ترتيب المصحف | 5 | ترتيب النزول | 112 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 21.50 |
عدد الآيات | 120 | عدد الأجزاء | 1.07 |
عدد الأحزاب | 2.15 | عدد الأرباع | 8.60 |
ترتيب الطول | 6 | تبدأ في الجزء | 6 |
تنتهي في الجزء | 7 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 2/10 | يا أيها الذين آمنوا: 1/3 |
لمَّا استثنى (في الآية 1) بعضَ ما أحلَّ من بهيمةِ الأنعامِ ذكرَ هنا الصُّورَ المستثناةَ وهي عشرةٌ من الأطعمةِ المحرَّمةِ، ثُمَّ بيانُ أنَّ الإسلامَ هو الدِّينُ الذي ارتضاه اللهُ لنا.
لَمَّا ذكَر (في الآية 3) ما حرَّمه من المطعوماتِ ذكرَ هنا ما أحلَّه: الطيباتُ، وصيدُ الجوارحِ المُعَلَّمةِ وذبائحُ أهلِ الكتابِ، ثُمَّ بَيَّنَ إباحةَ الزواجِ من نساءِ أهلِ الكتابِ.
التفسير :
هذا الذي حولنا الله عليه في قوله:{ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ْ} واعلم أن الله تبارك وتعالى لا يحرّم ما يحرّم إلا صيانة لعباده، وحماية لهم من الضرر الموجود في المحرمات، وقد يبين للعباد ذلك وقد لا يبين. فأخبر أنه حرم{ الْمَيْتَة ْ} والمراد بالميتة:ما فُقِدَت حياتُهُ بغير ذكاة شرعية، فإنها تحرم لضررها، وهو احتقان الدم في جوفها ولحمها المضر بآكلها. وكثيرا ما تموت بعلة تكون سببا لهلاكها، فتضر بالآكل. ويستثنى من ذلك ميتة الجراد والسمك، فإنه حلال.{ وَالدَّمَ ْ} أي:المسفوح، كما قيد في الآية الأخرى.{ وَلَحْم الْخِنْزِيرِ ْ} وذلك شامل لجميع أجزائه، وإنما نص الله عليه من بين سائر الخبائث من السباع، لأن طائفة من أهل الكتاب من النصارى يزعمون أن الله أحله لهم. أي:فلا تغتروا بهم، بل هو محرم من جملة الخبائث.{ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ْ} أي:ذُكر عليه اسم غير الله تعالى، من الأصنام والأولياء والكواكب وغير ذلك من المخلوقين. فكما أن ذكر الله تعالى يطيب الذبيحة، فذكر اسم غيره عليها، يفيدها خبثا معنويا، لأنه شرك بالله تعالى.{ وَالْمُنْخَنِقَةُ ْ} أي:الميتة بخنق، بيد أو حبل، أو إدخالها رأسها بشيء ضيق، فتعجز عن إخراجه حتى تموت.{ وَالْمَوْقُوذَةُ ْ} أي:الميتة بسبب الضرب بعصا أو حصى أو خشبة، أو هدم شيء عليها، بقصد أو بغير قصد.{ وَالْمُتَرَدِّيَةُ ْ} أي:الساقطة من علو، كجبل أو جدار أو سطح ونحوه، فتموت بذلك.{ وَالنَّطِيحَةُ ْ} وهي التي تنطحها غيرها فتموت.{ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ْ} من ذئب أو أسد أو نمر، أو من الطيور التي تفترس الصيود، فإنها إذا ماتت بسبب أكل السبع، فإنها لا تحل. وقوله:{ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ْ} راجع لهذه المسائل، من منخنقة، وموقوذة، ومتردية، ونطيحة، وأكيلة سبع، إذا ذكيت وفيها حياة مستقرة لتتحقق الذكاة فيها، ولهذا قال الفقهاء:{ لو أبان السبع أو غيره حشوتها، أو قطع حلقومها، كان وجود حياتها كعدمه، لعدم فائدة الذكاة فيها ْ} [وبعضهم لم يعتبر فيها إلا وجود الحياة فإذا ذكاها وفيها حياة حلت ولو كانت مبانة الحشوة وهو ظاهر الآية الكريمة]{ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ْ} أي:وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام. ومعنى الاستقسام:طلب ما يقسم لكم ويقدر بها، وهي قداح ثلاثة كانت تستعمل في الجاهلية، مكتوب على أحدها "افعل"وعلى الثاني "لا تفعل"والثالث غفل لا كتابة فيه. فإذا هَمَّ أحدهم بسفر أو عرس أو نحوهما، أجال تلك القداح المتساوية في الجرم، ثم أخرج واحدا منها، فإن خرج المكتوب عليه "افعل"مضى في أمره، وإن ظهر المكتوب عليه "لا تفعل"لم يفعل ولم يمض في شأنه، وإن ظهر الآخر الذي لا شيء عليه، أعادها حتى يخرج أحد القدحين فيعمل به. فحرمه الله عليهم، الذي في هذه الصورة وما يشبهه, وعوضهم عنه بالاستخارة لربهم في جميع أمورهم.{ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ْ} الإشارة لكل ما تقدم من المحرمات، التي حرمها الله صيانة لعباده، وأنها فسق، أي:خروج عن طاعته إلى طاعة الشيطان. ثم امتن على عباده بقوله:{ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ْ} واليوم المشار إليه يوم عرفة، إذ أتم الله دينه، ونصر عبده ورسوله، وانخذل أهل الشرك انخذالا بليغا، بعد ما كانوا حريصين على رد المؤمنين عن دينهم، طامعين في ذلك. فلما رأوا عز الإسلام وانتصاره وظهوره، يئسوا كل اليأس من المؤمنين، أن يرجعوا إلى دينهم، وصاروا يخافون منهم ويخشون، ولهذا في هذه السنة التي حج فيها النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر حجة الوداع - لم يحج فيها مشرك، ولم يطف بالبيت عريان. ولهذا قال:{ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ْ} أي:فلا تخشوا المشركين، واخشوا الله الذي نصركم عليهم وخذلهم، ورد كيدهم في نحورهم.{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ْ} بتمام النصر، وتكميل الشرائع الظاهرة والباطنة، الأصول والفروع، ولهذا كان الكتاب والسنة كافيين كل الكفاية، في أحكام الدين أصوله وفروعه. فكل متكلف يزعم أنه لا بد للناس في معرفة عقائدهم وأحكامهم إلى علوم غير علم الكتاب والسنة، من علم الكلام وغيره، فهو جاهل، مبطل في دعواه، قد زعم أن الدين لا يكمل إلا بما قاله ودعا إليه، وهذا من أعظم الظلم والتجهيل لله ولرسوله.{ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ْ} الظاهرة والباطنة{ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ْ} أي:اخترته واصطفيته لكم دينا، كما ارتضيتكم له، فقوموا به شكرا لربكم، واحمدوا الذي مَنَّ عليكم بأفضل الأديان وأشرفها وأكملها.{ فَمَنِ اضْطُرَّ ْ} أي:ألجأته الضرورة إلى أكل شيء من المحرمات السابقة، في قوله:{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ْ}{ فِي مَخْمَصَةٍ ْ} أي:مجاعة{ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ ْ} أي:مائل{ لِإِثْمٍ ْ} بأن لا يأكل حتى يضطر، ولا يزيد في الأكل على كفايته{ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ْ} حيث أباح له الأكل في هذه الحال، ورحمه بما يقيم به بنيته من غير نقص يلحقه في دينه.
ففي هذه المحرمات يتلى في قوله- تعالى- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ..
والميتة كما يقول ابن جرير- كل ما له نفس- أى دم ونحوه- سائلة من دواب البر وطيره، مما أباح الله أكلها. أهليها ووحشيها فارقتها روحها بغير تذكية.
وقال: بعضهم: الميتة: هو كل ما فارقته الحياة من دواب البر وطيره بغير تذكية شرعية، مما أحل الله أكله» «1» أى: حرم الله عليكم- أيها المؤمنون- أكل الميتة لخبث لحمها، ببقاء بعض المواد الضارة في جسمها.
وقد أجمع العلماء على حرمة أكل الميتة، أما شعرها وعظمها فقال الأحناف بطهارتهما وبجواز الانتفاع بهما. وقال الشافعية بنجاستهما وبعدم جواز استعمالهما.
وقد استثنى العلماء من الميتة المحرمة السمك والجراد. فقد أخرج البخاري ومسلّم وغيرهما من حديث ابن أبى أو في قال: «غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبع غزوات نأكل الجراد» .
وفيهما- أيضا- من حديث جابر، «إن البحر ألقى حوتا ميتا فأكل منه الجيش. فلما قدموا قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: فقال: «كلوا رزقا أخرجه الله لكم: أطعمونا منه إن كان معكم. فأتاه بعضهم بشيء منه» .
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحل لنا ميتتان ودمان. فأما الميتتان فالسمك والجراد. وأما الدمان فالكبد والطحال» .
وثانى هذه المحرمات ما ذكره- سبحانه- في قوله: وَالدَّمُ أى: وحرم عليكم أكل الدم.
والمراد به: الدم المسفوح. أى السائل من الحيوان عند التذكية. لقوله- تعالى- في آية أخرى أَوْ دَماً مَسْفُوحاً وهي خاصة. والآية التي معنا عامة. والخاص مقدم على العام.
وكان أهل الجاهلية يجعلونه في الماعز ويشوونه ويأكلونه، فحرمه الله- تعالى- لأنه يضر الأجسام. أما الدم الذي يكون جامدا بأصل خلقته كالكبد والطحال فإنه حلال كما جاء في حديث ابن عمر الذي سقناه منذ قليل.
وثالث هذه المحرمات ما جاء في قوله- تعالى- وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ أى: وحرم عليكم لحم الخنزير وكذلك شحمه وجلده وجميع أجزائه، لأنه مستقذر تعافه الفطرة، وتتضرر به الأجسام.
وخص لحم الخنزير بالذكر مع أن جميع أجزائه محرمة لأنه هو المقصود بالأكل قال ابن كثير ما ملخصه: وقوله- تعالى-: وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ يعنى إنسيه ووحشيه، واللحم يعم جميع أجزائه حتى الشحم. كما هو المفهوم من لغة العرب، ومن العرف المطرد.. وفي الصحيحين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن، وتدهن بها الجلود. ويستصبح بها الناس؟ فقال:
لا. هو حرام: ثم قال: قاتل الله اليهود. إن الله لما حرم شحومها جملوه- أى أذابوه- ثم باعوه فأكلوا ثمنه» .
ورابع هذه المحرمات بينه- سبحانه- بقوله: وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ.
الإهلال: رفع الصوت عند رؤية الهلال ثم استعمل لرفع الصوت مطلقا. ومنه: إهلال الصبى أى: صراخه بعد ولادته، والإهلال بالحج أى رفع الصوت بالتلبية.
وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم، سموا عليها أسماءها- كاللات والعزى- ورفعوا بها أصواتهم، وسمى ذلك إهلالا. ثم توسع فيه فقيل لكل ذابح: مهل سمى أو لم يسم. جهر بالتسمية أو لم يجهر.
والمعنى: وحرم عليكم- سبحانه- أن تأكلوا مما ذبح فذكر عليه عند ذبحه غير اسم الله تعالى- سواء اقتصر على ذكر غيره كقوله عند الذبح باسم الصنم فلان، أو باسم المسيح أو عزير أو فلان، أو جمع بين ذكر الله وذكر غيره بالعطف عليه كقوله: باسم الله واسم فلان.
أما إذا جمع الذابح بين اسم الله واسم غيره بدون عطف بأن قال: باسم الله المسيح نبي الله، أو باسم الله محمد رسول الله، فالأحناف يجوزون الأكل من الذبيحة ويعتبرون ذكر غير الله كلاما مبتدأ بخلاف العطف فإنه يكون نصا في ذكر غير الله.
وجمهور العلماء يحرمون الأكل من الذبيحة متى ذكر مع اسم الله آخر سواء أكان ذلك بالعطف أم بدونه.
وذهب جماعة من التابعين إلى تخصيص الغير بالأصنام، وإلى حل ذبائح أهل الكتاب مطلقا والتحريم هنا ليس لذات الحيوان، بل لما صحبه من عمل فيه شرك بالله- تعالى- ثم ذكر- سبحانه- أربعة أنواع أخرى من المحرمات فقال: وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ، وَالْمُتَرَدِّيَةُ، وَالنَّطِيحَةُ.
والمنخنقة: هي التي تموت خنقا إما قصدا بأن يخنقها آدمي. وإما اتفاقا بأن يعرض لها من ذاتها ما يخنقها.
والموقوذة: هي التي تضرب بمثقل غير محدد كخشب أو حجر حتى تموت وكانوا في الجاهلية يضربون البهيمة بالعصى حتى إذا ماتت أكلوها.
والوقذ: شدة الضرب. وفلان وقيذ أى: مثخن ضربا. ويقال: وقذه يقذه وقذا: ضربه ضربا حتى استرخى وأشرف على الموت.
قال القرطبي: وفي صحيح مسلّم عن عدى بن حاتم قال قلت يا رسول الله فإنى أرمى بالمعراض الصيد فأصيب؟ - والمعراض: وهو سهم يرمى به بلا ريش وأكثر ما يصيب بعرض عوده دون حده- فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رميت بالمعراض فخزق- أى نفذ وأسال الدم- فكله. وإن أصاب بعرضه فلا تأكله» .
والمتردية: هي التي تتردى أى: تسقط من أعلى إلى أسفل فتموت من التردي مأخوذ من الردى بمعنى الهلاك سواء تردت بنفسها أم رداها غيرها.
والنطيحة: هي التي تنطحها أخرى فتموت من النطاح يقال: نطحه ينطحه وينطحه أى أصابه بقرنه.
والمعنى: وحرم الله عليكم كذلك- أيها المؤمنون- الأكل من المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، إذا ماتت كل واحدة من هذه الأنواع لهذه الأسباب دون أن تذكوها ذكاة شرعية، لأن الأكل منها في هذه الحالة يعود عليكم بالضرر.
وتاسع هذه المحرمات ذكره- سبحانه- في قوله: وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ.
المراد بالسبع كل ذي ناب وأظفار من الحيوان. كالأسد والنمر والذئب ونحوها من الحيوانات المفترسة.
وقوله ذَكَّيْتُمْ من التذكية وهي الإتمام. يقال: ذكيت النار إذا أتممت اشتعالها.
والمراد هنا: إسالة الدم وفرى الأوداج في المذبوح، والنحر في المنحور.
والمعنى: وحرم عليكم- أيضا- الأكل مما افترسه السبع حتى مات سواء أكل منه أم لم يأكل، إلا ما أدركتموه من هذه الأنواع وقد بقيت فيه حياة يضطرب معها اضطراب المذبوح وذكيتموه أى ذبحتموه ذبحا شرعيا: فإنه في هذه الحالة يحل لكم الأكل منه. فقوله إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ الاستثناء هنا يرجع إلى هذه الأنواع الخمسة.
وقيل: إن الاستثناء هنا مختص بقوله: وَما أَكَلَ السَّبُعُ.
أى: وحرم عليكم ما أكل السبع بعضه فمات بسبب جرحه، إلا ما أدركتموه حيا فذكيتموه ذكاة شرعية فإنه في هذه الحالة يحل الأكل منه، والأول أولى، لأن هذه الأنواع الخمسة تشترك في أنها تعلقت بها أحوال قد تفضى بها إلى الهلاك، فإن هلكت بتلك الأحوال لم يبح أكلها لأنها حينئذ ميتة، وإذا أدركت بالذكاة في وقت تنفع فيه الذكاة لها جاز الأكل منها.
أما النوع العاشر من هذه المحرمات فيتجلى في قوله- تعالى- وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ والنصب: جمع نصاب: ككتب وكتاب. أو جمع نصب كسقف وسقف. ويصح أن يكون لفظ النصب واحدا وجمعه أنصاب مثل: طنب أطناب.
وعلى كل فهي حجارة كان الجاهليون ينصبونها حول الكعبة، وكان عددها ثلاثمائة وستين حجرا، وكانوا يذبحون عليها قرابينهم التي يتقربون بها إلى أصنامهم. ويعتبرون الذبح أكثر قربة إلى معبوداتهم متى تم على هذه النصب. وليست هذه النصب هي الأوثان، فإن النصب حجارة غير منقوشة بخلاف الأوثان فإنها حجارة مصورة منقوشة.
والمعنى: وحرم عليكم- سبحانه- أن تأكلوا مما ذبح على النصب لأنه لم يتقرب به إلى الله، وإنما تقرب به إلى الأصنام وما تقرب به إلى غير الله فهو فسق ورجس يجب البعد عنه.
هذه عشرة أنواع من المأكولان حرمت الآية الكريمة الأكل منها، لما اشتملت عليه من مضرة وأذى، ولما صاحب بعضها من تقرب لغير الله، ويكفى لتجنب الأكل من هذه المطعومات أن الله- تعالى- قد حرمها، لأنه سبحانه- لا يحرم إلا الخبائث. ومن شأن المؤمن الصادق في إيمانه أن يقف عند ما أحله الله- تعالى- وحرم.
ثم ذكر- سبحانه- نوعا من الأفعال المحرمة، بعد ذكره لعشرة أنواع من المطاعم المحرمة فقال: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ.
وإنما ذكر- سبحانه- هذا الفعل المحرم مع جملة المطاعم المحرمة، لأنه مما ابتدعه أهل الجاهلية كما ابتدعوا ما ابتدعوه في شأن المطاعم.
والاستقسام: طلب معرفة ما قسم للإنسان من خير أو شر.
والأزلام: قداح الميسر واحدها زلم- بفتح اللام وبفتح الزاى أو ضمها- وسميت قداح الميسر بالأزلام، لأنها زلمت أى سويت، ويقال: رجل مزلم وامرأة مزلمة، إذا كان جيد القد، جميل القوام.
وكان لأهل الجاهلية طرق للاستقسام بالأزلام من أشهرها: أنه كانت لديهم سهام مكتوب على أحدها: أمرنى ربي وعلى الآخر: نهاني ربي. والثالث غفل من الكتابة، فإذا أرادوا سفرا أو حربا أو زواجا أو غير ذلك أتوا إلى بيت الأصنام واستقسموها فإن خرج الآمر أقدموا على ما يريدونه وإن خرج الناهي أمسكوا عنه، وإن خرج الغفل أجالوها ثانية حتى يخرج الآمر أو الناهي.
والمعنى: وحرم عليكم- سبحانه- أن تطلبوا معرفة ما قسم لكم في سفر أو غزو أو زواج أو ما يشبه ذلك بواسطة الأزلام، لأن هذا الفعل فسق، أى: خروج عن أمر الله وطاعته.
فاسم الإشارة «ذلكم» يعود إلى الاستقسام بالأزلام خاصة. ويجوز أن يعود إليه وإلى تناول ما حرم عليهم.
قال ابن كثير: وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما دخل الكعبة، وجد إبراهيم وإسماعيل مصورين فيها. وفي أيديهما الأزلام. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «قاتلهم الله. لقد علموا أنهما لم يستقسما بها أبدا» .
وثبت في الصحيحين أيضا أن سراقة بن مالك بن جعشم لما خرج في طلب النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبى بكر، وهما ذاهبان إلى المدينة مهاجرين: قال فاستقسمت بالأزلام. هل أضرهم أولا؟ فخرج الذي أكره: لا تضرهم، قال: فعصيت الأزلام واتبعتهم. ثم استقسم بها ثانية وثالثة. كل ذلك يخرج الذي يكره: لا تضرهم. وكان كذلك وكان سراقة لم يسلم إذ ذاك، ثم أسلم بعد ذلك» .
فإن قيل إن الاستقسام بالأزلام هو لون من التفاؤل، وكان صلّى الله عليه وسلّم يحب الفأل الحسن فلم صار فسقا؟
فالجواب أن هناك فرقا واسعا بين الاستقسام بالأزلام وبين الفأل فإن الفأل أمر اتفاقي تنفعل به النفس وتنشرح للعمل مع رجاء الخير منه بخلاف الاستقسام بالأزلام فان القوم كانوا يستقسمون بالأزلام عند الأصنام ويعتقدون أن ما يخرج من الأمر والنهى على تلك الأزلام
بإرشاد من الأصنام فلهذا كان الاستقسام بها فسقا وخروجا عن طاعة الله.
وفضلا عن هذا فإن الاستقسام بالأزلام طلب لمعرفة علم الغيب الذي استأثر الله به، وذلك حرام وافتراء على الله- تعالى- وإلى هنا تكون الآية الكريمة قد ذكرت أحد عشر نوعا من المحرمات عشرة منها تتعلق بالمأكولات، وواحدا يتعلق بالأفعال.
وهناك مطعومات أخرى جاء تحريمها عن طريق السنة النبوية، كتحريمه صلّى الله عليه وسلّم الأكل من لحوم الحمر الأهلية.
وبعد أن بين- سبحانه- هذه الأنواع من المحرمات التي حرمها على المؤمنين رحمة بهم، ورعاية لهم، أتبع ذلك ببيان مظاهر فضله عليهم، وأمرهم بأن يجعلوا خشيتهم منه وحده، فقال- تعالى-: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ.
وقوله الْيَوْمَ ظرف منصوب على الظرفية بقوله يَئِسَ. والألف واللام فيه للعهد الحضوري، فيكون المراد به يوما معينا وهو يوم عرفة من عام حجة الوداع.
ويصح أن لا يكون المراد به يوما بعينه، وإنما أراد به الزمان الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية.
وقد حكى الإمام الرازي هذين الوجهين فقال ما ملخصه: وقوله: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فيه قولان:
الأول: أنه ليس المراد به ذلك اليوم بعينه حتى يقال إنهم ما يئسوا قبله بيوم أو يومين، وإنما هو كلام خارج على عادة أهل اللسان أى لا حاجة بكم الآن إلى مداهنة هؤلاء الكفار، لأنكم الآن صرتم بحيث لا يطمع أحد من أعدائكم في توهين أمركم، ونظيره قوله: كنت بالأمس شابا واليوم قد صرت شيخا. لا يريد بالأمس اليوم الذي قبل يومك، ولا باليوم يومك الذي أنت فيه.
الثاني: أن المراد به يوم نزول هذه الآية. وقد نزلت يوم الجمعة من يوم عرفة بعد العصر في عام حجة الوداع سنة عشر من الهجرة، والنبي صلّى الله عليه وسلّم واقف بعرفات على ناقته العضباء» وقوله: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ أى انقطع رجاؤهم في التغلب عليكم، وفي إبطال أمر دينكم. وفي صرف الناس عنه بعد أن دخلوا فيه أفواجا وبعد أن صار المشركون مقهورين لكم. أذلة أمام قوتكم. ومادام الأمر كذلك فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ أى: فلا تجعلوا مكانا لخشية المشركين في قلوبكم فقد ضعفوا واستكانوا، بل اجعلوا خشيتكم وخوفكم وهيبتكم من الله وحده الذي جعل لكم الغلبة والنصر عليهم.
ثم عقب ذلك- سبحانه- ببيان أكبر نعمه وأعظم مننه على هذه الأمة الإسلامية فقال:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً.
أى اليوم أكملت لكم حدودي وفرائضي وحلالي وحرامى، ونصرى لكم على أعدائكم وتمكينى إياكم من أداء فريضة الحج دون أن يشارككم في الطواف بالبيت أحد من المشركين.
وأتممت عليكم نعمتي، بأن أزلت دولة الشرك من مكة، وجعلت كلمتكم هي العليا وكلمة أعدائكم هي السفلى، ورضيت لكم الإسلام دينا، بأن اخترته لكم من بين الأديان. وجعلته الدين المقبول عندي، فيجب عليكم الالتزام بأحكامه وآدابه وأوامره ونواهيه قال- تعالى-:
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ وليس المراد بإكمال الدين أنه كان ناقصا قبل اليوم ثم أكمله، وإنما المراد أن من أحكامه قبل اليوم ما كان مؤقتا في علم الله قابلا للنسخ. ولكنها اليوم كملت وصارت مؤبدة وصالحة لكل زمان ومكان، وغير قابلة للنسخ، وقد بسط هذا المعنى كثير من المفسرين فقال الإمام الرازي: قال القفال: إن الدين ما كان ناقصا البتة بل كان أبدا كاملا. يعنى: كانت الشرائع النازلة من عند الله في كل وقت كافية في ذلك الوقت إلا أنه- تعالى- كان عالما في أول وقت المبعث بأن ما هو كامل في هذا اليوم ليس بكامل في الغد ولا صلاح فيه. فلا جرم كان ينسخ بعد الثبوت. وكان يزيد بعد العدم. وأما في آخر زمان المبعث فأنزل الله شريعة كاملة وحكم ببقائها إلى يوم القيامة. فالشرع أبدا كان كاملا. إلا أن الأول كمال إلى زمان مخصوص. والثاني كمال إلى يوم القيامة. فالأجل هذا قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ .
وقال القرطبي ما ملخصه: لعل قائلا يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يدل على أن الدين كان غير كامل في وقت من الأوقات. وذلك يوجب أن يكون جميع من مات من المهاجرين والأنصار. قبل نزول هذه الآية- ماتوا على دين ناقص. ومعلوم أن النقص عيب؟
فالجواب أن يقال له: لم قلت إن كل نقص فهو عيب وما دليلك عليه؟ ثم يقال له: أرأيت نقصان الشهر هل يكون عيبا، ونقصان صلاة المسافر أهو عيب لها..؟ لا شك أن هذا النقصان ليس بعيب.
وقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يخرج على وجهين:
أحدهما: أن يكون المراد بلغته أقصى الحد الذي كان له عندي فيما قضيته وقدرته، وذلك لا يوجب أن يكون ما قبل ذلك ناقصا نقصان عيب، لكنه يوصف بنقصان مقيد فيقال له: إنه كان ناقصا عما كان عند الله أنه ملحقه به، وضامه إليه.. وهكذا شرائع الإسلام شرعها الله شيئا فشيئا إلى أن أنهى- سبحانه وتعالى- الدين منتهاه الذي كان له عنده.
وثانيهما: أنه أراد بقوله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ أنه وفقهم للحج الذي لم يكن بقي عليهم من أركان الدين غيره، فحجوا فاستجمع لهم الدين أداء لأركانه، وقياما بفرائضه وفي الحديث: «بنى الإسلام على خمس» وقد كانوا تشهدوا، وصلوا، وزكوا، وصاموا، وجاهدوا، واعتمروا، ولم يكونوا حجوا، فلما حجوا ذلك اليوم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أنزل الله وهم بالموقف عشية عرفة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. أى: أكمل وضعه لهم.
وقد روى الأئمة عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها لو علينا أنزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال وأى آية؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فقال عمر: إنى لأعلم اليوم الذي أنزلت فيه والمكان الذي أنزلت فيه نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعرفة في يوم جمعة» .
وروى أنها لما نزلت في يوم الحج الأكبر وقرأها رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم بكى عمر، فقال له ما يبكيك؟ فقال: أبكانى أنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صدقت» .
وبعد أن ذكر- سبحانه- في صدر الآية أحد عشر نوعا من المحرمات، وأتبع ذلك ببيان إكمال الذين وإتمام النعمة على المؤمنين. جاء ختام الآية لبيان حكم المضطر إلى أكل شيء من هذه المحرمات فقال- تعالى-: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وقوله اضْطُرَّ من الاضطرار بمعنى الوقوع في الضرورة.
والمخمصة: خلو البطن من الغذاء عند الجوع الشديد. يقال خمصه الجوع خمصا ومخمصة.
إذا اشتد به. وفي الحديث: «إن الطير تغدو خماصا- أى جياعا ضامرات البطون- وتروح بطانا- أى مشبعات» . وقال الأعشى:
يبيتون في المشتى ملاء بطونهم ... وجاراتهم غرثى يبتن خمائصا أى: وجاراتهم جوعى وقد ضمرت بطونهن من شدة الجوع.
وقوله مُتَجانِفٍ من الجنف وهو الميل، يقال: جنف عن الحق- كفرح- إذا مال عنه وجنف عن طريقه- كفرح وضرب- جنفا وجنوفا إذا مال عنه.
والمعنى: فمن ألجأته الضرورة إلى كل شيء من هذه المحرمات في مجاعة شديدة حالة كونه غير مائل إلى ارتكاب إثم من الآثام فلا ذنب عليه في ذلك لأن الله- تعالى- واسع المغفرة.
فهو بكرمه يغفر لعباده تناول ما كان محرما إذا اضطروا إلى تناوله لدفع الضرورة بدون بغى أو تعد، وهو واسع الرحمة حيث أباح لهم ما يدفع عنهم الضرر ولو كان محرما.
قال الآلوسى: وقوله: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ أى غير مائل ومنحرف إليه ومختار له بأن يأكل منها زائدا على ما يمسك رمقه فإن ذلك حرام. وقيل: يجوز أن يشبع عند الضرورة. وقيل:
المراد غير عاص بأن يكون باغيا أو عاديا بأن ينزعها من مضطر آخر أو خارجا في معصية .
وبذلك نرى الآية الكريمة قد بينت ما يحرم في حالة الاختيار، وما يحل في حالة الاضطرار.
وجاءت بين ذلك بجمل معترضة- وهي قوله الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ إلى قوله:
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً لتأكيد تحريم هذه الأشياء، لأن تحريمها من جملة الدين الكامل، والنعمة التامة، والإسلام المرضى عند الله.
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة ما يأتى:
1- حرمة هذه الأنواع الأحد عشر التي ذكرها الله- تعالى- في هذه الآية ووجوب الابتعاد عنها لأنها رجس أو فسق، ولأن استحلال شيء منها يكون خروجا عن تعاليم دين الله، وانتهاكا لحرماته.
2- حل المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، متى ذبحت ذبحا شرعيا وكانت بها بقية حياة تجعلها تضطرب بعد ذبحها اضطراب المذبوح.
وللفقهاء كلام طويل في ذلك يؤخذ منه اتفاقهم على أن الخنق وما معه إذا لم يبلغ بالحيوان إلى درجة اليأس من حياته بأن غلب على الظن أنه يعيش مع هذه الحالة كانت الذكاة محللة له.
أما إذا غلب على الظن أنه يهلك بما حصل له بسبب الخنق أو الوقذ أو التردي أو النطح أو أكل السبع منه، فقد أفتى كثير من العلماء بعمل الذكاة فيه، وقد أخذ بذلك الأحناف. فقد قالوا:
متى كانت عينه أو ذنبه يتحرك أو رجله تركض ثم ذكى فهو حلال.
