ترتيب المصحف | 33 | ترتيب النزول | 90 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 10.00 |
عدد الآيات | 73 | عدد الأجزاء | 0.56 |
عدد الأحزاب | 1.12 | عدد الأرباع | 4.50 |
ترتيب الطول | 15 | تبدأ في الجزء | 21 |
تنتهي في الجزء | 22 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
النداء: 4/10 | يا أيها النبي: 1/3 |
بعدَ أن عاتبَ اللهُ نبيَّهﷺ ، بَيَّنَ له في هذه الآياتِ مهامَه ﷺ، ثُمَّ بيانُ أنَّ المطلَّقةَ قبلَ الدُّخولِ بها لا عِدَّةَ لها، ثُمَّ =
قريبًا إن شاء الله
= تحديدُ النِّساءِ اللاتي أحلَّ اللهُ لنبيِّه ﷺ الزواجَ منهُنَّ: المَمْهُوراتُ، والمَملوكاتُ، والأقاربُ، والواهباتُ أنفُسَهُنَّ من غيرِ مهرٍ، ثُمَّ =
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
وأما رحمته بهم في الآخرة، فأجل رحمة، وأفضل ثواب، وهو الفوز برضا ربهم، وتحيته، واستماع كلامه الجليل، ورؤية وجهه الجميل، وحصول الأجر الكبير، الذي لا يدري ولا يعرف كنهه، إلا من أعطاهم إياه، ولهذا قال:{ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا}
ثم بين- عز وجل- ما أعده للمؤمنين في الآخرة فقال: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ.
والتحية: أن يقول قائل للشخص: حياك الله، أى: جعل لك حياة طيبة.
وهذه التحية للمؤمنين في الآخرة، تشمل تحية الله- تعالى- لهم، كما في قوله- سبحانه-: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ .
وتشمل تحية الملائكة لهم، كما في قوله- تعالى-: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ.
كما تشمل تحية بعضهم لبعض كما في قوله- عز وجل-: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ، وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
أى: تحية المؤمنين يوم يلقون الله- تعالى في الآخرة، أو عند قبض أرواحهم، سلام وأمان لهم من كل ما يفزعهم أو يخيفهم أو يزعجهم..
وَأَعَدَّ لَهُمْ- سبحانه- يوم القيامة أَجْراً كَرِيماً هو الجنة التي فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ثم وجه- سبحانه- نداء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم حدد له فيه وظيفته، وأمره بتبشير المؤمنين بما يسرهم، ونهاه عن طاعة الكافرين والمنافقين فقال:
وقوله : ( تحيتهم يوم يلقونه سلام ) الظاهر أن المراد - والله أعلم - ( تحيتهم ) أي : من الله تعالى يوم يلقونه ) سلام ) أي : يوم يسلم عليهم كما قال تعالى : ( سلام قولا من رب رحيم ) [ يس : 58 ] .
وزعم قتادة أن المراد أنهم يحيي بعضهم بعضا بالسلام ، يوم يلقون الله في الدار الآخرة . واختاره ابن جرير .
قلت : وقد يستدل بقوله تعالى : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) [ يونس : 10 ] ، وقوله : ( وأعد لهم أجرا كريما ) يعني الجنة وما فيها من المآكل والمشارب ، والملابس والمساكن ، والمناكح والملاذ والمناظر وما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
القول في تأويل قوله تعالى : تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)
( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ ) يقول جل ثناؤه: تحية هؤلاء المؤمنين يوم القيامة في الجنة سلام، يقول بعضهم لبعض: أمنة لنا ولكم بدخولنا هذا المدخل من الله أن يعذبنا بالنار أبدا.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قوله ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ ) قال: تحية أهل الجنة السلام.
وقوله: ( وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ) يقول: وأعد لهؤلاء المؤمنين ثوابا لهم على طاعتهم إياه في الدنيا، كريما، وذلك هو الجنة.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ) أي: الجنة.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
هذه الأشياء، التي وصف الله بها رسوله محمدًا صلى اللّه عليه وسلم، هي المقصود من رسالته، وزبدتها وأصولها، التي اختص بها، وهي خمسة أشياء:أحدها:كونه{ شَاهِدًا} أي:شاهدًا على أمته بما عملوه، من خير وشر، كما قال تعالى:{ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} فهو صلى اللّه عليه وسلم شاهد عدل مقبول.
الثاني، والثالث:كونه{ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وهذا يستلزم ذكر المبشر والمنذر، وما يبشر به وينذر، والأعمال الموجبة لذلك.
فالمبشَّر هم:المؤمنون المتقون، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، وترك المعاصي، لهم البشرى في الحياة الدنيا، بكل ثواب دنيوي وديني، رتب على الإيمان والتقوى، وفي الأخرى بالنعيم المقيم.
وذلك كله يستلزم، ذكر تفصيل المذكور، من تفاصيل الأعمال، وخصال التقوى، وأنواع الثواب.
والْمنْذَر هم، هم:المجرمون الظالمون، أهل الظلم والجهل، لهم النذارة في الدنيا، من العقوبات الدنيوية والدينية، المترتبة على الجهل والظلم، وفي الأخرى، بالعقاب الوبيل، والعذاب الطويل.
وهذه الجملة تفصيلها، ما جاء به صلى اللّه عليه وسلم، من الكتاب والسنة، المشتمل على ذلك.
وقوله: وَمُبَشِّراً من التبشير، وهو الإخبار بالأمر السار لمن لا علم له بهذا الأمر.
وقوله: وَنَذِيراً من الإنذار، وهو الإخبار بالأمر المخيف لكي يجتنب ويحذر.
والمعنى: يا أيها النبي الكريم إِنَّا أَرْسَلْناكَ إلى الناس شاهِداً أى: شاهدا لمن آمن منهم بالإيمان، ولمن كفر منهم بالكفر، بعد أن بلغتهم رسالة ربك تبليغا تاما كاملا.
وَمُبَشِّراً أى: ومبشرا المؤمنين منهم برضا الله- تعالى-.
وَنَذِيراً أى: ومنذرا للكافرين بسوء العاقبة، بسبب إعراضهم عن الحق الذي جئتهم به من عند الخالق- عز وجل-.
وقدم- سبحانه- التبشير على الإنذار، تكريما للمؤمنين المبشرين، وإشعارا بأن الأصل في رسالته صلّى الله عليه وسلّم التبشير، فقد أرسله الله- تعالى- رحمة للعالمين.
قال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . قال : أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، لست بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن لا إله إلا الله ، فيفتح بها أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا " .
وقد رواه البخاري في " البيوع " عن محمد بن سنان ، عن فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي به . ورواه في التفسير عن عبد الله - قيل : ابن رجاء ، وقيل : ابن صالح - عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن هلال ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عمرو ، به . ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن رجاء ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، به .
وقال البخاري في البيوع : وقال سعيد ، عن هلال ، عن عطاء ، عن عبد الله بن سلام .
وقال وهب بن منبه : إن الله أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل - يقال له : شعياء - أن قم في قومك بني إسرائيل ، فإني منطق لسانك بوحي وأبعث أميا من الأميين ، أبعثه [ مبشرا ] ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، لو يمر إلى جنب سراج لم يطفئه ، من سكينته ، ولو يمشي على القصب لم يسمع من تحت قدميه ، أبعثه مبشرا ونذيرا ، لا يقول الخنا ، أفتح به أعينا كمها ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ، أسدده لكل أمر جميل ، وأهب له كل خلق كريم ، وأجعل السكينة لباسه ، والبر شعاره ، والتقوى ضميره ، والحكمة منطقه ، والصدق والوفاء طبيعته ، والعفو والمعروف خلقه ، والحق شريعته ، والعدل سيرته ، والهدى إمامه ، والإسلام ملته ، وأحمد اسمه ، أهدي به بعد الضلالة ، وأعلم به بعد الجهالة ، وأرفع به بعد الخمالة ، وأعرف به بعد النكرة ، وأكثر به بعد القلة ، وأغني به بعد العيلة ، وأجمع به بعد الفرقة ، وأؤلف به بين أمم متفرقة ، وقلوب مختلفة ، وأهواء متشتتة ، وأستنقذ به فئاما من الناس عظيمة من الهلكة ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، موحدين مؤمنين مخلصين ، مصدقين لما جاءت به رسلي ، ألهمهم التسبيح والتحميد ، والثناء والتكبير والتوحيد ، في مساجدهم ومجالسهم ، ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم ، يصلون لي قياما وقعودا ، ويقاتلون في سبيل الله صفوفا وزحوفا ، ويخرجون من ديارهم ابتغاء مرضاتي ألوفا ، يطهرون الوجوه والأطراف ، ويشدون الثياب في الأنصاف ، قربانهم دماؤهم ، وأناجيلهم في صدورهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، وأجعل في أهل بيته وذريته السابقين والصديقين والشهداء والصالحين ، أمته من بعده يهدون بالحق وبه يعدلون ، أعز من نصرهم ، وأؤيد من دعا لهم ، وأجعل دائرة السوء على من خالفهم أو بغى عليهم ، أو أراد أن ينتزع شيئا مما في أيديهم . أجعلهم ورثة لنبيهم ، والداعية إلى ربهم ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، ويوفون بعهدهم ، أختم بهم الخير الذي بدأته بأولهم ، ذلك فضلي أوتيه من أشاء ، وأنا ذو الفضل العظيم .
هكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن وهب بن منبه اليماني ، رحمه الله .
ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي ، عن شيبان النحوي ، أخبرني قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) - وقد كان أمر عليا ومعاذا أن يسيرا إلى اليمن - فقال : " انطلقا فبشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا ، إنه قد أنزل علي : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) .
ورواه الطبراني عن محمد بن نصر بن حميد البزاز البغدادي ، عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي ، عن عبد الرحمن [ بن محمد ] بن عبيد الله العرزمي ، بإسناده مثله . وقال في آخره : " فإنه قد أنزل علي : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا على أمتك ومبشرا بالجنة ، ونذيرا من النار ، وداعيا إلى شهادة أن لا إله إلا الله بإذنه ، وسراجا منيرا بالقرآن " .
وقوله : ( شاهدا ) أي : لله بالوحدانية ، وأنه لا إله غيره ، وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة ، ( وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) ، [ كقوله : ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ] [ البقرة : 143 ] .
وقوله : ( ومبشرا ونذيرا ) أي : بشيرا للمؤمنين بجزيل الثواب ، ونذيرا للكافرين من وبيل العقاب .
القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا محمد ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا ) على أمتك بإبلاغك إياهم ما أرسلناك به من الرسالة، ومبشرهم بالجنة إن صدقوك وعملوا بما جئتهم به من عند ربك، (وَنَذِيرًا) من النار أن يدخلوها، فيعذبوا بها إن هم كذبوك، وخالفوا ما جئتهم به من عند الله.
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا ) على أمتك بالبلاغ (وَمُبَشِّرًا) بالجنة (وَنَذِيرًا) بالنار.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأحزاب: 45 | ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ |
---|
الفتح: 8 | ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} أي:أرسله اللّه، يدعو الخلق إلى ربهم، ويسوقهملكرامته، ويأمرهم بعبادته، التي خلقوا لها، وذلك يستلزم استقامته، على ما يدعو إليه، وذكر تفاصيل ما يدعو إليه، بتعريفهم لربهم بصفاته المقدسة، وتنزيهه عما لا يليق بجلاله، وذكر أنواع العبودية، والدعوة إلى اللّه بأقرب طريق موصل إليه، وإعطاء كل ذي حق حقه، وإخلاص الدعوة إلى اللّه، لا إلى نفسه وتعظيمها، كما قد يعرض ذلك لكثير من النفوس في هذا المقام، وذلك كله بِإِذْنِ الله تعالى له في الدعوة وأمره وإرادته وقدره.
الخامس:كونه{ سِرَاجًا مُنِيرًا} وذلك يقتضي أن الخلق في ظلمة عظيمة، لا نور، يهتدى به في ظلماتها، ولا علم، يستدل به في جهالاتهاحتى جاء اللّه بهذا النبي الكريم، فأضاء اللّه به تلك الظلمات، وعلم به من الجهالات، وهدى به ضُلَّالًا إلى الصراط المستقيم.
فأصبح أهل الاستقامة، قد وضح لهم الطريق، فمشوا خلف هذا الإمام وعرفوا به الخير والشر، وأهل السعادة من أهل الشقاوة، واستناروا به، لمعرفة معبودهم، وعرفوه بأوصافه الحميدة، وأفعاله السديدة، وأحكامه الرشيدة.
وقوله: وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ أى: وأرسلناك- أيضا- داعيا للناس إلى عبادة الله- تعالى- وحده، وهذه الدعوة لهم منك كائنة بإذنه- سبحانه- وبأمره وبتيسيره.
فالتقييد بقوله بِإِذْنِهِ لبيان أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يدع الناس إلى ما دعاهم إليه من وجوب إخلاص العبادة له- سبحانه-، من تلقاء نفسه، وإنما دعاهم إلى ذلك بأمر الله- تعالى- وإذنه ومشيئته، وللإشارة إلى أن هذه الدعوة لا تؤتى ثمارها المرجوة منها إلا إذا صاحبها إذن الله- تعالى- للنفوس بقبولها.
وقوله: وَسِراجاً مُنِيراً معطوف على ما قبله. والسراج: المصباح الذي يستضاء به في الظلمات.
أى: وأرسلناك- أيها الرسول الكريم- بالدين الحق، لتكون كالسراج المنير الذي يهتدى به الضالون، ويخرجون بسببه من الظلمات إلى النور.
ووصف السراج بالإنارة، لأن من المصابيح ما لا يضيء إذا لم يوجد به ما يضيئه من زيت أو ما يشبهه.
قال صاحب الكشاف: جلى الله- تعالى- بنبيه صلّى الله عليه وسلّم ظلمات الشرك، فاهتدى به الضالون، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به. أو أمد الله بنور نبوته نور البصائر، كما يمد بنور السراج نور الأبصار. ووصفه بالإنارة لأن من السراج ما لا يضيء إذا قل سليطه- أى: زيته- ودقت فتيلته...
وقوله : ( وداعيا إلى الله بإذنه ) أي : داعيا للخلق إلى عبادة ربهم عن أمره لك بذلك ، ( وسراجا منيرا ) أي : وأمرك ظاهر فيما جئت به من الحق ، كالشمس في إشراقها وإضاءتها ، لا يجحدها إلا معاند .
وقوله: ( وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ ) يقول: وداعيا إلى توحيد الله، وإفراد الألوهة له، وإخلاص الطاعة لوجهه دون كل من سواه من الآلهة والأوثان.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ ) إلى شهادة أن لا إله إلا الله. وقوله (بِإِذْنِهِ) يقول: بأمره إياك بذلك (وَسِرَاجًا مُنِيرًا) يقول: وضياء لخلقه يستضيء بالنور الذي أتيتهم به من عند الله عباده (مُنِيرًا) يقول: ضياء ينير لمن استضاء بضوئه، وعمل بما أمره، وإنما يعني بذلك: أنه يهدي به من اتبعه من أمته.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
وقوله:{ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} ذكر في هذه الجملة، المبشَّر، وهم المؤمنون، وعند ذكر الإيمان بمفرده، تدخل فيه الأعمال الصالحة.
وذكر المبشَّر به، وهو الفضل الكبير، أي:العظيم الجليل، الذي لا يقادر قدره، من النصر في الدنيا، وهداية القلوب، وغفران الذنوب، وكشف الكروب، وكثرة الأرزاق الدَّارَّة، وحصول النعم السارة، والفوز برضا ربهم وثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه.
وهذا مما ينشط العاملين، أن يذكر لهم، من ثواب اللّه على أعمالهم، ما به يستعينون على سلوك الصراط المستقيم، وهذا من جملة حكم الشرع، كما أن من حكمه، أن يذكر في مقام الترهيب، العقوبات المترتبة على ما يرهب منه، ليكون عونًا على الكف عما حرم اللّه.
وبعد أن وصف الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم بهذه الصفات الكريمة، اتبع ذلك بأمره بتبشير المؤمنين برضا الله عنهم، وبنهيه عن طاعة الكافرين، فقال- تعالى-: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ... أى: انظر- أيها الرسول الكريم- إلى أحوال الناس وإلى موقفهم من دعوتك. وبشر المؤمنين منهم بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ- تعالى- فَضْلًا كَبِيراً أى: عطاء كبيرا، وأجرا عظيما، ومنزلة سامية بين الأمم.
وقوله ( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا ) يقول تعالى ذكره: وبشر أهل الإيمان بالله يا محمد بأن لهم من الله فضلا كبيرا: يقول: بأن لهم من ثواب الله على طاعتهم إياه تضعيفا كثيرا، وذلك هو الفضل الكبير من الله لهم.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 223 | ﴿وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ |
---|
التوبة: 112 | ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّـهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ |
---|
يونس: 87 | ﴿أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ |
---|
الأحزاب: 47 | ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّـهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾ |
---|
الصف: 13 | ﴿وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّـهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ولما كان ثَمَّ طائفة من الناس، مستعدة للقيام بصد الداعين إلى اللّه، من الرسل وأتباعهم، وهم المنافقون، الذين أظهروا الموافقة في الإيمان، وهم كفرة فجرة في الباطن، والكفار ظاهرًا وباطنًا، نهى اللّه رسوله عن طاعتهم، وحذره ذلك فقال:{ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} أي:في كل أمر يصد عن سبيل اللّه، ولكن لا يقتضي هذا أذاهم، [بل لا تطعهم{ وَدَعْ أَذَاهُمْ}]فإن ذلك، جالب لهم، وداع إلى قبول الإسلام، وإلى كف كثير من أذيتهم له، ولأهله.
{ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} في إتمام أمرك، وخذلان عدوك،{ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} تُوكَلُ إليه الأمور المهمة، فيقوم بها، ويسهلها على عبده.
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ فيا يشيرون به عليك من ترك الناس وما يعبدون، أو من عدم بيان ما هم عليه من باطل وجهل، بل اثبت على ما أنت عليه من حق، وامض في تبليغ دعوتك دون أن تخشى أحدا إلا الله- تعالى-.
وَدَعْ أَذاهُمْ أى: ولا تبال بما ينزلونه بك من أذى، بسبب دعوتك إياهم إلى ترك عبادة الأصنام والأوثان، واصبر على ما يصيبك منهم حتى يحكم الله- تعالى- بحكمه العادل بينك وبينهم.
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ في كل أمورك وَكَفى بِاللَّهِ- تعالى- وَكِيلًا توكل إليه الأمور، وترد إليه الشئون..
هذا، ومن الأحاديث النبوية التي اشتملت على بعض المعاني التي اشتملت عليها هذه الآيات، ما رواه الإمام البخاري والإمام أحمد عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت له: أخبرنى عن صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في التوراة؟ قال: والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزا للمؤمنين، أنت عبدى ورسولي، سميتك المتوكل، لست بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله- تعالى- حتى يقيم به الملة العوجاء، ويفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا .
ثم عادت السورة الكريمة- بعد هذا الحديث الجامع عن وظيفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وعن فضله- إلى الحديث عن جانب من أحكام الزواج والطلاق، فقال- تعالى-:
وقوله : ( ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم ) ، أي : لا تطعهم و [ لا ] تسمع منهم في الذي يقولونه ( ودع أذاهم ) أي : اصفح وتجاوز عنهم ، وكل أمرهم إلى الله ، فإن فيه كفاية لهم; ولهذا قال : ( وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ) .
وقوله ( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ) يقول: ولا تطع لقول كافر ولا منافق؛ فتسمع منه دعاءه إياك إلى التقصير في تبليغ رسالات الله إلى من أرسلك بها إليه من خلقه (وَدَعْ أذَاهُمْ) يقول: وأعرض عن أذاهم لك، واصبر عليه، ولا يمنعك ذلك عن القيام بأمر الله في عباده، والنفوذ لما كلفك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (وَدَعْ أذَاهُمْ) قال: أعرض عنهم.
حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَدَعْ أذَاهُمْ) أي: اصبر على أذاهم.
وقوله (وَتَوَّكْل عَلَى اللَّهِ) يقول: وفوض إلى الله أمورك، وثق به؛ فإنه كافيك جميع من دونه، حتى يأتيك بأمره وقضاؤه ( وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ) يقول: وحسبك بالله قيما بأمورك، وحافظا لك وكالئا.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النساء: 140 | ﴿إِنَّ اللَّـهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ |
---|
الأحزاب: 1 | ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّـهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾ |
---|
الأحزاب: 48 | ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يخبر تعالى المؤمنين، أنهم إذا نكحوا المؤمنات، ثم طلقوهن من قبل أن يمسوهن، فليس عليهن في ذلك، عدة يعتدهاأزواجهن عليهن، وأمرهم بتمتيعهنبهذه الحالة، بشيء من متاع الدنيا، الذي يكون فيه جبر لخواطرهن، لأجل فراقهن، وأن يفارقوهن فراقًا جميلاً، من غير مخاصمة، ولا مشاتمة، ولا مطالبة، ولا غير ذلك.
ويستدل بهذه الآية، على أن الطلاق، لا يكون إلا بعد النكاح. فلو طلقها قبل أن ينكحها، أو علق طلاقها على نكاحها، لم يقع، لقوله:{ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} فجعل الطلاق بعد النكاح، فدل على أنه قبل ذلك، لا محل له.
وإذا كان الطلاق الذي هو فرقة تامة، وتحريم تام، لا يقع قبل النكاح، فالتحريم الناقص، لظهار، أو إيلاء ونحوه، من باب أولى وأحرى، أن لا يقع قبل النكاح، كما هو أصح قَوْلي العلماء.
ويدل على جواز الطلاق، لأن اللّه أخبر به عن المؤمنين، على وجه لم يلمهم عليه، ولم يؤنبهم، مع تصدير الآية بخطاب المؤمنين.
وعلى جوازه قبل المسيس، كما قال في الآية الأخرى{ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ}
وعلى أن المطلقة قبل الدخول، لا عدة عليها، بل بمجرد طلاقها، يجوز لها التزوج، حيث لا مانع، وعلى أن عليها العدة، بعد الدخول.
وهل المراد بالدخول والمسيس، الوطء كما هو مجمع عليه؟ أو وكذلك الخلوة، ولو لم يحصل معها وطء، كما أفتى بذلك الخلفاء الراشدون، وهو الصحيح. فمن دخل عليها، وطئها، أم لا، إذا خلا بها، وجب عليها العدة.
وعلى أن المطلقة قبل المسيس، تمتع على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره، ولكن هذا، إذا لم يفرض لها مهر، فإن كان لها مهر مفروض، فإنه إذا طلق قبل الدخول، تَنَصَّف المهر، وكفى عن المتعة، وعلى أنه ينبغي لمن فارق زوجته قبل الدخول أو بعده، أن يكون الفراق جميلاً، يحمد فيه كل منهما الآخر.
