801516171819

الإحصائيات

سورة النساء
ترتيب المصحف4ترتيب النزول92
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات29.50
عدد الآيات176عدد الأجزاء1.50
عدد الأحزاب3.00عدد الأرباع12.00
ترتيب الطول2تبدأ في الجزء4
تنتهي في الجزء6عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 1/10 يا أيها النَّاس: 1/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (15) الى الآية رقم (16) عدد الآيات (2)

لمَّا ذكرَ حكمَ الرجالِ والنِّساءِ في الميراثِ وحذَّرَ مِن تخطِّي حدودِ اللهِ بَيَّنَ هنا حكمَ مرتكبي فاحشةِ الزِّنا: النساءَ يُحْبَسْنَ ويُؤذَيْنَ، والرجالَ يُؤْذَوْن بالضربِ والتوبيخِ (نُسِخَ في سورةِ النورِ).

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (17) الى الآية رقم (18) عدد الآيات (2)

لمَّا ذكرَ أنَّ مرتكبي الفاحشةِ إن تابا زالَ الأذى عنهما، ذكرَ هنا وقتَ التوبةِ وشرطَها.

فيديو المقطع


المقطع الثالث

من الآية رقم (19) الى الآية رقم (19) عدد الآيات (1)

إبطالٌ لعادةٍ جاهليةٍ أُخرى: وراثةُ المرأةِ كما يُورثُ المالُ والمتاعُ، وكذا العَضْلُ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة النساء

العدل والرحمة بالضعفاء/ العلاقات الاجتماعية في المجتمع

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا قلنا أن السورة تتكلم عن المستضعفين؟: من طرق الكشف عن مقصد السورة: اسم السورة، أول السورة وآخر السورة، الكلمة المميزة أو الكلمة المكررة، ... أ‌- قد تكرر في السورة ذكر المستضعفين 4 مرات، ولم يأت هذا اللفظ إلا في هذه السورة، وفي موضع واحد من سورة الأنفال، في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (الأنفال 26).وهذه المواضع الأربعة هي: 1. ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (75). 2. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (97). 3. ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (98). 4. ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ... وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ...﴾ (127). كما جاء فيها أيضًا: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28). ب - في أول صفحة من السورة جاء ذكر اليتيم والمرأة، وقد سماهما النبي ﷺ «الضعيفين». عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» . جـ - ورد لفظ (النساء) في القرآن 25 مرة، تكرر في هذه السورة 11 مرة، وفي البقرة 5 مرات، وفي آل عمران مرة واحدة، وفي المائدة مرة، وفي الأعراف مرة، وفي النور مرتين، وفي النمل مرة، وفي الأحزاب مرتين، وفي الطلاق مرة.
  • • لماذا الحديث عن المرأة يكاد يهيمن على سورة تتحدث عن المستضعفين في الأرض؟: لأنها أكثر الفئات استضعافًا في الجاهلية، وهي ببساطة مظلومة المظلومين، هناك طبقات أو فئات كثيرة تتعرض للظلم، رجالًا ونساء، لكن النساء في هذه الطبقات تتعرض لظلم مركب (فتجمع مثلًا بين كونها: امرأة ويتيمة وأمة، و... وهكذا). والسورة تعرض النساء كرمز للمستضعفين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «النساء».
  • • معنى الاسم :: ---
  • • سبب التسمية :: كثرة ‏ما ‏ورد ‏فيها ‏من ‏الأحكام ‏التي ‏تتعلق ‏بهن ‏بدرجة ‏لم ‏توجد ‏في ‏غيرها ‏من ‏السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: ‏‏«سورة ‏النساء ‏الكبرى» ‏مقارنة ‏لها بسورة ‏الطلاق التي تدعى «سورة ‏النساء ‏الصغرى».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن الإسلام لم يظلم المرأة كما زعموا، بل كَرَّمَهَا وَشَرَّفَهَا وَرَفَعَهَا، وَجَعَلَ لها مكانة لَمْ تَنْعَمْ بِهِ امْرَأَةٌ فِي أُمَّةٍ قَطُّ، وها هي ثاني أطول سورة في القرآن اسمها "النساء".
  • • علمتني السورة :: أن الناس أصلهم واحد، وأكرمهم عند الله أتقاهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
  • • علمتني السورة :: أن المهر حق للمرأة، يجب على الرجل دفعه لها كاملًا: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾
  • • علمتني السورة :: جبر الخواطر: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾

مدارسة الآية : [15] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ ..

التفسير :

[15] واللاتي يزنين من نسائكم، فاستشهدوا -أيها الولاة والقضاة- عليهن أربعة رجال عدول من المسلمين، فإن شهدوا عليهن بذلك فاحبسوهن في البيوت حتى تنتهي حياتهن بالموت، أو يجعل الله لهن طريقاً للخلاص من ذلك.

أي:النساء{ اللاتي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} أي:الزنا، ووصفها بالفاحشة لشناعتها وقبحها.{ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} أي:من رجالكم المؤمنين العدول.{ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} أي:احبسوهن عن الخروج الموجب للريبة. وأيضا فإن الحبس من جملة العقوبات{ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ} أي:هذا منتهى الحبس.{ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} أي:طريقا غير الحبس في البيوت، وهذه الآية ليست منسوخة، وإنما هي مغياة إلى ذلك الوقت، فكان الأمر في أول الإسلام كذلك حتى جعل الله لهن سبيلا، وهو رجم المحصن وجلد غير المحصن.

وقوله: وَاللَّاتِي جمع التي. وهي تستعمل في جمع من يعقل. أما إذا أريد جمع ما لا يعقل من المؤنث فإنه يقال: التي. تقول: أكرمت النسوة اللاتي حضرن. وتقول: نزعت الأثواب التي كنت ألبسها. وهذا هو الرأى المختار.

وبعضهم يسوى بينهما فيقول في الجمع المؤنث لغير العاقل: اللاتي.

وقوله يَأْتِينَ من الإتيان ويطلق في الأصل على المجيء إلى شيء. والمراد به هنا الفعل.

أى واللاتي يفعلن الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ.

والفاحشة: هي الفعلة القبيحة. وهي مصدر كالعافية. يقال فحش الرجل يفحش فحشا.

وأفحش: إذا جاء بالقبح من القول أو الفعل.

والمراد بها هنا: الزنا.

وقوله: مِنْ نِسائِكُمْ متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل يَأْتِينَ أى: يأتين الفاحشة حال كونهن من نسائكم.

والمراد بالنساء في قوله مِنْ نِسائِكُمْ: النساء اللاتي قد أحصن بالزواج سواء أكن ما زلن في عصمة أزواجهن أم لا. وهذا رأى جمهور الفقهاء.

وبعضهم يرى أن المراد بالنساء هنا مطلق النساء سواء أكن متزوجات أم أبكارا.

والمعنى: أن الله- تعالى- يبين لعباده بعض الأحكام المتعلقة بالنساء فيقول:

أخبركم- أيها المؤمنون- بأن اللاتي يأتين فاحشة الزنا من نسائكم، بأن فعلن هذه الفاحشة المنكرة وهن متزوجات أو سبق لهن الزواج.

فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ أى: فاطلبوا أن يشهد عليهن بأنهن أتين هذه الفاحشة المنكرة أربعة منكم أى من الرجال المسلمين الأحرار.

وقوله: فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أى فإن شهد هؤلاء الأربعة بأن هؤلاء النسوة قد أتين هذه الفاحشة، فعليكم في هذه الحالة أن تحبسوا هؤلاء النسوة في البيوت ولا تمكنوهن من الخروج عقوبة لهن، وصيانة لهن عن تكرار الوقوع في هذه الفاحشة المنكرة، وليستمر الأمر على ذلك «حتى يتوفاهن الموت» أى حتى يقبض أرواحهن الموت. أو حتى يتوفاهن ملك الموت.

وقوله: أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا أى: أو يجعل الله لهن مخرجا من هذا الإمساك في البيوت، بأن يشرع لهن حكما آخر.

وقوله: وَاللَّاتِي في محل رفع مبتدأ. وجملة فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ خبره.

وجاز دخول الفاء الزائدة في الخبر. لأن المبتدأ أشبه الشرط في كونه موصولا عاما صلته فعل مستقبل.

وعبر- سبحانه- عن ارتكاب فاحشة الزنا بقوله: يَأْتِينَ لمزيد التقبيح والتشنيع على فاعلها: لأن مرتكبها كأنه ذهب إليها عن قصد حتى وصل إليها وباشرها.

واشترط- سبحانه- شهادة أربعة من الرجال المسلمين الأحرار لأن الرمي بالزنا من أفحش ما ترمى به المرأة والرجل، فكان من رحمة الله وعدله أن شدد في إثبات هذه الفاحشة أبلغ ما يكون التشديد، فقرر عدم ثبوت هذه الجريمة إلا بشهادة أربعة من الرجال بحيث لا تقبل في ذلك شهادة النساء.

قال: الزهري: مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود.

وقرر أن تكون الشهادة بالمعاينة لا بالسماع، ولذا قال فَإِنْ شَهِدُوا أى إن ذكروا أنهم عاينوا ارتكاب هذه الجريمة من مرتكبيها. وشهدوا على ما عاينوه وأبصروه فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ.

وحتى في قوله. حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ بمعنى إلى. والفعل بعدها منصوب بإضمار أن.

وهي متعلقة بقوله فَأَمْسِكُوهُنَّ غاية له.

والمراد بالتوفي أصل معناه أى الاستيفاء وهو القبض تقول: توفيت مالي الذي على فلان واستوفيته إذا قبضته. وإسناده إلى الموت باعتبار تشبيهه بشخص يفعل ذلك. والكلام على حذف مضاف أى: حتى يقبض أرواحهن الموت. أو حتى يتوفاهن ملائكة الموت و «أو» في قوله أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، للعطف، فقد عطفت قوله يَجْعَلَ على قوله:

يَتَوَفَّاهُنَّ فيكون الجعل غاية لإمساكهن أيضا.

فيكون المعنى. أمسكوهن في البيوت إلى أن يتوفاهن الموت، أو إلى أن يجعل الله لهن سبيلا أى مخرجا من هذه العقوبة.

وقد جعل الله- تعالى- هذا المخرج بما شرعه بعد ذلك من حدود بأن جعل عقوبة الزاني البكر: الجلد. وجعل عقوبة الزاني الثيب: الرجم وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعز بن مالك الأسلمى، ورجم الغامدية، وكانا محصنين.

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت، ولهذا قال- تعالى-:وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ الآية. فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك- أى لإمساكهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت-.

قال ابن عباس: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخه بالجلد أو الرجم.

وكذلك روى عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطاء وقتادة وزيد بن أسلم والضحاك أنها منسوخة. وهو أمر متفق عليه.

روى الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحى أثر عليه وكرب لذلك وتغير وجهه فأنزل الله عليه ذات يوم فلما سرى عنه قال: خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب. والبكر بالبكر. الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة. والبكر جلد مائة ونفى سنة» .

وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عبادة بن الصامت» .

هذا وما ذكره ابن كثير من أن هذا الحكم كان في ابتداء الإسلام، ثم نسخ بما جاء في سورة النور وبما جاء في حديث عبادة بن الصامت، هو مذهب جمهور العلماء.

وقال صاحب الكشاف: ويجوز أن تكون غير منسوخة بأن يترك ذكر الحد لكونه معلوما بالكتاب والسنة، ويوصى بإمساكهن في البيوت بعد أن يحددن صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج من البيوت والتعرض للرجال. أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا هو النكاح الذي يستغنين به عن السفاح وقيل السبيل: الحد، لأنه لم يكن مشروعا في ذلك الوقت» .

وقال أبو سليمان الخطابي: هذه الآية ليست منسوخة، لأن قوله فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ألخ، يدل على أن إمساكهن في البيوت ممتد إلى غاية أن يجعل الله لهن سبيلا، وذلك السبيل كان مجملا، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم خذوا عنى. ألخ، صار هذا الحديث بيانا لتلك الآية لا ناسخا لها» .

كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبينة العادلة ، حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت; ولهذا قال : ( واللاتي يأتين الفاحشة ) يعني : الزنا ( من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك .

قال ابن عباس : كان الحكم كذلك ، حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد ، أو الرجم .

وكذا روي عن عكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وعطاء الخراساني ، وأبي صالح ، وقتادة ، وزيد بن أسلم ، والضحاك : أنها منسوخة . وهو أمر متفق عليه .

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أثر عليه وكرب لذلك وتربد وجهه ، فأنزل الله عز وجل عليه ذات يوم ، فلما سري عنه قال : " خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب ، والبكر بالبكر ، الثيب جلد مائة ، ورجم بالحجارة ، والبكر جلد مائة ثم نفي سنة " .

وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عن قتادة عن الحسن عن حطان عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه : " خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا; البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح

وهكذا رواه أبو داود الطيالسي ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي عرف ذلك في وجهه ، فلما أنزلت : ( أو يجعل الله لهن سبيلا ) [ و ] ارتفع الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا خذوا ، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة " .

وقد روى الإمام أحمد أيضا هذا الحديث عن وكيع بن الجراح ، حدثنا الفضل بن دلهم ، عن الحسن ، عن قبيصة بن حريث ، عن سلمة بن المحبق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " .

وكذا رواه أبو داود مطولا من حديث الفضل بن دلهم ، ثم قال : وليس هو بالحافظ ، كان قصابا بواسط .

حديث آخر : قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا عباس بن حمدان ، حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا عمرو بن عبد الغفار ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البكران يجلدان وينفيان ، والثيبان يجلدان ويرجمان ، والشيخان يرجمان " . هذا حديث غريب من هذا الوجه .

وروى الطبراني من طريق ابن لهيعة ، عن أخيه عيسى بن لهيعة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حبس بعد سورة النساء " .

وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى القول بمقتضى هذا الحديث ، وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب الزاني ، وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد ، قالوا : لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية واليهوديين ، ولم يجلدهم قبل ذلك ، فدل على أن الجلد ليس بحتم ، بل هو منسوخ على قولهم ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله : وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا (15)

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " واللاتي يأتين الفاحشة " والنساء اللاتي يأتين = (1) بالزنا، أي يزنين (2) =" من نسائكم "، وهن محصنات ذوات أزواج أو غير ذوات أزواج =" فاستشهدوا عليهن أربعة منكم "، يقول: فاستشهدوا عليهن بما أتين به من الفاحشة أربعة رجال من رجالكم، يعني: من المسلمين =" فإن شهدوا " عليهن =" فامسكوهن في البيوت "، يقول: فاحبسوهن في البيوت (3) =" حتى يتوفاهن الموت "، يقول: حتى يمتن (4) =" أو يجعل الله لهن سبيلا "، يعني: أو يجعل الله لهن مخرجًا وطريقًا إلى النجاة مما أتين به من الفاحشة. (5)

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

8795 - حدثنا أبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد قال، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد: " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت "، أمر بحبسهن في البيوت حتى يمتن =" أو يجعل الله لهن سبيلا "، قال: الحد. (6)

8796 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم "، قال: الزنا، كان أمر بحبسهن حين يشهد عليهن أربعة حتى يمتن =" أو يجعل الله لهنّ سبيلا "، والسبيل الحد.

8797 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم " إلى " أو يجعل الله لهن سبيلا "، فكانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت، ثم أنـزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [سورة النور: 2]، فإن كانا محصنين رجُما. فهذا سبيلهما الذي جعل الله لهما.

8798 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " أو يجعل الله لهن سبيلا "، فقد جعل الله لهنّ، وهو الجلد والرجم.

8799 - حدثني بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " واللاتي يأتين الفاحشة "، حتى بلغ: " أو يجعل الله لهن سبيلا "، كان هذا من قبل الحدود، فكانا يؤذّيان بالقول جميعًا، وبحبْس المرأة. ثم جعل الله لهن سبيلا فكان سبيل من أحصن جلدُ مئة ثم رميٌ بالحجارة، وسبيل من لم يحصن جلد مئة ونفي سنة.

8800 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: قال عطاء بن أبي رباح وعبد الله بن كثير: " الفاحشة "،" الزنا "،" والسبيل " الحدّ، الرجم والجلد. (7)

8801 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم " إلى: " أو يجعل الله لهن سبيلا "، هؤلاء اللاتي قد نكحن وأحصنّ. إذا زنت المرأة فإنها كانت تحبس في البيت، ويأخذ زوجها مهرَها فهو له، فذلك قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ الزنا (8) وَعَاشِرُوهُنَّ &; 8-76 &; بِالْمَعْرُوفِ [سورة النساء: 19]، حتى جاءت الحدود فنسختها، فجُلدت ورُجِمت، وكان مهرها ميراثًا، فكان " السبيل " هو الجلد.

8802 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سلمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: " أو يجعل الله لهن سبيلا "، قال: الحدّ، نسخ الحدُّ هذه الآية.

8803 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا يحيى، عن إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد: " أو يجعل الله لهن سبيلا "، قال: جلد مئة، الفاعل والفاعلة.

8804 - حدثنا الرفاعي قال، حدثنا يحيى، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الجلد.

8805 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن عبادة بن الصامت، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نـزل عليه الوحي نكَّس رأسه، ونكَّس أصحابه رؤوسهم، فلما سُرِّي عنه رفع رأسه فقال: قد جعل الله لهنّ سبيلا الثيِّبُ بالثيب، والبكر بالبكر. أما الثيب فتُجلد ثم ترجم، وأما البكر فتجلد ثم تُنفى . (9)

8806 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن حطان بن عبد الله، عن عبادة بن الصامت قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " خُذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب تجلد مئة وترجم بالحجارة، والبكر جلد مئة ونفي سنة ". (10)

8807 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة عن الحسن، عن حطان بن عبد الله أخي بني رَقاش، عن عبادة بن الصامت: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نـزل عليه الوحي كُرِب لذلك وتربَّد له وجهه، (11) فأنـزل الله عليه ذات يوم، فلقي ذلك. فلما سُرِّي عنه قال: " خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب، جلد مئة ثم رجم بالحجارة، والبكر بالبكر، جلد مئة ثم نفي سنة ". (12)

8808 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا &; 8-78 &; فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا "، قال يقول: لا تنكحوهن حتى يتوفّاهن الموت، ولم يخرجهن من الإسلام. ثم نسخ هذا، وجُعِل السبيل أن يجعل لهن سبيلا (13) قال: فجعل لها السبيل إذا زنت وهي محصنة رجمت وأخرجت، وجعل السبيل للبكر جلد مائة.

8809 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: " حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا " قال، الجلد والرجم. (14)

8810 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن حطان بن عبد الله الرقاشيّ، عن عبادة بن الصامت قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيل، الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب تجلد وترجم، والبكر تجلد وتنفى " . (15)

8811 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن إسماعيل بن مسلم البصري، عن الحسن، عن عبادة بن الصامت قال، كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذِ احمرَّ وجهه، وكان يفعل ذلك إذا نـزل عليه الوحي، فأخذه كهيئة الغَشْي لما يجد من ثِقَل ذلك، فلما أفاق قال: " خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا البكران يجلدان وينفيان سنة، والثيبان يجلدان ويرجمان ". (16)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله: " أو يجعل الله لهن سبيلا "، قول من قال: السبيلُ التي جعلها الله جل ثناؤه للثيبين المحصَنَيْن، الرجم بالحجارة، وللبكرين جلد مئة ونفي سنة = لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رَجم ولم يجلد = وإجماعِ الحجة التي لا يجوز عليها فيما نقلته مجمعةً عليه، الخطأ والسهو والكذب = وصحةِ الخبر عنه أنه قضى في البكرين بجلد مئة ونفي سنة. فكان في الذي صح عنه من تركه جلدَ من رُجم من الزناة في عصره، دليلٌ واضح على وهَاء الخبر الذي روي عن الحسن، (17) عن حطان، عن عبادة، &; 8-81 &; عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: السبيل للثيب المحصن الجلدَ والرجم.

* * *

وقد ذكر أن هذه الآية في قراءة عبد الله: ( واللاتي يأتين بالفاحشة من نسائكم ) . والعرب تقول: " أتيت أمرًا عظيمًا، وبأمر عظيم " = و " تكلمت بكلام قبيح، وكلامًا قبيحًا ". (18)

--------------------

الهوامش :

(1) قوله في تفسيره: "يأتين بالزنا" بإدخال الباء على خلاف ما في الآية سيظهر لك معناه في ص: 81 وتعليق: 1 وأن قراءة عبد الله: "واللاتي يأتين بالفاحشة" ، بالباء.

(2) انظر تفسير"الفاحشة" فيما سلف 3: 303 / 5 : 571 / 7: 218

(3) انظر تفسير"الإمساك" فيما سلف 4: 546 .

(4) انظر تفسير"التوفي" فيما سلف 6: 455 ، 456 ، وما بعدها.

(5) انظر تفسير"السبيل" فيما سلف: 7: 490 بولاق تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(6) الأثر: 8795 -"أبو هشام الرفاعي ، محمد بن يزيد" مضت ترجمته برقم: 2739 ، وغيره من المواضع ، وكان في المطبوعة: "أبو هشام الرفاعي عن محمد بن يزيد" ، بزيادة"عن" وهو خطأ واضح ، وصوابه في المخطوطة.

(7) في المطبوعة: "والسبيل الرجم والجلد" ، حذف"الحد" ، وأثبتها من المخطوطة.

(8) في المطبوعة والمخطوطة: "فذلك قوله: { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } ، وأحسبه سهوًا من الناسخ لا من أبي جعفر ، فإن صدر هذا الذي ساقه من آية أخرى في سورة البقرة: 229 : { وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ }

والعجب للسيوطي ، فإنه خرجه في الدر المنثور 2: 129 ، ونسبه لابن جرير وحده ، وساقه كما هو في المخطوطة والمطبوعة ، ولم يتوقف عند هذه الآية المدمجة من آية أخرى!! فأثبت نص الآية التي هي موضوع استشهاده. هذا ، وقد حذف الناشر بعد قوله: "بفاحشة مبينة" كلمة"الزنا" فأثبتها من المخطوطة ، والدر المنثور.

(9) الحديث: 8805 - هذا الحديث رواه الطبري هنا بخمسة أسانيد: 8805 - 8807 / 8810 ، 8811. كلها صحيح متصل إلا الأخير منها ، كما سيأتي ، إن شاء الله.

وقد رواه مسلم 2: 33 ، عن محمد بن بشار - شيخ الطبري هنا - بهذا الإسناد. ورواه هو وغيره بأسانيد أخر ، سنشير إليها.