وقال قوم لا تعمل الذكاة فيه ويحرم أكله.
ومنشأ اختلافهم في أن الذكاة تعمل أولا تعمل يعود إلى: هل الاستثناء هنا متصل أو منقطع؟
فمن قال إنه متصل يرى أنه أخرج من الجنس بعض ما تناوله اللفظ، فما قبل حرف الاستثناء حرام، وما بعده خرج منه فيكون حلالا.
ومن قال إنه منقطع يرى أنه لا تأثير للاستثناء في الجملة المتقدمة. وكأنه قال: ما ذكيتموه من غير الحيوانات المتقدمة فهو حلال أباح الله لكم التمتع به. أما هذه الحيوانات التي حرمها الله في الآية فلا يجوز لكم الأكل منها مطلقا.
وقد رجح المحققون من العلماء أن الاستثناء متصل، وقالوا: يؤيد القول بأن الاستثناء متصل الإجماع على أن الذكاة تحلل ما يغلب على الظن أنه يعيش فيكون مخرجا لبعض ما يتناوله المستثنى منه، فيكون الاستثناء فيه متصلا.
هذا ملخص لما قاله العلماء في هذه المسألة ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتب الفروع.
3- إباحة تناول هذه المحرمات عند الضرورة لدفع الضرر، وأن هذه الاباحة مقيدة بقيود ذكرها الفقهاء من أهمها قيدان.
الأول: أن يقصد بالتناول دفع الضرر فقط.
الثاني: ألا يتجاوز ما يسد الحاجة، أما إذا قصد التلذذ أو إرضاء الشهوة، أو تجاوز المقدار الذي يدفع الضرر فإنه في هذه الأحوال يكون واقعا في المحرم الذي نهى الله عنه.
وقد تكلم الإمام ابن كثير عن هذه المسألة فقال: قوله- تعالى- فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. أى: فمن احتاج إلى تناول شيء من هذه المحرمات التي ذكرها الله لضرورة ألجأته إلى ذلك فله تناوله والله غفور له رحيم به، لأنه- تعالى- يعلم حاجة عبده المضطر وافتقاره إلى ذلك فيتجاوز عنه ويغفر له.
وفي المسند وصحيح ابن حبان عن ابن عمر- مرفوعا- قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» .
ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجبا في بعض الأحيان، وهو إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها، وقد يكون مندوبا، وقد يكون مباحا بحسب الأحوال. واختلفوا: هل يتناول منها قدر ما يسد به الرمق، أوله أن يشبع ويتزود على أقوال، وليس من شرط تناول الميتة أن يمضى عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاما، كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم- بل متى اضطر إلى ذلك جاز له.
وقد روى الإمام أحمد عن أبى واقد الليثي أنهم قالوا: يا رسول الله، إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة، فمتى تحل لنا بها الميتة؟ فقال: «إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تحتفثوا بقلا فشأنكم بها» .
والاصطباح شرب اللبن بالغداة فما دون القائلة، وما كان منه بالعشي فهو الاغتباق ومعنى لم تحتفثوا: أى تقتلعوا.
وقوله: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ أى متعاط لمعصية الله.
وقد استدل بهذه الآية من يقول بأن العاصي بسفره لا يترخص بشيء من رخص السفر، لأن الرخص لا تنال بالمعاصي .
4- أخذ العلماء من قوله- تعالى- وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ أن الاستقسام بالأزلام محرم، ومحرم أيضا كل ما يشبهه من القمار والتنجيم والرمل وما إلى ذلك قال بعض العلماء: من عمل بالأزلام في السعد والنحس معتقدا أن لها تأثيرا كفر وإن لم يعتقد أثم.
وقد روى أبو داود والنسائي وابن حبان عن قطن بن قبيصة، عن أبيه أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «العيافة والطرق والطيرة من الجبت» .
والعيافة: زجر الطير. والطرق: الخط يخط في الأرض. وقيل: الطرق الضرب بالحصى الذي تفعله النساء.
وفي القاموس: عفت الطير عيافة زجرتها. وهو أن تعتبر بأسمائها ومساقطها فتسعد وتتشاءم. وهو من عادة العرب كثيرا. والطيرة: من اطيرت وتطيرت وهو ما يتشاءم من الفأل الرديء، وفي الحديث أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يحب الفأل ويكره الطيرة .
والجبت: كل ما عبد من دون الله.
وقد روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوما» وروى الإمام أحمد وأبو داود والحاكم عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم» .
وعن عمران بن حصين مرفوعا: ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له» .
5- استدل بعضهم بقوله- تعالى- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ على نفى القياس وبطلان العمل به لأن إكمال الدين يقتضى أنه نص على أحكام جميع الوقائع إذ لو بقي بعض لم يبين حكمه لم يكن الدين كاملا.
وأجيب على ذلك بأن غاية ما يقتضيه إكمال الدين أن يكون الله- تعالى- قد أبان الطرق لجميع الأحكام وقد أمر الله بالقياس، وتعبد المكلفين به بمثل قوله- تعالى- فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ. فكان هذا مع النصوص الصريحة بيانا لكل أحكام الوقائع، غاية الأمر أن الوقائع صارت قسمين: قسما نص الله على حكمه، وقسما أرشد الله- تعالى- إلى أنه يمكن استنباط الحكم فيه من القسم الأول. فلم تصلح الآية متمسكا لهم .
6- الآية الكريمة قد اشتملت على بشارات لأبناء هذه الأمة الإسلامية فقد بشرتهم- أولا- بأن أعداءهم قد انقطع رجاؤهم في إبطال أمر الإسلام أو تحريفه أو تبديل أحكامه التي كتب الله لها البقاء.
وها نحن أولا. نراجع التاريخ فنرى المسلمين قد تغلب عليهم أعداؤهم في معارك حربية ولكن هؤلاء الأعداء لم يستطيعوا التغلب على أحكام هذا الدين ومبادئه. بل بقيت محفوظة يتناقلها الخلف عن السلف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبة حجة الوداع: «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكنه رضى بالتحريش بينهم» .
وبشرتهم- ثانيا- بإكمال هذا الدين، فأنت ترى نصوصه وافية بكل ما يحتاج إليه البشر، إما بالنص على كل مسألة يحتاجون إليها، أو باندراج هذه المسألة أو المسائل تحت العمومات الشاملة والمبادئ الكلية التي جاء بها دين الإسلام المكتمل في عقائده وفي تشريعاته وفي آدابه، وفي غير ذلك مما يسعد الإنسان.
وبشرتهم- ثالثا- بإتمام نعمة الله عليهم. وأى نعمة أتم على المؤمنين من إخراج الله إياهم من ظلمات الشرك إلى نور الوحدانية ومن تمكينه لهم في الأرض واستخلافهم فيها، وجعل كلمتهم العليا بعد أن كانوا في ضعف من أمرهم وفساد في أحوالهم.
وبشرتهم- رابعا- بأن الله قد اختار لهم الإسلام دينا، وجعله هو الدين المرضى عنده وهو الذي يجب على الناس أن يدخلوا فيه، وأن يعملوا بأوامره ونواهيه، لأنه من الحمق والغباء أن يبتعد إنسان عن الدين الذي اختاره الله وارتضاه ليختاره لنفسه طريقا من نزغات نفسه وهواه.
وهذه بعض الأحكام والآداب التي استلهمها العلماء من الآية الكريمة. وهناك أحكام أخرى ذكرناها خلال تفسيرنا لألفاظ الآية الكريمة.
وبعد أن بين- سبحانه- أنواعا من: المحرمات. شرع في بيان ما أحله لهم من طيبات فقال- تعالى-
يخبر تعالى عباده خبرا متضمنا النهي عن تعاطي هذه المحرمات من الميتة وهي : ما مات من الحيوان حتف أنفه ، من غير ذكاة ولا اصطياد ، وما ذاك إلا لما فيها من المضرة ، لما فيها من الدم المحتقن ، فهي ضارة للدين وللبدن فلهذا حرمها الله ، عز وجل ، ويستثني من الميتة السمك ، فإنه حلال سواء مات بتذكية أو غيرها ، لما رواه مالك في موطئه والشافعي وأحمد في مسنديهما وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر ، فقال : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " .
وهكذا الجراد ، لما سيأتي من الحديث ، وقوله : ( والدم ) يعني [ به ] المسفوح ; لقوله : ( أو دما مسفوحا ) [ الأنعام : 145 ] قاله ابن عباس وسعيد بن جبير .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا كثير بن شهاب المذحجي ، حدثنا محمد بن سعيد بن سابق ، حدثنا عمرو - يعني ابن قيس - عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس : أنه سئل عن الطحال فقال : كلوه . فقالوا : إنه دم . فقال : إنما حرم عليكم الدم المسفوح .
وكذا رواه حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم عن عائشة ، قالت : إنما نهى عن الدم السافح .
وقد قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي : حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحل لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالحوت والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال " .
وكذا رواه أحمد بن حنبل وابن ماجه والدارقطني والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف . قال الحافظ البيهقي : ورواه إسماعيل بن أبي إدريس عن أسامة وعبد الله وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر مرفوعا .
قلت : وثلاثتهم ضعفاء ، ولكن بعضهم أصلح من بعض . وقد رواه سليمان بن بلال أحد الأثبات ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر ، فوقفه بعضهم عليه . قال الحافظ أبو زرعة الرازي : وهو أصح .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسن ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا بشير بن سريج ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة - وهو صدي بن عجلان - قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله ، وأعرض عليهم شرائع الإسلام ، فأتيتهم ، فبينا نحن كذلك إذ جاؤوا بقصعة من دم ، فاجتمعوا عليها يأكلونها ، قالوا : هلم يا صدي فكل . قال : قلت : ويحكم! إنما أتيتكم من عند محرم هذا عليكم ، وأنزل الله عليه ، قالوا : وما ذاك؟ قال : فتلوت عليهم هذه الآية : ( حرمت عليكم الميتة والدم [ ولحم الخنزير ] ) الآية .
ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث ابن أبي الشوارب بإسناد مثله ، وزاد بعد هذا السياق : قال : فجعلت أدعوهم إلى الإسلام ، ويأبون علي ، فقلت لهم : ويحكم ، اسقوني شربة من ماء ، فإني شديد العطش - قال : وعلي عباءتي - فقالوا : لا ولكن ندعك حتى تموت عطشا . قال : فاغتممت وضربت برأسي في العباء ، ونمت على الرمضاء في حر شديد ، قال : فأتاني آت في منامي بقدح من زجاج لم ير الناس أحسن منه ، وفيه شراب لم ير الناس [ شرابا ] ألذ منه ، فأمكنني منها فشربتها ، فحيث فرغت من شرابي استيقظت ، فلا والله ما عطشت ولا عريت بعد تيك الشربة .
ورواه الحاكم في مستدركه ، عن علي بن حمشاذ عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني عبد الله بن سلمة بن عياش العامري ، حدثنا صدقة بن هرمز عن أبي غالب ، عن أبي أمامة ، قد ذكر نحوه وزاد بعد قوله : " بعد تيك الشربة " : فسمعتهم يقولون : أتاكم رجل من سراة قومكم ، فلم تمجعوه بمذقة ، فأتوني بمذقة ، فقلت : لا حاجة لي فيها ، إن الله أطعمني وسقاني ، وأريتهم بطني فأسلموا عن آخرهم .
وما أحسن ما أنشد الأعشى في قصيدته التي ذكرها ابن إسحاق :
وإياك والميتات لا تقربنها ولا تأخذن عظما حديدا فتفصدا
أي : لا تفعل كما يفعل الجاهلية ، وذلك أن أحدهم كان إذا جاع أخذ شيئا محددا من عظم ونحوه ، فيفصد به بعيره أو حيوانا من أي صنف كان ، فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه ; ولهذا حرم الله الدم على هذه الأمة ، ثم قال الأعشى :
وذا النصب المنصوب لا تأتينه ولا تعبد الأصنام والله فاعبدا
وقوله : ( ولحم الخنزير ) يعني : إنسيه ووحشيه ، واللحم يعم جميع أجزائه حتى الشحم ، ولا يحتاج إلى تحذلق الظاهرية في جمودهم هاهنا وتعسفهم في الاحتجاج بقوله : ( فإنه رجس أو فسقا ) يعنون قوله تعالى : ( إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس ) [ الأنعام : 145 ] أعادوا الضمير فيما فهموه على الخنزير ، حتى يعم جميع أجزائه ، وهذا بعيد من حيث اللغة ، فإنه لا يعود الضمير إلا إلى المضاف دون المضاف إليه ، والأظهر أن اللحم يعم جميع الأجزاء كما هو المفهوم من لغة العرب ، ومن العرف المطرد ، وفي صحيح مسلم عن بريدة بن الخصيب الأسلمي ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه " فإذا كان هذا التنفير لمجرد اللمس فكيف يكون التهديد والوعيد الأكيد على أكله والتغذي به ، وفيه دلالة على شمول اللحم لجميع الأجزاء من الشحم وغيره .
وفي الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " . فقيل : يا رسول الله ، أرأيت شحوم الميتة ، فإنها تطلى بها السفن ، وتدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس؟ فقال : " لا هو حرام " .
وفي صحيح البخاري من حديث أبي سفيان : أنه قال لهرقل ملك الروم : " نهانا عن الميتة والدم " .
وقوله : ( وما أهل لغير الله به ) أي : ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله ، فهو حرام ; لأن الله أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم ، فمتى عدل بها عن ذلك وذكر عليها اسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك ، من سائر المخلوقات ، فإنها حرام بالإجماع . وإنما اختلف العلماء في المتروك التسمية عليه ، إما عمدا أو نسيانا ، كما سيأتي تقريره في سورة الأنعام .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا ابن فضيل ، عن الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل قال : نزل آدم بتحريم أربع : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، وإن هذه الأربعة الأشياء لم تحل قط ، ولم تزل حراما منذ خلق الله السموات والأرض ، فلما كانت بنو إسرائيل حرم الله عليهم طيبات أحلت لهم بذنوبهم ، فلما بعث الله عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، نزل بالأمر الأول الذي جاء به آدم [ عليه السلام ] وأحل لهم ما سوى ذلك فكذبوه وعصوه . وهذا أثر غريب .
وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا ربعي بن عبد الله قال : سمعت الجارود بن أبي سبرة - قال : هو جدي - قال : كان رجل من بني رياح يقال له : ابن وثيل ، وكان شاعرا ، نافر - غالبا - أبا الفرزدق بماء بظهر الكوفة ، على أن يعقر هذا مائة من إبله ، وهذا مائة من إبله ، إذا وردت الماء ، فلما وردت الماء قاما إليها بالسيوف ، فجعلا يكسفان عراقيبها . قال : فخرج الناس على الحمرات والبغال يريدون اللحم - قال : وعلي بالكوفة - قال : فخرج علي على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء وهو ينادي : يا أيها الناس ، لا تأكلوا من لحومها فإنما أهل بها لغير الله .
هذا أثر غريب ، ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود : حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا حماد بن مسعدة ، عن عوف عن أبي ريحانة ، عن ابن عباس قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب .
ثم قال أبو داود : محمد بن جعفر - هو غندر - أوقفه على ابن عباس . تفرد به أبو داود
وقال أبو داود أيضا : حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ، حدثنا أبي ، حدثنا جرير بن حازم ، عن الزبير بن خريت قال : سمعت عكرمة يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل .
ثم قال أبو داود : أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس . تفرد به أيضا .
وقوله : ( والمنخنقة ) وهي التي تموت بالخنق إما قصدا أو اتفاقا ، بأن تتخبل في وثاقتها فتموت به ، فهي حرام .
وأما ) الموقوذة ) فهي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد حتى تموت ، كما قال ابن عباس وغير واحد : هي التي تضرب بالخشب حتى توقذ بها فتموت .
وقال قتادة : كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصى حتى إذا ماتت أكلوها .
وفي الصحيح : أن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب . قال : " إذا رميت بالمعراض فخزق فكله ، وإن أصابه بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله " .
ففرق بين ما أصابه بالسهم ، أو بالمزراق ونحوه بحده فأحله ، وما أصابه بعرضه فجعله وقيذا فلم يحله ، وقد أجمع الفقهاء على هذا الحكم هاهنا ، واختلفوا فيما إذا صدم الجارحة الصيد فقتله بثقله ولم يجرحه ، على قولين ، هما قولان للشافعي رحمه الله :
أحدهما : [ أنه ] لا يحل ، كما في السهم ، والجامع أن كلا منهما ميت بغير جرح فهو وقيذ .
والثاني : أنه يحل ; لأنه حكم بإباحة ما صاده الكلب ، ولم يستفصل ، فدل على إباحة ما ذكرناه ; لأنه قد دخل في العموم . وقد قررت لهذه المسألة فصلا فليكتب هاهنا . .
فصل :
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى ، فيما إذا أرسل كلبا على صيد فقتله بثقله ولم يجرحه ، أو صدمه ، هل يحل أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : أن ذلك حلال ; لعموم قوله تعالى : ( فكلوا مما أمسكن عليكم ) [ المائدة : 4 ] وكذا عمومات حديث عدي بن حاتم . وهذا قول حكاه الأصحاب عن الشافعي رحمه الله ، وصححه بعض المتأخرين [ منهم ] كالنووي والرافعي .
قلت : وليس ذلك بظاهر من كلام الشافعي في الأم والمختصر ، فإنه قال في كلا الموضعين : " يحتمل معنيين " . ثم وجه كلا منهما ، فحمل ذلك الأصحاب منه فأطلقوا في المسألة قولين عنه ، اللهم إلا أنه في بحثه حكايته للقول بالحل رشحه قليلا ولم يصرح بواحد منهما ولا جزم به . والقول بذلك - أعني الحل - نقله ابن الصباغ عن أبي حنيفة ، من رواية الحسن بن زياد ، عنه ، ولم يذكر غير ذلك ، وأما أبو جعفر بن جرير فحكاه في تفسيره عن سلمان الفارسي وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وابن عمر . وهذا غريب جدا ، وليس يوجد ذلك مصرحا به عنهم ، إلا أنه من تصرفه ، رحمه الله ورضي عنه .
والقول الثاني : أن ذلك لا يحل ، وهو أحد القولين عن الشافعي رحمه الله ، واختاره المزني ويظهر من كلام ابن الصباغ ترجيحه أيضا ، والله أعلم . ورواه أبو يوسف ومحمد عن أبي حنيفة ، وهو المشهور عن الإمام أحمد بن حنبل ، رضي الله عنه وهذا القول أشبه بالصواب ، والله أعلم ، لأنه أجرى عن القواعد الأصولية ، وأمس بالأصول الشرعية . واحتج ابن الصباغ له بحديث رافع بن خديج ، قلت : يا رسول الله ، إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب ؟ قال : " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه " . الحديث بتمامه ، وهو في الصحيحين .
وهذا وإن كان واردا على سبب خاص ، فالعبرة بعموم اللفظ عند جمهور من العلماء في الأصول والفروع ، كما سئل عليه السلام عن البتع - وهو نبيذ العسل - فقال : " كل شراب أسكر فهو حرام " أفيقول فقيه : إن هذا اللفظ مخصوص بشراب العسل؟ وهكذا هذا كما سألوه عن شيء من الذكاة ، فقال لهم كلاما عاما يشمل ذاك المسئول عنه وغيره ; لأنه عليه السلام قد أوتي جوامع الكلم .
إذا تقرر هذا فما صدمه الكلب أو غمه بثقله ، ليس مما أنهر دمه ، فلا يحل لمفهوم هذا الحديث . فإن قيل : هذا الحديث ليس من هذا القبيل بشيء ; لأنهم إنما سألوا عن الآلة التي يذكى بها ، ولم يسألوا عن الشيء الذي يذكى ; ولهذا استثنى من ذلك السن والظفر ، حيث قال : " ليس السن والظفر ، وسأحدثكم عن ذلك : أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة " . والمستثنى يدل على جنس المستثنى منه ، وإلا لم يكن متصلا فدل على أن المسئول عنه هو الآلة ، فلا يبقى فيه دلالة لما ذكرتم .
فالجواب عن هذا : بأن في الكلام ما يشكل عليكم أيضا ، حيث يقول : " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه " . ولم يقل : " فاذبحوا به " فهذا يؤخذ منه الحكمان معا ، يؤخذ حكم الآلة التي يذكى بها ، وحكم المذكى ، وأنه لا بد من إنهار دمه بآلة ليست سنا ولا ظفرا . هذا مسلك .
والمسلك الثاني : طريقة المزني وهي أن السهم جاء التصريح فيه بأنه إن قتل بعرضه فلا تأكل ، وإن خزق فكل . والكلب جاء مطلقا فيحمل على ما قيد هناك من الخزق ; لأنهما اشتركا في الموجب ، وهو الصيد ، فيجب الحمل هنا وإن اختلف السبب ، كما وجب حمل مطلق الإعتاق في الظهار على تقييده بالإيمان في القتل ، بل هذا أولى . وهذا يتوجه له على من يسلم له أصل هذه القاعدة من حيث هي ، وليس فيها خلاف بين الأصحاب قاطبة ، فلا بد لهم من جواب عن هذا . وله أن يقول : هذا قتله الكلب بثقله ، فلم يحل قياسا على ما قتله السهم بعرضه والجامع أن كلا منهما آلة للصيد ، وقد مات بثقله فيهما . ولا يعارض ذلك بعموم الآية ; لأن القياس مقدم على العموم ، كما هو مذهب الأئمة الأربعة والجمهور ، وهذا مسلك حسن أيضا .
مسلك آخر ، وهو : أن قوله تعالى : ( فكلوا مما أمسكن عليكم ) [ المائدة : 4 ] عام فيما قتلن بجرح أو غيره ، لكن هذا المقتول على هذه الصورة المتنازع فيها لا يخلو : إما أن يكون نطيحا أو في حكمه ، أو منخنقا أو في حكمه ، وأيا ما كان فيجب تقديم [ حكم ] هذه الآية على تلك لوجوه :
أحدها : أن الشارع قد اعتبر حكم هذه الآية حالة الصيد ، حيث يقول لعدي بن حاتم : " وإن أصابه بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله " . ولم نعلم أحدا من العلماء فصل بين حكم وحكم من هذه الآية ، فقال : إن الوقيذ معتبر حالة الصيد ، والنطيح ليس معتبرا ، فيكون القول بحل المتنازع فيه خرقا للإجماع لا قائل به ، وهو محظور عند كثير من العلماء .
الثاني : أن تلك الآية : ( فكلوا مما أمسكن عليكم ) [ المائدة : 4 ] ليست على عمومها بالإجماع ، بل مخصوصة بما صدن من الحيوان المأكول ، وخرج من عموم لفظها الحيوان غير المأكول بالاتفاق ، والعموم المحفوظ مقدم على غير المحفوظ . .
المسلك الآخر : أن هذا الصيد - والحالة هذه - في حكم الميتة سواء ; لأنه قد احتقن فيه الدماء وما يتبعها من الرطوبات ، فلا تحل قياسا على الميتة .
المسلك الآخر : أن آية التحريم ، أعني قوله : ( حرمت عليكم الميتة ) إلى آخرها محكمة لم يدخلها نسخ ولا تخصيص ، وكذا ينبغي أن تكون آية التحليل محكمة ، أعني قوله : ( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات [ وما علمتم من الجوارح مكلبين ] ) [ المائدة : 4 ] فينبغي ألا يكون بينهما تعارض أصلا وتكون السنة جاءت لبيان ذلك ، وشاهد ذلك قصة السهم ، فإنه ذكر حكم ما دخل في هذه الآية ، وهو ما إذا خزفه المعراض فيكون حلالا ; لأنه من الطيبات ، وما دخل في حكم تلك الآية ، آية التحريم ، وهو ما إذا أصابه بعرض فلا يؤكل ; لأنه وقيذ ، فيكون أحد أفراد آية التحريم ، وهكذا يجب أن يكون حكم هذا سواء ، إن كان قد جرحه الكلب فهو داخل في حكم آية التحليل . وإن لم يجرحه بل صدمه أو قتله بثقله فهو نطيح أو في حكمه فلا يكون حلالا .
فإن قيل : فلم لا فصل في حكم الكلب ، فقال ما ذكرتم : إن جرحه فهو حلال ، وإن لم يجرحه فهو حرام ؟
فالجواب : أن ذلك نادر ; لأن من شأن الكلب أن يقتل بظفره أو نابه أو بهما معا ، وأما اصطدامه هو والصيد فنادر ، وكذا قتله إياه بثقله ، فلم يحتج إلى الاحتراز من ذلك لندوره ، أو لظهور حكمه عند من علم تحريم الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة . وأما السهم والمعراض فتارة يخطئ لسوء رمي راميه أو للهواء أو نحو ذلك ، بل خطؤه أكثر من إصابته ; فلهذا ذكر كلا من حكميه مفصلا ، والله أعلم ; ولهذا لما كان الكلب من شأنه أنه قد يأكل من الصيد ، ذكر حكم ما إذا أكل من الصيد ، فقال : " إن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه " وهذا صحيح ثابت في الصحيحين وهو أيضا مخصوص من عموم آية التحليل عند كثيرين فقالوا : لا يحل ما أكل منه الكلب ، حكي ذلك عن أبي هريرة وابن عباس . وبه قال الحسن والشعبي والنخعي . وإليه ذهب أبو حنيفة وصاحباه وأحمد بن حنبل والشافعي في المشهور عنه . وروى ابن جرير في تفسيره عن علي وسعد وسلمان وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس : أن الصيد يؤكل وإن أكل منه الكلب ، حتى قال سعد وسلمان وأبو هريرة وابن عمر ، وغيرهم : يؤكل ولو لم يبق منه إلا بضعة . وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي في قوله القديم ، وأومأ في الجديد إلى قولين ، قال ذلك الإمام أبو نصر ابن الصباغ وغيره من الأصحاب عنه .
وقد روى أبو داود بإسناد جيد قوي ، عن أبي ثعلبة الخشني ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في صيد الكلب : " إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه ، وكل ما ردت عليك يدك " .
ورواه أيضا النسائي من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ; أن أعرابيا يقال له : أبو ثعلبة قال : يا رسول الله ، فذكر نحوه .
وقال محمد بن جرير في تفسيره : حدثنا عمران بن بكار الكلاعي ، حدثنا عبد العزيز بن موسى - هو اللاحوني - حدثنا محمد بن دينار - هو الطاحي - عن أبي إياس - وهو معاوية بن قرة - عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان الفارسي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه ، فليأكل ما بقي .
ثم إن ابن جرير علله بأنه قد رواه قتادة وغيره عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان موقوفا وأما الجمهور فقدموا حديث " عدي " على ذلك ، وراموا تضعيف حديث أبي ثعلبة وغيره . وقد حمله بعض العلماء على أنه إن أكل بعد ما انتظر صاحبه وطال عليه الفصل ولم يجئ ، فأكل منه لجوعه ونحوه ، فإنه لا بأس بذلك ; لأنه - والحالة هذه ; لا يخشى أنه أمسك على نفسه ، بخلاف ما إذا أكل منه أول وهلة ، فإنه يظهر منه أنه أمسك على نفسه ، والله أعلم .
فأما الجوارح من الطير فنص الشافعي على أنها كالكلاب ، فيحرم ما أكلت منه عند الجمهور ، ولا يحرم عند الآخرين . واختار المزني من أصحابنا أنه لا يحرم أكل ما أكلت منه الطيور والجوارح ، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد قالوا : لأنه لا يمكن تعليمها كما يعلم الكلب بالضرب ونحوه ، وأيضا فإنها لا تعلم إلا بأكلها من الصيد ، فيعفى عن ذلك ، وأيضا فالنص إنما ورد في الكلب لا في الطير . وقال الشيخ أبو علي في " الإفصاح " : إذا قلنا : يحرم ما أكل منه الكلب ، ففي تحريم ما أكل منه الطير وجهان ، وأنكر القاضي أبو الطيب هذا التفريع والترتيب ، لنص الشافعي رحمه الله على التسوية بينهما ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما ) المتردية ) فهي التي تقع من شاهق أو موضع عال فتموت بذلك ، فلا تحل .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( المتردية ) التي تسقط من جبل . وقال قتادة : هي التي تتردى في بئر .
وقال السدي : هي التي تقع من جبل أو تتردى في بئر .
وأما ) النطيحة ) فهي التي ماتت بسبب نطح غيرها لها ، فهي حرام ، وإن جرحها القرن وخرج منها الدم ولو من مذبحها .
والنطيحة فعيلة بمعنى مفعولة ، أي : منطوحة . وأكثر ما ترد هذه البنية في كلام العرب بدون تاء التأنيث ، فيقولون : كف خضيب ، وعين كحيل ، ولا يقولون : كف خضيبة ، ولا عين كحيلة : وأما هذه فقال بعض النحاة : إنما استعمل فيها تاء التأنيث ; لأنها أجريت مجرى الأسماء ، كما في قولهم : طريقة طويلة . وقال بعضهم : إنما أتي بتاء التأنيث فيها لتدل على التأنيث من أول وهلة ، بخلاف : عين كحيل ، وكف خضيب ; لأن التأنيث مستفاد من أول الكلام .
وقوله : ( وما أكل السبع ) أي : ما عدا عليها أسد ، أو فهد ، أو نمر ، أو ذئب ، أو كلب ، فأكل بعضها فماتت بذلك ، فهي حرام وإن كان قد سال منها الدماء ولو من مذبحها ، فلا تحل بالإجماع . وقد كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاة أو البعير أو البقرة ونحو ذلك فحرم الله ذلك على المؤمنين .
وقوله : ( إلا ما ذكيتم ) عائد على ما يمكن عوده عليه ، مما انعقد سبب موته فأمكن تداركه بذكاة ، وفيه حياة مستقرة ، وذلك إنما يعود على قوله : ( والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع )
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( إلا ما ذكيتم ) يقول : إلا ما ذبحتم من هؤلاء وفيه روح ، فكلوه ، فهو ذكي . وكذا روي عن سعيد بن جبير والحسن البصري والسدي .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا حفص بن غياث حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي قال : ( وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ) قال : إن مصعت بذنبها أو ركضت برجلها ، أو طرفت بعينها فكل .
وقال ابن جرير : حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا هشيم وعباد قالا : حدثنا حجاج عن حصين عن الشعبي عن الحارث عن علي قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة ، وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها .
وهكذا روي عن طاوس والحسن وقتادة وعبيد بن عمير والضحاك وغير واحد : أن المذكاة متى تحركت بحركة تدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح ، فهي حلال . وهذا مذهب جمهور الفقهاء ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل . وقال ابن وهب : سئل مالك عن الشاة التي يخرق جوفها السبع حتى تخرج أمعاؤها ؟ فقال مالك : لا أرى أن تذكي أي شيء يذكى منها .
وقال أشهب : سئل مالك عن الضبع يعدو على الكبش ، فيدق ظهره أترى أن يذكى قبل أن يموت ، فيؤكل ؟ قال إن كان قد بلغ السحرة ، فلا أرى أن يؤكل وإن كان أصاب أطرافه ، فلا أرى بذلك بأسا . قيل له : وثب عليه فدق ظهره ؟ فقال : لا يعجبني ، هذا لا يعيش منه . قيل له : فالذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها ولا يشق الأمعاء ؟ فقال : إذا شق بطنها فلا أرى أن تؤكل .
هذا مذهب مالك رحمه الله ، وظاهر الآية عام فيما استثناه مالك رحمه الله من الصور التي بلغ الحيوان فيها إلى حالة لا يعيش بعدها ، فيحتاج إلى دليل مخصص للآية ، والله أعلم .
وفي الصحيحين : عن رافع بن خديج أنه قال : قلت : يا رسول الله ، إنا لاقو العدو غدا ، وليس معنا مدى ، أفنذبح بالقصب ؟ فقال : " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ، ليس السن والظفر ، وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة " .
وفي الحديث الذي رواه الدارقطني [ عن أبي هريرة ] مرفوعا ، وفيه نظر ، وروي عن عمر موقوفا ، وهو أصح " ألا إن الذكاة في الحلق واللبة ، ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق " .
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من رواية حماد بن سلمة ، عن أبي العشراء الدارمي ، عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ، أما تكون الذكاة إلا من اللبة والحلق ؟ فقال : " لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك .
وهو حديث صحيح ولكنه محمول على ما [ لم ] يقدر على ذبحه في الحلق واللبة .
وقوله : ( وما ذبح على النصب ) قال مجاهد وابن جريج كانت النصب حجارة حول الكعبة قال ابن جريج : وهي ثلاثمائة وستون نصبا ، كان العرب في جاهليتها يذبحون عندها ، وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح ، ويشرحون اللحم ويضعونه على النصب .
وكذا ذكره غير واحد ، فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع ، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله . وينبغي أن يحمل هذا على هذا ; لأنه قد تقدم تحريم ما أهل به لغير الله .
وقوله تعالى : ( وأن تستقسموا بالأزلام ) أي : حرم عليكم أيها المؤمنون الاستقسام بالأزلام : واحدها : زلم ، وقد تفتح الزاي ، فيقال : زلم ، وقد كانت العرب في جاهليتها يتعاطون ذلك ، وهي عبارة عن قداح ثلاثة ، على أحدها مكتوب : " أفعل " وعلى الآخر : " لا تفعل " والثالث " غفل ليس عليه شيء . ومن الناس من قال : مكتوب على الواحد : " أمرني ربي " وعلى الآخر : " نهاني ربي " . والثالث غفل ليس عليه شيء ، فإذا أجالها فطلع السهم الآمر فعله ، أو الناهي تركه ، وإن طلع الفارغ أعاد [ الاستقسام ]
والاستقسام : مأخوذ من طلب القسم من هذه الأزلام . هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا الحجاج بن محمد ، أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء ، عن عطاء عن ابن عباس : ( وأن تستقسموا بالأزلام ) قال : والأزلام : قداح كانوا يستقسمون بها في الأمور .
وكذا روي عن مجاهد وإبراهيم النخعي والحسن البصري ومقاتل بن حيان .
وقال ابن عباس : هي القداح كانوا يستقسمون بها الأمور . وذكر محمد بن إسحاق وغيره : أن أعظم أصنام قريش صنم كان يقال له : هبل ، وكان داخل الكعبة ، منصوب على بئر فيها ، توضع الهدايا وأموال الكعبة فيه ، كان عنده سبعة أزلام مكتوب فيها ما يتحاكمون فيه ، مما أشكل عليهم ، فما خرج لهم منها رجعوا إليه ولم يعدلوا عنه .
وثبت في الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة وجد إبراهيم وإسماعيل مصورين فيها ، وفي أيديهما الأزلام ، فقال : " قاتلهم الله ، لقد علموا أنهما لم يستقسما بها أبدا "
وفي الصحيح : أن سراقة بن مالك بن جعشم لما خرج في طلب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وهما ذاهبان إلى المدينة مهاجرين ، قال : فاستقسمت بالأزلام هل أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره : لا تضرهم . قال : فعصيت الأزلام وأتبعتهم ، ثم إنه استقسم بها ثانية وثالثة ، كل ذلك يخرج الذي يكره : لا تضرهم وكان كذلك وكان سراقة لم يسلم إذ ذاك ، ثم أسلم بعد ذلك .
وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن يزيد ، عن رقبة عن عبد الملك بن عمير ، عن رجاء بن حيوة ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يلج الدرجات من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر طائرا " .
وقال مجاهد في قوله : ( وأن تستقسموا بالأزلام ) قال : هي سهام العرب ، وكعاب فارس والروم كانوا يتقامرون بها .
وهذا الذي ذكر عن مجاهد في الأزلام أنها موضوعة للقمار فيه نظر ، اللهم إلا أن يقال : إنهم كانوا يستعملونها في الاستخارة تارة ، وفي القمار أخرى ، والله أعلم . فإن الله سبحانه [ وتعالى ] قد فرق بين هذه وبين القمار وهو الميسر ، فقال في آخر السورة : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء [ في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم ] منتهون ) [ الآيتان : 90 ، 91 ] وهكذا قال هاهنا : ( وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق ) أي : تعاطيه فسق وغي وضلال وجهالة وشرك ، وقد أمر الله المؤمنين إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه بأن يعبدوه ، ثم يسألوه الخيرة في الأمر الذي يريدونه ، كما رواه الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن ، من طرق عن عبد الرحمن بن أبي الموالي ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن ، ويقول : " إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ; فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر - ويسميه باسمه - خيرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، فاقدره لي ويسره لي وبارك لي فيه ، اللهم إن كنت تعلمه شرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، فاصرفني عنه ، واصرفه عني ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم رضني به " . لفظ أحمد .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي الموالي .
قوله : ( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني : يئسوا أن يراجعوا دينهم . .
وكذا روي عن عطاء بن أبي رباح والسدي ومقاتل بن حيان . وعلى هذا المعنى يرد الحديث الثابت في الصحيح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن بالتحريش بينهم " .
ويحتمل أن يكون المراد : أنهم يئسوا من مشابهة المسلمين ، بما تميز به المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك وأهله ; ولهذا قال تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يصبروا ويثبتوا في مخالفة الكفار ، ولا يخافوا أحدا إلا الله ، فقال : ( فلا تخشوهم واخشون ) أي : لا تخافوا منهم في مخالفتكم إياهم واخشوني أنصركم عليهم وأبيدهم وأظفركم بهم ، وأشف صدوركم منهم ، وأجعلكم فوقهم في الدنيا والآخرة .
وقوله : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) هذه أكبر نعم الله عز وجل ، على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره ، ولا إلى نبي غير نبيهم ، صلوات الله وسلامه عليه ; ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء ، وبعثه إلى الإنس والجن ، فلا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا دين إلا ما شرعه ، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف ، كما قال تعالى : ( وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا ) [ الأنعام : 115 ] أي : صدقا في الأخبار ، وعدلا في الأوامر والنواهي ، فلما أكمل الدين لهم تمت النعمة عليهم ; ولهذا قال [ تعالى ] ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) أي : فارضوه أنتم لأنفسكم ، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام ، وأنزل به أشرف كتبه .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) وهو الإسلام ، أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان ، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا ، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا ، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا .
وقال أسباط عن السدي : نزلت هذه الآية يوم عرفة ، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات . قالت أسماء بنت عميس : حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحجة ، فبينما نحن نسير إذ تجلى له جبريل ، فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الراحلة ، فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن ، فبركت فأتيته فسجيت عليه بردا كان علي .
قال ابن جريج وغير واحد : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوما .
رواهما ابن جرير ، ثم قال : حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن فضيل ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال : لما نزلت ( اليوم أكملت لكم دينكم ) وذلك يوم الحج الأكبر ، بكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك؟ " قال : أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا ، فأما إذ أكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص . فقال : " صدقت " .
ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت : " إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا ، فطوبى للغرباء " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا جعفر بن عون ، حدثنا أبو العميس ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] فقال : يا أمير المؤمنين ، إنكم تقرءون آية في كتابكم ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . قال : وأي آية؟ قال قوله : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) فقال عمر : والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نزلت عشية عرفة في يوم جمعة .
ورواه البخاري عن الحسن بن الصباح عن جعفر بن عون به . ورواه أيضا مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن قيس بن مسلم ، به ولفظ البخاري عند تفسير هذه الآية من طريق سفيان الثوري ، عن قيس عن طارق قال : قالت اليهود لعمر : إنكم تقرؤون آية ، لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا . فقال عمر : إني لأعلم حين أنزلت ، وأين أنزلت وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أنزلت يوم عرفة ، وأنا والله بعرفة - قال سفيان : وأشك كان يوم الجمعة أم لا ( اليوم أكملت لكم دينكم ) الآية .
وشك سفيان رحمه الله ، إن كان في الرواية فهو تورع ، حيث شك هل أخبره شيخه بذلك أم لا؟ وإن كان شكا في كون الوقوف في حجة الوداع كان يوم جمعة ، فهذا ما إخاله يصدر عن الثوري رحمه الله ، فإن هذا أمر معلوم مقطوع به ، لم يختلف فيه أحد من أصحاب المغازي والسير ولا من الفقهاء ، وقد وردت في ذلك أحاديث متواترة لا يشك في صحتها ، والله أعلم ، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا رجاء بن أبي سلمة ، أخبرنا عبادة بن نسي ، أخبرنا أميرنا إسحاق - قال أبو جعفر بن جرير : هو إسحاق بن خرشة - عن قبيصة - يعني ابن ذؤيب - قال : قال كعب : لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية ، لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم ، فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه . فقال عمر : أي آية يا كعب ؟ فقال : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) فقال عمر : قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه ، والمكان الذي أنزلت فيه ، نزلت في يوم جمعة ويوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا قبيصة حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمار - هو مولى بني هاشم - أن ابن عباس قرأ : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) فقال يهودي : لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا يومها عيدا . فقال ابن عباس : فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين : يوم عيد ويوم جمعة .
وقال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا يحيى بن الحماني ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن إسماعيل بن سلمان ، عن أبي عمر البزار ، عن ابن الحنفية ، عن علي [ رضي الله عنه ] قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قائم عشية عرفة : ( اليوم أكملت لكم دينكم )
وقال ابن جرير : حدثنا أبو عامر إسماعيل بن عمرو السكوني ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا ابن عياش ، حدثنا عمرو بن قيس السكوني : أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر ينتزع بهذه الآية : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) حتى ختمها ، فقال : نزلت في يوم عرفة ، في يوم جمعة .
وروى ابن مردويه ، من طريق محمد بن إسحاق ، عن عمر بن موسى بن وجيه ، عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال : نزلت هذه الآية : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) يوم عرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على الموقف .
فأما ما رواه ابن جرير وابن مردويه والطبراني من طريق ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن حنش بن عبد الله الصنعاني ، عن ابن عباس قال : ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، [ ونبئ يوم الاثنين ] وخرج من مكة يوم الاثنين ، ودخل المدينة يوم الاثنين ، وأنزلت سورة المائدة يوم الاثنين : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) ورفع الذكر يوم الاثنين ، فإنه أثر غريب وإسناده ضعيف .
وقد رواه الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن حنش الصنعاني ، عن ابن عباس قال : ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، واستنبئ يوم الاثنين ، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين ، وقدم المدينة يوم الاثنين ، وتوفي يوم الاثنين ، ووضع الحجر الأسود يوم الاثنين .
هذا لفظ أحمد ولم يذكر نزول المائدة يوم الاثنين فالله أعلم . ولعل ابن عباس أراد أنها نزلت يوم عيدين اثنين كما تقدم ، فاشتبه على الراوي ، والله أعلم .
[ و ] قال ابن جرير : وقد قيل : ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس ، ثم روي من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) يقول : ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس قال : وقد قيل : إنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى حجة الوداع . ثم رواه من طريق أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس .
قلت : وقد روى ابن مردويه من طريق أبي هارون العيدي ، عن أبي سعيد الخدري ; أنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم حين قال لعلي : " من كنت مولاه فعلي مولاه " . ثم رواه عن أبي هريرة وفيه : أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، يعني مرجعه عليه السلام من حجة الوداع .
ولا يصح هذا ولا هذا ، بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية : أنها أنزلت يوم عرفة ، وكان يوم جمعة ، كما روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ، وأول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان ، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس وسمرة بن جندب ، رضي الله عنهم ، وأرسله [ عامر ] الشعبي وقتادة بن دعامة وشهر بن حوشب ، وغير واحد من الأئمة والعلماء ، واختاره ابن جرير الطبري ، رحمه الله .
وقوله : ( فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ) أي : فمن احتاج إلى تناول شيء من هذه المحرمات التي ذكرها تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك ، فله تناول ذلك ، والله غفور رحيم له ; لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر ، وافتقاره إلى ذلك ، فيتجاوز عنه ويغفر له . وفي المسند وصحيح ابن حبان ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب أن تؤتى رخصته كما يكره أن تؤتى معصيته " لفظ ابن حبان . وفي لفظ لأحمد من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة " .
ولهذا قال الفقهاء : قد يكون تناول الميتة واجبا في بعض الأحيان ، وهو ما إذا خاف على مهجته التلف ولم يجد غيرها ، وقد يكون مندوبا ، و [ قد ] يكون مباحا بحسب الأحوال . واختلفوا : هل يتناول منها قدر ما يسد به الرمق ، أو له أن يشبع ، أو يشبع ويتزود؟ على أقوال ، كما هو مقرر في كتاب الأحكام . وفيما إذا وجد ميتة وطعام الغير ، أو صيدا وهو محرم : هل يتناول الميتة ، أو ذلك الصيد ويلزمه الجزاء ، أو ذلك الطعام ويضمن بدله؟ على قولين ، هما قولان للشافعي رحمه الله . وليس من شرط جواز تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاما ، كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم ، بل متى اضطر إلى ذلك جاز له ، وقد قال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي حدثنا حسان بن عطية ، عن أبي واقد الليثي أنهم قالوا : يا رسول الله ، إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة ، فمتى تحل لنا بها الميتة ؟ فقال : " إذا لم تصطبحوا ، ولم تغتبقوا ، ولم تجتفئوا بقلا فشأنكم بها " .
تفرد به أحمد من هذا الوجه ، وهو إسناد صحيح على شرط الصحيحين . وكذا رواه ابن جرير ، عن عبد الأعلى بن واصل ، عن محمد بن القاسم الأسدي ، عن الأوزاعي به ، لكن رواه بعضهم عن الأوزاعي عن حسان بن عطية ، عن مسلم بن يزيد ، عن أبي واقد ، به ومنهم من رواه عن الأوزاعي عن حسان عن مرثد - أو أبي مرثد - عن أبي واقد ، به ورواه ابن جرير عن هناد بن السري ، عن عيسى بن يونس ، عن حسان عن رجل قد سمي له ، فذكره . ورواه أيضا عن هناد عن ابن المبارك ، عن الأوزاعي عن حسان مرسلا .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن عون قال : وجدت عند الحسن كتاب سمرة فقرأته عليه ، فكان فيه : " ويجزى من الاضطرار غبوق أو صبوح " .
حدثنا أبو كريب ، حدثنا هشيم عن الخصيب بن زيد التميمي حدثنا الحسن أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : [ إلى ] متى يحل [ لي ] الحرام؟ قال : فقال : " إلى متى يروى أهلك من اللبن ، أو تجيء ميرتهم " .
حدثنا ابن حميد ، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق ، حدثنا عمر بن عبد الله بن عروة ، عن جده عروة بن الزبير ، عن جدته ; أن رجلا من الأعراب أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه في الذي حرم الله عليه ، والذي أحل له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تحل لك الطيبات ، وتحرم عليك الخبائث إلا أن تفتقر إلى طعام لا يحل لك ، فتأكل منه حتى تستغني عنه " . فقال الرجل : وما فقري الذي يحل لي؟ وما غناي الذي يغنيني عن ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا كنت ترجو
حرمت عليكم الميتة
القول في تأويل قوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة } يعني بذلك جل ثناؤه : حرم الله عليكم أيها المؤمنون الميتة , والميتة : كل ما له نفس سائلة من دواب البر وطيره , مما أباح الله أكلها , وأهليها ووحشيها , فارقتها روحها بغير تذكية . وقد قال بعضهم : الميتة : هو كل ما فارقته الحياة من دواب البر وطيره بغير تذكية مما أحل الله أكله . وقد بينا العلة الموجبة صحة القول بما قلنا في ذلك في كتابنا : كتاب " لطيف القول في الأحكام " .والدم
وأما الدم : فإنه الدم المسفوح دون ما كان منه غير مسفوح ; لأن الله جل ثناؤه قال : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير } فأما ما كان قد صار في معنى اللحم كالكبد والطحال , وما كان في اللحم غير منسفح , فإن ذلك غير حرام , لإجماع الجميع على ذلك .ولحم الخنزير
وأما قوله : { ولحم الخنزير } فإنه يعني : وحرم عليكم لحم الخنزير , أهليه وبريه . فالميتة والدم مخرجهما في الظاهر مخرج عموم , والمراد منهما الخصوص وأما لحم الخنزير , فإن ظاهره كباطنه وباطنه كظاهره , حرام جميعه لم يخصص منه شيء .وما أهل لغير الله به
وأما قوله : { وما أهل لغير الله به } فإنه يعني : وما ذكر عليه غير اسم الله . وأصله من استهلال الصبي وذلك إذا صاح حين يسقط من بطن أمه , ومنه إهلال المحرم بالحج إذا لبى به , ومنه قول ابن أحمر : يهل بالفرقد ركبانها كما يهل الراكب المعتمر وإنما عنى بقوله : { وما أهل لغير الله به } وما ذبح للآلهة وللأوثان يسمى عليه غير اسم الله . وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل , وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فيما مضى فكرهنا إعادته .والمنخنقة
القول في تأويل قوله تعالى : { والمنخنقة } اختلفت أهل التأويل في صفة الانخناق الذي عنى الله جل ثناؤه بقوله { والمنخنقة } فقال بعضهم بما : 8648 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { والمنخنقة } قال : التي تدخل رأسها بين شعبتين من شجرة , فتختنق فتموت . 8649 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك , في المنخنقة , قال : التي تختنق فتموت . 8650 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : حدثنا معمر , عن قتادة في قوله : { والمنخنقة } التي تموت في خناقها . وقال آخرون : هي التي توثق فيقتلها بالخناق وثاقها . ذكر من قال ذلك : 8651 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ , يقول : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { والمنخنقة } قال : الشاة توثق , فيقتلها خناقها , فهي حرام . وقال آخرون : بل هي البهيمة من النعم , كان المشركون يخنقونها حتى تموت , فحرم الله أكلها . ذكر من قال ذلك : 8652 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { والمنخنقة } التي تخنق فتموت . 8653 - حدثنا بشر قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والمنخنقة } كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة , حتى إذا ماتت أكلوها . وأولى هذه الأقوال بالصواب , قول من قال : هي التي تختنق , إما في وثاقها , وإما بإدخال رأسها في الموضع الذي لا تقدر على التخلص منه فتختنق حتى تموت . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك من غيره ; لأن المنخنقة : هي الموصوفة بالانخناق دون خنق غيرها لها , ولو كان معنيا بذلك أنها مفعول بها لقيل : والمخنوقة , حتى يكون معنى الكلام ما قالوا .والموقوذة
القول في تأويل قوله تعالى : { والموقوذة } يعني جل ثناؤه بقوله { والموقوذة } والميتة وقيذا , يقال منه : وقذه يقذه وقذا : إذا ضربه حتى أشرف على الهلاك , ومنه قول الفرزدق : شغارة تقذ الفصيل برجلها فطارة لقوادم الأبكار وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 8654 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { والموقوذة } قال : الموقوذة التي تضرب بالخشب حتى يقذها فتموت . 8655 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال ثنا سعيد , عن قتادة : { والموقوذة } كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصا , حتى إذا ماتت أكلوها . * - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا روح , قال : ثنا شعبة , عن قتادة في قوله : { والموقوذة } قال : كانوا يضربونها حتى يقذوها , ثم يأكلوها . * - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { والموقوذة } التي توقذ فتموت . 8656 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك , قال : { الموقوذة } التي تضرب حتى تموت . 8657 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { والموقوذة } قال : هي التي تضرب فتموت . 8658 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سلمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { والموقوذة } كانت الشاة أو غيرها من الأنعام تضرب بالخشب لآلهتهم حتى يقتلوها فيأكلوها . * - حدثنا العباس بن الوليد , قال : أخبرني عقبة بن علقمة , ثني إبراهيم بن أبي عبلة , قال : ثني نعيم بن سلامة , عن أبي عبد الله الصنابحي , قال : ليست الموقوذة إلا في مالك , وليس في الصيد وقيذ .والمتردية
القول في تأويل قوله تعالى : { والمتردية } يعني بذلك جل ثناؤه : وحرمت عليكم الميتة ترديا من جبل , أو في بئر , أو غير ذلك . وترديها : رميها بنفسها من مكان عال مشرف إلى سفله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 8659 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { والمتردية } قال : التي تتردى من الجبل . 8660 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والمتردية } كانت تتردى في البئر فتموت فيأكلونها . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا روح , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والمتردية } قال : التي تردت في البئر . 8661 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي في قوله : { والمتردية } قال : هي التي تردى من الجبل أو في البئر , فتموت . 8662 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك : { والمتردية } التي تردى من الجبل فتموت . 8663 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , يقول : ثنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { والمتردية } قال : التي تخر في ركي أو من رأس جبل فتموت .والنطيحة
القول في تأويل قوله تعالى : { والنطيحة } يعني بقوله { النطيحة } الشاة التي تنطحها أخرى فتموت من النطاح بغير تذكية , فحرم الله جل ثناؤه ذلك على المؤمنين إن لم يدركوا ذكاته قبل موته . وأصل النطيحة : المنطوحة , صرفت من مفعولة إلى فعيلة . فإن قال قائل : وكيف أثبتت الهاء هاء التأنيث فيها , وأنت تعلم أن العرب لا تكاد تثبت الهاء في نظائرها إذا صرفوها صرف النطيحة من مفعول إلى فعيل , إنما تقول : لحية دهين , وعين كحيل , وكف خضيب , ولا يقولون كف خضيبة ولا عين كحيلة ؟ قيل : قد اختلفت أهل العربية في ذلك , فقال بعض نحويي البصرة : أثبتت فيها الهاء , أعني في النطيحة ; لأنها جعلت كالاسم مثل الطويلة والطريقة فكأن قائل هذا القول وجه النطيحة إلى معنى الناطحة . فتأويل الكلام على مذهبه : وحرمت عليكم الميتة نطاحا , كأنه عنى : وحرمت عليكم الناطحة التي تموت من نطاحها . وقال بعض نحويي الكوفة : إنما تحذف العرب الهاء من الفعيلة المصروفة عن المفعول إذا جعلتها صفة لاسم , قد تقدمها , فتقول : رأينا كفا خضيبا وعينا كحيلا . فأما إذا حذفت الكف والعين والاسم الذي يكون فعيل نعتا لها واجتزءوا بفعيل منها , أثبتوا فيه هاء التأنيث , ليعلم بثبوتها فيه أنها صفة للمؤنث دون المذكر , فتقول : رأينا كحيلة وخضيبة وأكيلة السبع , قالوا : ولذلك أدخلت الهاء في النطيحة ; لأنها صفة المؤنث , ولو أسقطت منها لم يدر أهي صفة مؤنث أو مذكر . وهذا القول هو أولى القولين في ذلك بالصواب الشائع من أقوال أهل التأويل , بأن معنى النطيحة : المنطوحة . ذكر من قال ذلك : 8664 - حدثني المثنى , قال ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن أبي عباس , قوله : { والنطيحة } قال : الشاة تنطح الشاة . 8665 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , عن قيس , عن أبي إسحاق , عن أبي ميسرة , قال : كان يقرأ : " والمنطوحة " . 8666 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك : { والنطيحة } الشاتان تنتطحان فتموتان . 8667 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { والنطيحة } هي التي تنطحها الغنم والبقر فتموت . يقول : هذا حرام ; لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه . 8668 - حدثنا بشر , قال ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والنطيحة } كان الكبشان ينتطحان , فيموت أحدهما , فيأكلونه . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا روح , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والنطيحة } الكبشان ينتطحان فيقتل أحدهما الآخر , فيأكلونه . * - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد , , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { والنطيحة } قال : الشاة تنطح الشاة فتموت .وما أكل السبع
القول في تأويل قوله تعالى : { وما أكل السبع } يعني جل ثناؤه بقوله : { وما أكل السبع } وحرم عليكم ما أكل السبع غير المعلم من الصوائد . وكذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 8669 - حدثني المثنى , قال ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { وما أكل السبع } يقول : ما أخذ السبع . 8670 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك : { وما أكل السبع } يقول : ما أخذ السبع . 8671 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { وما أكل السبع } قال : كان أهل الجاهلية إذا قتل السبع شيئا من هذا أو أكل منه , أكلوا ما بقي . 8672 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , عن قيس , عن عطاء بن السائب , عن أبي الربيع , عن ابن عباس أنه قرأ : " وأكيل السبع " .إلا ما ذكيتم
