ترتيب المصحف | 28 | ترتيب النزول | 49 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 11.00 |
عدد الآيات | 88 | عدد الأجزاء | 0.56 |
عدد الأحزاب | 1.12 | عدد الأرباع | 4.50 |
ترتيب الطول | 14 | تبدأ في الجزء | 20 |
تنتهي في الجزء | 20 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 14/29 | طسم: 2/2 |
لمَّا وصلَ مَدْيَنَ وَجَدَ على جانبِ بئرٍ جماعةَ يسقُونَ مواشيهم، ووجدَ امرأتَينِ لا تستطيعانِ سقيَ أغنامِهما حتى ينتهي النَّاسُ، فَسَقَى لهما، ثُمَّ انصرفَ إلى الظلِّ.
قريبًا إن شاء الله
بعدَ إحسانِه إليهما جاءتْ إحدى الفتاتَينِ تدعو موسى عليه السلام للقاءِ أبيها، ثُمَّ تقترحُ على أبيها أن يتَّخذَه أجيرًا لرعي الغنمِ، ثُمَّ يعرضُ أبوهما على موسى عليه السلام الزَّواجَ من إحدى الفتاتَينِ وحدَّدَ له المهرَ، فوافقَ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} أي:قاصدا بوجهه مدين، وهو جنوبي فلسطين، حيث لا ملك لفرعون،{ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} أي:وسط الطريق المختصر، الموصل إليها بسهولة ورفق، فهداه اللّه سواء السبيل، فوصل إلى مدين.
ولفظ تِلْقاءَ في قوله- تعالى-: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ منصوب على الظرفية المكانية، وهو في الأصل اسم مصدر. يقال دارى تلقاء دار فلان، إذا كانت محاذية لها.
ومَدْيَنَ اسم لقبيلة شعيب- عليه السلام- أو لقريته التي كان يسكن فيها، سميت بذلك نسبة إلى مدين بن إبراهيم- عليه السلام-.
وإنما توجه إليها موسى- عليه السلام-، لأنها لم تكن داخلة تحت سلطان فرعون وملئه.
أى: وبعد أن خرج موسى من مصر خائفا يترقب، صرف وجهه إلى جهة قرية مدين التي على أطراف الشام جنوبا، والحجاز شمالا.
صرف وجهه إليها مستسلما لأمر ربه، متوسلا إليه بقوله: عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ.
أى: قال على سبيل الرجاء في فضل الله- تعالى- وكرمه: عسى ربي الذي خلقني بقدرته، وتولاني برعايته وتربيته، أن يهديني ويرشدني إلى أحسن الطرق التي تؤدى بي إلى النجاة من القوم الظالمين.
فالمراد بسواء السبيل: الطريق المستقيم السهل المؤدى. إلى النجاة، من إضافة الصفة إلى الموصوف أى: عسى أن يهديني ربي إلى الطريق الوسط الواضح.
( ولما توجه تلقاء مدين ) أي : أخذ طريقا سالكا مهيعا فرح بذلك ، ( قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) أي : إلى الطريق الأقوم . ففعل الله به ذلك ، وهداه إلى الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة ، فجعل هاديا مهديا .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)
وقوله: ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ ) يقول تعالى ذكره: ولما جعل موسى وجهه نحو مدين, ماضيا إليها, شاخصا عن مدينة فرعون, وخارجا عن سلطانه,( قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) وعنى بقوله: " تلقاء " نحو مدين; ويقال: فعل ذلك من تلقاء نفسه, يعني به: من قبل نفسه ويقال: داره تلقاء دار فلان: إذا كانت محاذيتها, ولم يصرف اسم مدين لأنها اسم بلدة معروفة, كذلك تفعل العرب بأسماء البلاد المعروفة; ومنه قول الشاعر:
رُهْبَــانُ مَــدْيَنَ لَـوْ رَأَوْكِ تَـنزلُوا
وَالعُصْـمُ مِـنْ شَـعَفِ العُقُـولِ الفَادِرِ (1)
وقوله: ( عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) يقول: عسى ربي أن يبين لي قصد السبيل إلى مدين, وإنما قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها.
وذُكر أن الله قيض له إذ قال: ( رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ملَكا سدده الطريق, وعرفه إياه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: لما أخذ موسى في بنيات الطريق جاءه مَلَك على فرس بيده عَنـزة; فلما رآه موسى سجد له من الفَرَق قال: لا تسجد لي ولكن اتبعني, فاتبعه, فهداه نحو مدين، وقال موسى وهو متوجه نحو مدين: ( عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) فانطلق به حتى انتهى به إلى مَدين.
حدثنا العباس, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, قال: ثنا القاسم, قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, قال: خرج موسى متوجها نحو مدين, وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه, فإنه قال: ( عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ).
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: ذُكر لي أنه خرج وهو يقول: ( رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) فهيأ الله الطريق إلى مَدين, فخرج من مصر بلا زاد ولا حذاء ولا ظهر (2) ولا درهم ولا رغيف, خائفا يترقب, حتى وقع إلى أمة من الناس يسقون بمَدين.
حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المَروزِيّ, قال: ثنا الفضل بن موسى, عن الأعمش, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جُبَيْر, قال: خرج موسى من مصر إلى مَدْيَنَ, وبينها وبينها مسيرة ثمان, قال: وكان يقال نحو من الكوفة إلى البصرة, ولم يكن له طعام إلا وَرَق الشجر, وخرج حافيا, فما وصل إليها حتى وقع خفّ قدمه.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا عثام, قال: ثنا الأعمش, عن المنهال, عن سعيد, عن ابن عباس, قال: لما خرج موسى من مصر إلى مدين, وبينه وبينها ثمان ليال, كان يقال: نَحوٌ من البصرة إلى الكوفة ثم ذكر نحوه.
ومدين كان بها يومئذ قوم شعيب عليه السلام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ ) ومدين: ماء كان عليه قوم شعيب ( قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ).
وأما قوله: ( سَوَاءَ السَّبِيلِ ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو قولنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( سَوَاءَ السَّبِيلِ ) قال: الطريق إلى مدين.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.
قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة: ( قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) قال: قصد السبيل.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا عَبَّاد بن راشد, عن الحسن: ( عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) قال: الطريق المستقيم.
--------------------
الهوامش :
(1) البيت لجرير، وقد تقدم الاستشهاد به على الرهبان جمع راهب في (7: 3) من هذا التفسير. واستشهد به هنا على أن مدين ممنوعة من الصرف لأنها علم على بلدة، ففيها العلمية والتأنيث.
(2) الظهر: الدابة التي يركب ظهرها، من جمل ونحوه.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الكهف: 24 | ﴿وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ |
---|
القصص: 22 | ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} مواشيهم، وكانوا أهل ماشية كثيرة{ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ} أي:دون تلك الأمة{ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} غنمهما عن حياض الناس، لعجزهما عن مزاحمة الرجال وبخلهم، وعدم مروءتهم عن السقي لهما.
{ قَالَ} لهما موسى{ مَا خَطْبُكُمَا} أي:ما شأنكما بهذه الحالة،{ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} أي:قد جرت العادة أنه لا يحصل لنا سقي حتى يصدر الرعاء مواشيهم، فإذا خلا لنا الجو سقينا،{ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} أي:لا قوة له على السقي، فليس فينا قوة، نقتدر بها، ولا لنا رجال يزاحمون الرعاء.
وأجاب الله- تعالى- دعاءه، ووصل موسى بعد رحلة شاقة مضنية إلى أرض مدين،ويقص علينا القرآن ما حدث له بعد وصوله إليها فيقول: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ، وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ، وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ.
قال القرطبي: ووروده الماء: معناه بلغه، لا أنه دخل فيه. ولفظة الورود قد تكون بمعنى الدخول في المورود، وقد تكون بمعنى الاطلاع عليه والبلوغ إليه وإن لم يدخل، فورود موسى هذا الماء كان بالوصول إليه.. .
وقوله- تعالى-: تَذُودانِ من الذود بمعنى الطرد والدفع والحبس. يقال: ذاد فلان إبله عن الحوض، ذودا وذيادا إذا حبسها ومنعها من الوصول إليه.
والمعنى وحين وصل موسى- عليه السلام- إلى الماء الذي تستقي منه قبيلة مدين وجد أمة أى جماعة كثيرة مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ أى: يسقون إبلهم وغنمهم، ودوابهم المختلفة.
وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ أى: ووجد بالقرب منهم. أو في جهة غير جهتهم.
امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ أى: امرأتين تطردان وتمنعان أغنامهما أو مواشيهما عن الماء، حتى ينتهى الناس من السقي، ثم بعد ذلك هما تسقيان دوابهما، لأنهما لا قدرة لهما على مزاحمة الرجال.
وهنا قال لهما موسى- صاحب الهمة العالية، والمروءة السامية، والنفس الوثابة نحو نصرة المحتاج- قال لهما بما يشبه التعجب: ما خَطْبُكُما؟ أى: ما شأنكما؟ وما الدافع لكما إلى منع غنمكما من الشرب من هذا الماء، مع أن الناس يسقون منه؟
وهنا قالتا له على سبيل الاعتذار وبيان سبب منعهما لمواشيهما عن الشرب: لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ، وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ.
ويصدر: من أصدر- والصدر عن الشيء: الرجوع عنه، وهو ضد الورود. يقال: صدر فلان عن الشيء. إذا رجع عنه.
قال الشوكانى: قرأ الجمهور «يصدر» بضم الياء وكسر الدال- مضارع أصدر المتعدى بالهمزة، وقرأ ابن عامر وأبو عمرو «يصدر» بفتح الياء وضم الدال- من صدر يصدر اللازم، فالمفعول على القراءة الأولى محذوف. أى: يرجعون مواشيهم.. والرِّعاءُ جمع الراعي، مأخوذ من الرعي بمعنى الحفظ.
أى: قالتا لموسى- عليه السلام-: إن من عادتنا أن لا نسقى. مواشينا حتى يصرف الرعاء دوابهم عن الماء، ويصبح الماء خاليا لنا، لأننا لا قدرة لنا على المزاحمة، وليس عندنا رجل يقوم بهذه المهمة، وأبونا شيخ كبير في السن لا يقدر- أيضا- على القيام بمهمة الرعي والمزاحمة على السقي.
( ولما ورد ماء مدين ) أي : ولما وصل إلى مدين وورد ماءها ، وكان لها بئر ترده رعاء الشاء ( وجد عليه أمة من الناس ) أي : جماعة ( يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان ) أي : تكفكفان غنمهما أن ترد مع غنم أولئك الرعاء لئلا يؤذيا . فلما رآهما موسى ، عليه السلام ، رق لهما ورحمهما ، ( قال ما خطبكما ) أي : ما خبركما لا تردان مع هؤلاء ؟ ( قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ) أي : لا يحصل لنا سقي إلا بعد فراغ هؤلاء ، ( وأبونا شيخ كبير ) أي : فهذا الحال الملجئ لنا إلى ما ترى .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)
يقول تعالى ذكره: ( وَلَمَّا وَرَدَ ) مُوسَى ( مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً ) يعني جماعة ( مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ) نعمهم ومواشيهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ) يقول: كثرة من الناس يسقون.
حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( أُمَّةً مِنَ النَّاسِ ) قال: أناسًا.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: وقع إلى أمة من الناس يسقون بمدين أهل نعم وشاء.
حدثنا عليّ بن موسى وابن بشار, قالا ثنا أبو داود, قال: أخبرنا عمران القطان, قال: ثنا أبو حمزة عن ابن عباس, في قوله: ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ) قال عليّ بن موسى: قال: مثل ماء جوابكم هذا, يعني المحدثة. وقال ابن بشار: مثل محدثتكم هذه, يعني جوابكم هذا.
وقوله: ( وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) يقول: ووجد من دون أمة الناس الذين هم على الماء, امرأتين تذودان, يعني بقوله: ( تَذُودَانِ) تَحبِسان غنمهما; يقال منه: ذاد فلان غنمه وماشيته: إذا أراد شيء من ذلك يَشِذّ ويذهب, فردّه ومنعه يذودها ذَوْدًا.
وقال بعض أهل العربية من الكوفيين: لا يجوز أن يقال: ذدت الرجل بمعنى: حبسته, إنما يقال ذلك للغنم والإبل.
وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ بِعَصَايَ" فقد جعل الذَّود صلى الله عليه وسلم في الناس، ومن الذود قول سويد بن كراع:
أَبِيــتُ عَـلَى بَـابِ الْقَـوَافِي كَأَنَّمَـا
أَذُودُ بِهَـا سِـرْبًا مِـنَ الَوَحْـشِ نزعا (3)
وقول آخر:
وَقَــدْ سَـلَبَتْ عَصَـاكَ بَنُـو تَمِيـمٍ
فَمَــا تَــدْرِي بـأيّ عَصًـا تَـذُودُ (4)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: (تَذُودَانِ) يقول: تحبسان.
حدثني العباس, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ, قال: ثنا القاسم, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس ( وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) يعني بذلك أنهما حابستان.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي الهيثم, عن سعيد بن جُبَيْر, في قوله: ( امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) قال: حابستين.
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) يقول: تحبسان غنمهما.
واختلف أهل التأويل في الذي كانت عنه تذود هاتان المرأتان, فقال بعضهم: كانتا تذودان غنمهما عن الماء, حتى يَصْدُرَ عَنْهُ مواشي الناس, ثم يسقيان ماشيتهما لضعفهما.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن أبي مالك قوله: ( امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) قال: تحبسان غنمهما عن الناس حتى يفرغوا وتخلو لهما البئر.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق ( وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ ) يعني دون القوم تذودان غنمهما عن الماء, وهو ماء مدين.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تذودان الناس عن غنمهما.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) قال: أي حابستين شاءهما تذودان الناس عن شائهما.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن أصحابه (تَذُودَانِ) قال: تذودان الناس عن غنمهما.
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول من قال معناه: تحبسان غنمهما عن الناس حتى يفرغوا من سقي مواشيهم.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لدلالة قوله: ( مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) على أن ذلك كذلك, وذلك أنهما إنما شكتا أنهما لا تسقيان حتى يصدر الرعاء, إذ سألهما موسى عن ذودهما, ولو كانتا تذودان عن غنمهما الناس, كان لا شك أنهما كانتا تخبران عن سبب ذودهما عنها الناس, لا عن سبب تأخر سقيهما إلى أن يُصْدِرَ الرعاء.
وقوله: ( قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ) يقول تعالى ذكره: قال موسى للمرأتين ما شأنكما وأمركما تذودان ماشيتكما عن الناس, هلا تسقونها مع مواشي الناس والعرب, تقول للرجل: ما خطبك؟ بمعنى: ما أمرك وحالك, كما قال الراجز:
يَا عَجَبًا مَا خَطْبُهُ وَخَطْبِي (5)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا العباس, قال: ثنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ, قال: أخبرنا القاسم, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, قال: قال لهما: ( مَا خَطْبُكُمَا ) معتزلتين لا تسقيان مع الناس.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: وجد لهما رحمة, ودخلته فيهما خشية, لما رأى من ضعفهما, وغَلَبَةِ الناس على الماء دونهما, فقال لهما: ما خطبكما: أي ما شأنكما.
وقوله: ( قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) يقول جل ثناؤه: قالت المرأتان لموسى: لا نسقي ماشيتنا حتى يصدر الرعاء مَوَاشِيهِم, لأنا لا نطيق أن نسقي, وإنما نسقي مواشينا ما أفضلَتْ مواشي الرعاء في الحوض, والرّعاء: جمع راع, والراعي جمعه رعاء ورعاة ورعيان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني العباس, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ, قال: ثنا القاسم, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, قال: لما قال موسى للمرأتين: ( مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ): أي لا نستطيع أن نسقي حتى يسقي الناس, ثم نَتَّبع فضلاتهم.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: ( حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) قال: تنتظران تسقيان من فضول ما في الحياض حياض الرعاء.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق ( قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) امرأتان لا نستطيع أن نـزاحم الرجال ( وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) لا يقدر أن يمسّ ذلك من نفسه, ولا يسقي ماشيته, فنحن ننتظر الناس حتى إذا فرغوا أسقينا ثم انصرفنا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز سوى أبي جعفر القارئ وعامة قرّاء العراق سوى أبي عمرو: ( يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) بضم الياء, وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو بفتح الياء من يصدر الرعاء عن الحوض. وأما الآخرون فإنهم ضموا الياء, بمعنى: أصدر الرعاء مواشيهم, وهما عندي قراءتان متقاربتا المعنى, قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: ( وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) يقولان: لا يستطيع من الكبر والضعف أن يَسْقِيَ ماشيته.
وقوله: فَسَقَى لَهُمَا ذُكِرَ أنه عليه السلام فتح لهما عن رأس بئر كان عليها حَجَر لا يطيق رفعه إلا جماعة من الناس, ثم استسقى فسَقى لهما ماشيتهما منه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: فتح لهما عن بئر حجرا على فيها, فسقى لهما منها.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج بنحوه, وزاد فيه: قال ابن جُرَيج: حجرا كان لا يطيقه إلا عشرة رَهْط.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو معاوية, عن الحجاج, عن الحكم, عن شريح, قال: انتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة رجال, فرفعه وحده.
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: رحمهما موسى حين ( قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) فأتى إلى البئر فاقتلع صخرة على البئر كان النفر من أهل مَدْيَنَ يجتمعون عليها, حتى يرفعوها, فسقى لهما موسى دلوا فأروتا غنمهما, فرجعتا سريعا, وكانتا إنما تسقيان من فُضول الحياض.
حدثني العباس, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ, قال: ثنا القاسم, قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس فَسَقَى لَهُمَا فجعل يغرف في الدلو ماء كثيرا حتى كانتا أوّل الرعاء ريا, فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, وقال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قال: تصدق عليهما نبي الله صلى الله عليه وسلم , فسقى لهما, فلم يلبث أن أروى غنمهما.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: أخذ دلوهما موسى, ثم تقدّم إلى السقاء بفضل قوّته, فزاحم القوم على الماء حتى أخَّرهم عنه, ثم سقى لهما.
-------------------
الهوامش :
(3) البيت لسويد بن كراع العكلي وكان هجا بني عبد الله بن دارم، فاستعدوا عليه سعيد بن عثمان، فأراد ضربه، فقال سويد قصيدة أولها: (تقول ابنة العوفي ليلى ألا ترى إلى ابن كراع لا يزال مفزعًا) والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن. قال عند قوله تعالى: (ووجد من دونهم امرأتين تذودان): مجازه: تمنعان وتردان وتضربان. قال سويد بن كراع: "أبيت على باب القوافي..." البيت، وقد أورد صاحب الأغاني أبيات سويد بن كراع التي منها بيت الشاهد في الجزء (12: 344) طبعة دار كتب. وفيه "أصادى" في موضع "أذود" قال محققه: صاداه: داراه وساتره. ولا شاهد فيه حينئذ.
(4) البيت من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن الورقة 178 ب) قال: تذودان مجازه: تمنعان وتردان وتضربان.
(5) البيت من شواهد أبي عبيدة في معاني القرآن (الورقة 187-1) قال في تفسير قوله تعالى: (ما خطبكما): أي ما أمركما وشأنكما؟ قال: يا عجبا ما خطبه وخطبي. والبيت: من مشطور الرجز لرؤبة ابن العجاج (ديوانه ص 16) من أرجوزة يمدح بها بلال بن أبي بردة، وهو عامر بن عبد الله بن قيس، مطلعها أتعتبنـــي والهـــوى ذو عتــب
.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ما خطبكما:
وقرئ:
بكسر الخاء، أي: من زوجكما، وهى قراءة شمر.
قال أبو حيان: وهذه قراءة شاذة.
لا نسقى:
وقرئ:
بضم النون، وهى قراءة ابن مصرف.
يصدر:
قرئ:
1- بالفتح الياء وضم الدال، أي: يصدرون بأغنامهم، وهى قراءة أبى جعفر، وشيبة، والحسن، وقتادة، والعربيين.
2- بضم الياء وكسر الدال، أي: يصدرون أغنامهم، وهى قراءة باقى السبعة، والأعرج، وطلحة، والأعمش، وابن أبى إسحاق، وعيسى.
الرعاء:
1- بكسر الراء، جمع تكسير، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضم الراء، وهو اسم جمع.
3- بفتح الراء، مصدر أقيم مقام الصفة، فاستوى فيه لفظ الواحد والجماعة، وهى قراءة عياش، عن أبى عمرو.
التفسير :
فرق لهما موسى عليه السلام ورحمهما{ فَسَقَى لَهُمَا} غير طالب منهما الأجرة، ولا له قصد غير وجه اللّه تعالى، فلما سقى لهما، وكان ذلك وقت شدة حر، وسط النهار، بدليل قوله:{ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} مستريحا لذلك الظلال بعد التعب.
{ فَقَالَ} في تلك الحالة، مسترزقا ربه{ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} أي:إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليَّ وتيسره لي. وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال، فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا. وأما المرأتان، فذهبتا إلى أبيهما، وأخبرتاه بما جرى.
وبعد أن سمع موسى منهما هذه الإجابة، سارع إلى معاونتهما- شأن أصحاب النفوس الكبيرة، والفطرة السليمة، وقد عبر القرآن عن هذه المسارعة بقوله: فَسَقى لَهُما.
أى: فسقى لهما مواشيهما سريعا. من أجل أن يريحهما ويكفيهما عناء الانتظار وفي هذا التعبير إشارة إلى قوته، حيث إنه استطاع وهو فرد غريب بين أمة من الناس يسقون- أن يزاحم تلك الكثرة من الناس، وأن يسقى للمرأتين الضعيفتين غنمهما. دون أن يصرفه شيء عن ذلك.
رحم الله صاحب الكشاف. فقد أجاد عند عرضه لهذه المعاني. فقال ما ملخصه: «قوله:
فَسَقى لَهُما أى: فسقى غنمهما لأجلهما. وروى أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال.. فأقله وحده.
وإنما فعل ذلك رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف والمعنى: أنه وصل إلى ذلك الماء، وقد ازدحمت عليه أمة من الناس، متكافئة العدد، ورأى الضعيفتين من ورائهم، مع غنمهما مترقبتين لفراغهم. فما أخطأت همته في دين الله تلك الفرصة، مع ما كان به من النصب والجوع، ولكنه رحمهما فأغاثهما، بقوة قلبه، وبقوة ساعده.
فإن قلت: لم ترك المفعول غير مذكور في قوله يَسْقُونَ وتَذُودانِ قلت: لأن الغرض هو الفعل لا المفعول. ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي، ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلا.
فإن قلت: كيف طابق جوابهما سؤاله؟ قلت: سألهما عن سبب الذود فقالتا: السبب في ذلك أننا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مزاحمة الرجال، فلا بد لنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا، وما لنا رجل يقوم بذلك، وأبونا شيخ كبير، فقد أضعفه الكبر، فلا يصلح للقيام به، فهما قد أبدتا إليه عذرهما في توليهما السقي بأنفسهما.
فإن قلت: كيف ساغ لنبي الله الذي هو شعيب- عليه السلام- أن يرضى لا بنتيه بسقى الماشية؟ قلت، الأمر في نفسه ليس بمحظور، فالدين لا يأباه، وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك. والعادات متباينة فيه.. وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم. ومذهب أهل البدو غير مذهب أهل الحضر، خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة.. .
وقوله- تعالى-: ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فقال: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ بيان لما فعله موسى وقاله بعد أن سقى للمرأتين غنمهما.
أى: فسقى موسى للمرأتين غنمهما، ثم أعرض عنهما متجها إلى الظل الذي كان قريبا منه في ذلك المكان، قيل كان ظل شجرة وقيل ظل جدار.
فقال: على سبيل التضرع إلى ربه: يا ربي: إنى فقير ومحتاج إلى أى خير ينزل منك على سواء أكان هذا الخير طعاما أم غيره.
قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله: فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ أى: لأى شيء تنزله من خزائن كرمك إلى مِنْ خَيْرٍ جل أو قل، فَقِيرٌ أى: محتاج، وهو خبر إن.
وعدى باللام لتضمنه معنى الاحتياج. وما نكرة موصوفة، والجملة بعدها صفتها.
والرابط محذوف، ومِنْ خَيْرٍ بيان لها والتنوين فيه للشيوع، والكلام تعريض لما يطعمه، بسبب ما ناله من شدة الجوع.
يدل لذلك ما أخرجه ابن مردويه عن أنس بن مالك: قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«لما سقى موسى للجاريتين، ثم تولى إلى الظل، فقال: رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير، وإنه يومئذ فقير إلى كف من تمر» .
قال الله تعالى : ( فسقى لهما ) قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الله ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبى إسحاق ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أن موسى ، عليه السلام ، لما ورد ماء مدين ، وجد عليه أمة من الناس يسقون ، قال : فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ، ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال ، فإذا هو بامرأتين تذودان ، قال : ما خطبكما ؟ فحدثتاه ، فأتى الحجر فرفعه ، ثم لم يستق إلا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم . إسناد صحيح .
وقوله : ( ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) قال ابن عباس : سار موسى من مصر إلى مدين ، ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر ، وكان حافيا فما وصل مدين حتى سقطت نعل قدمه . وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه ، وإن بطنه لاصق بظهره من الجوع ، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه وإنه لمحتاج إلى شق تمرة .
وقوله : ( إلى الظل ) قال ابن عباس ، وابن مسعود ، والسدي : جلس تحت شجرة .
وقال ابن جرير : حدثني الحسين بن عمرو العنقزي ، حدثنا أبي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : حثثت على جمل ليلتين ، حتى صبحت مدين ، فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى ، فإذا شجرة خضراء ترف ، فأهوى إليها جملي - وكان جائعا - فأخذها جملي فعالجها ساعة ، ثم لفظها ، فدعوت الله لموسى ، عليه السلام ، ثم انصرفت .
وفي رواية عن ابن مسعود : أنه ذهب إلى الشجرة التي كلم الله منها لموسى ، كما سيأتي والله أعلم .
وقال السدي : كانت من شجر السمر .
وقال عطاء بن السائب : لما قال موسى ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) ، أسمع المرأة .
القول في تأويل قوله تعالى : فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
يقول تعالى ذكره: فسقى موسى للمرأتين ماشيتهما, ثم تولى إلى ظلّ شجرة ذُكِر أنها سَمُرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( ثُمَّ تَوَلَّى) موسى إلى ظلّ شجرة سَمُرة, فقال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ).
حدثني العباس, قال: ثنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ, قال: ثنا القاسم, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, قال: انصرف موسى إلى شجرة, فاستظلَّ بظلِّها,( فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ).
حدثني الحسين بن عمرو العنقزي, قال: ثنا أبي, قال: ثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عمرو بن ميمون, عن عبد الله, قال: حثثت على جَمَل لي ليلتين حتى صبحت مدين, فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى, فإذا شجرة خضراء تَرفّ, فأهوى إليها جملي وكان جائعا, فأخذها جملي, فعالجها ساعة, ثم لفظها, فدعوت الله لموسى عليه السلام , ثم انصرفت.
وقوله: ( فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) محتاج. وذُكِر أن نبيّ الله موسى عليه السلام قال هذا القول, وهو بجهد شديد, وعَرَّض ذلك للمرأتين تعريضا لهما, لعلهما أن تُطعماه مما به من شدّة الجوع.
وقيل: إن الخير الذي قال نبي الله ( إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) محتاج, إنَّمَا عنى به: شَبْعَةٌ من طعام.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, عن ابن عباس, قال: لما هرب موسى من فرعون أصابه جوع شديد, حتى كانت تُرى أمعاؤه من ظاهر الصِّفاق; فلما سقى للمرأتين, وأوى إلى الظلّ, قال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ).
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, قال: ثنا عنبسة, عن أبي حصين, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, في قوله: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ قال: ورد الماء وإنه ليتراءَى خُضرةُ البقل في بطنه من الهُزال,( فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: شَبعةُ.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوْدِيُّ, قال: ثنا حَكَّام بن سلم, عن عنبسة, عن أبي حُصَين, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, في قوله: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ قال: ورد الماء, وإن خُضرة البقل لتُرى في بطنه من الهُزال.
حدثني نصر بن عبد الرحمن, قال: ثنا حكام بن سَلْم, عن عنبسة, عن أبي حصين, عن سعيد بن جُبَيْر ( إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: شَبْعَةُ يومئذ.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان عن منصور, عن إبراهيم, في قوله, فقال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: قال هذا وما معه درهم ولا دينار.
قال: ثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد ( إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: ما سأل إلا الطعام.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة بن الفضل, عن سفيان الثوري, عن ليث, عن مجاهد, في قوله: فقال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: ما سأل ربه إلا الطعام.
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي قال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: قال ابن عباس: لقد قال موسى: ولو شاء إنسان أن ينظر إلى خُضْرة أمعائه من شدة الجوع, وما يسأل الله إلا أكلة.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: كان نبي الله بجهد.
حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, عن عطاء بن السائب في قوله: ( إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: بلغني أن موسى قالها وأسمع المرأة.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثني أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نُجَيح, عن مجاهد, قوله: ( مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: طعام.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد ( مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: طعام.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: الطعام يَسْتَطْعِم, لم يكن معه طعام, وإنما سأل الطعام.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النمل: 28 | ﴿اذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ |
---|
القصص: 24 | ﴿فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فأرسل أبوهما إحداهما إلى موسى، فجاءته{ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} وهذا يدل على كرم عنصرها، وخلقها الحسن، فإن الحياء من الأخلاق الفاضلة، وخصوصا في النساء.
ويدل على أن موسى عليه السلام، لم يكن فيما فعله من السقي بمنزلة الأجير والخادم الذي لا يستحى منه عادة، وإنما هو عزيز النفس، رأت من حسن خلقه ومكارم أخلاقه، ما أوجب لها الحياء منه، فـ{ قَالَتِ} له:{ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} أي:لا لِيمُنَّ عليك، بل أنت الذي ابتدأتنا بالإحسان، وإنما قصده أن يكافئك على إحسانك، فأجابها موسى.
{ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} من ابتداء السبب الموجب لهربه، إلى أن وصل إليه{ قَالَ} مسكنا روعه، جابرا قلبه:{ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي:ليذهب خوفك وروعك، فإن اللّه نجاك منهم، حيث وصلت إلى هذا المحل، الذي ليس لهم عليه سلطان.
واستجاب الله- تعالى- لموسى دعاءه. وأرسل إليه الفرج سريعا، يدل لذلك قوله- تعالى- بعد هذا الدعاء من موسى: فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ...
وفي الكلام حذف يفهم من السياق وقد أشار إليه ابن كثير بقوله: لما رجعت المرأتان سراعا بالغنم إلى أبيهما، أنكر حالهما ومجيئهما سريعا، فسألهما عن خبرهما فقصتا عليه ما فعل موسى- عليه السلام-. فبعث إحداهما إليه لتدعوه إلى أبيها، كما قال- تعالى-:
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ أى: مشى الحرائر، كما روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: كانت مستترة بكم درعها. أى قميصها.
ثم قال ابن كثير: وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل من هو؟ على أقوال: أحدها أنه شعيب النبي- عليه السلام- الذي أرسله الله إلى أهل مدين، وهذا هو المشهور عند كثيرين وقد قاله الحسن البصري وغير واحد ورواه ابن أبى حاتم.
وقد روى الطبراني عن مسلمة بن سعد العنزي أنه وفد على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: مرحبا بقوم شعيب، وأختان موسى.
وقال آخرون. بل كان ابن أخى شعيب. وقيل: رجل مؤمن من آل شعيب.
ثم قال- رحمه الله- ثم من المقوى لكونه ليس بشعيب، أنه لو كان إياه لأوشك أن ينص على اسمه في القرآن هاهنا. وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده .
والمعنى: ولم يطل انتظار موسى للخير الذي التمسه من خالقه- عز وجل- فقد جاءته إحدى المرأتين اللتين سقى لهما، حالة كونها تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ أى: على تحشم وعفاف شأن النساء الفضليات.
قالَتْ بعبارة بليغة موجزة: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ للحضور إليه لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا أى: ليكافئك على سقيك لنا غنمنا.
واستجاب موسى لدعوة أبيها وذهب معها للقائه فَلَمَّا جاءَهُ، أى: فلما وصل موسى إلى بيت الشيخ الكبير، وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ، أى: وقص عليه ما جرى له قبل ذلك، من قتله القبطي، ومن هروبه إلى أرض مدين.
فالقصص هنا مصدر بمعنى اسم المفعول، أى: المقصوص.
قالَ أى: الشيخ الكبير لموسى لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أى:
لا تخف يا موسى من فرعون وقومه، فقد أنجاك الله- تعالى- منهم ومن كل ظالم.
وهذا القول من الشيخ الكبير لموسى، صادف مكانه، وطابق مقتضاه، فقد كان موسى- عليه السلام- أحوج ما يكون في ذلك الوقت إلى نعمة الأمان والاطمئنان، بعد أن خرج من مصر خائفا يترقب.
لما رجعت المرأتان سراعا بالغنم إلى أبيهما ، أنكر حالهما ومجيئهما سريعا ، فسألهما عن خبرهما ، فقصتا عليه ما فعل موسى ، عليه السلام . فبعث إحداهما إليه لتدعوه إلى أبيها قال الله تعالى : ( فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ) أي : مشي الحرائر ، كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، أنه قال : كانت مستترة بكم درعها .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا [ أبي ، حدثنا ] أبو نعيم ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمر بن ميمون قال : قال عمر رضي الله عنه : جاءت تمشي على استحياء ، قائلة بثوبها على وجهها ، ليست بسلفع خراجة ولاجة . هذا إسناد صحيح .
قال الجوهري : السلفع من الرجال : الجسور ، ومن النساء : الجريئة السليطة ، ومن النوق : الشديدة .
( قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) ، وهذا تأدب في العبارة ، لم تطلبه طلبا مطلقا لئلا يوهم ريبة ، بل قالت : ( إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) يعني : ليثيبك ويكافئك على سقيك لغنمنا ، ( فلما جاءه وقص عليه القصص ) أي : ذكر له ما كان من أمره ، وما جرى له من السبب الذي خرج من أجله من بلده ، ( قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) . يقول : طب نفسا وقر عينا ، فقد خرجت من مملكتهم فلا حكم لهم في بلادنا . ولهذا قال : ( نجوت من القوم الظالمين ) .
وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل : من هو ؟ على أقوال : أحدها أنه شعيب النبي عليه السلام الذي أرسل إلى أهل مدين . وهذا هو المشهور عند كثيرين ، وقد قاله الحسن البصري وغير واحد . ورواه ابن أبي حاتم .
حدثنا أبي ، حدثنا عبد العزيز الأويسي ، حدثنا مالك بن أنس ; أنه بلغه أن شعيبا هو الذي قص عليه موسى القصص قال : ( لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) .
وقد روى الطبراني عن سلمة بن سعد العنزي أنه وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له : " مرحبا بقوم شعيب وأختان موسى ، هديت " .
وقال آخرون : بل كان ابن أخي شعيب . وقيل : رجل مؤمن من قوم شعيب . وقال آخرون : كان شعيب قبل زمان موسى ، عليه السلام ، بمدة طويلة ; لأنه قال لقومه : ( وما قوم لوط منكم ببعيد ) [ هود : 95 ] . وقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل ، عليه السلام بنص القرآن ، وقد علم أنه كان بين موسى والخليل ، عليهما السلام ، مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة ، كما ذكره غير واحد . وما قيل : إن شعيبا عاش مدة طويلة ، إنما هو - والله أعلم - احتراز من هذا الإشكال ، ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب أنه لو كان إياه لأوشك أن ينص على اسمه في القرآن هاهنا . وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده ، كما سنذكره قريبا إن شاء الله . ثم من الموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا الرجل اسمه : " ثبرون " ، والله أعلم .
وقال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود : وأثرون وهو ابن أخي شعيب عليه السلام .
وعن أبي حمزة عن ابن عباس : الذي استأجر موسى يثرى صاحب مدين . رواه ابن جرير ، ثم قال : الصواب أن هذا لا يدرك إلا بخبر ، ولا خبر تجب به الحجة في ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى : فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)
يقول تعالى ذكره: فجاءت موسى إحدى المرأتين اللتين سَقَى لهما تمشي على استحياء من موسى, قد سترت وجهها بثوبها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو السائب والفضل بن الصباح, قالا ثنا ابن فضيل, عن ضرار بن عبد الله بن أبي الهُذَيل, عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه , في قوله: ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: مستترة بكمّ درعها, أو بكمّ قميصها.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبو أسامة, عن حماد بن عمرو الأسدي, عن أبي سِنان, عن ابن أبي الهُذَيل عن عمر رضي الله عنه, قال: واضعة يدها على وجهها مستترة.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن نَوْف: ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: قد سترت وجهها بيديها.
قال: ثنا يحيى, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن نَوْف، بنحوه.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن نوف ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: قائلة بيديها على وجهها, ووضع أبي يده على وجهه.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عَمرو بن ميمون ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: ليست بِسَلْفَع من النساء خرّاجة ولاجة واضعة ثوبها على وجهها، تقول: ( إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ).
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عمرو بن ميمون, عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: لم تكن سلفعا من النساء خرَّاجة ولاجَة, قائلة بيدها على وجهها( إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ).
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, قال: ثنا قرة بن خالد, قال: سمعت الحسن يقول, في قوله: ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: بعيدة من البَذَاء.
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: أتته تمشي على استحياء منه.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) قال: واضعة يدها على جبينها.
وقوله: ( قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) يقول تعالى ذكره: قالت المرأة التي جاءت موسى تمشي على استحياء: إن أبي يدعوك ليجزيك: تقول: يثيبَك أجر ما سقيت لنا.
وقوله: ( فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ ) يقول: فمضى موسى معها إلى أبيها, فلما جاء أباها وقصّ عليه قصصه مع فرعون وقومه من القبط, قال له أبوها: (لا تَخَفْ) فقد (نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ) يعني: من فرعون وقومه, لأنه لا سلطان له بأرضنا التي أنت بها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني العباس, قال: أخبرنا يزيد, قال: ثنا الأصبغ, قال: ثنا القاسم, &; 19-560 &; قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر عن ابن عباس, قال: استنكر أبو الجاريتين سُرعة صدورهما بغنمهما حُفَّلا بطانا, فقال: إن لكما اليوم لشأنا.
قال أبو جعفر: احسبه قال: فأخبرتاه الخبر; فلما أتاه موسى كلمه,( قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان, ولسنا في مملكته.
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: لما رجعت الجاريتان إلى أبيهما سريعا سألهما, فأخبرتاه خبر موسى, فأرسل إليه إحداهما, فأتته تمشي على استحياء, وهي تستحي منه ( قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) فقام معها، وقال لها: امضي, فمشت بين يديه, فضربتها الريح, فنظر إلى عجيزتها, فقال لها موسى: امشي خلفي, ودُليني على الطريق إن أخطأت. فلما جاء الشيخ وقصّ عليه القصص ( قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ).
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) قال: قال مُطَرِّف: أما والله لو كان عند نبيّ الله شيء ما تتبع مذقيهما (6) ولكن إنما حمله على ذلك الجَهْد ( فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ).
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: رجعتا إلى أبيهما في ساعة كانتا لا ترجعان فيها, فأنكر شأنهما, فسألهما فأخبرتاه الخبر, فقال لإحداهما: عجِّلي عليّ به, فأتته على استحياء فجاءته, فقالت: ( إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) فقام معها كما ذُكِر لي, فقال لها: امشي خلفي, وانعتي لي الطريق, وأنا أمشي أمامك, فإنا لا ننظر إلى أدبار النساء; فلما جاءه أخبره الخبر, وما أخرجه من بلاده ( فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) وقد أخبرت أباها بقوله: إنَّا لا ننظر إلى أدبار النساء.
------------------
الهوامش :
(6) مذقيهما: مثنى مذق، وهو اللبن يخلط بالماء، ويشرب. يريد أن موسى عليه السلام، لم يكن معه مال ولا زاد.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
فجاءته:
وقرئ:
بحذف الهمزة، تخفيفا، على غير قياس، وهى قراءة ابن محيصن.
التفسير :
{ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا} أي:إحدى ابنتيه{ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} أي:اجعله أجيرا عندك، يرعى الغنم ويسقيها،{ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} أي:إن موسى أولى من استؤجر، فإنه جمع القوة والأمانة، وخير أجير استؤجر، من جمعهما، أي:القوة والقدرة على ما استؤجر عليه، والأمانة فيه بعدم الخيانة، وهذان الوصفان، ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملا، بإجارة أو غيرها.
فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد إحداهما، وأما باجتماعهما، فإن العمل يتم ويكمل، وإنما قالت ذلك، لأنها شاهدت من قوة موسى عند السقي لهما ونشاطه، ما عرفت به قوته، وشاهدت من أمانته وديانته، وأنه رحمهما في حالة لا يرجى نفعهما، وإنما قصده [بذلك] وجه اللّه تعالى.
ثم يحكى القرآن بعد ذلك، ما أشارت به إحدى الفتاتين على أبيها: فقال- تعالى-:
قالَتْ إِحْداهُما ولعلها التي جاءت إلى موسى على استحياء لتقول له: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا.
يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ أى: قالت لأبيها بوضوح واستقامة قصد- شأن المرأة السليمة الفطرة النقية العرض القوية الشخصية- يا أبت استأجر هذا الرجل الغريب ليكفينا تعب الرعي، ومشقة العمل خارج البيت.
ثم عللت طلبها بقولها: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ أى: استأجره ليرعى غنمنا، فإنه جدير بهذه المهمة، لقوته وأمانته، ومن جمع في سلوكه وخلقه بين القوة والأمانة، كان أهلا لكل خير، ومحلا لثقة الناس به على أموالهم وأعراضهم.
قال ابن كثير: قال عمر، وابن عباس، وشريح القاضي، وأبو مالك، وقتادة.. وغير واحد: لما قالت: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قال لها أبوها: وما علمك بذلك؟ قالت: إنه رفع الصخرة التي لا يطيق حملها إلا عشرة رجال، وأنه لما جئت معه تقدمت أمامه، فقال لي: كوني من ورائي، فإذا اجتنبت الطريق فاحذفى- أى فارمى- بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأهتدى إليه .
وقوله : ( قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) أي : قالت إحدى ابنتي هذا الرجل . قيل : هي التي ذهبت وراء موسى ، عليه السلام ، قالت لأبيها : ( يا أبت استأجره ) أي : لرعية هذه الغنم .
قال عمر ، وابن عباس ، وشريح القاضي ، وأبو مالك ، وقتادة ، ومحمد بن إسحاق ، وغير واحد : لما قالت : ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) قال لها أبوها : وما علمك بذلك ؟ قالت : إنه رفع الصخرة التي لا يطيق حملها إلا عشرة رجال ، وإنه لما جئت معه تقدمت أمامه ، فقال لي : كوني من ورائي ، فإذا اجتنبت الطريق فاحذفي [ لي ] بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأتهدى إليه .
قال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : أفرس الناس ثلاثة : أبو بكر حين تفرس في عمر ، وصاحب يوسف حين قال : ( أكرمي مثواه ) [ يوسف : 21 ] ، وصاحبة موسى حين قالت : ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) .
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ (26)
يقول تعالى ذكره: قالت إحدى المرأتين اللتين سقى لهما موسى لأبيها حين أتاهُ موسى, وكان اسم إحداهما صَفُّورا, واسم الأخرى لَيّا, وقيل: شَرْفا كذلك.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرني وهب بن سليمان الرمادي, عن شعيب الجَبَئِي, قال: اسم الجاريتين لَيّا, وصَفُّورَا, وامرأة موسى صفُّورا ابنة يثرون (7) كاهن مدين, والكاهن: حبر.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: إحداهما صَفُّورا ابنة يثرون وأختها شَرَفا, ويقال: ليا, وهما اللتان كانتا تذودان. وأما أبوهما ففي اسمه اختلاف, فقال بعضهم: كان اسمه يثرون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب, قال: ثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن عمر بن مرّة, عن أبي عُبيدة, قال: كان الذي استأجر موسى ابنُ أخي شعيب يثرون .
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن عمرو بن مرّة, عن أبي عُبيدة, قال: الذي استأجر موسى يثرون ابنُ أخي شعيب عليه السلام .
وقال آخرون: بل اسمه: يَثَرى .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا العلاء بن عبد الجبار, عن حماد بن سلمة, عن أبي حمزة, عن ابن عباس قال: الذي استأجر موسى: يثرى صاحب مدين.
حدثني أبو العالية العبدي إسماعيل بن الهيثم, قال: ثنا أبو قُتيبة, عن حماد بن سلمة, عن أبي حمزة, عن ابن عباس, قال: الذي استأجر موسى: يثرى صاحب مدين.
حدثني أبو العالية العبديّ إسماعيل بن الهيثم, قال: ثنا أبو قُتيبة, عن حماد بن سلمة, عن أبي حمزة, عن ابن عباس, قال: اسم أبي المرأة: يثرى .
وقال آخرون: بل اسمه شعيب, وقالوا: هو شعيب النبيّ صلى الله عليه وسلم .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا قرّة بن خالد, قال: سمعت الحسن يقول: يقولون شعيب صاحب موسى, ولكنه سيد أهل الماء يومئذ.
قال أبو جعفر: وهذا مما لا يُدرك علمه إلا بخبر, ولا خبر بذلك تجب حجته, فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جل ثناؤه وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ... قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ تعني بقولها: استأجره ليرعى عليك ماشيتك.
( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) تقول: إن خير من تستأجره للرعي القويّ على حفظ ماشيتك والقيام عليها في إصلاحها وصلاحها, الأمين الذي لا تخاف خيانته, فيما تأمنه عليه.
وقيل: إنها لما قالت ذلك لأبيها, استنكر أبوها ذلك من وصفها إياه فقال لها: وما علمك بذلك؟ فقالت: أما قوّته فما رأيت من علاجه ما عالج عند السقي على البئر, وأما الأمانة فما رأيت من غضّ البصر عني.
وبنحو ذلك جاءت الأخبار عن أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, عن القاسم بن أبي أيوب, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, قال: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: فأحفظته الغَيْرة أن قال: وما يدريك ما قوّته وأمانته؟ قالت: أما قوّته, فما رأيت منه حين سقى لنا, لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه; وأما أمانته, فإنه نظر حين أقبلت إليه وشخصت له, فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه, ولم ينظر إلي حتى بلغته رسالتك, ثم قال: امشي خلفي وانعتي لي الطريق, ولم يفعل ذلك إلا وهو أمين, فسُرّي عن أبيها وصدَّقها وظن به الذي قالت.
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لموسى ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) يقول: أمين فيما وَلِيَ, أمين على ما استُودع.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: إن موسى لما سَقَى لهما, ورأت قوته, وحرّك حجَرا على الركِيّة, لم يستطعه ثلاثون رجلا فأزاله عن الركية, وانطلق مع الجارية حين دعته, فقال لها: امشي خلفي وأنا أمامك, كراهية أن يرى شيئا من خلفها مما حرّم الله أن ينظر إليه, وكان يوما فيه ريح.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن مغيرة, عن عبد الرحمن بن أبي نعم, في قوله: ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال لها أبوها: ما رأيت من أمانته؟ قالت: لما دعوته مشيت بين يديه, فجعلت الريح تضرب ثيابي, فتلزق بجسدي, فقال: كوني خلفي, فإذا بلغت الطريق فاذهبي, قالت: ورأيته يملأ الحوض بسجل واحد.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: غضّ طرفه عنهما. قال محمد بن عمرو في حديثه: حين, أو حتى سقى لهما فصدرتا. وقال الحارث في حديثه: حتى سقى بغير شك.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قال: فتح عن بئر حجرا على فيها, فسقى لهما بها, والأمين: أنه غضّ بصره عنهما حين سقى لهما فصدرتا.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبو خالد الأحمر وهانئ بن سعيد, عن الحجاج, عن القاسم, عن مجاهد ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: رفع حجرا لا يرفعه إلا فِئام من الناس.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, قال عمرو بن ميمون, في قوله: ( الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: كان يوم ريح, فقال: لا تمشي أمامي, فيصفك الريح لي, ولكن امشي خلفي ودلِّيني على الطريق; قال: فقال لها: كيف عرفت قوته؟قالت: كان الحجر لا يطيقه إلا عشرة فرفعه وحده.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني أبو معاوية, عن الحجاج بن أرطأة, عن الحكم, عن شريح في قوله: ( الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: أما قوّته: فانتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة, فرفعه وحده. وأما أمانته: فإنها مشت أمامه فوصفها الريح, فقال لها: امشي خلفي وصفي لي الطريق.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبو معاوية, عن عمرو, عن زائدة, عن الأعمش, قال: سألت تميم بن إبراهيم: بم عرفت أمانته ؟قال: في طرفه, بغضّ طرفه عنها.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة: ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: القويّ في الصنعة, الأمين فيما وَلِيَ.
قال: وذُكر لنا أن الذي رأت من قوّته: أنه لم تلبث ماشيتها حتى أرواها; وأن الأمانة التي رأت منه أنها حين جاءت تدعوه, قال لها: كوني ورائي, وكره أن يستدبرها, فذلك ما رأت من قوّته وأمانته.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة, قوله: ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال: بلغنا أن قوّته كانت سرعة ما أروى غنمهما. وبلغنا أنه ملأ الحوض بدلو (8) واحد. وأما أمانته فإنه أمرها أن تمشي خلفه.
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) وهي الجارية التي دعته, قال الشيخ: هذه القوة قد رأيت حين اقتلع الصخرة, أرأيت أمانته, ما يدريكِ ما هي؟ قالت: مشيت قدّامه فلم يحبّ أن يخونني في نفسي, فأمرني أن أمشي خلفه.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) فقال لها: وما عِلْمكِ بقوته وأمانته؟ فقالت: أما قوّته فإنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان, وكان لا يكشفها دون سبعة نفر. وأما أمانته فإني لما جئت أدعوه قال: كوني خَلْفَ ظهري, وأشيري لي إلى منـزلك, فعرفت أن ذلك منه أمانة.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) لما رأت من قوّته وقوله:لها ما قال: أنِ امشي خلفي, لئلا يرى منها شيئا مما يكره, فزاده ذلك فيه رغبة.
--------------------
(7) يثرون ويثري: كذا في الأصل. وفي العرائس (قصص الأنبياء، لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالثعلبي المتوفى سنة 427 هـ ص 174: "ثبرون"). ولعله تحريف من الناسخ.
(8) الدلو: الذي يستقى به من البئر ونحوها: يذكر ويؤنث (عن اللسان).
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يوسف: 4 | ﴿إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ﴾ |
---|
يوسف: 100 | ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ﴾ |
---|
مريم: 42 | ﴿إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡٔٗا﴾ |
---|
مريم: 43 | ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدۡ جَآءَنِي مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَمۡ يَأۡتِكَ﴾ |
---|
مريم: 44 | ﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ عَصِيّٗا﴾ |
---|
مريم: 45 | ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا﴾ |
---|
القصص: 26 | ﴿قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَا أَبَتِ ٱسۡتَٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ﴾ |
---|
الصافات: 102 | ﴿فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَا أَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ قَالَ} صاحب مدين لموسى{ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي} أي تصير أجيرا عندي{ ثَمَانِيَ حِجَجٍ} أي:ثماني سنين.{ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} تبرع منك، لا شيء واجب عليك.{ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} فأحتم عشر السنين، أو ما أريد أن أستأجرك لأكلفك أعمالا شاقة، وإنما استأجرك لعمل سهل يسير لا مشقة فيه{ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} فرغبه في سهولة العمل، وفي حسن المعاملة، وهذا يدل على أن الرجل الصالح، ينبغي له أن يحسن خلقه مهما أمكنه، وأن الذي يطلب منه، أبلغ من غيره.
واستجاب الشيخ الكبير لما اقترحته عليه ابنته، وكأنه أحس بصدق عاطفتها، وطهارة مقصدها وسلامة فطرتها، فوجه كلامه إلى موسى قائلا: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ.
أى: قال الشيخ الكبير لموسى مستجيبا لاقتراح ابنته: يا موسى إنى أريد أن أزوجك إحدى ابنتي هاتين.
ولعله أراد بإحداهما، تلك التي قالت له: يا أبت استأجره، لشعوره- وهو الشيخ الكبير، والأب العطوف، الحريص على راحة ابنته- بأن هناك عاطفة شريفة تمت بين قلب ابنته، وبين هذا الرجل القوى الأمين، وهو موسى- عليه السلام-.
وفي هذه الآيات ما فيها من الإشارة إلى رغبة المرأة الصالحة، في الرجل الصالح، وإلى أنه من شأن الآباء العقلاء أن يعملوا على تحقيق هذه الرغبة.
قال الشوكانى: في هذه الآية مشروعية عرض ولى المرأة لها على الرجل، وهذه سنة ثابتة في الإسلام، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على أبى بكر وعثمان، وغير ذلك مما وقع في أيام الصحابة أيام النبوة، وكذلك ما وقع من عرض المرأة لنفسها على رسول الله صلّى الله عليه وسلم .
وقوله- سبحانه-: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ بيان لما اشترطه الشيخ الكبير على موسى- عليه السلام-.
أى قال له بصيغة التأكيد: إنى أريد أن أزوجك إحدى ابنتي هاتين، بشرط أن تعمل أجيرا عندي لرعى غنمي ثَمانِيَ حِجَجٍ أى: ثماني سنين.
قال الجمل: وقوله: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي في محل نصب على الحال، إما من الفاعل أو من المفعول.
أى: مشروطا على أو عليك ذلك.. وتَأْجُرَنِي مفعوله الثاني محذوف أى: تأجرنى نفسك وثَمانِيَ حِجَجٍ ظرف له.. .
وقوله: فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ أى: فإن أتممت عشر سنين كأجير عندي لرعاية غنمي، أى: فهذا الإتمام من عندك على سبيل التفضل والتكرم فإنى لا أشترط عليك سوى ثماني حجج.
وقوله وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ بيان لحسن العرض الذي عرضه الشيخ على موسى.
أى: وما أريد أن أشق عليك أو أتعبك في أمر من الأمور خلال استئجارى لك، بل ستجدني- إن شاء الله- تعالى- من الصالحين، في حسن المعاملة، وفي لين الجانب، وفي الوفاء بالعهد.
وقال: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ.. للدلالة على أنه من المؤمنين. الذين يفوضون أمورهم إلى الله- تعالى- ويرجون توفيقه ومعونته على الخير.
قال : ( إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين ) أي : طلب إليه هذا الرجل الشيخ الكبير أن يرعى عنه ويزوجه إحدى ابنتيه هاتين .
قال شعيب الجبائي : وهما صفورا ، وليا .
وقال محمد بن إسحاق : صفورا وشرقا ، ويقال : ليا . وقد استدل أصحاب أبي حنيفة [ رحمه الله تعالى ] بهذه الآية على صحة البيع فيما إذا قال : " بعتك أحد هذين العبدين بمائة . فقال : اشتريت " أنه يصح ، والله أعلم .
وقوله : ( على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك ) أي : على أن ترعى علي ثماني سنين ، فإن تبرعت بزيادة سنتين فهو إليك ، وإلا ففي ثمان كفاية ، ( وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين ) أي : لا أشاقك ، ولا أؤاذيك ، ولا أماريك .
وقد استدلوا بهذه الآية الكريمة لمذهب الأوزاعي ، فيما إذا قال : " بعتك هذا بعشرة نقدا ، أو بعشرين نسيئة " أنه يصح ، ويختار المشتري بأيهما أخذه صح . وحمل الحديث المروي في سنن أبي داود : " من باع بيعتين في بيعة ، فله أوكسهما أو الربا " على هذا المذهب . وفي الاستدلال بهذه الآية وهذا الحديث على هذا المذهب نظر ، ليس هذا موضع بسطه لطوله . والله أعلم .
ثم قد استدل أصحاب الإمام أحمد ومن تبعهم ، في صحة استئجار الأجير بالطعمة والكسوة بهذه الآية ، واستأنسوا في ذلك بما رواه أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة في كتابه السنن ، حيث قال : " باب استئجار الأجير على طعام بطنه " : حدثنا محمد بن المصفى الحمصي ، حدثنا بقية بن الوليد ، عن مسلمة بن علي ، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح قال : سمعت عتبة بن الندر يقول : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ ( طسم ) ، حتى إذا بلغ قصة موسى قال : " إن موسى أجر نفسه ثماني سنين أو : عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه .
وهذا الحديث من هذا الوجه ضعيف ، لأن مسلمة بن علي وهو الخشني الدمشقي البلاطي ضعيف الرواية عند الأئمة ، ولكن قد روي من وجه آخر ، وفيه نظر أيضا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن علي بن رباح اللخمي قال : سمعت عتبة بن الندر السلمي - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن موسى آجر نفسه بعفة فرجه ، وطعمة بطنه " .
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)
يقول تعالى ذكره: (قَالَ) أبو المرأتين اللتين سقى لهما موسى لموسى: ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ) يعني بقوله: ( عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ): على أن تثيبني من تزويجها رعي ماشيتي ثماني حِجَج, من قول الناس: آجرك الله فهو يَأْجُرُك, بمعنى: أثابك الله; والعرب تقول: أَجَرْت الأجير آجره, بمعنى: أعطيته ذلك, كما يقال: أخذته فأنا آخذه. وحكى بعض أهل العربية من أهل البصرة أن لغة العرب: أَجَرْت غلامي فهو مأجور, وآجرته فهو مُؤْجَر, يريد: أفعلته.
قال: وقال بعضهم: آجره فهو مؤاجر, أراد فاعلته; وكأن أباها عندي جعل صداق ابنته التي زوجها موسى رعي موسى عليه ماشيته ثمانيَ حِجَج, والحجَج: السنون.
وقوله: ( فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ) يقول: فإن أتممت الثماني الحجج عشرا التي شرطتها عليك بإنكاحي إياك إحدى ابنتي, فجعلتها عشر حجج, فإحسان من عندك, وليس مما اشترطته عليك بسبب تزويجك ابنتي ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ) باشتراط الثماني الحِجَج عَشْرا عليك ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) في الوفاء بما قلت لك.
كما حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق: ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) أي في حُسن الصحبة والوفاء بما قلت.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الكهف: 69 | ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ |
---|
القصص: 27 | ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ |
---|
الصافات: 102 | ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أنكحك إحدى:
وقرئ:
بحذف الهمزة، وهى قراءة ورش، وأحمد بن موسى، عن أبى عمرو.
التفسير :
فـ{ قَالَ} موسى عليه السلام -مجيبا له فيما طلبه منه-:{ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} أي:هذا الشرط، الذي أنت ذكرت، رضيت به، وقد تم فيما بيني وبينك.{ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} سواء قضيت الثماني الواجبة، أم تبرعت بالزائد عليها{ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} حافظ يراقبنا، ويعلم ما تعاقدنا عليه.
وهذا الرجل، أبو المرأتين، صاحب مدين، ليس بشعيب النبي المعروف، كما اشتهر عند كثير من الناس، فإن هذا، قول لم يدل عليه دليل، وغاية ما يكون، أن شعيبا عليه السلام، قد كانت بلده مدين، وهذه القضية جرت في مدين، فأين الملازمة بين الأمرين؟
وأيضا، فإنه غير معلوم أن موسى أدرك زمان شعيب، فكيف بشخصه؟"ولو كان ذلك الرجل شعيبا، لذكره اللّه تعالى، ولسمته المرأتان، وأيضا فإن شعيبا عليه الصلاة والسلام، قد أهلك اللّه قومه بتكذيبهم إياه، ولم يبق إلا من آمن به، وقد أعاذ اللّه المؤمنين أن يرضوا لبنتي نبيهم، بمنعهما عن الماء، وصد ماشيتهما، حتى يأتيهما رجل غريب، فيحسن إليهما، ويسقي ماشيتهما، وما كان شعيب، ليرضى أن يرعى موسى عنده ويكون خادما له، وهو أفضل منه وأعلى درجة، والله أعلم، [إلا أن يقال:هذا قبل نبوة موسى فلا منافاة وعلى كل حال لا يعتمد على أنه شعيب النبي بغير نقل صحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم]
ثم حكى- سبحانه- ما رد به موسى فقال: قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ، وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ.
أى: قالَ موسى في الرد على الشيخ الكبير ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أى: ذلك الذي قلته لي واشترطته على، كائن وحاصل بيني وبينك، وكلانا مطالب بالوفاء به فاسم الإشارة مبتدأ، وبيني وبينك خبره، والإشارة مرجعها إلى ما تعاقدا عليه، وأى في قوله: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ شرطية، وجوابها، فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وما مزيدة للتأكيد.
والمعنى: أى الأجلين، أى الثمانية الأعوام أو العشرة الأعوام قَضَيْتُ أى: وفيت به، وأديته معك أجيرا عندك فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ أى: فلا ظلم على، وأصل العدوان:
تجاوز الحد.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه: أى قال موسى: ذلك الذي قلته.. قائم بيننا جميعا لا يخرج كلانا عنه لا أنا عما اشترطت على ولا أنت عما اشترطت على نفسك.. ثم قال: أى أجل من الأجلين قضيت- أطولهما أو أقصرهما- فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ أى: فلا يعتدى على في طلب الزيادة عليه. فإن قلت: تصور العدوان إنما هو في أحد الأجلين الذي هو الأقصر، وهو المطالبة بتتمة العشر، فما معنى تعليق العدوان بهما جميعا؟
قلت: معناه، كما أنى إن طولبت بالزيادة على العشر كان عدوانا لا شك فيه، فكذلك إن طولبت بالزيادة على الثماني. أراد بذلك تقرير أمر الخيار، وأنه ثابت مستقر، وأن الأجلين على السواء إما هذا وإما هذا من غير تفاوت بينهما في القضاء، وأما التتمة فهي موكولة إلى رأيى. إن شئت أتيت بها، وإلا لم أجبر عليها.. .
والمقصود بقوله: وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ توثيق العهد وتأكيده، وأنه لا سبيل لواحد منهما على الخروج عنه أصلا.
أى: والله- تعالى- شهيد ووكيل ورقيب على ما اتفقنا عليه، وتعاهدنا على تنفيذه، وكفى بشهادته- سبحانه- شهادة.
وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الآثار التي تدل على أن موسى- عليه السلام- قد قضى أطول الأجلين. ومن ذلك ما جاء عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: سألت جبريل: أى الأجلين قضى موسى؟ قال: «أكملهما وأتمهما، وفي رواية: أبرهما وأوفاهما» .
هذا، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة، يرى فيها بجلاء ووضوح، ما جبل عليه موسى- عليه السلام- من صبر على بأساء الحياة وضرائها ومن همة عالية تحمله في كل موطن على إعانة المحتاج، ومن طبيعة إيجابية تجعله دائما لا يقف أمام مالا يرضيه مكتوف اليدين، ومن عاطفة رقيقة تجعله في كل الأوقات دائم التذكر لخالقه، كثير التضرع إليه بالدعاء.
كما يرى فيها الفطرة السوية، والصدق مع النفس، والحياء، والعفاف، والوضوح، والبعد عن التكلف والالتواء، كل ذلك متمثل في قصة هاتين المرأتين اللتين سقى لهما موسى غنمهما، واللتين جاءته إحداهما تمشى على استحياء، ثم قالت لأبيها: يا أبت استأجره.
كما يرى فيها ما كان يتحلى به ذلك الشيخ الكبير من عقل راجح، ومن قول طيب حكيم، يدخل الأمان والاطمئنان على قلب الخائف، ومن أبوة حانية رشيدة، تستجيب للعواطف الشريفة، وتعمل على تحقيق رغباتها عن طريق الزواج الذي شرعه الله- تعالى-.
ومضت السنوات العشر، التي قضاها موسى أجيرا عند الشيخ الكبير في مدين، ووفى كل واحد منهما بما وعد به صاحبه، وتزوج موسى بإحدى ابنتي الشيخ الكبير، وقرر الرجوع بأهله إلى مصر، فماذا حدث له في طريق عودته؟ يحكى لنا القرآن الكريم بأسلوبه البديع ما حدث لموسى- عليه السلام- بعد ذلك فيقول:
وقوله تعالى إخبارا عن موسى ، عليه السلام : ( قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل ) ، يقول : إن موسى قال لصهره : الأمر على ما قلت من أنك استأجرتني على ثمان سنين ، فإن أتممت عشرا فمن عندي ، فأنا متى فعلت أقلهما [ فقد ] برئت من العهد ، وخرجت من الشرط ; ولهذا قال : ( أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي ) أي : فلا حرج علي مع أن الكامل - وإن كان مباحا لكنه فاضل من جهة أخرى ، بدليل من خارج . كما قال [ الله ] تعالى : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه ) [ البقرة : 203 ] .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحمزة بن عمرو الأسلمي ، رضي الله عنه ، وكان كثير الصيام ، وسأله عن الصوم في السفر - فقال : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " مع أن فعل الصيام راجح من دليل آخر .
هذا وقد دل الدليل على أن موسى عليه السلام ، إنما فعل أكمل الأجلين وأتمهما ; قال البخاري :
حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا مروان بن شجاع ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قال : سألني يهودي من أهل الحيرة : أي الأجلين قضى موسى ؟ فقلت : لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله . فقدمت فسألت ابن عباس ، رضي الله عنه ، فقال : قضى أكثرهما وأطيبهما ، إن رسول الله إذا قال فعل . هكذا رواه البخاري وهكذا رواه حكيم بن جبير وغيره ، عن سعيد بن جبير . ووقع في " حديث الفتون " ، من رواية القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ; أن الذي سأله رجل من أهل النصرانية . والأول أشبه ، والله أعلم ، وقد روي من حديث ابن عباس مرفوعا ، قال ابن جرير :
حدثنا أحمد بن محمد الطوسي ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " سألت جبريل : أي الأجلين قضى موسى قال : أكملهما وأتمهما " .
ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن الحميدي ، عن سفيان - وهو ابن عيينة - حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب - وكان من أسناني أو أصغر مني - فذكره .
قلت : وإبراهيم هذا ليس بمعروف .
ورواه البزار عن أحمد بن أبان القرشي ، عن سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن أعين ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره . ثم قال : لا نعرفه مرفوعا عن ابن عباس إلا من هذا الوجه .
وقال ابن أبي حاتم : قرئ على يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب ، أنبأنا عمرو بن الحارث ، عن يحيى بن ميمون الحضرمي ، عن يوسف بن تيرح : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : " لا علم لي " . فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل ، فقال جبريل : لا علم لي ، فسأل جبريل ملكا فوقه فقال : لا علم لي . فسأل ذلك الملك ربه - عز وجل - عما سأله عنه جبريل عما سأله عنه محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال الرب سبحانه وتعالى : " قضى أبرهما وأبقاهما - أو قال : أزكاهما " .
وهذا مرسل ، وقد جاء مرسلا من وجه آخر ، وقال سنيد : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قال مجاهد : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل جبريل : " أي الأجلين قضى موسى ؟ " فقال : سوف أسأل إسرافيل . فسأله فقال : سوف أسأل الرب عز وجل . فسأله فقال : " أبرهما وأوفاهما " .
طريق أخرى مرسلة أيضا : قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : " أوفاهما وأتمهما " .
فهذه طرق متعاضدة ، ثم قد روي [ هذا ] مرفوعا من رواية أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال الحافظ أبو بكر البزار ، حدثنا أبو عبيد الله يحيى بن محمد بن السكن ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا عوبد بن أبي عمران الجوني ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : " أوفاهما وأبرهما " ، قال : " وإن سئلت أي المرأتين تزوج ؟ فقل الصغرى منهما " .
ثم قال البزار : لا نعلم يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد .
وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عوبد بن أبي عمران - وهو ضعيف - ثم قد روي أيضا نحوه من حديث عتبة بن الندر بزيادة غريبة جدا ، فقال أبو بكر البزار : حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح اللخمي قال : سمعت عتبة بن الندر يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : " أبرهما وأوفاهما " . ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن موسى ، عليه السلام ، لما أراد فراق شعيب عليه السلام ، أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به . فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالب لون . قال : فما مرت شاة إلا ضرب موسى جنبها بعصاه ، فولدت قوالب ألوان كلها ، وولدت ثنتين وثلاثا كل شاة ليس فيها فشوش ولا ضبوب ، ولا كميشة تفوت الكف ، ولا ثعول " . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا افتتحتم الشام فإنكم ستجدون بقايا منها ، وهي السامرية " .
هكذا أورده البزار . وقد رواه ابن أبي حاتم بأبسط من هذا فقال :
حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني عبد الله بن لهيعة ( ح ) وحدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن علي بن رباح اللخمي قال : سمعت عتبة بن الندر السلمي - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن موسى ، عليه السلام آجر نفسه بعفة فرجه وطعمة بطنه . فلما وفى الأجل - قيل : يا رسول الله ، أي الأجلين ؟ قال - أبرهما وأوفاهما . فلما أراد فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به ، فأعطاها ما ولدت من غنمه من قالب لون من ولد ذلك العام ، وكانت غنمه سوداء حسناء ، فانطلق موسى ، عليه السلام إلى عصاه فسماها من طرفها ، ثم وضعها في أدنى الحوض ، ثم أوردها فسقاها ، ووقف موسى بإزاء الحوض فلم تصدر منها شاة إلا ضرب جنبها شاة شاة قال : " فأتأمت وأثلثت ، ووضعت كلها قوالب ألوان ، إلا شاة أو شاتين ليس فيها فشوش . قال يحيى : ولا ضبون . وقال صفوان : ولا ضبوب . قال أبو زرعة : الصواب ضبوب - ولا عزوز ولا ثعول ، ولا كميشة تفوت الكف " ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فلو افتتحتم الشام وجدتم بقايا تلك الغنم وهي السامرية " .
وحدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان قال : سمعت الوليد قال : فسألت ابن لهيعة : ما الفشوش ؟ قال : التي تفش بلبنها واسعة الشخب . قلت : فما الضبوب ؟ قال : الطويلة الضرع تجره . قلت : فما العزوز ؟ قال : ضيقة الشخب . قال فما الثعول ؟ قال : التي ليس لها ضرع إلا كهيئة حلمتين . قلت : فما الكميشة ؟ قال : التي تفوت الكف ، كميشة الضرع ، صغير لا يدركه الكف .
مدار هذا الحديث على عبد الله بن لهيعة المصري - وفي حفظه سوء - وأخشى أن يكون رفعه خطأ ، والله أعلم . وينبغي أن يروى ليس فيها فشوش ولا عزوز ، ولا ضبوب ولا ثعول ولا كميشة ، لتذكر كل صفة ناقصة مع ما يقابلها من الصفات الناقصة . وقد روى ابن جرير من كلام أنس بن مالك - موقوفا عليه - ما يقارب بعضه بإسناد جيد ، فقال : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : لما دعا نبي الله موسى ، عليه السلام ، صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما ، قال له صاحبه : كل شاة ولدت على غير لونها فذلك ولدها لك ، فعمد فرفع حبالا على الماء ، فلما رأت الخيال فزعت فجالت جولة ، فولدن كلهن بلقا إلا شاة واحدة ، فذهب بأولادهن ذلك العام .
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
يقول تعالى ذكره: (قَالَ) موسى لأبي المرأتين ( ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ) أي هذا الذي قلتَ من أنك تزوّجني أحدى ابنتيك على أن آجرك ثماني حجَج, واجب بيني وبينك, على كل واحد منا الوفاء لصاحبه بما أوجب له على نفسه.
وقوله: ( أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ ) يقول: أيّ الأجلين من الثماني الحجج والعشر الحجَج قضيت, يقول: فرغت منها فوفيتكها رعي غنمك وماشيتك ( فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ ) يقول: فليس لك أن تعتدي عليّ, فتطالبني بأكثر منه, و " ما " في قوله: ( أَيَّمَا الأجَلَيْنِ ) صلة يوصل بها أي على الدوام (9) وزعم أهل العربية أن هذا أكثر في كلام العرب من أيّ, وأنشد قول الشاعر:
وَأَيُّهُمَـــا مَــا أَتَبَعَــنَّ فَــإِنَّنِي
حَـرِيصٌ عَـلَى أَثَـرِ الَّـذِي أَنَـا تَابِعُ (10)
وقال عباس بن مرداس:
فَــأَيِّي مَــا وَأَيُّــكَ كَـانَ شَـرًّا
فَقِيــدَ إلــى المَقَامَــةِ لا يَرَاهَــا (11)
وقوله: ( وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) كان ابن إسحاق يرى هذا القول من أبي المرأتين.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: قال موسى ( ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ ) قَالَ : نَعَمْ ( وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) فزوّجه, وأقام معه يكفيه, ويعمل له في رعاية غنمه, وما يحتاج إليه منه.
وزوجة موسى صَفُّورا أو أختها شرفا أو ليَّا:
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: قال ابن عباس; الجارية التي دعته هي التي تزوّج.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قال له إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ... إلى آخر الآية, قال: وأيتهما تريد أن تنكحني؟ قال: التي دعتك, قال: ألا وهي بريئة مما دخل نفسك عليها, فقال: هي عندك كذلك, فزوّجه.
وبنحو الذي قلنا في قوله: ( أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي: ( قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ ) إما ثمانيا, وإما عشرًا.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني ابن لهيعة, عن عمارة بن غزية, عن يحيى بن سعيد, عن القاسم بن محمد, وسأله رجل قال ( أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ ) قال: فقال القاسم: ما أبالي أيّ ذلك كان, إنما هو موعد وقضاء.
وقوله: ( وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) يقول: والله على ما أوجب كلّ واحد منا لصاحبه على نفسه بهذا القول, شهيد وحفيظ.
كالذي حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: ( وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) قال: شهيد على قول موسى وخَتَنه.
وذكر أن موسى وصاحبه لما تعاقدا بينهما هذا العقد, أمر إحدى ابنتيه أن تعطي موسى عصًا من العِصِيّ التي تكون مع الرعاة, فأعطته إياه, فذكر بعضهم أنها العصا التي جعلها الله له آية.
وقال بعضهم تلك عصا أعطاه إياها جبريل عليه السلام .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: أمر -يعني أبا المرأتين- إحدى ابنتيه أن تأتيه, يعني أن تأتيَ موسى بعصا, فأتته بعصًا, وكانت تلك العصا عصًا استودعها إياه ملك في صورة رجل, فدفعها إليه, فدخلت الجارية, فأخذت العصا, فأتته بها; فلما رآها الشيخ قال: لا ائتيه بغيرها, فألقتها تريد أن تأخذ غيرها, فلا يقع في يدها إلا هي, وجعل يردّدها, وكل ذلك لا يخرج في يدها غيرها; فلما رأى ذلك عمد إليها, فأخرجها معه, فَرعَى بها. ثم إن الشيخ ندم وقال: كانت وديعة, فخرج يتلقى موسى, فلما لقيه قال: اعطني العصا, فقال موسى: هي عَصَايَ, فأبى أن يعطيه, فاختصما, فرضيا أن يجعلا بينهما أوّل رجل يلقاهما, فأتاهما ملك يمشي, فقال: ضعوها في الأرض, فمن حملها فهي له, فعالجها الشيخ فلم يطقها, وأخذ موسى بيده فرفعها, فتركها له الشيخ, فرعَى له عشر سنين. قال عبد الله بن عباس: كان موسى أحق بالوفاء.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: قال -يعني أبا الجارية- لما زوّجها موسى لموسى: أدخل ذلك البيت فخذ عصا, فتوكأ عليها, فدخل, فلما وقف على باب البيت, طارت إليه تلك العصا, فأخذها, فقال: اردُدها وخذ أخرى مكانها, قال: فردّها, ثم ذهب ليأخذ أخرى, فطارت إليه كما هي, فقال: لا أرددها, فعل ذلك ثلاثا, فقال: ارددها, فقال: لا أجد غيرها اليوم, فالتفت إلى ابنته, فقال لابنته: إن زوجك لنبيّ.
* ذكر من قال: التي كانت آية عصًا أعطاها موسى جبرائيل عليه السلام:
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي بكر, قال: سألت عكرمة قال: أما عصا موسى, فإنها خرج بها آدم من الجنة, ثم قبضها بعد ذلك جبرائيل عليه السلام , فلقي موسى بها ليلا فدفعها إليه.
------------------------
الهوامش:
(9) يظهر أن في عبارة الأصل سقطًا، يعلم من عبارة الفراء في شرح البيت الآتي. وقوله: "على الدوام" أي أن (ما) الزائدة تلحق بلفظ أي دائمًا، وقوله وزعم أهل العربية... إلخ: يريد أن أهل العربية قالوا: إن "ما" إما أن تلحق بلفظ أي، أو تجيء بعدما أضيف إليه "أي"، وهذا أكثر في كلام العرب كما يعلم من الشاهدين الآتيين بعد.
(10) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (ص 241) على أن (ما) قد تزاد بعد المضاف إلى "أي" أداة الجزاء.قال: قوله (أيما الأجلين) فجعل ما وهي صلة من صلات الجزاء مع أي. وهي في قراءة عبد الله: (أي الأجلين ما قضيت فلا عدوان علي). وهذا أكثر في كلام العرب من الأول. ويتضح من هذا أن عبارة المؤلف قاصرة أو فيها جزء ساقط قبل قوله: "وزعم أهل العربية...." إلخ.
(11) البيت لعباس بن مرداس. وقد تقدم الاستشهاد به في مواضع. والشاهد هنا في زيادة "ما" بعدما أضيف إليه إي والمقامة: المجلس. وقيد إلى المقامة: دعاء عليه بأن يعمى، فلا يصل إلى مجلس قومه إلا إذا قيد.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
يوسف: 66 | ﴿فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّـهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ |
---|
القصص: 28 | ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَ اللَّـهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أيما:
وقرئ:
1- بحذف الياء الثانية، وهى قراءة الحسن، والعباس، عن أبى عمرو.
2- أي الأجلين ما قضيت، زيادة «ما» بين «الأجلين» و «قضيت» وهى قراءة عبد الله.