وحطان بن عبد الله الرقاشي البصري: تابعي ثقة ثبت ، وكان مقرئًا. مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 2 / 1 / 109 ، وابن سعد 7 / 1 / 93 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 303 - 304 ، وطبقات القراء 1: 253.

(10) الحديث: 8806 - سعيد: هو ابن أبي عروبة.

وقد سقط من الإسناد هنا ، في المخطوطة والمطبوعة ، [عن الحسن] ، بين قتادة وحطان. وهو خطأ من الناسخين. فإن الحديث رواه مسلم 2: 33 ، عن ابن بشار - شيخ الطبري هنا - وعن ابن المثنى - كلاهما عن عبد الأعلى ، بهذا الإسناد ، على الصواب. فلذلك أثبتنا ما أسقطه الناسخون.

ثم كل الروايات التي رأينا"عن قتادة" فيها هذه الزيادة ، ومنها الإسناد الذي بعد هذا ، والإسناد: 8810.

وكذلك رواه أحمد في المسند 5: 318 (حلبي) عن محمد بن جعفر ، عن سعيد ، عن قتادة.

وكذلك رواه أبو داود: 4415 ، من طريق يحيى ، عن سعيد.

وكذلك رواه البيهقي 8: 210 ، من طريق عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد.

وكذلك رواه أحمد 5: 317 ، عن طريق حماد ، عن قتادة وحميد - كلاهما عن الحسن.

(11) كان في المخطوطة"كرب لتلك" ، والصواب من روايات الحديث ، وصححته المطبوعة السالفة. وقوله: "كرب" بالبناء للمجهول من"كربه الأمر يكربه" ، غمه واشتد عليه. وقوله: "تربد وجهه"؛ تغير لونه إلى الغبرة. وقوله بعد: "سرى عنه" بالبناء للمجهول ، تجلى عنه ، كربه ، من قولهم: "سرا الثوب" ، إذا نزعه ، والتشديد للمبالغة.

(12) الأثر: 8807 - انظر التعليق على الحديث 8805.

(13) كان في المطبوعة: "ثم نسخ هذا وجعل السبيل التي ذكر أن يجعل..." زاد"التي ذكر" ولا خير في زيادتها ، والذي في المخطوطة كما أثبته ، مستقيم بعض الاستقامة ، إذا قرئت"جعل" بالبناء للمجهول ، فتركتها كذلك مخافة أن تكون صوابًا محضًا ، وإن كنت الآن في ريب منه.

(14) في المطبوعة: "حدثني يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا جويبر" ، أسقط من الإسناد"يزيد" ، وهو من المخطوطة ، وهو إسناد دائر في التفسير.

(15) الحديث: 8810 - [ابن] المثنى: هو"محمد بن المثنى" شيخ الطبري. وكلمة [ابن] سقطت من المطبوعة خطأ. وهي ثابتة في المخطوطة.

"محمد بن جعفر": هو غندر ، صاحب شعبة. ووقع في المطبوعة"محمد بن أبي جعفر"! وهو خطأ ظاهر. وثبت على الصواب في المخطوطة.

والحديث - من هذا الوجه - رواه أحمد في المسند 5: 320 ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة.

وكذلك رواه مسلم 2: 33 ، عن محمد بن المثنى -شيخ الطبري هنا - وعن ابن بشار = كلاهما عن شعبة.

ورواه أحمد أيضًا 5: 320 ، عن يحيى ، عن حجاج ، عن شعبة. ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2: 79 ، من طريق أسد بن موسى ، عن شعبة. وكذلك رواه حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان ، عن عبادة - عند الدارمي في سننه 2: 181.

وأكثر الرواة الذين رووا هذا الحديث عن الحسن البصري ، ذكروا أنه"عن الحسن ، عن حطان الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت". وقليل منهم لم يذكروا في الإسناد"عن حطان" - كما سنذكر في الإسناد التالي لهذا.

فالظاهر أن الحسن سمعه من حطان عن عبادة ، وكذلك كان يرويه. وأنه في بعض أحيانه كان يرسله عن عبادة ، فلا يذكر"عن حطان".

فمن رواه عنه موصولا ، بإثبات"حطان" في الإسناد: المبارك بن فضالة ، عند الطيالسي في مسنده: 584.

ومنصور بن زاذان ، عند أحمد في المسند 5: 313 ، وسنن الدارمي 2: 181 ، وصحيح مسلم 2: 33 ، وسنن أبي داود: 4416 ، والترمذي 2: 242 ، والمنتقى لابن الجارود ، ص: 371 -372 ، والطحاوي 2: 79 ، وابن النحاس في الناسخ والمنسوخ ، ص: 97 ، والبيهقي في السنن الكبرى 8: 221-222.

ولم ينفرد الحسن بروايته عن حطان ، بل رواه أيضًا يونس بن جبير.

فرواه ابن ماجه: 2550 ، من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن يونس بن جبير ، عن حطان بن عبد الله ، عن عبادة بن الصامت. فكان لقتادة فيه شيخان الحسن ويونس.

(16) الحديث: 8811 - هذا هو الإسناد الخامس المنقطع ، كما أشرنا في الإسناد الأول: 8805.

يحيى بن إبراهيم المسعودي- شيخ الطبري: مضت ترجمته في رقم: 84 في الجزء الأول.

إسماعيل بن مسام البصري: مضت ترجمته في: 5417.

وهو قد روى هذا الحديث"عن الحسن ، عن عبادة" - منقطعًا. لأن الحسن البصري لم يسمع من عبادة. ولم ينفرد إسمعيل بروايته عن الحسن منقطعًا ، بل تابعه غيره على ذلك. مما يدل على أن الحسن كان يصل الحديث مرة عن حطان ، ويرسله مرة عن عبادة.

فرواه الشافعي في الرسالة: 378 ، 636 - بشرحنا - وفي اختلاف الحديث (هامش الأم 7: 252) ، عن عبد الوهاب ، وهو ابن عبد المجيد الثقفي ، "عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن عبادة بن الصامت". ثم قال في الرسالة: 379"أخبرنا الثقة من أهل العلم ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن حطان الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت". وقال في اختلاف الحديث - بعد روايته عن عبد الوهاب -: "وقد حدثني الثقة: أن الحسن كان يدخل بينه وبين عبادة: حطان الرقاشي. ولا أدري: أدخله عبد الوهاب بينهما فزال من كتابي حين حولته من الأصل ، أم لا؟ والأصل - يوم كتبت هذا الكتاب - غائب عني".

وقد ذكره في الأم 6: 119 ، معلقًا ، جازمًا بالزيادة ، فقال: "ثم روى الحسن ، عن حطان الرقاشي ، عن عبادة". فلا أدري: أجزم بأن عبد الوهاب"أدخله بينهما" - بعد ، أم أراد رواية ما حدثه به"الثقة"؟ ولم أجد رواية"يونس بن عبيد" في موضع آخر ، حتى أستطيع اليقين بأي ذلك كان.

ورواه أيضًا - منقطعًا - : "جرير بن حازم ، عن الحسن ، عن عبادة" - عند الطيالسي: 584 ، وأحمد في المسند 5: 327 (حلبي) ، والبيهقي في السنن 8: 210.

وكذلك رواه - منقطعًا -: "حميد ، عن الحسن ، عن عبادة" - عند أحمد في المسند 5: 317 (حلبي). والحديث صحيح على كل حال. وقد ظهر وصل الروايات المنقطعة بالروايات الموصولة.

وقد ذكره ابن كثير 2: 375 ، عن بعض روايات أحمد ، والطيالسي ، ومسلم ، وأصحاب السنن.

وذكره السيوطي 2: 129 ، وزاد نسبته لعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان.

(17) في المطبوعة: "على وهي الخبر" ، وأثبت ما في المخطوطة لما سترى بعد. وذلك أني صححتها في الجزء 4: 18 ، فجعلت العبارة"لوهي أسانيدها ، وأنها مع وهي أسانيدها" مصدر"وهى الشيء يهي وهيًا" ثم فعلت ذلك في الجزء نفسه ص: 155 ، وقلت في التعليق: 1 ، إني أخشى أن يكون ذلك من ناسخ التفسير ، لا من أبي جعفر ، ونقلت قول المطرزي في المغرب أن قول الفقهاء"وهاء" أنه خطأ ، ولا يعتد به ، ثم فعلت ذلك في الجزء الرابع نفسه ص: 361 ، تعليق: 3. وكذلك فعلت في الجزء 6: 85 ، تعليق: 2. بيد أني رأيت الآن أن أثبت ما في المخطوطة ، لأنه تكرر مرارًا كثيرة يمتنع معها ادعاء خطأ الناسخ في نسخه ، هذه واحدة. وأخرى أنه قد وقعت لي أجزاء من كتاب أبي جعفر الطبري"تهذيب الآثار" وهما قطعتان بخطين مختلفين عتيقين ، فوجدت فيهما أنه يكتب"وهاء" ، لا"وهى" ، فرجحت أن أبا جعفر كذلك كان يكتبها ، وإن كان المطرزي يقول إنه خطأ ولا يعتد به.

(18) انظر معاني القرآن للفراء 1: 258.

المعاني :

الْفَاحِشَةَ :       الفِعْلَةَ القَبِيحَةَ، وَهِيَ الزِّنَا السراج

التدبر :

وقفة
[15] ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ﴾ أي: الزنا، ووصفها بالفاحشة لشناعتها وقبحها.
لمسة
[15] ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ﴾ من خصوصية الاستعمال القرآني أنه استعمل (اللائي) في حالتي الظِهار والطلاق فقط، وفيما عدا ذلك يستعمل (اللاتي)، وهو اختيار عجيب فاللغة لا تفرق بينهما، ولكن نجد أنَّ الهمزة ثقيلة في اللغة فاستعمل (اللائي) في حالتي الظِهار والطلاق التي هي ثقيلة على الإنسان، كأنها متقاربة في اللفظ مع (اللائي)، التعب والإبطاء والاحتباس والجهد والمشقة والشدة، والمظاهِر والمطلق مبطئ عن امرأته بعيد عنها، وفيها مشقة على الطرفين، اختيار عجيب، أما الباقي فاستعمل (اللاتي).
وقفة
[15] ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ﴾ جعل شهداء الزنا أربعة تغليظًا على المدعي، وسترًا على العباد.
وقفة
[15] ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ﴾ اشترط الله شهادة أربعة من الرجال الأحرار؛ لأن الرمي بالزنى أفحش ما ترمی به المرأة والرجل، فكان من رحمة الله أن شدد في إثبات هذه الجريمة أبلغ التشديد.
وقفة
[15] ﴿فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّـهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ قال ابن عباس: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور، فنسخه بالجلد أو الرجم.
وقفة
[15] ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّـهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ ارتكاب فاحشة الزنى من أكثر المعاصي خطرًا على الفرد والمجتمع؛ ولهذا جاءت العقوبات عليها شديدة.
لمسة
[15] ﴿حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ﴾ (التوفي) هو أخذ الشيء كاملًا غير منقوص؛ لأن الموت معناه انقضاء العمر الذي يؤدي إلى أن تؤخذ روحه وافية غير منقوصة، الموت ليس هو الذي يأخذ الروح؛ لكنه إيذان بانتهاء العمر، ما بقي لهذا الإنسان من عمره شيء فهو ميِّت، الفاعل الحقيقي لهذا التوفي هو الله سبحانه وتعالى، والملائكة وسيلة والموت سبب.

الإعراب :

  • ﴿ وَاللَّاتِي:
  • الواو: عاطفة. اللاتي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
  • ﴿ يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ:
  • فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بضمير الغائبات النون: نون النسوة مبني على الفتح في محل رفع فاعل. الفاحشة: مفعول به منصوب بالفتحة
  • ﴿ مِنْ نِسائِكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من اللاتي. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة الجمع. وجملة «يَأْتِينَ» صلة الموصول.
  • ﴿ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ:
  • الفاء: زائدة ويجوز أن تكون واقعة في جواب الشرط لأن اسم الموصول «اللَّاتِي» بمنزلة «من» اسم الشرط. استشهدوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «فَاسْتَشْهِدُوا» أو جملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ. عليهن: جار ومجرور متعلق باستشهدوا و «هن» ضمير الغائبات المتصل مبني على الفتح في محل جر بعلى
  • ﴿ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. منكم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من أربعة والميم علامة الجمع.
  • ﴿ فَإِنْ شَهِدُوا:
  • الفاء: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. شهدوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة في محل جزم فعل الشرط. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. أمسكوا: تعرب اعراب «استشهدوا». هن: ضمير الغائبات مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. في البيوت: جار ومجرور متعلق بأمسكوا. والجملة: جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم بمعنى فاحبسوهن في البيوت.
  • ﴿ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ:
  • حتى: حرف غاية وجر. يتوفى: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر و «هن» ضمير الغائبات مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم. الموت: فاعل مرفوع بالضمة. والمعنى حتى يميتهن الموت. ويجوز أن يراد حتى يتوفاهن ملائكة الموت والتقدير الأول أصوب. و «أن المضمرة وما تلاها» بتأويل مصدر في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلق بأمسكوا.
  • ﴿ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ:
  • أو: عاطفة تفيد التخيير. يجعل الله: معطوفة على يتوفى الموت وتعرب اعرابها.
  • ﴿ لَهُنَّ سَبِيلًا:
  • جار ومجرور متعلق بيجعل أو بحال. سبيلا: مفعول به منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     بعد ذكر الإحسان إلى النِّساء، وعدم ظلمهن في المهور والمواريث؛ جاء هنا الوعيد على من قابلت الإحسان بالإساءة، فتركت العفاف ووقعت في جريمة الزنا، وحكم مرتكبي فاحشةِ الزِّنا: النساءَ يُحْبَسْنَ ويُؤذَيْنَ، والرجالَ يُؤْذَوْن بالضربِ والتوبيخِ (هذا الحكم نُسِخَ في سورةِ النورِ)، قال تعالى:
﴿ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [16] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن ..

التفسير :

[16] واللذان يقعان في فاحشة الزنى، فآذُوهما بالضرب والهجر والتوبيخ، فإن تابا عَمَّا وقع منهما وأصلحا بما يقدِّمان من الأعمال الصالحة فاصفحوا عن أذاهما. ويستفاد من هذه الآية والتي قبلها أن الرجال إذا فعلوا الفاحشة يُؤذَوْن، والنساء يُحْبَسْنَ ويُؤذَيْنَ، ف

{ و} كذلك{ الَّلذَانِ يَأْتِيَانِهَا} أي:الفاحشة{ مِنْكُمْ} من الرجال والنساء{ فَآذُوهُمَا} بالقول والتوبيخ والتعيير والضرب الرادع عن هذه الفاحشة، فعلى هذا يكون الرجال إذا فعلوا الفاحشة يؤذون، والنساء يحبسن ويؤذين. فالحبس غايته إلى الموت، والأذية نهايتها إلى التوبة والإصلاح، ولهذا قال:{ فَإِنْ تَابَا} أي:رجعا عن الذنب الذي فعلاه وندما عليه، وعزما على أن لا يعودا{ وَأَصْلَحَا} العمل الدال على صدق التوبة{ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} أي:عن أذاهما{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} أي:كثير التوبة على المذنبين الخطائين، عظيم الرحمة والإحسان، الذي -من إحسانه- وفقهم للتوبة وقبلها منهم، وسامحهم عن ما صدر منهم. ويؤخذ من هاتين الآيتين أن بينة الزنا، لا بد أن تكون أربعة رجال مؤمنين، ومن باب أولى وأحرى اشتراط عدالتهم؛ لأن الله تعالى شدد في أمر هذه الفاحشة، سترًا لعباده، حتى إنه لا يقبل فيها النساء منفردات، ولا مع الرجال، ولا ما دون أربعة. ولا بد من التصريح بالشهادة، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، وتومئ إليه هذه الآية لما قال:{ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} لم يكتف بذلك حتى قال:{ فَإِنْ شَهِدُوا} أي:لا بد من شهادة صريحة عن أمر يشاهد عيانًا، من غير تعريض ولا كناية. ويؤخذ منهما أن الأذية بالقول والفعل والحبس، قد شرعه الله تعزيرًا لجنس المعصية الذي يحصل به الزجر.

ثم بين- سبحانه- حكما آخر فقال: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما.

أى واللذان يأتيان فاحشة الزنا من رجالكم ونسائكم فآذوهما بالشتم والتوبيخ والزجر الشديد ليندما على ما فعلا، وليرتدع سواهما بهما.

وقد اختلف العلماء في المراد بقوله وَالَّذانِ.

فمنهم من قال المراد بهما الرجل والمرأة البكران اللذان لم يحصنا.

ومنهم من قال المراد بهما الرجلان يفعلان اللواط.

ومنهم من قال المراد بهما الرجل والمرأة لا فرق بين بكر وثيب.

والمختار عند كثير من العلماء هو الرأى الأول، قالوا: لأن الله- تعالى- ذكر في هاتين الآيتين حكمين:

أحدهما: الحبس في البيوت.

والثاني: الإيذاء. ولا شك أن من حكم عليه بالأول خلاف من حكم عليه بالثاني، والشرع يخفف في البكر ويشدد على الثيب، ولذلك لما نسخ هذا الحكم جعل للثيب الرجم وللبكر الجلد، فجعلنا الحكم الشديد وهو الحبس على الثيب، والحكم الأخف وهو الإيذاء على البكر.

قالوا: وقد نسخ حكم هذه الآية بآية النور، حيث جعل حكم الزانيين اللذين لم يحصنا جلد مائة.

فقد أخرجه ابن جرير عن الحسن البصري وعكرمة قالا في قوله- تعالى- وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما الآية، نسخ ذلك بآية الجلد وهي قوله- تعالى- في سورة النور: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ الآية .

ومن العلماء من قال بأن هذه الآية غير منسوخة بآية النور، فإن العقوبة ذكرت هنا مجملة غير واضحة المقدار لأنها مجرد الإيذاء، وذكرت بعد ذلك مفصلة بينة المقدار في سورة النور. أى أن ما ذكر هنا من قبيل المجمل، وما ذكر في سورة النور من قبيل المفصل، وأنه لا نسخ بين الآيتين.

هذا، ولأبى مسلم الأصفهاني رأى آخر في تفسير هاتين الآيتين، فهو يرى أن المراد باللاتى في قوله وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ النساء السحاقات اللاتي يستمتع بعضهن ببعض وحدهن الحبس، والمراد بقوله وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ اللائطون من الرجال وحدهم الإيذاء.

وأما حكم الزناة فسيأتى في سورة النور.

قال الآلوسى: وقد زيف هذا القول بأنه لم يقل به أحد، وبأن الصحابة قد اختلفوا في حكم اللوطي ولم يتمسك أحد منهم بهذه الآية، وعدم تمسكهم بها مع شدة احتياجهم إلى نص يدل على الحكم دليل على أن الآية ليست في ذلك. وأيضا جعل الحبس في البيت عقوبة السحاق

لا معنى له. لأنه مما لا يتوقف على الخروج كالزنا. فلو كان المراد السحاقات لكانت العقوبة لهن عدم اختلاط بعضهن ببعض لا الحبس والمنع من الخروج. وحيث جعل هو عقوبة دل ذلك على أن المراد باللاتى يأتين الفاحشة الزانيات ... » .

والذي نراه أن هذا الحكم المذكور في الآيتين منسوخ، بعضه بالكتاب وبعضه بالسنة.

أما الكتاب فهو قوله- تعالى- في سورة النور الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ الآية.

وأما السنة فحديث عباده بن الصامت الذي سبق ذكره.

وإنما قلنا ذلك لأن ظاهر الآيتين يدل على أن ما ذكر فيهما من الحبس والإيذاء هو تمام العقوبة، مع أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عاقب أحدا من الزناة بالحبس أو بالإيذاء بعد نزول آية سورة النور. بل الثابت عنه أنه كان يجلد البكر من الرجال والنساء، ويرجم المحصن منهما، ولم يضم إلى إحدى هاتين العقوبتين حبسا أو إيذاء، فثبت أن هذا الحكم المذكور في الآيتين قد نسخ.

ثم بين- سبحانه- الحكم فيما إذا أقلع الزاني والزانية عن جريمتهما فقال: فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً.

أى فإن تابا عما فعلا من الفاحشة، وأصلحا أعمالهما فَأَعْرِضُوا عَنْهُما أى فاصفحوا عنهما وكفوا عن أذاهما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً أى مبالغا في قبول التوبة ممن تاب توبة صادقة نصوحا رَحِيماً أى واسع الرحمة بعباده الذين لا يصرون على معصية بل يتوبون إليه منها توبة صادقة.

وبعد أن وصف- سبحانه- ذاته بأنه هو التواب الرحيم عقب ذلك ببيان من تقبل منهم التوبة، ومن لا تقبل منهم فقال:

وقوله : ( واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ) أي : واللذان يأتيان الفاحشة فآذوهما . قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير وغيرهما : أي بالشتم والتعيير ، والضرب بالنعال ، وكان الحكم كذلك حتى نسخه الله بالجلد أو الرجم .

وقال عكرمة ، وعطاء ، والحسن ، وعبد الله بن كثير : نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا .

وقال السدي : نزلت في الفتيان قبل أن يتزوجوا .

وقال مجاهد : نزلت في الرجلين إذا فعلا لا يكني ، وكأنه يريد اللواط ، والله أعلم .

وقد روى أهل السنن ، من حديث عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به "

وقوله : ( فإن تابا وأصلحا ) أي : أقلعا ونزعا عما كانا عليه ، وصلحت أعمالهما وحسنت ( فأعرضوا عنهما ) أي : لا تعنفوهما بكلام قبيح بعد ذلك; لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ( إن الله كان توابا رحيما ) وقد ثبت في الصحيحين " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها " أي : ثم لا يعيرها بما صنعت بعد الحد ، الذي هو كفارة لما صنعت .

القول في تأويل قوله : وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " واللذان يأتيانها منكم "، والرجل والمرأة اللذان يأتيانها، يقول: يأتيان الفاحشة. و " الهاء " و " الألف " في قوله: " يأتيانها " عائدة على " الفاحشة " التي في قوله: وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ . والمعنى: واللذان يأتيان منكم الفاحشة فآذوهما.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في المعنِّي بقوله: " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ".

فقال بعضهم: هما البكران اللذان لم يُحْصنا، وهما غير اللاتي عُنين بالآية قبلها. وقالوا: قوله: وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ ، معنيٌّ به الثيِّبات المحصنات بالأزواج - وقوله: " واللذان يأتيانها منكم "، يعني به البكران غير المحصنين.

*ذكر من قال ذلك:

8812 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا &; 8-82 &; أسباط، عن السدي: ذكر الجواري والفتيان اللذين لم ينكِحوا فقال: " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما " .

8813 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " واللذان يأتيانها منكم " البكرين = فآذوهما. (19)

* * *

وقال آخرون: بل عُني بقوله: " واللذان يأتيانها منكم "، الرجلان الزانيان.

ذكر من قال ذلك:

8814 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا يحيى، عن ابن جريج، عن مجاهد: " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما "، قال: الرجلان الفاعلان، لا يَكْنى.

8815 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " واللذان يأتيانها منكم "، الزانيان.

* * *

وقال آخرون: بل عني بذلك الرجلُ والمرأة، إلا أنه لم يُقصَد به بكر دون ثيِّب.

ذكر من قال ذلك:

8816 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا يحيى، عن ابن جريج، عن عطاء: " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما "، قال: الرجل والمرأة.

8817 - حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ إلى قوله: أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا ، فذكر الرجل بعد المرأة، ثم جمعهما جميعًا فقال: " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابًا رحيما ".

8818 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريح قال، قال عطاء وعبد الله بن كثير، قوله: " واللذان يأتيانها منكم "، قال: هذه للرجل والمرأة جميعًا.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: " واللذان يأتيانها منكم "، قول من قال: " عُني به البكران غير المحصنين إذا زنيا، وكان أحدهما رجلا والآخر امرأة "، لأنه لو كان مقصودًا بذلك قصد البيان عن حكم الزناة من الرجال، كما كان مقصودًا بقوله: وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ قصد البيان عن حكم الزواني، لقيل: " والذين يأتونها منكم فآذوهم "، أو قيل: " والذي يأتيها منكم "، كما قيل في التي قبلها: وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ ، فأخرج ذكرهن على الجميع، ولم يقل: " واللتان يأتيان الفاحشة ".

وكذلك تفعل العرب إذا أرادت البيان على الوعيد على فعل أو الوعد عليه، أخرجت أسماءَ أهله بذكر الجميع أو الواحد = وذلك أن الواحد يدل على جنسه = ولا تخرجها بذكر اثنين. فتقول: " الذين يفعلون كذا فلهم كذا "،" والذي يفعل كذا فله كذا "، ولا تقول: " اللذان يفعلان كذا فلهما كذا "، إلا أن يكون فعلا لا يكون إلا من شخصين مختلفين، كالزنا لا يكون إلا من زانٍ وزانية. فإذا كان ذلك كذلك قيل بذكر الاثنين، يراد بذلك الفاعل والمفعول به. فأما أن يذكر بذكر الاثنين، والمراد بذلك شخصان في فعل قد ينفرد كل واحد منهما به، أو في فعل لا يكونان فيه مشتركين، فذلك ما لا يُعْرف في كلامها.

وإذا كان ذلك كذلك، فبيِّنٌ فسادُ قول من قال: عني بقوله: " واللذان يأتيانها منكم الرجلان " = وصحةُ قول من قال: عني به الرجل والمرأة. (20)

وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنهما غير اللواتي تقدم بيان حكمهن في قوله: وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ ، لأن هذين اثنان، وأولئك جماعة.

وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الحبس كان للثيّبات عقوبة حتى يتوفَّين من قبل أن يجعل لهن سبيلا لأنه أغلظ في العقوبة من الأذى الذي هو تعنيف وتوبيخ أو سب وتعيير، كما كان السبيل التي جعلت لهن من الرجم، أغلظ من السبيل التي جعلت للأبكار من جلد المئة ونفي السنة.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في" الأذى " الذي كان الله تعالى ذكره جعله عقوبة للذين يأتيان الفاحشة، من قبل أن يجعل لهما سبيلا منه.

فقال بعضهم: ذلك الأذى، أذًى بالقول واللسان، كالتعيير والتوبيخ على ما أتيا من الفاحشة.

ذكر من قال ذلك:

8819 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " فآذوهما "، قال: كانا يؤذَيَان بالقول جميعًا.

8820 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما "، فكانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنَّفان ويعيَّران حتى يتركا ذلك.

* * *

وقال آخرون: كان ذلك الأذى، أذًى اللسان، غير أنه كان سبًّا.

ذكر من قال ذلك:

8821 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فآذوهما "، يعني: سبًّا.

* * *

وقال آخرون: بل كان ذلك الأذى باللسان واليد.

ذكر من قال ذلك:

8822 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما "، فكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب بالنعال.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إنّ الله تعالى ذكره كان أمر المؤمنين بأذى الزانيين المذكورين، إذا أتيا ذلك وهما من أهل الإسلام. و " الأذى " قد يقع لكل مكروه نال الإنسان، (21) من قول سيئ باللسان أو فعل. (22) وليس في الآية بيان أيّ ذلك كان أمر به المؤمنون يومئذ، (23) ولا خبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نقل الواحد ولا نقل الجماعة الموجب مجيئهما قطعَ العذر.

وأهل التأويل في ذلك مختلفون، وجائز أن يكون ذلك أذى باللسان أو اليد، وجائز أن يكون كان أذى بهما. (24) وليس في العلم بأيِّ ذلك كان من أيٍّ نفعٌ &; 8-86 &; في دين ولا دنيا، ولا في الجهل به مضرة، (25) إذْ كان الله جل ثناؤه قد نسخ ذلك من مُحكمه بما أوجب من الحكم على عباده فيهما وفي اللاتي قبلهما. فأما الذي أوجب من الحكم عليهم فيهما، فما أوجب في" سورة النور: 2" بقوله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ . وأما الذي أوجب في اللاتي قبلهما، فالرجم الذي قضى به رسول الله فيهما. وأجمع أهل التأويل جميعًا على أن الله تعالى ذكره قد جعل لأهل الفاحشة من الزناة والزواني سبيلا بالحدود التي حكم بها فيهم.

* * *

وقال جماعة من أهل التأويل: إن الله سبحانه نسخ بقوله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [سورة النور: 2]، قوله: " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ".

ذكر من قال ذلك:

8823 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما "، قال: كل ذلك نسخته الآية التي في" النور " بالحدّ المفروض.

8824 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا يحيى، عن ابن جريج، عن مجاهد: " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما " الآية، قال: هذا نسخته الآية في" سورة النور " بالحدّ المفروض.

8825 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أبو تميلة قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي. عن عكرمة والحسن البصري قالا في قوله: " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما " الآية، نسخ ذلك بآية الجلد فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ .

8826 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما "، فأنـزل الله بعد هذا: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ، فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

8827 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ الآية، جاءت الحدود فنسختها.

8828 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: نسخ الحدّ هذه الآية. (26)

8829 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ الآية، قال: نسختها الحدود، وقوله: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ ، نسختها الحدود. (27)

8830 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما "، الآية، ثم نسخ هذا، وجعل السبيل لها إذا زنت وهي محصنة، رجمت وأخرجت، وجعل السبيل للذكر جلد مئة.

8831 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ، قال: نسختها الحدود.

* * *

وأما قوله: " فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما " فإنه يعني به جل ثناؤه: فإن تابا من الفاحشة التي أتيا فراجعا طاعة الله بينهما =" وأصلحا "، يقول: وأصلحا دينهما بمراجعة التوبة من فاحشتهما، والعمل بما يرضي الله =" فأعرضوا عنهما "، يقول: فاصفحوا عنهما، (28) وكفوا عنهما الأذى الذي كنت أمرتكم أن تؤذوهما به عقوبة لهما على ما أتيا من الفاحشة، ولا تؤذوهما بعد توبتهما.

* * *

وأما قوله: " إن الله كان توابًا رحيما "، فإنه يعني: إن الله لم يزل راجعًا لعبيده إلى ما يحبون إذا هم راجعوا ما يحب منهم من طاعته (29) =" رحيما " بهم، يعني: ذا رحمة ورأفة.

--------------------

الهوامش :

(19) في المطبوعة: "البكران" بالرفع كأنه استنكر ما كان في المخطوطة كما أثبته ، وهو الصواب.

(20) قوله: "وصحة قول من قال" معطوف على قوله"فساد قول من قال" مرفوعًا.

(21) في المطبوعة"قد يقع بكل مكروه" ، والصواب ما في المخطوطة ، ومعنى"يقع" هنا: يجيء ، أو يوضع ، أو ينزل في الاستعمال.

(22) انظر تفسير"الأذى" فيما سلف 4: 374 / 7: 455.

(23) في المطبوعة: "بيان أن ذلك كان" وهو خطأ ، والصواب ما في المخطوطة.

(24) في المطبوعة: "وجائز أن يكون ذلك أذى باللسان واليد ، وجائز أن يكون كان أذى بأيهما" ، وكان في المخطوطة: "أذى بهما" ، فرجحت أن هذا هو الصواب ، وجعلت الأولى"أذى باللسان أو اليد" بدلا من العطف بالواو.

(25) في المخطوطة والمطبوعة: "وليس في العلم بأن ذلك كان من أي نفع" ، وهو خطأ محض ، والصواب ما أثبت ، وهذا تعبير قد سلف مرارًا وعلقت عليه آنفًا 1: 520 ، س: 16 / 2: 517 ، س: 15 / 3: 64 ، تعليق: 1 / 6: 291 ، تعليق: 1.

(26) الأثر: 8828 - في المطبوعة: "عبيد بن سليمان" ، والصواب من المخطوطة ، وفي المخطوطة خطأ آخر كتب"عتبة بن سليمان" ، وهو خطأ ، وهذا إسناد دائر في التفسير.

(27) الأثر: 8829 -"أبو سفيان المعمري" هو: محمد بن حميد اليشكري ، سلف برقم: 1787 ، وهذا الإسناد مضى كثيرًا منه: 526 ، 1200 ، 1253 ، 1516 ، 1699.

(28) انظر تفسير"الإعراض" فيما سلف 2: 298 ، 299.

(29) انظر تفسير"كان" بهذا المعنى فيما سلف: 8: 51 / تعليق: 1 / وتفسير"التوبة" فيما سلف من مراجع اللغة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[16] ﴿فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾ والمراد بهما الرجل والمرأة البكران اللذان لم يحصنا، وذكر في هاتين الآيتين عقوبتين: الأولى: الحبس في البيوت، وهي الأشد، وتكون للثيِّب، والثانية: الإيذاء، وهو الحكم الأخف، يكون على البكر، وقد نُسِخت هذه الآية بآية النور، حيث جعل حكم الزانيين اللذين لم يُحصَنا جلد مائة.
وقفة
[16] من أقبح الخلال: تعنيف المذنبين والمخطئين بعد اعترافهم وتوبتهم، وقد يدعوهم ذلك إلى معاودة الذنب أو الخطأ ﴿فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ:
  • الواو: عاطفة. اللذان اسم موصول مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى. يأتيانها: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والألف ألف الاثنين ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل في محل نصب مفعول به. منكم: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الأسم الموصول
  • ﴿ فَآذُوهُما:
  • الفاء: زائدة ويجوز أن تكون رابطة لجواب الشرط لأن الاسم الموصول «الَّذانِ» بمنزلة «من» اسم الشرط. آذوهما: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. الهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. الميم حرف عماد والألف علامة التثنية وجملة «آذوهما» في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا:
  • الفاء: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. تابا: فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط والألف ألف الاثنين ضمير متصل في محل رفع فاعل وأصلحا: معطوفة بواو العطف على «تابا» وتعرب مثلها.
  • ﴿ فَأَعْرِضُوا عَنْهُما:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. أعرضوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «أعرضوا» جواب شرط جازم مقترن بالفاء وفي محل جزم. عنهما: جار ومجرور متعلق بأعرضوا.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسمها منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً:
  • كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. توابا: خبر «كانَ» منصوب بالفتحة. رحيما: صفة للموصوف «تَوَّاباً» ويجوز أن يكون خبرا ثانيا لكان منصوبا بالفتحة وجملة «كانَ تَوَّاباً رَحِيماً» في محل رفع خبر انّ. '

المتشابهات :

النساء: 16﴿فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا
النساء: 64﴿فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     وبعد بيان حكم مرتكبي فاحشةِ الزِّنا؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا الحكمَ فيما إذا أقلع الزانى والزانية عن جريمتهما، فقال تعالى:
﴿ وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا

القراءات :

واللذان:
قرئ:
1- بتخفيف النون، وهى قراءة الجمهور.
2- بتشديد النون، وهى قراءة ابن كثير.
3- بالهمز وتشديد النون وتوجيهها، أنه لما شدد النون التقى ساكنان، ففر من التقائهما إلى إبدال الألف همزة، تشبيها لها بألف فاعل، المدغم عينه فى لامه.

مدارسة الآية : [17] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ ..

التفسير :

[17] إنَّما يقبل الله التوبة من الذين يرتكبون المعاصي والذنوب بجهل منهم لعاقبتها، وإيجابها لسخط الله، وبغفلة منهم أو ضعف يقين -فكل عاص لله، مخطئاً أو متعمِّداً، فهو جاهل بهذا الاعتبار، وإن كان عالماً بالتحريم- ثم يرجعون إلى ربهم بالإنابة والطاعة قبل معاين

توبة الله على عباده نوعان:توفيق منه للتوبة، وقبول لها بعد وجودها من العبد، فأخبر هنا -أن التوبة المستحقة على الله حق أحقه على نفسه، كرما منه وجودا، لمن عمل السوء أي:المعاصي{ بِجَهَالَةٍ} أي:جهالة منه بعاقبتها وإيجابها لسخط الله وعقابه، وجهل منه بنظر الله ومراقبته له، وجهل منه بما تئول إليه من نقص الإيمان أو إعدامه، فكل عاص لله، فهو جاهل بهذا الاعتبار وإن كان عالما بالتحريم. بل العلم بالتحريم شرط لكونها معصية معاقبا عليها{ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} يحتمل أن يكون المعنى:ثم يتوبون قبل معاينة الموت، فإن الله يقبل توبة العبد إذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب قطعا. وأما بعد حضور الموت فلا يُقبل من العاصين توبة ولا من الكفار رجوع، كما قال تعالى عن فرعون:{ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} الآية. وقال تعالى:{ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} وقال هنا:{ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} أي:المعاصي فيما دون الكفر.{ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وذلك أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا تنفع صاحبها، إنما تنفع توبة الاختيار. ويحتمل أن يكون معنى قوله:{ مِنْ قَرِيبٍ} أي:قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة، فيكون المعنى:أن من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب وأناب إلى الله وندم عليه فإن الله يتوب عليه، بخلاف من استمر على ذنوبه وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفاتٍ راسخةً فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة. والغالب أنه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لأسبابها، كالذي يعمل السوء على علم تام ويقين وتهاون بنظر الله إليه، فإنه سد على نفسه باب الرحمة. نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة تامة [التي] يمحو بها ما سلف من سيئاته وما تقدم من جناياته، ولكن الرحمة والتوفيق للأول أقرب، ولهذا ختم الآية الأولى بقوله:{ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} فمِن علمه أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها فيجازي كلا منهما بحسب ما يستحق بحكمته، ومن حكمته أن يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقَه للتوبة، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله عدمَ توفيقه. والله أعلم.

والتوبة: هي الرجوع إلى الله- تعالى- وإلى تعاليم دينه بعد التقصير فيها مع الندم على هذا التقصير والعزم على عدم العودة إليه.

والمراد بها قبولها من العبد. فهي مصدر تاب عليه إذا قبل توبته.

والمراد من الجهالة في قوله «يعملون السوء بجهالة» : الجهل والسفه بارتكاب ما لا يليق بالعاقل، لا عدم العلم، لأن من لا يعلم لا يحتاج إلى التوبة.

قال مجاهد: كل من عصى الله عمدا أو خطأ فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته.

وقال قتادة: اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عصى الله به فهو جهالة عمدا كان أو غيره» .

قال- تعالى- حكاية عن يوسف- عليه السلام-: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ.

وقال حكاية عن موسى- عليه السلام- أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ.

وقال- سبحانه- مخاطبا نوحا- عليه السلام- فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ.

ووجه تسمية العاصي جاهلا- وإن عصى عن علم- أنه لو استعمل ما معه من العلم بالثواب والعقاب لما عصى ربه، فلما لم يستعمل هذا العلم صار كأنه لا علم له، فسمى العاصي جاهلا لذلك، سواء ارتكب المعصية مع العلم بكونها معصية أم لا.

والمعنى: إنما قبول التوبة كائن أو مستقر على الله- تعالى- لعباده الذين يعملون السوء، ويقعون في المعاصي بجهالة أى يعملون السوء جاهلين سفهاء، لأن ارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه والشهوة، لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل.

وصدر- سبحانه- الآية الكريمة بإنما الدالة على الحصر، للإشعار بأن هؤلاء الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب، هم الذين يقبل الله توبتهم، ويقيل عثرتهم.

وعبر- سبحانه- بلفظ على فقال: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ للدلالة على تحقق الثبوت، حتى لكأن قبول التوبة من هؤلاء الذين يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ من الواجبات عليه، لأنه- سبحانه- قد وعد بقبول التوبة وإذا وعد بشيء أنجزه، إذ الخلف ليس من صفاته- تعالى- بل هو محال في حقه- عز وجل-.

ولفظ التَّوْبَةُ مبتدأ. وقوله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ متعلق بمحذوف خبر. وقوله عَلَى اللَّهِ متعلق بمحذوف صفة للتوبة.

أى: إنما التوبة الكائنة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ...

وقوله بِجَهالَةٍ متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل يَعْمَلُونَ أى: يعملون السوء جاهلين سفهاء. أو متعلق بقوله يَعْمَلُونَ فتكون الباء للسببية أى: يعملون السوء بسبب الجهالة.

وقوله ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ أى ثم يتوبون في زمن قريب من وقت عمل السوء، ولا يسترسلون في الشر استرسالا ويستمرئونه ويتعودون عليه بدون مبالاة بارتكابه.

ولا شك أنه متى جدد الإنسان توبته الصادقة في أعقاب ارتكابه للمعصية كان ذلك أرجى لقبولها عند الله- تعالى- وهذا ما يفيده ظاهر الآية. ومنهم من فسر قوله مِنْ قَرِيبٍ بما قبل حضور الموت. وإلى هذا المعنى ذهب صاحب الكشاف فقال: قوله: مِنْ قَرِيبٍ أى: من زمان قريب. والزمان القريب: ما قبل حضرة الموت ألا ترى إلى قوله حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ. فبين أن وقت الاحتضار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة، فبقى ما وراء ذلك في حكم القريب. وعن ابن عباس: قبل أن ينزل به سلطان الموت. وعن الضحاك: كل توبة قبل الموت فهي قريب» وفي الحديث الشريف: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» - أى ما لم تتردد الروح في الحلق .

والذي نراه أن ما ذكره صاحب الكشاف وغيره من أن قوله مِنْ قَرِيبٍ معناه: من قبل حضور الموت، لا يتعارض مع الرأى القائل بأن قوله مِنْ قَرِيبٍ معناه: تم يتوبون في وقت قريب من وقت عمل السوء، لأن ما ذكره صاحب الكشاف وغيره بيان للوقت الذي تجوز التوبة فيه ولا تنفع بعده، أما الرأى الثاني فهو بيان للزمن الذي يكون أرجى قبولا لها عند الله.

والعاقل من الناس هو الذي يبادر بالتوبة الصادقة عقب المعصية بلا تراخ، لأنه لا يدرى متى يفاجئه الموت، ولأن تأخيرها يؤدى إلى قسوة القلب، وضعف النفس، واستسلامها للأهواء والشهوات.

وقوله: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً بيان للوعد الحسن الذي وعد الله به عباده الذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من قريب.

أى: فأولئك المتصفون بما ذكر، يقبل الله توبتهم، ويأخذ بيدهم إلى الهداية والتوفيق، ويطهر نفوسهم من أرجاس الذنوب، وكان الله عليما بأحوال عباده وبما هم عليه من ضعف، حكيما يضع الأمور في مواضعها حسبما تقتضيه مشيئته ورحمته بهم.

وقوله فَأُولئِكَ مبتدأ. وقوله يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ خبره.

وأشار إليهم بلفظ فَأُولئِكَ للإيذان بسمو مرتبتهم، وعلو مكانتهم، وللتنبيه على استحضارهم باعتبار أوصافهم المتقدمة الدالة على خوفهم من خالقهم عز وجل- وقوله وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً جملة معترضة مقررة لمضمون ما قبلها

يقول تعالى : إنما يتقبل الله التوبة ممن عمل السوء بجهالة ، ثم يتوب ولو قبل معاينة الملك [ لقبض ] روحه قبل الغرغرة .

قال مجاهد وغير واحد : كل من عصى الله خطأ أو عمدا فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب .

وقال قتادة عن أبي العالية : أنه كان يحدث : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون : كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة . رواه ابن جرير .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عصي به فهو جهالة ، عمدا كان أو غيره .

وقال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قال : كل عامل بمعصية الله فهو جاهل حين عملها . قال ابن جريج : وقال لي عطاء بن أبي رباح نحوه .

وقال أبو صالح عن ابن عباس : من جهالته عمل السوء .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ( ثم يتوبون من قريب ) قال : ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت ، وقال الضحاك : ما كان دون الموت فهو قريب . وقال قتادة والسدي : ما دام في صحته . وهو مروي عن ابن عباس . وقال الحسن البصري : ( ثم يتوبون من قريب ) ما لم يغرغر . وقال عكرمة : الدنيا كلها قريب .

ذكر الأحاديث في ذلك :

قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عياش وعصام بن خالد ، قالا حدثنا ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن جبير بن نفير عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " .

[ و ] رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، به وقال الترمذي : حسن غريب . ووقع في سنن ابن ماجه : عن عبد الله بن عمرو . وهو وهم ، إنما هو عبد الله بن عمر بن الخطاب .

حديث آخر عن ابن عمر : قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن معمر حدثنا عبد الله بن الحسن الخراساني ، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي حدثنا أيوب بن نهيك الحلبي قال : سمعت عطاء بن أبي رباح قال : سمعت عبد الله بن عمر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من عبد مؤمن يتوب قبل الموت بشهر إلا قبل الله منه ، وأدنى من ذلك ، وقبل موته بيوم وساعة ، يعلم الله منه التوبة والإخلاص إليه إلا قبل منه " .

حديث آخر : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، أخبرنا إبراهيم بن ميمون ، أخبرني رجل من ملحان يقال له : أيوب - قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : من تاب قبل موته بعام تيب عليه ، ومن تاب قبل موته بشهر تيب عليه ، ومن تاب قبل موته بجمعة تيب عليه ، ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليه ، ومن تاب قبل موته بساعة تيب عليه . فقلت له : إنما قال الله : (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ) فقال : إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهكذا رواه أبو داود الطيالسي ، وأبو عمر الحوضي ، وأبو عامر العقدي ، عن شعبة .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا محمد بن مطرف ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن البيلماني قال : اجتمع أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أحدهم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيوم " . فقال الآخر : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قال : وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بنصف يوم " فقال الثالث : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قال : وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بضحو " . قال الرابع : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قال وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله [ تعالى ] يقبل توبة العبد ما لم يغرغر بنفسه " . وقد رواه سعيد بن منصور عن الدراوردي ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن البيلماني فذكر قريبا منه .

حديث آخر : قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد ، حدثنا عمران بن عبد الرحيم ، حدثنا عثمان بن الهيثم ، حدثنا عوف ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر " .

أحاديث في ذلك مرسلة :

قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن قال :

بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " هذا مرسل حسن . عن الحسن البصري ، رحمه الله .

آخر : قال ابن جرير أيضا ، رحمه الله : حدثنا ابن بشار ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن العلاء بن زياد ، عن أبي أيوب بشير بن كعب; أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " .

وحدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، فذكر مثله .

أثر آخر : قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عمران ، عن قتادة قال : كنا عند أنس بن مالك وثم أبو قلابة ، فحدث أبو قلابة فقال : إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة فقال : وعزتك وجلالك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح . فقال الله : وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح .

وقد ورد هذا في حديث مرفوع ، رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو وأبي الهيثم العتواري كلاهما عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال إبليس : وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم . فقال الله عز وجل : وعزتي وجلالي ، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني " .

فقد دلت هذه الأحاديث على أن من تاب إلى الله عز وجل وهو يرجو الحياة ، فإن توبته مقبولة [ منه ] ; ولهذا قال تعالى : ( فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ) فأما متى وقع الإياس من الحياة ، وعاين الملك ، وحشرجت الروح في الحلق ، وضاق بها الصدر ، وبلغت الحلقوم ، وغرغرت النفس صاعدة في الغلاصم - فلا توبة متقبلة حينئذ ، ولات حين مناص

القول في تأويل قوله : إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة "، ما التوبة على الله لأحد من خلقه، إلا للذين يعملون السوء من المؤمنين بجهالة = ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ، يقول: ما الله براجع لأحد من خلقه إلى ما يحبه من العفو عنه والصفح عن ذنوبه التي سلفت منه، إلا للذين يأتون ما يأتونه من ذنوبهم جهالة منهم وهم بربهم مؤمنون، ثم يراجعون طاعة الله ويتوبون منه إلى ما أمرهم الله به من الندم عليه والاستغفار وترك العود إلى مثله من قبل نـزول الموت بهم. &; 8-89 &; وذلك هو " القريب " الذي ذكره الله تعالى ذكره فقال: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ . (30)

* * *

وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. غير أنهم اختلفوا في معنى قوله: " بجهالة ".

فقال بعضهم في ذلك بنحو ما قلنا فيه، وذهب إلى أنّ عمله السوء، هو " الجهالة " التي عناها.

ذكر من قال ذلك:

8832 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية: أنه كان يحدِّث: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة.

8833 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: " للذين يعملون السوء بجهالة "، قال: اجتمع أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عُصيِ به فهو " جهالة "، عمدًا كان أو غيره.

8834 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " للذين يعملون السوء بجهالة "، قال: كل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينـزع عن معصيته.

8835 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة "، قال: كل من عمل بمعصية الله، فذاك منه بجهل حتى يرجع عنه.

8836 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا &; 8-90 &; أسباط، عن السدي: " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة "، ما دام يعصي الله فهو جاهل.

8837 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان، عن أبي النضر، عن أبي صالح، عن ابن عباس: " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة "، قال: من عمل السوء فهو جاهل، من جهالته عمل السوء.

8838 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: من عصى الله فهو جاهل حتى ينـزع عن معصيته = قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: كل عامل بمعصية فهو جاهل حين عمل بها = قال ابن جريج: وقال لي عطاء بن أبي رباح نحوه.

8839 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله: " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب "، قال: " الجهالة "، كل امرئ عمل شيئًا من معاصي الله فهو جاهل أبدًا حتى ينـزع عنها، وقرأ: هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ [سورة يوسف: 89]، وقرأ: وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ [سورة يوسف: 33]. قال: من عصى الله فهو جاهل حتى ينـزع عن معصيته.

* * *

وقال آخرون: معنى قوله: " للذين يعملون السوء بجهالة "، يعملون ذلك على عمد منهم له.

ذكر من قال ذلك:

8840 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن مجاهد: " يعملون السوء بجهالة "، قال: الجهالة: العمد.

&; 8-91 &;

8841 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد مثله.

8842 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة "، قال: الجهالة: العمد.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء في الدنيا.

ذكر من قال ذلك:

8843 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة قوله: " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة "، قال: الدنيا كلها جهالة.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، قولُ من قال: تأويلها: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء، وعملهم السوء هو الجهالة التي جهلوها، عامدين كانوا للإثم، أو جاهلين بما أعدّ الله لأهلها. (31)

وذلك أنه غير موجود في كلام العرب تسمية العامد للشيء: " الجاهل به "، إلا أن يكون معنيًّا به أنه جاهل بقدر منفعته ومضرّته، فيقال: " هو به جاهل "، على معنى جهله بمعنى نفعه وضُرّه. (32) فأما إذا كان عالمًا بقدر مبلغ نفعه وضرّه، قاصدًا إليه، فغيرُ جائز من أجل قصده إليه أن يقال (33) " هو به جاهل "، &; 8-92 &; لأن " الجاهل بالشيء "، هو الذي لا يعلمه ولا يعرفه عند التقدم عليه = أو [الذي] يعلمه، فيشبَّه فاعله، (34) إذ كان خطًأ ما فعله، بالجاهل الذي يأتي الأمر وهو به جاهل، فيخطئ موضع الإصابة منه، فيقال: " إنه لجاهل به "، وإن كان به عالمًا، لإتيانه الأمر الذي لا يأتي مثله إلا أهل الجهل به.

وكذلك معنى قوله: " يعملون السوء بجهالة "، قيل فيهم: " يعملون السوء بجهالة " = وإن أتوه على علم منهم بمبلغ عقاب الله أهله، عامدين إتيانه، مع معرفتهم بأنه عليهم حرام = لأن فعلهم ذلك كان من الأفعال التي لا يأتي مثله إلا من جَهِل عظيمَ عقاب الله عليه أهلَه في عاجل الدنيا وآجل الآخرة، فقيل لمن أتاه وهو به عالم: " أتاه بجهالة "، بمعنى أنه فعل فعل الجهَّال به، لا أنه كان جاهلا.

* * *

وقد زعم بعض أهل العربية أن معناه: أنهم جهلوا كُنْه ما فيه من العقاب، فلم يعلموه كعلم العالم، وإن علموه ذنبًا، فلذلك قيل: " يعملون السوء بجهالة ". (35)

قال أبو جعفر: ولو كان الأمر على ما قال صاحب هذا القول، لوجب أن لا تكون توبة لمن علم كُنْه ما فيه. وذلك أنه جل ثناؤه قال: " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب " دون غيرهم. فالواجب على صاحب هذا القول أن لا يكون للعالم الذي عمل سوءًا على علم منه بكنه ما فيه، ثم تاب من قريب = (36) توبة، وذلك خلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أن كل تائب عسى الله أن يتوب عليه = وقوله: " باب التوبة مفتوح ما لم تطلع الشمس &; 8-93 &; من مغربها " = (37) وخلاف قول الله عز وجل: إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا [سورة الفرقان: 70].

* * *

القول في تأويل قوله : ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى: " القريب " في هذا الموضع.

فقال بعضهم: معنى ذلك: ثم يتوبون في صحتهم قبل مرضهم وقبل موتهم.

ذكر من قال ذلك:

8844 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ثم يتوبون من قريب "، والقريب قبلَ الموت ما دام في صحته.

8845 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبي النضر، عن أبي صالح، عن ابن عباس: " ثم يتوبون من قريب "، قال: في الحياة والصحة.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم يتوبون من قبل معاينة مَلَك الموت.

&; 8-94 &;

ذكر من قال ذلك.

8846 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " ثم يتوبون من قريب "، والقريب فيما بينه وبين أن ينظر إلى مَلَك الموت.

8847 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت عمران بن حدير قال، قال أبو مجلز: لا يزال الرجل في توبة حتى يُعاين الملائكة.

8848 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قال: القريب، ما لم تنـزل به آية من آيات الله تعالى، وينـزلْ به الموت. (38)

4849 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب "، وله التوبة ما بينه وبين أن يعاين ملَك الموت، فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت، فليس له ذاك.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم يتوبون من قبل الموت.

ذكر من قال ذلك:

8850 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن رجل، عن الضحاك،" ثم يتوبون من قريب "، قال: كل شيء قبل الموت فهو قريب.

8851 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: " ثم يتوبون من قريب "، قال: الدنيا كلها قريب.

8852 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ثم يتوبون من قريب "، قبل الموت.

8853 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي قلابة قال: ذُكر لنا أن إبليس لما لُعن وأُنظر، قال: وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح. فقال تبارك وتعالى: وعزتي لا أمنعه التَّوبة ما دام فيه الروح.

8854 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا عمران، عن قتادة قال: كنا عند أنس بن مالك وثَمَّ أبو قلابة، فحدث أبو قلابة قال: إن الله تبارك وتعالى لما لعن إبليس سأله النَّظِرة، فقال: وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم! فقال الله تبارك وتعالى: وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح.

8855 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة قال: إن الله تبارك وتعالى لما لعن إبليس سأله النَّظِرة، فأنظره إلى يوم الدين، فقال: وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح! قال: وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح.

8856 - حدثني ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عوف، عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن إبليس لما رأى آدم أجْوفَ قال: وعزتك لا أخرج من جوفه ما دام فيه الروح! فقال الله تبارك وتعالى: وعزتي لا أحُول بينه وبين التوبة ما دام فيه الروح. (39)

8857 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي، عن قتادة، عن العلاء بن زياد، عن أبي أيوب بُشَيْر بن كعب: أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغَرْغر ". (40)

8858 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فذكر مثله. (41) .

8859 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يُغَرْغِرْ. (42)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: تأويله: ثم يتوبون قبل مماتهم، في الحال التي يفهمون فيها أمر الله تبارك وتعالى ونهيَه، وقبل أن يُغلبوا على أنفسهم وعقولهم، وقبل حال اشتغالهم بكرب الحَشْرجة وغمّ الغرغرة، فلا يعرفوا أمر الله ونهيه، ولا يعقلوا التوبة، لأن التوبة لا تكون توبة إلا ممن ندمٍ &; 8-97 &; على ما سلف منه، وعزمٍ منه على ترك المعاودة، (43) وهو يعقل الندم، ويختار ترك المعاودة: فأما إذا كان بكرب الموت مشغولا وبغمّ الحشرجة مغمورًا، فلا إخالُه إلا عن الندم على ذنوبه مغلوبًا. ولذلك قال من قال: " إن التوية مقبولة، ما لم يغرغر العبد بنفسه "، (44) فإن كان المرء في تلك الحال يعقل عقلَ الصحيح، ويفهم فهم العاقل الأريب، فأحدث إنابة من ذنوبه، ورجعةً من شروده عن رَبه إلى طاعته، كان إن شاء الله ممن دخل في وعد الله الذي وعد التائبين إليه من إجرامهم من قريب بقوله: " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ".

* * *

القول في تأويل قوله : فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (45) " فأولئك "، فهؤلاء الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب =" يتوب الله عليهم "، دون من لم يتب حتى غُلب على عقله، وغمرته حشرجة ميتته، فقال وهو لا يفقه ما يقول: " إني تبت الآن "، خداعًا لربه، ونفاقًا في دينه.

* * *

ومعنى قوله: " يتوب الله عليهم "، يرزقهم إنابة إلى طاعته، ويتقبل منهم أوبتهم إليه وتوبتهم التي أحدثوها من ذنوبهم. (46)

* * *

وأما قوله: " وكان الله عليما حكيما "، فإنه يعني: ولم يزل الله جل ثناؤه (47) = " عليما " بالناس من عباده المنيبين إليه بالطاعة، بعد إدبارهم عنه، المقبلين إليه بعد التولية، وبغير ذلك من أمور خلقه =" حكيمًا "، (48) في توبته على من تاب منهم من معصيته، وفي غير ذلك من تدبيره وتقديره، ولا يدخل أفعاله خلل، ولا يُخالطه خطأ ولا زلل. (49)

----------------------

الهوامش :

(30) انظر تفسير"القريب" فيما يلي ص: 93.

(31) انظر فيما سلف 2: 183 ، تفسيره"الجاهلون" أنهم: السفهاء.

(32) لعل الصواب"بمبلغ نفعه وضره" ، وحرفه الناسخ.

(33) كان في المطبوعة والمخطوطة: "فغير جائز من غير قصده إليه أن يقال: هو به جاهل" وهو بلا شك كلام لا يستقيم مع الذي قبله ولا الذي بعده ، وسهو الناسخ هنا شيء لا ريب فيه أيضًا ، فظني أنه سبق قلمه بأن كتب"من غير" مكان"من أجل" كما أثبتها ، أو تكون كانت"من جراء قصده إليه" فلم يحسن قراءة"من جرا" فكتب"من غير" ، وهو تصحيف قريب جدًا ، مر عليك أشد منه.

(34) في المخطوطة"أو الذي يعمله فيشبه فاعله" وهو خطأ ، صححه ناشر المطبوعة الأولى"يعلمه" ، وزدت"الذي بين القوسين لكي يستوي جانبا الكلام".

(35) قائل هذا هو الفراء في معاني القرآن 1: 259.

(36) قوله: "توبة" اسم"يكون" في قوله: "أن لا يكون للعالم...".

(37) هذان الخبران رواهما أبو جعفر بغير إسناد ، وكأنه ذكر معناهما دون لفظهما ، وكأن الأول: "كُلّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أن يَغْفره ، إلا من مات مشركًا أوْ قتلَ مؤمنًا مُتَعمّدًا" خرجه السيوطي في الجامع الصغير ، لأبي داود ، من حديث أبي الدرداء ، وإلى أحمد والنسائي والحاكم في المستدرك ، من حديث معاوية.

أما الثاني ، فكأنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ عزّ وجَلَّ يبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ ليتوبَ مُسِيءُ النهار ، ويَبْسُط يده بالنهار ليتُوبَ مسيءُ الليل ، حتى تطلُعَ الشَّمْسُ من مغربها" ، أخرجه مسلم 17: 76 من حديث أبي موسى.

(38) الأثر: 8848 -"محمد بن قيس المدني" ، قاضي عمر بن عبد العزيز ، قال ابن سعد: "كان كثير الحديث عالمًا" ، ذكره ابن حبان في الثقات. له حديث واحد في مسلم ، عن أبي صرمة ، عن أبي هريرة. وهو الذي يروي عنه أبو معشر. مترجم في التهذيب.

(39) الأحاديث: 8853 - 8856 - هذه أحاديث مرسلة ، أشار إليها ابن كثير في تفسيره 2: 380 ، ثم قال: "وقد ورد في هذا حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده ، من طريق عمرو بن أبي عمرو ، وأبي الهيثم العتواري ، كلاهما عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال إبليس: يا ربّ ، وعزّتك وجَلالكَ لا أَزال أُغويهم مَا دامت أَرواحُهُم في أَجسادِهم!

فقال الله عز وجلّ: وعزّتي وجَلالي لا أزَال أغفِر لهم ما استغفروا لي"

(40) الأثر: 8857 -"بشير بن كعب بن أبي الحميري ، أبو أيوب العدوي". ثقة معروف ، روى عن أبي الدرداء ، وأبي ذر ، وأبي هريرة. و"بشير" مصغر.

وهذا حديث آخر مرسل ، رواه الإمام أحمد في مسنده 6610 ، 6408 مرفوعًا من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب. من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن جبير بن نفير ، عن ابن عمر ، وهو حديث صحيح. ورواه الترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي: "حسن غريب". وانظر تخريجه من شرح المسند لأخي السيد أحمد.

و"الغرغرة": أن يجعل الشراب في فمه ويردده إلى أقصى الحلق ، ثم لا يبلعه. شبهوا تردد الروح قبل خروجها بمنزلة ما يتغرغر به المريض. وهذه صفة عجيبة بلفظ واحد ، لحالة من شهدها شهد للعرب أنهم أهل بيان ، وأن لغتهم أدنى اللغات في تصويرها للدقيق المشكل بكلمة واحدة.

(41) الأثر: 8858 - هذا حديث منقطع ، فإن عبادة بن الصامت مات سنة 34. وولد قتادة سنة 61 ، وانظر التعليق على الأثر السالف.

(42) الأثر: 8859 - انظر التعليق على الأثر: 8857.

(43) في المطبوعة: "إلا ممن ندم على ما سلف منه ، وعزم فيه على ترك المعاودة" ، تصرف فيما كان في المخطوطة ، لما رأى من تحريفها ، وكان فيها: "إلا من ندم على ما سلف منه ، وعرف فيه على ترك المعاودة" ، والجملة الأولى مستقيمة ، وقد أثبتها ، والثانية تصحيف صواب قراءته ما أثبت.

(44) قوله: "ولذلك قال من قال" ، دال على أن أبا جعفر. حين روى الأحاديث الثلاثة المرسلة: 8857 -8859 ، لم يكن عنده ما صح من رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(45) في المخطوطة والمطبوعة"يعني بذلك جل ثناؤه" ، والسياق يقتضي ما أثبت.

(46) انظر تفسير"التوبة" و"تاب" فيما سلف من فهارس اللغة.

(47) انظر معنى"كان" فيما سلف قريبًا: 88 تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(48) كان في المخطوطة والمطبوعة: "حكيم" ، ورددتها إلى نص الآية والسياق.

(49) في المطبوعة والمخطوطة: "لا يخلطه" ، وإنما يقال: "خلط الشيء بالشيء" ، وليس هذا مكانها ، بل الصواب ما أثبت.

وانظر تفسير"عليم" و"حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة.

المعاني :

بِجَهَالَةٍ :       بِسَفَهٍ، وَكُلُّ مَنْ عَصَى اللهَ فَهُوَ جَاهِلٌ السراج
بِجهالةٍ :       بِسفهٍ، و كلّ من عصى جاهلٌ معاني القرآن
مِن قَرِيبٍ :       قَبْلَ مُعَايَنَةِ المَوْتِ السراج

التدبر :

لمسة
[17] ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ﴾ تأمل رحمة الله في قوله (على)، فجعل التوبة حقًّا أحقه على نفسه سبحانه، فما من تائب إلا وجعل الله على نفسه حقًا أن يقبل توبته.
وقفة
[17] ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ إقدامك على المعصية ليس جهلًا بحرمتها، وإنما جهل بعظمة من عصيت!
وقفة
[17] ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ كل من عصى الله تعالى بعمد أو بغير عمد فهو جاهل بقدر من عصاه جل وعلا، وجاهل بآثار المعاصي وشؤمها عليه.
وقفة
[17] ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ قال قتادة: «أجمع أصحاب رسول الله على أن كل ما عصي به الله فهو جهالة عمدًا كان أو لم يكن».
وقفة
[17] ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ أي: جهالة منه بعاقبتها، وإيجابها لسخط الله وعقابه, وجهل منه بنظر الله ومراقبته له, وجهل منه بما تؤول إليه من نقص الإيمان، أو إعدامه؛ فكل عاص لله فهو جاهل بهذا الاعتبار وإن كان عالماً بالتحريم.
وقفة
[17] ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ كلُّ من يعمل السوء لا بد أن يكون جاهلًا: فإما أن يجهل ما فيه من القبح والضرر، وإما أن يجهل سوء عاقبته وقبح تأثيره في نفسه، وما يترتب على ذلك من سخط ربه وعقابه؛ ذهابًا مع الأماني واغترارًا بتأول النصوص.
وقفة
[17] ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ أي إنما قبولُها عليه لا وجوبُها، إذْ وجوبُها إنما هو على العبد، وتوبةُ الله رجوعُه على العبد بالمغفرة والرحمة.
وقفة
[17] وقت التوبة: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾، قال ابن عباس: «قبل المرض والموت»، علَّق ابن رجب: «هذه إشارة إلى أن أفضل أوقات التوبة، هو أن يبادر الإنسان بها حال صحته قبل نزول المرض به؛ حتى يتمكن حينئذٍ من العمل الصالح».
عمل
[17] استغفر الله، وتب إليه سبعين مرة، متذكرًا آخر ذنوبك وأخطائك ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾.
وقفة
[17] ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾ فيه بيان الوقت الذي تقبل فيه التوبة.
وقفة
[17] ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾ قال أبو العالية: «سألت أصحاب النبي ﷺ عن الآية، فقالوا: كل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب».
وقفة
[17] ليس الخوف من ارتكاب الذنوب، وإنما الخوف من عدم المسارعة الى التوبة ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَـٰئِكَ يَتُوبُ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ﴾.
وقفة
[17] التوبة أكثر ما يكون نفعها عندما تحصل بعد الذنب مباشرة ﴿يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾.
تفاعل
[17] ﴿فَأُولَـٰئِكَ يَتُوبُ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ﴾ ادعُ الله الآن أن يتوب عليك.
وقفة
[17] لُطْف الله ورحمته بعباده حيث فتح باب التوبة لكل مذنب، ويسَّر له أسبابها، وأعانه على سلوك سبيلها ﴿فَأُولَـٰئِكَ يَتُوبُ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ:
  • إنما: كافة ومكفوفة. التوبة: مبتدأ مرفوع بالضمة. على الله: جار ومجرور متعلق بالتوبة.
  • ﴿ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ:
  • اللام: حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام وشبه الجملة من الجار والمجرور في محل رفع خبر المبتدأ. يعملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَعْمَلُونَ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ السُّوءَ بِجَهالَةٍ:
  • السوء: مفعول به منصوب بالفتحة. بجهالة: جار ومجرور في محل نصب حال بتقدير جاهلين.
  • ﴿ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ:
  • عاطفة والجملة: معطوفة بواو العطف على «يَعْمَلُونَ» وتعرب مثلها. من قريب: جار ومجرور متعلق بيتوبون ومن للتبعيض أي يتوبون بعض زمان قريب.
  • ﴿ فَأُولئِكَ:
  • الفاء: تعليلية. أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ اللام للبعد والكاف للخطاب.
  • ﴿ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ:
  • الجملة في محل رفع خبر المبتدأ. يتوب: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. عليهم: جار ومجرور متعلق بيتوب و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى.
  • ﴿ وَكانَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. والجملة وما بعدها: استئنافية. لا محل لها. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: اسمها مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ عَلِيماً حَكِيماً:
  • خبران لكان منصوبان بالفتحة ويجوز أن تكون «حَكِيماً» نعتا لعليما. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل أنَّ مرتكبي الفاحشةِ إن تابا زالَ الأذى عنهما؛ ذكرَ هنا شرط التوبةِ المقبولة، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [18] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ..

التفسير :

[18] وليس قَبول التوبة للذين يُصِرُّون على ارتكاب المعاصي، ولا يرجعون إلى ربهم إلى أن تأتيهم سكرات الموت، فيقول أحدهم:إني تبت الآن، كما لا تُقبل توبة الذين يموتون وهم جاحدون، منكرون لوحدانية الله ورسالة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-. أولئك المصرُّون عل

{ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} أي:المعاصي فيما دون الكفر.{ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وذلك أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا تنفع صاحبها، إنما تنفع توبة الاختيار. ويحتمل أن يكون معنى قوله:{ مِنْ قَرِيبٍ} أي:قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة، فيكون المعنى:أن من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب وأناب إلى الله وندم عليه فإن الله يتوب عليه، بخلاف من استمر على ذنوبه وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفاتٍ راسخةً فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة. والغالب أنه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لأسبابها، كالذي يعمل السوء على علم تام ويقين وتهاون بنظر الله إليه، فإنه سد على نفسه باب الرحمة. نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة تامة [التي] يمحو بها ما سلف من سيئاته وما تقدم من جناياته، ولكن الرحمة والتوفيق للأول أقرب، ولهذا ختم الآية الأولى بقوله:{ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} فمِن علمه أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها فيجازي كلا منهما بحسب ما يستحق بحكمته، ومن حكمته أن يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقَه للتوبة، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله عدمَ توفيقه. والله أعلم.

ثم بين - سبحانه - من لا تقبل توبتهم بعد بيانه لمن تقبل توبتهم فقال : ( وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) .

أى : وليست التوبة مقبولة عند الله بالنسبة للذين يعملون السيئات ، ويقترفون المعاصى ، ويستمرون على ذلك ( حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت ) .

بأن شاهد الأحوال التى لا يمكن معها الرجوع إلى الدنيا ، وانقطع منه حبل الرجاء فى الحياة ( قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن ) أى قال فى هذا الوقت الذى الفائدة من التوبة فيه : إنى تبت الآن .

وقوله : ( وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) أى وليست التوبة مقبولة أيضا من الذين يموتون وهم على غير دين الإِسلام .

فالآية الكريمة قد نفت قبول التوبة من فريقين من الناس .

أولهما : الذين يرتكبون السيئات صغيرها وكبيرها ، ويستمرون على ذلك بدون توبة أو ندم حتى إذا حضرهم الموت ، ورأوا أهواله ، قال قائلهم : إنى تبت الآن وقد كرر القرآن هذا المعنى فى كثير من آياته ، ومن ذلك قوله - تعالى - : ( فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ) وقوله - تعالى - حكاية عن فرعون ( حتى إِذَآ أَدْرَكَهُ الغرق قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ المسلمين آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ المفسدين فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) وعدم قبول توبة هؤلاء فى هذا الوقت سببه أنهم نطقوا بها فى حالة الاضطرار لا فى حالة الاختيار ، ولأنهم نطقوا بها فى غير وقت التكليف .

وثانيهما : الذين يموتون وهم على غير دين الإِسلام ، فقد أخرج الامام أحمد عن أبى ذر الغفارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن يقبل توبة عبده ما لم يقع الحجاب . قيل : وما الحجاب؟ قال أن تموت النفس وهى مشركة " .

وكثير من العلماء يرى أن المراد بالفريق الثانى : الكفار ، لأن العطف يقتضى المغيرة .

ومنهم من يرى أن الفريق الأول شامل للكفار ولعصاة المؤمنين فيكون عطف قوله ( وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) من باب عطف الخاص على العام لإفادة التأكيد .

و ( حتى ) فى قوله ( حتى إِذَا حَضَرَ ) حرف ابتداء . . والجملة الشرطية بعدها غاية لما قبلها . أي ليست التوبة لقوم يعملون السيئات ويستمرون على ذلك فإذا حضر أحدهم الموت قال كيت وكيت .

وقوله ( وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) معطوف على الموصول قبله . أى ليس قبول التوبة هؤلاء الذين يعملون السيئات . . . ولا لهؤلاء الذين يموتون وهم كفار .

ثم بين - سبحانه - سوء عاقبتهم فقال - تعالى - : ( أولئك أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ) أى أولئك الذين تابوا فى غير وقت قبول التوبة هيأنا لهم عذابا مؤلما موجعا بسبب ارتكاسهم فى المعاصى؛ وابتعادهم عن الصراط المستقيم الذى يرضاه - سبحانه - لعباده .

ثم وجه القرآن نداء عاما إلى المؤمنين نهاهم فيه عما كان شائعا في الجاهلية من ظلم للنساء وإهدار لكرامتهن، وأمرهم بحسن معاشرتهن، وبعدم أخذ شيء من حقوقهن فقال- تعالى: -

ولهذا قال [ تعالى ] ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ) وهذا كما قال تعالى : ( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده [ وكفرنا بما كنا به مشركين . فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ] ) الآيتين ، [ غافر : 84 ، 85 ] وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها كما قال [ تعالى ] ( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) الآية [ الأنعام : 158 ] .

وقوله : ( ولا الذين يموتون وهم كفار ) [ الآية ] يعني : أن الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه ولا توبته ، ولا يقبل منه فدية ولو بملء الأرض [ ذهبا ] .

قال ابن عباس ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس : ( ولا الذين يموتون وهم كفار ) قالوا : نزلت في أهل الشرك .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، قال : حدثني أبي ، عن مكحول : أن عمر بن نعيم حدثه عن أسامة بن سلمان : أن أبا ذر حدثهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يقبل توبة عبده - أو يغفر لعبده - ما لم يقع الحجاب " . قيل : وما وقوع الحجاب ؟ قال : " أن تخرج النفس وهي مشركة " ; ولهذا قال [ تعالى ] ( أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ) أي : موجعا شديدا مقيما .

القول في تأويل قوله: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وليست التوبة للذين يعملون السيئات من أهل الإصرار على معاصي الله =" حتى إذا حضر أحدهم الموت "، يقول: إذا حشرج أحدهم بنفسه، وعاين ملائكة ربه قد أقبلوا إليه لقبض روحه، قال = وقد غُلب على نفسه، وحيل بينه وبين فهمه، بشغله بكرب حشرجته وغرغرته = &; 8-99 &; " إني تبت الآن "، يقول: فليس لهذا عند الله تبارك وتعالى توبة، لأنه قال ما قال في غير حال توبة، كما:-

8860 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن يَعْلَى بن نعمان قال، أخبرني من سمع ابن عمر يقول: التوبة مبسوطة ما لم يَسُقْ، ثم قرأ ابن عمر: " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموتُ قال إنّي تبت الآن "، ثم قال: وهل الحضور إلا السَّوق. (50)

8861 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن " قال: إذا تبيَّن الموتُ فيه لم يقبل الله له توبة.

8863 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبي النضر، عن أبي صالح، عن ابن عباس: " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن "، فليس لهذا عند الله توبة.

8863 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت إبراهيم بن ميمون يحدِّث، عن رجل من بني الحارث قال، حدثنا رجل منا، عن عبد الله بن عمرو أنه قال: من تاب قبل موته بعام تِيبَ عليه، حتى ذكر شهرًا، حتى ذكر ساعة، حتى ذكر فُواقًا. قال: فقال رجل: كيف يكون هذا والله تعالى يقول: " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى &; 8-100 &; إذا حضر أحدهم الموت قال إنَّي تبت الآن "؟ فقال عبد الله: أنا أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. (51)

8864 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم قال: كان يقال: التوبة، مبسوطة ما لم يُؤخذ بكَظَمِه. (52)

* * *

واختلف أهل التأويل فيمن عُني بقوله: " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن "

فقال بعضهم: عُني به أهل النفاق.

ذكر من قال ذلك:

8865 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ، قال: نـزلت الأولى في المؤمنين، ونـزلت الوسطى في المنافقين = يعني: " وليست التوبة للذين يعملون السيئات "، والأخرى في الكفار يعني: وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ .

* * *

وقال آخرون: بل عُني بذلك أهل الإسلام.

ذكر من قال ذلك:

8866 - حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، قال: بلغنا في هذه الآية: " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن " قال: هم المسلمون، ألا ترى أنه قال: وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ؟

* * *

وقال آخرون: بل هذه الآية كانت نـزلت في أهل الإيمان، غير أنها نسخت.

ذكر من قال ذلك:

8867 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار " فأنـزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [سورة النساء: 48 ، 116]، فحرّم الله تعالى المغفرة على من مات وهو كافر، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته، فلم يؤيسهم من المغفرة. (53)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، ما ذكره الثوري أنه بلغه أنه في الإسلام. (54) وذلك أن المنافقين كفار، فلو كان معنيًّا به أهل النفاق لم يكن لقوله: وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ معنًى مفهوم، إذْ كانوا والذين قبلهم في معنى واحد: من أن جميعهم كفار. ولا وجه لتفريق أحكامهم، والمعنى الذي من أجله بطل أن تكون [لهم] توبة، (55) واحدٌ. وفي تفرقة الله جل ثناؤه بين أسمائهم وصفاتهم، بأن سمَّى أحد الصنفين كافرًا، ووصف الصنف الآخر بأنهم أهل سيئات، ولم يسمهم كفارًا = ما دل على افتراق معانيهم. وفي صحة كون ذلك كذلك، صحةُ ما قلنا وفسادُ ما خالفه.

* * *

القول في تأويل قوله : وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولا التوبة للذين يموتون وهم كفار = فموضع " الذين " خفض، لأنه معطوف على قوله: لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ . (56)

وقوله: " أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليما "، يقول: هؤلاء الذين يموتون وهم كفار =" أعتدنا لهم عذابًا أليما "، لأنهم من التوبة أبعد، لموتهم على الكفر. (57) كما:-

8868 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبي النضر، عن أبي صالح، عن ابن عباس: " ولا الذين يموتون وهم كفار "، أولئك أبعدُ من التوبة.

* * *

واختلف أهل العربية في معنى: " أعتدنا لهم ".

فقال بعض البصريين: معنى " أعتدنا "،" أفعلنا " من " العَتَاد ". قال: ومعناها: أعددنا. (58)

* * *

وقال بعض الكوفيين: " أعددنا " و " أعتدنا "، معناهما واحد.

* * *

فمعنى قوله: " أعتدنا لهم "، أعددنا لهم =" عذابًا أليما "، يقول: مؤلمًا موجعًا. (59)

------------------

الهوامش :

(50) الأثر: 8860 -"يعلى بن نعمان" كوفي ثقة. مترجم في الكبير 4 / 2 / 418 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 304 ، وتعجيل المنفعة: 457 ، روى عن عكرمة ، وبلال بن أبي الدرداء. روى عنه العلاء بن المسيب ، والثوري ، والزهري.

وهذا الأثر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 131 ونسبه أيضًا لعبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي.

و"ساق الميت يسوق" و"ساق بنفسه" ، و"ساق نفسه" ، "سوقًا وسياقًا وسووقًا" ، و"حضرت فلانًا في السوق ، وفي السياق الموت": وذلك النزع عند إقبال الموت.

(51) الأثر: 8863 - أخرجه الإمام أحمد في مسنده رقم: 6920 ، وأبو داود الطيالسي: 301 ، قال أخي السيد أحمد في شرح المسند: "إسناده ضعيف ، لإبهام الرجل من بني الحارث ، راويه عن التابعي" ، وقد استوفى الكلام في تخريجه هناك.

وقوله: "حتى ذكر فواقًا" ، أي: فواق ناقة. وهذا مما يريدون به الزمن القليل القصير ، وأصل"الفواق" (بضم الفاء وفتح الواو) هو الوقت بين الحلبتين ، إذا فتحت يدك وقبضتها ثم أرسلتها عند الحلب.

(52) "الكظم" (بفتحتين) وجمعه"كظام" (بكسر الكاف) و"أكظام" ، وهو مخرج النفس عند الحلق. يريد: عند خروج نفسه ، وانقطاع نفسه. ومنه قليل: "كظم غيظه" ، أي رده وحبسه ، و"رجل كظوم" ، شديد الكتمان لما يعتلج في نفسه.

وكان في المخطوطة: "ما أخذ بكظمه" وهو خطأ من الناسخ ، وقد رواه ابن الأثير ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 131 ، ونسبه لابن جرير وابن المنذر ، باللفظ الذي أثبته ناشر المطبوعة الأولى ، وهو الصواب المحض إن شاء الله.

(53) الأثر: 8867 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 131 ، ونسبه أيضًا لأبي داود في ناسخه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.

(54) يعني الأثر رقم: 8866 ، فيما سلف.

(55) في المخطوطة بعد قوله: "معنى مفهوم" ما نصه: "لأنهم إن كانوا الذين قبلهم في معنى واحد ، من أن جميعهم كفار. ولا وجه لتفريق أحكامهم والمعنى الذي من أجله بطل أن تكون توبة واحد" ، وهي عبارة مضطربة أشد الاضطراب ، إلا أن الناسخ ضرب بقلم خفيف على لام"لأنهم" ، فتبين لي أن الذي بعدها"إذ كانوا الذين قبلهم" ، وسقطت الواو من الناسخ الساهي عن كتابته. وسها أيضًا فأسقط"لهم" التي وضعتها بين القوسين. فاستقام الكلام كالذي كتبت.

أما ناشر المطبوعة الأولى فقد أساء غاية الإساءة ، فجعل الجملة هكذا: "لأنهم إن كانوا هم والذين قبلهم في معنى واحد: من أن جميعهم كفار. فلا وجه لتفريق أحد منهم في المعنى الذي من أجله بطل أن تكون توبة واحد مقبولة" فلم ينتبه لما ضرب عليه الناسخ في"لأنهم" وزاد في"كانوا الذين قبلهم" فجعلها"كانوا هم والذين قبلهم". ثم جعل"ولا جه" ، "فلا وجه" وجعل"أحكامهم" ، "أحد منهم" ثم جعل"والمعنى""في المعنى" وزاد"مقبولة" من عنده في آخر الكلام ، فأفسد الكلام إفسادًا آخر. ورحم الله أبا جعفر ، وغفر لناسخ كتابه ، والحمد لله الذي هدى إلى الصواب.

(56) انظر معاني القرآن للفراء 1: 259.

(57) وهذا أيضًا عبث آخر من ناشر المطبوعة الأولى ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لأنها غير منقوطة فقلب هذه الجملة قلبًا أهدر معناها ، واستأصل المعنى الذي أراده أبو جعفر ، فكتب: "لأنهم أبعدهم من التوبة كونهم على الكفر" ظن"لمونهم" كما كتبها الناسخ ، "كونهم" ، فعبث بالكلام عبثًا لا يرتضيه أحد من أهل العلم. وانظر نص الكلام في الأثر الذي يليه.

(58) هذا البصري ، هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 120.

(59) انظر تفسير"أليم" ، فيما سلف من فهارس اللغة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[18] التوبة المرفوضة هي التي تكون حين يشرف الإنسان على الموت، ويدرك أنه صار قريبًا منه، كأن الموت لم يقع بعد، بدليل أنه استطاع أن يتكلم، فهو لم يمت بعد، وعلى هذا نقول أن كلمة (حضر) عندما تأتي مع الموت فيها معنى القرب والمشاهدة، وكأنه فيها نوع من التجسيد للموت، كأن الموت حيٌّ يحضر مع من يحضر حوله من أهل الذي ينازع فيشهد هذا الموت.
عمل
[18] تأمل من مات على غفلة أو معصية؛ فقد يكون ذلك تذكير لك من ربك، ثم بادر بالتوبة، وإصلاح حياتك ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾.
وقفة
[18] من هذا الذي لا تقبل توبته؟ ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾.
لمسة
[18] ما الفرق البياني بين: ﴿حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ و(جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ)؟ الحضور في اللغة يعني الوجود وليس معناه بالضرورة المجيء إلى الشيء، أما المجيء فهو الإنتقال من مكان إلى مكان، فالحضور إذن غير المجيء، وحضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في آية سورة البقرة (133): ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾، ووصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد، وكأن الموت هو من جملة الشهود، فالقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه، أو أحوال الناس فيه، ولكن الكلام هو في الأحكام والوصايا، ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، أما مجيء الموت في القرآن فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه، أو أحوال الشخص الذي يموت.
تفاعل
[18] ﴿أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ استعذ بالله من عذابه الآن.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ:
  • الواو: عاطفة. ليست: فعل ماض ناقص مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة حركت بالكسر لالتقاء الساكنين. التوبة: اسم «ليس» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ لِلَّذِينَ:
  • اللام: حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام والجار والمجرور في محل نصب خبر ليس.
  • ﴿ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل ف محل رفع فاعل. السيئات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم والجملة صلة الموصول.
  • ﴿ حَتَّى إِذا:
  • حتى: ابتدائية لورودها قبل «إِذا». إذا: ظرف زمان مبني على السكون اداة شرط غير جازمة.
  • ﴿ حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ:
  • حضر: فعل ماض مبني على الفتح. أحدهم: مفعول به مقدم و «هم» ضمير الغائبين في محل جر مضاف اليه. الموت: فاعل مرفوع بالضمة والجملة في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ قالَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «قالَ» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ:
  • الجملة في محل نصب مفعول به- مقول القول- إنّي: إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل وياء المتكلم ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» تبت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلم والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل وجملة «تُبْتُ الْآنَ» في محل رفع خبر «إن» الآن: اسم مبني على الفتح متعلق بتبت في محل نصب على الظرفية الزمانية.
  • ﴿ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ:
  • الجملة معطوفة بواو العطف على جملة «الذين يعلمون» وتعرب مثلها و «لَا» زائدة لتأكيد معنى النفي.
  • ﴿ وَهُمْ كُفَّارٌ:
  • الواو: حالية. هم: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. كفار: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة والجملة الاسمية «هُمْ كُفَّارٌ» في محل نصب حال.
  • ﴿ أُولئِكَ أَعْتَدْنا:
  • أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ اللام للبعد والكاف: حرف خطاب اعتدنا: أي أعددنا. فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الواحد المطاع و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «أَعْتَدْنا وما بعدها» في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً:
  • اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بأعتدنا. عذابا: مفعول به منصوب بالفتحة. أليما: صفة- نعت- للموصوف «عَذاباً» منصوبة مثله. '

المتشابهات :

النساء: 18﴿حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
الإسراء: 10﴿وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     وبعد ذكر التوبة المقبولة؛ جاء هنا ذكر التوبة غير المقبولة، قال تعالى:
﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [19] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ ..

التفسير :

[19] يا أيها الذين آمنوا لا يجوز لكم أن تجعلوا نساء آبائكم من جملة تَرِكتهم، تتصرفون فيهن بالزواج منهن، أو المنع لهن، أو تزويجهن للآخرين، وهن كارهات لذلك كله، ولا يجوز لكم أن تضارُّوا أزواجكم وأنتم كارهون لهن؛ ليتنازلن عن بعض ما آتيتموهن مِن مهر ونحوه، إل

كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته، رأى قريبُه كأخيه وابن عمه ونحوهما أنه أحق بزوجته من كل أحد، وحماها عن غيره، أحبت أو كرهت. فإن أحبها تزوجها على صداق يحبه دونها، وإن لم يرضها عضلها فلا يزوجها إلا من يختاره هو، وربما امتنع من تزويجها حتى تبذل له شيئًا من ميراث قريبه أو من صداقها، وكان الرجل أيضا يعضل زوجته التي [يكون] يكرهها ليذهب ببعض ما آتاها، فنهى الله المؤمنين عن جميع هذه الأحوال إلا حالتين:إذا رضيت واختارت نكاح قريب زوجها الأول، كما هو مفهوم قوله:{ كَرْهًا} وإذا أتين بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش وأذيتها لزوجها فإنه في هذه الحال يجوز له أن يعضلها، عقوبة لها على فعلها لتفتدي منه إذا كان عضلا بالعدل. ثم قال:{ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال.{ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} أي:ينبغي لكم -أيها الأزواج- أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا. من ذلك امتثال أمر الله، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة. ومنها أن إجباره نفسَه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة. وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك. وربما رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا والآخرة. وهذا كله مع الإمكان في الإمساك وعدم المحذور. فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم.

قال القرطبي عند تفسيره للآية الأولى: اختلفت الروايات وأقوال المفسرين في سبب نزولها فروى البخاري عن ابن عباس قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً.

وقال الزهري وأبو مجلز: كان من عادتهم إذا مات الرجل يلقى ابنه من غيرها أو أقرب عصبة ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت. وإن شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا، وإن شاء عضلها لتفتدى منه بما ورثته من الميت أو تموت فيرثها. فأنزل الله هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً. الآية.

وقيل: كان يكون عند الرجل عجوز ونفسه تتوق إلى الشابة فيكره فراق العجوز لما لها فيمسكها ولا يقربها حتى تفتدى منه بمالها أو تموت فيرث مالها فنزلت هذه الآية.

ثم قال القرطبي: والمقصود من الآية إذهاب ما كانوا عليه في جاهليتهم، وألا تجعل النساء كالمال يورثن عن الرجال كما يورث المال.. .

وهناك روايات أخرى في سبب نزول هذه الآية ساقها ابن جرير وابن كثير وغيرهما، وهي قريبة في معناها، مما أورده القرطبي، لذا اكتفينا بما ساقه القرطبي.

وكلمة كَرْهاً قرأها حمزة والكسائي بضم الكاف. وقرأها الباقون بفتحها قال الكسائي:

وهما لغتان بمعنى واحد. وقال الفراء: الكره- بفتح الكاف- بمعنى الإكراه. وبالضم بمعنى المشقة. فما أكره عليه الإنسان فهو كره- بالفتح- وما كان من جهة نفسه فهو كره- بالضم-.

والمعنى: يا أيها الذين آمنوا وصدقوا بالحق الذي جاءهم من عند الله، لا يحل لكم أن تأخذوا نساء موتاكم بطريق الإرث وهن كارهات لذلك أو مكروهات عليه، لأن هذا الفعل من أفعال الجاهلية التي حرمها الإسلام لما فيها من ظلم للمرأة وإهانة لكرامتها.

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: «كانوا يبلون النساء بضروب من البلايا، ويظلمونهن بأنواع من الظلم، فزجروا عن ذلك. فقيل: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً أى: أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك أو مكرهات» .

وقد وجه- سبحانه- النداء إلى المؤمنين فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ليعم الخطاب جميع الأمة، فيأخذ كل مكلف فيها بحظه منه سواء أكان هذا المكلف من أولياء المرأة أم من الأزواج أم من الحكام أم من غيرهم.

وفي مخاطبتهم بصفة الإيمان تحريك لحرارة العقيدة في قلوبهم، وتحريض لهم على الاستجابة إلى ما يقتضيه الإيمان من طاعة لشريعة الله- تعالى-.

وصيغة لا يَحِلُّ لَكُمْ صيغة تحريم صريح لأن الحل هو الإباحة في لسان العرب ولسان الشريعة. فنفيه يرادف معنى التحريم.

وليس النهى في قوله: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً منصبا على إرث أموالهن كما هو المعتاد، وإنما النهى منصب على إرث المرأة ذاتها كما كانوا يفعلون في الجاهلية إذ كانوا يجعلون ذات المرأة كالمال فيرثونها من قريبهم كما يرثون ماله.

وقوله كَرْهاً مصدر منصوب على أنه حال من النساء. أى حال كونهن كارهات لذلك أو مكرهات عليه.

والتقييد بالكره لا يدل على الجواز عند عدمه، لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفى ما عداه، كما في قوله- تعالى-: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ.

وقوله: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ نهى آخر عن بعض الأعمال السيئة التي كان أهل الجاهلية يعاملون بها المرأة. وهو معطوف على قوله:

أَنْ تَرِثُوا.... وأعيد حرف «لا» للتوكيد.

أى: لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها، ولا يحل لكم أن تعضلوهن.

وأصل العضل: التضييق والحبس والمنع. يقال: عضلت الناقة بولدها، إذا نشب في بطنها وتعسر عليه الخروج. وأعضل به الأمر، إذا اشتد وتعسر.

والمراد به هنا: منع المرأة من الزواج والتضييق عليها في ذلك، سواء أكان هذا المنع والتضييق من الزوج أم من غيره.

أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: قوله- تعالى-: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ.

يقول: ولا تقهروهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن، يعنى الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيؤذيها لتفتدى- أى: لتفتدى نفسها منه بأن تترك له مالها عليه من مهر أو مال- .

وقيل: كان أولياء الميت يمنعون زوجته من التزوج بمن شاءت، ويتركونها على ذلك حتى تدفع لهم ما أخذت من ميراث الميت، أو حتى تموت فيرثوها.

والمعنى: لا يحل لكم- أيها المؤمنون- أن ترثوا النساء كرها، ولا أن تمنعوهن من الزواج لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ من الصداق أو غيره، بأن يدفعن إليكم بعضه اضطرارا فتأخذوه منهن، فإن هذا الفعل يبغضه الله- تعالى-.

ويبدو لنا من سياق الآية أن النهى عن عضل المرأة هنا- وإن كان يتناول جميع المكلفين-، إلا أن المعنى به الأزواج ابتداء، لأنهم- في الغالب- هم الذين كانوا يفعلون ذلك.

ولذا قال ابن جرير- بعد أن ذكر الأقوال في المعنى بالخطاب في قوله: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ.

«وأولى الأقوال التي ذكرناها بالصحة في تأويل قوله: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ قول من قال:

«نهى الله زوج المرأة عن التضييق عليها، والإضرار بها، وهو لصحبتها كاره ولفراقها محب، لتفتدى منه ببعض ما آتاها من الصداق.

وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة، لأنه لا سبيل لأحد إلى عضل المرأة إلا لأحد رجلين: إما لزوجها بالتضييق عليها ... ليأخذ منها ما آتاها ... أو لوليها الذي إليه إنكاحها. ولما كان الولي معلوما أنه ليس ممن آتاها شيئا. كان معلوما أن الذي عنى الله- تعالى- بنهيه عن عضلها هو زوجها الذي له السبيل إلى عضلها ضرارا لتفتدى منه» .

والاستثناء في قوله إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ متصل من أعم العلل والأسباب، أى لا تعضلوهن لعلة من العلل أو لسبب من الأسباب إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. لسوء أخلاقهن، وكاشفة عن أحوالهن. كالزنا والنشوز، وسوء الخلق، وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء وفحش القول ونحوه، فلكم العذر في هذه الأحوال في طلب الخلع منهن، وأخذ ما آتيتموهن من المهر لوجود السبب من جهتهن لا من جهتكم.

والأصل في هذا الحكم قوله- تعالى- وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ، تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها.

ويرى بعضهم أن الاستثناء هنا منقطع فيكون المعنى: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن لكن إن يأتين بفاحشة مبينة يحل لكم أخذ المهر الذي آتيتموهن إياه أو أخذ بعضه.

ثم أمر الله- تعالى- الرجال- وخصوصا الأزواج- بحسن معاشرة النساء فقال:

وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.

والمعاشرة: مفاعلة من العشرة وهي المخالطة والمصاحبة.

أى: وصاحبوهن وعاملوهن بالمعروف، أى بما حض عليه الشرع وارتضاه العقل من الأفعال الحميدة، والأقوال الحسنة.

قال ابن كثير: قوله- تعالى- وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أى: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم. كما تحب ذلك منها، فافعل أنت مثله. كما قال- تعالى- وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى» . وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويضاحك نساءه. حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين- رضى الله عنها- يتودد إليها بذلك.

قالت: سابقنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته. وذلك قبل أن أحمل اللحم. ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني. فقال: هذه بتلك. وكان صلى الله عليه وسلم يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها. وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد. يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار.

وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام. يؤانسهن بذلك صلى الله عليه وسلم.

وقد قال- تعالى- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .

هذا، وللإمام الغزالي كلام حسن في كتابه الإحياء عند حديثه عن آداب معاشرة النساء، فقد قال ما ملخصه: ومن آداب المعاشرة حسن الخلق معهن، واحتمال الأذى منهن، ترحما عليهن، لقصور عقلهن. قال- تعالى-: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. وقال في تعظيم حقهن:

وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً.

ثم قال: واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحلم عن طيشها وغضبها، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام. ومن آداب المعاشرة- أيضا- أن يزيد على احتمال الأذى منها بالمداعبة والمزح والملاعبة، فهي التي تطيب قلوب النساء. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال.

وقال عمر- رضى الله عنه- ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبى. فإذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلا.

وكان ابن عباس- رضى الله عنه- يقول: «إنى- لأتزين لامرأتى كما تتزين لي» .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان أنه لا يصح للرجال أن يسترسلوا في كراهية النساء إن عرضت لهم أسباب الكراهية، بل عليهم أن يغلبوا النظر إلى المحاسن، ويتغاضوا عن المكاره فقال- تعالى-: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً.

أى: فإن كرهتم صحبتهن وإمساكهن فلا تتعجلوا في مفارقتهن، فإنه عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله لكم في الصبر عليه وعدم إنفاذه خيرا كثيرا في الدنيا والآخرة.

فالآية الكريمة ترشد إلى حكم عظيمة منها أن على العاقل أن ينظر إلى الحياة الزوجية من جميع نواحيها، لا من ناحية واحدة منها وهي ناحية البغض والحب.. وأن ينظر في العلاقة التي بينه وبين زوجه بعين العقل والمصلحة المشتركة، لا بعين الهوى.. وأن يحكم دينه وضميره قبل أن يحكم عاطفته ووجدانه. فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين وأحمد وأدنى إلى الخير، وأحبت ما هو بضد ذلك، وربما يكون الشيء الذي كرهته اليوم ولكنها لم تسترسل في كراهيته سيجعل الله فيه خيرا كثيرا في المستقبل. قال- تعالى- وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

قال القرطبي: روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضى منها آخر» أى: لا يبغضها بغضا كليا يحمله على فراقها. أى لا ينبغي له ذلك، بل يغفر سيئتها لحسنتها، ويتغاضى عما يكره لما يحب. - والفرك البغض الكلى الذي تنسى معه كل المحاسن-.

وقال مكحول: سمعت ابن عمر رضى الله عنهما- يقول: إن الرجل ليستخير الله- تعالى- فيخار له، فيسخط على ربه- عز وجل- فلا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خير له» .

قال البخاري : حدثنا محمد بن مقاتل ، حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا الشيباني عن عكرمة ، عن ابن عباس - قال الشيباني : وذكره أبو الحسن السوائي ، ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس - : ( ياأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، فهم أحق بها من أهلها ، فنزلت هذه الآية في ذلك .

هكذا رواه البخاري وأبو داود ، والنسائي ، وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، من حديث أبي إسحاق الشيباني - واسمه سليمان بن أبي سليمان - عن عكرمة ، وعن أبي الحسن السوائي واسمه عطاء ، كوفي أعمى - كلاهما عن ابن عباس بما تقدم .

وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ، حدثني علي بن حسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته ، فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها ، فأحكم الله تعالى عن ذلك ، أي نهى عن ذلك .

تفرد به أبو داود وقد رواه غير واحد عن ابن عباس بنحو ذلك ، فقال وكيع عن سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن مقسم ، عن ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها فجاء رجل فألقى عليها ثوبا ، كان أحق بها ، فنزلت : ( ياأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) .

وروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( ياأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) قال : كان الرجل إذا مات وترك جارية ، ألقى عليها حميمه ثوبه ، فمنعها من الناس . فإن كانت جميلة تزوجها ، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها .

وروى العوفي عنه : كان الرجل من أهل المدينة إذا مات حميم أحدهم ألقى ثوبه على امرأته ، فورث نكاحها ولم ينكحها أحد غيره ، وحبسها عنده حتى تفتدي منه بفدية : فأنزل الله : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها )

وقال زيد بن أسلم في الآية [ ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) ] كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله ، وكان يعضلها حتى يرثها ، أو يزوجها من أراد ، وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها ، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها ، فنهى الله المؤمنين عن ذلك . رواه ابن أبي حاتم .

وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن إسحاق ، حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه قال : لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته ، وكان لهم ذلك في الجاهلية ، فأنزل الله : ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها )

ورواه ابن جرير من حديث محمد بن فضيل ، به . ثم روي من طريق ابن جريج قال : أخبرني عطاء أن أهل الجاهلية كانوا إذا هلك الرجل وترك امرأة ، حبسها أهله على الصبي يكون فيهم ، فنزلت : ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) الآية .

قال ابن جريج : وقال مجاهد : كان الرجل إذا توفي كان ابنه أحق بامرأته ، ينكحها إن شاء ، إذا لم يكن ابنها ، أو ينكحها من شاء أخاه أو ابن أخيه .

قال ابن جريج : وقال عكرمة : نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم بن الأوس ، توفي عنها أبو قيس بن الأسلت ، فجنح عليها ابنه ، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، لا أنا ورثت زوجي ، ولا أنا تركت فأنكح ، فنزلت هذه الآية .

وقال السدي عن أبي مالك : كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها ، جاء وليه فألقى عليها ثوبا ، فإن كان له ابن صغير أو أخ حبسها حتى يشب أو تموت فيرثها ، فإن هي انفلتت فأتت أهلها ، ولم يلق عليها ثوبا نجت ، فأنزل الله : [ تعالى ] ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها )

وقال مجاهد في الآية : كان الرجل يكون في حجره اليتيمة هو يلي أمرها ، فيحبسها رجاء أن تموت امرأته ، فيتزوجها أو يزوجها ابنه . رواه ابن أبي حاتم . ثم قال : وروي عن الشعبي ، وعطاء بن أبي رباح ، وأبي مجلز ، والضحاك ، والزهري ، وعطاء الخراساني ، ومقاتل بن حيان - نحو ذلك .

قلت : فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية ، وما ذكره مجاهد ومن وافقه ، وكل ما كان فيه نوع من ذلك ، والله أعلم .

وقوله : ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) أي : لا تضاروهن في العشرة لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه أو حقا من حقوقها عليك ، أو شيئا من ذلك على وجه القهر لها والاضطهاد .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( ولا تعضلوهن ) يقول : ولا تقهروهن ( لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) يعني : الرجل تكون له امرأة وهو كاره لصحبتها ، ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي .

وكذا قال الضحاك ، وقتادة [ وغير واحد ] واختاره ابن جرير .

وقال ابن المبارك وعبد الرزاق : أخبرنا معمر قال : أخبرني سماك بن الفضل ، عن ابن البيلماني قال : نزلت هاتان الآيتان إحداهما في أمر الجاهلية ، والأخرى في أمر الإسلام . قال عبد الله بن المبارك : يعني قوله : ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) في الجاهلية ( ولا تعضلوهن ) في الإسلام .

وقوله : ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والشعبي ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء الخراساني ، والضحاك ، وأبو قلابة ، وأبو صالح ، والسدي ، وزيد بن أسلم ، وسعيد بن أبي هلال : يعني بذلك الزنا ، يعني : إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتضاجرها حتى تتركه لك وتخالعها ، كما قال تعالى في سورة البقرة : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله [ فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ] ) الآية [ البقرة : 229 ] .

وقال ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك : الفاحشة المبينة : النشوز والعصيان .

واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله : الزنا ، والعصيان ، والنشوز ، وبذاء اللسان ، وغير ذلك .

يعني : أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه ويفارقها ، وهذا جيد ، والله أعلم ، وقد تقدم فيما رواه أبو داود منفردا به من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] في قوله : ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) قال : وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته ، فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها ، فأحكم الله عن ذلك ، أي نهى عن ذلك .

قال عكرمة والحسن البصري : وهذا يقتضي أن يكون السياق كله كان في أمر الجاهلية ، ولكن نهي المسلمون عن فعله في الإسلام .

قال عبد الرحمن بن زيد : كان العضل في قريش بمكة ، ينكح الرجل المرأة الشريفة فلعلها لا توافقه ، فيفارقها على أن لا تزوج إلا بإذنه ، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد ، فإذا خطبها الخاطب فإن أعطته وأرضته أذن لها ، وإلا عضلها . قال : فهذا قوله : ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) الآية .

وقال مجاهد في قوله : ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) هو كالعضل في سورة البقرة .

وقوله : ( وعاشروهن بالمعروف ) أي : طيبوا أقوالكم لهن ، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم ، كما تحب ذلك منها ، فافعل أنت بها مثله ، كما قال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) [ البقرة : 228 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي " وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر ، يداعب أهله ، ويتلطف بهم ، ويوسعهم نفقته ، ويضاحك نساءه ، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يتودد إليها بذلك . قالت : سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته ، وذلك قبل أن أحمل اللحم ، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني ، فقال : " هذه بتلك " ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها . وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار ، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام ، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) [ الأحزاب : 21 ] .

وأحكام عشرة النساء وما يتعلق بتفصيل ذلك موضعه كتاب " الأحكام " ، ولله الحمد .

وقوله تعالى : ( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا [ ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ] ) أي : فعسى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة . كما قال ابن عباس في هذه الآية : هو أن يعطف عليها ، فيرزق منها ولدا . ويكون في ذلك الولد خير كثير وفي الحديث الصحيح : " لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن سخط منها خلقا رضي منها آخر " .

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ

قال أبو جعفر: يعني تبارك وتعالى [بقوله]: (60) " يا أيها الذين آمنوا "، يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله =" لا يحل لكم أن ترثوا النساء كَرهًا "، يقول: لا يحل لكم أن ترثوا نكاحَ نساء أقاربكم وآبائكم كَرْهًا. (61)

* * *

فإن قال قائل: كيف كانوا يرثونهن؟ وما وجه تحريم وراثتهن؟ فقد علمت أن النساء مورثات كما الرجال مورثون!

قيل: إن ذلك ليس من معنى وراثتهن إذا هن مِتن فتركن مالا وإنما ذلك أنهن في الجاهلية كانت إحداهن إذا مات زوجها، كان ابنه أو قريبُه أولى بها من غيره، ومنها بنفسها، إن شاء نكحها، وإن شاء عضلها فمنعها من غيره ولم يزوّجها حتى تموت. فحرّم الله تعالى ذلك على عباده، وحظَر عليهم نكاحَ حلائل آبائهم، ونهاهم عن عضلهن عن النكاح.

* * *

وبنحو القول الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

8869 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أسباط بن محمد قال، حدثنا أبو إسحاق = يعني: الشيباني =، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن "، قال: كانوا إذا مات الرجل، كان أولياؤه أحقَّ بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوّجوها، وإن شاؤوا لم يزوّجوها، وهم أحق بها من أهلها، فنـزلت هذه الآية في ذلك. (62)

8870 - وحدثني أحمد بن محمد الطوسي قال، حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال، حدثني محمد بن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت، أراد ابنه أن يتزوج امرأته، وكان ذلك لهم في الجاهلية، فأنـزل الله: " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا " . (63)

* * *

8871 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا في قوله: " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كَرْهًا ولا تعضُلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبيِّنة "، وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضُلها حتى تموت أو تردَّ إليه صداقها، فأحكم الله عن ذلك = يعني أن الله نهاكم عن ذلك. (64)

8872 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز في قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا "، قال: كانت الأنصار تفعل ذلك. كان الرجل إذا مات حميمه، ورث حميمه امرأته، فيكون أولى بها من وليِّ نفسها. (65)

8873 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا يحلُّ لكم أن ترثوا النساء كرهًا " الآية، قال: كان الرجل إذا مات أبوه أو حميمه، فهو أحق بامرأته، إن شاء أمسكها، أو يحبسها حتى تفتدي منه بصداقها، أو تموت فيذهب بمالها = قال ابن جريج، فأخبرني عطاء بن أبي رباح: أن أهل الجاهلية كانوا إذا هلك الرجلُ فترك امرأة حبسها أهلهُ على الصبيِّ يكون فيهم، فنـزلت: " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا " الآية = قال ابن جريج، وقال مجاهد: كان الرجل إذا توفي أبوه، كان أحق بامرأته، ينكحها إن شاء إذا لم يكن ابنها، أو يُنكحها إن شاء أخاه أو ابن أخيه = قال ابن جريج، وقال عكرمة نـزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم، من الأوس، توفّي عنها أبو قيس بن الأسلت، فجنح عليها ابنه، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله، لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تُركت فأنكح! فنـزلت هذه الآية. (66)

8874 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا "، قال: كان إذا توفي الرجل، كان ابنه الأكبر هو أحق بامرأته، ينكحها إذا شاء إذا لم يكن ابنها، أو يُنكحها من شاء، أخاه أو ابنَ أخيه.

8875 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار، مثل قول مجاهد.

8876 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل قال، سمعت عمرو بن دينار يقول مثل ذلك.

8877 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا "، فإن الرجل في الجاهلية كان يموت أبوه أو أخوه أو ابنه، فإذا مات وترك امرأته، فإن سبق وارِث الميت فألقى عليها ثوبه، فهو أحق بها أن ينكحها بمهر صاحبه، أو ينكحها فيأخذ مهرها. وإن سبقته فذهبت إلى أهلها، فهم أحق بنفسها.

8878 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان الباهلي (67) قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا "، كانوا بالمدينة إذا مات حميم الرجل وترك امرأة، ألقى الرجل عليها ثوبه، فورث نكاحها، وكان أحق بها. وكان ذلك عندهم نكاحًا. فإن شاء أمسكها حتى تفتدي منه. وكان هذا في الشِّرك.

8879 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا "، قال: كانت الوراثة في أهل يثرب بالمدينة ههنا. فكان الرجل يموت فيرث ابنه امرأة أبيه كما يرث أمه، لا تستطيع أن تمتنع، (68) فإن أحبّ أن يتخذها اتخذها كما كان أبوه يتخذها، وإن كره فارقها، وإن كان صغيرًا حبست عليه حتى يكبر، فإن شاء أصابها، وإن شاء فارقها. فذلك قول الله تبارك وتعالى: " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا ".

8880 - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا "، وذلك أن رجالا من أهل المدينة كان إذا مات حميم أحدهم ألقى ثوبه على امرأته، فورث نكاحها، فلم ينكحها أحد غيره، وحبسها عنده حتى تفتدي منه بفدية، فأنـزل الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا ".

8881 - حدثني ابن وكيع قال، حدثني أبي قال، حدثنا سفيان، عن علي بن بذيمة، عن مقسم قال: كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها فجاء رجلٌ فألقى عليها ثوبه، كان أحق الناس بها. قال: فنـزلت هذه الآية: " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا ".

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الآية على هذا التأويل: يا أيها الذين آمنوا، لا يحل لكم أن ترثوا آباءكم وأقاربكم نكاح نسائهم كرها = فترك ذكر " الآباء " و " الأقارب " و " النكاح "، ووجّه الكلام إلى النهي عن وراثة النساء، اكتفاء بمعرفة المخاطبين بمعنى الكلام، إذ كان مفهومًا معناه عندهم.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يحل لكم، أيها الناس، أن ترثوا النساء تَرِكاتهن كرهًا. قال: وإنما قيل ذلك كذلك، لأنهم كانوا يعضلون أيَاماهُنَّ، وهن كارهات للعضل، حتى يمتن، فيرثوهن أموالهنّ.

ذكر من قال ذلك:

8882 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا "، قال: كان الرجل إذا مات وترك جارية، ألقى عليها حميمه ثوبه فمنعها من الناس. فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها. (69)

8883 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا "، قال: نـزلت في ناس من الأنصار، كانوا إذا مات الرجل منهم، فأمْلَكُ الناس بامرأته وليُّه، فيمسكها حتى تموت فيرثها، فنـزلت فيهم.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين بتأويل الآية، القولُ الذي ذكرناه عمن قال: معناه: " لا يحل لكم أن ترثوا نساء أقاربكم "، (70) لأن الله جل ثناؤه قد بين مواريث أهل المواريث، فذلك لأهله، كره وراثتهم إيَّاه الموروثَ ذلك عنه من الرجال أو النساء، أو رضي. (71)

فقد علم بذلك أنه جل ثناؤه لم يحظر على عباده أن يرثوا النساء فيما جعله لهم ميراثًا عنهن، (72) وأنه إنما حظَر أن يُكْرَهن موروثات، بمعنى حظر وراثة نكاحهن، إذا كان ميِّتهم الذي ورثوه قد كان مالكًا عليهن أمرَهن في النكاح ملك الرجل منفعة ما استأجر من الدور والأرضين وسائر مالَه منافع. (73)

فأبان الله جل ثناؤه لعباده: أن الذي يملكه الرجل منهم من بُضْع زوْجه، (74) معناه غير معنى ما يملك أحدهم من منافع سائر المملوكات التي تجوز إجارتها. فإن المالك بُضع زوجته إذا هو مات، لم يكن ما كان له ملكًا من زوجته بالنكاح لورثته بعده، كما لهم من الأشياء التي كان يملكها بشراء أو هبة أو إجارة بعد موته، بميراثهم ذلك عنه. (75)

* * *

وأما قوله تعالى: " ولا تعضُلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن "، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.

فقال بعضهم: تأويله: " ولا تعضلوهن " : أي ولا تحبسوا، يا معشر ورثة من مات من الرجال، أزواجَهم عن نكاح من أردنَ نكاحه من الرجال، كيما يمتن =" فتذهبوا ببعض ما آتيتموهن "، أي: فتأخذوا من أموالهن إذا مِتن، &; 8-111 &; ما كان موتاكم الذين ورثتموهم ساقوا إليهن من صدقاتهن.

وممن قال ذلك جماعة قد ذكرنا بعضهم، منهم ابن عباس والحسن البصري وعكرمة. (76)

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تعضُلوا، أيها الناس، نساءكم فتحبسوهن ضرارًا، ولا حاجة لكم إليهن، فتُضِرُّوا بهن ليفتدين منكم بما آتيتموهن من صَدُقاتهن.

ذكر من قال ذلك:

8884 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " ولا تعضلوهن "، يقول: لا تقهروهن =" لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن "، يعني، الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر، فَيُضِرُّ بها لتفتدي.

8885 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " ولا تعضلوهن "، يقول: لا يحل لك أن تحبس امرأتك ضرارًا حتى تفتدي منك = قال وأخبرنا معمر قال، وأخبرني سماك بن الفضل، عن ابن البيلماني قال: نـزلت هاتان الآيتان، &; 8-112 &; إحداهما في أمر الجاهلية، والأخرى في أمر الإسلام. (77)

8886 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر قال، أخبرنا سماك بن الفضل، عن عبد الرحمن بن البيلماني في قوله: " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا ولا تعضلوهن "، قال: نـزلت هاتان الآيتان: إحداهما في الجاهلية، والأخرى في أمر الإسلام، قال عبد الله: لا يحل لكم أن ترثوا النساء في الجاهلية، ولا تعضلوهن في الإسلام. (78)

8887 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: " ولا تعضلوهن "، قال: لا تحبسوهن.

8888 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن "، أما " تعضلوهن "، فيقول: تضاروهن ليفتدِين منكم.

8889 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " ولا تعضلوهن "، قال: " العضل "، أن يكره الرجل امرأته فيضرُّ بها حتى تفتدي منه، قال الله تبارك وتعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ [سورة النساء: 21]. (79)

* * *

وقال آخرون: المعنيُّ بالنهي عن عضل النساء في هذه الآية: أولياؤهن.

ذكر من قال ذلك:

8890 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن " أن ينكحن أزواجهن ، كالعَضْل في" سورة البقرة ". (80)

8891 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

وقال آخرون: بل المنهيُّ عن ذلك: زوجُ المرأة بعد فراقه إياها. وقالوا: ذلك كان من فعل الجاهلية، فنهوا عنه في الإسلام.

ذكر من قال ذلك:

8892 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان العضلُ في قريش بمكة، ينكح الرجل المرأةَ الشريفة فلعلها أن لا توافقه، (81) فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد، فإذا خطبها خاطب، فإن أعطته وأرضته أذن لها، وإلا عضلها، قال: فهذا قول الله: " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن " الآية.

* * *

قال أبو جعفر: قد بينا فيما مضى معنى " العضل " وما أصله، بشواهد ذلك من الأدلة. (82)

وأولى هذه الأقوال التي ذكرناها بالصحة في تأويل قوله: " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن "، قول من قال: نهى الله جل ثناؤه زوج المرأة عن التضييق عليها والإضرار بها، وهو لصحبتها كاره ولفراقها محبّ، لتفتدي منه ببعض ما آتاها من الصَّداق.

وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة، لأنه لا سبيل لأحد إلى عضل امرأة، إلا لأحد رجلين: إما لزوجها بالتضييق عليها وحبسها على نفسه وهو لها كاره، مضارّة منه لها بذلك، ليأخذ منها ما آتاها بافتدائها منه نفسها بذلك = أو لوليها الذي إليه إنكاحها.

وإذا كان لا سبيل إلى عضلها لأحدٍ غيرهما، وكان الوليُّ معلومًا أنه ليس ممن أتاها شيئًا فيقال إنْ عضلها عن النكاح: " عَضَلها ليذهب ببعض ما آتاها "، كان معلومًا أن الذي عنى الله تبارك وتعالى بنهيه عن عضلها، هو زوجها الذي له السبيلُ إلى عضلها ضرارًا لتفتدي منه.

وإذا صح ذلك، = وكان معلومًا أن الله تعالى ذكره لم يجعل لأحد السبيلَ على زوجته بعد فراقه إياها وبينونتها منه، فيكون له إلى عضلها سبيل لتفتدي منه من عَضْله إياها، أتت بفاحشة أم لم تأت بها، = (83) وكان الله جل ثناؤه قد أباح للأزواج عضلهن إذا آتين بفاحشة مبيِّنة حتى يفتدين منه = (84) كان بيِّنًا بذلك خطأ التأويل الذي تأوّله ابن زيد، وتأويلِ من قال: " عنى بالنهي عن العضل في هذه الآية أولياء الأيامى "، = وصحةُ ما قلنا فيه. (85)

* * *

[قوله]: " ولا تعضلوهن " ، (86) في موضع نصب، عطفًا على قوله: " أن ترثوا النساء كرهًا ". ومعناه: لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا، ولا أن تعضلوهن. (87)

وكذلك هي فيما ذكر في حرف ابن مسعود.

ولو قيل: هو في موضع جزم على وجه النهي، لم يكن خطأ. (88)

* * *

القول في تأويل قوله: إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: لا يحل لكم، أيها المؤمنون، أن تعضُلوا نساءكم ضرارًا منكم لهن، وأنتم لصحبتهن كارهون، وهن لكم طائعات، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صدقاتهن =" إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، فيحل لكم حينئذ الضرارُ بهن ليفتدين منكم. (89)

ثم اختلف أهل التأويل في معنى " الفاحشة " التي ذكرها الله جل ثناؤه في هذا الموضع. (90)

فقال بعضهم: معناها الزنا، وقال: إذا زنت امرأة الرجل حلَّ له عَضْلها والضرارُ بها، لتفتدي منه بما آتاها من صداقها.

ذكر من قال ذلك:

8893 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا أشعث، عن الحسن - في البكر تَفْجُر قال: تضرب مئة، وتنفى سنة، وتردّ إلى زوجها ما أخذت منه. وتأوَّل هذه الآية: " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ".

8894 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عطاء الخراساني - في الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة، أخذ ما ساق إليها وأخرجها، فنسخ ذلك الحدود.

8895 - حدثنا أحمد بن منيع قال، حدثنا عبد الله بن المبارك قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: إذا رأى الرجل من امرأته فاحشة، (91) فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تختلع منه.

8896 - حدثنا ابن حميد قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرني معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة - في الرجل يطّلع من امرأته على فاحشة، فذكر نحوه.

8897 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدى: " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، وهو الزنا، فإذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن.

8898 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الكريم: أنه سمع الحسن البصري: " إلا أن يأتين بفاحشة "، قال: الزنا. قال: وسمعت الحسن وأبا الشعثاء يقولان: فإن فعلت، حلَّ لزوجها أن يكون هو يسألها الخُلْع، تفتدي نفسها. (92)

* * *

وقال آخرون: " الفاحشة المبينة "، في هذا الموضع، النشوزُ.

ذكر من قال ذلك:

8899 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، وهو البغض والنُّشوز، فإذا فعلت ذلك فقد حل له منها الفدية.

8900 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن علي بن بذيمة، عن مقسم في قوله: ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يفحشن ) في قراءة ابن مسعود. قال: إذا عصتك وآذتك، فقد حل لك أخذ ما أخذتْ منك. (93)

8901 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مطرف بن طريف، عن خالد، عن الضحاك بن مزاحم: " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، قال: الفاحشة ههنا النشوز. فإذا نشزَت، حل له أن يأخذ خُلْعها منها. (94)

8902 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، قال: هو النشوز.

8903 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عطاء بن أبي رباح: " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، فإن فعلن: إن شئتم أمسكتموهن، وإن شئتم أرسلتموهن.

8904 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، (95) سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، قال: عَدَل ربنا تبارك وتعالى في القضاء، فرجع إلى النساء فقال: " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، و " الفاحشة ": العصيان والنشوز. فإذا كان ذلك من قِبَلها، فإن الله أمره أن يضربها، وأمره بالهَجر. فإن لم تدع العصيان والنشوز، فلا جناح عليه بعد ذلك أن يأخذ منها الفدية.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى ما قيل في تأويل قوله: " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، أنه معنىٌّ به كل " فاحشة ": من بَذاءٍ باللسان على زوجها، (96) وأذى له، وزنًا بفرجها. وذلك أن الله جل ثناؤه عم بقوله: " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، كلَّ فاحشة متبيّنةٍ ظاهرة. (97) فكل زوج امرأة أتت بفاحشة من الفواحش التي هي زنًا أو نشوز، (98) فله عضْلُها على ما بين الله في كتابه، والتضييقُ عليها حتى تفتدي منه، بأيِّ معاني الفواحش أتت، (99) بعد أن تكون ظاهرة مبيِّنة = (100) بظاهر كتاب الله تبارك وتعالى، وصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالذي:

8905 - حدثني يونس بن سليمان البصري قال، حدثنا حاتم بن إسماعيل قال، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يُوطِئن فُرُشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. (101)

8906 - حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثنا موسى بن عبيدة الربذي قال، حدثني صدقة بن يسار، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس، إن النساء عندكم عَوَانٍ، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن حق، ولهن عليكم حق. ومن حقكم عليهن أن لا يُوطئن فُرُشكم أحدًا ولا يعصينكم في معروف، وإذا فعلن ذلك، فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف. (102)

* * *

= فأخبر صلى الله عليه وسلم أن من حق الزوج على المرأة أن لا توطئ فراشه أحدًا، وأن لا تعصيه في معروف، وأنّ الذي يجب لها من الرزق والكسوة عليه، وإنما هو واحب عليه إذا أدَّت هي إليه ما يجب عليها من الحق، بتركها إيطاء فراشه غيره، وتركها معصيته في معروف.

ومعلوم أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حقكم عليهن أن لا يوطئن &; 8-120 &; فرشكم أحدًا " إنما هو أن لا يمكِّنّ من أنفسهن أحدًا سواكم. (103)

وإذا كان ما روينا في ذلك صحيحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبيِّنٌ أن لزوج المرأة إذا أوطأت امرأته نفسها غيرَه وأمكنت من جماعها سواه، أنَّ له من منعها الكسوةَ والرزقَ بالمعروف، مثلَ الذي له من منعها ذلك إذا هي عصته في المعروف. وإذ كان ذلك له، فمعلوم أنه غير مانع لها - بمنعه إياها ماله منعها - حقًّا لها واجبًا عليه. وإذ كان ذلك كذلك، فبيِّنٌ أنها إذا افتدت نفسها عند ذلك من زوجها، فأخذ منها زوجها ما أعطته، أنه لم يأخذ ذلك عن عَضْل منهيّ عنه، بل هو أخذ ما أخذ منها عن عَضْل له مباح. وإذ كان ذلك كذلك، كان بينًا أنه داخل في استثناء الله تبارك وتعالى الذي استثناه من العاضلين بقوله: " ولا تعضُلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " . وإذْ صح ذلك، فبيِّنٌ فساد قول من قال: " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، منسوخ بالحدود، (104) لأن الحدّ حق الله جل ثناؤه على من أتى بالفاحشة التي هي زنا. وأما العَضْل لتفتدي المرأة من الزوج بما آتاها أو ببعضه، فحق لزوجها = كما عضله إياها وتضييقه عليها إذا هي نشزت عليه لتفتدي منه، حق له. وليس حكم أحدهما يبطل حكم الآخر.

* * *

قال أبو جعفر: فمعنى الآية: ولا يحل لكم، أيها الذين آمنوا، أن تعضلوا نساءكم فتضيِّقوا عليهن وتمنعوهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صَدُقاتكم، إلا أن يأتين بفاحشةٍ من زنا أو بَذاءٍ عليكم، وخلافٍ لكم فيما يجب عليهن لكم - مبيِّنة ظاهرة، فيحل لكم حينئذ عَضْلهن &; 8-121 &; والتضييق عليهن، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صداق إن هنّ افتدين منكم به.

* * *

واختلف القرَأة في قراءة قوله: " مبينة ".

فقرأه بعضهم: " مُبَيَّنَةٍ" بفتح " الياء "، بمعنى أنها قد بُيِّنت لكم وأُعلنت وأُظهرت.

وقرأه بعضهم: " مُبَيِّنَةٍ" بكسر " الياء "، بمعنى أنها ظاهرة بينة للناس أنها فاحشة.

* * *

وهما قراءتان مستفيضتان في قرأة أمصار الإسلام، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب في قراءته الصوابَ، لأن الفاحشة إذا أظهرها صاحبها فهي ظاهرة بيِّنة. وإذا ظهرت، فبإظهار صاحبها إياها ظهرت. فلا تكون ظاهرة بيِّنة إلا وهي مبيَّنة، ولا مبيَّنة إلا وهي مبيِّنة. فلذلك رأيت القراءة بأيهما قرأ القارئ صوابًا.

* * *

القول في تأويل قوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " وعاشروهن بالمعروف "، وخالقوا، أيها الرجال، نساءكم وصاحبوهن =" بالمعروف "، يعني بما أمرتكم به من المصاحبة، (105) وذلك: إمساكهن بأداء حقوقهن التي فرض الله جل ثناؤه لهنّ عليكم إليهن، أو تسريح منكم لهنّ بإحسان، كما:-

8907 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا &; 8-122 &; أسباط، عن السدي: " وعاشروهن بالمعروف "، يقول: وخالطوهن.

* * *

= كذا قال محمد بن الحسين، وإنما هو " خالقوهن "، من " العشرة " وهي المصاحبة. (106)

* * *

القول في تأويل قوله: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)

قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: لا تعضلوا نساءكم لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من غير ريبة ولا نشوز كان منهن، ولكن عاشروهن بالمعروف وإن كرهتموهن، فلعلكم أن تكرهوهن فتمسكوهن، فيجعل الله لكم = في إمساككم إياهن على كُره منكم لهن = خيرًا كثيرًا، من ولد يرزقكم منهن، أو عطفكم عليهن بعد كراهتكم إياهن، كما:-

8908 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا "، يقول، فعسى الله أن يجعل في الكراهة خيرًا كثيرًا.

8909 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله:

8910 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: " ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا "، قال: الولد.

* * *

8911 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا "، والخير الكثير: أن يعطف عليها، فيرزق الرجل ولدها، ويجعل الله في ولدها خيرًا كثيرًا.

و " الهاء " في قوله: " ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا "، على قول مجاهد الذي ذكرناه، كناية عن مصدر " تكرهوا "، كأنّ معنى الكلام عنده: فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله في كُرْهه خيرًا كثيرًا. (107)

ولو كان تأويل الكلام: فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله في ذلك الشيء الذي تكرهونه خيرًا كثيرًا، كان جائزًا صحيحًا.

* * *

---------------

(60) ما بين القوسين زيادة تقتضيها سياقة كلامه.

(61) انظر تفسير"الكره" فيما سلف 4: 297 ، 298 / 6: 565.

(62) الأثر : 8869 "أبو إسحاق الشيباني" ، هو: سليمان بن أبي سليمان ، مضت ترجمته برقم: 1307 ، 3003 ، 3023.

وهذا الأثر أخرجه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 184) ، والبيهقي في السنن الكبرى 7: 138 ، وأبو داود في سننه 2: 310 رقم: 2089 ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 131 ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، والنسائي وابن أبي حاتم. وقد استوفى الحافظ ابن حجر الكلام فيه في الفتح وانظر تفسير ابن كثير 2: 381382.

(63) الأثر: 8870 "أحمد بن محمد الطوسي" ، شيخ الطبري ، روى عنه باسم"أحمد بن محمد بن حبيب" في التاريخ ، وتمام نسبه: "أحمد بن محمد بن نيزك بن حبيب" ، وقد مضت ترجمته برقم: 3833.

و"عبد الرحمن بن صالح الأزدي العتكي" ، كان رافضيًا ، وكان يغشى أحمد بن حنبل ، فيقربه ويدنيه. فقيل له فيه ، فقال: سبحان الله! رجل أحب قومًا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم! وهو ثقة. وقال يحيى بن معين: "يقدم عليكم رجل من أهل الكوفة ، يقال له عبد الرحمن بن صالح ، ثقة صدوق شيعي ، لأن يخر من السماء ، أحب إليه من أن يكذب في نصف حرف". وقال ابن عدي: "معروف مشهور في الكوفيين ، لم يذكر بالضعف في الحديث ولا اتهم فيه ، إلا أنه محترق فيما كان فيه من التشيع". مترجم في التهذيب.

و"يحيى بن سعيد" هو الأنصاري ، مضت ترجمته في: 2154 ، 3395 ، 5074.

و"محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف" ، روى عن أبيه = واسم أبيه: "أسعد" وعن أبان بن عثمان. روى عنه يحيى بن سعيد ، وابن إسحاق ، ومالك. ثقة ، وأشار الحافظ ابن حجر في ترجمته إلى هذا الأثر ، أنه رواه النسائي ، والظاهر أنه في السنن الكبرى.

و"أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري" واسمه"أسعد بن سهل..." ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بعامين ، فيما روى. قال ابن سعد: "ثقة كثير الحديث".

وهذا الأثر ، خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 132 ، وزاد نسبته للنسائي ، وابن أبي حاتم. وخرجه ابن كثير منسوبًا إلى ابن مردويه بمثله 2: 382.

(64) الأثر: 8871 رواه أبو داود في سننه 1: 311 رقم: 2090 ، من طريق علي بن حسين بن واقد عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . والدر المنثور 2: 131.

وقوله: "أحكم الله على ذلك" ، فسره بعد ، وأصله من"حكمت الفرس وأحكمته" إذا قدعته وكففته ، و"حكم الرجل وأحكمه" منعه مما يريد. وفي المخطوطة"فأحكم عن ذلك" ، وأثبتت المطبوعة الأولى نص أبي داود والدر المنثور.

(65) "الحميم" القريب الذي توده ويودك ، وتهتم لأمره.

(66) الأثر: 8873 - خبر كبيشة بنت معن. خرجه ابن الأثير في أسد الغابة 5: 538 ، ونسبه لأبي موسى - والسيوطي في الدر المنثور 2: 132 ، وزاد نسبته لابن المنذر. وقوله: "جنح عليها": بسط عليها جناحه - أو كنفه - ومال عليها ، يعني أنه مال عليها ليحول بين الناس وبينها ، وسيأتي في الأثر رقم: 8877 تفسير جيد لمعنى هذه الكلمة ، وهو قول السدي: "فإن سبق وارث الميت فألقى عليها ثوبه ، فهو أحق بها أن ينكحها" ، فهذا الفعل - أي إلقاء الثوب على المرأة - هو الذي استعمل له عكرمة لفظ"جنح عليها". ولم أجد في كتب اللغة من أثبت هذا المجاز الجيد ، وهو حقيق أن يثبت فيها مشروحًا. فأثبته هناك إن شئت. وانظر أيضًا إلقاء الثوب على المرأة في الآثار الآتية رقم: 8878 ، 8880 ، 8881 ، 8882.

(67) في المطبوعة: "عبيد بن سلمان" ، وهو خطأ ، صوابه من المخطوطة ، وقد سلف مرارًا في هذا الإسناد الدائر في التفسير.

(68) في المطبوعة والمخطوطة: "لا يستطيع أن يمنع" ، وهو خطأ من الناسخ لا يستقيم به الكلام ، وصواب قراءتها ما أثبت.

(69) في المطبوعة: "فإن كانت قبيحة حبسها..." ، وفي المخطوطة: "ذميمة" ، والصواب ما أثبت. والدميمة: القبيحة.

(70) في المطبوعة: "أن ترثوا النساء كرهًا أقاربكم" ، وهو كلام فاسد كل الفساد ، وأساء التصرف في الخطأ الذي كان في المخطوطة ، وكان فيها: "أن ترثوا النساء أقاربكم" ، وهو سبق قلم من الناسخ ، صوابه ما أثبت.

(71) كان في المخطوطة: "فذلك لأهله نحوه وراثتهم إياه الموروث ذلك عنه من الرجال أو النساء أو رضي" ، فاستعجم على الناشر الأول للتفسير قوله: "نحوه" ولم يجد لها معنى ، فكتب الجملة: "فذلك لأهله نحو وراثتهم إياه الموروث ذلك عنه من الرجال أو النساء. فقد علم بذلك..." جعل"نحوه""نحو" بغير هاء ، وحذف"أو رضي" ليستقيم الكلام فيما يتوهم ، ولكنه أصبح لغوًا لا معنى له!! والصواب أن يقرأ"نحوه" -"كره" ، فيستقيم الكلام كما في المخطوطة بغير حذف. وقد أساء ناشر المطبوعة الأولى إلى هذا الكتاب الجليل إساءة بليغة ، بما تصرف فيه ، كما رأيت في آلاف من تعليقاتي ، وكما سترى. وغفر الله لنا وله.

(72) في المخطوطة والمطبوعة: "أن يرثوا النساء ما جعله لهم ميراثًا" ، وصواب السياق يقتضي"فيما" كما أثبتها.

(73) في المخطوطة: "وسائر ماله نافع" ، والصواب ما في المطبوعة ، وقوله: "ما له منافع" أي: وسائر الأشياء التي لها منافع ينتفع بها مالكها.

(74) في المطبوعة: "زوجته" وأثبت ما في المخطوطة. و"البضع" (بضم الباء وسكون الضاد): فرج المرأة ، وقيل: هو الجماع ، وقيل: هو عقد النكاح. وكلها متقاربة ، والأول أولاها ، والباقي متفرع عليه.

(75) في المخطوطة والمطبوعة: "بميراثه ذلك عنه" بالإفراد ، والصواب الجمع كما أثبته.

(76) انظر الآثار رقم: 8871 ، 8873 ، 8877 ، وما بعدها.

(77) الأثر: 8885 -"سماك بن الفضل الصنعاني" ، ثقة. قال الثوري: لا يكاد يسقط له حديث لصحته. و"معمر" ، هو معمر بن راشد ، يروى عنه.

و"ابن البيلماني" ، هو: عبد الرحمن بن البيلماني ، مولى عمر. ثقة. مضت ترجمته برقم: 4946 ، 4947.

(78) الأثر: 8886 -"عبد الله" يعني عبد الله بن المبارك.

وكان في المطبوعة: "والأخرى في الإسلام" بإسقاط"أمر". وكذلك كتب ناسخ المخطوطة ، ولكنه زاد"أمر" في الهامش ، فأثبتها.

(79) في المطبوعة: "عبيد بن سلمان" ، وهو خطأ يكثر من ناشر المطبوعة السالفة ، والصواب من المخطوطة ، وهو إسناد دائر في التفسير.

(80) انظر تفسير الآية رقم: 232 ، في 5: 17-27. وكان في المخطوطة: "كالعضل في سورة" وأسقط"البقرة".

(81) في المطبوعة: "فلعلها لا توافقه" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(82) انظر ما سلف 5: 24 ، 25 ، وما قبل ذلك من الآثار.

(83) قوله: "وكان الله جل ثناؤه" ، معطوف على قوله: "وكان معلومًا".

(84) قوله: "كان بينًا بذلك..." جواب"إذا" في قوله: "وإذا صح ذلك".

(85) قوله: "وصحة ما قلنا فيه" مرفوع معطوف على"خطأ" في قوله: "كان بينًا بذلك خطأ التأويل".

(86) زدت ما بين القوسين ، اتباعًا لنهج أبي جعفر في تفسير الآي السالفة كلها.

(87) في المطبوعة والمخطوطة: "ولا تعضلوهن" بإسقاط"أن" ، وهو خطأ ، يدل عليه قوله بعد: "وكذلك هي في حرف ابن مسعود" - وقراءة ابن مسعود: { ولا أن تعضلوهن } وانظر معاني القرآن للفراء 1: 259.

(88) انظر أيضًا معاني القرآن للفراء 1: 259.

(89) في المخطوطة بعد: "ليفتدين منكم" ما نصه: "ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن" ، وهو تكرار أحسن الناشر الأول إذ حذفه.

(90) انظر تفسير"الفاحشة" و"الفحشاء" فيما سلف: 73 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

(91) في المخطوطة: "إذا رأى الرجل امرأته فاحشة" والصواب ما في المطبوعة.

(92) في المخطوطة: "تفتدي سلها" غير بينة ، وصواب قراءتها فيما أرجح"نفسها". أما المطبوعة ، فقد حذف الكلمة كلها ، وجعل الفعل"لتفتدي".

(93) الأثر: 8900 - مضى برقم: 4828 ، وانظر التعليق عليه هناك. في المخطوطة: "فقد حل لك ما أخذت منك" وفوق"منك""ط" علامة الخطأ ، وقد صححه ناشر المطبوعة الأول من الدر المنثور 2: 132 ، وقد مضى في الإسناد السالف على الصواب. وكان هنا"إذا عضلت وآذتك" ، وصوابه من الإسناد السالف ، كما بينته هناك.

(94) الأثر: 8901 -"مطرف بن طريف الحارثي" ، روى عن الشعبي وأبي إسحاق السبيعي ، وغيرهما ثقة. مترجم في التهذيب.

"وخالد" هو: "خالد بن أبي نوف السجستاني" ، يروي عن ابن عباس مرسلا ، وروى عن عطاء بن أبي رباح ، والضحاك بن مزاحم. وهو ثقة. مترجم في التهذيب.

(95) في المطبوعة: "عبيد بن سلمان" ، وهو خطأ كثر جدًا في المطبوعة ، صوابه من المخطوطة ، وهو إسناد دائر في التفسير ، فلن أشير إلى تصحيحه بعد هذه المرة.

(96) في المطبوعة: "بذاءة" ، وأثبت ما في المخطوطة ، و"البذاء" و"البذاءة" واحد.

(97) في المطبوعة: " مبينة ظاهرة" ، وهو لفظ الآية ، وفي المخطوطة سيئة الكتابة ، فرأيت الأجود أن تكون"متبينة" ، فأثبتها كذلك.

(98) في المطبوعة والمخطوطة: "فلكل زوج امرأة" ، والسياق يقتضي"فلكل" ، لقوله بعد"فله عضلها".

(99) في المخطوطة: "بأن معاني فواحش أتت" ، وهو تصحيف ، وفي المطبوعة: "بأي معاني فواحش أتت" ، فأصاب ، ولكنه أغفل أن يجعل"فواحش""الفواحش" لتستقيم عربية الكلام.

(100) قوله: "بظاهر كتاب الله" متعلق بقوله آنفًا": "فكل زوج امرأة... فله عضلها... بظاهر كتاب الله" وهكذا السياق.

(101) الحديث: 8905 -"يونس بن سليمان البصري" - شيخ الطبري: هكذا ثبت اسمه في هذا الموضع. ولم أجد في شيوخ الطبري من يسمى بهذا ، بل لم أجد ذلك في سائر الرواة فيما عندي من المراجع.

والراجح - فيما أرى - بل أكاد أوقن أنه محرف عن"يوسف بن سلمان". وقد روى عنه الطبري قطعتين من هذا الحديث ، بهذا الإسناد: 2003 ، 2365. وهو حديث جابر - الطويل في الحج.

وهذا الحديث قطعة من حديث جابر بن عبد الله ، في صفة حجة الوداع. وقد بينا تخريجه في: 2003. وهذه القطعة ذكرها السيوطي 2: 132 ، منسوبة للطبري وحده! ففاته - رحمه الله - أنها قطعة من الحديث الطويل.

(102) الحديث: 8906 - موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، شيخ الطبري: مضت ترجمته في: 174.

وهذا الإسناد ضعيف جدًا ، من أجل"موسى بن عبيدة الربذي" ، كما بينا في: 1875 ، 1876.

والحديث ذكره السيوطي 2: 132 ، ولم ينسبه لغير الطبري. ولم أجده في مكان آخر.

ومعناه ثابت صحيح ، بصحة حديث جابر الذي قبله هنا.

وهو ثابت أيضًا من حديث عمرو بن الأحوص الجشمي ، مرفوعًا. رواه الترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". كما في الترغيب والترهيب 3: 73.

وهو ثابت أيضًا من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه ، مرفوعًا. رواه أحمد في المسند 5 : 72-73 (حلبي).

عوان جمع عانية: وهي الأسيرة ، يقول: هي عندكم بمنزلة الأسرى ، وصدق نبي الله ، هدى إلى الحق وبينه ، وكان بالمؤمنين رؤوفًا رحيما. و"العانية" من: "عنا الرجل يعنو عنوًا وعناء" إذا ذل لك واستأسر ، فهو"عان".

(103) في المخطوطة والمطبوعة: "أن لا يمكن أنفسهن من أحد سواكم" ، وفي المخطوطة كتب"لا" على سين"أنفسهن" ، كأنه كان يوشك أن يصحح الكلمة ، ثم غفل عنها ، وصواب السياق يقتضي أن تكون الجملة كما أثبتها ، وإنما سها الناسخ.

(104) انظر ما سلف رقم: 8894.

(105) انظر تفسير"المعروف" فيما سلف: 8: 13 ، والمراجع هناك ، وأتم تعريف له فيما سلف: 7: 105.

(106) هذا التفريق الذي بين"خالقوهن" و"خالطوهن" ، وتصحيح أبي جعفر ، من حسن البصر بافتراق المعاني ، وحقها في أداء معاني اللغة ، ولا سيما في تفسير ألفاظها.

(107) في المخطوطة والمطبوعة: كتب هذه الجملة كنص الآية: "ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا" ، وليس ذلك بشيء ، بل السياق يقتضي أن يجعل"فيه" ، "في كرهه" ، لأنه تأويل معنى قوله إن"الهاء" في"فيه" كناية من مصدر"تكرهوا".

المعاني :

كرهًا :       مكروهين لهنّ أو مكروهات عليه معاني القرآن
وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ :       لَا تُمْسِكُوهُنَّ مُضَارِّينَ لَهُنَّ السراج
لا تعضلوهنّ :       لا تمسكوهنّ مُضارّةً لهنّ معاني القرآن
بفاحشةٍ مبيّنةٍ :       الشُوز و سُوء الخُلق أو الزِّنى معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[19] لا يقر الخطأ، سواء في جاهلية أو إسلام، وانظر كيف جمع بين ذكر خطأين في سياق واحد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾، وهذا من أفعال الجاهلية؛ كانوا يرثون المرأة كالمتاع، ثم قال: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ أي: لا تمنعوهن التزويج، وهذا يقع من أهل الجاهلية، وأهل الإسلام.
وقفة
[19] ما الفرق بين كلمة الكَره بفتح الكاف والكُره بضمها؟ (الكَره) بفتح الكاف هو ما يأتي من الخارج، يقابله الطوع، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾، أما (الكُره) بضم الكاف فهو ما ينبعث من الداخل: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 216]، جاءت كلمة الكُره؛ لأن الإنسان بطبيعته يكره القتال، ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ [الأحقاف: 15]، آلآم الوضع والحمل في نفس الأم ثقيل.
وقفة
[19] ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ جمع الله هنا بين عملين من أعمال الجاهلية نهی عنهما: فالأول: كانوا يرثون النساء كالمتاع، والثاني: العضل أي المنع من التزویج، فكان أولياء الميت يمنعون زوجه الزواج بعده، ويتركونها على ذلك حتى تدفع لهم ما أخذت من میراث الميت أو تموت فيرثونها.
عمل
[19] ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ احذر الظلم، وخاصة ظلم من كان ضعيفًا؛ كالمرأة واليتيم.
وقفة
[19] ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ قال ابن كثير: «أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله».
وقفة
[19] ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ إنَّ من أعظم المعروف كلمةً حلوةً تنفذ إلى قلب المرأة؛ فتروي عطشه، ولكن المحروم منا -معاشر الأزواج- من يصاب بجفاف الريق بسبب هبوط نسبة (السكر) لديه، فما يلفظ إلا قوالب الثلج.
لمسة
[19] ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ لم يقل: (عاملوهن)؛ لأن العشرة تعني طول الصحبة، ومداومة المخالطة والقرب، لا يكفي أن تكون لطيفًا حتى تكون قريبًا.
وقفة
[19] ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: بما أمركم الله به من طيب القول، والمعاملة بالإحسان، والتكريم، والمحبة، وأداء ما لهن من حقوق.
وقفة
[19] من أسباب استمرار الحياة الزوجية أن يكون نظر الزوج متوازنًا، فلا يحصر نظره فيما يكره، بل ينظر ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
وقفة
[19] عندما يمتثل الزوجان: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، وكذلك: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]، ويجعلان الوحي دستور لهما يتذوقان بإذن الله: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
وقفة
[19] على الرجل أن يعاشر زوجته بالمعروف من: الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
وقفة
[19] مهر المرأة الحقيقي ليس ما تأخذه قبل أن تنتقل إلى دار زوجها؛ ولكنه الذي تجده منه بعد أن تنتقل إلى داره ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
عمل
[19] ادفع وساوس الشيطان لك عن زوجتك أو أختك بالاستعاذة بالله، والنفث عن شمالك ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
وقفة
[19] ﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ أي: ينبغي -أيها الأزواج- أن تمسكوا زوجاتكم ولو مع الكراهة، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا، ومن ذلك: 1. امتثال أمر الله، وقبول وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة. 2. أن إجباره نفسه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة للنفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة. 3. وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك. 4. وربما رُزق منها ولدًا صالحًا ينفع والديه في الدنيا والآخرة.
وقفة
[19] ﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ خيرًا كثيرًا، ولو كان بدون حب، فليس على الحب وحده يقوم الزواج.
عمل
[19] ﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ ابتلع صدمات علاقاتك وحافظ عليها؛ قد تغمرك بركات من تكره يومًا.
عمل
[19] ﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ لا تطع مشاعر الكراهية في قلبك؛ ربما تفقد أشياء جميلة.
وقفة
[19] الإنسان النبيل لا يتخلى عن من يحتاجه ولو على حساب نفسه، أرشد القرآن الزوج ألا يترك زوجته لمجرد أنه لم يشعر تجاهها بالحب: ﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
وقفة
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ الله يدبرك.
وقفة
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ ليس فقط ذهاب ما تكره، وليس عكس ذلك من الخير فحسب، بل وكثيرًا أيضًا.
لمسة
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ لو قال (خيرًا) لكفى؛ فكيف وهو (خيرًا كثيرًا)؟!
وقفة
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ قد تكون الكراهية أول الخير، فأحسن ظنك بالعليم الخبير.
وقفة
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ قد يكون في ما نكره من أقدار الله تعالى خيرٌ كثير.
وقفة
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ كم فرحةٍ مطويةٍ لك بين أثناء النوائب، ومسرةٍ قد أقبلتْ من حيث تنتظر المصائب!
لمسة
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (ويجعل) تفيد الاستمرار، هذا الذي أحزنك لا تزال تولد خيراته الكثيرة بلا انقطاع.
وقفة
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ ليس فقط ذهاب ما تكره من شره، ليس فقط عكس ذلك وهو الخير، بل خيرًا وكثيرًا أيضًا.
عمل
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ لو قال خيرًا لكفى؛ فكيف وهو خير كثير؟ تفاءل مهما كان القَدر مؤلمًا، فلا تدري ما بعده.
وقفة
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (كثيرًا) لدرجة أنه ينسيك ما كنت تكره، يُنسيك ما كابدته، يقلب كراهيتك حبًا!
وقفة
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ ليس كل زواج يقوم علي الحب، فلم يقل الله تعالي فإن كرهتموهن فطلقوهن؛ بل أمر ببقاء الزواج، فقد يجعل فيه خيرًا كثيرًا.
وقفة
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ وحتي في المشاعر بين الزوجين إذا صارت الأمور في غير مجاريها؛ فإن القرآن يحرك في النفوس استحضار الغيبيات والأبعاد الإيمانية.
عمل
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ احتفل بآلامك وأحزانك؛ فهى تتقدم موكب الأحلام السعيدة.
اسقاط
[19] ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾، ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ [ابراهيم: 39] آيات تبعث الأمل، لِمَ التشاؤم بعدها؟!
وقفة
[19] لعلَّه خير؛ لا يُقدِّر الله شرًّا لا خير فيه من رحمته بعباده، فلعلَّ ما أصابك خير ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
عمل
[19] لا يعلم الإنسان أن مكارهه ومواجعه قد تسفر عن خيرات وفضائل، بل خيرًا كثيرًا، إذًا اصبر واحتسب ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
عمل
[19] ﴿وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ ليس خيرًا واحدًا، بل خيرًا كثيرًا، ابتسم في وجه البلاء، ففيه من ربك العطاء.
عمل
[19] ﴿كَثِيرًا﴾ لدرجة أن ينسيك آلامك، فتفاءل مهما كان الألم بالغًا.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • يا: أداة نداء. أي اسم منادى مبني على الضم في محل نصب. ها: حرف تنبيه. الذين: اسم موصول مبني على الفتح بدل من «أي» أو عطف بيان لها. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول.
  • ﴿ لا يَحِلُّ لَكُمْ:
  • لا: نافية لا عمل لها. يحل: فعل مضارع مرفوع بالضمة. لكم: جار ومجرور متعلق بيحل والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ أَنْ تَرِثُوا:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. ترثوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف: فارقة و «أَنْ وما تلاها» بتأويل مصدر في محل رفع فاعل بحل وجملة «تَرِثُوا» صلة «أَنْ» لا محل لها
  • ﴿ النِّساءَ كَرْهاً:
  • النساء: مفعول به منصوب بالفتحة. كرها: حال منصوب بالفتحة أو مفعول له.
  • ﴿ وَلا تَعْضُلُوهُنَّ:
  • معطوفة بواو العطف على «أَنْ تَرِثُوا» وهن: ضمير متصل- ضمير الغائبات- مبني على الفتح في محل نصب مفعول به بمعنى ولا يحل لكم أن تمنعوهن من الزواج و «لا» زائدة لتأكيد النفي.
  • ﴿ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما:
  • اللام: حرف جر للتعليل. تذهبوا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه: حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. و «أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بيحّل ببعض جار ومجرور متعلق بتذهبوا. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ آتَيْتُمُوهُنَّ:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. الواو: لاشباع الميم و «هن» ضمير الغائبات في محل نصب مفعول به. والجملة: صلة الموصول لا محل لها والميم في الجملة: علامة جمع الذكور.
  • ﴿ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ:
  • إلّا: أداة استثناء. أن: حرف مصدري ونصب. يأتين: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بضمير الغائبات في محل نصب بأن والنون نون النسوة ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل و «أَنْ» وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب على الاستثناء المنقطع أو يجوز أن يكون استثناء من الظرف المقدر أو المفعول لأجله كأنه قيل: ولا تعضلوهن في جميع الأوقات الّا وقت أن يأتين بفاحشة أو لإن يأتين بفاحشة.
  • ﴿ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ:
  • جار ومجرور متعلق بيأتين. مبينة: صفة- نعت- لفاحشة مجرورة مثلها.
  • ﴿ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ:
  • الواو: استئنافية. عاشروا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. وهنّ: ضمير الغائبات مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. بالمعروف: جار ومجرور متعلق بعاشروا.
  • ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ:
  • الفاء: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. كرهتموهنّ: تعرب إعراب «آتَيْتُمُوهُنَّ» والفعل «كره» في محل جزم لأنه فعل الشرط.
  • ﴿ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط عسى: فعل جامد من أخوات «كاد» تام بمعنى الإشفاق. أن: حرف مصدرية ونصب تكرهوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه: حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. شيئا: مفعول به منصوب بالفتحة و «عسى» وما بعدها جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم و «أَنْ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل بمعنى كرهكم.
  • ﴿ وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ:
  • الواو: عاطفة. يجعل: فعل مضارع معطوف على «تكره» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. فيه: جار ومجرور متعلق بيجعل أو يكون متعلقا بمفعول «يَجْعَلَ» الثاني.
  • ﴿ خَيْراً كَثِيراً:
  • خيرا: مفعول به منصوب بالفتحة كثيرا: صفة- نعت- لخيرا منصوبة بالفتحة.'

المتشابهات :

البقرة: 216﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ عَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ
النساء: 19﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَـ عَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج البخاري وأبو داود والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في قوله تعالىيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ). قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك. 2 - أخرج أبو داود عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) وذلك أن الرجل كان يرث امرأةَ ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها فأحكم الله عن ذلك ونهى عن ذلك. 3 - أخرج النَّسَائِي عن أبي أمامة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت، أراد ابنه أن يتزوج امرأته من بعده، فكان ذلك لهم في الجاهلية، فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذه الأحاديث أو بعضها عند بيانهم لسبب نزول هذه الآية منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي والشنقيطي، وابن عاشور.قال الطبريإنهن في الجاهلية كانت إحداهن إذا مات زوجها كان ابنه أو قريبه أولى بها من غيره ومنها بنفسها، إن شاء نكحها، وإن شاء عضلها فمنعها من غيره ولم يزوجها حتى تموت فحرم الله تعالى ذلك على عباده، وحظر عليهم نكاح حلائل آبائهم ونهاهم عن عضلهن عن النكاح) اهـ.وقال السعديكانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته، رأى قريبه، كأخيه وابن عمه ونحوهما، أنه أحق بزوجته من كل أحد، وحماها عن غيره أحبت أو كرهت، فإن أحبها، تزوجها على صداق يحبه دونها، وإن لم يرضها عضلها فلا يزوجها إلا من يختاره هو، وربما امتنع من تزويجها، حتى تبذل له شيئاً من ميراث قريبه، أو من صداقها). اهـ.وقال الشنقيطيوقد كان من مختلقات العرب في الجاهلية إرث الأقارب أزواج أقاربهم كان الرجل منهم إذا مات وألقى ابنه وأخوه مثلاً ثوباً على زوجته ورثها وصار أحق بها من نفسها إن شاء نكحها بلا مهر، وإن شاء أنكحها غيره وأخذ مهرها، وإن شاء عضلها حتى تفتدي منه إلى أن نهاهم الله عن ذلك بقولهيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا). اهـ. * النتيجة: أن سبب نزول الآية ما ذكره ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: كان الرجل إذا مات فيهم كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، أو زوجها من يشاء، أو لم يزوجها عضلاً منهم وظلماً فأنزل الله الآية إحقاقاً للحق وإزهاقاً للباطل وتبياناً لحقوق الطرفين، وإنما اخترت هذا السبب دون سواه لصحة إسناده، وصراحة ألفاظه، واتفاقه مع سياق الآية وأقوال المفسرين.وأما السببان الآخران المذكوران عن ابن عبَّاسٍ، وأبي أمامة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فقد تقدم الكلام في بيان ضعفهما وعدم نهوضهما للاحتجاج بهما. *تنبيه: تقدم في كلام بعض المفسرين أنهم كانوا في الجاهلية يفعلون هذا، ومما لا يخفى أن هذا الذي وقع لم يكن في الجاهلية، إنما كان في الإسلام، ويؤيده النداء بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فلعل مراد العلماء أن أصل الفعل ابتداءً كان في الجاهلية، وامتد حتى مجيء الإسلام فكانوا يفعلونه فيه والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     وبعد أن نهى اللهُ عز وجل عن عادات الجاهلية في أمر اليتامى والنِّساء؛ أبطل اللهُ هنا عادة جاهلية أُخرى، وهي: وراثةُ المرأةِ كما يُورثُ المالُ والمتاعُ، وكذا العَضْل، فقد كانوا في الجاهلية إذا مات الرَّجُلُ كان أولياؤه أحقَّ بامرأته، إن شاء بعضهم تزوَّجها، وإن شاؤوا زوَّجوها، وإنْ شاؤوا لم يُزَوِّجوها، فهم أحقُّ بها مِن أهلِها، فنزلتْ هذه الآيةُ:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا

القراءات :

كرها:
قرئ:
1- بفتح الكاف، وهى قراءة الحرميين، وأبى عمرو، وعاصم، وابن عامر.
2- بضمها، وهى قراءة حمزة، والكسائي.
لا يحل:
وقرئ:
لا تحل، بالتاء على تقدير: لا تحل لكم الوراثة.
مبينة:
قرئ:
1- بفتح الياء، وهى قراءة ابن كثير، وأبى بكر أي: يبينها من يدعيها ويوضحها.
2- بكسر الياء، وهى قراءة الباقين أي: بينة فى نفسها ظاهرة.

البحث بالسورة

البحث في المصحف