القول في تأويل قوله تعالى : { إلا ما ذكيتم } يعني جل ثناؤه بقوله : { إلا ما ذكيتم } إلا ما طهرتموه بالذبح الذي جعله الله طهورا . ثم اختلف أهل التأويل فيما استثنى الله بقوله : { إلا ما ذكيتم } فقال بعضهم : استثنى من جميع ما سمى الله تحريمه , من قوله { وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع } ذكر من قال ذلك : 8673 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { إلا ما ذكيتم } يقول : ما أدركت ذكاته من هذا كله , يتحرك له ذنب أو تطرف له عين , فاذبح واذكر اسم الله عليه فهو حلال . 8674 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن فضيل , عن أشعث , عن الحسن : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } قال الحسن : أي هذا أدركت ذكاته فذكه وكل . فقلت : يا أبا سعيد كيف أعرف ؟ قال : إذا طرفت بعينها أو ضربت بذنبها . 8675 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { إلا ما ذكيتم } قال : فكل هذا الذي سماه الله عز وجل هاهنا ما خلا لحم الخنزير إذا أدركت منه عينا تطرف أو ذنبا يتحرك أو قائمة تركض , فذكيته , فقد أحل الله لك ذلك . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { إلا ما ذكيتم } من هذا كله , فإذا وجدتها تطرف عينها , أو تحرك أذنها من هذا كله , فهي لك حلال . 8676 - حدثنا حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني هشيم وعباد , قالا : أخبرنا حجاج , عن حصين , عن الشعبي , عن الحارث , عن علي , قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها . 8677 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا معمر , عن إبراهيم , قال : إذا أكل السبع من الصيد أو الوقيذة , أو النطيحة أو المتردية فأدركت ذكاته , فكل . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا مصعب بن سلام التميمي , قال : ثنا جعفر بن محمد , عن أبيه , عن علي بن أبي طالب , قال : إذا ركضت برجلها أو طرفت بعينها أو حركت ذنبها , فقد أجزأ . 8678 - حدثنا ابن المثنى وابن بشار , قالا : ثنا أبو عاصم , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : أخبرني ابن طاوس , عن أبيه , قال : إذا ذبحت فمصعت بذنبها أو تحركت فقد حلت لك . أو قال : فحسبه . 8679 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا الحجاج بن المنهال , قال : ثنا حماد , عن حميد , عن الحسن , قال : إذا كانت الموقوذة تطرف ببصرها , أو تركض برجلها , أو تمصع بذنبها , فاذبح وكل . * - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , عن قتادة , بمثله . * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن ابن جريج , عن أبي الزبير , أنه سمع عبيد بن عمير , يقول : إذا طرفت بعينها , أو مصعت بذنبها , أو تحركت , فقد حلت لك . 8680 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سلمان , قال : سمعت الضحاك يقول : كان أهل الجاهلية يأكلون هذا , فحرم الله في الإسلام إلا ما ذكي منه , فما أدرك فتحرك منه رجل أو ذنب أو طرف فذكي , فهو حلال . 8681 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } وقوله : { والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة } الآية , { وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } هذا كله محرم , إلا ما ذكي من هذا . فتأويل الآية على قول هؤلاء : حرمت الموقوذة والمتردية إن ماتت من التردي والوقذ والنطح وفرس السبع , إلا أن تدركوا ذكاتها , فتدركوها قبل موتها , فتكون حينئذ حلالا أكلها . وقال آخرون : هو استثناء من التحريم , وليس باستثناء من المحرمات التي ذكرها الله تعالى في قوله : { حرمت عليكم الميتة } لأن الميتة لا ذكاة لها ولا للخنزير . قالوا : وإنما معنى الآية : حرمت عليكم الميتة والدم , وسائر ما سمينا مع ذلك , إلا ما ذكيتم مما أحله الله لكم بالتذكية , فإنه لكم حلال . وممن قال ذلك جماعة من أهل المدينة ذكر بعض من قال ذلك : 8682 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال مالك : وسئل عن الشاة التي يخرق جوفها السبع حتى تخرج أمعاؤها , فقال مالك : لا أرى أن تذكى ولا يؤكل أي شيء يذكى منها . 8683 - حدثني يونس , عن أشهب , قال : سئل مالك , عن السبع يعدو على الكبش , فيدق ظهره , أترى أن يذكى قبل أن يموت فيؤكل ؟ قال : إن كان بلغ السحر , فلا أرى أن يؤكل , وإن كان إنما أصاب أطرافه , فلا أرى بذلك بأسا . قيل له : وثب عليه فدق ظهره ؟ قال : لا يعجبني أن يؤكل , هذا لا يعيش منه . قيل له : فالذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها ولا يشق الأمعاء ؟ قال : إذا شق بطنها فلا أرى أن تؤكل . وعلى هذا القول يجب أن يكون قوله : { إلا ما ذكيتم } استثناء منقطعا , فيكون تأويل الآية : حرمت عليكم الميتة والدم , وسائر ما ذكرنا , ولكن ما ذكيتم من الحيوانات التي أحللتها لكم بالتذكية حلال . وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الأول , وهو أن قوله : { إلا ما ذكيتم } استثناء من قوله : { وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع } لأن كل ذلك مستحق الصفة التي هو بها قبل حال موته , فيقال : لما قرب المشركون لآلهتهم فسموه لهم : هو { ما أهل لغير الله به } بمعنى : سمي قربانا لغير الله . وكذلك المنخنقة : إذا انخنقت , وإن لم تمت فهي منخنقة , وكذلك سائر ما حرمه الله جل وعز بعد قوله : { وما أهل لغير الله به } إلا بالتذكية فإنه يوصف بالصفة التي هو بها قبل موته , فحرمه الله على عباده إلا بالتذكية المحللة دون الموت بالسبب الذي كان به موصوفا . فإذ كان ذلك كذلك , فتأويل الآية : وحرم عليكم ما أهل لغير الله به , والمنخنقة , وكذا وكذا وكذا , إلا ما ذكيتم من ذلك ف " ما " إذ كان ذلك تأويله في موضع نصب بالاستثناء مما قبلها , وقد يجوز فيه الرفع . وإذ كان الأمر على ما وصفنا , فكل ما أدركت ذكاته من طائر أو بهيمة قبل خروج نفسه ومفارقة روحه جسده , فحلال أكله إذا كان مما أحله الله لعباده . فإن قال لنا قائل : فإذ كان ذلك معناه عندك , فما وجه تكريره ما كرر بقوله : { وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية } وسائر ما عدد تحريمه في هذه الآية , وقد افتتح الآية بقوله : { حرمت عليكم الميتة } ؟ وقد علمت أن قوله : { حرمت عليكم الميتة } شامل كل ميتة كان موته حتف أنفه , من علة به من غير جناية أحد عليه , أو كان موته من ضرب ضارب إياه , أو انخناق منه أو انتطاح أو فرس سبع ؟ وهلا كان قوله إن كان الأمر على ما وصفت في ذلك من أنه معني بالتحريم في كل ذلك الميتة بالانخناق والنطاح والوقذ وأكل السبع أو غير ذلك , دون أن يكون معنيا به تحريمه إذا تردى أو انخنق , أو فرسه السبع , فبلغ ذلك منه ما يعلم أنه لا يعيش مما أصابه منه إلا باليسير من الحياة ; { حرمت عليكم الميتة } مغنيا من تكرير ما كرر بقوله ; { وما أهل لغير الله به والمنخنقة } وسائر ما ذكر مع ذلك وتعداده ما عدد ؟ قيل : وجه تكراره ذلك وإن كان تحريم ذلك إذا مات من الأسباب التي هو بها موصوف , وقد تقدم بقوله : { حرمت عليكم الميتة } أن الذين خوطبوا بهذه الآية لا يعدون الميتة من الحيوان , إلا ما مات من علة عارضة به , غير الانخناق والتردي والانتطاح , وفرس السبع , فأعلمهم الله أن حكم ذلك حكم ما مات من العلل العارضة , وأن العلة الموجبة تحريم الميتة ليست موتها من علة مرض أو أذى كان بها قبل هلاكها , ولكن العلة في ذلك أنها لم يذبحها من أجل ذبيحته بالمعنى الذي أحلها به . كالذي : 8684 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي في قوله : { والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } يقول : هذا حرام ; لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه ولا يعدونه ميتا , إنما يعدون الميت الذي يموت من الوجع , فحرمه الله عليهم , إلا ما ذكروا اسم الله عليه وأدركوا ذكاته وفيه الروح .وما ذبح على النصب
القول في تأويل قوله تعالى : { وما ذبح على النصب } يعني بقوله جل ثناؤه : { وما ذبح على النصب } وحرم عليكم أيضا الذي ذبح على النصب . ف " ما " في قوله { وما ذبح } رفع عطفا على " ما " التي في قوله : { وما أكل السبع } والنصب : الأوثان من الحجارة جماعة أنصاب كانت تجمع في الموضع من الأرض , فكان المشركون يقربون لها , وليست بأصنام . وكان ابن جريج يقول في صفته ما : 8685 - حدثنا القاسم : قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال : قال ابن جريج : النصب : ليست بأصنام , الصنم يصور وينقش , وهذه حجارة تنصب ثلثمائة وستون حجرا , منهم من يقول : ثلثمائة منها لخزاعة . فكانوا إذا ذبحوا , نضحوا الدم على ما أقبل من البيت , وشرحوا اللحم وجعلوه على الحجارة , فقال المسلمون : يا رسول الله , كان أهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم , فنحن أحق أن نعظمه ! فكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكره ذلك , فأنزل الله : { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها } ومما يحقق قول ابن جريج في أن الأنصاب غير الأصنام ما : 8686 - حدثنا به ابن وكيع , قال : ثنا ابن عيينة , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وما ذبح على النصب } قال : حجارة كان يذبح عليها أهل الجاهلية . * - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { النصب } قال : حجارة حول الكعبة , يذبح عليها أهل الجاهلية , ويبدلونها إن شاءوا بحجارة أعجب إليهم منها . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 8687 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { وما ذبح على النصب } والنصب : حجارة كان أهل الجاهلية يعبدونها , ويذبحون لها , فنهى الله عن ذلك . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { وما ذبح على النصب } يعني : أنصاب الجاهلية . 8688 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { وما ذبح على النصب } والنصب : أنصاب كانوا يذبحون ويهلون عليها . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عنبسة , عن محمد بن عبد الرحمن , عن القاسم بن أبي بزة , عن مجاهد , قوله : { وما ذبح على النصب } قال : كان حول الكعبة حجارة كان يذبح عليها أهل الجاهلية ويبدلونها إذا شاءوا بحجر هو أحب إليهم منها . 8689 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : الأنصاب حجارة كانوا يهلون لها , ويذبحون عليها . 8690 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وما ذبح على النصب } قال : ما ذبح على النصب , وما أهل لغير الله به , وهو واحد .وأن تستقسموا بالأزلام
القول في تأويل قوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } يعني بقوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } وأن تطلبوا علم ما قسم لكم أو لم يقسم , بالأزلام . وهو استفعلت من القسم : قسم الرزق والحاجات . وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوا أو نحو ذلك , أجال القداح , وهي الأزلام , وكانت قداحا مكتوبا على بعضها : نهاني ربي , وعلى بعضها : أمرني ربي , فإن خرج القدح الذي هو مكتوب عليه : أمرني ربي , مضى لما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك ; وإن خرج الذي عليه مكتوب : نهاني ربي , كف عن المضي لذلك وأمسك فقيل : { وأن تستقسموا بالأزلام } لأنهم بفعلهم ذلك كانوا كأنهم يسألون أزلامهم أن يقسمن لهم . ومنه قول الشاعر مفتخرا بترك الاستقسام بها : ولم أقسم فتربثني القسوم وأما الأزلام , فإن واحدها زلم , ويقال زلم , وهي القداح التي وصفنا أمرها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 8691 - حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع , قالا : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , عن سفيان , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : القداح , كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا في سفر , جعلوا قداحا للجلوس والخروج , فإن وقع الخروج خرجوا , وإن وقع الجلوس جلسوا . 8692 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن شريك , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : حصى بيض كانوا يضربون بها . قال أبو جعفر : قال لنا سفيان بن وكيع : هو الشطرنج . 8693 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عباد بن راشد البزار , عن الحسن في قوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : كانوا إذا أرادوا أمرا أو سفرا , يعمدون إلى قداح ثلاثة على واحد منها مكتوب : أؤمرني , وعلى الآخر : انهني , ويتركون الآخر محللا بينهما ليس عليه شيء . ثم يجيلونها , فإن خرج الذي عليه " أؤمرني " , مضوا لأمرهم , وإن خرج الذي عليه " انهني " كفوا , وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوها . 8694 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن عيينة , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وأن تستقسموا بالأزلام } حجارة0 كانوا يكتبون عليها يسمونها القداح . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 8695 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يحيى بن آدم . عن زهير , عن إبراهيم بن مهاجر , عن مجاهد : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : كعاب فارس التي يقمرون بها , وسهام العرب . * - حدثني أحمد بن حازم الغفاري , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا زهير , عن إبراهيم بن مهاجر , عن مجاهد : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : سهام العرب وكعاب فارس والروم كانوا يتقامرون بها . 8696 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : كان الرجل إذا أراد أن يخرج مسافرا , كتب في قداح : هذا يأمرني بالمكث , وهذا يأمرني بالخروج , وجعل معها منيحا , شيء لم يكتب فيه شيئا , ثم استقسم بها حين يريد أن يخرج , فإن خرج الذي يأمر بالمكث مكث , وإن خرج الذي يأمر بالخروج خرج , وإن خرج الآخر أجالها ثانية حتى يخرج أحد القدحين . * - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { وأن تستقسموا بالأزلام } وكان أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم خروجا , أخذ قدحا فقال : هذا يأمر بالخروج , فإن خرج فهو مصيب في سفره خيرا ; ويأخذ قدحا آخر فيقول : هذا يأمر بالمكوث , فليس يصيب في سفره خيرا ; والمنيح بينهما . فنهى الله عن ذلك , وقدم فيه . 8697 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : كانوا يستقسمون بها في الأمور . 8698 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : الأزلام قداح لهم كان أحدهم إذا أراد شيئا من تلك الأمور كتب في تلك القداح ما أراد , فيضرب بها , فأي قدح خرج وإن كان أبغض تلك , ارتكبه وعمل به . 8699 - حدثني محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : الأزلام : قداح كانت في الجاهلية عند الكهنة , فإذا أراد الرجل أن يسافر أو يتزوج أو يحدث أمرا , أتى الكاهن , فأعطاه شيئا , فضرب له بها , فإن خرج منها شيء يعجبه أمره ففعل , وإن خرج منها شيء يكرهه نهاه فانتهى , كما ضرب عبد المطلب على زمزم وعلى عبد الله والإبل . 8700 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عبد الله بن كثير , قال : سمعنا أن أهل الجاهلية كانوا يضربون بالقداح في الظعن والإقامة أو الشيء يريدونه , فيخرج سهم الظعن فيظعنون , والإقامة فيقيمون . وقال ابن إسحاق في الأزلام ما : 8701 - حدثني به ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : كانت هبل أعظم أصنام قريش بمكة , وكانت على بئر في جوف الكعبة , وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة , وكانت عند هبل سبعة أقداح , كل قدح منها فيه كتاب : قدح فيه " العقل " إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة فإن خرج العقل فعلى من خرج حمله وقدح فيه : " نعم " للأمر إذا أرادوا يضرب به , فإن خرج قدح " نعم " عملوا به ; وقدح فيه لا , فإذا أرادوا أمرا ضربوا به في القداح , فإذا خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر . وقدح فيه : " منكم " . وقدح فيه : " ملصق " . وقدح فيه : " من غيركم " . وقدح فيه : المياه , إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح , فحيثما خرج عملوا به . وكانوا إذا أرادوا أن يجتبوا غلاما , أو أن ينكحوا منكحا , أو أن يدفنوا ميتا , ويشكوا في نسب واحد منهم , ذهبوا به إلى هبل , وبمائة درهم وبجزور , فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها , ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون , ثم قالوا : يا إلهنا , هذا فلان ابن فلان , قد أردنا به كذا وكذا , فأخرج الحق فيه ! ثم يقولون لصاحب القداح : اضرب , فيضرب , فإن خرج عليه " منكم " كان وسيطا , وإن خرج عليه : " من غيركم " , كان حليفا , وإن خرج : " ملصق " , كان على منزلته منهم , لا نسب له ولا حلف ; وإن خرج فيه شيء سوى هذا مما يعملون به " نعم " عملوا به ; وإن خرج : " لا " , أخروه عامهم ذلك , حتى يأتوا به مرة أخرى ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح . 8702 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } يعني : القدح , كانوا يستقسمون بها في الأمور .ذلكم فسق
القول في تأويل قوله تعالى : { ذلكم فسق } يعني جل ثناؤه بقوله : { ذلكم } هذه الأمور التي ذكرها , وذلك أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وسائر ما ذكر في هذه الآية مما حرم أكله . والاستقسام بالأزلام . { فسق } يعني : خروج عن أمر الله وطاعته إلى ما نهى عنه وزجر , وإلى معصيته . كما : 8703 - حدثني المثنى : قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { ذلكم فسق } يعني : من أكل من ذلك كله , فهو فسق .اليوم يئس الذين كفروا من دينكم
القول في تأويل قوله تعالى : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } . يعني بقوله جل ثناؤه : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } الآن انقطع طمع الأحزاب وأهل الكفر والجحود أيها المؤمنون من دينكم , يقول : من دينكم أن تتركوه , فترتدوا عنه راجعين إلى الشرك . كما : 8704 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : قوله : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } يعني : أن ترجعوا إلى دينهم أبدا . 8705 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قوله : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } قال : أظن يئسوا أن ترجعوا عن دينكم . فإن قال قائل : وأي يوم هذا اليوم الذي أخبر الله أن الذين كفروا يئسوا فيه من دين المؤمنين ؟ قيل : ذكر أن ذلك كان يوم عرفة , عام حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع , وذلك بعد دخول العرب في الإسلام . ذكر من قال ذلك : 8706 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال مجاهد : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } اليوم أكملت لكم دينكم ; هذا حين فعلت . قال ابن جريج : وقال آخرون : ذلك يوم عرفة في يوم جمعة لما نظر النبي صلى الله عليه وسلم , فلم ير إلا موحدا ولم ير مشركا ; حمد الله , فنزل عليه جبريل عليه السلام : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } أن يعودوا كما كانوا . 8707 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } قال : هذا يوم عرفة .فلا تخشوهم واخشون
القول في تأويل قوله تعالى : { فلا تخشوهم واخشون } يعني بذلك : فلا تخشوا أيها المؤمنون هؤلاء الذين قد يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه من الكفار , ولا تخافوهم أن يظهروا عليكم فيقهروكم ويردوكم عن دينكم , { واخشون } يقول : ولكن خافون إن أنتم خالفتم أمري واجترأتم على معصيتي وتعديتم حدودي , أن أحل بكم عقابي وأنزل بكم عذابي . كما : 8708 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج : { فلا تخشوهم واخشون } فلا تخشوهم أن يظهروا عليكم .اليوم أكملت لكم دينكم
القول في تأويل قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , فقال بعضهم : يعني جل ثناؤه بقوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } اليوم أكملت لكم أيها المؤمنون فرائضي عليكم وحدودي , وأمري إياكم ونهيي , وحلالي وحرامي , وتنزيلي من ذلك ما أنزلت منه في كتابي , وتبياني ما بينت لكم منه بوحيي على لسان رسولي , والأدلة التي نصبتها لكم على جميع ما بكم الحاجة إليه من أمر دينكم , فأتممت لكم جميع ذلك , فلا زيادة فيه بعد هذا اليوم . قالوا : وكان ذلك في يوم عرفة , عام حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع . وقالوا : لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية شيء من الفرائض ولا تحليل شيء ولا تحريمه , وإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعش بعد نزول هذه الآية إلا إحدى وثمانين ليلة . ذكر من قال ذلك : 8709 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } وهو الإسلام , قال : أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا , وقد أتمه الله عز ذكره فلا ينقصه أبدا , وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا . 8710 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } هذا نزل يوم عرفة , فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام , ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات , فقالت أسماء بنت عميس : حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحجة , فبينما نحن نسير إذ تجلى له جبريل صلى الله عليه وسلم على الراحلة , فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن , فبركت , فأتيته فسجيت عليه برداء كان علي 8711 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : مكث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية إحدى وثمانين ليلة , قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } 8712 - حدثنا سفيان , قال : ثنا ابن فضيل , عن هارون بن عنترة , عن أبيه , قال : لما نزلت : { اليوم أكملت لكم دينكم } وذلك يوم الحج الأكبر , بكى عمر , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك " ؟ قال أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا , فأما إذ كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص , فقال : " صدقت " * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أحمد بن بشير , عن هارون بن أبي وكيع , عن أبيه , فذكر نحو ذلك . وقال آخرون : معنى ذلك : { اليوم أكملت لكم دينكم } حجكم , فأفردتم بالبلد الحرام تحجونه أنتم أيها المؤمنون دون المشركين لا يخالطكم في حجكم مشرك . ذكر من قال ذلك : 8713 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يحيى بن أبي عتبة , عن أبيه , عن الحكم : { اليوم أكملت لكم دينكم } قال : أكمل لهم دينهم أن حجوا ولم يحج معهم مشرك . 8714 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { اليوم أكملت لكم دينكم } قال : أخلص الله لهم دينهم , ونفى المشركين عن البيت . 8715 - حدثنا أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا قيس , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير : { اليوم أكملت لكم دينكم } قال : تمام الحج , ونفي المشركين عن البيت . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله عز وجل أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به , أنه أكمل لهم يوم أنزل هذه الآية على نبيه دينهم , بإفرادهم بالبلد الحرام , وإجلائه عنه المشركين , حتى حجه المسلمون دونهم , لا يخالطونهم المشركون . فأما الفرائض والأحكام , فإنه قد اختلف فيها , هل كانت أكملت ذلك اليوم أم لا ؟ فروي عن ابن عباس والسدي ما ذكرنا عنهما قبل . وروي عن البراء بن عازب أن آخر آية نزلت من القرآن : { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } ولا يدفع ذو علم أن الوحي لم ينقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض , بل كان الوحي قبل وفاته أكثر ما كان تتابعا . فإذ كان ذلك كذلك , وكان قوله : { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } آخرها نزولا وكان ذلك من الأحكام والفرائض , كان معلوما أن معنى قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } على خلاف الوجه الذي تأوله من تأوله , أعني : كمال العبادات والأحكام والفرائض . فإن قال قائل : فما جعل قول من قال : قد نزل بعد ذلك فرض أولى من قول من قال : لم ينزل ؟ قيل لأن الذي قال لم ينزل , مخبر أنه لا يعلم نزول فرض , والنفي لا يكون شهادة , والشهادة قول من قال : نزل , وغير جائز دفع خبر الصادق فيما أمكن أن يكون فيه صادقا .وأتممت عليكم نعمتي
القول في تأويل قوله تعالى : { وأتممت عليكم نعمتي } يعني جل ثناؤه بذلك : وأتممت نعمتي أيها المؤمنون بإظهاركم على عدوي وعدوكم من المشركين , ونفيي إياهم عن بلادكم , وقطعي طمعهم من رجوعكم , وعودكم إلى ما كنتم عليه من الشرك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : * - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قال : كان المشركون والمسلمون يحجون جميعا , فلما نزلت براءة , فنفى المشركين عن البيت , وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين , فكأن ذلك من تمام النعمة : { وأتممت عليكم نعمتي } . 8716 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } الآية , ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة يوم جمعة , حين نفى الله المشركين عن المسجد الحرام , وأخلص للمسلمين حجهم 8717 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس , قال : ثنا داود , عن الشعبي , قال : . نزلت هذه الآية بعرفات , حيث هدم منار الجاهلية , واضمحل الشرك , ولم يحج معهم في ذلك العام مشرك . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن عامر في هذه الآية : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفات , وقد أطاف به الناس , وتهدمت منار الجاهلية ومناسكهم , واضمحل الشرك , ولم يطف حول البيت عريان , فأنزل الله : { اليوم أكملت لكم دينكم } * - حدثني يعقوب , قال . ثنا ابن علية , عن داود , عن الشعبي , بنحوه .ورضيت لكم الإسلام دينا
القول في تأويل قوله تعالى : { ورضيت لكم الإسلام دينا } يعني بذلك جل ثناؤه : ورضيت لكم الاستسلام لأمري والانقياد لطاعتي , على ما شرعت لكم من حدوده وفرائضه ومعالمه { دينا } يعني بذلك : طاعة منكم لي . فإن قال قائل : أوما كان الله راضيا الإسلام لعباده , إلا يوم أنزل هذه الآية ؟ قيل : لم يزل الله راضيا لخلقه الإسلام دينا , ولكنه جل ثناؤه لم يزل يصرف نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه في درجات ومراتبه درجة بعد درجة ومرتبة بعد مرتبة وحالا بعد حال , حتى أكمل لهم شرائعه ومعالمه وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه , ثم قال حين أنزل عليهم هذه الآية : { ورضيت لكم الإسلام دينا } بالصفة التي هو بها اليوم , والحال التي أنتم عليها اليوم منه { دينا } فالزموه ولا تفارقوه . وكان قتادة يقول في ذلك ما : 8718 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال . ذكر لنا أنه يمثل لأهل كل دين دينهم يوم القيامة , فأما الإيمان فيبشر أصحابه وأهله , ويعدهم في الخير حتى يجيء الإسلام . فيقول : رب أنت السلام وأنا الإسلام , فيقول : إياك اليوم أقبل , وبك اليوم أجزي . وأحسب أن قتادة وجه معنى الإيمان بهذا الخبر إلى معنى التصديق والإقرار باللسان ; لأن ذلك معنى الإيمان عند العرب , ووجه معنى الإسلام إلى استسلام القلب وخضوعه لله بالتوحيد , وانقياد الجسد له بالطاعة فيما أمر ونهى , فلذلك قيل للإسلام : إياك اليوم أقبل , وبك اليوم أجزي . ذكر من قال : نزلت هذه الآية بعرفة في حجة الوداع على رسول الله صلى الله عليه وسلم : 8719 - حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع , قالا : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن قيس بن مسلم , عن طارق بن شهاب , قال : قالت اليهود لعمر : إنكم تقرءون آية لو أنزلت فينا لاتخذناها عيدا . فقال عمر : إني لأعلم حين أنزلت , وأين نزلت , وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت ; أنزلت يوم عرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة - قال سفيان : وأشك , كان يوم الجمعة أم لا - { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } * - حدثنا أبو كريب وابن وكيع . قالا : ثنا ابن إدريس , قال : سمعت أبي , عن قيس بن مسلم , عن طارق بن شهاب , قال : قال يهودي لعمر : لو علمنا معشر اليهود حين نزلت هذه الآية : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } لو نعلم ذلك اليوم اتخذنا ذلك اليوم عيدا . فقال عمر : قد علمت اليوم الذي نزلت فيه والساعة , وأين رسول الله أو حين نزلت ; نزلت ليلة الجمعة ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات . لفظ الحديث لأبي كريب , وحديث ابن وكيع نحوه * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جعفر بن عون , عن أبي العميس , عن قيس بن مسلم , عن طارق , عن عمر , نحوه . 8720 - حدثنا ابن وكيع , قال . ثنا أبي , عن حماد بن سلمة , عن عمار م
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 173 | ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ |
---|
المائدة: 3 | ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ﴾ |
---|
الأنعام: 145 | ﴿قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ |
---|
النحل: 115 | ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
والنطيحة:
وقرئ:
والمنطوحة، وهى قراءة عبد الله، وأبى ميسرة.
وما أكل السبع:
وقرئ:
1- وأكيلة السبع، وهى قراءة عبد الله.
2- وأكيل السبع، وهى قراءة ابن عباس.
النصب:
قرئ:
1- بضمتين، وهى قراءة الجمهور.
2- بضم النون وإسكان الصاد، وهى قراءة طلحة بن مصرف.
3- بفتحتين، وهى قراءة عيسى بن عمر.
4- بفتح النون وإسكان الصاد، وهى قراءة الحسن.
اضطر:
وقرئ:
أطر، بإدغام الضاد فى الطاء.
متجانف:
1- بالألف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- متجنف، دون ألف، وهى قراءة أبى عبد الرحمن، والنخعي، وابن وثاب.
التفسير :
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ْ} من الأطعمة؟{ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ْ} وهي كل ما فيه نفع أو لذة, من غير ضرر بالبدن ولا بالعقل، فدخل في ذلك جميع الحبوب والثمار التي في القرى والبراري، ودخل في ذلك جميع حيوانات البحر وجميع حيوانات البر، إلا ما استثناه الشارع، كالسباع والخبائث منها. ولهذا دلت الآية بمفهومها على تحريم الخبائث، كما صرح به في قوله تعالى:{ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ْ}{ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ ْ} أي:أحل لكم ما علمتم من الجوارح إلى آخر الآية. دلت هذه الآية على أمور:أحدها:لطف الله بعباده ورحمته لهم، حيث وسع عليهم طرق الحلال، وأباح لهم ما لم يذكوه مما صادته الجوارح، والمراد بالجوارح:الكلاب، والفهود، والصقر، ونحو ذلك، مما يصيد بنابه أو بمخلبه. الثاني:أنه يشترط أن تكون معلمة، بما يعد في العرف تعليما، بأن يسترسل إذا أرسل، وينزجر إذا زجر، وإذا أمسك لم يأكل، ولهذا قال:{ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ْ} أي:أمسكن من الصيد لأجلكم. وما أكل منه الجارح فإنه لا يعلم أنه أمسكه على صاحبه، ولعله أن يكون أمسكه على نفسه. الثالث:اشتراط أن يجرحه الكلب أو الطير ونحوهما، لقوله:{ مِنَ الْجَوَارِحِ ْ} مع ما تقدم من تحريم المنخنقة. فلو خنقه الكلب أو غيره، أو قتله بثقله لم يبح [هذا بناء على أن الجوارح اللاتي يجرحن الصيد بأنيابها أو مخالبها، والمشهور أن الجوارح بمعنى الكواسب أي:المحصلات للصيد والمدركات لها فلا يكون فيها على هذا دلالة - والله أعلم-] الرابع:جواز اقتناء كلب الصيد، كما ورد في الحديث الصحيح، مع أن اقتناء الكلب محرم، لأن من لازم إباحة صيده وتعليمه جواز اقتنائه. الخامس:طهارة ما أصابه فم الكلب من الصيد، لأن الله أباحه ولم يذكر له غسلا، فدل على طهارته. السادس:فيه فضيلة العلم، وأن الجارح المعلم -بسبب العلم- يباح صيده، والجاهل بالتعليم لا يباح صيده. السابع:أن الاشتغال بتعليم الكلب أو الطير أو نحوهما، ليس مذموما، وليس من العبث والباطل. بل هو أمر مقصود، لأنه وسيلة لحل صيده والانتفاع به. الثامن:فيه حجة لمن أباح بيع كلب الصيد، قال:لأنه قد لا يحصل له إلا بذلك. التاسع:فيه اشتراط التسمية عند إرسال الجارح، وأنه إن لم يسم الله متعمدا، لم يبح ما قتل الجارح. العاشر:أنه يجوز أكل ما صاده الجارح، سواء قتله الجارح أم لا. وأنه إن أدركه صاحبه، وفيه حياة مستقرة فإنه لا يباح إلا بها. ثم حث تعالى على تقواه، وحذر من إتيان الحساب في يوم القيامة، وأن ذلك أمر قد دنا واقترب، فقال:{ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ْ}
أورد المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير عن عدى بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين أنهما سألا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالا: يا رسول الله، قد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها؟ فنزلت هذه الآية .
والمعنى: يسألك أصحابك يا محمد ما الذي أحل لهم من المطاعم بعد أن عرفوا ما حرم منها؟ قل لهم أحل الله لكم الطيبات.
والطيبات: جمع طيب وهو الشيء المستلذ. وفسره بعضهم بالحلال.
أى: قل لهم أحل الله لكم الأطعمة الطيبة التي تستلذها النفوس المستقيمة وتستطيبها ولا تستقذرها، والتي لم يرد في الشرع ما يحرمها ويمنع من تناولها.
وفي قوله يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ التفات من الحاضر إلى الغائب، لأن في السياق حكاية عنهم كما يقال: أقسم فلان ليفعلن كذا، لأن هذا الالتفات أدعى إلى تنبيه الأذهان، وتوجيهها إلى ما يراد منها.
وقد أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يتولى الجواب عن سؤالهم لأنه هو المبلغ للرسالة وهو المبين لهم ما حفى؟؟؟ عليهم من أمور دينهم ودنياهم.
وقوله ماذا اسم استفهام مبتدأ، وقوله أُحِلَّ لَهُمْ خبره كقولك: أى شيء أحل لهم.
وجواب سؤالهم جاء في قوله تعالى: قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ.
وقوله: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ معطوف على الطيبات بتقدير مضاف وما موصولة. والعائد محذوف.
والْجَوارِحِ جمع جارحة. وهي- كما يقول ابن جرير- الكواسب من سباع البهائم والطير. سميت جوارح لجرحها لأربابها، وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد. يقال منه: جرح فلان لأهله خيرا. إذا أكسبهم خيرا وفلان جارحة أهله. يعنى بذلك: كاسبهم، ويقال:
لا جارحة لفلانة إذا لم يكن لها كاسب» .
ومنه قوله- تعالى- وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ أى: كسبتم بالنهار. وقيل: سميت جوارح لأنها تجرح الصيد عند إمساكه.
وقوله: مُكَلِّبِينَ أى: مؤدبين ومعودين لها على الصيد. فالتكليب: تعليم الكلاب وما يشبهها الصيد. فهو اسم فاعل مشتق من اسم هذا الحيوان المعروف لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب. أو هو مشتق من الكلب بمعنى الضراوة. يقال: كلب الكلب يكلب واستكلب أى: ضرى وتعود نهش غيره وهو حال من فاعل علمتم.
والمعنى: أحل الله لكم الطيبات، وأحل لكم صيد ما علمتموه من الجوارح حال كونكم مؤدبين ومعودين لها على الصيد.
وقوله: تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ في محل نصب على أنه حال ثانية من فاعل عَلَّمْتُمْ أو من الضمير المستتر في مُكَلِّبِينَ.
