ترتيب المصحف | 4 | ترتيب النزول | 92 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 29.50 |
عدد الآيات | 176 | عدد الأجزاء | 1.50 |
عدد الأحزاب | 3.00 | عدد الأرباع | 12.00 |
ترتيب الطول | 2 | تبدأ في الجزء | 4 |
تنتهي في الجزء | 6 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 1/10 | يا أيها النَّاس: 1/2 |
للزوجِ: نصفُ تركةِ الزوجةِ إن لم يكنْ لها ولدٌ، فإنْ كانَ لها ولدٌ فله: الرُّبُعُ.
للزوجةِ: ربُعُ تركةِ الزوجِ إن لم يكنْ له ولدٌ، فإنْ كانَ له ولدٌ فلها: الثُّمُنُ.
للأخِ لأمِّ أو الأختِ لأمِّ: السُّدُسُ، فإن كانُوا أكثرَ من واحدٍ فلجميعِهم: الثُّلُثُ.
لَمَّا بَيَّنَ سِهامَ المواريثِ وكانُوا في الجاهليَّةِ يَمنَعونَ النِّساءَ والأطفالَ، ذَكَرَ هنا ثوابَ الطَّائعينَ وجزاءَ العاصِينَ ترغيبًا وترهيبًا.
التفسير :
{ وَلَكُمْ} أيها الأزواج{ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ويدخل في مسمى الولد المشروط وجوده أو عدمه، ولد الصلب أو ولد الابن الذكر والأُنثى، الواحد والمتعدد، الذي من الزوج أو من غيره، ويخرج عنه ولد البنات إجماعًا. ثم قال تعالى:{ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} أي:من أم، كما هي في بعض القراءات. وأجمع العلماء على أن المراد بالإخوة هنا الإخوة للأُم، فإذا كان يورث كلالة أي:ليس للميت والد ولا ولد أي:لا أب ولا جد ولا ابن ولا ابن ابن ولا بنت ولا بنت ابن وإن نزلوا. وهذه هي الكلالة كما فسرها بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقد حصل على ذلك الاتفاق ولله الحمد.{ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا} أي:من الأخ والأخت{ السُّدُسُ}،{ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ} أي:من واحد{ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} أي:لا يزيدون على الثلث ولو زادوا عن اثنين. ودل قوله:{ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} أن ذَكَرهم وأنثاهم سواء، لأن لفظ "التشريك"يقتضي التسوية. ودل لفظ{ الْكَلَالَةِ} على أن الفروع وإن نزلوا، والأصولَ الذكور وإن علوا، يُسقطون أولاد الأُم، لأن الله لم يورثهم إلا في الكلالة، فلو لم يكن يورث كلالة، لم يرثوا منه شيئًا اتفاقًا. ودل قوله:{ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} أن الإخوة الأشقاء يَسقُطون في المسألة المسماة بالحمارية. وهى:زوج، وأم، وإخوة لأم، وإخوة أشقاء. للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخوة للأم الثلث، ويسقط الأشقاء، لأن الله أضاف الثلث للإخوة من الأُم، فلو شاركهم الأشقاء لكان جمعا لما فرَّق الله حكمه. وأيضا فإن الإخوة للأم أصحاب فروض، والأشقاء عصبات. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:- "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر"- وأهل الفروض هم الذين قدَّر الله أنصباءهم، ففي هذه المسألة لا يبقى بعدهم شيء، فيَسْقُط الأشقاء، وهذا هو الصواب في ذلك. وأما ميراث الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب، فمذكور في قوله:{ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} الآية. فالأخت الواحدة شقيقة أو لأب لها النصف، والثنتان لهما الثلثان، والشقيقة الواحدة مع الأخت للأب أو الأخوات تأخذ النصف، والباقي من الثلثين للأخت أو الأخوات لأب وهو السدس تكملة الثلثين. وإذ استغرقت الشقيقات الثلثين سقط الأخوات للأب كما تقدم في البنات وبنات الابن. وإن كان الإخوة رجالاً ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين. فإن قيل:فهل يستفاد حكم ميراث القاتل، والرقيق، والمخالف في الدين، والمبعض، والخنثى، والجد مع الإخوة لغير أم، والعول، والرد، وذوي الأرحام، وبقية العصبة، والأخوات لغير أم مع البنات أو بنات الابن من القرآن أم لا؟ قيل:نعم، فيه تنبيهات وإشارات دقيقة يعسر فهمها على غير المتأمل تدل على جميع المذكورات. فأما (القاتل والمخالف في الدين) فيعرف أنهما غير وارثين من بيان الحكمة الإلهية في توزيع المال على الورثة بحسب قربهم ونفعهم الديني والدنيوي. وقد أشار تعالى إلى هذه الحكمة بقوله:{ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} وقد عُلم أن القاتل قد سعى لمورثه بأعظم الضرر، فلا ينتهض ما فيه من موجب الإرث أن يقاوم ضرر القتل الذي هو ضد النفع الذي رتب عليه الإرث. فعُلم من ذلك أن القتل أكبر مانع يمنع الميراث، ويقطع الرحم الذي قال الله فيه:{ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} مع أنه قد استقرت القاعدة الشرعية أن "من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه"وبهذا ونحوه يعرف أن المخالف لدين الموروث لا إرث له، وذلك أنه قد تعارض الموجب الذي هو اتصال النسب الموجب للإرث، والمانعُ الذي هو المخالفة في الدين الموجبة للمباينة من كل وجه، فقوي المانع ومنع موجب الإرث الذي هو النسب، فلم يعمل الموجب لقيام المانع. يوضح ذلك أن الله تعالى قد جعل حقوق المسلمين أولى من حقوق الأقارب الكفار الدنيوية، فإذا مات المسلم انتقل ماله إلى من هو أولى وأحق به. فيكون قوله تعالى:{ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} إذا اتفقت أديانهم، وأما مع تباينهم فالأخوة الدينية مقدمة على الأخوة النسبية المجردة. قال ابن القيم في "جلاء الأفهام":وتأمل هذا المعنى في آية المواريث، وتعليقه سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة دون المرأة، كما في قوله تعالى:{ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} إيذانا بأن هذا التوارث إنما وقع بالزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب، والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب، فلا يقع بينهما التوارث. وأسرار مفردات القرآن ومركباته فوق عقول العالمين [انتهى]. وأما ( الرقيق ) فإنه لا يرث ولا يورث، أما كونه لا يورث فواضح، لأنه ليس له مال يورث عنه، بل كل ما معه فهو لسيده. وأما كونه لا يرث فلأنه لا يملك، فإنه لو ملك لكان لسيده، وهو أجنبي من الميت فيكون مثل قوله تعالى:{ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن}{ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}{ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} ونحوها لمن يتأتى منه التملك، وأما الرقيق فلا يتأتى منه ذلك، فعلم أنه لا ميراث له. وأما مَنْ بعضه حر وبعضه رقيق فإنه تتبعض أحكامه. فما فيه من الحرية يستحق بها ما رتبه الله في المواريث، لكون ما فيه من الحرية قابلا للتملك، وما فيه من الرق فليس بقابل لذلك، فإذا يكون المبعض، يرث ويورث، ويحجب بقدر ما فيه من الحرية. وإذا كان العبد يكون محمودا مذموما، مثابا ومعاقبا، بقدر ما فيه من موجبات ذلك، فهذا كذلك. وأما ( الخنثى ) فلا يخلو إما أن يكون واضحا ذكوريته أو أنوثيته، أو مشكلا. فإن كان واضحا فالأمر فيه واضح. إن كان ذكرا فله حكم الذكور، ويشمله النص الوارد فيهم. وإن كان أنثى فله حكم الإناث، ويشملها النص الوارد فيهن. وإن كان مشكلا، فإن كان الذكر والأنثى لا يختلف إرثهما -كالإخوة للأم- فالأمر فيه واضح، وإن كان يختلف إرثه بتقدير ذكوريته وبتقدير أنوثيته، ولم يبق لنا طريق إلى العلم بذلك، لم نعطه أكثر التقديرين، لاحتمال ظلم من معه من الورثة، ولم نعطه الأقل، لاحتمال ظلمنا له. فوجب التوسط بين الأمرين، وسلوكُ أعدل الطريقين، قال تعالى:{ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وليس لنا طريق إلى العدل في مثل هذا أكثر من هذا الطريق المذكور. و{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وأما ( ميراث الجد ) مع الإخوة الأشقاء أو لأب، وهل يرثون معه أم لا؟ فقد دل كتاب الله على قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأن الجد يحجب الإخوة أشقاء أو لأب أو لأم، كما يحجبهم الأب. وبيان ذلك:أن الجد أب في غير موضع من القرآن كقوله تعالى:{ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} الآية. وقال يوسف عليه السلام:{ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} فسمى الله الجد وجد الأب أبا، فدل ذلك على أن الجد بمنزلة الأب، يرث ما يرثه الأب، ويحجب من يحجبه. وإذا كان العلماء قد أجمعوا على أن الجد حكمه حكم الأب عند عدمه في ميراثه مع الأولاد وغيرهم من بني الإخوة والأعمام وبنيهم، وسائر أحكام المواريث، فينبغي أيضا أن يكون حكمُه حكمَه في حجب الإخوة لغير أم. وإذا كان ابن الابن بمنزلة ابن الصلب فلم لا يكون الجد بمنزلة الأب؟ وإذا كان جد الأب مع ابن الأخ قد اتفق العلماء على أنه يحجبه. فلم لا يحجب جد الميت أخاه؟ فليس مع مَنْ يورِّث الإخوةَ مع الجد، نص ولا إشارة ولا تنبيه ولا قياس صحيح. وأما مسائل (العول) فإنه يستفاد حكمها من القرآن، وذلك أن الله تعالى قد فرض وقدر لأهل المواريث أنصباء، وهم بين حالتين:إما أن يحجب بعضهم بعضًا أو لا. فإن حجب بعضهم بعضا، فالمحجوب ساقط لا يزاحِم ولا يستحق شيئا، وإن لم يحجب بعضهم بعضا فلا يخلو، إما أن لا تستغرق الفروض التركة، أو تستغرقها من غير زيادة ولا نقص، أو تزيد الفروض على التركة، ففي الحالتين الأوليين كل يأخذ فرضه كاملا. وفي الحالة الأخيرة وهي ما إذا زادت الفروض على التركة فلا يخلو من حالين:إما أن ننقص بعضَ الورثة عن فرضه الذي فرضه الله له، ونكمل للباقين منهم فروضهم، وهذا ترجيح بغير مرجح، وليس نقصان أحدهم بأولى من الآخر، فتعينت الحال الثانية، وهي:أننا نعطي كل واحد منهم نصيبه بقدر الإمكان، ونحاصص بينهم كديون الغرماء الزائدة على مال الغريم، ولا طريق موصل إلى ذلك إلا بالعول، فعلم من هذا أن العول في الفرائض قد بينه الله في كتابه. وبعكس هذه الطريقة بعينها يعلم ( الرد ) فإن أهل الفروض إذا لم تستغرق فروضُهم التركةَ وبقي شيء ليس له مستحق من عاصب قريب ولا بعيد، فإن رده على أحدهم ترجيح بغير مرجح، وإعطاؤه غيرَهم ممن ليس بقريب للميت جنف وميل، ومعارضة لقوله:{ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} فتعين أن يُرَدَّ على أهل الفروض بقدر فروضهم. ولما كان الزوجان ليسا من القرابة، لم يستحقا زيادة على فرضهم المقدر [هذا عند من لا يورِّث الزوجين بالرد، وهم جمهور القائلين بالرد، فعلى هذا تكون علة الرد كونه صاحب فرض قريبا، وعلى القول الآخر، أن الزوجين كغيرهما من ذوي الفروض يُرَدُّ عليهما؛ فكما ينقصان بالعول فإنهما يزادان بالرد كغيرهما، فالعلة على هذا كونه وارثا صاحب فرض، فهذا هو الظاهر من دلالة الكتاب والسنة، والقياس الصحيح، والله أعلم] وبهذا يعلم أيضا ( ميراث ذوي الأرحام ) فإن الميت إذا لم يخلف صاحب فرض ولا عاصبا، وبقي الأمر دائرا بين كون ماله يكون لبيت المال لمنافع الأجانب، وبين كون ماله يرجع إلى أقاربه المدلين بالورثة المجمع عليهم، ويدل على ذلك قوله تعالى:{ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} فصرفه لغيرهم ترك لمن هو أولى من غيره، فتعين توريث ذوي الأرحام. وإذا تعين توريثهم، فقد علم أنه ليس لهم نصيب مقدر بأعيانهم في كتاب الله. وأن بينهم وبين الميت وسائط، صاروا بسببها من الأقارب. فينزلون منزلة من أدلوا به من تلك الوسائط. والله أعلم. وأما ( ميراث بقية العصبة ) كالبنوة والأخوة وبنيهم، والأعمام وبنيهم إلخ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولي رجل ذكر"وقال تعالى:{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} فإذا ألحقنا الفروض بأهلها ولم يبق شيء، لم يستحق العاصب شيئًا، وإن بقي شيء أخذه أولي العصبة، وبحسب جهاتهم ودرجاتهم. فإن جهات العصوبة خمس:البنوة، ثم الأبوة، ثم الأخوة وبنوهم، ثم العمومة وبنوهم، ثم الولاء، فيقدم منهم الأقرب جهة. فإن كانوا في جهة واحدة فالأقرب منزلة، فإن كانوا في منزلة واحدة فالأقوى، وهو الشقيق، فإن تساووا من كل وجه اشتركوا. والله أعلم. وأما كون الأخوات لغير أم مع البنات أو بنات الابن عصبات، يأخذن ما فضل عن فروضهن، فلأنه ليس في القرآن ما يدل على أن الأخوات يسقطن بالبنات. فإذا كان الأمر كذلك، وبقي شيء بعد أخذ البنات فرضهن، فإنه يعطى للأخوات ولا يعدل عنهن إلى عصبة أبعد منهن، كابن الأخ والعم، ومن هو أبعد منهم. والله أعلم.
وبعد أن بين- سبحانه- ميراث الأولاد والأبوين شرع في بيان ميراث الأزواج فقال- تعالى-: وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ. فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ.
أى: ولكم أيها الرجال نصف ما ترك أزواجكم من المال إن لم يكن لهؤلاء الزوجات الموروثات ولد ذكرا كان أو أنثى، واحدا كان أو متعددا، منكم كان أو من غيركم فإن كان لهن ولد فلكم أيها الأزواج الربع مما تركن من المال.
وبهذا نرى أن للزوج في الميراث حالتين: حالة يأخذ فيها نصف ما تركته زوجته المتوفاة من مال إن لم تترك خلفها ولدا من بطنها أو من صلب بنيها أو بنى بنيها ... إلخ، فإن تركت ولدا على التفصيل السابق كان لزوجها ربع ما تركت من مال وتلك هي الحالة الثانية للزوج، ويكون الباقي في الصورتين لبقية الورثة.
وقوله مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ متعلق بكلتا الصورتين.
أى لكم ذلك أيها الرجال من بعد استخراج وصيتهن وقضاء ما عليهن من ديون.
ثم بين- سبحانه- نصيب الزوجة فقال وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ، فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ.
أى أن للزوجات ربع المال الذي تركه أزواجهن إذا لم يكن لهؤلاء الأزواج الأموات ولد من ظهورهم أو من ظهور بنيهم أو بنى بنيهم.. إلخ فإن ترك الأزواج من خلفهم ولدا فللزوجات ثمن المال الذي تركه أزواجهن ويكون المال الباقي في الصورتين لبقية الورثة.
ونرى من هذا أن الزوجة على النصف في التقدير من الزوج، وهو قاعدة عامة في قسمة الميراث بالنسبة للذكر والأنثى، ولم يستثن إلا الإخوة لأم، والأبوين في بعض الأحوال.
وقوله مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ متعلق بما قبله.
أى لكن ذلك أيتها الزوجات من بعد استخراج وصيتهم وقضاء ما عليهم من ديون.
ثم بين- سبحانه، ميراث الإخوة والأخوات لأم فقال- تعالى-: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ. فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ.
والكلالة هم القرابة من غير الأصول والفروع.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما الكلالة؟ قلت: تطلق على واحد من ثلاثة: على من لم يخلف ولدا ولا والدا «وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد، ومنه قولهم ما ورث المجد عن كلالة. كما تقول: ما صمت عن عي، وما كف عن جبن.
والكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة من الإعياء، قال الأعشى:
فآليت لا أرثى لها من كلالة فاستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد لأنها بالإضافة إلى قرابتهما كالّة ضعيفة. وعن أبى بكر الصديق- رضى الله عنه- أنه سئل عن الكلالة فقال: الكلالة: من لا ولد له ولا والد».
والظاهر أن كلمة «كلالة هنا وصف للميت الموروث، لأنها حال من نائب فاعل قوله:
يُورَثُ وهو ضمير الميت الموروث. والتقدير: وإن كان رجل موروثا حال كونه كلالة. أى لم يترك ولدا ولا والدا. ويرى بعضهم أن كلمة كلالة هنا: وصف للوارث الذي ليس بولد ولا والد للميت. لأن هؤلاء الوارثين يتكللون الميت من جوانبه، وليسوا في عمود نسبه، كالإكليل يحيط بالرأس، ووسط الرأس منه خال. من تكلله الشيء إذا أحاط به. فسمى هؤلاء الأقارب الذين ليسوا من أصول الميت أو من فروعه كلالة، لأنهم أطافوا به من جوانبه لا من عمود نسبه. وعلى هذا الرأى يكون المعنى وإن كان رجل يورث حال كونه ذا وارث هو كلالة.
أى أن وارثه ليس بولد ولا والد له.
والمراد بالإخوة والأخوات هنا: الإخوة والأخوات لأم، بدليل قراءة سعد بن أبى وقاص:
«وله أخ أو أخت من أم» . ويدل عليه- أيضا- أن الله- تعالى- ذكر ميراث الإخوة مرتين:
هنا مرة، ومرة أخرى في آخر آية من هذه السورة وهي قوله: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ.
وقد جعل- سبحانه- في الآية التي معنا للواحد السدس وللأكثر الثلث شركة، وجعل في الآية التي في آخر السورة للأخت الواحدة النصف، وللاثنتين الثلثين، فوجب أن يكون الإخوة هنا وهناك مختلفين دفعا للتعارض. ولأنه لما كان الإخوة لأب وأم أو لأب فحسب أقرب من الإخوة لأم، وقد أعطى- سبحانه- الأخت والأختين والإخوة في آخر السورة نصيبا أوفر، فقد وجب حمل الإخوة في آخر السورة على الأشقاء أو الإخوة لأب. كما وجب حمل الإخوة والأخوات هنا على الإخوة لأم.
والمعنى: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أى: يورث من غير أصوله أو فروعه أَوِ امْرَأَةٌ أى: تورث كذلك من غير أصولها أو فروعها.
والضمير في قوله وَلَهُ يعود لذلك الشخص الميت المفهوم من المقام. أو لواحد منهما- أى الرجل والمرأة- والتذكير للتغليب. أو يعود للرجل واكتفى بحكمه عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما في هذا الحكم.
وقوله: أَخٌ أَوْ أُخْتٌ أى: من الأم فقط فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا أى: الأخ والأخت السُّدُسُ مما ترك ذلك المتوفى من غير تفضيل للذكر على الأنثى، لأنهما يتساويان في الإدلاء إلى الميت بمحض الأنوثة. فَإِنْ كانُوا أى: الإخوة والأخوات لأم، أكثر من واحد فهم شركاء في الثلث، يقتسمونه فيما بينهم بالسوية بين ذكورهم وإناثهم، والباقي من المال الموروث يقسم بين أصحاب الفروض والعصبات من الورثة.
وبذلك نرى أن الإخوة والأخوات من الأم لهم حالتان:
إحداهما: أن يأخذ الواحد أو الواحدة السدس إذا انفردا.
والثانية: أن يتعدد الأخ لأم أو الأخت لأم وفي هذه الحالة يكون نصيبهم الثلث يشتركون فيه بالسوية بلا فرق بين الذكر والأنثى.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ.
أى: هذه القسمة التي قسمها الله- تعالى- لكم بالنسبة للإخوة للأم إنما تتم بعد تنفيذ وصية الميت وقضاء ما عليه من ديون، من غير ضرار الورثة بوصيته أو دينه. وفي قوله يُوصى قراءتان سبعيتان:
إحداهما بالبناء للمفعول أى يُوصى - بفتح الصاد- فيكون قوله غَيْرَ مُضَارٍّ حال من فاعل فعل مضمر يدل عليه المذكور. أى من بعد وصية يوصى بها أو دين حالة كون الموصى به أو الدين غير مضار، أى غير متسبب في ضرر الورثة.
والقراءة الثانية بالبناء للفاعل أى يُوصى - بكسر الصاد- فيكون قوله غَيْرَ مُضَارٍّ حال من فاعل الفعل المذكور وهو ضمير يُوصى.
أى: يوصى بما ذكر من الوصية والدين حال كونه «غير مضار» أى غير مدخل الضرر على الورثة. وبهذا نرى أن مرتبة الورثة في التقسيم تأتى بعد سداد الديون وبعد تنفيذ الوصايا ولذا ذكر سبحانه هذين الأمرين أربع مرات في هاتين الآيتين تأكيدا لحق الدائنين والموصى لهم وتبرئة لذمة المتوفى فقد قال بعد بيان ميراث الأولاد والأبوين مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ وقال بعد بيان ميراث الزوج مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وقال بعد ميراث الزوجة: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وقال بعد بيان ميراث الإخوة والأخوات لأم: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ.
وقد قدم- سبحانه- الوصية على الدين في اللفظ مع أنها مؤخرة عن الدين في السداد، وذلك للتشديد في تنفيذها، إذ هي مظنه الإهمال، أو مظنة الإخفاء، ولأنها مال يعطى بغير عوض فكان إخراجها شاقا على النفس، فكان من الأسلوب البليغ الحكيم العناية بتنفيذها، وكان من مظاهر هذه العناية تقديمها في الذكر.
وقد وضح هذا المعنى صاحب الكشاف فقال: فإن قلت: لم قدمت الوصية على الدين والدين مقدم عليها في الشريعة؟ قلت: لما كانت الوصية مشبهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض، كان إخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظمهم ولا تطيب أنفسهم بها، فكان أداؤها مظنة للتفريط، بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فلذلك قدمت على الدين بعثا على وجوبها والمسارعة إلى إخراجها مع الدين.
فإن قلت: ما معنى أَوْ؟ قلت معناها الإباحة، وأنه إذا كان أحدهما أو كلاهما، قدم على قسمة الميراث كقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين. فأو هنا جيء بها للتسوية بينهما في الوجوب» .
وقوله- تعالى- غَيْرَ مُضَارٍّ يفيد النهى للمورث عن إلحاق الضرر بورثته عن طريق الوصية أو بسبب الديون.
والضرر بالورثة عن طريق الوصية يتأتى بأن يوصى المورث بأكثر من الثلث، أو به فأقل مع قصده الإضرار بالورثة فقد روى النسائي في سننه عن ابن عباس أنه قال: الضرار في الوصية من الكبائر» . وقال قتادة: كره الله الضرار في الحياة وعند الممات ونهى عنه.
والضرر بالورثة بسبب الدين يتأتى بأن يقر بدين لشخص ليس له عليه دين دفعا للميراث عن الورثة، أو يقر بأن الدين الذي كان له على غيره قد استوفاه ووصل إليه، مع أنه لم يحصل شيء من ذلك.
وقد ذكر- سبحانه- هذه الجملة وهي قوله غَيْرَ مُضَارٍّ بعد حديثه عن ميراث الإخوة والأخوات من الأم، تأكيدا لحقوقهم، وتحريضا على أدائها، لأن حقوقهم مظنة الضياع والإهمال. ولا يزال الناس إلى الآن يكادون يهملون نصيب الإخوة لأم.
وقوله وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ نصبت كلمة وَصِيَّةٍ فيه على أنها مصدر مؤكد أى: يوصيكم الله بذلك وصية. والتنوين فيها للتفخيم والتعظيم. والجار والمجرور وهو مِنَ اللَّهِ متعلق بمحذوف وقع صفة لوصية: أى وصية كائنة من الله فمن خالفها كان مستحقا لعقابه.
وقوله وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ تذييل قصد به تربية المهابة في القلوب من خالقها العليم بأحوالها. أى والله عليم بما تسرون وما تعلنون، وبما يصلح أحوالكم وبمن يستحق الميراث ومن لا يستحقه وبمن يطيع أوامره ومن يخالفها حليم لا يعجل بالعقوبة على من عصاه، فهو- سبحانه- يمهل ولا يهمل. فعليكم أن تستجيبوا لأحكامه، حتى تكونوا أهلا لمثوبته ورضاه.
يقول تعالى : ولكم - أيها الرجال - نصف ما ترك أزواجكم إذا متن عن غير ولد ، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد [ وصية ] يوصين بها أو دين . وقد تقدم أن الدين مقدم على الوصية ، وبعده الوصية ثم الميراث ، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء ، وحكم أولاد البنين وإن سفلوا حكم أولاد الصلب .
ثم قال : ( ولهن الربع مما تركتم [ إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم ] ) إلخ ، وسواء في الربع أو الثمن الزوجة والزوجتان الاثنتان والثلاث والأربع يشتركن فيه .
وقوله : ( من بعد وصية ) إلخ ، الكلام عليه كما تقدم .
وقوله : ( وإن كان رجل يورث كلالة ) الكلالة : مشتقة من الإكليل ، وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه ، والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه ، كما روى الشعبي عن أبي بكر الصديق : أنه سئل عن الكلالة ، فقال : أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه : الكلالة من لا ولد له ولا والد . فلما ولي عمر بن الخطاب قال : إني لأستحيي أن أخالف أبا بكر في رأي رآه . رواه ابن جرير وغيره .
وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد ، حدثنا سفيان ، عن سليمان الأحول ، عن طاوس قال : سمعت عبد الله بن عباس يقول : كنت آخر الناس عهدا بعمر بن الخطاب ، فسمعته يقول : القول ما قلت ، وما قلت وما قلت . قال : الكلالة من لا ولد له ولا والد .
وهكذا قال علي بن أبي طالب وابن مسعود ، وصح عن غير وجه عن عبد الله بن عباس ، وزيد بن ثابت ، وبه يقول الشعبي والنخعي ، والحسن البصري ، وقتادة ، وجابر بن زيد ، والحكم . وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة . وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف بل جميعهم . وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد ، وورد فيه حديث مرفوع . قال أبو الحسين بن اللبان : وقد روي عن ابن عباس ما يخالف ذلك ، وهو أنه لا ولد له . والصحيح عنه الأول ، ولعل الراوي ما فهم عنه ما أراد .
وقوله : ( وله أخ أو أخت ) أي : من أم ، كما هو في قراءة بعض السلف ، منهم سعد بن أبي وقاص ، وكذا فسرها أبو بكر الصديق فيما رواه قتادة عنه ، ( فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث )
وإخوة الأم يخالفون بقية الورثة من وجوه ، أحدها : أنهم يرثون مع من أدلوا به وهي الأم . الثاني : أن ذكرهم وأنثاهم سواء . الثالث : أنهم لا يرثون إلا إذا كان ميتهم يورث كلالة ، فلا يرثون مع أب ، ولا جد ، ولا ولد ، ولا ولد ابن . الرابع : أنهم لا يزادون على الثلث ، وإن كثر ذكورهم وإناثهم .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا يونس ، عن الزهري قال : قضى عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أن ميراث الإخوة من الأم بينهم ، للذكر مثل الأنثى قال محمد بن شهاب الزهري : ولا أرى عمر قضى بذلك حتى علم بذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذه الآية التي قال الله تعالى : ( فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث )
واختلف العلماء في المسألة المشتركة ، وهي : زوج ، وأم أو جدة ، واثنان من ولد الأم وواحد أو أكثر من ولد الأبوين . فعلى قول الجمهور : للزوج النصف ، وللأم أو الجدة السدس ، ولولد الأم الثلث ، ويشاركهم فيه ولد الأب والأم بما بينهم من القدر المشترك وهو إخوة الأم .
وقد وقعت هذه المسألة في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، فأعطى الزوج النصف ، والأم السدس ، وجعل الثلث لأولاد الأم ، فقال له أولاد الأبوين : يا أمير المؤمنين ، هب أن أبانا كان حمارا ، ألسنا من أم واحدة ؟ فشرك بينهم .
وصح التشريك عنه وعن أمير المؤمنين عثمان ، وهو إحدى الروايتين عن ابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، رضي الله عنهم . وبه يقول سعيد بن المسيب ، وشريح القاضي ، ومسروق ، وطاوس ، ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي ، وعمر بن عبد العزيز ، والثوري ، وشريك وهو مذهب مالك والشافعي ، وإسحاق ابن راهويه .
وكان علي بن أبي طالب لا يشرك بينهم ، بل يجعل الثلث لأولاد الأم ، ولا شيء لأولاد الأبوين ، والحالة هذه ، لأنهم عصبة . وقال وكيع بن الجراح : لم يختلف عنه في ذلك ، وهذا قول أبي بن كعب وأبي موسى الأشعري ، وهو المشهور عن ابن عباس ، وهو مذهب الشعبي وابن أبي ليلى ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والحسن بن زياد ، وزفر بن الهذيل ، والإمام أحمد بن حنبل ، ويحيى بن آدم ونعيم بن حماد ، وأبي ثور ، وداود بن علي الظاهري ، واختاره أبو الحسين بن اللبان الفرضي ، رحمه الله ، في كتابه " الإيجاز " .
وقوله : ( من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ) أي : لتكون وصيته على العدل ، لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة ، أو ينقصه ، أو يزيده على ما قدر الله له من الفريضة فمتى سعى في ذلك كان كمن ضاد الله في حكمته وقسمته; ولهذا قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا أبو النضر الدمشقي الفراديسي ، حدثنا عمر بن المغيرة ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الإضرار في الوصية من الكبائر " .
وكذا رواه ابن جرير من طريق عمر بن المغيرة هذا وهو أبو حفص بصري سكن المصيصة ، قال أبو القاسم ابن عساكر : ويعرف بمفتي المساكين . وروى عنه غير واحد من الأئمة . وقال فيه أبو حاتم الرازي : هو شيخ . وقال علي بن المديني : هو مجهول لا أعرفه . لكن رواه النسائي في سننه عن علي ابن حجر ، عن علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، موقوفا : " الإضرار في الوصية من الكبائر " . وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ، عن عائذ بن حبيب ، عن داود بن أبي هند . ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس موقوفا وفي بعضها : ويقرأ ابن عباس : ( غير مضار )
قال ابن جريج والصحيح الموقوف .
ولهذا اختلف الأئمة في الإقرار للوارث : هل هو صحيح أم لا ؟ على قولين : أحدهما : لا يصح لأنه مظنة التهمة أن يكون قد أوصى له بصيغة الإقرار وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث " . وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ، وأحمد بن حنبل ، والقول القديم للشافعي ، رحمهم الله ، وذهب في الجديد إلى أنه يصح الإقرار . وهو مذهب طاوس ، وعطاء ، والحسن ، وعمر بن عبد العزيز .
وهو اختيار أبي عبد الله البخاري في صحيحه . واحتج بأن رافع بن خديج أوصى ألا تكشف الفزارية عما أغلق عليه بابها قال : وقال بعض الناس : لا يجوز إقراره لسوء الظن به للورثة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث " . وقال الله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) [ النساء : 58 ] فلم يخص وارثا ولا غيره . انتهى ما ذكره .
فمتى كان الإقرار صحيحا مطابقا لما في نفس الأمر جرى فيه هذا الخلاف ، ومتى كان حيلة ووسيلة إلى زيادة بعض الورثة ونقصان بعضهم ، فهو حرام بالإجماع وبنص هذه الآية الكريمة ( غير مضار وصية من الله والله عليم حليم ) [ ثم قال الله ]
القول في تأويل قوله : وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه،" ولكم " أيها الناس =" نصف ما ترك أزواجكم "، بعد وفاتهن من مال وميراث =" إن لم يكن لهن ولد "، يوم يحدث بهن الموت، (1) لا ذكر ولا أنثى =" فإن كان لهن ولد "، أي: فإن كان لأزواجكم يوم يحدث لهن الموت، (2) ولد ذكر أو أنثى =" فلكم الربع مما تركن "، من مال وميراث، ميراثًا لكم عنهن =" من بعد وصية يوصين بها أو دين "، يقول: ذلكم لكم ميراثًا عنهن، مما يبقى من تركاتهن وأموالهن، من بعد قضاء ديونهن التي يمتن وهي عليهن، ومن بعد إنفاذ وصاياهن الجائزة إن كن أوصين بها.
* * *
القول في تأويل قوله : وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد " ولأزواجكم، أيها الناس، ربع ما تركتم بعد وفاتكم من مال وميراث، إن حدث بأحدكم حَدَثُ الوفاة ولا ولد له ذكر ولا أنثى =" فإن كان لكم ولد "، يقول: فإن حدث بأحدكم حدث الموت وله ولد ذكر أو أنثى، واحدًا كان الولد أو جماعة =" فلهن الثمن مما تركتم "، يقول: فلأزواجكم حينئذ من أموالكم وتركتكم التي تخلفونها بعد وفاتكم، الثمن من بعد قضاء ديونكم التي حدث بكم حدث الوفاة وهي عليكم، ومن بعد إنفاذ وصاياكم الجائزة التي توصون بها.
* * *
وإنما قيل: " من بعد وصية توصون بها أو دين "، فقدم ذكر الوصية على ذكر الدين، لأن معنى الكلام: إن الذي فرضتُ لمن فرضتُ له منكم في هذه الآيات، إنما هو له من بعد إخراج أيِّ هذين كان في مال الميت منكم، (3) من وصية أو دين. فلذلك كان سواءً تقديم ذكر الوصية قبل ذكر الدين، وتقديم ذكر الدين قبل ذكر الوصية، لأنه لم يرد من معنى ذلك إخراج الشيئين: " الدين والوصية " من ماله، فيكون ذكر الدين أولى أن يُبدأ به من ذكر الوصية. (4)
* * *
القول في تأويل قوله : وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وإن كان رجلٌ أو امرأة يورث كلالةً.
ثم اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
* * *
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل الإسلام: ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً ) ، يعني: وإن كان رجل يورث متكلًّل النسب.
* * *
ف " الكلالة " على هذا القول، مصدر من قولهم: " تكلَّله النسب تكلُّلا وكلالة "، بمعنى: تعطف عليه النسب.
* * *
وقرأه بعضهم: ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً ) ، بمعنى: وإن كان رجل يورِث من يتكلَّله، بمعنى: من يتعطف عليه بنسبه من أخ أو أخت.
* * *
واختلف أهل التأويل في" الكلالة ".
فقال بعضهم: هي ما خلا الوالد والولد.
* ذكر من قال ذلك:
8745 - حدثنا الوليد بن شجاع السَّكوني قال، حدثني علي بن مسهر، عن عاصم، عن الشعبي قال: قال أبو بكر رحمه الله عليه: إني قد رأيت في الكلالة رأيًا = فإن كان صوابًا فمن الله وحده لا شريك له، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان، (5) والله منه بريء =: أن الكلالة ما خلا الولد والوالد. فلما &; 8-54 &; استخلف عمر رحمة الله عليه قال: إني لأستحيي من الله تبارك وتعالى أن أخالف أبا بكر في رأي رآه. (6)
8746 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عاصم الأحول قال، حدثنا الشعبي: أن أبا بكر رحمه الله قال في الكلالة: أقول فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن الله: هو ما دون الولد والوالد. قال: فلما كان عمر رحمه الله قال: إني لأستحيي من الله أن أخالف أبا بكر.
8747 - حدثنا [يونس بن عبد الأعلى] قال، أخبرنا سفيان، عن عاصم الأحول، عن الشعبي: أن أبا بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما قالا الكلالة من لا ولد له ولا والد. (7)
8748 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن عمران بن حدير، عن السميط قال: كان عمر رجلا أيسر، (8) فخرج يومًا وهو يقول بيده &; 8-55 &; هكذا، (9) يديرها، إلا أنه قال، أتى عليّ حين ولست أدري ما الكلالة، ألا وإنّ الكلالة ما خلا الولد والوالد. (10)
8749 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن عامر، عن أبي بكر قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
8750 - حدثني يونس قال، أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، عن ابن عباس قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد.
8751 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن جريج يحدث، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، عن ابن عباس قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد.
8752 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد بن الحنفية، عن ابن عباس، قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد (11) .
8753 - حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا &; 8-56 &; أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد، عن ابن عباس بمثله. (12)
8754 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد السلولي، عن ابن عباس قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
8755 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة "، قال: الكلالة من لم يترك ولدًا ولا والدًا.
8756 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد قال: ما رأيتهم إلا قد اتفقوا أن من مات ولم يدع ولدًا ولا والدًا، أنه كلالة.
8757 - حدثنا تميم بن المنتصر قال، حدثنا إسحاق بن يوسف، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد قال: ما رأيتهم إلا قد أجمعوا أنّ الكلالة الذي ليس له ولد ولا والد.
8758 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
8759 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن أبي &; 8-57 &; إسحاق، عن سليم بن عبد قال: أدركتهم وهم يقولون، إذا لم يدع الرجل ولدًا ولا والدًا، وُرِث كلالة.
8760 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وإن كان رجل يورَث كلالة أو امرأة "، والكلالة الذي لا ولد له ولا والد، لا أب ولا جد، ولا ابن ولا ابنة، فهؤلاء الأخوة من الأم.
8761 - حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم قال في الكلالة: ما دون الولد والوالد.
8762 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: الكلالة كل من لا يرثه والد ولا ولد، وكل من لا ولد له ولا والد فهو يورث كلالة، من رجالهم ونسائهم.
8763 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة والزهري وأبي إسحاق، قال: الكلالة من ليس له ولد ولا والد.
8764 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن محمد، عن معمر، عن الزهري وقتادة وأبي إسحاق مثله.
* * *
وقال آخرون: " الكلالة ما دون الولد "، وهذا قول عن ابن عباس، وهو الخبر الذي ذكرناه قبل من رواية طاوس عنه: (13) أنه ورَّث الإخوة من الأم السدس مع الأبوين.
* * *
وقال آخرون: الكلالة ما خلا الوالد.
* ذكر من قال ذلك:
8765 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا سهل بن يوسف، عن شعبة، قال: &; 8-58 &; سألت الحكم عن الكلالة قال: فهو ما دون الأب.
* * *
واختلف أهل العربية في الناصب للكلالة.
فقال بعض البصريين: إن شئت نصبت " كلالة " على خبر " كان "، وجعلت " يورث " من صفة " الرجل ". وإن شئت جعلت " كان " تستغني عن الخبر نحو " وقع "، وجعلت نصب " كلالة " على الحال، أي: يورث كلالة، (14) كما يقال: " يضرب قائمًا ".
* * *
وقال بعضهم قوله: " كلالة "، خبر " كان "، لا يكون الموروث كلالة، وإنما الوارث الكلالةُ.
* * *
قال أبو جعفر والصواب من القول في ذلك عندي أن " الكلالة " منصوب على الخروج من قوله: " يورث "، وخبر " كان "" يورث ". و " الكلالة " وإن كانت منصوبة بالخروج من " يورث "، فليست منصوبة على الحال، ولكن على المصدر من معنى الكلام. لأن معنى الكلام: وإن كان رجل يورَث متكلِّله النسب كلالةً = ثم ترك ذكر " متكلِّله " اكتفاء بدلالة قوله: " يورث " عليه.
* * *
واختلف أهل العلم في المسمَّى " كلالة ".
فقال بعضهم: " الكلالة " الموروث، وهو الميت نفسه، يسمى بذلك إذا ورثه غير والده وولده. (15)
* ذكر من قال ذلك:
8766 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا &; 8-59 &; أسباط، عن السدي قوله في الكلالة، (16) قال: الذي لا يدع والدًا ولا ولدًا.
8767 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس قال: كنت آخر الناس عهدًا بعمر رحمه الله، (17) فسمعته يقول: القولُ ما قلت. (18) قلت: وما قلت؟ قال: الكلالة من لا ولد له. (19)
8768 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ويحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد، عن ابن عباس قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد. (20)
&; 8-60 &;
وقال آخرون: " الكلالة "، هي الورثة الذين يرثون الميت، إذا كانوا إخوة أو أخوات أو غيرهم، إذا لم يكونوا ولدًا ولا والدًا، على ما قد ذكرنا من اختلافهم في ذلك.
* * *
وقال آخرون: بل " الكلالة " الميت والحي جميعًا.
* ذكر من قال ذلك:
8769 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد: الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد = أو الحي، كلهم " كلالة "، هذا يَرِث بالكلالة، وهذا يورَث بالكلالة (21) .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله هؤلاء، وهو أن " الكلالة " الذين يرثون الميت، من عَدا ولده ووالده، وذلك لصحة الخبر الذي ذكرناه عن جابر بن عبد الله أنه قال: قلت يا رسول الله؟ إنما يرثني كلالة، فكيف بالميراث (22) وبما: -
8770 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن عمرو بن سعيد قال، كنا مع حميد بن عبد الرحمن في سوق الرقيق، قال: فقام من عندنا ثم رجع، فقال: هذا آخر ثلاثة من بني سعد حدَّثوني هذا الحديث، قالوا: مرض سعد بمكة مرضًا شديدًا، قال: فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده. فقال: يا رسول الله، لي مال كثير، وليس لي وارثٌ إلا كلالة، فأوصي بمالي كله؟ فقال: لا. (23)
8771 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا إسحاق بن سويد، عن العلاء بن زياد قال: جاء شيخٌ إلى عمر رضي الله عنه فقال: إنِّي شيخ، وليس لي وارث إلا كلالةُ أعراب مُتراخٍ نسبُهم، (24) أفأوصي بثلث مالي؟ قال: لا.
* * *
=فقد أنبأت هذه الأخبار عن صحة ما قلنا في معنى " الكلالة "، وأنها ورثة الميت دون الميت، ممن عدا والده وولده.
* * *
القول في تأويل قوله : وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " وله أخ أو أخت "، وللرجل الذي يورث كلالة أخ أو أخت، يعني: أخًا أو أختًا من أمه، كما:-
8772 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن يعلى بن عطاء، عن القاسم، عن سعد أنه كان يقرأ: " وإن كان رجل &; 8-62 &; يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت " قال، سعد: لأمه.
8773 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء قال: سمعت القاسم بن ربيعة يقول: قرأت على سعد: " وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت " قال، سعد: لأمه.
8774 - حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن القاسم بن ربيعة بن قانف (25) قال: قرأت على سعد، فذكر نحوه.
8775 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، أخبرنا هشيم قال، أخبرنا يعلى بن عطاء، عن القاسم بن ربيعة قال: سمعت سعد بن أبي وقاص قرأ: " وإن كان رجل يورث كلالة وله أخ أو أخت من أمه ". (26)
8776 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وله أخ أو أخت " فهؤلاء الإخوة من الأم: إن كان واحدًا فله السدس، وإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، ذكرهم وأنثاهم فيه سواء. (27)
8778 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت "، &; 8-63 &; فهؤلاء الإخوة من الأم، فهم شركاء في الثلث، سواءٌ الذكر والأنثى.
* * *
قال أبو جعفر: وقوله: " فلكل واحد منهما السدس "، إذا انفرد الأخ وحده أو الأخت وحدها، ولم يكن أخ غيره أو غيرها من أمه، فله السدس من ميراث أخيه لأمه. فإن اجتمع أخ وأخت، أو أخوان لا ثالث معهما لأمهما، أو أختان كذلك، أو أخ وأخت ليس معهما غيرهما من أمهما = فلكل واحد منهما من ميراث أخيهما لأمهما السدس =" فإن كانوا أكثر من ذلك "، يعني: فإن كان الإخوة والأخوات لأم الميت الموروث كلالة أكثرَ من اثنين =" فهم شركاء في الثلث "، يقول: فالثُّلث الذي فرضت لاثنيهم إذا لم يكن غيرهما من أمهما ميراثًا لهما من أخيهما الميت الموروث كلالة، شركة بينهم، إذا كانوا أكثر من اثنين إلى ما بلغ عددهم على عدد رؤوسهم، لا يفضل ذكر منهم على أنثى في ذلك، ولكنه بينهم بالسويَّة.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل: " وله أخ أو أخت "، ولم يُقَل: " لهما أخ أو أخت "، وقد ذكر قبل ذلك " رجل أو امرأة "، فقيل: (28) وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ ؟ قيل: إن من شأن العرب إذا قدمت ذكر اسمين قبل الخبر، فعطفت أحدهما على الآخر بـ " أو " ، ثم أتت بالخبر، أضافت الخبر إليهما أحيانًا، وأحيانًا إلى أحدهما، وإذا أضافت إلى أحدهما، كان سواء عندها إضافة ذلك إلى أيّ الاسمين اللذين ذكرتهما إضافَته، فتقول: " من كان عنده غلام أو جارية فليحسن إليه "، يعني: فليحسن إلى الغلام - و " فليحسن إليها "، يعني: فليحسن إلى الجارية - و " فليحسن إليهما ". (29)
* * *
وأما قوله: " فلكل واحد منهما السدس "، وقد تقدم ذكر الأخ والأخت بعطف أحدهما على الآخر، والدلالة على أن المراد بمعنى الكلام أحدهما في قوله: " وله أخ أو أخت "، فإن ذلك إنما جاز، لأن معنى الكلام، فلكل واحد من المذكورين السدس. (30)
* * *
القول في تأويل قوله : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " من بعد وصيه يوصي بها "، أي: هذا الذي فرضت لأخي الميت الموروث كلالة وأخته أو إخوته وأخواته من ميراثه وتركته، إنما هو لهم من بعد قضاء دين الميت الذي كان عليه يوم حدث به حَدَثُ الموت من تركته، وبعد إنفاذ وصاياه الجائزة التي يوصي بها في حياته لمن أوصى له بها بعد وفاته، كما:-
8779 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " من بعد وصية يوصَى بها أو دين "، والدين أحق ما بدئ به من جميع المال، فيؤدَّي عن أمانة الميت، ثم الوصية، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم.
* * *
وأما قوله: " غير مضارّ"، فإنه يعني تعالى ذكره: من بعد وصية يوصي بها، غيرَ مضَارّ ورثته في ميراثهم عنه، كما:-
8780 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، &; 8-65 &; عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " غير مضار "، قال: في ميراث أهله.
8781 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: " غير مضار "، قال: في ميراث أهله.
8782 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " غير مضار وصية من الله "، وإن الله تبارك وتعالى كره الضرار في الحياة وعند الموت، ونهى عنه، وقدَّم فيه، فلا تصلح مضارَّة في حياة ولا موت.
8783 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال، حدثنا عبيدة بن حميد = وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية = جميعًا، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس في هذه الآية: " غير مضار وصية من الله واللهُ عليم حليم "، قال: الضرار في الوصية من الكبائر. (31)
8784 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الضرار في الوصية من الكبائر.
8785 - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله.
8786 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الحيفُ في الوصية من الكبائر.
8787 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى قالا حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الضرار والحيف في الوصية من الكبائر. (32)
8788 - حدثني موسى بن سهل الرملي قال، حدثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النضر قال، حدثنا عمر بن المغيرة قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الضرار في الوصية من الكبائر ". (33)
8789 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو عمرو التيمي، عن أبي الضحى قال: دخلت مع مسروق على مريض، فإذا هو يوصي قال: فقال له مسروق: أعدل لا تضلل. (34)
* * *
ونصبت " غيرَ مضارّ" على الخروج من قوله: " يوصَى بها " . (35)
* * *
وأما قوله: " وصية " فإن نصبه من قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ، وسائر ما أوصى به في الاثنين، ثم قال: " وصية من الله "، مصدرًا من قوله: يُوصِيكُمُ . (36)
* * *
وقد قال بعض أهل العربية: ذلك منصوب من قوله: فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ =" وصية من الله "، وقال: هو مثل قولك: " لك درهمان نفقةً إلى أهلك ". (37)
* * *
قال أبو جعفر: والذي قلناه بالصواب أولى، لأن الله جل ثناؤه افتتح ذكر قسمةِ المواريث في هاتين الآيتين بقوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ ، ثم ختم ذلك بقوله: " وصية من الله "، أخبر أن جميع ذلك وصية منه به عباده، فنصْبُ قوله: " وصية " على المصدر من قوله: يُوصِيكُمُ ، أولى من نصبه على التفسير من قوله: (38) فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ، لما ذكرنا.
* * *
ويعني بقوله تعالى ذكره: " وصية من الله "، عهدًا من الله إليكم فيما يجب لكم من ميراث من مات منكم = (39) " والله عليم "، يقول: والله ذو علم بمصالح خلقه ومضارِّهم، ومن يستحق أن يعطى من أقرباء من مات منكم وأنسبائه من ميراثه، ومن يحرم ذلك منهم، ومبلغ ما يستحق به كل من استحق منهم قسمًا، وغير ذلك من أمور عباده ومصالحهم =" حليم "، يقول: ذو حلم على خلقه، وذو أناة في تركه معاجلتهم بالعقوبة على ظلم بعضهم بعضًا، (40) في إعطائهم الميراث لأهل الجلد والقوة من ولد الميت، وأهل الغناء والبأس منهم، دون أهل الضعف والعجز من صغار ولده وإناثهم.
---------------------
الهوامش :
(1) في المطبوعة: "يحدث لهن الموت" باللام ، والصواب ما في المخطوطة .
(2) في المطبوعة: "يحدث لهن الموت" باللام ، والصواب ما في المخطوطة .
(3) في المخطوطة والمطبوعة: "الميت منكن" ، والصواب"منكم" كما أثبتها.
(4) في المطبوعة: "إخراج أحد الشيئين" بزيادة"أحد" ، وهي لا معنى لها هنا ، بل هي إخلال بما أراد ، وبما ذكر قبل من قوله: "إنما هو له من بعد إخراج أي هذين كان في مال الميت منكم".
(5) في المطبوعة: "وإن يكن خطأ" ، وأثبت ما في المخطوطة. وفي المطبوعة: "أبو بكر رضي الله عنه" ، وكذلك لما ذكر"عمر" ، وأثبت ما في المخطوطة في هذا الموضع وفيما يليه ، ولم أنبه إليه فيما يلي. وفي المخطوطة والمطبوعة: "فمني والشيطان" بإسقاط"من" ، والصواب من تفسير ابن كثير والبغوي بهامشه 2: 370 ، والدر المنثور 2: 250.
(6) الأثر: 8745 - أخرجه البيهقي في السنن 6: 223 ، 224 ، وابن كثير والبغوي 2: 370 ، والدر المنثور 2: 250 ، ونسبه أيضًا لعبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وفي الدر والبيهقي: "فلما طعن عمر" ، وفي ابن كثير: "فلما ولي عمر" ، وإحدى روايتي البيهقي ، ورواية البغوي كرواية الطبري: "فلما استخلف".
(7) الأثر: 8747 -"يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري ، شيخ الطبري ، روى عنه أبو جعفر شيئًا كثيرًا في تفسيره وفي غيره من كتبه ، وقد مضى برقم: 1679. وكان في المطبوعة: "أبو بشر بن عبد الأعلى" ، وليس في الرواة من كان بهذا الاسم ، وخاصة في شيوخ أبي جعفر. وفي المخطوطة: "أبو بشر عبد الأعلى" ، وهذا أيضًا لا يعرف ، ورجح عندي أنه تصحيف وتحريف من الناسخ ، وأن صوابه"يونس بن عبد الأعلى" شيخ الطبري ، فأثبته كذلك بين قوسين.
(8) جاء في هذا الأثر في صفة عمر أنه"أيسر" ، والذي جاء في الآثار من صفته أنه"أعسر يسر (بفتحتين) يعمل بيديه جميعًا" ، وذلك هو الذي يسمونه"الأضبط" ، تكون قوة شماله ، كقوة يمينه في العمل. فإذا كان يعمل بيده الشمال خاصة فهو"أعسر" ، والرجل إذا كان"أعسر" وليس"يسرًا" ، كانت يمينه أضعف من شماله.
هذا ، وكأنه أراد هنا بقوله: "أيسر" أنه يعمل بشماله ، وهو غريب عند أهل اللغة ، وقد جاء أيضًا في صفة عمر"أعسر أيسر" ، فقال أبو عبيد القاسم بن سلام: "هكذا روي في الحديث ، وأما كلام العرب ، فالصواب أنه"أعسر يسر". وقال ابن السكيت: "لا تقل أعسر أيسر". ولكن هكذا جاءت الرواية فيما بين أيدينا من تفسير أبي جعفر ، فلا أدري أأخطأ ناسخها ، أم هكذا كانت روايته. ولم أجد الخبر بتمامه في مكان آخر.
(9) قوله: "يقول بيده هكذا" ، أي: يحركها ويشير بها أو يومئ. و"القول" في كلام العرب يوضع مواضع كثيرة ، منها معنى الإشارة والتحريك والإيماء.
(10) الأثر: 8748 - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 224 من طريق محمد بن نصر ، عن عبد الأعلى ، عن حماد ، عن عمران بن حدير ، عن السميط بن عمير ، بغير هذا اللفظ مختصرًا ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 250-251 مختصرًا ، ولم ينسبه لغير ابن أبي شيبة.
و"عمران بن حدير السدوسي" مضت ترجمته فيما سلف برقم: 2634.
وأما "السميط" فهو: سميط بن عمير السدوسي ، ويقال: سميط بن سمير ، ويقال سميط بن عمرو. مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري: 2 / 2 / 204 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 317.
(11) الآثار: 8750 ، 8751 ، 8752 - ثلاث طرق ، وأخرجه البيهقي في السنن 6: 225 من طريقين ، من طريق أبي سعيد الأعرابي ، عن سعدان بن نصر ، عن سفيان = ومن طريق محمد بن نصر ، عن محمد بن الصباح ، عن سفيان ، مطولا.
(12) الأثر: 8753 ، ثم الآثار: 8754 ، 8756 ، 8757 ، 8758 ، 8759 - طرق مختلفة لخبر سليم بن عبد السلولي عن ابن عباس وسيرويه أيضًا برقم: 8768. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 224 من طريق أخرى ، من طريق يحيى بن يحيى ، عن هشيم ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق. وأشار إلى رقم: 8753 ، 8754 ، طريق إسرائيل عن أبي إسحاق.
و"سليم بن عبد السلولي" ، ويقال: "سليم بن عبد الله" ، كوفي. مترجم في الكبير للبخاري 2 / 2 / 127 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 212 ، وتعجيل المنفعة: 163 ، قال البخاري وأبو حاتم: "روى عن حذيفة ، روى عنه أبو إسحاق السبيعي" ، وزاد الحافظ في تعجيل المنفعة"فقط". وقال: "وثقه ابن حبان وقال: شهد غزوة طبرستان ، وقال العجلي: كوفي ثقة ، هم ثلاثة إخوة: سليم بن عبد ، وعمارة بن عبد ، وزيد بن عبد. ثقات ، سلوليون ، كوفيون".
هذا وقد أفادنا إسناد الطبري والبيهقي ، أنه روى أيضًا عن غير حذيفة من الصحابة ، روى عن ابن عباس أيضًا كما تسمع.
(13) هو الأثر رقم: 8734 ، فيما سلف.
(14) في المطبوعة: "يورث كلالة" ، وفي المخطوطة يشبه أن تكون"مورث" ، وتلك أجود ، فأثبتها لأنها أحق بالمكان.
(15) في المطبوعة: "سمى بذلك" وفي المخطوطة: "سمى" غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت.
(16) في المطبوعة: "قولهم في الكلالة" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.
(17) في المطبوعة: "رضي الله عنه" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(18) في المطبوعة: "فسمعته يقول ما قلت" ، أسقط"القول" ، وفي المخطوطة: "فسمعته يقول يقول ما قلت" ، وهو عجلة من الناسخ وتحريف ، والصواب ما أثبت من السنن الكبرى للبيهقي.
(19) الأثر: 8767 -"سليمان الأحول" هو: سليمان بن أبي مسلم المكي الأحول ، خال ابن أبي نجيح. وهو ثقة ، روى عنه الستة.
وهذا الأثر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 225 من طريق سعدان بن نصر ، عن سفيان (يعني ابن عيينة) ، عن سليمان الأحول. وقال البيهقي معقبًا على روايته: "كذا في هذه الرواية ، والذي روينا عن عمر وابن عباس في تفسير الكلالة ، أشبه بدلائل الكتاب والسنة من هذه الرواية ، وأولى أن يكون صحيحًا ، لانفراد هذه الرواية ، وتظاهر الروايات عنهما بخلافها".
وأشار إليها ابن كثير في تفسيره 2: 371 قال: "وقد روي عن ابن عباس ما يخالف ذلك ، وهو أنه من لا ولد له ، والصحيح عنه الأول ، ولعل الراوي ما فهم عنه ما أراد".
هذا ، ولم يغفل أبو جعفر عن ذلك ، فعقب عليه هو أيضًا برواية القول المشهور في الرواية عن ابن عباس ، فساق خبر سليم بن عبد السلولي عن ابن عباس ، الذي سلف من رقم: 8753 - 8759 ، من طريق أخرى ، واكتفى بذلك من التعليق على هذا القول الذي انفرد به طاوس عن ابن عباس.
(20) الأثر: 8768 - هما إسنادان أحدهما"ابن وكيع عن أبيه" ، وقد سلف 8754 ، والآخر: "ابن وكيع عن يحيى بن آدم" ، وهو إسناد لم يذكره مع أسانيد هذا الأثر فيما سلف من رقم: 8753-8759. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "سليمان بن عبد" ، وهو خطأ ، بل هو"سليم بن عبد السلولي" كما سلف في أسانيد الأثر.
(21) في المخطوطة: "هذا يرث بالكلالة ، وهذا يرث بالكلالة" ، وهو سهو من الناسخ ، صوابه ما في المطبوعة.
(22) هو الأثر السالف رقم: 8730.
(23) الأثر: 8770 -"عمرو بن سعيد القرشي" ، روى عن سعيد بن جبير ، وأبي العالية ، والشعبي ، وحميد بن عبد الرحمن الحميري ، روى عنه أيوب ، ويونس ، وابن عون ، وغيرهم وهو و"حميد بن عبد الرحمن الحميري" ، روى له الستة ، روى عن أبي بكرة وابن عمر ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وثلاثة من ولد سعد بن أبي وقاص (هم المذكورون في هذا الأثر) وغيرهم. قال ابن سعد: "كان ثقة ، وله أحاديث". وكلاهما مترجم في التهذيب.
وخبر سعد بن أبي وقاص في الوصية ، وقوله: "إني أورث كلالة" ، رواه ابن سعد في الطبقات 3 / 1 / 103 ، وأحمد في مسنده 4: 60 ، كلاهما: عفان بن مسلم ، عن وهيب ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عمرو بن القاري ، عن أبيه ، عن جده عمرو بن القاري.
وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب: 444 ، وابن الأثير في أسد الغابة 4: 119 وقال: "أخرجه الثلاثة" يعني ابن منده ، وأبو نعيم ، وابن عبد البر.
(24) قوله"متراخ نسبهم" ، أي: بعيد نسبهم ، من قولهم: "تراخى فلان عني" ، أي: بعد عني ، ولم يذكر أصحاب اللغة شاهدًا له ، وهذا شاهده.
(25) في المطبوعة: "القاسم بن ربيعة عن فاتك" ، وهو خطأ محض ، وفي المخطوطة كما أثبتها إلا أن الناسخ أساء كتابتها ونقطها ، فغيرها الناشرون. وانظر التعليق التالي.
(26) الآثار: 8772 -8775 -"القاسم بن ربيعة" ، هو: "القاسم بن ربيعة بن قانف الثقفي" منسوبًا إلى جده ، فهو: "القاسم بن عبد الله بن ربيعة بن قانف الثقفي". ثقة ، لم يرو عنه سوى"يعلى بن عطاء العامري" ، وقد سلفت ترجمته وإسناده فيما مضى رقم: 1755 -1757 .
وهذا الخبر عن سعد بن أبي وقاص ، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 223 ، والسيوطي في الدر المنثور 2: 126 ، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والدارمي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(27) سقط من الترقيم رقم: 8777.
(28) في المخطوطة والمطبوعة: "وقد ذكر مثل ذلك" وهو خطأ بين ، وصواب السياق ما أثبت.
(29) انظر معاني القرآن للفراء 1: 257 ، 258.
(30) في المطبوعة والمخطوطة: "ولكل واحد" بالواو ، والسياق يقتضي ما أثبت.
(31) الأثر: 8783 -"نصر بن عبد الرحمن الأزدي" ، مضت ترجمته برقم: 423 ، 875 ، 2859 ، وقد وقع هنا في المخطوطة والمطبوعة ، كما كان قد وقع هناك فيهما"الأودي" بالواو ، وهو خطأ.
و"عبيدة بن حميد بن صهيب التيمي" ، مضى برقم: 2781.
ثم انظر التعليق في آخر هذه الآثار رقم: 8787 ، 8788.
(32) الأثر 8787- وما قبله ، أثر ابن عباس ، رواه أبو جعفر بخمسة أسانيد موقوفا عليه ، وسيأتي في الذي يليه مرفوعًا ، وقد أخرجه البيهقي في السنن 6: 271 من طريق سعيد بن منصور ، عن هشيم ، عن داود بن أبي هند ، وقال: "هذا هو الصحيح ، موقوف ، وكذلك رواه ابن عيينة وغيره عن داود موقوفًا. وروي من وجه آخر مرفوعًا ، ورفعه ضعيف" ، وهو إشارة إلى الأثر التالي الذي رواه الطبري.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 2: 372 ، 373 قال: "رواه النسائي في سننه ، عن علي بن حجر ، عن علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس موقوفًا... وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد الأشج ، عن عائذ بن حبيب ، عن داود بن أبي هند. ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس موقوفًا" ، ثم قال: "قال ابن جرير: والصحيح الموقوف". وهذا الذي نسبه ابن كثير لابن جرير ، لم أجده في تفسيره في مظنته في هذا الموضع ، فلا أدري أسقط من الكتاب شيء ، أم وجده ابن كثير في مكان آخر من كتب أبي جعفر ، أم تعجل ابن كثير فأخطأ؟
هذا ، وقد جاء في هذه الآثار في المخطوطة والمطبوعة: "الحيف في الوصية" ، وفي السنن الكبرى"الجنف" ، وهو مثله في المعنى ، وهو الموافق لما في آية الوصية من سورة البقرة: 182"فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا".
(33) الأثر: 8788 -"إسحاق بن إبراهيم بن يزيد" أبو النضر الدمشقي الفراديسي ، مولى عمر بن عبد العزيز ، روى عنه البخاري ، وربما نسبه إلى جده يزيد. وهو ثقة ، مترجم في التهذيب.
وأما "عمر بن المغيرة" أبو حفص فهو بصري ، وقع إلى المصيصة ، روى عن داود بن أبي هند والجلد بن أيوب ، وروى عنه بقية بن الوليد ، وهشام بن عمار. قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عنه فقال: شيخ" وقال: "وروىعنه أبو النضر الدمشقي الفراديسي إسحاق بن إبراهيم". وقال البخاري: "عمر بن المغيرة ، منكر الحديث مجهول". وقال علي بن المديني: "هو مجهول ، لا أعرفه". مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 1 / 136 ، ولسان الميزان 4: 332.
وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عمرو بن المغيرة" ، والصواب ما أثبته.
وهذا الأثر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 271 من طريق عبد الله بن يوسف التنسي ، عنه. وخرجه ابن كثير في تفسيره 2: 372 ، ونسبه لأبي بن حاتم ، عن أبيه ، عن أبي النضر الدمشقي ، عن عمر بن المغيرة.
وقال الحافظ في ترجمة"إسحاق بن إبراهيم" في التهذيب 1: 220 ="روى له الأزدي في الضعفاء حديثًا عن عمر بن المغيرة ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رفعه: الضرار في الوصية من الكبائر. قال الأزدي: المحفوظ من قول ابن عباس ، لا يرفعه. قلت: (القائل هو الحافظ ابن حجر): عمر ، ضعيف جدًا ، فالحمل فيه عليه ، وقد رواه الثوري وغيره عن داود موقوفًا".
(34) الأثر: 8789 -"أبوعمرو التيمي" ، لم أعرف من هو؟ وأخشى أن يكون"أبو المعتمر التيمي" وهو"سليمان بن طرخان التيمي".
(35) "الخروج" انظر ما سلف ص: 50 ، تعليق: 3.
(36) "المصدر" يعني به المفعول المطلق.
(37) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 258.
(38) "التفسير" هو التمييز ، كما أسلفنا مرارًا آخرها في 6: 586 ، تعليق: 1 .
(39) انظر تفسير"الوصية" فيما سلف ص: 30 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(40) انظر تفسير"عليم" و"حليم" في مادتهما من فهارس اللغة فيما سلف.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 11 | ﴿فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٞ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ |
---|
النساء: 12 | ﴿وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ |
---|
النساء: 12 | ﴿فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ |
---|
النساء: 12 | ﴿فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
يورث:
قرئ:
1- بفتح الراء، مبنيا للمفعول، من «أورث» ، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
2- بكسر الراء، مبنيا للفاعل، من «أورث» ، وهى قراءة الحسن.
3- بكسر الراء وتشديدها، من «ورث» ، وهى قراءة أبى رجاء، والحسن، والأعمش.
التفسير :
أي:تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها، ولا القصور عنها، وفي ذلك دليل على أن الوصية للوارث منسوخة بتقديره تعالى أنصباء الوارثين. ثم قوله تعالى:{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} فالوصية للوارث بزيادة على حقه يدخل في هذا التعدي، مع قوله صلى الله عليه وسلم:"لا وصية لوارث"ثم ذكر طاعة الله ورسوله ومعصيتهما عموما ليدخل في العموم لزوم حدوده في الفرائض أو ترك ذلك فقال:{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} بامتثال أمرهما الذي أعظمه طاعتهما في التوحيد، ثم الأوامر على اختلاف درجاتها واجتناب نهيهما الذي أعظمُه الشرك بالله، ثم المعاصي على اختلاف طبقاتها{ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} فمن أدى الأوامر واجتنب النواهي فلا بد له من دخول الجنة والنجاة من النار.{ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي حصل به النجاة من سخطه وعذابه، والفوز بثوابه ورضوانه بالنعيم المقيم الذي لا يصفه الواصفون.
ثم أكد- سبحانه- وجوب الانقياد لأحكامه، وبشر المطيعين بحسن الثواب. وأنذر العصاة بسوء العقاب فقال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
واسم الإشارة تِلْكَ يعود إلى الأحكام المذكورة في شأن المواريث وغيرها. والمعنى: تلك الأحكام التي ذكرها- سبحانه- عن المواريث وغيرها حُدُودُ اللَّهِ أى شرائعه وتكاليفه التي شرعها لعباده.
والحدود جمع حد. وحد الشيء طرفه الذي يمتاز به عن غيره. ومنه حدود البيت أى أطرافه التي تميزه عن بقية البيوت.
والمراد بحدود الله هنا الشرائع التي شرعها- سبحانه- لعباده بحيث لا يجوز لهم تجاوزها ومخالفتها.
وقد أطلق- سبحانه- على هذه الشرائع كلمة الحدود على سبيل المجاز لشبهها بها من حيث إن المكلف لا يجوز له أن يتجاوزها إلى غيرها.
ثم قال- تعالى- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أى فيما أمر به من الأحكام، وفيما شرعه من شرائع تتعلق بالمواريث وغيرها.
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أى تجرى من تحت أشجارها ومساكنها الأنهار خالِدِينَ فِيها أى باقين فيها لا يموتون ولا يفنون ولا يخرجون منها وقوله وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أى وذلك المذكور من دخول الجنة الخالدة الباقية بمن فيها هو الفوز العظيم، والفلاح الذي ليس بعده فلاح.
أي : هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه ، هي حدود الله فلا تعتدوها ولا تجاوزوها; ولهذا قال : ( ومن يطع الله ورسوله ) أي : فيها ، فلم يزد بعض الورثة ولم ينقص بعضا بحيلة ووسيلة ، بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته ( يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم.
القول في تأويل قوله تعالى : تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " تلك حدود الله ". فقال بعضهم: يعني به: تلك شروط الله. (41)
*ذكر من قال ذلك:
8790 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا &; 8-69 &; أسباط، عن السدي: " تلك حدود الله "، يقول: شروط الله.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تلك طاعة الله.
* ذكر من قال ذلك:
8791 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " تلك حدود الله "، يعني: طاعة الله، يعني المواريث التي سمَّى الله.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: تلك سنة الله وأمره.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تلك فرائض الله.
* * *
وقال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما نحن مبيِّنوه، وهو أن " حدّ" كل شيء: ما فصَل بينه وبين غيره، ولذلك قيل لحدود الدار وحدود الأرضين: " حدود "، لفصلها بين ما حُدَّ بها وبين غيره. (42)
فكذلك قوله: " تلك حدود الله "، معناه: هذه القسمة التي قسمها لكم ربكم، والفرائض التي فرضها لأحيائكم من موتاكم في هذه الآية على ما فرض وبيَّن في هاتين الآيتين،" حدود الله "، يعني: فصول ما بين طاعة الله ومعصيته في قسمكم مواريث موتاكم، كما قال ابن عباس. (43) وإنما ترك " طاعة الله "، (44) والمعنى بذلك: حدود طاعة الله، اكتفاء بمعرفة المخاطبين بذلك بمعنى الكلام من ذكرها. والدليل على صحة ما قلنا في ذلك قوله: " ومن يطع الله ورسوله "، والآية التي بعدها: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . (45)
* * *
فتأويل الآية إذًا: هذه القسمة التي قسم بينكم، أيها الناس، عليها ربكم مواريثَ موتاكم، فصولٌ فصَل بها لكم بين طاعته ومعصيته، وحدود لكم تنتهون إليها فلا تتعدَّوها، ليعلم منكم أهلَ طاعته من أهل معصيته، (46) فيما أمركم به من قسمة مواريث موتاكم بينكم، وفيما نهاكم عنه منها.
ثم أخبر جل ثناؤه عما أعدَّ لكل فريق منهم فقال لفريق أهل طاعته في ذلك: " ومن يطع الله ورسوله " في العمل بما أمره به، والانتهاء إلى ما حدَّه له في قسمة المواريث وغيرها، ويجتنبْ ما نهاه عنه في ذلك وغيره =" يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ".
* * *
= فقوله: " يدخله جنات "، يعني: بساتين تجري من تحت غروسها وأشجارها الأنهار =" خالدين فيها "، يقول: باقين فيها أبدًا لا يموتون فيها ولا يفنون، ولا يُخْرجون منها = (47) " وذلك الفوز العظيم ".
يقول: وإدخال الله إياهم الجنانَ التي وصفها على ما وصف من ذلك " الفوز العظيم "، يعني: الفَلَح العظيم. (48)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
8792 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: " تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله " الآية، قال: في شأن المواريث التي ذكر قبل.
8793 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " تلك حدود الله "، التي حدَّ لخلقه، وفرائضه بينهم من الميراث والقسمة، فانتهوا إليها ولا تعدَّوها إلى غيرها.
------------------------------
الهوامش :
(41) انظر تفسير"الحدود" فيما سلف 3: 546 ، 547 / 4: 564 ، 565 ، 583 - 585 ، 599 ، وفي هذا الموضع تفصيل لم يسبق مثله فيما سلف ، وهو تفصيل في غاية الجودة والدقة.
(42) في المخطوطة والمطبوعة: "لفصولها بين ما حد بها وبين غيره" كأن"الفصول" مصدر"فصل بين الشيئين يفصل" ، ولكن أهل اللغة لم يجعلوا ذلك مصدرًا لهذا المعنى ، بل قالوا مصدره"الفصل". أما "الفصول" فهو مصدر"فصل فلان من عندي" إذا خرج. والذي قاله أصحاب اللغة هو الصواب المحض.
وأنا أرجح أن الناسخ أسقط من الكلام شيئًا ، وأن أصل عبارة الطبري: "ولذلك قيل لحدود الدار وحدود الأرضين حدود - وهي فصولها ، لفصلها..." ، و"الفصول" هنا ، وكما ستأتي في عبارته بعد ، جمع"فصل" (بفتح فسكون) ، وهو مثل"الحد" ، وهو الحاجز بين الشيئين.
(43) يعني في الأثر رقم: 8791.
(44) هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "طاعة الله" ، وإنما المتروك"طاعة" وحدها: فكنت أوثر أن يكون الكلامْ: "وإنما ترك - طاعة - والمعنى بذلك...".
(45) في المطبوعة والمخطوطة: "الآية التي بعدها" بإسقاط واو العطف ، وهو فساد ، والصواب إثباتها. وهذه حجة ظاهرة مبينة في تفسير معنى"حدود الله" ، ورحم الله أبا جعفر وجزاه خيرًا عن كتابه.
(46) في المطبوعة: "وفصل منكم أهل طاعته من أهل معصيته" ، لم يحسن قراءة ما كان في المخطوطة فبدله ، وكان فيها: "لسلم منكم أهل طاعته" كأنها رؤوس"سين" ، وصواب قراءتها ما أثبت.
(47) انظر تفسير"الجنات" ، و"الخلود" فيما سلف من فهارس اللغة.
(48) انظر تفسير"الفوز" فيما سلف: 7: 452: 472. وقوله"الفلح" (بفتح الفاء واللام معًا). و"الفلح": و"الفلاح": الفوز والنجاة والبقاء في النعيم والخير.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 187 | ﴿وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ |
---|
البقرة: 229 | ﴿فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ |
---|
النساء: 13 | ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ﴾ |
---|
البقرة: 230 | ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّـهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ |
---|
المجادلة: 4 | ﴿ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ |
---|
الطلاق: 1 | ﴿لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّـهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} ويدخل في اسم المعصية الكفر فما دونه من المعاصي، فلا يكون فيها شبهة للخوارج القائلين بكفر أهل المعاصي فإن الله تعالى رتب دخول الجنة على طاعته وطاعة رسوله. ورتب دخول النار على معصيته ومعصية رسوله، فمن أطاعه طاعة تامة دخل الجنة بلا عذاب. ومن عصى الله ورسوله معصية تامة يدخل فيها الشرك فما دونه، دخل النار وخلد فيها، ومن اجتمع فيه معصية وطاعة، كان فيه من موجب الثواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية. وقد دلت النصوص المتواترة على أن الموحدين الذين معهم طاعة التوحيد، غير مخلدين في النار، فما معهم من التوحيد مانع لهم من الخلود فيها.
ثم قال- تعالى- وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أى فيما أمر به من أوامر وفيما نهى عنه من منهيات وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ التي تتعلق بالمواريث وغيرها بأن يتجاوزها ويخالف حكم الله فيها.
يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها أى. يدخله نارا هائلة عظيمة خالدا فيها خلودا أبديا إن كان من أهل الكفر والضلال. وخالدا فيها لمدة لا يعلمها إلا الله إن كان من عصاة المؤمنين.
وقال هنا خالِداً فِيها بالإفراد، وقال في شأن المؤمنين خالِدِينَ فِيها بالجمع، للإيذان بأن أهل الطاعة جديرون بالشفاعة. فإذا شفع أحدهم لغيره وقبل الله شفاعته. دخل ذلك الغير معه في رضوان الله.
أما أهل الكفر والمعاصي فليسوا أهلا للشفاعة، بل يبقون فرادى، تحيط بهم الذلة والمهانة من كل جانب.
أو للإشعار بأن الخلود في دار الثواب يكون على هيئة الاجتماع الذي هو أجلب للأنس والبهجة.
وبأن الخلود في دار العقاب يكون على هيئة الانفراد الذي هو أشد في استجلاب الوحشة والهم.
وقوله وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ أى لهذا العاصي لله ولرسوله، والمتعدى للحدود التي رسمها الله، عذاب عظيم من شأنه أن يخزى من ينزل به ويذله وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد وضحت أحكام المواريث بأبلغ بيان، وأحكم تشريع، وبشرت المستجيبين لشرع الله بجزيل الثواب، وأنذرت المعرضين عن ذلك بسوء المصير.
هذا، ومن الأحكام والفوائد التي يمكن أن نستخلصها من هذه الآيات ما يأتى:
أولا: أن ترتيب الورثة قد جاء في الآيتين الكريمتين على أحسن وجه، وأتم بيان، وأبلغ أسلوب وذلك لأن الوارث- كما يقول الإمام الرازي- إما أن يكون متصلا بالميت بغير واسطة أو بواسطة. فإن اتصل به بغير واسطة فسبب الاتصال إما أن يكون هو النسب أو الزوجية، فحصل هنا أقسام ثلاثة:
أولها: أشرفها وأعلاها الاتصال الحاصل ابتداء من جهة النسب، وذلك هو قرابة الولاد ويدخل فيها الأولاد والوالدان، فالله- تعالى- قدم حكم هذا القسم.
وثانيها: الاتصال الحاصل ابتداء من جهة الزوجية. وهذا القسم متأخر في الشرف عن القسم الأول! لأن الأول ذاتى وهذا الثاني عرض، والذاتي أشرف من العرض.
وثالثها: الاتصال الحاصل بواسطة الغير وهو المسمى بالكلالة. وهو متأخر في الشرف عن القسمين الأولين، لأنهما لا يعرض لهم السقوط بالكلية وأما الكلالة فقد يعرض لهم السقوط بالكلية، ولأنهما يتصلان بالميت بغير واسطة بخلاف الكلالة.
فما أحسن هذا الترتيب، وما أشد انطباقه على قوانين المعقولات» ثانيا: أن الآيتين الكريمتين قد بينتا الوارثين والوارثات ونصيب كل وارث بالأوصاف التي جعلها الله- تعالى- سببا في استحقاق الإرث كالبنوة والأبوة والزوجية والأخوة. وقد ألغتا بالنسبة إلى أصل الاستحقاق الذكورة والأنوثة والصغر والكبر وجعلتا للكل حقا معينا في الميراث. وبهذا أبطلتا ما كان عليه الجاهليون من جعل الإرث بالنسب مقصورا على الرجال دون النساء والأطفال، وكانوا يقولون: «لا يرث إلا من طاعن بالرماح، وذاد عن الحوزة، وحاز الغنيمة» .
ثالثا: أن قوله- تعالى-: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ إلخ يعم أولاد المسلمين والكافرين والأحرار والأرقاء والقاتلين عمدا وغير القاتلين إلا أن السنة النبوية الشريفة قد خصصت بعض هذا العموم، حيث أخرجت الكافر من هذا العموم لحديث:
«لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» وعلى هذا سار جمهور العلماء فلم يورثوا مسلما من كافر ولا كافرا من مسلم.
وذهب بعضهم إلى أن الكافر لا يرث المسلم ولكن المسلم يرث الكافر.
كذلك نص العلماء على أن الحر والعبد لا يتوارثان لأن العبد لا يملك، وعلى أن القاتل عمدا لا يرث من قتله معاملة نفسه بمقصوده.
رابعا: أن نصيب الأولاد إذا كانوا ذكورا وإناثا يكون بعد أن يأخذ الأبوان والأجداد والجدات وأحد الزوجين أنصبتهم.
وأن الأولاد يطلقون على فروع الشخص من صلبه. أى أبنائه وأبناء أبنائه، وبنات أبنائه.
وأن أبناء الشخص وبناته يقدمن على أبناء أبنائه وبنات أبنائه. أى أن الطبقة الأولى تستوفى حقها في الميراث قبل من يليها.
وأن الأبناء والأبوين والزوجين لا يسقطون من أصل الاستحقاق للميراث بحال، إلا أنهم قد يؤثر عليهم وجود غيرهم في المقدار المستحق.
وأنه متى اجتمع في المستحقين للميراث ذكور وإناث من درجة واحدة، أخذ الذكر مثل حظ الأنثيين إلا ما سبق لنا استثناؤه.
خامسا: لا يجوز للمورث أن يسيء إلى ورثته لا عن طريق الوصية ولا عن طريق الدين ولا عن أى طريق آخر، لأن الله- تعالى- قد نهى عن المضارة فقال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ.
وإن بدء الآيتين الكريمتين بقوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ.
وختم أولاهما بقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وختم ثانيتهما بقوله وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ هذا البدء والختام لجديران بأن يغرسا الخشية من الله في قلوب المؤمنين الذين يخافون مقام ربهم، وينهون أنفسهم عن السير في طريق الهوى والشيطان.
سادسا: أنه يجب تقديم حقوق الميت على تقسيم التركة، فقد كرر الله- تعالى- قوله:
مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ كما سبق أن بينا.
قال القرطبي: ولا ميراث إلا بعد أداء الدين والوصية فإذا مات المتوفى أخرج من تركته الحقوق المعينات، ثم ما يلزم من تكفينه وتقبيره، ثم الديون على مراتبها، ثم يخرج من الثلث الوصايا، وما كان في معناها على مراتبها أيضا. ويكون الباقي ميراثا بين الورثة.
وجملتهم سبعة عشر. عشرة من الرجال وهم: الابن وابن الابن وإن سفل والأب وأب الأب وهو الجد وإن علا. والأخ وابن الأخ. والعم وابن العم. والزوج ومولى النعمة.
ويرث من النساء سبع وهن: البنت وبنت الابن وإن سفلت، والأم والجدة وإن علت.
والأخت والزوجة. ومولاة النعمة وهي المعتقة ... » .
وبعد أن أمر- سبحانه- بالإحسان إلى النساء. وبمعاشرتهن معاشرة كريمة، وبين حقوقهن في الميراث، أتبع ذلك ببيان حكمه- سبحانه- في الرجال والنساء إذا ما ارتكبوا فاحشة الزنا فقال- تعالى-:
أي ، لكونه غير ما حكم الله به وضاد الله في حكمه . وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به ، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة ، فإذا أوصى حاف في وصيته ، فيختم بشر عمله ، فيدخل النار; وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ، فيعدل في وصيته ، فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة " . قال : ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم ( تلك حدود الله ) إلى قوله : ( عذاب مهين ) .
[ و ] قال أبو داود في باب الإضرار في الوصية من سننه : حدثنا عبدة بن عبد الله أخبرنا عبد الصمد ، حدثنا [ نصر ] بن علي الحداني ، حدثنا الأشعث بن عبد الله بن جابر الحداني ، حدثني شهر بن حوشب : أن أبا هريرة حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ، ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية ، فتجب لهما النار " وقال : قرأ علي أبو هريرة من هاهنا : ( من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ) حتى بلغ : ( [ و ] ذلك الفوز العظيم ) .
وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عبد الله بن جابر الحداني به ، وقال الترمذي : حسن غريب ، وسياق الإمام أحمد أتم وأكمل .
القول في تأويل قوله : وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " ومن يعص الله ورسوله " في العمل بما أمراه به من قسمة المواريث على ما أمراه بقسمة ذلك بينهم وغير ذلك من فرائض الله، مخالفًا أمرهما إلى ما نهياه عنه =" ويتعدَّ حدوده "، يقول: ويتجاوز فصُول طاعته التي جعلها تعالى فاصلة بينها وبين معصيته، (49) إلى ما نهاه عنه من قسمة تركات موتاهم بين ورثتهم وغير ذلك من حدوده (50) =" يدخله نارًا خالدًا فيها "، &; 8-72 &; يقول: باقيًا فيها أبدًا لا يموت ولا يخرج منها أبدًا =" وله عذاب مهين "، يعني: وله عذاب مذِلٌّ من عُذِّب به مُخزٍ له. (51)
* * *
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
8794 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " ومن يعص الله ورسولا ويتعد حدوده "، الآية، في شأن المواريث التي ذكر قبل = قال ابن جريج: " ومن يعص الله ورسوله "، قال: من أصابَ من الذنوب ما يعذب الله عليه.
* * *
فإن قال قائل: أوَ مُخَلَّدٌ في النار من عصى الله ورسوله في قسمة المواريث؟ (52) قيل: نعم، إذا جمع إلى معصيتهما في ذلك شكًّا في أن الله فرض عليه ما فرض على عباده في هاتين الآيتين، أو علم ذلك فحادَّ الله ورسوله في أمرهما = على ما ذكر ابن عباس من قول من قالَ حين نـزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تبارك وتعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ إلى تمام الآيتين: أيُورَّث من لا يركب الفرس ولا يقاتل العدوَّ ولا يحوز الغنيمة، نصفَ المال أو جميع المال؟ (53) استنكارًا منهم قسمةَ الله ما قسم لصغار ولد الميت ونسائه وإناث ولده = (54) ممن خالف قسمةَ الله ما قسم من ميراث أهل الميراث بينهم على ما قسمه في كتابه، وخالف حكمه في ذلك وحكم رسوله، استنكارًا منه حكمهما، كما استنكره الذين ذكر أمرَهم ابن عباس ممن كان بين أظهُر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين الذين فيهم نـزلت وفي أشكالهم هذه الآية = (55) فهو من أهل الخلود في النار، لأنه باستنكاره حكمَ الله في تلك، يصير بالله كافرًا، ومن ملة الإسلام خارجًا.
* * *
---------------
الهوامش :
(49) انظر تفسير"الحدود" فيما سلف قريبًا ص: 68 ، والتعليق: 3.
(50) في المطبوعة: "بين ورثته" بالإفراد ، والصواب من المخطوطة.
(51) انظر تفسير"مهين" فيما سلف 2: 347 ، 348 / 7: 423. تعليق: 1.
(52) في المطبوعة: "أو يخلد" فعلا ، وأثبت الصواب من المخطوطة.
(53) يعني خبر ابن عباس الذي سلف برقم: 8726 ، وساق معناه لا لفظه.
(54) قوله"ممن خالف قسمة الله" صلة قوله آنفًا: "فحاد الله ورسوله في أمرهما..." والذي بينهما فصل وضعته بين الخطين.
(55) سياق هذه الفقر كلها: "نعم ، إذا جمع إلى معصيتهما في ذلك شكا في أن الله فرض عليه ما فرض على عباده في هاتين الآيتين ، أو علم ذلك فحاد الله ورسوله في أمرهما... ممن خالف قسمة الله ما قسم من ميراث أهل الميراث ... فهو من أهل الخلود في النار".
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 14 | ﴿ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ |
---|
الأحزاب: 36 | ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ |
---|
الجن: 23 | ﴿إِلَّا بَلَٰغٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَٰلَٰتِهِۦۚ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
يدخله:
قرئ:
1- بالنون، وهى قراءة نافع، وابن عامر.
2- بالياء، وهى قراءة الباقين.