ولا يكون غير جميل، فإن في ذلك، من الشر المرتب عليه، من قدح كل منهما بالآخر، شيء كثير.
وعلى أن العدة حق للزوج، لقوله:{ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} دل مفهومه، أنه لو طلقها بعد المسيس، كان له عليها عدة [وعلى أن المفارقة بالوفاة، تعتد مطلقًا، لقوله:{ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الآية]
وعلى أن من عدا غير المدخول بها، من المفارقات من الزوجات، بموت أو حياة، عليهن العدة.
والمراد بالنكاح هنا في قوله إِذا نَكَحْتُمُ العقد، لأن الحديث في حكم المرأة التي تم طلاقها قبل الدخول بها.
وهذا الحكم شامل للمؤمنات ولغيرهن كالكتابيات، إلا أن الآية الكريمة خصت المؤمنات بالذكر، للتنبيه على أن من شأن المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخيرا للنطفة.
والعدة: هي الشيء المعدود. وعدة المرأة معناها: المدة التي بانقضائها يحل لها الزواج من شخص آخر، غير الذي كان زوجا لها.
والمعنى: يا من آمنتم بالله- تعالى- حق الإيمان، إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ أى: إذا عقدتم عليهن عقد النكاح، ولم يبق بينكم وبينهن سوى الدخول بهن.
ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ أى: ثم طلقتموهن من قبل أن تجامعوهن.
قال الآلوسى: وفائدة المجيء بثم مع أن الحكم ثابت لمن تزوج امرأة وطلقها على الفور كثبوته لمن تزوجها وطلقها بعد مدة مديدة، إزاحة ما عسى يتوهم أن تراخى الطلاق، له دخل في إيجاب العدة، لاحتمال الملاقاة والجماع سرا.. .
أى: أن الحكم الذي اشتملت عليه الآية الكريمة، ثابت سواء تم الطلاق بعد عقد الزواج مباشرة، أم بعده بمدة طويلة.
وفي التعبير عن الجماع بالمس كناية لطيفة. من شأنها أن تربى في الإنسان حسن الأدب، وسلامة التعبير، وتجنب النطق بالألفاظ التي تخدش الحياء.
وقوله: فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها جواب إذا، وبيان للحكم المترتب على طلاق المرأة قبل الدخول بها.
أى: إذا طلقتموهن قبل الدخول بهن، فلا عدة عليهن، بل من حقهن أن يتزوجن بغيركم، بعد طلاقكم لهن بدون التقيد بأية مدة من الزمان.
قال الجمل: وقوله: تَعْتَدُّونَها صفة لعدة. وتعتدونها تفتعلونها، إما عن العد، وإما عن الاعتداد، أى، تحسبونها أو تستوفون عددها، من قولك: عد فلان الدراهم فاعتدها، أى: فاستوفى عددها.. .
فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن المطلقة قبل الدخول بها لا عدة عليها إطلاقا بنص الكتاب وإجماع الأمة، أما المطلقة بعد الدخول بها فعليها العدة إجماعا.
وقوله- سبحانه-: فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا بيان لما يجب على المؤمنين أن يفعلوه، بالنسبة لمن طلقت قبل الدخول بها.
وأصل المتعة والمتاع، ما ينتفع به الإنسان من مال أو كسوة أو غير ذلك. ثم أطلقت المتعة على ما يعطيه الرجل للمرأة من مال أو غيره عند طلاقها منه، لتنتفع به، جبرا لخاطرها، وتعويضا لها عما نالها بسبب هذا الفراق.
وأصل التسريح: أن ترعى الإبل السرح، وهو شجر له ثمرة، ثم أطلق على كل إرسال في الرعي، ثم على كل إرسال وإخراج.
والتسريح الجميل: هو الذي لا ضرر معه. وإنما معه الكلام الطيب، والفعل الحسن.
والمعنى: إذا طلقتموهن قبل الدخول بهن، فأعطوهن من المال ما يجبر خاطرهن، وما يكون عوضا عن فراقهن.. وأطلقوا سراحهن ليستأنفن حياة جديدة مع غيركم، وساعدوهن على ذلك إن استطعتم، فإن من شأن العقلاء أن يعاشروا أزواجهن بالمعروف، وأن يفارقوهن- أيضا- بالمعروف.
ومن العلماء من يرى أن المتعة واجبة للمرأة على الرجل في حال مفارقتها قبل الدخول بها، لأن الآية الكريمة قد أمرت بذلك، والأمر يقتضى الوجوب.
وقد بينا ذلك بالتفصيل عند تفسيرنا لقوله- تعالى- في سورة البقرة: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً، وَمَتِّعُوهُنَّ، عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ، مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ، وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ، وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى، وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .
والملاحظ أن الآية الكريمة التي معنا، قد أضافت حكما جديدا، وهو أنه لا عدة على المطلقة قبل الدخول بها.
ومن مجموع هذه الآيات، نرى أحكم التشريعات، وأسمى التوجيهات.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك جانبا من مظاهر فضله عليه. وتكريمه له حيث خصه بأمور تتعلق بالنكاح لم يخص بها أحدا غيره. فقال- تعالى-:
هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة . منها : إطلاق النكاح على العقد وحده ، وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها ، وقد اختلفوا في النكاح : هل هو - حقيقة - في العقد وحده ، أو في الوطء ، أو فيهما ؟ على ثلاثة أقوال ، واستعمال القرآن إنما هو في العقد والوطء بعده ، إلا في هذه الآية فإنه استعمل في العقد وحده; لقوله : ( إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ) . وفيها دلالة لإباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها .
وقوله : ( المؤمنات ) خرج مخرج الغالب; إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالاتفاق . وقد استدل ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وعلي بن الحسين ، زين العابدين ، وجماعة من السلف بهذه الآية على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح ; لأن الله تعالى قال : ( إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ) ، فعقب النكاح بالطلاق ، فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله . وهذا مذهب الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وطائفة كثيرة من السلف والخلف ، رحمهم الله تعالى .
وذهب مالك وأبو حنيفة ، رحمهما الله ، إلى صحة الطلاق قبل النكاح ; فيما إذا قال : " إن تزوجت فلانة فهي طالق " . فعندهما متى تزوجها طلقت منه . واختلفا فيما إذا قال : " كل امرأة أتزوجها فهي طالق " . فقال مالك : لا تطلق حتى يعين المرأة . وقال أبو حنيفة ، رحمه الله : كل امرأة يتزوجها بعد هذا الكلام تطلق منه ، فأما الجمهور فاحتجوا على عدم وقوع الطلاق بهذه الآية .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور المروزي ، حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا يونس - يعني ابن أبي إسحاق - سمعت آدم مولى خالد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : [ إذا قال ] : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، قال : ليس بشيء من أجل أن الله تعالى يقول : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ) الآية .
وحدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا وكيع ، عن مطر ، عن الحسن بن مسلم بن يناق ، عن ابن عباس قال : إنما قال الله تعالى : ( إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ) ، ألا ترى أن الطلاق بعد النكاح ؟!
وهكذا روى محمد بن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال الله : ( إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ) فلا طلاق [ قبل النكاح ] .
وقد ورد الحديث بذلك عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا طلاق لابن آدم فيما لا يملك " . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجه . وقال الترمذي : " هذا حديث حسن " . وهو أحسن شيء روي في هذا الباب . وهكذا روى ابن ماجه عن علي ، والمسور بن مخرمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا طلاق قبل نكاح " .
[ وفي الآية دليل على أن المسيس مطلق ، ويراد به الوطء ] .
وقوله : ( فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) : هذا أمر مجمع عليه بين العلماء : أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها لا عدة عليها فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت ، ولا يستثنى من هذا إلا المتوفى عنها زوجها ، فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشرا ، وإن لم يكن دخل بها بالإجماع أيضا .
وقوله : ( فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ) : المتعة هاهنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى ، أو المتعة الخاصة إن لم يكن قد سمى لها ، قال الله تعالى : ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) [ البقرة : 237 ] ، وقال ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ) [ البقرة : 236 ] .
وفي صحيح البخاري ، عن سهل بن سعد وأبي أسيد ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أميمة بنت شراحيل ، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها ، فكأنها كرهت ذلك ، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : إن كان سمى لها صداقا ، فليس لها إلا النصف ، وإن لم يكن سمى لها صداقا فأمتعها على قدر عسره ويسره ، وهو السراح الجميل .
القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا (49)
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ( إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) يعني: من قبل أن تجامعوهن ( فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) يعني من إحصاء أقراء، ولا أشهر تحصونها عليهن؛(فَمَتِّعُوهُنَّ) يقول: أعطوهن ما يستمتعن به من عرض أو عين مال. وقوله ( وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا ) يقول: وخلوا سبيلهن تخلية بالمعروف، وهو التسريح الجميل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) فهذا في الرجل يتزوج المرأة، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، فإذا طلقها واحدة بانت منه، ولا عدة عليها تتزوج من شاءت، ثم قرأ ( فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا ) يقول: إن كان سمى لها صداقا، فليس لها إلا النصف، فإن لم يكن سمى لها صداقا، متعها على قدر عسره ويسره، وهو السراح الجميل.
وقال بعضهم: المتعة في هذا الموضع منسوخة بقوله فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ...) إلى قوله (سَرَاحًا جَمِيلا) قال: قال سعيد بن المسيب: ثم نسخ هذا الحرف المتعة وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، &; 20-284 &; قال: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب، قال: نسخت هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) قال: نسخت هذه الآية التي في البقرة .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 237 | ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ |
---|
الأحزاب: 49 | ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
تعتدونها:
1- بتشديد الدال، «افتعل» من «العدة» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بتخفيف الدال، من «العدوان» ، ونسبها ابن عطية لابن أبى برزة، عن ابن كثير.
التفسير :
يقول تعالى، ممتنًا على رسوله بإحلاله له ما أحل مما يشترك فيه، هو والمؤمنون، وما ينفرد به، ويختص:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي:أعطيتهن مهورهن، من الزوجات، وهذا من الأمور المشتركة بينه وبين المؤمنين، [فإن المؤمنين]كذلك يباح لهم ماآتوهن أجورهن، من الأزواج.
{ و} كذلك أحللنا لك{ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} أي:الإماء التي ملكت{ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} من غنيمة الكفار من عبيدهم، والأحرار من لهن زوج منهم، ومن لا زوج لهن، وهذا أيضا مشترك.
وكذلك من المشترك، قوله{ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} شمل العم والعمة، والخال والخالة، القريبين والبعيدين، وهذا حصر المحللات.
يؤخذ من مفهومه، أن ما عداهن من الأقارب، غير محلل، كما تقدم في سورة النساء، فإنه لا يباح من الأقارب من النساء، غير هؤلاء الأربع، وما عداهن من الفروع مطلقًا، والأصول مطلقًا، وفروع الأب والأم، وإن نزلوا، وفروع من فوقهم لصلبه، فإنه لا يباح.
وقوله{ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} قيد لحل هؤلاء للرسول، كما هو الصواب من القولين، في تفسير هذه الآية، وأما غيره عليه الصلاة والسلام، فقد علم أن هذا قيد لغير الصحة.
{ و} أحللنا لك{ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} بمجرد هبتها نفسها.
{ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} أي:هذا تحت الإرادة والرغبة،{ خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} يعني:إباحة الموهبةوأما المؤمنون، فلا يحل لهم أن يتزوجوا امرأة، بمجرد هبتها نفسها لهم.
{ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي:قد علمنا ما على المؤمنين، وما يحل لهم، وما لا يحل، من الزوجات وملك اليمين. وقد علمناهم بذلك، وبينا فرائضه.
فما في هذه الآية، مما يخالف ذلك، فإنه خاص لك، لكون اللّه جعله خطابًا للرسول وحده بقوله:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} إلى آخر الآية.
وقوله:{ خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} وأبحنا لك يا أيها النبي ما لم نبح لهم، ووسعنا لك ما لم نوسع على غيرك،{ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} وهذا من زيادة اعتناء اللّه تعالى برسوله صلى اللّه عليه وسلم.
{ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أي:لم يزل متصفًا بالمغفرة والرحمة، وينزل على عباده من مغفرته ورحمته، وجوده وإحسانه، ما اقتضته حكمته، ووجدت منهم أسبابه.
والمراد بالأجور في قوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ... المهور التي دفعها صلّى الله عليه وسلّم لأزواجه.
قال ابن كثير: يقول- تعالى- مخاطبا نبيه- صلوات الله وسلامه عليه- بأن قد أحل له من النساء أزواجه اللائي أعطاهن مهورهن، وهي الأجور هاهنا، كما قاله مجاهد وغير واحد.
وقد كان مهره صلّى الله عليه وسلّم لنسائه: اثنتي عشرة أوقية ونصف أوقية. فالجميع خمسمائة درهم إلا أم حبيبة بنت أبى سفيان فإنه أمهرها عنه النجاشيّ- رحمه الله- بأربعمائة دينار، وإلا صفية بنت حيي فإنه اصطفاها من سبى خيبر، ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها. وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية، أدى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس وتزوجها.
وفي قوله: آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ إشارة إلى أن إعطاء المهر كاملا للمرأة دون إبقاء شيء منه، هو الأكمل والأفضل، وأن تأخير شيء منه إنما هو أمر مستحدث، لم يكن معروفا عند السلف الصالح.
وأطلق على المهر أجر لمقابلته الاستمتاع الدائم بما يحل الاستمتاع به من الزوجة، كما يقابل الأجر بالمنفعة.
وقوله: وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ بيان لنوع آخر مما أحله الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلم.
والمعنى: يا أيها النبي إنا أحللنا لك- بفضلنا- على سبيل التكريم والتشريف لك، الاستمتاع بأزواجك الكائنات عندك، واللاتي أعطيتهن مهورهن- كعائشة وحفصة وغيرهما-، لأنهن قد اخترنك على الحياة الدنيا وزينتها.
كما أحللنا لك التمتع بما ملكت يمينك من النساء اللائي دخلن في ملكك عن طريق الغنيمة في الحرب، كصفية بنت حيي بن أخطب، وجويرية بنت الحارث.
ثم بين- سبحانه- نوعا ثالثا أحله- سبحانه- له فقال: وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ.
أى: وأحللنا لك- أيضا- الزواج بالنساء اللائي تربطك بهن قرابة من جهة الأب، أو قرابة من جهة الأم.
وقوله اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ إشارة إلى ما هو أفضل، وللإيذان بشرف الهجرة وشرف من هاجر.
والمراد بالمعية هنا. الاشتراك في الهجرة. لا المصاحبة فيها، لما في قوله- تعالى- حكاية عن ملكة سبأ: الَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
قال بعض العلماء: وقد جاء في الآية الكريمة عدة قيود، ما أريد بواحد منها إلا التنبيه على الحالة الكريمة الفاضلة.
منها: وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم باللاتى آتى أجورهن، فإنه تنبيه على الحالة الكاملة، فإن الأكمل إيتاء المهر كاملا دون أن يتأخر منه شيء.
ومنها: أن تخصيص المملوكات بأن يكن من الفيء، فإن المملوكة إذا كانت غنيمة من أهل الحرب كانت أحل وأطيب مما يشترى من الجلب، لأن المملوكة عن طريق الغنيمة تكون معروفة الحال والنشأة.
ومنها: قيد الهجرة في قوله: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ، ولا شك أن من هاجرت مع النبي صلى الله عليه وسلّم أولى بشرف زوجية النبي صلّى الله عليه وسلّم ممن عداها ثم بين- سبحانه- نوعا رابعا من النساء، أحله لنبيه صلّى الله عليه وسلّم فقال: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ، إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ.
والجملة الكريمة معطوفة على مفعول أَحْلَلْنا.
وقد اشتملت هذه الجملة على شرطين، الثاني منهما قيد للأول، لأن هبتها نفسها له صلى الله عليه وسلّم لا توجب حلها له إلا بقبوله الزواج منها.
وقوله يَسْتَنْكِحَها بمعنى ينكحها. يقال: نكح واستنكح، بمعنى عجل واستعجل:
ويجوز أن يكون بمعنى طلب النكاح.
وقوله: خالِصَةً منصوب على الحال من فاعل وَهَبَتْ أى: حال كونها خالصة لك دون غيرك. أو نعت لمصدر مقدر. أى: هبة خالصة..
والمعنى وأحللنا لك كذلك امرأة مؤمنة، إن ملكتك نفسها بدون مهر وإن أنت قبلت ذلك عن طيب خاطر منك، وهذا الإحلال إنما هو خاص بك دون غيرك من المؤمنين، لأن غيرك من المؤمنين لا تحل لهم من وهبت نفسها لواحد منهم إلا بولي ومهر.
وقد ذكروا ممن وهبن أنفسهن له صلّى الله عليه وسلّم خولة بنت حكيم، وأم شريك بنت جابر، وليلى بنت الحطيم..
وقد اختلف العلماء في كونه صلّى الله عليه وسلّم قد تزوج بواحدة من هؤلاء الواهبات أنفسهن له أم لا.
والأرجح أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يتزوج بواحدة منهن، وإنما زوجهن لغيره. ويشهد لذلك ما رواه الشيخان عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله، إنى قد وهبت نفسي لك. فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال:
يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزارى هذا. فقال صلّى الله عليه وسلّم: إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا. فقال: لا أجد شيئا. فقال: التمس ولو خاتما من حديد، فقام الرجل فلم يجد شيئا. فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء؟
قال نعم. سورة كذا وسورة كذا- لسور يسميها- فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: زوجتكها بما معك من القرآن .
وإلى هنا يتضح لنا أن المقصود بالإحلال في الآية الكريمة: الإذن العام والتوسعة عليه صلى الله عليه وسلم في الزواج من هذه الأصناف، والإباحة له في أن يختار منهن من تقتضي الحكمة الزواج منها، واختصاصه صلّى الله عليه وسلّم بأمور تتعلق بالنكاح، لا تحل لأحد سواه.
ولهذا قال- سبحانه- بعد ذلك: قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ.. فإن هذه الجملة الكريمة معترضة ومقررة لمضمون ما قبلها، من اختصاصه صلى الله عليه وسلّم بأمور في النكاح لا تحل لغيره، كحل زواجه ممن تهبه نفسها بدون مهر، إن قبل ذلك العرض منها.
أى: هذا الذي أحللناه لك- أيها الرسول الكريم- هو خاص بك، أما بالنسبة لغيرك من المؤمنين فقد علمنا ما فرضناه عليهم في حق أزواجهم من شرائط العقد وحقوقه، فلا يجوز لهم الإخلال بها، كما لا يجوز لهم الاقتداء بك فيما خصك الله- تعالى- به، على سبيل التوسعة عليك، والتكريم لك، فهم لا يجوز لهم التزوج إلا بعقد وشهود ومهر، كما لا يجوز لهم أن يجمعوا بين أكثر من أربع نسوة.
وعلمنا- أيضا- ما فرضناه عليهم بالنسبة لما ملكت أيمانهم، من كونهن ممن يجوز سبيه وحربه، لا ممن لا يجوز سبيه، أو كان له عهد مع المسلمين.
وقوله: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ متعلق بقوله: أَحْلَلْنا وهو راجع إلى جميع ما ذكر، فيكون المعنى:
أحللنا من آتيت أجورهن من النساء، والمملوكات، والأقارب، والواهبة نفسها لك، لندفع عنك الضيق والحرج، ولتتفرغ لتبليغ ما أمرناك بتبليغه.
وقيل: إنه متعلق بخالصة، أو بعاملها، فيكون المعنى: خصصناك بنكاح من وهبت نفسها لك بدون مهر، لكي لا يكون عليك حرج في البحث عنه.
ويرى بعضهم أنه متعلق بمحذوف، أى: بينا لك ما بينا من أحكام خاصة بك، حتى تخرج من الحرج، وحتى يكون منا تفعله هو بوحي منا وليس من عند نفسك.
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً أى: وكان الله- تعالى- وما زال واسع المغفرة والرحمة لعباده المؤمنين.
يقول تعالى مخاطبا نبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، بأنه قد أحل له من النساء أزواجه اللاتي أعطاهن مهورهن ، وهي الأجور هاهنا . كما قاله مجاهد وغير واحد ، وقد كان مهره لنسائه اثنتي عشرة أوقية ونشا وهو نصف أوقية ، فالجميع خمسمائة درهم ، إلا أم حبيبة بنت أبي سفيان فإنه أمهرها عنه النجاشي ، - رحمه الله - أربعمائة دينار ، وإلا صفية بنت حيي فإنه اصطفاها من سبي خيبر ، ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها . وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية ، أدى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس بن شماس وتزوجها ، رضي الله عن جميعهن .
وقوله : ( وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ) أي : وأباح لك التسري مما أخذت من المغانم ، وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما . وملك ريحانة بنت شمعون النضرية ، ومارية القبطية أم ابنه إبراهيم ، عليه السلام ، وكانتا من السراري ، رضي الله عنهما .
وقوله : ( وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك ) : هذا عدل وسط بين الإفراط والتفريط; فإن النصارى لا يتزوجون المرأة إلا إذا كان الرجل بينه وبينها سبعة أجداد فصاعدا ، واليهود يتزوج أحدهم بنت أخيه وبنت أخته ، فجاءت هذه الشريعة الكاملة الطاهرة بهدم إفراط النصارى ، فأباح بنت العم والعمة ، وبنت الخال والخالة ، وتحريم ما فرطت فيه اليهود من إباحة بنت الأخ والأخت ، وهذا بشع فظيع .
وإنما قال : ( وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك ) فوحد لفظ الذكر لشرفه ، وجمع الإناث لنقصهن كقوله : ( عن اليمين والشمائل ) [ النحل : 48 ] ، ( يخرجهم من الظلمات إلى النور ) [ البقرة : 257 ] ، ( وجعل الظلمات والنور ) [ الأنعام : 1 ] ، وله نظائر كثيرة .
وقوله : ( اللاتي هاجرن معك ) قال ابن أبي حاتم ، رحمه الله :
حدثنا محمد بن عمار بن الحارث الرازي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي صالح ، عن أم هانئ قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه بعذري ، ثم أنزل الله : ( إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك ) إلى قوله : ( اللاتي هاجرن معك ) قالت : فلم أكن أحل له ، ولم أكن ممن هاجر معه ، كنت من الطلقاء . ورواه ابن جرير عن أبي كريب ، عن عبيد الله بن موسى ، به .
ثم رواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، عنها بنحوه .
ورواه الترمذي في جامعه . وهكذا قال أبو رزين وقتادة : إن المراد : من هاجر معه إلى المدينة . وفي رواية عن قتادة : ( اللاتي هاجرن معك ) أي : أسلمن . وقال الضحاك : قرأ ابن مسعود : " واللاتي هاجرن معك " .
وقوله : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها ) أي : ويحل لك - يأيها النبي - المرأة المؤمنة إذا وهبت نفسها لك أن تتزوجها بغير مهر إن شئت ذلك . وهذه الآية توالى فيها شرطان ، كقوله تعالى إخبارا عن نوح ، عليه السلام ، أنه قال لقومه : ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ) [ هود : 34 ] ، وكقول موسى : ( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ) [ يونس : 84 ] . وقال هاهنا : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها ) وقد قال الإمام أحمد :
حدثنا إسحاق ، أخبرنا مالك ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله ، إني قد وهبت نفسي لك . فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال : يا رسول الله ، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل عندك من شيء تصدقها إياه " ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك ، فالتمس شيئا " . فقال : لا أجد شيئا . فقال : " التمس ولو خاتما من حديد " فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هل معك من القرآن شيء ؟ " قال : نعم; سورة كذا ، وسورة كذا - لسور يسميها - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " زوجتكها بما معك من القرآن " .
أخرجاه من حديث مالك .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا مرحوم ، سمعت ثابتا يقول : كنت مع أنس جالسا وعنده ابنة له ، فقال أنس : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبي الله ، هل لك في حاجة ؟ فقالت ابنته : ما كان أقل حياءها . فقال : " هي خير منك ، رغبت في النبي ، فعرضت عليه نفسها " .
انفرد بإخراجه البخاري ، من حديث مرحوم بن عبد العزيز [ العطار ] ، عن ثابت البناني ، عن أنس ، به .
وقال أحمد أيضا : حدثنا عبد الله بن بكر ، حدثنا سنان بن ربيعة ، عن الحضرمي ، عن أنس بن مالك : أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ابنة لي كذا وكذا . فذكرت من حسنها وجمالها ، فآثرتك بها . فقال : " قد قبلتها " . فلم تزل تمدحها حتى ذكرت أنها لم تصدع ولم تشتك شيئا قط ، فقال : " لا حاجة لي في ابنتك " . لم يخرجوه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا ابن أبي الوضاح - يعني : محمد بن مسلم - عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم .
وقال ابن وهب ، عن سعيد بن عبد الرحمن وابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن خولة بنت حكيم بن الأوقص ، من بني سليم ، كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي رواية له عن سعيد بن عبد الرحمن ، عن هشام ، عن أبيه : كنا نتحدث أن خولة بنت حكيم كانت وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت امرأة صالحة .
فيحتمل أن أم سليم هي خولة بنت حكيم ، أو هي امرأة أخرى .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا وكيع ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، وعمر بن الحكم ، وعبد الله بن عبيدة قالوا : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة امرأة : ست من قريش ، خديجة ، وعائشة ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وسودة ، وأم سلمة . وثلاث من بني عامر بن صعصعة ، وامرأتان من بني هلال بن عامر : ميمونة بنت الحارث ، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، وزينب أم المساكين - امرأة من بني أبي بكر بن كلاب من القرطاء - وهي التي اختارت الدنيا ، وامرأة من بني الجون ، وهي التي استعاذت منه ، وزينب بنت جحش الأسدية ، والسبيتان صفية بنت حيي بن أخطب ، وجويرية بنت الحارث بن عمرو بن المصطلق الخزاعية .
وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن ابن عباس : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) قال : هي ميمونة بنت الحارث .
فيه انقطاع : هذا مرسل ، والمشهور أن زينب التي كانت تدعى أم المساكين هي زينب بنت خزيمة الأنصارية ، وقد ماتت عند النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، فالله أعلم .
والغرض من هذا أن اللاتي وهبن أنفسهن من النبي صلى الله عليه وسلم كثير ، كما قال البخاري ، حدثنا زكريا بن يحيى ، حدثنا أبو أسامة قال : هشام بن عروة حدثنا عن أبيه ، عن عائشة قالت : كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن من النبي صلى الله عليه وسلم وأقول : أتهب امرأة نفسها ؟ فلما أنزل الله : ( ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ) قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن منصور الجعفي ، حدثنا يونس بن بكير ، عن عنبسة بن الأزهر ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له .
ورواه ابن جرير عن أبي كريب ، عن يونس بن بكير . أي : إنه لم يقبل واحدة ممن وهبت نفسها له ، وإن كان ذلك مباحا له ومخصوصا به; لأنه مردود إلى مشيئته ، كما قال الله تعالى : ( إن أراد النبي أن يستنكحها ) أي : إن اختار ذلك .
وقوله : ( خالصة لك من دون المؤمنين ) قال عكرمة : أي : لا تحل الموهوبة لغيرك ، ولو أن امرأة وهبت نفسها لرجل لم تحل له حتى يعطيها شيئا . وكذا قال مجاهد والشعبي وغيرهما .
أي : إنها إذا فوضت المرأة نفسها إلى رجل ، فإنه متى دخل بها وجب لها عليه بها مهر مثلها ، كما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق لما فوضت ، فحكم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بصداق مثلها لما توفي عنها زوجها ، والموت والدخول سواء في تقرير المهر وثبوت مهر المثل في المفوضة لغير النبي صلى الله عليه وسلم فأما هو ، عليه السلام ، فإنه لا يجب عليه للمفوضة شيء ولو دخل بها; لأن له أن يتزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود ، كما في قصة زينب بنت جحش ، رضي الله عنها . ولهذا قال قتادة في قوله : ( خالصة لك من دون المؤمنين ) ، يقول : ليس لامرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ولا مهر إلا للنبي صلى الله عليه وسلم .
[ وقوله تعالى : ( قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم ) ] قال أبي بن كعب ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة وابن جرير في قوله : ( قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم ) أي : من حصرهم في أربع نسوة حرائر وما شاءوا من الإماء ، واشتراط الولي والمهر والشهود عليهم ، وهم الأمة ، وقد رخصنا لك في ذلك ، فلم نوجب عليك شيئا منه; ( لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما ) .
القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) يعني: اللاتي تزوجتهن بصداق مسمى.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله ( أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) قال: صدقاتهن .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) قال: كان كل امرأة آتاها مهرا فقد أحلها الله له.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ...) إلى قوله (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) فما كان من هذه التسمية ما شاء كثيرا أو قليلا.
وقوله ( أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ ) يقول: وأحللنا لك إماءك اللواتي سبيتهن، فملكتهن بالسباء، وصرن لك بفتح الله عليك من الفيء ( وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ) فأحل الله له صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته، المهاجرات معه منهن دون من لم يهاجر منهن معه.
كما حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا عبد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن أَبي صالح، عن أم هانئ، قالت: خطبني النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فاعتذرت له بعذري، ثم أنـزل الله عليه ( إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ...) إلى قوله ( اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ) قالت: فلم أُحل له؛ لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء.
وقد ذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود (وَبَنَاتِ خَالاتِكَ وَالَّلاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) بواو، وذلك وإن كان كذلك في قراءته محتمل أن يكون بمعنى قراءتنا بغير الواو، وذلك أن العرب تدخل الواو في نعت من تقدم ذكره أحيانا، كما قال الشاعر:
فـإنَّ رُشَـيدًا وَابْـنَ مَـرَوَانَ لَم يَكُنْ
لِيَفْعَـلَ حَـتَّى يَصْـدُرَ الأمْـرُ مَصْدَرًا (1)
ورشيد هو ابن مروان، وكان الضحاك بن مزاحم يتأول قراءة عبد الله هذه أنهن نوع غير بنات خالاته وأنهن كل مهاجرة هاجرت مع النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
ذكر الخبر عنه بذلك:
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في حرف ابن مسعود (وَالَّلاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) يعني بذلك: كل شيء هاجر معه ليس من بنات العم والعمة، ولا من بنات الخال والخالة.
وقوله ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) يقول: وأحللنا له امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي بغير صداق.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) بغير صداق، فلم يكن يفعل ذلك وأحل له خاصة من دون المؤمنين.
وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) بغير إن، ومعنى ذلك ومعنى قراءتنا وفيها إن واحد، وذلك كقول القائل في الكلام: لا بأس أن يطأ جارية مملوكة إن ملكها، وجارية مملوكة ملكها.
وقوله ( إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا ) يقول: إن أراد أن ينكحها فحلال له أن ينحكها وإذا وهبت نفسها له بغير مهر (خَالِصَةً لَكَ) يقول: لا يحل لأحد من أمتك أن يقرب امرأة وهبت نفسها له، وإنما ذلك لك يا محمد خالصة أخلصت لك من دون سائر أمتك.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) يقول: ليس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر ولي ولا مهر، إلا للنبي، كانت له خالصة من دون الناس ويزعمون أنها نـزلت في ميمونة بنت الحارث أنها التي وهبت نفسها للنبي.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ...) إلى قوله ( خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: كان كل امرأة آتاها مهرا فقد أحلها الله له إلى أن وهب هؤلاء أنفسهن له، فأحللن له دون المؤمنين بغير مهر خالصة لك من دون المؤمنين إلا امرأة لها زوج.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن صالح بن مسلم، قال: سألت الشعبي عن امرأة وهبت نفسها لرجل، قال: لا يكون لا تحل له، إنما كانت للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
واختلفت القراء في قراءة قوله: ( إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا ) فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار (إِنْ وَهَبَتْ) بكسر الألف على وجه الجزاء، بمعنى: إن تهب . وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ: (أَنْ وَهَبَتْ) بفتح الألف، بمعنى: وأحللنا له امرأة مؤمنة أن ينكحها؛ لهبتها له نفسها.
والقراءة التي لا أستجيز خلافها في كسر الألف لإجماع الحجة من القراء عليه.
وأما قوله ( خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) ليس ذلك للمؤمنين، وذكر أن لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قبل أن تنـزل عليه هذه الآية أن يتزوج أي النساء شاء، فقصره الله على هؤلاء، فلم يعدهن، وقصر سائر أمته على مثنى وثلاث ورباع.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت داود بن أبي هند، عن محمد بن أَبي موسى، عن زياد رجل من الأنصار، عن أُبَي بن كعب، أن التي أحل الله للنبي من النساء هؤلاء اللاتي ذكر الله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ...) إلى قوله (فِي أَزْوَاجِهِمْ) وإنما أحل الله للمؤمنين مثنى وثلاث ورباع.
وحدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أَبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ...) إلى آخر الآية، قال: حرم الله عليه ما سوى ذلك من النساء، وكان قبل ذلك ينكح في أي النساء شاء، لم يحرم ذلك عليه، فكان نساؤه يجدن من ذلك وجدا شديدا أن ينكح في أي الناس أحب؛ فلما أنـزل الله: إني قد حرمت عليك من الناس سوى ما قصصت عليك أعجب ذلك نساءه.
واختلف أهل العلم في التي وهبت نفسها لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من المؤمنات، وهل كانت عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم امرأة كذلك؟ فقال بعضهم: لم يكن عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين، فأما بالهبة فلم يكن عنده منهن أحد .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن عنبسة بن الأزهر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال لم يكن عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم امرأة وهبت نفسها.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) قال: أن تهب. وأما الذين قالوا: قد كان عنده منهن فإن بعضهم قال: كانت ميمونة بنت الحارث. وقال بعضهم: هي أم شريك . وقال بعضهم: زينب بنت خزيمة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس، قال: ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) قال: هي ميمونة بنت الحارث.
وقال بعضهم: زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: ثني الحكم، قال: كتب عبد الملك إلى أهل المدينة يسألهم، قال: فكتب إليه علي، قال شعبة: وهو ظني علي بن حسين، قال: وقد أخبرني به أبان بن تغلب، عن الحكم، أنه علي بن الحسين الذي كتب إليه، قال: هي امرأة من الأسد يقال لها أم شريك، وهبت نفسها للنبي.
قال: ثنا شعبة، قال: ثني عبد الله بن أبي السفر، عن الشعبي، أنها امرأة من الأنصار، وهبت نفسها للنبي، وهي ممن أرجأ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن خولة بنت حكيم بن الأوقص من بني سليم، كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
قال: ثني سعيد بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كنا نتحدث أن أم شريك كانت وهبت نفسها للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وكانت امرأة صالحة.
وقوله: ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ ) يقول تعالى ذكره: قد علمنا ما فرضنا على المؤمنين في أزواجهم إذا أرادوا نكاحهن مما لم نفرضه عليك، وما خصصناهم به من الحكم في ذلك دونك وهو أنا فرضنا عليهم أنه لا يحل لهم عقد نكاح على حرة مسلمة إلا بولي عصبة وشهود عدول، ولا يحل لهم منهن أكثر من أربع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: ثنا مطهر، قال: ثنا علي بن الحسين، قال: ثني أبي، عن مطر، عن قتادة في قول الله ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ ) قال: إن مما فرض الله عليهم أن لا نكاح إلا بولي وشاهدين.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أَبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ ) قال: في الأربع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ ) قال: كان مما فرض الله عليهم أن لا تزوج امرأة إلا بولي وصداق عند شاهدي عدل، ولا يحل لهم من النساء إلا أربع وما ملكت أيمانهم.
وقوله: ( وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) يقول تعالى ذكره: قد علمنا ما فرضنا على المؤمنين في أزواجهم، لأنه لا يحل لهم منهن أكثر من أربع، وما ملكت أيمانهم، فإن جميعهن إذا كن مؤمنات أو كتابيات، لهم حلال بالسباء والتسري وغير ذلك من أسباب الملك.
وقوله ( لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) يقول تعالى ذكره: إنا أحللنا لك يا محمد أزواجك اللواتي ذكرنا في هذه الآية، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، إن أراد النبي أن يستنكحها؛ لكيلا يكون عليك إثم وضيق في نكاح من نكحت من هؤلاء الأصناف التي أبحت لك نكاحهن من المسميات في هذه الآية، وكان الله غفورا لك ولأهل الإيمان بك، رحيمًا بك وبهم أن يعاقبهم على سالف ذنب منهم سلف بعد توبتهم منه.
------------------------
الهوامش:
(1) البيت من شواهد الفراء: (معاني القرآن، مصورة الجامعة ص 257) قال عند قوله تعالى: (وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك)، وفي قراءة عبد الله، يعني ابن مسعود: (وبنات خالك وبنات خالاتك واللاتي هاجرن معك) فقد تكون المهاجرات هن بنات الخال والخالة وإن كانت فيه الواو، فقال: واللاتي، والعرب تنعت بالواو وبغير الواو، كما قال الشاعر: (فإن رشيدا وابن مروان ... إلخ ). وأنت تقول في الكلام: إن زرت أخًا لك وابن عمك القريب لك؛ وإن قلت: والقريب لك. كان صوابا. وقد نقله المؤلف عن الفراء. وأوضحه بقوله في البيت: ورشيد هو ابن مروان.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
وامرأة:
1- بالنصب، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالرفع، على الابتداء، وهى قراءة أبى حيوة.
إن وهبت:
1- بكسر الهمزة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح الهمزة، والتقدير: لأن، وهى قراءة أبى، والحسن، والشعبي، وعيسى، وسلام.