أى: تعلمون هذه الجوارح بعض ما علمكم الله إياه من فنون العلم والمعرفة بأن تدربوهن على وسائل التحايل وعلى الطرق المتنوعة للاصطياد وعلى الانقياد لأمركم عند الإرسال وعند الطلب، وعلى عدم الأكل من المصيد بعد صيده.
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة بيان بعض مظاهر فضل الله على الناس، حيث منحهم العلم الذي عن طريقه علموا غيرهم ما يريدونه منه، وسخروا هذا الغير لمنفعتهم ومصلحتهم.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: قوله: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ عطف على الطيبات: أى: أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم من الجوارح، فحذف المضاف أو تجعل «ما» شرطية وجوابها فَكُلُوا والجوارح: الكواسب من سباع البهائم والطير، كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر والبازي، والمكلب: مؤدب الجوارح ومغريها بالصيد لصاحبها، ورائضها ذلك بما علم من الحيل وطرق التأديب.
وانتصاب مُكَلِّبِينَ على الحال من عَلَّمْتُمْ.
فإن قلت: ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بعلمتم؟ قلت: فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح نحريرا في علمه، مدربا فيه، موصوفا بالتكليب.
قوله- تعالى- تُعَلِّمُونَهُنَّ حال ثانية أو استئناف. وفيه فائدة جليلة وهي أن على كل آخذ علما أن لا يأخذه إلا من أبرع أهله علما وأكثرهم دراية وأغوصهم على لطائفه وحقائقه، وإن احتاج إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل. فكم من آخذ عن غير متقن، قد ضيع أيامه، وعض عند لقاء النحارير أنامله .
وقوله فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ جملة متفرعة على بيان حل صيد الجوارح المعلمة، ومشيرة إلى نتيجة التعليم وأثره والأمر فيه للإباحة.
ومن في قوله مِمَّا أَمْسَكْنَ تبعيضية إذ من الممسك ما لا يؤكل كالجلد والعظم ونحوهما. ويحتمل أن تكون بيانية أى: فكلوا الصيد وهو ما أمسكن عليكم.
وما موصولة أو موصوفة والعائد محذوف أى: أمسكنه.
وقوله أَمْسَكْنَ أى: حبس وصدن، والضمير المؤنث يعود للجوارح.
وقوله عَلَيْكُمْ متعلق بأمسكن، وهو هنا بمعنى لكم، والاستعلاء مجازى.
والتقييد بذلك، لإخراج ما أمسكنه لأنفسهن لا لأصحابهن.
والمعنى: إذا علمتم الجوارح وتوفرت شروط الحل فيما تصيده، فكلوا مما أمسكنه محبوسا عليكم ولأجلكم.
والضمير في عَلَيْهِ من قوله: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يعود إلى ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ. أى: عند إرسالكم الجوارح للصيد فسموا عليها، ويدل عليه قوله صلّى الله عليه وسلّم لعدي بن حاتم: «وإذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم- الله تعالى- فكل مما أمسك عليك» .
وقال بعضهم إنه يعود على المصدر المفهوم من الفعل وهو الأكل. فكأنه قيل: واذكروا اسم الله عند الأكل مما صدن لكم. وقيل: يعود على قوله مِمَّا أَمْسَكْنَ أى: اذكروا اسم الله على ما أدركتم ذكاته مما أمسكن عليكم الجوارح، ولا بأس من عود الضمير إلى كل ما ذكر، بأن يذكر اسم الله عند إرسال الجوارح، وعند الأكل مما صادته. وعند تذكية الحيوان الذي صادته الجوارح.
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ.
أى: واتقوا الله وراقبوه واخشوه في كل شئونكم واحذروا مخالفة أمره فيما شرع لكم وفيما كلفكم به فإنه- تعالى- لا يعجزه شيء، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر.
فالجملة الكريمة تذييل قصد به التحذير من مخالفة أمر الله، وانتهاك محارمه. هذا ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى:
1- إباحة التمتع بالطيبات التي أحلها الله- تعالى- لعباده، والتي تستطيبها النفوس الكريمة، والعقول القويمة، من مطعومات ومشروبات وغير ذلك مما أحله- سبحانه- لعباده.
وفي هذا المعنى وردت آيات كثيرة منها، قوله- تعالى-: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ، وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ .
2- إباحة الصيد بالجوارح بشرط كونها معلمة، وعلامة كونها معلمة أن تسترسل إذا أرسلت، وتنزجر إذا زجرت، وتمسك الصيد ولا تأكل منه، وتعود إلى صاحبها متى دعاها.
ويدخل في الجوارح- عند جمهور الفقهاء- كل حيوان يصنع صنيع الكلب، وكل طير كذلك، لأن قوله- تعالى- مِنَ الْجَوارِحِ، يعم كل حيوان يصنع صنيع الكلب. وكان التعبير بمكلبين، لأن الكلاب أكثر الحيوانات استعمالا للصيد.
وقد جاء في حديث عدى بن حاتم الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: «ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك» .
ويرى بعض الفقهاء أن الصيد لا يكون إلا بالكلاب خاصة.
قال القرطبي ما ملخصه: وقد ذكر بعض من صنف في أحكام القرآن أن الآية تدل على أن الإباحة تتناول ما علمناه من الجوارح وهو ينتظم الكلب وسائر جوارح الطير. وذلك يوجب إباحة سائر وجوه الانتفاع، فدل على جواز بيع الكلب والجوارح والانتفاع بها وبسائر وجوه المنافع إلا ما خصه الدليل. وهو الأكل من الجوارح. أى: الكواسب من الكلاب وسباع الطير.
وليس في قوله مُكَلِّبِينَ دليل على أنه إنما أبيح صيد الكلاب خاصة، وإن كان قد تمسك به من قصر الإباحة على الكلاب خاصة» .
3- استدل بعض الفقهاء بقوله- تعالى- فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ على أن الكلب وما يشبهه من الجوارح إذا أكل من الصيد الذي أمسكه، فإنه في هذه الحالة لا يحل الأكل منه، لأنه لم يمسك لمن أرسله وإنما أمسك لنفسه وبهذا قال الشافعية والحنابلة.
ويرى المالكية أن الجارح مادام قد عاد بالصيد ولو مأكولا منه، فإنه يجوز الأكل منه، لأنه بعودته بما صاده قد أمسكه على صاحبه.
أما الأحناف فقالوا: إن عاد بأكثره جاز الأكل منه، لأنه في هذه الحالة يكون قد أمسك لصاحبه، وإن عاد بأقله لا يجوز الأكل منه، لأنه يكون قد أمسك لنفسه. وهذه المسألة بأدلتها الموسعة مبسوطة في كتب الفقه وفي بعض كتب التفسير .
4- استدل بعض العلماء بقوله- تعالى- وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ على وجوب التسمية عند إرسال الجوارح للصيد، ولقوله- تعالى- في آية أخرى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ .
ويرى بعضهم أن الأمر للندب، ويرى فريق ثالث أن التسمية إن تركت عمدا لا يحل الأكل من الصيد.
قال القرطبي: وقد ذهب الجمهور من العلماء إلى أن التسمية لا بد منها بالقول عند الإرسال لقوله صلّى الله عليه وسلّم لعدي بن حاتم: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك» فلو لم توجد التسمية على أى وجه كان لم يؤكل الصيد. وهو مذهب أهل الظاهر وجماعة أهل الحديث.
وذهب جماعة من أصحابنا وغيرهم إلى أنه يجوز أكل ما صاده المسلم وذبحه وإن ترك التسمية عمدا، وحملوا الأمر بالتسمية على الندب.
وذهب مالك في المشهور إلى الفرق بين ترك التسمية عمدا أو سهوا فقال لا تؤكل مع العمد، وتؤكل مع السهو، وهو قول فقهاء الأمصار، وأحد قولي الشافعى» .
ثم حكى- سبحانه- جانبا آخر من مظاهر نعمه على عباده، ورحمته بهم وتيسيره عليهم في أمور دينهم ودنياهم فقال:
لما ذكر تعالى ما حرمه في الآية المتقدمة من الخبائث الضارة لمتناولها ، إما في بدنه ، أو في دينه ، أو فيهما ، واستثنى ما استثناه في حالة الضرورة ، كما قال : ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ) [ الأنعام : 119 ] قال بعدها : ( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ) كما [ قال ] في سورة الأعراف في صفة محمد صلى الله عليه وسلم : أنه ( يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) [ الآية : 157 ] .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني عبد الله بن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالا : يا رسول الله ، قد حرم الله الميتة ، فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلت : ( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ) قال سعيد [ بن جبير ] يعني : الذبائح الحلال الطيبة لهم . وقال مقاتل [ بن حيان ] [ في قوله : ( قل أحل لكم الطيبات ) ] فالطيبات ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه وهو الحلال من الرزق . وقد سئل الزهري عن شرب البول للتداوي فقال : ليس هو من الطيبات .
رواه ابن أبي حاتم وقال ابن وهب : سئل مالك عن بيع الطين الذي يأكله الناس . فقال : ليس هو من الطيبات .
وقوله تعالى : ( وما علمتم من الجوارح مكلبين ) أي : أحل لكم الذبائح التي ذكر اسم الله عليها والطيبات من الرزق ، وأحل لكم ما اصطدتموه بالجوارح ، وهي من الكلاب والفهود والصقور وأشباه ذلك ، كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة ، وممن قال ذلك : علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( وما علمتم من الجوارح مكلبين ) وهن الكلاب المعلمة ، والبازي ، وكل طير يعلم للصيد . والجوارح : يعني الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها .
رواه ابن أبى حاتم ، ثم قال : وروي عن خيثمة وطاوس ومجاهد ومكحول ويحيى بن أبي كثير ، نحو ذلك . وروي عن الحسن أنه قال : الباز والصقر من الجوارح . وروي عن علي بن الحسين مثله . ثم روي عن مجاهد أنه كره صيد الطير كله ، وقرأ قول الله [ عز وجل ] ( وما علمتم من الجوارح مكلبين ) قال : وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك .
ونقله ابن جرير عن الضحاك والسدي ، ثم قال : حدثنا هناد حدثنا ابن أبي زائدة ، أخبرنا ابن جريج ، عن نافع عن ابن عمر قال : أما ما صاد من الطير البزاة وغيرها من الطير ، فما أدركت فهو لك ، وإلا فلا تطعمه .
قلت : والمحكي عن الجمهور أن صيد الطيور كصيد الكلاب ; لأنها تكلب الصيد بمخالبها كما تكلبه الكلاب ، فلا فرق . وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم ، واختاره ابن جرير ، واحتج في ذلك بما رواه عن هناد حدثنا عيسى بن يونس ، عن مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي ، فقال : " ما أمسك عليك فكل " .
واستثنى الإمام أحمد صيد الكلب الأسود ; لأنه عنده مما يجب قتله ولا يحل اقتناؤه ; لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود " فقلت : ما بال الكلب الأسود من الأحمر ؟ فقال : " الكلب الأسود شيطان " وفي الحديث الآخر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ، ثم قال : " ما بالهم وبال الكلاب ، اقتلوا منها كل أسود بهيم " .
وسميت هذه الحيوانات التي يصطاد بهن : جوارح ، من الجرح ، وهو : الكسب . كما تقول العرب : فلان جرح أهله خيرا ، أي : كسبهم خيرا . ويقولون : فلان لا جارح له ، أي : لا كاسب له ، وقال الله تعالى : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ) [ الأنعام : 60 ] أي : ما كسبتم من خير وشر .
وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية الكريمة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم : حدثنا حجاج بن حمزة ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني موسى بن عبيدة ، حدثني أبان بن صالح ، عن القعقاع بن حكيم ، عن سلمى أم رافع ، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ، فقتلت ، فجاء الناس فقالوا : يا رسول الله ، ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ قال : فسكت ، فأنزل الله : ( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين ) الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أرسل الرجل كلبه وسمى ، فأمسك عليه ، فليأكل ما لم يأكل " .
وهكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن زيد بن الحباب بإسناده ، عن أبي رافع قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستأذن عليه ، فأذن له فقال : قد أذنا لك يا رسول الله . قال : أجل ، ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ، قال أبو رافع : فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة ، فقتلت ، حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها ، فتركته رحمة لها ، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرني ، فرجعت إلى الكلب فقتلته ، فجاءوا فقالوا : يا رسول الله ، ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأنزل الله عز وجل : ( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين )
ورواه الحاكم في مستدركه من طريق محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح به . وقال : صحيح ولم يخرجاه .
وقال ابن جرير : حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا حجاج عن ابن جريج ، عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب ، حتى بلغ العوالي فدخل عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة ، فقالوا : ماذا أحل لنا يا رسول الله؟ فنزلت : ( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين ) [ الآية ]
ورواه الحاكم من طريق سماك عن عكرمة وهكذا قال محمد بن كعب القرظي في سبب نزول هذه الآية : إنه في قتل الكلاب .
وقوله تعالى : ( مكلبين ) يحتمل أن يكون حالا من الضمير في ( علمتم ) فيكون حالا من الفاعل ، ويحتمل أن يكون حالا من المفعول وهو ( الجوارح ) أي : وما علمتم من الجوارح في حال كونهن مكلبات للصيد ، وذلك أن تقتنصه [ الجوارح ] بمخالبها أو أظفارها ، فيستدل بذلك - والحالة هذه - على أن الجارحة إذا قتل الصيد بصدمته أو بمخلابه وظفره أنه لا يحل ، كما هو أحد قولي الشافعي وطائفة من العلماء ; ولهذا قال : ( تعلمونهن مما علمكم الله ) وهو أنه إذا أرسله استرسل ، وإذا أشلاه استشلى وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه ولا يمسكه لنفسه ; ولهذا قال تعالى : ( فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ) فمتى كان الجارحة معلما وأمسك على صاحبه ، وكان قد ذكر اسم الله عند إرساله حل الصيد ، وإن قتله بالإجماع .
وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، كما ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إني أرسل الكلاب المعلمة وأذكر اسم الله . فقال : " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله ، فكل ما أمسك عليك " . قلت : وإن قتلن؟ قال : " وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها ، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره " . قلت له : فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب؟ فقال : " إذا رميت بالمعراض فخزق فكله ، وإن أصابه بعرض فإنه وقيذ ، فلا تأكله " . وفي لفظ لهما : " إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله ، فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه ، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله ، فإن أخذ الكلب ذكاته " . وفي رواية لهما : " فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه " فهذا دليل للجمهور وهو الصحيح من مذهب الشافعي وهو أنه إذا أكل الكلب من الصيد يحرم مطلقا ، ولم يستفصلوا كما ورد بذلك الحديث . وحكي عن طائفة من السلف أنهم قالوا : لا يحرم مطلقا .
ذكر الآثار بذلك :
قال ابن جرير : حدثنا هناد حدثنا وكيع عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : قال سلمان الفارسي : كل وإن أكل ثلثيه - يعني الصيد - إذا أكل منه الكلب . وكذا رواه سعيد بن أبي عروبة وعمر بن عامر ، عن قتادة . وكذا رواه محمد بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان .
ورواه ابن جرير أيضا عن مجاهد بن موسى ، عن يزيد عن بكر بن عبد الله المزني والقاسم أن سلمان قال : إذا أكل الكلب فكل ، وإن أكل ثلثيه .
وقال ابن جرير : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه ، عن حميد بن مالك بن خثيم الدؤلي ; أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب ، فقال : كل ، وإن لم يبق منه إلا حذية - يعني : [ إلا ] بضعة .
ورواه شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن بكير بن الأشج عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص قال : كل وإن أكل ثلثيه .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود عن عامر عن أبي هريرة قال : لو أرسلت كلبك فأكل منه ، فإن أكل ثلثيه وبقي ثلثه فكل .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر قال : سمعت عبيد الله وحدثنا هناد حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر - عن نافع عن عبد الله بن عمر قال : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك ، أكل أو لم يأكل .
وكذا رواه عبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب وغير واحد ، عن نافع .
فهذه الآثار ثابتة عن سلمان وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وابن عمر . وهو محكي عن علي وابن عباس . واختلف فيه عن عطاء والحسن البصري . وهو قول الزهري وربيعة ومالك . وإليه ذهب الشافعي في القديم ، وأومأ إليه في الجديد .
وقد روي من طريق سلمان الفارسي مرفوعا ، فقال ابن جرير : حدثنا عمران بن بكار الكلاعي ، حدثنا عبد العزيز بن موسى اللاحوني ، حدثنا محمد بن دينار - هو الطاحي - عن أبي إياس معاوية بن قرة ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان الفارسي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه ، وقد أكل منه ، فليأكل ما بقي " .
ثم قال ابن جرير : وفي إسناد هذا الحديث نظر وسعيد غير معلوم له سماع من سلمان والثقات يروونه من كلام سلمان غير مرفوع .
وهذا الذي قاله ابن جرير صحيح ، لكن قد روي هذا المعنى مرفوعا من وجوه أخر ، فقال أبو داود : حدثنا محمد بن منهال الضرير ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا حبيب المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ; أن أعرابيا - يقال له : أبو ثعلبة - قال : يا رسول الله ، إن لي كلابا مكلبة ، فأفتني في صيدها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن كان لك كلاب مكلبة ، فكل مما أمسكن عليك " . فقال : ذكيا وغير ذكي ؟ قال : " نعم " . قال : وإن أكل منه؟ قال : " نعم ، وإن أكل منه " . قال : يا رسول الله ، أفتني في قوسي . فقال : " كل ما ردت عليك قوسك " قال : ذكيا وغير ذكي؟ قال : " وإن تغيب عنك ما لم يصل ، أو تجد فيه أثر غير سهمك " . قال : أفتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها . قال : " اغسلها وكل فيها " . .
هكذا رواه أبو داود وقد أخرجه النسائي . وكذا رواه أبو داود من طريق بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ثعلبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل ، وإن أكل منه ، وكل ما ردت عليك يدك "
وهذان إسنادان جيدان ، وقد روى الثوري عن سماك بن حرب ، عن عدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما كان من كلب ضار أمسك عليك ، فكل " . قلت : وإن أكل؟ قال : " نعم " .
وروى عبد الملك بن حبيب : حدثنا أسد بن موسى ، عن ابن أبي زائدة ، عن الشعبي عن عدي مثله .
فهذه آثار دالة على أنه يغتفر إن أكل منه الكلب . وقد احتج بها من لم يحرم الصيد بأكل الكلب وما أشبهه ، كما تقدم عمن حكيناه عنهم ، وقد توسط آخرون فقالوا : إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم . وللعلة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم : " فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه " وأما إن أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه وجاع فأكل من الصيد لجوعه ، فإنه لا يؤثر في التحريم . وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني ، وهذا تفريق حسن ، وجمع بين الحديثين صحيح . وقد تمنى الأستاذ أبو المعالي الجويني في كتابه " النهاية " أن لو فصل مفصل هذا التفصيل ، وقد حقق الله أمنيته ، وقال بهذا القول والتفريق طائفة من الأصحاب منهم ، وقال آخرون قولا رابعا في المسألة ، وهو التفرقة بين أكل الكلب فيحرم لحديث عدي وبين أكل الصقور ونحوها فلا يحرم ; لأنه لا يقبل التعليم إلا بالأكل .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا أبو إسحاق الشيباني ، عن حماد عن إبراهيم عن ابن عباس ; أنه قال في الطير : إذا أرسلته فقتل فكل ، فإن الكلب إذا ضربته لم يعد ، وإن تعلم الطير أن يرجع إلى صاحبه وليس يضرب ، فإذا أكل من الصيد ونتف الريش فكل .
وكذا قال إبراهيم النخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان .
وقد يحتج لهؤلاء بما رواه ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا المحاربي حدثنا مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة ، فما يحل لنا منها؟ قال : " يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله ، فكلوا مما أمسكن عليكم ، واذكروا اسم الله عليه " ثم قال : " ما أرسلت من كلب وذكرت اسم الله عليه ، فكل مما أمسك عليك " . قلت : وإن قتل؟ قال : " وإن قتل ، ما لم يأكل " . قلت : يا رسول الله ، وإن خالطت كلابنا كلابا غيرها؟ قال : فلا تأكل حتى تعلم أن كلبك هو الذي أمسك " . قال : قلت : إنا قوم نرمي ، فما يحل لنا؟ قال : " ما ذكرت اسم الله عليه وخزقت فكل " .
فوجه الدلالة لهم أنه اشترط في الكلب ألا يأكل ، ولم يشترط ذلك في البزاة ، فدل على التفرقة بينهما في الحكم ، والله أعلم .
وقوله : ( فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ) أي : عند الإرسال ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم : " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله ، فكل ما أمسك عليك " . وفي حديث أبي ثعلبة المخرج في الصحيحين أيضا : " إذا أرسلت كلبك ، فاذكر اسم الله ، وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله " ; ولهذا اشترط من اشترط من الأئمة كأحمد [ بن حنبل ] - في المشهور عنه - التسمية عند إرسال الكلب والرمي بالسهم لهذه الآية وهذا الحديث ، وهذا القول هو المشهور عن الجمهور ، أن المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال ، كما قال السدي وغير واحد .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( واذكروا اسم الله عليه ) يقول : إذا أرسلت جارحك فقل : باسم الله ، وإن نسيت فلا حرج .
وقال بعض الناس : المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الأكل كما ثبت في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ربيبه عمر بن أبي سلمة فقال : " سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك " . وفي صحيح البخاري : عن عائشة أنهم قالوا : يا رسول الله ، إن قوما يأتوننا - حديث عهدهم بكفر - بلحمان لا ندري أذكر اسم الله عليها أم لا ؟ فقال : " سموا الله أنتم وكلوا "
حديث آخر : وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا هشام عن بديل عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه ، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه لو كان ذكر اسم الله لكفاكم ، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ، فإن نسي أن يذكر اسم الله أوله فليقل : باسم الله أوله وآخره " .
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون ، به وهذا منقطع بين عبد الله بن عبيد بن عمير وعائشة فإنه لم يسمع منها هذا الحديث ، بدليل ما رواه الإمام أحمد :
حدثنا عبد الوهاب ، أخبرنا هشام - يعني ابن أبي عبد الله الدستوائي - عن بديل عن عبد الله بن عبيد بن عمير ; أن امرأة منهم - يقال لها : أم كلثوم - حدثته ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل طعاما في ستة من أصحابه ، فجاء أعرابي جائع فأكله بلقمتين ، فقال : " أما إنه لو ذكر اسم الله لكفاكم ، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ، فإن نسي اسم الله في أوله فليقل : باسم الله أوله وآخره " .
[ و ] رواه أحمد أيضا وأبو داود والترمذي والنسائي من غير وجه ، عن هشام الدستوائي به ، وقال الترمذي : حسن صحيح .
حديث آخر : وقال أحمد : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا جابر بن صبح حدثني المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي ، وصحبته إلى واسط ، فكان يسمي في أول طعامه وفي آخر لقمة يقول : بسم الله أوله وآخره .
فقلت له : إنك تسمي في أول ما تأكل ، أرأيت قولك في آخر ما تأكل : باسم الله أوله وآخره؟ فقال : أخبرك عن ذلك ، إن جدي أمية بن مخشى - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - سمعته يقول : إن رجلا كان يأكل ، والنبي ينظر ، فلم يسم ، حتى كان في آخر طعامه لقمة ، فقال : باسم الله أوله وآخره . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والله ما زال الشيطان يأكل معه حتى سمى ، فلم يبق شيء في بطنه حتى قاءه " .
وهكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث جابر بن صبح الراسبي أبي بشر البصري ووثقه ابن معين والنسائي وقال أبو الفتح الأزدي : لا تقوم به الحجة .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن خيثمة عن أبي حذيفة قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد : واسمه سلمة بن الهيثم بن صهيب - من أصحاب ابن مسعود - عن حذيفة قال : كنا إذا حضرنا مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] على طعام ، لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيضع يده ، وإنا حضرنا معه طعاما فجاءت جارية ، كأنما تدفع ، فذهبت تضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ، وجاء أعرابي كأنما يدفع ، فذهب يضع يده في الطعام ، فأخذ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بيده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها ، فأخذت بيدها ، وجاء بهذا الأعرابي ليستحل به ، فأخذت بيده ، والذي نفسي بيده ، إن يده في يدي مع يدهما ، يعني الشيطان . وكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي ، من حديث الأعمش به .
حديث آخر : روى مسلم وأهل السنن إلا الترمذي من طريق ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل الرجل بيته ، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت ، فإذا لم يذكر اسم الله عند طعامه قال : أدركتم المبيت والعشاء " . لفظ أبي داود .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن وحشي بن حرب بن وحشي بن حرب عن أبيه ، عن جده ; أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا نأكل وما نشبع؟ قال : " فلعلكم تأكلون متفرقين ، اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه " .
ورواه أبو داود ، وابن ماجه ، من طريق الوليد بن مسلم .
يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين
القول في تأويل قوله تعالى : { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين } يعني بذلك جل ثناؤه : يسألك يا محمد أصحابك ما الذي أحل لهم أكله من المطاعم والمآكل , فقل لهم : أحل منها الطيبات , وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح , وأحل لكم أيضا مع ذلك صيد ما علمتم من الجوارح , ومن الكواسب من سباع البهائم والطير , سميت جوارح لجرحها لأربابها وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد , يقال منه : جرح فلان لأهله خيرا : إذا أكسبهم خيرا , وفلان جارحة أهله : يعني بذلك : كاسبهم , ولا جارحة لفلانة إذا لم يكن لها كاسب , ومنه قول أعشى بني ثعلبة : ذات خد منضج ميسمه يذكر الجارح ما كان اجترح يعني : اكتسب . وترك من قوله : { وما علمتم } " وصيد " ما علمتم من الجوارح اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام على ما ترك ذكره . وذلك أن القوم فيما بلغنا كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بقتل الكلاب عما يحل لهم اتخاذه منها وعبيده , فأنزل الله عز ذكره فيما سألوا عنه من ذلك هذه الآية فاستثنى مما كان حرم اتخاذه منها , وأمر بقنية كلاب الصيد وكلاب الماشية وكلاب الحرث , وأذن لهم باتخاذ ذلك . ذكر الخبر بذلك : 8747 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا زيد بن حباب العكلي , قال : ثنا موسى بن عبيدة , قال : أخبرنا صالح عن القعقاع بن حكيم , عن سلمى أم رافع , عن أبي رافع , قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن عليه , فأذن له , فقال : " قد أذنا لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم " , قال : أجل , ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب . قال أبو رافع : فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة , فقتلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها , فتركته رحمة لها , ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأخبرته , فأمرني , فرجعت إلى الكلب فقتلته , فجاءوا فقالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم , ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأنزل الله : { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين } 8748 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عكرمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب , فقتل حتى بلغ العوالي , فدخل عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة , فقالوا : ماذا أحل لنا يا رسول الله ؟ فنزلت : { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين } 8749 - حدثنا المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الله بن الزبير , قال : حدثونا عن محمد بن كعب القرظي , قال : لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب , قالوا : يا رسول الله , فماذا يحل لنا من هذه الأمة ؟ فنزلت : { يسألونك ماذا أحل لهم } الآية ثم اختلف أهل التأويل في الجوارح التي عنى الله بقوله : { وما علمتم من الجوارح } فقال بعضهم هو كل ما علم الصيد فتعلمه من بهيمة أو طائر . ذكر من قال ذلك : 8750 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا ابن المبارك , عن إسماعيل بن مسلم , عن الحسن في قوله : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } قال : كل ما علم فصاد : من كلب , أو صقر , أو فهد , أو غيره . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن فضيل , عن إسماعيل بن مسلم , عن الحسن : { مكلبين } قال : كل ما علم فصاد من كلب أو فهد أو غيره . 8751 - ابن حميد , قال : ثنا ابن المبارك , عن معمر , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في صيد الفهد , قال : هو من الجوارح . 8752 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عنبسة , عن محمد بن عبد الرحمن , عن القاسم بن أبي بزة , عن مجاهد في قوله : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } قال : الطير , والكلاب . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن الحجاج , عن عطاء , عن القاسم أبي بزة , عن مجاهد , مثله . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن عيينة , عن حميد , عن مجاهد : { مكلبين } قال : من الكلاب والطير . * - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { من الجوارح مكلبين } قال : من الطير والكلاب . * - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 8753 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا شعبة ( ح ) وثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن شعبة , عن الهيثم , عن طلحة بن مصرف , قال : خيثمة بن عبد الرحمن : هذا ما قد بينت لك أن الصقر والبازي من الجوارح . * - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , قال : سمعت الهيثم يحدث عن طلحة الإيامي , عن خيثمة , قال : أنبئت أن الصقر , والباز , والكلب : من الجوارح . 8754 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا عبد الله بن عمر , عن نافع , عن علي بن حسين , قال : الباز الصقر من الجوارح . 8755 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يحيى بن يمان , عن شريك , عن جابر , عن أبي جعفر , قال : الباز والصقر من الجوارح المكلبين . 8756 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } يعني بالجوارح : الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها . 8757 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن ابن طاوس , عن أبيه : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } قال : من الكلاب وغيرها , من الصقور والبيزان وأشباه ذلك مما يعلم . * - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } الجوارح : الكلاب والصقور المعلمة . 8758 - حدثني سعيد بن الربيع الرازي , قال : ثنا سفيان , عن عمرو بن دينار سمع عبيد بن عمير يقول في قوله : { من الجوارح مكلبين } قال : الكلاب والطير . وقال آخرون : إنما عنى الله جل ثناؤه بقوله : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } الكلاب دون غيرها من السباع . ذكر من قال ذلك : 8759 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا أبو تميلة , قال : ثنا عبيد , عن الضحاك : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } قال : هي الكلاب . 8760 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قوله : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } يقول : أحل لكم صيد الكلاب التي علمتموهن . 8761 - حدثنا هناد , قال : ثنا ابن أبي زائدة , قال : أخبرنا ابن جريج , عن نافع , عن ابن عمر , قال : أما ما صاد من الطير والبزاة من الطير , فما أدركت فهو لك , وإلا فلا تطعمه . وأولى القولين بتأويل الآية , قول من قال : كل ما صاد من الطير والسباع فمن الجوارح , وإن صيد جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعليم ; لأن الله جل ثناؤه عم بقوله : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } كل جارحة , ولم يخصص منها شيئا , فكل جارحة كانت بالصفة التي وصف الله من كل طائر وسبع فحلال أكل صيدها . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم , بنحو ما قلنا في ذلك خبر , مع ما في الآية من الدلالة التي ذكرنا على صحة ما قلنا في ذلك , وهو ما : 8762 - حدثنا به هناد , قال : ثنا عيسى بن يونس , عن مجالد , عن الشعبي عن عدي بن حاتم , قال : سألت رسول الله عن صيد البازي , فقال : " ما أمسك عليك فكل " فأباح صيد البازي وجعله من الجوارح , ففي ذلك دلالة بينة على فساد قول من قال : عنى أنه بقوله : { وما علمتم من الجوارح } ما علمنا من الكلاب خاصة دون غيرها من سائر الجوارح . فإن ظن ظان أن في قوله { مكلبين } دلالة على أن الجوارح التي ذكرت في قوله : { وما علمتم من الجوارح } هي الكلاب خاصة , فقد ظن غير الصواب , وذلك أن معنى الآية : قل أحل لكم أيها الناس في حال مصيركم أصحاب كلاب الطيبات وصيد ما علمتموه الصيد من كواسب السباع والطير . فقوله : { مكلبين } صفة للقانص , وإن صاد بغير الكلاب في بعض أحيانه , وهو نظير قول القائل يخاطب قوما : أحل لكم الطيبات , وما علمتم من الجوارح مكلبين مؤمنين ; فمعلوم أنه إنما عنى قائل ذلك إخبار القوم أن الله جل ذكره أحل لهم في حال كونهم أهل إيمان الطيبات , وصيد الجوارح التي أعلمهم أنه لا يحل لهم منه إلا ما صادوه بها , فكذلك قوله : { أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين } لذلك نظيره في أن التكليب للقانص بالكلاب كان صيده أو بغيرها , لا أنه إعلام من الله عز ذكره أنه لا يحل من الصيد إلا ما صادته الكلاب .تعلمونهن مما علمكم الله
القول في تأويل قوله تعالى : { تعلمونهن مما علمكم الله } يعني جل ثناؤه بقوله : { تعلمونهن } تؤدبون الجوارح , فتعلمونهن طلب الصيد لكم مما علمكم الله , يعني بذلك : من التأديب الذي أدبكم الله والعلم الذي علمكم . وقد قال بعض أهل التأويل : معنى قوله : { مما علمكم الله } كما علمكم الله . ذكر من قال ذلك : 8763 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { تعلمونهن مما علمكم الله } يقول : تعلمونهن من الطلب كما علمكم الله . ولسنا نعرف في كلام العرب " من " بمعنى الكاف , لأن " من " تدخل في كلامهم بمعنى التبعيض , والكاف بمعنى التشبيه . وإنما يوضع الحرف مكان آخر غيره إذا تقارب معنياهما , فأما إذا اختلفت معانيهما فغير موجود في كلامهم وضع أحدهما عقيب الآخر , وكتاب الله وتنزيله أحرى الكلام أن يجنب ما خرج عن المفهوم والغاية في الفصاحة من كلام من نزل بلسانه . 8764 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا إسماعيل بن صبيح , قال : ثنا أبو هانئ , عن أبي بشر , قال : ثنا عامر , أن عدي بن حاتم الطائي , قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب , فلم يدر ما يقول له , حتى نزلت هذه الآية : { تعلمونهن مما علمكم الله } قيل : اختلف أهل التأويل في ذلك , فقال بعضهم : هو أن يستشلى لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه , ويمسك عليه إذا أخذه فلا يأكل منه , ويستجيب له إذا دعاه , ولا يفر منه إذا أراده , فإذا تتابع ذلك منه مرارا كان معلما . وهذا قول جماعة من أهل الحجاز وبعض أهل العراق . ذكر من قال ذلك : 8765 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا أبو عصام , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : قال عطاء : كل شيء قتله صائدك قبل أن يعلم ويمسك ويصيد فهو ميتة , ولا يكون قتله إياه ذكاة حتى يعلم ويمسك ويصيد , فإن كان ذلك ثم قتل فهو ذكاته . 8766 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قال : المعلم من الكلاب أن يمسك صيده فلا يأكل منه حتى يأتيه صاحبه , فإن أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته , فلا يأكل من صيده . 8767 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن عيينة , عن عمرو , عن طاوس , عن ابن عباس , قال : إذا أكل الكلب فلا تأكل , فإنما أمسك على نفسه . 8768 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم , قالا : ثنا إسماعيل بن إبراهيم , قال : ثنا أبو المعلى , عن سعيد بن جبير , قال : قال ابن عباس : إذا أرسل الرجل الكلب فأكل من صيده فقد أفسده , وإن كان ذكر اسم الله حين أرسله - فزعم أنه إنما أمسك على نفسه - والله يقول { من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله } فزعم أنه إذا أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه أنه ليس بمعلم , وأنه ينبغي أن يضرب ويعلم حتى يترك ذلك الخلق . 8769 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا معمر الرقي , عن حجاج , عن عطاء , عن ابن عباس , قال : إذا أخذ الكلب فقتل فأكل , فهو سبع . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثني عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن عامر , عن ابن عباس , قال : لا يأكل منه , فإنه لو كان معلما لم يتعلم منه ولم يتعلم ما علمته , إنما أمسك على نفسه ولم يمسك عليك . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا يزيد بن هارون , قال : أخبرنا داود , عن الشعبي , عن ابن عباس , بنحوه . * - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن حماد , عن إبراهيم , عن ابن عباس , قال : إذا أكلت الكلاب فلا تأكل . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن الشعبي , عن ابن عباس , بمثله . 8770 - حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا بشر بن المفضل , قال : ثنا ابن عون , قال : قلت لعامر الشعبي : الرجل يرسل كلبه فيأكل منه , أنأكل منه ؟ قال : لا , لم يتعلم الذي علمته . 8771 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس , عن ليث , عن مجاهد , عن ابن عمر , قال : إذا أكل الكلب من صيد فاضربه , فإنه ليس بمعلم . 8772 - حدثنا سوار بن عبد الله , قال : ثنا يحيى بن سعيد , عن ابن جريج , عن ابن طاوس , عن أبيه , قال : إذا أكل الكلب فهو ميتة , فلا تأكله . 8773 - حدثنا الحسن بن عرفة , قال : ثنا هشيم , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير وسيار , عن الشعبي ومغيرة , عن إبراهيم أنهم قالوا في الكلب : إذا أكل من صيده فلا تأكل , فإنما أمسك على نفسه . 8774 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا أبو عاصم , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : قال عطاء : إن وجدت الكلب قد أكل من الصيد , فما وجدته ميتا فدعه , فإنه مما لم يمسك عليك صيدا , إنما هو سبع أمسك على نفسه ولم يمسك عليك , وإن كان قد علم . 8775 - حدثنا محمد بن الحسن , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : بنحوه . وقال آخرون نحو هذه المقالة , غير أنهم حدوا لمعرفة الكلاب بأن كلبه قد قبل التعليم , وصار من الجوارح الحلال صيدها أن يفعل ذلك كلبه مرات ثلاثا , وهذا قول محكي عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن . وقال آخرون ممن قال هذه المقالة : لا حد لعلم الكلاب بذلك من كلبه أكثر من أن يفعل كلبه ما وصفنا أنه له تعليم ; قالوا : فإذا فعل ذلك فقد صار معلما حلالا صيده . وهذا قول بعض المتأخرين . وفرق بعض قائلي هذه المقالة بين تعليم البازي وسائر الطيور الجارحة , وتعليم الكلب وضاري السباع الجارحة , فقال : جائز أكل ما أكل منه البازي من الصيد . قالوا : وإنما تعليم البازي أن يطير إذا استشلي , ويجيب إذا دعي , ولا ينفر من صاحبه إذا أراد أخذه . قالوا : وليس من شروط تعليمه أن لا يأكل من الصيد . ذكر من قال ذلك : 8776 - حدثنا هناد بن السري , قال : ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم وحجاج , عن عطاء , قال : لا بأس بصيد البازي وإن أكل منه . 8777 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أسباط , قال : ثنا أبو إسحاق الشيباني , عن حماد , عن إبراهيم , عن ابن عباس أنه قال في الطير : إذا أرسلته فقتل فكل , فإن الكلب إذا ضربته لم يعد ; وإن تعليم الطير : أن يرجع إلى صاحبه , وليس يضرب فإذا أكل من الصيد ونتف من الريش فكل . 8778 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا أبو حمزة , عن جابر , عن الشعبي , قال : ليس البازي والصقر كالكلب , فإذا أرسلتهما فأمسكا فأكلا فدعوتهما فأتياك , فكل منه . 8779 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو زبيد , عن مطرف , عن حماد , قال إبراهيم : كل صيد البازي وإن أكل منه . 8780 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن حماد , عن إبراهيم , وجابر عن الشعبي , قالا : كل من صيد البازي وإن أكل . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن حماد , عن إبراهيم : إذا أكل البازي والصقر من الصيد , فكل , فإنه لا يعلم . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن حماد , عن إبراهيم , قال : لا بأس بما أكل منه البازي . 8781 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن حماد , أنه قال في البازي : إذا أكل منه فكل . وقال آخرون منهم : سواء تعليم الطير والبهائم والسباع , لا يكون نوع من ذلك معلما إلا بما يكون به سائر الأنواع معلما . وقالوا : لا يحل أكل شيء من الصيد الذي صادته جارحة فأكلت منه , كائنة ما كانت تلك الجارحة بهيمة أو طائرا . قالوا : لأن من شروط تعليمها الذي يحل به صيدها , أن تمسك ما صادت على صاحبها فلا تأكل منه . ذكر من قال ذلك : 8782 - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا ابن أبي زائدة , قال : ثنا محمد بن سالم , عن عامر , قال : قال علي : إذا أكل البازي من صيده فلا تأكل . 8783 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا ابن جعفر , عن شعبة , عن مجاهد بن سعيد , عن الشعبي , قال : إذا أكل البازي منه فلا تأكل . 8784 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن سالم , عن سعيد بن جبير , قال : إذا أكل البازي فلا تأكل . 8785 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع عن عمرو بن الوليد السهمي , قال : سمعت عكرمة , قال : إذا أكل البازي فلا تأكل . 8786 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا أبو عاصم , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : قال عطاء : الكلب والبازي كله واحد , لا تأكل ما أكل منه من الصيد إلا أن تدرك ذكاته فتذكيه . قال : قلت لعطاء : البازي ينتف الريش ؟ قال : فما أدركته ولم يأكل , فكل . قال ذلك غير مرة . وقال آخرون : تعليم كل جارحة من البهائم والطير واحد , قالوا : وتعليمه الذي يحل به صيده أن يشلى على الصيد فيستشلي ويأخذ الصيد , ويدعوه صاحبه فيجيب , أو لا يفر منه إذا أخذه . قالوا : فإذا فعل الجارح ذلك كان معلما داخلا في المعنى الذي قال الله : { وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم } قالوا : وليس من شرط تعليم ذلك أن لا يأكل من الصيد , قالوا : وكيف يجوز أن يكون ذلك من شرطه وهو يؤدب بأكله ؟ ذكر من قال ذلك : 8787 - حدثنا ابن أبي الشوارب , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن سعيد أو سعد , عن سلمان , قال : إذا أرسلت كلبك على صيد , وذكرت اسم الله فأكل ثلثيه وبقي ثلثه , فكل ما بقي . * - حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا بشر بن المفضل , قال : ثنا حميد , قال : ثني القاسم بن ربيعة , عمن حدثه , عن سلمان وبكر بن عبد الله , عمن حدثه , عن سلمان : أن الكلب يأخذ الصيد فيأكل منه , قال : كل وإن أكل ثلثيه إذا أرسلته وذكرت اسم الله وكان معلما . * - حدثنا ابن بشار وابن المثنى , قالا : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , قال : سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب , قال : قال سلمان : كل وإن أكل ثلثيه ; يعني : الصيد إذا أكل ثلثيه ; يعني : الصيد إذا أكل منه الكلب . - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن شعبة , عن قتادة , عن سعيد بن المسيب , عن سلمان , نحوه . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا ابن أبي عدي وعبد العزيز بن عبد الصمد , عن شعبة ( ح ) وحدثنا هناد قال : ثنا عبدة جميعا , عن سعيد , عن قتادة , عن سعيد بن المسيب , قال : قال سلمان : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فأكل ثلثه فكل . * - حدثنا هناد , قال : ثنا عبدة , عن سعيد , عن قتادة , عن سعيد , عن سلمان , نحوه . * - حدثنا مجاهد بن موسى , قال : ثنا يزيد , عن بكر بن عبد الله المزني والقاسم , أن سلمان قال : إذا أكل الكلب فكل , وإن أكل ثلثيه . * - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن داود بن أبي الفرات , عن محمد بن زيد , عن سعيد بن المسيب , قال : قال سلمان : إذا أرسلت كلبك المعلم أو بازك , فسميت , فأكل نصفه أو ثلثيه , فكل بقيته . 8788 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني مخرمة بن بكير , عن أبيه , عن حميد بن مالك بن خثيم الدؤلي , أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب , فقال : كل وإن لم يبق منه إلا حذية , يعني بضعة . 8789 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثني عبد الصمد , قال : ثنا شعبة , عن عبد ربه بن سعيد , قال : سمعت بكير بن الأشج يحدث عن سعد , قال : كل وإن أكل ثلثيه . 8790 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا سعيد بن الربيع , قال : ثنا شعبة , عن عبد ربه بن سعيد , قال : سمعت بكير بن الأشج , عن سعيد بن المسيب - قال شعبة , قلت : سمعته من سعيد ؟ قال : لا - قال : كل وإن أكل ثلثيه . قال : ثم إن شعبة قال في حديثه عن سعد , قال : كل وإن أكل نصفه . 8791 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثني عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن عامر , عن أبي هريرة , قال : إذا أرسلت كلبك فأكل منه , فإن أكل ثلثيه وبقي ثلثه فكل . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا يزيد بن هارون , قال : أخبرنا داود بن أبي هند , عن الشعبي , عن أبي هريرة , بنحوه . * - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو معاوية , عن داود بن أبي هند , عن الشعبي , عن أبي هريرة , نحوه . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثني سالم بن نوح العطار , عن عمر , يعني ابن عامر , عن قتادة , عن سعيد بن المسيب , عن سلمان , قال : إذا أرسلت كلبك المعلم فأخذ فقتل , فكل وإن أكل ثلثيه . 8792 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا المعتمر , قال : سمعت عبد الله ( ح ) وحدثنا هناد , قال : ثنا عبدة , عن عبيد الله بن عمر , عن نافع , عن عبد الله بن عمر , قال : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك , أكل أو لم يأكل . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا عبيد الله , عن نافع , عن ابن عمر , بنحوه . 8793 - حدثنا يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني ابن أبي ذئب أن نافعا حدثهم : أن عبد الله بن عمر كان لا يرى بأكل الصيد بأسا , إذا قتله الكلب أكل منه . * - حدثني يونس به مرة أخرى , فقال : أخبرنا ابن وهب , قال : ثني عبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب وغير واحد , أن نافعا حدثهم عن عبد الله بن عمر , فذكر نحوه . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا محمد بن أبي ذئب , عن نافع , عن ابن عمر : أنه كان لا يرى بأسا بما أكل الكلب الضاري . * - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن ابن أبي ذئب , عن بكير بن عبد الله بن الأشج , عن حميد بن عبد الله , عن سعد , قال : قلت : لنا كلاب ضوار يأكلن ويبقين ؟ قال : كل وإن لم يبق إلا بضعة . * - حدثنا هناد , قال : ثنا قبيصة , عن سفيان , عن ابن أبي ذئب , عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج , عن حميد , قال : سألت سعدا , فذكر نحوه . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا في تأويل قوله : { تعلمونهن مما علمكم الله } أن التعليم الذي ذكره الله في هذه الآية للجوارح , إنما هو أن يعلم الرجل جارحه الاستشلاء إذا أشلي على الصيد , وطلبه إياه إذا أغري , أو إمساكه عليه إذا أخذ من غير أن يأكل منه شيئا , وألا يفر منه إذا أراده , وأن يجيبه إذا دعاه , فذلك هو تعليم جميع الجوارح طيرها وبهائمها . وإن أكل من الصيد جارحة صائد , فجارحه حينئذ غير معلم . فإن أدرك صاحبه حيا فذكاه حل له أكله , وإن أدركه ميتا لم يحل له , لأنه مما أكله السبع الذي حرمه الله تعالى بقوله : { وما أكل السبع } ولم يدرك ذكاته . وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , 8794 - حدثنا به ابن حميد , قال : ثنا ابن المبارك , عن عاصم بن سليمان الأحول , عن الشعبي , عن عدي بن حاتم , أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد , فقال : "إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه , فإن أدركته وقد قتل وأكل منه , فلا تأكل منه شيئا , فإنما أمسك على نفسه " * - حدثنا أبو كريب , وأبو هشام الرفاعي , قالا : ثنا محمد بن فضيل , عن بيان بن بشر , عن عامر , عن عدي بن حاتم , قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقلت : إنا قوم نتصيد بهذه الكلاب ؟ فقال : " إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليها , فكل ما أمسكن عليك وإن قتلن , إلا أن يأكل الكلب , فإن أكل فلا تأكل , فإني أخاف أن يكون إنما حبسه على نفسه " فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما : 8795 - حدثك به عمران بن بكار الكلاعي , قال : ثنا عبد العزيز بن موسى , قال : ثنا محمد بن دينار , عن أبي إياس , عن سعيد بن المسيب , عن سلمان الفارسي , عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال : " إذا أرسل الرجل كلبا على الصيد فأدركه وقد أكل منه , فليأكل ما بقي " قيل : هذا خبر في إسناده نظر , فإن سعيدا غير معلوم له سماع من سلمان , والثقات من أهل الآثار يقفون هذا الكلام على سلمان ويروونه عنه من قبله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم . والحفاظ الثقات إذا تتابعوا على نقل شيء بصفة فخالفهم واحد منفرد ليس له حفظهم , كانت الجماعة الأثبات أحق بصحة ما نقلوا من الفرد الذي ليس له حفظهم . وإذا كان الأمر في الكلب على ما ذكرت من أنه إذا أكل من الصيد فغير معلم , فكذلك حكم كل جارحة في أن ما أكل منها من الصيد فغير معلم , لا يحل له أكل صيده إلا أن يدرك ذكاته .فكلوا مما أمسكن عليكم
القول في تأويل قوله تعالى : { فكلوا مما أمسكن عليكم } يعني بقوله : { فكلوا مما أمسكن عليكم } فكلوا أيها الناس مما أمسكت عليكم جوارحكم . واختلف أهل التأويل في معنى ذلك , فقال بعضهم : ذلك على الظاهر والعموم كما عممه الله حلال أكل كل ما أمسكت علينا الكلاب والجوارح المعلمة من الصيد الحلال أكله , أكل منه الجارح والكلاب أو لم يأكل منه , أدركت ذكاته فذكي أو لم تدرك ذكاته حتى قتلته الجوارح , بجرحها إياه أو بغير جرح . وهذا قول الذين قالوا : تعليم الجوارح الذي يحل به صيدها أن تعلم الاستشلاء على الصيد وطلبه إذا أشليت عليه وأخذه , وترك الهرب من صاحبها دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته . وقد ذكرنا قول قائلي هذه المقالة والرواية عنهم بأسانيدها الواردة آنفا . وقال آخرون : بل ذلك على الخصوص دون العموم , قالوا : ومعناه : فكلوا مما أمسكن عليكم من الصيد جميعه دون بعضه . قالوا : فإن أكلت الجوارح منه بعضا وأمسكت بعضا , فالذي أمسكت منه غير جائز أكله وقد أكلت بعضه لأنها إنما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصيد بعد الذي أكلت منه على أنفسها لا علينا , والله تعالى ذكره إنما أباح لنا كل ما أمسكته جوارحنا المعلمة عليه بقوله : { فكلوا مما أمسكن عليكم } دون ما أمسكته على أنفسها , وهذا قول من قال : تعليم الجوارح الذي يحل به صيدها , أن تستشلى للصيد إذا أشليت فتطلبه وتأخذه , فتمسكه على صاحبها فلا تأكل منه شيئا , ولا تفر من صاحبها ; وقد ذكرنا ممن قال ذلك فيما مضى منهم جماعة كثيرة , ونذكر منهم جماعة آخرين في هذا الموضع . 8796 - حدثنا المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { فكلوا مما أمسكن عليكم } يقول : كلوا مما قتلن . قال علي : وكان ابن عباس يقول : إن قتل وأكل فلا تأكل , وإن أمسك فأدركته حيا فذكه . 8797 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قال : إن أكل المعلم من الكلاب من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته , فلا يأكل من صيده . 8798 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فكلوا مما أمسكن عليكم } إذا صاد الكلب فأمسكه وقد قتله ولم يأكل منه , فهو حل , فإن أكل منه , فيقال : إنما أمسك على نفسه , فلا تأكل منه شيئا , إنه ليس بمعلم . 8799 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { يسألونك ماذا أحل لهم } إلى قوله : { فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه } قال : إذا أرسلت كلبك المعلم أو طيرك أو سهمك , فذكرت اسم الله , فأخذ أو قتل , فكل . 8800 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ , يقول : أخبرنا عبيد بن سلمان , قال : سمعت الضحاك يقول : إذا أرسلت كلبك المعلم فذكرت اسم الله حين ترسله فأمسك أو قتل فهو حلال , فإذا أكل منه فلا تأكله , فإنما أمسكه على نفسه . 8801 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا أبو معاوية , عن عاصم , عن الشعبي , عن عدي , قوله : { فكلوا مما أمسكن عليكم } قال : قلت يا رسول الله إن أرضي أرض صيد ؟ قال : " إذا أرسلت كلبك وسميت فكل مما أمسك عليك كلبك , وإن قتل , فإن أكل فلا تأكل فإنه إنما أمسك على نفسه " وقد بينا أولى القولين في ذلك بالصواب قبل , فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره . فإن قال قائل : وما وجه دخول " من " في قوله : { فكلوا مما أمسكن عليكم } , وقد أحل الله لنا صيد جوارحنا الحلال , " ومن "إنما تدخل في الكلام مبعضة لما دخلت فيه ؟ قيل : قد اختلف في معنى دخولها في هذا الموضع أهل العربية , فقال بعض نحويي البصرة حين دخلت " من " في هذا الموضع لغير معنى , كما تدخله العرب في قولهم : كان من مطر , وكان من حديث . قال : ومن ذلك قوله : { ويكفر عنكم من سيئاتكم } , وقوله : { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } قال : وهو فيما فسر : وينزل من السماء جبالا فيها برد . قال : وقال بعضهم : { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } أي من السماء من برد , بجعل الجبال من برد في السماء , وبجعل الإنزال منها . وكان غيره من أهل العربية ينكر ذلك ويقول : لم تدخل "من " إلا لمعنى مفهوم لا يجوز الكلام ولا يصلح إلا به , وذلك أنها دالة على التبعيض . وكان يقول : معنى قولهم : " قد كان من مطر , وكان من حديث " : هل كان من مطر مطر عندكم , وهل من حديث حدث عندكم . ويقول : معنى { ويكفر عنكم من سيئاتكم } أي ويكفر عنكم من سيئاتكم ما يشاء ويريد , وفي قوله : { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } فيجيز حذف "من " من { من برد } ولا يجيز حذفها من " الجبال " , ويتأول معنى ذلك : وينزل من السماء أمثال جبال برد , ثم أدخلت " من " في البرد ; لأن البرد مفسر عنده عن الأمثال : أعني : أمثال الجبال , وقد أقيمت الجبال مقام الأمثال , والجبال وهي جبال برد , فلا يجيز حذف " من " من الجبال ; لأنها دالة على أن الذي في السماء الذي أنزل منه البرد أمثال جبال برد , وأجاز حذف " من " من " البرد " ; لأن " البرد " مفسر عن الأمثال , كما تقول : عندي رطلان زيتا , وعندي رطلان من زيت , وليس عندك الرطل وإنما عندك المقدار , ف " من " تدخل في المفسر وتخرج منه . وكذلك عند قائل هذا القول : من السماء , من أمثال جبال , وليس بجبال . وقال : وإن كان أنزل من جبال في السماء من برد جبالا , ثم حذف " الجبال " الثانية و " الجبال " الأول في السماء جاز , تقول : أكلت من الطعام , تريد : أكلت من الطعام طعاما , ثم تحذف الطعام ولا تسقط "من " . والصواب من القول في ذلك , أن " من " لا تدخل في الكلام إلا لمعنى مفهوم , وقد يجوز حذفها في بعض الكلام وبالكلام إليها حاجة لدلالة ما يظهر من الكلام عليها , فأما أن تكون في الكلام لغير معنى أفادته بدخولها , فذلك قد بينا فيما مضى أنه غير جائز أن يكون فيما صح من الكلام . ومعنى دخولها في قوله : { فكلوا مما أمسكن عليكم } للتبعيض إذ كانت الجوارح تمسك على أصحابها ما أحل الله لهم لحومه وحرم عليهم فرثه ودمه , فقال جل ثناؤه : { فكلوا مما أمسكن عليكم } جوارحكم الطيبات التي أحللت لكم من لحومها دون ما حرمت عليكم من خبائثه من الفرث والدم وما أشبه ذلك مما لم أطيبه لكم , فذلك معنى دخول " من " في ذلك . وأما قوله : { ويكفر عنكم من سيئاتكم } فقد بينا وجه دخولها فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته . وأما دخولها في قوله : { وينزل من السماء من جبال } فسنبينه إذا أتينا عليه إن شاء الله تعالى :واذكروا اسم الله عليه
القول في تأويل قوله تعالى : { واذكروا اسم الله عليه } يعني جل ثناؤه بقوله : { واذكروا اسم الله } على ما أمسكت عليكم جوارحكم من الصيد . كما : 8802 - حدثنا المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { واذكروا اسم الله عليه } يقول : إذا أرسلت جارحك فقل : بسم الله , وإن نسيت فلا حرج . 8803 - حدثنا محمد , قال : ثنا أحمد , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قوله : { واذكروا اسم الله عليه } قال : إذا أرسلته فسم عليه حين ترسله على الصيد .واتقوا الله إن الله سريع الحساب
القول في تأويل قوله تعالى : { واتقوا الله إن الله سريع الحساب } يعني جل ثناؤه : واتقوا الله أيها الناس فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه , فاحذروه في ذلك أن تقدموا على خلافه , وأن تأكلوا من صيد الجوارح غير المعلمة أو مما لم تمسك عليكم من صيدها وأمسكته على أنفسها , أو تطعموا ما لم يسم الله عليه من الصيد والذبائح مما صاده أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لم يوحد الله من خلقه , أو ذبحوه , فإن الله قد حرم ذلك عليكم فاجتنبوه . ثم خوفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره فقال : اعلموا أن الله سريع حسابه لمن حاسبه على نعمته عليه منكم وشكر الشاكر منكم ربه , على ما أنعم به عليه بطاعته إياه فيما أمر ونهى ; لأنه حافظ لجميع ذلك فيكم فيحيط به , لا يخفى عليه منه شيء , فيجازي المطيع منك بطاعته والعاصي بمعصيته , وقد بين لكم جزاء الفريقين .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 4 | ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ﴾ |
---|
المائدة: 5 | ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
كرر تعالى إحلال الطيبات لبيان الامتنان، ودعوة للعباد إلى شكره والإكثار من ذكره، حيث أباح لهم ما تدعوهم الحاجة إليه، ويحصل لهم الانتفاع به من الطيبات.{ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ْ} أي:ذبائح اليهود والنصارى حلال لكم -يا معشر المسلمين- دون باقي الكفار، فإن ذبائحهم لا تحل للمسلمين، وذلك لأن أهل الكتاب ينتسبون إلى الأنبياء والكتب. وقد اتفق الرسل كلهم على تحريم الذبح لغير الله، لأنه شرك، فاليهود والنصارى يتدينون بتحريم الذبح لغير الله، فلذلك أبيحت ذبائحهم دون غيرهم. والدليل على أن المراد بطعامهم ذبائحهم، أن الطعام الذي ليس من الذبائح كالحبوب والثمار ليس لأهل الكتاب فيه خصوصية، بل يباح ذلك ولو كان من طعام غيرهم. وأيضا فإنه أضاف الطعام إليهم. فدل ذلك، على أنه كان طعاما، بسبب ذبحهم. ولا يقال:إن ذلك للتمليك، وأن المراد:الطعام الذي يملكون. لأن هذا، لا يباح على وجه الغصب، ولا من المسلمين.{ وَطَعَامُكُمْ ْ} أيها المسلمون{ حِلٌّ لَّهُمْ ْ} أي:يحل لكم أن تطعموهم إياه{ وَ ْ} أحل لكم{ الْمُحْصَنَاتِ ْ} أي:الحرائر العفيفات{ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ ْ} والحرائر العفيفات{ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ْ} أي:من اليهود والنصارى. وهذا مخصص لقوله تعالى{ وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ْ} ومفهوم الآية، أن الأرقاء من المؤمنات لا يباح نكاحهن للأحرار, وهو كذلك. وأما الكتابيات فعلى كل حال لا يبحن، ولا يجوز نكاحهن للأحرار مطلقا، لقوله تعالى:{ مِن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ْ} وأما المسلمات إذا كن رقيقات فإنه لا يجوز للأحرار نكاحهن إلا بشرطين، عدم الطول وخوف العنت. وأما الفاجرات غير العفيفات عن الزنا فلا يباح نكاحهن، سواء كن مسلمات أو كتابيات، حتى يتبن لقوله تعالى:{ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ْ} الآية. وقوله:{ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ْ} أي:أبحنا لكم نكاحهن، إذا أعطيتموهن مهورهن، فمن عزم على أن لا يؤتيها مهرها فإنها لا تحل له. وأمر بإيتائها إذا كانت رشيدة تصلح للإيتاء، وإلا أعطاه الزوج لوليها. وإضافة الأجور إليهن دليل على أن المرأة تملك جميع مهرها، وليس لأحد منه شيء، إلا ما سمحت به لزوجها أو وليها أو غيرهما.{ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ْ} أي:حالة كونكم -أيها الأزواج- محصنين لنسائكم، بسبب حفظكم لفروجكم عن غيرهن.{ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ْ} أي:زانين مع كل أحد{ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ْ} وهو:الزنا مع العشيقات، لأن الزناة في الجاهلية، منهم من يزني مع من كان، فهذا المسافح. ومنهم من يزني مع خدنه ومحبه. فأخبر الله تعالى أن ذلك كله ينافي العفة، وأن شرط التزوج أن يكون الرجل عفيفا عن الزنا. وقوله تعالى:{ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ْ} أي:ومن كفر بالله تعالى، وما يجب الإيمان به من كتبه ورسله أو شيء من الشرائع، فقد حبط عمله، بشرط أن يموت على كفره، كما قال تعالى:{ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ْ}{ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ْ} أي:الذين خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم يوم القيامة، وحصلوا على الشقاوة الأبدية.
وقوله الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ. يصح أن يراد به اليوم الذي نزلت فيه. فإنه يجوز أن تكون هذه الآية وما قبلها من قوله- تعالى- الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قد نزلت جميعا في يوم واحد وهو يوم عرفة من عام حجة الوداع.
ويصح أن يراد به الزمان الحاضر مع ما يتصل به من الماضي والمستقبل. والمراد بالطيبات:
ما يستطاب ويشتهى مما أحله الشرع.
والمراد بطعام الذين أوتوا الكتاب: ذبائحهم خاصة. وهذا مذهب جمهور العلماء.
قالوا: لأن ما سوى الذبائح فهي محللة قبل أن كانت لأهل الكتاب، وبعد أن صارت لهم.
فلا يبقى لتخصيصها بأهل الكتاب فائدة. ولأن ما قبل هذه الآية في بيان حكم الصيد والذبائح. فحمل هذه الآية عليه أولى، لأن سائر الطعام لا يختلف من تولاه من كتابي أو غيره.
وإنما تختلف الذكاة. فلما خص أهل الكتاب بالذكر، دل على أن المراد بطعامهم ذبائحهم.
وقيل المراد بطعام أهل الكتاب هنا: الخبز والحبوب والفاكهة وغير ذلك مما لا يحتاج فيه إلى تذكية. وينسب هذا القول إلى بعض طوائف الشيعة.
وقيل المراد به: ما يتناول ذبائحهم وغيرها من الأطعمة. وقد روى هذا القول عن ابن عباس، وأبى الدرداء، وقتادة ومجاهد وغيرهم.
والمراد بالذين أوتوا الكتاب: اليهود والنصارى.
قال الآلوسى: وحكم الصابئين كحكم أهل الكتاب عند أبى حنيفة. وقال صاحباه الصابئة صنفان: صنف يقرءون الزبور ويعبدون الملائكة وصنف لا يقرءون كتابا ويعبدون النجوم فهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب وأما المجوس فقد سن بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم.
وعطاء قالا: فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون» .
والمعنى: إن الله أسبغ عليكم نعمه- أيها المؤمنون- وأكمل لكم دينه، ويسر لكم شرعه، ومن مظاهر ذلك أنه- سبحانه- أحل لكم التمتع بالطيبات، كما أحل لكم أن تأكلوا من ذبائح أهل الكتاب. وأن تطعموهم من طعامكم.
قال ابن كثير: وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، أن ذبائحهم حلال للمسلمين، لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه ما هو منزه عنه- تعالى وتقدس- .
وإنما قال: وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أى يحل لكم ان تطعموهم من طعامكم للتنبيه على أن الحكم مختلف في الذبائح عن المناكحة. فإن إباحة الذبائح حاصلة من الجانبين، بخلاف إباحة المناكحات فإنها في جانب واحد، إذ لا يحل لغير المسلم أن يتزوج بمسلمة، لأنه لو جاز ذلك لكان لأزواجهن الكفار ولاية شرعية عليهن، والله- تعالى- لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعيا، بخلاف إباحة الطعام من الجانبين فإنها لا تستلزم محظورا.
قال بعض العلماء: والجمهور على حل ذبائح أهل الكتاب إذا أهريق الدم، وقد اتفق الجمهور على حل هذه الذبائح، والخلاف عندهم فيما عدا الذبائح التي ثبت حلها بالنص، وأما غير الذبائح فهو قسمان:
القسم الأول: ما لا عمل لهم فيه كالفاكهة والبر وهو حلال بالاتفاق.
والقسم الثاني: ما لهم فيه عمل وهو قسمان- أيضا- أحدهما، ما يحتمل دخول النجاسات فيه كاستخراج الزيوت من النباتات أو الحيوانات وهذا قد اختلف فيه الفقهاء. فمنهم من منعه لاحتمال النجاسة، ومن هؤلاء: ابن عباس، لأن احتمال النجاسة ثابت، وهو يمنع الحل.
وقد تبع هذا الرأى بعض المالكية، ومن هؤلاء الطرطوسي وقد صنف في تحريم جبن النصارى ويجرى مجرى الجبن الزيت، وعلى هذا الرأى يجرى مجراها السمن الهولاندى وما شابهه. ولكن الجمهور على جواز ذلك مادام لم يثبت أنه اختلط بهذا النوع من الطعام نجاسة، والثاني:
المحرم، وهو ما ثبت أنه قد دخله نجاسة بأن دخله أجزاء من الخمر أو الميتة، أو الخنزير، أو غير ذلك من المحرمات» .
ثم بين- سبحانه- حكم نكاح نساء أهل الكتاب بعد بيان حكم ذبائحهم فقال:
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ، وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ، إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ.
وقوله: وَالْمُحْصَناتُ عطف على الطَّيِّباتُ وهو جمع محصنة.
والإحصان يطلق على معان منها: الإسلام. ولا موضع له هنا لأن الكلام في غير المسلمات، ويطلق على التزوج، ولا موضع له هنا- أيضا- لأنه لا يحل تزوج ذات الزوج.
ويطلق على العفة وعلى الحرية وهذان المعنيان هما المختاران هنا.
فمن الفقهاء من قال: المراد بالمحصنات من أهل الكتاب هنا العفيفات ويكون الوصف للترغيب في طلب العفة، والعمل على اختيار من هذه صفتها.
وعلى هذا الرأى يصح الزواج من الكتابيات سواء أكن حرائر أم إماء.
ومنهم من قال: المراد بالمحصنات من أهل الكتاب هنا: الحرائر أى أنه لا يحل الزواج بنساء أهل الكتاب إلا إذا كن حرائر.
والمراد بقوله أُجُورَهُنَّ أى مهورهن. وعبر عن المهر بالأجر لتأكيد وجوبه. وعدم الاستهانة بأى حق من حقوقهن.
وقوله. محصنين- بكسر الصاد- أى متعففين بالزواج عن اقتراب الفواحش.
يقال أحصن الرجل فهو محصن أى: تعفف فهو متعفف وأحصن بالزواج الرجل فهو محصن- بفتح- الصاد- أى: أعفه الزواج عن الوقوع في الفاحشة.
وقوله مُسافِحِينَ جمع مسافح. والسفاح. الزنا. يقال: سافح الرجل المرأة إذا ارتكب معها فاحشة الزنا، وسمى الزاني مسافحا. لأنه سفح ماءه أى: صبه ضائعا.
وقوله: أَخْدانٍ جمع خدن- بكسر الخاء وسكون الدال- بمعنى الصديق. ويطلق على الذكر والأنثى.
والمراد بالخدن هنا. المرأة البغي التي يخادنها الرجل أى يصادقها ليرتكب معها فاحشة الزنا.
وغالبا ما تكون خاصة به.
والمعنى: وكما أحل الله لكم- أيها المؤمنون- الطيبات من الرزق، وأحل لكم ذبائح أهل الكتاب، وأحل لكم أن تطعموهم من طعامكم، فقد أحل لكم- أيضا- نكاح المحصنات من المؤمنات. أى العفيفات الحرائر لأنهن أصون لعرضكم. وأنقى لنطفكم، وأحل لكم نكاح النساء المحصنات أى: الحرائر العفيفات مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ أى: من اليهود والنصارى.
قال الآلوسى: وتخصيص المحصنات بالذكر في الموضعين، للحث على ما هو الأولى والأليق، لا لنفى ما عداهن، فإن نكاح الإماء المسلمات بشرطه، صحيح بالاتفاق. وكذا نكاح غير العفائف منهن. وأما الإماء الكتابيات فهن كالمسلمات عند الإمام الأعظم» .
وقوله: إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أى: مهورهن، وهي عوض عن الاستمتاع بهن.
قالوا: وهذا الشرط بيان للأكمل والأولى لا لصحة العقد، إذ لا تتوقف صحة العقد على دفع المهر، إلا أن الأولى هو إيتاء الصداق قبل الدخول.
وقوله: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ أمر لهم بالعفة والبعد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وقوله مُحْصِنِينَ حال من فاعل آتَيْتُمُوهُنَّ.
وقوله: غَيْرَ مُسافِحِينَ صفة لمحصنين، أو حال من الضمير المستتر في محصنين.
وقوله: وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ يحتمل أن يكون مجرورا على أنه عطف على مسافحين، وزيدت فيه «لا» لتأكيد النفي المستفاد من لفظ غير. ويحتمل أن يكون منصوبا على أنه عطف على غَيْرَ مُسافِحِينَ.
والمعنى: أبحنا لكم الزواج بالكتابيات المحصنات لتشكروا الله- تعالى- على تيسيره لكم فيما شرع، ولتطلبوا من وراء زواجكم العفة والبعد عن الفواحش، والصون لأنفسكم ولأنفس أزواجكم عن انتهاك حرمات الله في السر أو العلن.
وقدم- سبحانه- المحصنات من المؤمنات على المحصنات من الذين أوتوا الكتاب للتنبيه على أن المحصنات من المؤمنات أحق باختيار الزواج بهن من غيرهن، وأن المحصنة المؤمنة الزواج بها أولى وأجدر وأحسن من الزواج بالمحصنة الكتابية.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.
أى: ومن يكفر بشرائع الله وبتكاليفه التي أنزلها على نبيه صلى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله، أى: خاب سعيه. وفسد عمله الذي عمله. وهو في الآخرة من الهالكين الذين ضيعوا ما عملوه في الدنيا من أعمال بسبب انتهاكهم لحرمات الله وأحكام دينه.
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة: الترهيب من مخالفة أوامر الله والترغيب في طاعته- سبحانه-.
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من الآية الكريمة:
1- إباحة التمتع بالطيبات التي أنعم بها- سبحانه- على عباده، ولم يرد نص بحرمتها.
2- إباحة الأكل من ذبائح أهل الكتاب وإباحة إطعامهم من طعامنا.
3- الترغيب في نكاح المرأة المحصنة أى التي أحصنت نفسها عن الفواحش وصانتها عن كل ريبة واعتصمت بالعفاف والشرف، وكان سلوكها المستقيم دليلا على أنها متمسكة بتعاليم دينها. وبالآداب الحميدة التي جاءت بها شريعة الإسلام.
وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا المعنى، ومن ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» ومعنى (تربت يداك) : افتقرت وندمت إن لم تبحث عن ذات الدين، وتجعلها محط طلبك للزواج بها.
وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: إن امرأتى لا تمنع يد لامس. قال صلى الله عليه وسلّم: «غربها- أى طلقها-» . قال: أخاف أن تتبعها نفسي- أى:
أرتكب معها ما نهى الله عنه بعد طلاقها- قال صلى الله عليه وسلّم: «فاستمتع بها» . أى أبقها مع المحافظة عليها .
4- إباحة نكاح النساء الكتابيات- وهذا مذهب أكثر الفقهاء، لأن هذا هو الظاهر من معنى قوله تعالى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ.
قال ابن كثير: وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية ويقول: لا أعلم شركا أعظم من أن تقول: إن ربها عيسى، وقد قال الله- تعالى- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ:
وعن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ فحجز الناس عنهن حتى نزلت: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ فنكح الناس نساء أهل الكتاب.
وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأسا أخذا بهذه الآية، وجعلوها مخصصة للتي في سورة البقرة وهي قوله- تعالى-: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها. وإلا فلا معارضة بينها وبينها لأن أهل الكتاب انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع. كقوله- تعالى- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ .
وقال بعض العلماء ما ملخصه: قوله- تعالى-: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ أخذه الجمهور على عمومه، فأباحوا التزوج من أهل الكتاب وإن غيروا وبدلوا، ذميين كانوا أو حربيين. وقيده جماعة بالذميين دون الحربيين.
وذهب جماعة من السلف إلى أن أهل الكتاب قد غيروا أو بدلوا وعبدوا المسيح. وقالوا: إن الله ثالث ثلاثة. فهم بذلك والمشركون في العقيدة سواء وقد حرم الله التزوج من المشركات ونسب هذا الرأى إلى عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة.
وتأولوا الآية بوجوه أقربها أنها رخصة خاصة في الوقت الذي نزلت فيه. قال عطاء: إنما رخص الله في التزوج بالكتابية في ذلك الوقت لأنه كان في المسلمات قلة. أما الآن ففيهن الكثرة العظيمة، فزالت الحاجة فلا جرم زالت الرخصة.
والذي نراه في المسألة أنه ليس في الآية ما يدل على أنه رخصة، ولا نعلم في الشريعة ما يدل على أنه رخصة. والآية دالة على الإباحة المطلقة، ولم تقيد بوقت خاص، ولا بحالة خاصة.
نعم إن ما نراه اليوم في بعض المسلمين من رغبة التزوج بنساء الإفرنج لا لغاية سوى أنها إفرنجية. ثم يضع نفسه وأولاده تحت تصرفها فتنشئهم على تقاليدها وعاداتها التي تأباها تعاليم الإسلام.
نعم إن ما نراه من كل ذلك يجعلنا نوجب على الحكومات التي تدين بالإسلام وتغار على قوميتها وشعائرها.. أن تمنع من التزوج بالكتابيات، وأن تضع حدا لهؤلاء الذين ينسلخون عن قواميتهم على المرأة. حفاظا على مبادئ الدين وعلى عقيدة أولاد المسلمين.
وإن العمل على تقييد هذا الحكم في التشريع الإسلامى أو منعه، لألزم وأوجب مما تقوم به بعض الحكومات الإسلامية، أو تحاول أن تقوم به، من تحديد سن الزواج للفتاة. وتقييد تعدد الزوجات، وتقييد الطلاق، وما إلى ذلك من التشريعات التي ينشط لها كثير من رجال الحكم، سيرا وراء مدنية الغرب المظلمة.
ألا وإن انحلال الكثرة الغالبة ممن يميلون إلى التزوج بالكتابيات للمعاني التي أشرنا إليها لمما يوجب الوقوف أمام هذه الإباحة التي أصبحت حالتنا لا تتفق والغرض المقصود منها.
وهذا معنى تشهد به كليات الدين وقواعده التي يتجلى فيها شدة حرصه على حفظ شخصية الأمة الإسلامية، وعدم انحلالها وفنائها في غيرها» .
وبعد أن بين- سبحانه- بعض مظاهر نعمه على عباده فيما يتعلق بمطاعمهم. وفيما يتعلق بما يحل لهم من النساء. أتبع ذلك ببيان مظاهر فضله عليهم فيما يتعلق بعبادتهم التي من أهمها الوضوء، والغسل. والصلاة. وأمرهم بالمحافظة على ما شرعه لهم من شرائع وأحكام فقال- تعالى-:
لما ذكر تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين من الخبائث ، وما أحله لهم من الطيبات ، قال بعده : ( اليوم أحل لكم الطيبات )
ثم ذكر حكم ذبائح أهل الكتابين من اليهود والنصارى فقال : ( وطعام الذين أوتوا الكتب حل لكم ) قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وإبراهيم النخعي والسدي ومقاتل بن حيان : يعني ذبائحهم .
وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء ؛ أن ذبائحهم حلال للمسلمين ; لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله ، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عن قولهم ، تعالى وتقدس . وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مغفل قال : دلي بجراب من شحم يوم خيبر . [ قال ] فاحتضنته وقلت : لا أعطي اليوم من هذا أحدا ، والتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم .
فاستدل به الفقهاء على أنه يجوز تناول ما يحتاج إليه من الأطعمة ونحوها من الغنيمة قبل القسمة ، وهذا ظاهر . واستدل به الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة على أصحاب مالك في منعهم أكل ما يعتقد اليهود تحريمه من ذبائحهم ، كالشحوم ونحوها مما حرم عليهم . فالمالكية لا يجوزون للمسلمين أكله ; لقوله تعالى : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) قالوا : وهذا ليس من طعامهم . واستدل عليهم الجمهور بهذا الحديث ، وفي ذلك نظر ; لأنه قضية عين ، ويحتمل أنه كان شحما يعتقدون حله ، كشحم الظهر والحوايا ونحوهما ، والله أعلم .
وأجود منه في الدلالة ما ثبت في الصحيح : أن أهل خيبر أهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية ، وقد سموا ذراعها ، وكان يعجبه الذراع ، فتناوله فنهش منه نهشة ، فأخبره الذراع أنه مسموم ، فلفظه وأثر ذلك السم في ثنايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبهره ، وأكل معه منها بشر بن البراء بن معرور ; فمات ، فقتل اليهودية التي سمتها ، وكان اسمها زينب فقتلت ببشر بن البراء .
ووجه الدلالة منه أنه عزم على أكلها ومن معه ، ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون تحريمه من شحمها أم لا .
وفي الحديث الآخر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة ، يعني : ودكا زنخا
وقال ابن أبي حاتم : قرئ على العباس بن الوليد بن مزيد ، أخبرنا محمد بن شعيب ، أخبرني النعمان بن المنذر ، عن مكحول قال : أنزل الله : ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) [ الأنعام : 121 ] ثم نسخها الرب ، عز وجل ، ورحم المسلمين ، فقال : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) فنسخها بذلك ، وأحل طعام أهل الكتاب .
وفي هذا الذي قاله مكحول - رحمه الله - نظر ، فإنه لا يلزم من إباحته طعام أهل الكتاب إباحة أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ; لأنهم يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم ، وهم متعبدون بذلك ; ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك ومن شابههم ، لأنهم لم يذكروا اسم الله على ذبائحهم ، بل ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة ، بل يأكلون الميتة ، بخلاف أهل الكتابين ومن شاكلهم من السامرة والصابئة ومن تمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء ، على أحد قولي العلماء ، ونصارى العرب كبني تغلب وتنوخ وبهراء وجذام ولخم وعاملة ومن أشبههم ، لا تؤكل ذبائحهم عند الجمهور .
[ و ] قال أبو جعفر بن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن أيوب عن محمد بن عبيدة قال : قال علي : لا تأكلوا ذبائح بني تغلب ; لأنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر .
وكذا قال غير واحد من الخلف والسلف .
وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن أنهما كانا لا يريان بأسا بذبيحة نصارى بني تغلب .
وأما المجوس فإنهم وإن أخذت منهم الجزية تبعا وإلحاقا لأهل الكتاب فإنهم لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم ، خلافا لأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي ، أحد الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل ، ولما قال ذلك واشتهر عنه أنكر عليه الفقهاء ذلك ، حتى قال عنه الإمام أحمد : أبو ثور كاسمه ! يعني في هذه المسألة ، وكأنه تمسك بعموم حديث روي مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " ، ولكن لم يثبت بهذا اللفظ ، وإنما الذي في صحيح البخاري : عن عبد الرحمن بن عوف ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولو سلم صحة هذا الحديث ، فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) فدل بمفهومه - مفهوم المخالفة - على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل
وقوله : ( وطعامكم حل لهم ) أي : ويحل لكم أن تطعموهم من ذبائحكم ، وليس هذا إخبارا عن الحكم عندهم ، اللهم إلا أن يكون خبرا عما أمروا به من الأكل من كل طعام ذكر اسم الله عليه ، سواء كان من أهل ملتهم أو غيرها . والأول أظهر في المعنى ، أي : ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم . وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة ، كما ألبس النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه لعبد الله بن أبي ابن سلول حين مات ودفنه فيه ، قالوا : لأنه كان قد كسا العباس حين قدم المدينة ثوبه ، فجازاه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بذلك ، فأما الحديث الذي فيه : " لا تصحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي " فمحمول على الندب والاستحباب ، والله أعلم .
وقوله : ( والمحصنات من المؤمنات ) أي : وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات ، وذكر هذا توطئة لما بعده ، وهو قوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) فقيل : أراد بالمحصنات : الحرائر دون الإماء ، حكاه ابن جرير عن مجاهد . وإنما قال مجاهد : المحصنات : الحرائر ، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه ، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة ، كما قاله مجاهد في الرواية الأخرى عنه . وهو قول الجمهور هاهنا ، وهو الأشبه ; لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة ، فيفسد حالها بالكلية ، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل : " حشفا وسوء كيلة " . والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات : العفيفات عن الزنا ، كما قال في الآية الأخرى : ( محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) [ النساء : 25 ] .
ثم اختلف المفسرون والعلماء في قوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) هل يعم كل كتابية عفيفة ، سواء كانت حرة أو أمة؟ حكاه ابن جرير عن طائفة من السلف ، ممن فسر المحصنة بالعفيفة . وقيل : المراد بأهل الكتاب هاهنا الإسرائيليات ، وهو مذهب الشافعي . وقيل : المراد بذلك : الذميات دون الحربيات ; لقوله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر [ ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ] ) [ التوبة : 29 ]
وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية ، ويقول : لا أعلم شركا أعظم من أن تقول : إن ربها عيسى وقد قال الله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) الآية [ البقرة : 221 ] .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن حاتم بن سليمان المؤدب ، حدثنا القاسم بن مالك - يعني المزني - حدثنا إسماعيل بن سميع ، عن أبي مالك الغفاري ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) قال : فحجز الناس عنهن حتى نزلت التي بعدها : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) فنكح الناس [ من ] نساء أهل الكتاب .
وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأسا ، أخذا بهذه الآية الكريمة : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) فجعلوا هذه مخصصة للآية التي في البقرة : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) [ الآية : 221 ] إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها ، وإلا فلا معارضة بينها وبينها ; لأن أهل الكتاب قد يفصل في ذكرهم عن المشركين في غير موضع ، كما قال تعالى : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ) [ البينة : 1 ] وكقوله ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا ) الآية [ آل عمران : 20 ] ، وقوله : ( إذا آتيتموهن أجورهن ) أي : مهورهن ، أي : كما هن محصنات عفائف ، فابذلوا لهن المهور عن طيب نفس . وقد أفتى جابر بن عبد الله وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي والحسن البصري بأن الرجل إذا نكح امرأة فزنت قبل دخوله بها أنه يفرق بينه وبينها ، وترد عليه ما بذل لها من المهر . رواه ابن جرير عنهم .
وقوله : ( محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ) فكما شرط الإحصان في النساء ، وهي العفة عن الزنا ، كذلك شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل أيضا محصنا عفيفا ; ولهذا قال : ( غير مسافحين ) وهم : الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ، ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم ، ( ولا متخذي أخدان ) أي : ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن ، كما تقدم في سورة النساء سواء ; ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - إلى أنه لا يصح نكاح المرأة البغي حتى تتوب ، وما دامت كذلك لا يصح تزويجها من رجل عفيف ، وكذلك لا يصح عنده عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنا ; لهذه الآية وللحديث الآخر : " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله . "
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا أبو هلال ، عن قتادة ، عن الحسن قال : قال عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] لقد هممت ألا أدع أحدا أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة . فقال له أبي بن كعب : يا أمير المؤمنين ، الشرك أعظم من ذلك ، وقد يقبل منه إذا تاب .
وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستقصى [ إن شاء الله تعالى ] عند قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) [ النور : 3 ] ; ولهذا قال تعالى هاهنا : ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين )
القول في تأويل قوله : الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " اليوم أحل لكم الطيبات "، اليوم أحل لكم، أيها المؤمنون، الحلالُ من الذبائح والمطاعم دون الخبائث منها.
وقوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم "، وذبائحُ أهل الكتاب من &; 9-573 &; اليهود والنصارى = وهم الذين أوتوا التوراة والإنجيل وأنـزل عليهم, فدانُوا بهما أو بأحدهما =" حل لكم " (176) يقول: حلالٌ لكم، أكله دون ذبائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام. فإن من لم يكن منهم مِمَّن أقرَّ بتوحيد الله عزَّ ذكره ودان دين أهل الكتاب, فحرام عليكم ذبائحهم.
* * *
ثم اختلف فيمن عنى الله عز ذكره بقوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب "، من أهل الكتاب.
فقال بعضهم: عنى الله بذلك ذبيحة كل كتابي ممن أنـزل عليه التوراة والإنجيل, أو ممن دخل في مِلَّتهم فدان دينهم، وحرَّم ما حرَّموا، وحلَّل ما حللوا، منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمم.
*ذكر من قال ذلك:
11220- حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد قال، حدثنا خصيف قال، حدثنا عكرمة قال، سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى بني تغلب, فقرأ هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ إلى قوله: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ، الآية [سورة المائدة: 51] . (177)
11221- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان: عن عاصم الأحول, عن عكرمة, عن ابن عباس, مثله.
11222- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن عثمة قال، حدثنا سعيد بن بشر, عن قتادة, عن الحسن وعكرمة: أنهما كانا لا يريان بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب، وبتزوُّج نسائهم, ويتلوان: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ .
11223- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن سعيد, عن قتادة, عن الحسن وسعيد بن المسيب: أنهما كانا لا يريان بأسًا بذبيحة نصارى بني تغلب.
11224- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن أبي حصين, عن الشعبي: أنه كان لا يرى بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب, وقرأ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ، [سورة مريم: 64].
11225- حدثني ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، حدثني ابن شهاب عن ذبيحة نصارى العرب, قال. تؤكل من أجل أنهم في الدين أهلُ كتاب, ويذكرون اسمَ الله.
11226- حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا ابن جريج قال، قال عطاء: إنما يقرُّون بدين ذلك الكتاب. (178)
11227- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا شعبة قال: سألت الحكم وحمادًا وقتادة عن ذبائح نصارى بني تغلب, فقالوا: لا بأس بها. قال: وقرأ الحكم: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ ، [سورة البقرة: 78].
11228- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: كلوا من ذبائح بني تغلب, وتزوَّجوا من نسائهم, فإن الله قال في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [سورة المائدة: 51]، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية، لكانوا منهم.
&; 9-575 &;
11229- حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال، حدثنا ابن علية, عن ابن أبي عروبة, عن قتادة: أن الحسن كان لا يرى بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب, وكان يقول: انتحلوا دينًا، فذاك دينهم.
* * *
وقال آخرون: إنما عنى بالذين أوتوا الكتاب في هذه الآية, الذين أنـزل عليهم التوراة والإنجيل من بني إسرائيل وأبنائهم, فأما من كان دخيلا فيهم من سائر الأمم ممن دان بدينهم وهم من غير بني إسرائيل, فلم يعن بهذه الآية، وليس هو ممن يحل أكل ذبائحه، لأنه ليس ممن أوتي الكتاب من قَبْل المسلمين. وهذا قول كان محمد بن إدريس الشافعي يقوله = حدثنا بذلك عنه الربيع = ويتأول في ذلك قول من كره ذبائح نصارى العرب من الصحابة والتابعين. (179)
* * *
ذكر من حرَّم ذبائح نصارى العرب.
11230- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن أيوب, عن محمد, عن عبيدة قال، قال علي رضوان الله عليه: لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب, فإنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر. (180)
11231- حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا هشام, عن ابن سيرين, عن عبيدة, عن علي قال: لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب, فإنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر.
11232- حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا عبد الله بن بكر قال، حدثنا هشام, عن محمد بن سيرين, عن عبيدة قال: سألت عليًّا عن ذبائح نصارى العرب, فقال: لا تؤكل ذبائحهم, فإنهم لم يتعلَّقوا من دينهم إلا بشرب الخمر.
11233- حدثني علي بن سعيد الكندي قال، حدثنا علي بن عابس, عن عطاء بن السائب, عن أبي البختري قال: نهانا عليٌّ عن ذبائح نصارى العرب. (181)
11234- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن أبي حمزة القصاب قال: سمعت محمد بن علي يحدث، عن علي: أنه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب.
11235- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال، لا تأكلوا ذبائح نصارى العرب، وذبائح نصارى أرْمينية.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه الأخبار عن عليّ رضوان الله عليه, إنما تدل على أنه كان ينهى عن ذبائح نصارى بني تغلب، من أجل أنهم ليسوا على النصرانية, لتركهم تحليل ما تحلِّل النصارى، وتحريم ما تُحَرّم، غير الخمر. ومن كان منتحلا (182) ملّة هو غير متمسك منها بشيء فهو إلى البراءة منها أقرب منه إلى اللحاق بها وبأهلها. (183) فلذلك نهى عليٌّ عن أكل ذبائح نصارى بني تغلب, لا من أجل أنهم ليسوا من بني إسرائيل.
فإذ كان ذلك كذلك, وكان إجماعًا من الحجة أن لا بأس بذبيحة كل نصرانيّ ويهوديّ دان دين النصرانيّ أو اليهودي (184) فأحل ما أحلُّوا, وحرَّم ما حرموا، &; 9-577 &; من بني إسرائيل كان أو من غيرهم = (185) فبيِّنٌ خطأ ما قال الشافعي في ذلك، وتأويله الذي تأوّله في قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌّ لكم "، أنه ذبائح الذين أوتوا الكتابَ التوراةَ والإنجيلَ من بني إسرائيل = (186) وصوابُ ما خالف تأويله ذلك, وقولِ من قال: إن كل يهودي ونصراني فحلال ذبيحتُه، من أيِّ أجناس بني آدم كان.
* * *
وأمَّا " الطعام " الذي قال الله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب "، فإنه الذبائح.
* * *
وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
11236- حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا ابن إدريس, عن ليث, عن مجاهد: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم "، قال: الذبائح.
11237- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد في قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، قال: ذبائحهم.
11238- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد, مثله.
11239- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد, مثله.
11240- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي, عن أبي سنان, عن ليث, عن مجاهد, مثله. (187)
11241- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
11242- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، قال: ذبيحة أهل الكتاب.
11243- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم, عن مغيرة, عن إبراهيم في قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، قال: ذبائحهم.
11244- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة, عن إبراهيم, بمثله.
11245- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن مغيرة, عن إبراهيم, مثله.
11246- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري, عن مغيرة, عن إبراهيم, مثله.
11247- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا حدثنا سفيان, عن مغيرة, عن إبراهيم، مثله.
11248- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، قال: ذبائحهم.
11249- حدثني المثنى قال، حدثنا المعلى بن أسد قال، حدثنا خالد, عن يونس, عن الحسن, مثله. (188)
11250- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، أي: ذبائحهم.
11251- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، أما طعامهم، فهو الذبائح.
11252- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، قال: أحل الله لنا طعامهم ونساءَهم.
11253- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: أما قوله: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم "، فإنه أحلَّ لنا طعامهم ونساءهم.
11254- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سألته = يعني ابن زيد = (189) عما ذبح للكنائس وسُمِّي عليها، فقال: أحل الله لنا طعام أهل الكتاب, ولم يستثن منه شيئًا.
11255- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني معاوية, عن أبي الزاهرية حدير بن كريب, = عن أبي الأسود, عن عُمَير بن الأسود: أنه سأل أبا الدرداء عن كبش ذُبح لكنيسة يقال لها " جرجس "، أهدوه لها, أنأكل منه؟ فقال أبو الدرداء: اللهم عفوًا! إنما هم أهل كتاب, طعامهم حلٌّ لنا، وطعامنا حل لهم! وأمره بأكله. (190)
وأما قوله: " وطعامكم حل لهم "، فإنه يعني: ذبائحكم، أيها المؤمنون، حِلٌّ لأهل الكتاب.
* * *
القول في تأويل قوله : وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " والمحصنات من المؤمنات "، أحل لكم، أيها المؤمنون، المحصنات من المؤمنات = وهن الحرائر منهن (191) = أن تنكحوهن =" والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، يعني: والحرائر من الذين أعطوا الكتاب (192) وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل من قبلكم، أيها المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم من العرب وسائر الناس, أن تنكحوهن أيضًا =" إذا آتيتموهن أجورهن "، يعني: إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتِكم ومحصناتهم (193) =" أجورهن "، وهي مهورُهن. (194)
* * *
واختلف أهل التأويل في المحصنات اللاتي عناهن الله عز ذكره بقوله: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ".
فقال بعضهم: عنى بذلك الحرائر خَاصة, فاجرةً كانت أو عفيفةً. وأجاز قائلو هذه المقالة نكاح الحرة، مؤمنة كانت أو كتابية من اليهود والنصارى، من أيِّ أجناس الناس كانت (195) بعد أن تكون كتابية، فاجرة كانت أو عفيفةً. وحرّموا إماء أهل الكتاب أن يُتَزَوَّجن بكل حال (196) لأن الله جل ثناؤه شرطَ من نكاح الإماء الإيمانَ بقوله: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ، [سورة النساء: 25].
*ذكر من قال ذلك:
11256- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب "، قال: من الحرائر.
11257- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: من الحرائر.
11258- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, عن طارق بن شهاب: أن رجلا طلَّق امرأته وخُطِبَت إليه أخته, وكانت قد أحدثت, فأتى عمر فذكر ذلك له منها, فقال عمر: ما رأيت منها؟ قال: ما رأيت منها إلا خيرًا! فقال: زوِّجها ولا تُخْبِر.
11259- حدثنا ابن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد قال، حدثنا سليمان الشيباني قال، حدثنا عامر قال: زنت امرأة منَّا من همدان, قال: فجلدها مُصَدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحدَّ (197) ثم تابت. فأتوا عمر فقالوا: &; 9-583 &; نـزوّجها، وبئسَ ما كان من أمرها! قال عمر: لئن بلغني أنكم ذكرتم شيئًا من ذلك، لأعاقبنكم عقوبةً شديدة.
11260- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن قيس بن مسلم, عن طارق بن شهاب: أن رجلا أراد أن يزوِّج أخته, فقالت: إني أخشى أن أفضَح أبي, فقد بَغَيْتُ! فأتى عمر، فقال: أليس قد تابت؟ قال: بلى! قال: فزوّجها.
11261- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبي: أن نُبَيْشة، امرأةً من همدان، بغتْ, فأرادت أن تذبح نفسها, قال: فأدركوها، فداووها فبرئت, فذكروا ذلك لعمر, فقال: انكحوها نكاحَ العفيفة المسلمة.
11262- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود, عن عامر: أن رجلا من أهل اليمن أصابت أختُه فاحشة, فأمرَّت الشَّفرة على أوداجها, فَأُدْرِكت, فدُووِي جُرْحها حتى برئت. ثم إن عمها انتقل بأهله حتى قدم المدينة, فقرأت القرآن ونَسَكت, حتى كانت من أنسك نسائهم. فخطبت إلى عمها, وكان يكره أن يدلِّسها, ويكره أن يفشي على ابنة أخيه, فأتى عمر فذكر ذلك له, فقال عمر: لو أفشيت عليها لعاقبتك! إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوّجها إيّاه.
11263- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود, عن عامر: أن جارية باليمن يقال لها: " نبيشة ", أصابت فاحشة, فذكر نحوه.
11264- حدثنا تميم بن المنتصر قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا إسماعيل، عن عامر قال: أتى رجل عمر فقال: إن ابنةً لي كانت وُئِدت في الجاهلية, فاستخرجتها قبل أن تموت, فأدركت الإسلام, فلما أسلمت أصابت حدًّا من حدود الله, فعمدتْ إلى الشفرة لتذبح بها نفسها, فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها, فداويتها حتى برئت, ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة, فهي تخطب إلَيّ يا أمير المؤمنين, فأخبر من شأنها بالذي كان؟ فقال عمر: أتخبر بشأنها؟ تعمد إلى ما ستره الله فتبديه! والله لئن أخبرت بشأنها أحدًا من الناس لأجعلنك نَكالا لأهل الأمصار، بل أنكحها بنكاحِ العفيفة المسلمة. (198)
11265- حدثنا أحمد بن منيع قال، حدثنا مروان, عن إسماعيل, عن الشعبي قال: جاء رجل إلى عمر، فذكر نحوه.
11266- حدثنا مجاهد قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا يحيى بن سعيد, عن أبي الزبير: أن رجلا خطب من رجل أخته, فأخبره أنها قد أحدثتْ. فبلغ ذلك عمر بن الخطاب, فضرب الرجل وقال: ما لك والخبر! أنكح واسكُت. (199)
11267- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سليمان بن حرب قال، حدثنا أبو هلال, عن قتادة, عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: لقد هممت أن لا أدع أحدًا أصابَ فاحشة في الإسلام أن يتزوج مُحْصنة! فقال له أبيّ بن كعب: يا أمير المؤمنين, الشرك أعظم من ذلك, وقد يقبل منه إذا تاب!
* * *
وقال آخرون: إنما عنى الله بقوله: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، العفائفَ من الفريقين, إماءً كنَّ أو حرائر. فأجاز قائلو هذه المقالة نكاحَ إماء أهل الكتاب الدائنات دينَهم بهذه الآية, وحرَّموا البغايا من المؤمنات وأهل الكتاب.
*ذكر من قال ذلك:
11268- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس, عن ليث, عن مجاهد في قوله: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: العفائف.
11269- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد, مثله.
11270- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن مطرف, عن عامر: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: إحصان اليهودية والنصرانية: أن لا تزني، وأن تغتَسِل من الجنابة.
11271- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل, عن مطرف, عن عامر: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: إحصان اليهودية والنصرانية: أن تغتسل من الجنابة, وأن تحصن فرجَها.
11272- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مطرف, عن رجل, عن الشعبي في قوله: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: إحصان اليهودية والنصرانية: أن لا تزني, وأن تغتسل من الجنابة.
11273- حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم, عن مطرف, عن الشعبي في قوله: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: إحصانها: أن تغتسل من الجنابة, وأن تحصن فرجها من الزنا.
11274- حدثني المثنى قال، حدثنا معلى بن أسد قال، حدثنا خالد, قال، أخبرنا مطرف، عن عامر, بنحوه.
11275- حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت سفيان يقول في قوله: المحصنات من الذين أوتوا الكتاب)، قال: العفائف.
11276- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، قال: أما " المحصنات "، فهنّ العفائف.
11277- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: أن امرأة اتخذت مملوكها (200) وقالت: تأوّلت كتابَ الله: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ، قال: فأتى بها عمر بن الخطاب, فقال له ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: تأوّلت آية من كتاب الله على غير وجهها. قال فغَرَّب العبد وجزَّ رأسه. (201) وقال: أنتِ بعده حرام على كل مسلم.
11278- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن إبراهيم أنه قال: في التي تزني قبل أن يُدْخل بها (202) قال: ليس لها صداق، ويفرَّق بينهما.
11279- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا أشعث, عن الشعبي، في البكر تفجُر (203) قال: تضرب مئة سوط, وتنفى سنة, وترُدّ على زوجها ما أخذت منه.
11280- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا أشعث, عن أبي الزبير, عن جابر, مثل ذلك.
11281- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا أشعث عن الحسن, مثل ذلك.
11282- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن يونس: أن الحسن كان يقول: إذا رأى الرجل من امرأته فاحشةً فاستيقن، فإنه لا يمسكها.
11283- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبي ميسرة قال: مملوكات أهل الكتاب بمنـزلة حرائرهم.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في حكم قوله عز ذكره: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، أعام أم خاصٌّ؟
فقال بعضهم: هو عامٌّ في العفائف منهن, لأن " المحصنات "، العفائف. وللمسلم أن يتزوج كل حرة وأمة كتابيةٍ، حربيةً كانت أو ذميَّةً.
واعتلُّوا في ذلك بظاهر قوله تعالى: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، وأن المعنيَّ بهن العفائف، كائنة من كانت منهن. وهذا قول من قال: عني بـ " المحصنات " في هذا الموضع: العفائف.
* * *
وقال آخرون: بل اللواتي عنى بقوله جل ثناؤه: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، الحرائرَ منهن, والآية عامة في جميعهن. فنكاح جميع الحرائر اليهود والنصارى جائز, حربيّات كنّ أو ذميات, من أيِّ أجناس اليهود والنصارى كنَّ. وهذا قول جماعة من المتقدمين والمتأخرين.
*ذكر من قال ذلك:
11284- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب والحسن: أنهما كانا لا يريان بأسًا بنكاح نساء اليهود والنصارى, وقالا أحلَّه الله على علم.
* * *
وقال آخرون منهم: بل عنى بذلك نكاحَ بني إسرائيل الكتابياتِ منهن خاصة، دون سائر أجناس الأمم الذين دانوا باليهودية والنصرانية. وذلك قول الشافعي ومن قال بقوله. (204)
* * *
وقال آخرون: بل ذلك معنىٌّ به نساءُ أهل الكتاب الذين لهم من المسلمين ذمَّة وعهدٌ. فأما أهل الحرب، فإن نساءهم حرام على المسلمين.
*ذكر من قال ذلك:
11285- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا محمد بن عقبة, قال، حدثنا الفزاري, عن سفيان بن حسين, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس قال: من نساء أهل الكتاب من يحلُّ لنا, ومنهم من لا يحلُّ لنا, ثم قرأ: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، [سورة التوبة: 29]. فمن أعطى الجزية حلَّ لنا نساؤه, ومن لم يعط الجزية لم يحل لنا نساؤه = قال الحكم: فذكرت ذلك لإبراهيم، فأعجبه. (205)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، قولُ من قال: عنى بقوله: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، حرائرَ المؤمنين وأهل الكتاب. لأن الله جل ثناؤه لم يأذن بنكاح الإماء الأحرارِ في الحال التي أباحهن لهم، إلا أن يكنَّ مؤمنات, فقال عز ذكره: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [سورة النساء: 25]، فلم يبح منهن إلا المؤمنات. فلو كان مرادًا بقوله: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب "، العفائفَ, لدخل العفائف من إمائهم في الإباحة, وخرج منها غير العفائف من حرائرهم وحرائر أهل الإيمان. وقد أحل الله لنا حرائر المؤمنات, وإن كن قد أتين بفاحشة بقوله: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [سورة النور: 32]. وقد دللنا على فساد قول من قال: " لا يحلُّ نكاح من أتى الفاحشة من نساء المؤمنين وأهل الكتاب للمؤمنين "، في موضع غير هذا، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (206)
= فنكاح حرائر المسلمين وأهل الكتاب حلال للمؤمنين, كن قد أتين بفاحشة أو لم يأتين بفاحشة, ذميةً كانت أو حربيّةً, بعد أن تكون بموضع لا يخافُ الناكح فيه على ولده أن يُجْبر على الكفر, بظاهر قول الله جل وعز: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ".
* * *
فأما قول الذي قال: " عنى بذلك نساء بني إسرائيل، الكتابيّات منهن خاصة " (207) فقول لا يوجب التشاغل بالبيان عنه، لشذوذه والخروج عما عليه علماء الأمة، من تحليل نساء جميع اليهود والنصارى. وقد دللنا على فساد قول قائل هذه المقالة من جهة القياس في غير هذا الموضع بما فيه الكفاية، فكرهنا إعادته. (208)
* * *
وأما قوله: " إذا آتيتموهن أجورهن "، فإن " الأجر ": العوض الذي يبذله الزوج للمرأة للاستمتاع بها, وهو المهر. (209) كما:-
11286- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس في قوله: "آتيتموهن أجورهن "، يعني: مهورهن.
* * *
القول في تأويل قوله : مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: أحل لكم المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم, وأنتم محصنون غير مسافحين ولا متخذي أخدان.
ويعني بقوله جل ثناؤه: " محصنين "، أعفَّاء =" غير مسافحين "، يعني: لا معالنين بالسفاح بكل فاجرة، وهو الفجور =" ولا متخذي أخدان "، يقول: ولا منفردين ببغيّة واحدة، قد خادنها وخادنته، واتخذها لنفسه صديقة يفجر بها.
* * *
وقد بينا معنى " الإحصان " ووجوهه = ومعنى " السفاح " و " الخدن " في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع (210) وهو كما:-
11287- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: " محصنين غير مسافحين "، يعني: ينكحوهن بالمهر والبينة (211) غير مسافحين متعالنين بالزنا =" ولا متخذي أخدان "، يعني: يسرُّون بالزنا.
11288- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: أحل الله لنا محصنتين: محصنة مؤمنة, ومحصنة من أهل الكتاب =" ولا متخذي أخدان ": ذات الخدان، ذات الخليل الواحد.
11289- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن سليمان بن المغيرة, عن الحسن قال: سأله رجل: أيتزوّج الرجل المرأة من أهل الكتاب؟ قال: ما له ولأهل الكتاب، وقد أكثر الله المسلمات! فإن كان لا بد فاعلا فليعمد إليها حَصانًا غير مسافحة. قال الرجل: وما المسافحة؟ قال: هي التي إذا لَمَح الرجل، إليها بعينه اتّبعته. (212)
* * *
القول في تأويل قوله : وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " ومن يكفر بالإيمان "، ومن يجحد ما أمر الله بالتصديق به، من توحيد الله ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله = وهو " الإيمان "، الذي قال الله جل ثناؤه: " ومن يكفر بالإيمان فقد حَبِطَ عمله " = يقول: فقد بَطل ثواب عمله الذي كان يعمله في الدنيا, يرجو أن يدرك به منـزلة عند الله. (213) =" وهو في الآخرة من الخاسرين "، يقول: وهو في الآخرة من الهالكين، الذين غَبَنوا أنفسَهم حظوظها من ثواب الله بكفرهم بمحمد، وعملهم بغير طاعة الله. (214)
* * *
وقد ذكر أن قوله: " ومن يكفر بالإيمان "، عنى به أهل الكتاب، وأنه أنـزل على رسول الله صلى عليه وسلم من أجل قوم تحرَّجوا نكاح نساءِ أهل الكتاب لما قيل لهم: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ .
*ذكر من قال ذلك:
11290- حدثنا بشر قال, حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: ذكر لنا أن ناسًا من المسلمين قالوا: كيف نتزوّج نساءهم = يعني: نساء أهل الكتاب = وهم على غير ديننا؟ فأنـزل الله عز ذكره: " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين "، فأحل الله تزويجهن على علم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل " الإيمان " قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك.
11291- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن ابن جريج, عن عطاء: " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله "، قال: " الله "، الإيمان. (215)
11292- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان, عن واصل, عن عطاء: " ومن يكفر بالإيمان "، قال: " الإيمان "، التوحيد.
11293- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن ابن جريج, عن مجاهد: " ومن يكفر بالإيمان "، قال: بالله.
11294- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى, عن سفيان, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله.
11295- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد في قوله: " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله "، قال: من يكفر بالله.
11296- حدثنا محمد قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " ومن يكفر بالإيمان "، قال: من يكفر بالله.
11297- حدثنا محمد قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " ومن يكفر بالإيمان "، قال: الكفر بالله.
11298- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة. قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
11299- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله "، قال: أخبر الله سبحانه أن " الإيمان " هو العروة الوثقى, وأنه لا يقبل عملا إلا به, ولا يحرِّم الجنة إلا على من تركه.
* * *
فإن قال لنا قائل: وما وجه تأويل مَنْ وجَّه قوله: " ومن يكفر بالإيمان "، إلى معنى: ومن يكفر بالله؟
قيل: وجه تأويله ذلك كذلك، أن " الإيمان " هو التصديق بالله وبرسله وما ابتعثهم به من دينه، و " الكفر " جحود ذلك. قالوا: فمعنى " الكفر بالإيمان "، هو جحود الله وجحود توحيده. ففسروا معنى الكلمة بما أريد بها, وأعرضوا عن تفسير الكلمة على حقيقة ألفاظها وظاهرها في التلاوة.
فإن قال قائل: فما تأويلها على ظاهرها وحقيقة ألفاظها؟
قيل: تأويلها: ومن يأبَ الإيمان بالله، ويمتنع من توحيده والطاعة له فيما أمره به ونهاه عنه, فقد حبط عمله. وذلك أن " الكفر " هو الجحود في كلام العرب, و " الإيمان " التصديق والإقرار. ومن أبى التصديق بتوحيد الله والإقرار به، فهو من الكافرين (216) فذلك تأويل الكلام على وجهه.
* * *
-------------
الهوامش :
(176) انظر تفسير"حل" و"حلال" فيما سلف 3: 300 ، 487.
(177) الأثر: 11220- هذا الأثر مؤخر بعد الذي يليه في المخطوطة ، فلا أدري أهو مؤخر ، أم سقط قبل الأثر رقم 11221 ، أثر آخر ، فاجتهد ناشر الكتاب أو ناسخ سابق ، فقدم وأخر.
(178) في المطبوعة: "إنما يقرأون ذلك الكتاب" ، وفي المخطوطة: "إنما يقرون بين ذلك" ورأيت أن صواب قراءتها كما أثبت ، أي: أنهم يدينون بدين ذلك الكتاب.
(179) انظر الأم 2: 196.
(180) الأثر: 11230- رواه الشافعي في الأم 2: 196 ، والبيهقي في السنن 9: 284 ، وأشار إليه الحافظ ابن حجر في (الفتح 9: 549) ، وقال: "أخرجه الشافعي وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة".
(181) الأثر: 11233-"علي بن سعيد بن مسروق الكندي" ، مضى برقم: 1184 ، 2784.
و"علي بن عابس الأسدي" ، ضعيف ، يعتبر به. مترجم في التهذيب.
و"أبو البختري" ، هو: "سعيد بن فيروز الطائي" مضى برقم: 175 ، 1497.
(182) في المطبوعة والمخطوطة: "من كان منتحلا..." بغير واو في أوله الكلام ، وهو فساد ، والصواب إثباتها.
(183) في المخطوطة والمطبوعة: "فهو إلى البراءة منها أقرب إلى اللحاق..." ، بإسقاط"منه" ، وهو اختلال شديد ، والصواب إثباتها.
(184) في المطبوعة: "وكان إجماعًا من الحجة إحلال ذبيحة كل نصراني ويهودي انتحل دين النصارى أو اليهودي ، فأحل..." ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، فوضع مكان ما حذف منها ما وضع. وكان في المخطوطة: "وكان إجماعًا من الحجة ألا بأس فذبيحة كل نصراني ويهودي دان دين النصراني أو اليهودي" ، وظاهر أن صواب قراءة صدر هذه الجملة هو ما أثبته ، وهو مطابق لما جاء في الآثار السالفة من 11222-11229.
(185) السياق: وإذ كان ذلك كذلك ، وكان إجماعًا من الحجة... فبين خطأ ما قال الشافعي...
(186) السياق: فبين خطأ ما قال الشافعي... وصواب ما خالف تأويله ذلك.
(187) الأثر: 11240-"إسحق بن سليمان الرازي العبدي ، سلف برقم: 6456.
و"أبو سنان" هو: "سعيد بن سنان الشيباني" ، مضى برقم: 175.
(188) الأثر: 11249-"المعلى بن أسد العمي" الحافظ الثقة ، روى عنه البخاري ، والباقون بالواسطة. مترجم في التهذيب ، ومضى غير مترجم برقم: 7232.
(189) في المطبوعة: "يعني ابن يزيد" ، وهو خطأ ، محض ، وهو إسناد دائر في التفسير.
(190) الأثر: 11255-"معاوية" ، هو"معاوية بن صالح بن حدير الحمصي الحضرمي" ، مضى برقم: 186 ، 187 ، 2072 ، 8472.
و"أبو الزاهرية" ، وهو"حدير بن كريب الحضرمي = أو الحميري". روى عن حذيفة ، وأبي الدرداء ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وغيرهم من الصحابة.روى عنه معاوية بن صالح ، وغيره. قال ابن سعد: "وكان ثقة إن شاء الله ، كثير الحديث". مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/91.
وفي هذا الإسناد إشكال. فإن ظاهره أن أبا الزاهرية حدير بن كريب ، روى الأثر عن"أبي الأسود ، عن عمير بن الأسود" ، وهذا محال. فإن أبا الزاهرية يروي مباشرة عن أبي الدرداء. فأكبر ظني أن في أصول التفسير سقطًا أو خرمًا في هذا الموضع ، وأن الإسناد انتهى عند قوله"حدير بن كريب" وسقط أثر حدير بن كريب عن أبي الدرداء ، وبدأ إسناد آخر -لا ندري ما هو- ينتهي إلى أبي الأسود عن عمير بن الأسود ، أنه سأل أبا الدرداء... إلخ. وسيظهر صواب ذلك فيما يأتي.
و"أبو الأسود" في هذا الإسناد التالي ، لم أعرف من يكون فيمن يكنى بأبي الأسود.
وأما "عمير بن الأسود العنسي" ، فزعم ابن حجر ، أنه هو"عمرو بن الأسود" وبذلك ترجم له في التهذيب (8: 4) وأنهما رجل واحد ، وقال: روى عن عمر ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وعبادة بن الصامت ، وغيرهم من الصحابة. وقال ابن أبي حاتم 3/1/375: "عمير بن الأسود العنسي الشامي" ، سمع عبادة ، وأبا الدرداء ، وأم حرام. روى عنه خالد بن معدان ، سمعت أبي يقول ذلك". وترجم أيضًا"عمرو بن الأسود القيسي" ، وقال: "روى عن عمر بن الخطاب ، وابن مسعود ، وعبادة بن الصامت. روى عنه مجاهد ، وخالد بن معدان..." ، ففرق تفريقًا ظاهرًا بين"عمرو بن الأسود القيسي" ، و"عمير بن الأسود العنسي".
وكذلك فعل ابن سعد في الطبقات 7/2/153 ، ففرق بينهما قال: "عمير بن الأسود: سأل أبا الدرداء عن طعام أهل الكتاب. وروى عن معاذ بن جبل ، وكان قليل الحديث ثقة".
ثم عقد ترجمة أخرى: "وعمرو بن الأسود السكوني: روى عن عمر ومعاذ ، وله أحاديث".
فلا أدري من أين جعلهما الحافظ ابن حجر ، رجلا واحدًا!!
وقد ثبت بما رواه ابن سعد ، أن هذا الأثر ، إنما هو من حديث عمير بن الأسود ، أنه سأل: أبا الدرداء ، وأنه حديث آخر ، غير حديث حدير بن كريب أبي الزاهرية.
هذا ، ولم أجد هذا الأثر -أو هذين الأثرين- في مكان آخر ، وقد أغفل ابن كثير روايته في تفسيره ، وأغفله أيضًا السيوطي في الدر المنثور. وكتبه: محمود محمد شاكر.
(191) انظر تفسير"المحصنات" ، و"الإحصان" فيما سلف 8: 151-169/ ثم 8: 185-190.
(192) انظر تفسير"آتى" فيما سلف من فهارس اللغة.
(193) انظر تفسير"آتى" فيما سلف من فهارس اللغة.
(194) انظر تفسير"الأجور" فيما سلف من فهارس اللغة.
(195) في المطبوعة والمخطوطة: "من أي أجناس كانت" ، وزدت"الناس" ، لأن السياق يقتضيها اقتضاء لا شك فيه. ولو قلت مكانها: "من أي أجناس اليهود والنصارى كانت" ، لكان صوابا أيضًا.
(196) في المطبوعة: "أن نتزوجهن" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(197) "المصدق" هو العامل على الصدقات ، يجمعها من أهلها.
(198) "الأوداج" جمع"ودج" (بفتحتين): وهو عرق متصل من الرأس إلى النحر ، والأوداج: عروق تكتنف الحلقوم.
(199) هذه الأخبار السالفة ، أدب من آداب هذا الدين عظيم ، وهدي من هدي أهل الإيمان ، أمروا به ، ومضوا عليه. حتى خلفت من بعدهم الخلوف ، فجهلوا أمر دينهم ، وغالوا غلوا فاحشًا في استبشاع زلة من زل من أهل الإيمان ، فقتل الرجل منهم بنته وأخته ومن له عليها الولاية. وما فعلوا ذلك ، إلا بعد أن فارقوا جادة الإيمان في سائر ما أمرهم الله به ، فاستمسكوا بالغلو الفاحش ، وظنوا ذلك من تمام ديانتهم ومروءتهم. وهذا دليل على أن كل تفريط في الدين ، يقابله في الجانب الآخر غلو في التدين بغير دين! ورحم الله عمر بن الخطاب ، ما كان أبصره بالناس وأرحمه بهم.
(200) قوله: "اتخذت مملوكها" ، أي أمكنته من نفسها ، وتسرت به كأنه زوج لها.
(201) في المطبوعة: "فقرب العبد" بالقاف ، وهو في المخطوطة كما أثبته غير منقوط ، وصواب قراءته ما أثبت. و"التغريب": النفي. و"جز رأسه": أي قص شعره. ولم يرد القتل.
(202) في المطبوعة والمخطوطة: "تسرى قبل أن يدخل بها" ، وكأن الصواب ما أثبت. انظر الأثر التالي.
(203) في المطبوعة والمخطوطة: "في البكر تهجر" ، ولا معنى لذلك ، والصواب ما أثبت.
(204) انظر الأم 5: 6 قوله: "ولا يحل نكاح حرائر من دان من العرب دين اليهودية والنصرانية ، لأن أصل دينهم كان الحنيفية ، ثم ضلوا بعبادة الأوثان ، وإنما انتقلوا إلى دين أهل الكتاب بعده ، لا بأنهم كانوا الذين دانوا بالتوراة والإنجيل فضلوا عنهما وأحدثوا فيها ، إنما ضلوا عن الحنيفية ، ولم يكونوا كذلك ، لا تحل ذبائحهم ، وكذلك كل أعجمي كان أصل دين من مضى من آبائه عبادة الأوثان ، ولم يكن من أهل الكتابين المشهورين التوراة والإنجيل ، فدان دينهم ، لم يحل نكاح نسائهم". وانظر سنن البيهقي 7: 173.
(205) الأثر: 11285-"محمد بن عقبة بن المغيرة الشيباني" ، "أبو عبد الله الطحان". روى عن أبي إسحق الفزاري ، وسوار بن مصعب ، وغيرهما. روى عنه البخاري وأبو كريب وغيرهما. قال البخاري"معروف الحديث" ، وقال أبو حاتم"ليس بالمشهور" ، وذكره ابن حبان في الثقات. قال ابن حجر: "وماله في البخاري سوى حديثين: أحدهما في الجمعة ، متابعة. والآخر في الاعتصام ، مقرونًا". مترجم في التهذيب ، والكبير 1/1/200.
و"الفزاري" ، هو"أبو إسحق الفزاري": "إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة الفزاري" ، الإمام الثقة. مضى برقم: 3833.
و"سفيان بن حسين الواسطي" ، مضى برقم: 3471 ، 6462.
(206) انظر ما سلف 8: 189 ، 190.
(207) يعني قول الشافعي فيما سلف ص 587 ، 588: تعليق: 1.
(208) انظر ما سلف 4: 362-369.
(209) انظر تفسير"الأجر" فيما سلف من فهارس اللغة.
(210) انظر تفسير"الإحصان" فيما سلف 8: 151-169/ ثم 8: 185-190 = وتفسير"السفاح" فيما سلف 8: 174 ، 175 ، 193-195 = وتفسير"الخدن" فيما سلف 8: 193-195.
(211) "البينة" ، سلف ذكرها في الأثرين رقم 9002 ، 9008 (انظر 8: 161 ، تعليق: 1 = ثم ص: 162 تعليق: 2). وقد بدا لي هنا أنه عنى بقوله"البينة" ، إعلان النكاح. فراجع ما كتبته هناك ، فإني في شك من ذلك كله.
(212) الأثر: 11289-"سليمان بن المغيرة القيسي" ، "أبو سعيد البصري" ، روى عن أبيه ، وثابت البناني ، والحسن ، وابن سيرين ، وغيرهم. روى عنه الثوري وشعبة ، وماتا قبله ، ثم جماعة كثيرة من الثقات ، من ثقات أهل البصرة. مترجم في التهذيب.
(213) انظر تفسير"حبط" فيما سلف 4: 317/6: 287.
(214) انظر تفسير"الخاسر" ، و"الخسران" فيما سلف 9: 224 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(215) في المطبوعة: "قال: بالإيمان ، بالله" ، غير ما في المخطوطة ، وهو صواب.
(216) انظر تفسير"الكفر" و"الإيمان" في فهارس اللغة.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 24 | ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فََٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ﴾ |
---|
المائدة: 5 | ﴿إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِيٓ أَخۡدَانٖۗ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء