد بها عدم العلم.
قال مجاهد: كل من عصى الله- تعالى- عمدا أو خطأ فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته.
وقال ابن عطية: الجهالة هنا بمعنى تعدى الطور، وركوب الرأس: لا ضد العلم.
ومنه ما جاء في الخبر: «اللهم إنى أعوذ بك من أن أجهل، أو يجهل على» .
ومنه قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلين
والمعنى: ثم إن ربك- أيها الرسول الكريم-، لكثير الغفران والرحمة لأولئك الذين عملوا الأعمال السيئة، بدافع الجهل والسفه والطيش وعدم تدبر العواقب، ثم إنهم بعد ذلك تابوا توبة صادقة عن تلك الأعمال السيئة، ولم يكتفوا بذلك بل أصلحوا من شأن أنفسهم، حيث أوقفوها عند حدود الله- تعالى- وأجبروها على تنفيذ أوامره، واجتناب نواهيه.
قال الآلوسى: والتقييد بالجهالة قيل: لبيان الواقع، لأن كل من يعمل السوء لا يعمله إلا بجهالة.
وقال العسكري: ليس المعنى أنه- تعالى- يغفر لمن يعمل السوء بجهالة، ولا يغفر لمن عمله بدون جهالة، بل المراد أن جميع من تاب فهذه سبيله. وإنما خص من يعمل السوء بجهالة، لأن أكثر من يأتى الذنوب يأتيها بقلة فكر في عاقبة الأمر، أو عند غلبة الشهوة، أو في جهالة الشباب: فذكر الأكثر على عادة العرب في مثل ذلك .
واسم الإشارة في قوله: ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا يعود إلى الأعمال السيئة التي عملوها قبل التوبة والإصلاح. أى: ثم تابوا توبة صادقة من بعد أن عملوا ما عملوا من سيئات، وأصلحوا نفوسهم فهيأوها للسير على الطريق المستقيم.
والضمير في قوله: إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها يعود إلى التوبة وما يصاحبها من فعل للطاعات ومن اجتناب للسيئات.
أى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- من بعد هذه التوبة النصوح، لكثير المغفرة والرحمة للتائبين.
والتعبير- بثم- في قوله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ ... وقوله: ... ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لبيان الفرق الشاسع بين رحمة الله- تعالى- بعباده، وبين ما يصدر عن بعضهم من كفران وارتكاب للمعاصي، وبين المصرين على فعل السوء، وبين التائبين عنه.
وكرر- سبحانه- إِنَّ رَبَّكَ مرتين في الآية الواحدة، لتأكيد الوعد وإظهار كمال العناية بإنجازه.
وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله- تعالى-: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ، ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً .
ثم مدح- سبحانه- خليله ابراهيم مدحا عظيما، وأنه بشره بالعطاء الذي يسعده في دنياه وآخرته، وأمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة أبيه إبراهيم، فقال- تعالى-:
ثم أخبر تعالى تكرما وامتنانا في حق العصاة المؤمنين أن من تاب منهم إليه تاب عليه فقال "ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة" قال بعض السلف كل من عصى الله فهو جاهل "ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا" أي أقلعوا عما كانوا فيه من المعاصي وأقبلوا على فعل الطاعات "إن ربك من بعدها" أي تلك الفعلة والزلة "لغفور رحيم".
يقول تعالى ذكره: إن ربك للذين عصوا الله فجهلوا بركوبهم ما ركبوا من معصية الله ، وسَفُهوا بذلك ثم راجعوا طاعة الله والندم عليها ، والاستغفار والتوبة منها ، من بعد ما سلف منهم ما سلف من ركوب المعصية، وأصلح فعمل بما يحبّ الله ويرضاه ( إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا ) يقول: إن ربك يا محمد من بعد توبتهم له ( لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 153 | ﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ |
---|
آل عمران: 89 | ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ |
---|
النحل: 119 | ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ |
---|
النور: 5 | ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يخبر تعالى عما فضل به خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وخصه به من الفضائل العالية والمناقب الكاملة فقال:
{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} أي:إماما جامعا لخصال الخير هاديا مهتديا.{ قَانِتًا لِلَّهِ} أي:مديما لطاعة ربه مخلصا له الدين،{ حَنِيفًا} مقبلا على الله بالمحبة، والإنابة والعبودية معرضا عمن سواه.{ وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} في قوله وعمله، وجميع أحواله لأنه إمام الموحدين الحنفاء.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف خليله ابراهيم- عليه السلام- بجملة من الصفات الفاضلة. والمناقب الحميدة.
وصفه أولا- بأنه كانَ أُمَّةً.
ولفظ أُمَّةً يطلق في اللغة بإطلاقات متعددة، منها: الجماعة، كما في قوله- تعالى-: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ أى: جماعة من الناس ...
ومنها: الدين والملة، كما في قوله- تعالى-: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ.. أى:
على دين وملة.
ومنها: الحين والزمان كما في قوله- سبحانه-: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ . أى: إلى زمان معين..
والمراد بقوله- سبحانه-: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً.. أى: كان عنده من الخير ما كان عند أمة، أى جماعة كثيرة من الناس، وهذا التفسير مروى عن ابن عباس.
وقال مجاهد: سمى- عليه السلام- أمة لانفراده بالإيمان في وقته مدة ما.
وفي صحيح البخاري أنه قال لزوجته سارة: ليس على الأرض اليوم مؤمن غيرى وغيرك.
ويصح أن يكون المراد بقوله- تعالى-: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً.. أى: كان إماما يقتدى به في وجوه الطاعات. وفي ألوان الخيرات، وفي الأعمال الصالحات، وفي إرشاد الناس إلى أنواع البر، قال- تعالى-: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً.. .
ووصفه ثانيا- بأنه كان «قانتا لله» أى مطيعا لله، خاضعا لأوامره ونواهيه، من القنوت وهو الطاعة مع الخضوع.
ووصفه- ثالثا- بأنه كان، حنيفا، أى: مائلا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق. من الحنف بمعنى الميل والاعوجاج، يقال: فلان برجله حنف أى اعوجاج وميل.
ومنه قول أم الأحنف بن قيس وهي تداعبه:
والله لولا حنف برجله ... ما كان في فتيانكم من مثله
ووصفه- رابعا- بأنه منزه عن الإشراك بالله- تعالى- فقال: وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
أى: ولم يكن ابراهيم- عليه السلام- من الذين أشركوا مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة أو الطاعة، أو في أى من الأمور، بل أخلص عبادته لخالقه- عز وجل-.
وقال- كما حكى القرآن عنه-: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
يمدح [ تبارك و ] تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم ، إمام الحنفاء ووالد الأنبياء ، ويبرئه من المشركين ، ومن اليهودية والنصرانية فقال : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ) فأما " الأمة " فهو الإمام الذي يقتدى به . والقانت : هو الخاشع المطيع . والحنيف : المنحرف قصدا عن الشرك إلى التوحيد ; ولهذا قال : ( ولم يك من المشركين )
قال سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم البطين ، عن أبي العبيدين : أنه سأل عبد الله بن مسعود عن الأمة القانت ، فقال : الأمة : معلم الخير ، والقانت : المطيع لله ورسوله .
وعن مالك قال : قال ابن عمر : الأمة الذي يعلم الناس دينهم .
وقال الأعمش ، [ عن الحكم ] عن يحيى بن الجزار ، عن أبي العبيدين أنه جاء إلى عبد الله فقال : من نسأل إذا لم نسألك ؟ فكأن ابن مسعود رق له ، فقال : أخبرني عن الأمة فقال : الذي يعلم الناس الخير .
وقال الشعبي : حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال : قال ابن مسعود : إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ، فقلت في نفسي : غلط أبو عبد الرحمن ، إنما قال الله : ( إن إبراهيم كان أمة ) فقال : أتدري ما الأمة وما القانت ؟ قلت : الله [ ورسوله ] أعلم ، قال : الأمة الذي يعلم [ الناس ] الخير . والقانت : المطيع لله ورسوله ، وكذلك كان معاذ معلم الخير ، وكان مطيعا لله ورسوله .
وقد روي من غير وجه ، عن ابن مسعود حرره ابن جرير .
وقال مجاهد : ( أمة ) أي : أمة وحده ، والقانت : المطيع . وقال مجاهد أيضا : كان إبراهيم أمة ، أي : مؤمنا وحده ، والناس كلهم إذ ذاك كفار .
وقال قتادة : كان إمام هدى ، والقانت : المطيع لله .
يقول تعالى ذكره: إن إبراهيم خليل الله كان مُعَلِّم خَيْر ، يأتمّ به أهل الهدى قانتا ، يقول: مطيعًا لله حنيفا: يقول: مستقيما على دين الإسلام ( وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يقول: ولم يك يُشرك بالله شيئا، فيكون من أولياء أهل الشرك به ، وهذا إعلام من الله تعالى أهل الشرك به من قريش أن إبراهيم منهم بريء وأنهم منه برآء.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 135 | ﴿قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِۧمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
آل عمران: 95 | ﴿قُلۡ صَدَقَ ٱللَّهُۗ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
الأنعام: 161 | ﴿دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
النحل: 123 | ﴿ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
النحل: 120 | ﴿إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتٗا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} أي:آتاه الله في الدنيا حسنة، وأنعم عليه بنعم ظاهرة وباطنة، فقام بشكرها، فكان نتيجة هذه الخصال الفاضلة أن{ اجْتَبَاهُ} ربه واختصه بخلته وجعله من صفوة خلقه، وخيار عباده المقربين.
{ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} في علمه وعمله فعلم بالحق وآثره على غيره.
ووصفه- خامسا- بقوله- سبحانه-: شاكِراً لِأَنْعُمِهِ أى: معترفا بفضل الله- تعالى- عليه، ومستعملا نعمه فيما خلقت له، ومؤديا حقوق خالقه فيها. قال- تعالى-: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أى: قام بأداء جميع ما كلفه الله به.
وبعد أن مدح- سبحانه- إبراهيم بتلك الصفات الجامعة لمجامع الخير، أتبع ذلك ببيان فضله- تعالى- عليه فقال: اجْتَباهُ أى اختاره واصطفاه للنبوة. من الاجتباء بمعنى الاصطفاء والاختيار.
واجتباء الله- تعالى- لعبده معناه: اختصاصه ذلك العبد بخصائص ومزايا يحصل له عن طريقها أنواع من النعم بدون كسب منه.
وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أى: وأرشده إلى الطريق القويم، الذي دعا الصالحون ربهم أن يرشدهم إليه، حيث قالوا في تضرعهم: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. وهو طريق الإسلام.
وقوله : ( شاكرا لأنعمه ) أي : قائما بشكر نعم الله عليه ، كما قال : ( وإبراهيم الذي وفى ) [ النجم : 37 ] أي : قام بجميع ما أمره الله تعالى به .
وقوله : ( اجتباه ) أي : اختاره واصطفاه ، كما قال : ( ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ) [ الأنبياء : 51 ] .
ثم قال : ( وهداه إلى صراط مستقيم ) وهو عبادة الله وحده لا شريك له على شرع مرضي .
( شَاكِرًا لأنْعُمِهِ ) يقول: كان يخلص الشكر لله فيما أنعم عليه، ولا يجعل معه في شكره في نعمه عليه شريكا من الآلهة والأنداد وغير ذلك ، كما يفعل مشركو قريش ( اجْتَبَاهُ ) يقول: اصطفاه واختاره لخُلته ( وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) يقول: وأرشده إلى الطريق المستقيم، وذلك دين الإسلام لا اليهودية ولا النصرانية.
وبنحو الذي قلنا في معنى ( أُمَّةً قَانِتًا ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني زكريا بن يحيى، قال: ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن أبي العُبَيدين، أنه جاء إلى عبد الله فقال: من نسأل إذا لم نسألك؟ فكأنّ ابن مسعود رقّ له، فقال: أخبرني عن الأمَّة ، قال: الذي يُعلَّم الناس الخير.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العُبَيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود، عن الأمَّة القانت، قال: الأمَّة: معلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن منصور، يعني ابن عبد الرحمن، عن الشعبي ، قال: ثني فروة بن نوفل الأشجعي، قال: قال ابن مسعود: إن معاذا كان أُمَّة قانتا لله حنيفا ، فقلت في نفسي: غلط أبو عبد الرحمن، إنما قال الله تعالى ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ ) فقال: تدري ما الأمَّة ، وما القانت؟ قلت: الله أعلم ، قال: الأمَّة: الذي يعلم الخير، والقانت: المطيع لله ولرسوله، وكذلك كان مُعاذ بن جبل يعلم الخير ، وكان مطيعًا لله ولرسوله.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت فراسا يحدّث، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: إن مُعاذا كان أُمَّة قانتًا لله ، قال: فقال رجل من أشجع يُقال له فروة بن نوفل: نسي إنما ذاك إبراهيم ، قال: فقال عبد الله: من نسي إنما كنا نشبهه بإبراهيم ، قال: وسُئِل عبد الله عن الأمَّة ، فقال: معلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن فراس، عن الشعبيّ، عن مسروق قال: قرأت عند عبد الله هذه الآية ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ ) فقال: كان معاذ أُمَّةً قانتًا ، قال: هل تدري ما الأمَّة ، الأمَّة الذي يعلم الناس الخير، والقانت: الذي يطيع الله ورسوله.
حدثنا أبو هشام الرفاعيّ، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا بيان بن بشر البَجَلي، عن الشعبيّ، قال: قال عبد الله: إن معاذا كان أُمَّة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ، فقال له رجل: نسيت ، قال: لا ولكنه شبيه إبراهيم، والأمَّة: معلِّم الخير، والقانت: المطيع.
حدثني عليّ بن سعيد الكندي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن ابن عون، عن الشعبيّ، في قوله: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا ) قال: مطيعا.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، قال: قال عبد الله: إن معاذا كان أُمَّة قانتا معلِّم الخير.
وذُكر في الأمَّة أشياء مختلف فيها، قال وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ يعني: بعد حين و أُمَّةً وَسَطًا .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن سعيد بن سابق، عن ليث، عن شَهْر بن حَوْشَب، قال: لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض وتخرج بركتها، إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده.
حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين، قال: أخبرنا هشيم، قال: أخبرنا سيار، عن الشعبيّ، قال: وأخبرنا زكريا ومجالد، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن ابن مسعود، نحو حديث يعقوب، عن ابن عُلَية وزاد فيه: الأمَّة: الذي يعلم الخير ويُؤْتمّ به ، ويقتدى به ؛ والقانت: المطيع لله وللرسول ، قال له أبو فروة الكندي: إنك وهمت.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ) على حدة ( قَانِتًا لِلَّهِ ) قال: مطيعا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: مطيعًا لله في الدنيا.
قال ابن جريج: وأخبرني عويمر، عن سعيد بن جبير، أنه قال: قانتًا: مطيعًا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ ) قال: كان إمام هُدًى مطيعًا تُتَّبع سُنَّته ومِلَّته.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن مَعْمر، عن قتادة، أن ابن مسعود قال: إن مُعاذ بن جَبَلْ كان أُمَّةً قانتا ، قال غير قتادة: قال ابن مسعود: هل تدرون: ما الأمَّة ؟ الذي يعلم الخير.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا الثوريّ، عن فراس، عن الشعبيّ، عن مسروق، قال: قرأت عند عبد الله بن مسعود ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا ) فقال: إن معاذا كان أُمَّةً قانتا، قال: فأعادوا، فأعاد عليهم، ثم قال: أتدرون ما الأمَّة ؟ الذي يعلم الناس الخير، والقانت: الذي يطيع الله.
وقد بيَّنا معنى الأمَّة ووجوهها ، ومعنى القانت باختلاف المختلفين فيه في غير هذا الموضع من كتابنا بشواهده، فأغنى بذلك عن إعادته في هذا الموضع.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} رزقا واسعا، وزوجة حسناء، وذرية صالحين، وأخلاقا مرضية{ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} الذين لهم المنازل العالية والقرب العظيم من الله تعالى.
وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً أى: وجمعنا له خير الدنيا من كل ما يحتاج المؤمن إليه ليحيا حياة طيبة، كهدايته إلى الدين الحق، ومنحه نعمة النبوة، وإعطائه الذرية الصالحة، والسيرة الحسنة، والمال الوفير.
وقد أشار القرآن الكريم إلى جانب من هذه النعم، كما في قوله- تعالى-: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ .
وكما في قوله- تعالى-: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا.. .
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ أى: وإنه في الدار الآخرة لمندرج في عباد الله الصالحين، الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه، والذين كانت لهم جنات الفردوس نزلا.
وقوله : ( وآتيناه في الدنيا حسنة ) أي : جمعنا له خير الدنيا من جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطيبة ، ( وإنه في الآخرة لمن الصالحين )
وقال مجاهد في قوله : ( وآتيناه في الدنيا حسنة ) أي : لسان صدق .
يقول تعالى ذكره: وآتينا إبراهيم على قنوته لله ، وشكره له على نعمه ، وإخلاصه العبادة له في هذه الدنيا ذكرًا حسنا ، وثناءً جميلا باقيا على الأيام ( وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) يقول: وإنه في الدار الآخرة يوم القيامة لممن صلح أمره وشأنه عند الله ، وحَسُنت فيها منـزلته وكرامته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) قال: لسان صدق.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ) فليس من أهل دين إلا يتولاه ويرضاه.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 130 | ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ |
---|
النحل: 122 | ﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ |
---|
العنكبوت: 27 | ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ومن أعظم فضائله أن الله أوحى لسيد الخلق وأكملهم أن يتبع ملة إبراهيم، ويقتدي به هو وأمته.
ثم ختم- سبحانه- هذه النعم التي منحها لخليله إبراهيم، بأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة أبيه إبراهيم- عليه السلام- فقال- تعالى-: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
والمراد بملة إبراهيم: شريعته التي أمره الله- تعالى- باتباعها في عقيدته وعبادته ومعاملاته، وهي شريعة الإسلام، التي عبر عنها آنفا بالصراط المستقيم في قوله- تعالى-:
اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
والمراد باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم له في ذلك: الاقتداء به في التوحيد وفي أصول الدين، الثابتة في كل الشرائع، لا الفروع الشرعية التي تختلف من شريعة إلى أخرى، بحسب المصالح التي يريدها الله- تعالى- لعباده.
أى: ثم أوحينا إليك- أيها الرسول الكريم- بأن تتبع في عقيدتك وشريعتك مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً أى: شريعته التي هي شريعة الإسلام.
قال صاحب الكشاف: قوله- تعالى-: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ.. في «ثم» هذه ما فيها من تعظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجلال محله، والإيذان بأن أشرف ما أوتى خليل الله إبراهيم من الكرامة، وأجل ما أوتى من النعمة، اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم لملته، من جهة أنها دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة، من بين سائر النعوت التي أثنى الله عليه بها .
وقال القرطبي: وفي هذه الآية دليل على جواز اتباع الأفضل للمفضول فيما يؤدى إلى الصواب، ولا درك على الفاضل في هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء، وقد أمر بالاقتداء بهم، قال- تعالى-: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ.. وقال- سبحانه- هنا: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً.. .
وقوله: حَنِيفاً حال من إبراهيم، أى: من المضاف إليه، وصح ذلك لأن المضاف هنا وهو مِلَّةَ كالجزء من المضاف إليه وهو إبراهيم من حيث صحة الاستغناء بالثاني عن الأول، لأن قولك: أن اتبع إبراهيم حنيفا كلام تام..
وقد أشار ابن مالك- رحمه الله- إلى هذا المعنى بقوله:
ولا تجز حالا من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله
أو كان جزء ماله أضيفا ... أو مثل جزئه فلا تحيفا
وقوله- سبحانه-: وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تنزيه لإبراهيم- عليه السلام- عن أى لون من ألوان الإشراك بالله- تعالى-.
أى: وما كان إبراهيم- عليه السلام- من المشركين مع الله- تعالى- آلهة أخرى لا في عقيدته ولا في عبادته ولا في أى شأن من شئونه.
وفي ذلك رد على المشركين الذين زعموا أنهم على ملة ابراهيم، ورد- أيضا- على اليهود والنصارى الذين زعموا أن إبراهيم- عليه السلام- كان على ملتهم.
قال- تعالى-: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
وقوله : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ) أي : ومن كماله وعظمته وصحة توحيده وطريقه أنا أوحينا إليك - يا خاتم الرسل وسيد الأنبياء - : ( أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) كما قال : في " الأنعام " : ( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [ الأنعام : 161 ] ثم قال تعالى منكرا على اليهود .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ثم أوحينا إليك يا محمد وقلنا لك: اتبع ملة إبراهيم الحنيفية المسلمة ( حَنِيفًا ) يقول: مسلما على الدين الذي كان عليه إبراهيم، بريئًا من الأوثان والأنداد التي يعبدها قومك، كما كان إبراهيم تبرأ منها.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 135 | ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
آل عمران: 67 | ﴿مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
آل عمران: 95 | ﴿فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الإسراء: 1، غافر: 20، 56، الشورى: 11].﴾ |
---|
الأنعام: 161 | ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
النحل: 123 | ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يقول تعالى:{ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ} أي:فرضا{ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} حين ضلوا عن يوم الجمعة وهم اليهود فصار اختلافهم سببا لأن يجب عليهم في السبت احترامه وتعظيمه، وإلا فالفضيلة الحقيقية ليوم الجمعة الذي هدى الله هذه الأمة إليه.
{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فيبين لهم المحق من المبطل والمستحق للثواب ممن استحق العقاب
وبعد أن بين- سبحانه- حقيقة عقيدة إبراهيم، ومدحه بجملة من الصفات الجليلة، وبين جانبا من مظاهر فضله- سبحانه- عليه، أتبع ذلك ببيان أن تحريم العمل في يوم السبت أمر خاص باليهود، ولا علاقة له بشريعة إبراهيم أو بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فقال- تعالى-: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ....
والمراد بالسبت: اليوم المسمى بهذا الاسم، وأصله- كما يقول ابن جرير- الهدوء والسكوت في راحة ودعة، ولذلك قيل للنائم مسبوت لهدوئه وسكون جسده واستراحته، كما قال- جل ثناؤه-: وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً أى: راحة لأبدانكم.. .
والكلام على حذف مضاف، والمعنى: إنما جعل تعظيم يوم السبت، والتخلي فيه للعبادة، عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وهم اليهود، حيث أمرهم نبيهم موسى- عليه السلام- بتعظيم يوم الجمعة، فخالفوه واختاروا السبت.
قال الجمل ما ملخصه: قوله- سبحانه-: عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أى: خالفوا نبيهم، حيث أمرهم: أن يعظموا يوم الجمعة بالتفرغ للعبادة فيه، وشدد عليهم بتحريم الاصطياد فيه: فليس المراد بالاختلاف أن بعضهم رضى، وبعضهم لم يرض، بل المراد به امتناع الجميع- حيث قالوا لا نريد يوم الجمعة، واختاروا السبت.
ثم قال: وفي معنى الآية قول آخر. قال قتادة: إن الذين اختلفوا فيه هم اليهود، حيث استحله بعضهم وحرمه بعضهم، فعلى هذا القول يكون معنى قوله إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ ...
أى: وبال يوم السبت ولعنته عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وهم اليهود، حيث استحله بعضهم فاصطادوا فيه، فعذبوا ومسخوا.. وثبت بعضهم على تحريمه فلم يصطد فيه، فلم يعذبوا.. والقول الأول أقرب إلى الصحة .
وقال الإمام ابن كثير: وقد ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم- أى أهل الكتاب- أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم- أى يوم الجمعة- فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا والنصارى بعد غد» .
ثم بين- سبحانه- حكمه العادل فيهم فقال: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. أى: وإن ربك- أيها الرسول الكريم- ليحكم بين هؤلاء المختلفين يوم القيامة، بأن ينزل بهم العقوبة التي يستحقونها بسبب مخالفتهم لنبيهم، وإعراضهم عن طاعته فيما أمرهم به من تعظيم يوم الجمعة.
ويصح أن يكون المعنى: وإن ربك ليحكم بحكمه العادل بين هؤلاء اليهود الذين اختلفوا في شأن يوم السبت، حيث استحله بعضهم، وحرمه البعض الآخر، فيجازى كل فريق بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد مدحت إبراهيم- عليه السلام- مدحا عظيما، وذكرت جانبا من المآثر التي أكرمه الله- تعالى- بها، وبرأته مما ألصقه به المشركون وأهل الكتاب من تهم باطلة، ودعاوى كاذبة.
لا شك أن الله تعالى شرع في كل ملة يوما من الأسبوع ، يجتمع الناس فيه للعبادة ، فشرع تعالى لهذه الأمة يوم الجمعة ; لأنه اليوم السادس الذي أكمل الله فيه الخليقة ، واجتمعت [ الناس ] فيه وتمت النعمة على عباده . ويقال : إنه تعالى شرع ذلك لبني إسرائيل على لسان موسى ، فعدلوا عنه واختاروا السبت ; لأنه اليوم الذي لم يخلق فيه الرب شيئا من المخلوقات الذي كمل خلقها يوم الجمعة ، فألزمهم تعالى به في شريعة التوراة ، ووصاهم أن يتمسكوا به وأن يحافظوا عليه ، مع أمره إياهم بمتابعة محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا بعثه . وأخذ مواثيقهم وعهودهم على ذلك ; ولهذا قال تعالى : ( إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه )
قال مجاهد : اتبعوه وتركوا الجمعة .
ثم إنهم لم يزالوا متمسكين به ، حتى بعث الله عيسى ابن مريم ، فيقال : إنه حولهم إلى يوم الأحد . ويقال إنه : لم [ يترك شريعة التوراة إلا ما نسخ من بعض أحكامها وإنه لم ] يزل محافظا على السبت حتى رفع ، وإن النصارى بعده في زمن قسطنطين هم الذين تحولوا إلى يوم الأحد ، مخالفة لليهود ، وتحولوا إلى الصلاة شرقا عن الصخرة ، والله أعلم .
وقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غدا ، والنصارى بعد غد " . لفظ البخاري .
وعن أبي هريرة وحذيفة - رضي الله عنهما - قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم السبت ، وكان للنصارى يوم الأحد ، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة ، فجعل الجمعة والسبت والأحد ، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة ، والمقضي بينهم قبل الخلائق " . رواه مسلم [ والله أعلم ] .
وقوله ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ) يقول تعالى ذكره: ما فرض الله أيها الناس تعظيم يوم السبت إلا على الذين اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو أعظم الأيام، لأن الله تعالى فرغ من خلق الأشياء يوم الجمعة، ثم سَبَتَ يوم السبت.
وقال آخرون: بل أعظم الأيام يوم الأحد، لأنه اليوم الذي ابتدأ فيه خلق الأشياء، فاختاروه وتركوا تعظيم يوم الجمعة الذي فَرَض الله عليهم تعظيمه واستحلوه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ) اتبعوه وتركوا الجمعة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ ) قال: أرادوا الجمعة فأخطئوا، فأخذوا السبت مكانه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ) استحله بعضهم، وحرّمه بعضهم.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يُمان، قال: ثنا سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك وسعيد بن جُبير ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ) قال: باستحلالهم يوم السبت.
حدثني يونس، قال: أخبرني ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ) قال: كانوا يطلبون يوم الجمعة فأخطئوه، وأخذوا يوم السبت فجعله عليهم.
وقوله ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد ليحكم بين هؤلاء المختلفين بينهم في استحلال السبت وتحريمه عند مصيرهم إليه يوم القيامة، فيقضي بينهم في ذلك وفي غيره مما كانوا فيه يختلفون في الدنيا بالحق، ويفصل بالعدل بمجازاة المصيب فيه جزاءه والمخطئ فيه منهم ما هو أهله.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النحل: 124 | ﴿وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ |
---|
السجدة: 25 | ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ |
---|
يونس: 93 | ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ |
---|
الجاثية: 17 | ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
جعل:
وقرئ:
بفتح الجيم والعين، مبنيا للفاعل، وهى قراءة أبى حيوة.
التفسير :
أي:ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم إلى سبيل ربك المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح{ بِالْحِكْمَةِ} أي:كل أحد على حسب حاله وفهمه وقوله وانقياده.
ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب.
إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها، وإما بذكر إكرام من قام بدين الله وإهانة من لم يقم به.
وإما بذكر ما أعد الله للطائعين من الثواب العاجل والآجل وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل، فإن كان [المدعو] يرى أن ما هو عليه حق. أو كان داعيه إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا.
ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها.
وقوله:{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} علم السبب الذي أداه إلى الضلال، وعلم أعماله المترتبة على ضلالته وسيجازيه عليها.
{ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} علم أنهم يصلحون للهداية فهداهم ثم منَّ عليهم فاجتباهم.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بتلك الآيات الجامعة لآداب الدعوة إلى الله، والهادية إلى مكارم الأخلاق، فقال- تعالى-:
وبذلك نرى الآية الكريمة قد رسمت أقوم طرق الدعوة إلى الله- تعالى- وعينت أحكم وسائلها، وأنجعها في هداية النفوس.
إنها تأمر الدعاة في كل زمان ومكان أن تكون دعوتهم إلى سبيل الله لا إلى سبيل غيره: إلى طريق الحق لا طريق الباطل، وإنها تأمرهم- أيضا- أن يراعوا في دعوتهم أحوال الناس، وطباعهم، وسعة مداركهم، وظروف حياتهم، وتفاوت ثقافاتهم.
وأن يخاطبوا كل طائفة بالقدر الذي تسعه عقولهم، وبالأسلوب الذي يؤثر في نفوسهم، وبالطريقة التي ترضى قلوبهم وعواطفهم.
فمن لم يقنعه القول المحكم، قد تقنعه الموعظة الحسنة، ومن لم تقنعه الموعظة الحسنة. قد يقنعه الجدال بالتي هي أحسن.
ولذلك كان من الواجب على الدعاة الى الحق، أن يتزودوا بجانب ثقافتهم الدينية الأصيلة الواسعة- بالكثير من ألوان العلوم الأخرى كعلوم النفس والاجتماع والتاريخ، وطبائع الأفراد والأمم.. فإنه ليس شيء أنجع في الدعوة من معرفة طبائع الناس وميولهم، وتغذية هذه الطبائع والميول بما يشبعها من الزاد النافع، وبما يجعلها تقبل على فعل الخير، وتدبر عن فعل الشر.
وكما أن أمراض الأجسام مختلفة، ووسائل علاجها مختلفة- أيضا-، فكذلك أمراض النفوس متنوعة، ووسائل علاجها متباينة.
فمن الناس من يكون علاجه بالمقالة المحكمة: ومنهم من يكون علاجه بالعبارة الرقيقة الرفيقة التي تهز المشاعر، وتثير الوجدان، ومنهم من يكون علاجه بالمحاورة والمناقشة والمناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن، لأن النفس الإنسانية لها كبرياؤها وعنادها، وقلما تتراجع عن الرأى الذي آمنت به. إلا بالمجادلة بالتي هي أحسن. والحق: أن الدعاة إلى الله- تعالى- إذا فقهوا هذه الحقائق فتسلحوا بسلاح الإيمان والعلم، وأخلصوا لله- تعالى- القول والعمل، وفطنوا إلى أنجع الأساليب في الدعوة إلى الله، وخاطبوا الناس على قدر عقولهم واستعدادهم.. نجحوا في دعوتهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
قال الآلوسى: وإنما تفاوتت طرق دعوته صلى الله عليه وسلم لتفاوت مراتب الناس، فمنهم خواص، وهم أصحاب نفوس مشرقة، قوية الاستعداد لإدراك المعاني، مائلة إلى تحصيل اليقين على اختلاف مراتبه، وهؤلاء يدعون بالحكمة.
ومنهم عوام، أصحاب نفوس كدرة ضعيفة الاستعداد، شديدة الإلف بالمحسوسات، قوية التعلق بالرسوم والعادات، قاصرة عن درجة البرهان، لكن لا عناد عندهم، وهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة.
ومنهم من يعاند ويجادل بالباطل ليدحض به الحق، لما غلب عليه من تقليد الأسلاف، ورسخ فيه من العقائد الباطلة، فصار بحيث لا تنفعه المواعظ والعبر، بل لا بد من إلقامه الحجر بأحسن طرق الجدال، لتلين عريكته، وتزول شكيمته، وهؤلاء الذين أمر صلى الله عليه وسلم بجدالهم بالتي هي أحسن .
وقوله- سبحانه-: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ بيان لكمال علم الله- تعالى- وإحاطته بكل شيء، وإرشاد للدعاة في شخص نبيهم صلى الله عليه وسلم إلى أن عليهم أن يدعوا الناس بالطريقة التي بينها- سبحانه- لهم، ثم يتركوا النتائج له- تعالى- يسيرها كيف يشاء.
والظاهر أن صيغة التفضيل أَعْلَمُ في هذه الآية وأمثالها، المراد بها مطلق الوصف لا المفاضلة، لأن الله- تعالى- لا يشاركه أحد في علم أحوال خلقه، من شقاوة وسعادة، وهداية وضلال.
والمعنى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- هو وحده العليم بمن ضل من خلقه عن صراطه المستقيم، وهو وحده العليم بالمهتدين منهم إلى السبيل الحق وسيجازى كل فريق منهم بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
وما دام الأمر كذلك، فعليك- أيها الرسول الكريم- أن تسلك في دعوتك إلى سبيل ربك، الطرق التي أرشدك إليها، من الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ومن كان فيه خير- كما يقول صاحب الكشاف- كفاه الوعظ القليل، والنصيحة اليسيرة، ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل، وكأنك تضرب منه في حديد بارد .
يقول تعالى آمرا رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الخلق إلى الله ) بالحكمة )
قال ابن جرير : وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة ( والموعظة الحسنة ) أي : بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم بها ؛ ليحذروا بأس الله تعالى .
وقوله : ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) أي : من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال ، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب ، كما قال : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) [ العنكبوت : 46 ] فأمره تعالى بلين الجانب ، كما أمر موسى وهارون - عليهما السلام - حين بعثهما إلى فرعون فقال : ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) [ طه : 44 ] .
وقوله : ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) أي : قد علم الشقي منهم والسعيد ، وكتب ذلك عنده وفرغ منه ، فادعهم إلى الله ، ولا تذهب نفسك على من ضل منهم حسرات ، فإنه ليس عليك هداهم إنما أنت نذير ، عليك البلاغ ، وعلينا الحساب ، ( إنك لا تهدي من أحببت ) [ القصص : 56 ] و ( ليس عليك هداهم ) [ البقرة : 272 ] .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( ادْعُ ) يا محمد من أرسلك إليه ربك بالدعاء إلى طاعته ( إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ) يقول: إلى شريعة ربك التي شرعها لخلقه، وهو الإسلام ( بِالْحِكْمَةِ ) يقول بوحي الله الذي يوحيه إليك وكتابه الذي ينـزله عليك ( وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) يقول: وبالعبر الجميلة التي جعلها الله حجة عليهم في كتابه ، وذكّرهم بها في تنـزيله، كالتي عدّد عليهم في هذه السورة من حججه ، وذكّرهم فيها ما ذكرهم من آلائه ( وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) يقول: وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها أن تصفح عما نالوا به عرضك من الأذى، ولا تعصه في القيام بالواجب عليك من تبليغهم رسالة ربك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) أعرض عن أذاهم إياك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
وقوله ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد هو أعلم بمن جار عن قصد السبيل من المختلفين في السبت وغيره من خلقه، وحادّ الله، وهو أعلم بمن كان منهم سالكا قصد السبيل ومَحَجة الحقّ، وهو مُجازٍ جميعهم جزاءهم عند ورودهم عليه.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 117 | ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ |
---|
النحل: 125 | ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ |
---|
النجم: 30 | ﴿ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَىٰ﴾ |
---|
القلم: 7 | ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يقول تعالى -مبيحا للعدل ونادبا للفضل والإحسان-{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} من أساء إليكم بالقول والفعل{ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} من غير زيادة منكم على ما أجراه معكم.
{ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ} عن المعاقبة وعفوتم عن جرمهم{ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} من الاستيفاء وما عند الله خير لكم وأحسن عاقبة كما قال تعالى:{ فمن عفا وأصلح فأجره على الله}
وبعد أن بين- سبحانه- أنجع أساليب الدعوة إلى سبيله في حالة المسالمة والمجادلة بالحجة والبرهان، أتبع ذلك ببيان ما ينبغي على المسلم أن يفعله في حالة الاعتداء عليه أو على دعوته فقال- تعالى-: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ....
أى: وإن أردتم معاقبة من ظلمكم واعتدى عليك، فعاقبوه بمثل ما فعله بكم، ولا تزيدوا على ذلك، فإن الزيادة حيف يبغضه الله- تعالى-.
ثم أرشدهم- سبحانه- إلى ما هو أسمى من مقابلة الشر بمثله فقال: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ.
والضمير في قوله لَهُوَ يعود إلى المصدر في قوله صَبَرْتُمْ، والمصدر إما أن يراد به الجنس فيكون المعنى: ولئن صبرتم فالصبر خير للصابرين، وأنتم منهم.
وإما أن يراد به صبرهم الخاص فيكون المعنى: ولئن صبرتم عن المعاقبة بالمثل، لصبركم خير لكم، فوضع- سبحانه- الصابرين موضع لكم على سبيل المدح لهم، والثناء عليهم بصفة الصبر.
هذا، وقد ذكر جمع من المفسرين أن هذه الآية الكريمة نزلت في أعقاب غزوة أحد، بعد أن مثل المشركون بحمزة- رضى الله عنه-.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: روى الحافظ البزار عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة بن عبد المطلب حين استشهد. فنظر الى منظر لم ينظر أوجع للقلب منه.
وقد مثل المشركون به. فقال صلى الله عليه وسلم: رحمة الله عليك، لقد كنت وصولا للرحم، فعولا للخيرات. والله لولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع. أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك. فنزلت هذه الآية. فكفر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه.
ثم قال ابن كثير بعد روايته لهذا الحديث: وهذا إسناد فيه ضعف لأن أحد رواته وهو «صالح بن بشير المري» ضعيف عند الأئمة. وقال البخاري هو منكر الحديث.
ثم قال ابن كثير- رحمه الله-: وروى عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه عن أبى بن كعب، قال: لما كان يوم أحد قتل من الأنصار ستون رجلا، ومن المهاجرين ستة، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن كان لنا يوم مثل هذا اليوم من المشركين لنمثلن بهم، فلما كان يوم الفتح قال رجل: لا تعرف قريش بعد اليوم. فنادى مناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمن الأبيض والأسود إلا فلانا وفلانا- ناسا سماهم-، فنزلت الآية.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نصبر ولا نعاقب» .
والذي نراه أن الآية الكريمة- حتى ولو كان سبب نزولها ما ذكر- إلا أن التوجيهات التي اشتملت عليها صالحة لكل زمان ومكان، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وعلى رأس هذه التوجيهات السامية التي اشتملت عليها: دعوة المسلمين الى التزام العدالة في أحكامهم، وحضهم على الصبر والصفح ما دام ذلك لا يضر بمصلحتهم ومصلحة الدعوة الإسلامية.
وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله- تعالى-: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ... .
يأمر تعالى بالعدل في الاقتصاص والمماثلة في استيفاء الحق ، كما قال عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن خالد ، عن ابن سيرين : أنه قال في قوله تعالى : ( فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) إن أخذ منكم رجل شيئا ، فخذوا منه مثله .
وكذا قال مجاهد ، وإبراهيم ، والحسن البصري ، وغيرهم . واختاره ابن جرير .
وقال ابن زيد : كانوا قد أمروا بالصفح عن المشركين ، فأسلم رجال ذوو منعة ، فقالوا : يا رسول الله ، لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب ، فنزلت هذه الآية ، ثم نسخ ذلك بالجهاد .
وقال محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن عطاء بن يسار قال : نزلت سورة " النحل " كلها بمكة ، وهي مكية إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد ، حيث قتل حمزة - رضي الله عنه - ومثل به فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بثلاثين رجلا منهم " فلما سمع المسلمون ذلك قالوا : والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط . فأنزل الله : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) إلى آخر السورة .
وهذا مرسل ، وفيه [ رجل ] مبهم لم يسم ، وقد روي هذا من وجه آخر متصل ، فقال الحافظ أبو بكر البزار :
حدثنا الحسن بن يحيى ، حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا صالح المري ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف على حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - حين استشهد ، فنظر إلى منظر لم ينظر أوجع للقلب منه - أو قال : لقلبه [ منه ] - فنظر إليه وقد مثل به فقال : " رحمة الله عليك ، إن كنت - لما علمت - لوصولا للرحم ، فعولا للخيرات ، والله لولا حزن من بعدك عليك ، لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع - أو كلمة نحوها - أما والله على ذلك لأمثلن بسبعين كمثلتك . فنزل جبريل - عليه السلام - على محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذه السورة وقرأ : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) إلى آخر الآية ، فكفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني : عن يمينه - وأمسك عن ذلك .
وهذا إسناد فيه ضعف ; لأن صالحا - هو ابن بشير المري - ضعيف عند الأئمة ، وقال البخاري : هو منكر الحديث .
وقال الشعبي وابن جريج : نزلت في قول المسلمين يوم أحد فيمن مثل بهم : لنمثلن بهم . فأنزل الله فيهم ذلك .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه : حدثنا هدية بن عبد الوهاب المروزي ، حدثنا الفضل بن موسى ، حدثنا عيسى بن عبيد ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : لما كان يوم أحد قتل من الأنصار ستون رجلا ومن المهاجرين ستة ، فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنربين عليهم . فلما كان يوم الفتح قال رجل : لا تعرف قريش بعد اليوم . فنادى مناد : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آمن الأسود والأبيض إلا فلانا وفلانا - ناسا سماهم - فأنزل الله تبارك وتعالى : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نصبر ولا نعاقب " .
وهذه الآية الكريمة لها أمثال في القرآن ، فإنها مشتملة على مشروعية العدل والندب إلى الفضل ، كما في قوله : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) ثم قال ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) [ الشورى : 40 ] . وقال ( والجروح قصاص ) ثم قال ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) [ المائدة : 45 ] وقال في هذه الآية الكريمة : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) ثم قال ( ولئن صبرتم لهو خير للصابرين )
يقول تعالى ذكره للمؤمنين: وإن عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم واعتدى عليكم، فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة، ولئن صبرتم عن عقوبته ، واحتسبتم عند الله ما نالكم به من الظلم ، ووكلتم أمره إليه ، حتى يكون هو المتولى عقوبته ( لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) يقول: للصبر عن عقوبته بذلك خير لأهل الصبر احتسابا ، وابتغاء ثواب الله ، لأن الله يعوّضه مِنَ الذي أراد أن يناله بانتقامه من ظالمه على ظلمه إياه من لذّة الانتصار، وهو من قوله ( لَهُوَ ) كناية عن الصبر ، وحسن ذلك ، وإن لم يكن ذكر قبل ذلك الصبر لدلالة قوله: ( وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ ) عليه.
وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نـزلت هذه الآية. وقيل: هي منسوخة أو محكمة ، فقال بعضهم: نـزلت من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أقسموا حين فعل المُشركون يوم أُحد ما فعلوا بقتلى المسلمين من التمثيل بهم أن يجاوزوا فعلهم في المُثْلة بهم إن رزقوا الظفر عليهم يومًا، فنهاهم الله عن ذلك بهذه الآية وأمرهم أن يقتصروا في التمثيل بهم إن هم ظفروا على مثل الذي كان منهم، ثم أمرهم بعد ذلك بترك التمثيل ، وإيثار الصبر عنه بقوله وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ فنسخ بذلك عندهم ما كان أذن لهم فيه من المُثلة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت داود، عن عامر: أن المسلمين قالوا لما فعل المشركون بقتلاهم يوم أُحد: لئن ظهرنا عليهم لنفعلنّ ولنفعلنّ ، فأنـزل الله تعالى ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) قالوا: بل نصبر.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر، قال: لما رأى المسلمون ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أُحد، من تبقير البطون ، وقطع المذاكير ، والمُثلة السيئة، قالوا: لئن أظفرنا الله بهم، لنفعلنّ ولنفعلنّ ، فأنـزل الله فيهم وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نـزلت سورة النحل كلها بمكة، وهي مكية، إلا ثلاث آيات في آخرها نـزلت في المدينة بعد أُحد، حيث قُتِل حمزة ومُثِّل بِه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَئِنْ ظَهَرْنا عَلَيْهمْ لَنُمَثِّلَنَّ بِثَلاثِينَ رَجُلا مِنْهُمْ " فلما سمع المسلمون بذلك، قالوا: والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلنّ بهم مُثْلة لم يمثِّلْها أحد من العرب بأحد قطُّ فأنـزل الله ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) ... إلى آخر السورة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال : ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) قال المسلمون يوم أُحد (1) فقال ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) ... إلى قوله: ( لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) ثم قال بعد وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: لما أصيب في أهل أُحد المُثَل، فقال: المسلمون: لئن أصبناهم لنمثلنّ بهم ، فقال الله : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) ثم عزم وأخبر فلا يمثل، فنهي عن المُثَل، قال: مثَّل الكفار بقتلى أُحد، إلا حنظلة بن الراهب، كان الراهب أبو عامر مع أبي سفيان، فتركوا حنظلة لذلك.
وقال آخرون: نسخ ذلك بقوله في براءة: ( اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) قالوا: وإنما قال: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) خبرًا من الله للمؤمنين أن لا يبدءوهم بقتال حتى يبدءوهم به، فقال: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) قال: هذا خبر من الله نبيه أن يُقاتل من قاتله. قال: ثم نـزلت براءة ، وانسلاخ الأشهر الحرم ، قال: فهذا من المنسوخ.
وقال آخرون: بل عنى الله تعالى بقوله: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ نبيّ الله خاصة دون سائر أصحابه، فكان الأمر بالصبر له عزيمة من الله دونهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) قال: أمرهم الله أن يعفوا عن المشركين، فأسلم رجال لهم منعة، فقالوا: يا رسول الله، لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب ، فنـزل القرآن ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) واصبر أنت يا محمد، ولا تكن في ضيق ممن ينتصر، وما صبرك إلا بالله ، ثم نسخ هذا وأمره بجهادهم، فهذا كله منسوخ.
وقال آخرون: لم يُعْنَ بهاتين الآيتين شيء مما ذكر هؤلاء، وإنما عُنِيَ بهما أن من ظُلِم بظُلامة ، فلا يحلّ له أن ينال ممن ظلمه أكثر مما نال الظالم منه، وقالوا: الآية محكمة غير منسوخة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن خالد، عن ابن سيرين ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) يقول: إن أخذ منك رجل شيئا، فخذ منه مثله.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، قال: إن أخذ منك شيئا فخذ منه مثله. قال الحسن: قال عبد الرزاق: قال سفيان: ويقولون: إن أخذ منك دينارًا فلا تأخذ منه إلا دينارًا، وإن أخذ منك شيئا فلا تأخذ منه إلا مثل ذلك الشيء.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) لا تعتدوا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر من عوقب من المؤمنين بعقوبة أن يعاقب من عاقبه بمثل الذي عوقب به، إن اختار عقوبته، وأعلمه أن الصبر على ترك عقوبته ، على ما كان منه إليه خير وعزم على نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصبر ، وذلك أن ذلك هو ظاهر التنـزيل، والتأويلات التي ذكرناها عمن ذكروها عنه ، محتملها الآية كلها. فإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن في الآية دلالة على أيّ ذلك عنى بها من خبر ولا عقل كان الواجب علينا (2) الحكم بها إلى ناطق لا دلالة عليه ؛ وأن يقال: هي آية محكمة أمر الله تعالى ذكره عباده أن لا يتجاوزوا فيما وجب لهم قِبَل غيرهم من حقّ من مال أو نفس ، الحقّ الذي جعله الله لهم إلى غيره، وأنها غير منسوخة، إذ كان لا دلالة على نسخها، وأن للقول بأنها محكمة وجهًا صحيحًا مفهوما.
------------------------
الهوامش:
(1) أي مقالهم السابق: لئن ظهرنا ... الخ .
(2) لعله كان الواجب علينا تعميم الحكم بها، لا تأويلها إلى خاص لا دلالة عليه ... الخ .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ثم أمر رسوله بالصبر على دعوة الخلق إلى الله والاستعانة بالله على ذلك وعدم الاتكال على النفس فقال:{ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} هو الذي يعينك عليه ويثبتك.{ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} إذا دعوتهم فلم تر منهم قبولا لدعوتك، فإن الحزن لا يجدي عليك شيئا.{ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ} أي:شدة وحرج{ مِمَّا يَمْكُرُونَ} فإن مكرهم عائد إليهم وأنت من المتقين المحسنين.
ثم أمر- سبحانه- بالصبر أمرا صريحا، بعد أن بين حسن عاقبته فقال: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ....
أى:: واصبر- أيها الرسول الكريم- على أذى قومك، وما صبرك في حال من الأحوال بمؤت ثماره المرجوة منه إلا بتوفيق الله- تعالى- لك، وبتثبيته إياك، وما دام الأمر كذلك فالجأ إليه وحده، واستعن به- سبحانه- في كل أمورك، فالاستثناء مفرغ من أعم الأحوال.
ثم نهاه- سبحانه- عن الحزن بسبب كفر الكافرين، فإن الهداية والإضلال بقدرة الله وحده فقال- تعالى-: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ.
أى ولا تحزن بسبب كفر الكافرين، وإصرارهم على ذلك، وإعراضهم عن دعوتك، ولا يضق صدرك بمكرهم، فإن الله- تعالى- ناصرك عليهم، ومنجيك من شرورهم.
وقوله : ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) تأكيد للأمر بالصبر ، وإخبار بأن ذلك إنما ينال بمشيئة الله وإعانته ، وحوله وقوته .
ثم قال تعالى : ( ولا تحزن عليهم ) أي : على من خالفك ، لا تحزن عليهم ; فإن الله قدر ذلك ، ( ولا تك في ضيق ) أي : غم ( مما يمكرون ) أي : مما يجهدون [ أنفسهم ] في عداوتك وإيصال الشر إليك ، فإن الله كافيك وناصرك ، ومؤيدك ، ومظهرك ومظفرك بهم .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واصبر يا محمد على ما أصابك من أذى في الله.( وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ ) يقول: وما صبرك إن صبرت إلا بمعونة الله ، وتوفيقه إياك لذلك ( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) يقول: ولا تحزن على هؤلاء المشركين الذين يكذّبونك وينكرون ما جئتهم به في آن ولوا عنك وأعرضوا عما أتيتهم به من النصيحة ( وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) يقول: ولا يضق صدرك بما يقولون من الجهل ، ونسبتهم ما جئتهم به إلى أنه سحر أو شعر أو كهانة ، مما يمكرون: مما يحتالون بالخدع في الصّد عن سبيل الله ، من أراد الإيمان بك ، والتصديق بما أنـزل الله إليك.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء العراق ( وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ ) بفتح الضَّاد في الضيق على المعنى الذي وصفت من تأويله. وقرأه بعض قرّاء أهل المدينة ( وَلا تَكُ فِي ضِيقٍ ) بكسر الضاد.
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه في ضَيْقٍ ، بفتح الضاد، لأن الله تعالى إنما نهى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يَضيق صدره مما يلقى من أذى المشركين على تبليغه إياهم وحي الله وتنـزيله، فقال له فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وقال: فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ كَنْـزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ ، وإذ كان ذلك هو الذي نهاه تعالى ذكره، ففتح الضاد هو الكلام المعروف من كلام العرب في ذلك المعنى ، تقول العرب: في صدري من هذا الأمر ضيق، وإنما تكسر الضاد في الشيء المعاش ، وضيق المسكن ، ونحو ذلك ؛ فإن وقع الضَّيق بفتح الضاد في موضع الضِّيق بالكسر. كان على الذي يتسع أحيانا ، ويضيق من قلة أحد وجهين، إما على جمع الضيقة، كما قال أعشى بني ثعلبة:
فَلَئِـــنْ رَبُّــكَ مِــنْ رَحْمَتِــهِ
كَشَــف الضَّيْقَــةَ عَنَّــا وَفسَـحْ (3)
والآخر على تخفيف الشيء الضَّيِّق، كما يخفف الهيِّن اللَّيِّن، فيقال: هو هَيْن لَيْن.
------------------------
الهوامش:
(3) البيت في ديوان أعشى بني ثعلبة ميمون بن قيس (طبع القاهرة ص 237 ) من قصيدة يمدح بها إياس بن قبيصة الطائي، وهو الرابع في القصيدة. وفي (اللسان: ضيق ): الضيق: الشك يكون في القلب من قوله تعالى: (ولا تك في ضيق مما يمكرون): وقال الفراء: الضيق ما ضاق عنه صدرك. والضيق (بالكسر) ما يكون في الذي يتسع ويضيق، مثل الدار والثوب. وإذا رأيت الضيق (بالفتح ) قد وقع في موضع الضيق (بالكسر) كان على أحد أمرين: أحدهما أن يكون جمعا للضيقة كما قال الأعشى: فلئن ربك ... الخ البيت. والوجه الآخر: أن يراد به شيء ضيق، فيكون ضيق مخففا، وأصله التشديد، ومثله: هين ولين.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النحل: 127 | ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ |
---|
النمل: 70 | ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ضيق:
1- بفتح الضاد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بكسرها، وهى قراءة ابن كثير.
التفسير :
والله مع المتقين المحسنين، بعونه وتوفيقه وتسديده، وهم الذين اتقوا الكفر والمعاصي، وأحسنوا في عبادة الله، بأن عبدوا الله كأنهم يرونه فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم، والإحسان إلى الخلق ببذل النفع لهم من كل وجه.
نسأل الله أن يجعلنا من المتقين المحسنين.
تم تفسير سورة النحل والحمد لله.
وقوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ تعليل لما سبق من أمره بالصبر، ومن نهيه عن الحزن وضيق الصدر.
أى: إن الله- تعالى- بمعونته وتأييده مع الذين اتقوه في كل أحوالهم، وصانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضاه. ومع الذين يحسنون القول والعلم، بأن يؤدوهما بالطريقة التي أمر الإسلام بها، ومن كان الله- تعالى- معه، سعد في دنياه وفي أخراه.
وقد قيل لبعض الصالحين وهو يحتضر: أوص. فقال: إنما الوصية من المال. ولا مال لي، ولكني أوصيكم بالعمل بخواتيم سورة النحل.
وبعد فهذه سورة النحل، وهذا تفسير لها. نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وقوله : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) أي : معهم بتأييده ونصره ومعونته وهذه معية خاصة ، كقوله : ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ) [ الأنفال : 12 ] وقوله لموسى وهارون : ( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ) [ طه : 46 ] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للصديق وهما في الغار : ( لا تحزن إن الله معنا ) [ التوبة : 40 ] وأما المعية العامة فبالسمع والبصر والعلم ، كقوله تعالى : ( وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ) [ الحديد : 4 ] وكقوله تعالى : ( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ) [ المجادلة : 7 ] وكما قال تعالى : ( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا [ إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ] ) [ يونس : 61 ] .
ومعنى : ( الذين اتقوا ) أي : تركوا المحرمات ، ( والذين هم محسنون ) أي : فعلوا الطاعات ، فهؤلاء الله يحفظهم ويكلؤهم ، وينصرهم ويؤيدهم ، ويظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا مسعر ، عن ابن عون ، عن محمد بن حاطب قال : كان عثمان - رضي الله عنه - من الذين آمنوا ، والذين اتقوا ، والذين هم محسنون .
[ آخر تفسير سورة النحل ولله الحمد أجمعه والمنة ، وبه المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل ]
يقول تعالى ذكره ( إِنَّ اللَّهَ ) يا محمد ( مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ) الله في محارمه فاجتنبوها، وخافوا عقابه عليها، فأحجموا عن التقدّم عليها( وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) يقول: وهو مع الذين يحسنون رعاية فرائضه ، والقيام بحقوقه ، ولزوم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) قال: اتقوا الله فيما حرّم عليهم، وأحسنوا فيما افترض عليهم.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن رجل، عن الحسن، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن هَرِم بن حَيان العَبْدِي لما حضره الموت، قيل له: أوص ، قال: ما أدري ما أُوصي، ولكن بيعوا درعي ، فاقضوا عني ديني، فإن لم تف ، فبيعوا فرسي، فإن لم يف فبيعوا غلامي، وأوصيكم بخواتيم سورة النحل ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لما نـزلت هذه الآية قال بَلْ نَصْبرُ" .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء