365565758596061626364656667

الإحصائيات

سورة الفرقان
ترتيب المصحف25ترتيب النزول42
التصنيفمكيّةعدد الصفحات7.30
عدد الآيات77عدد الأجزاء0.37
عدد الأحزاب0.75عدد الأرباع3.00
ترتيب الطول29تبدأ في الجزء18
تنتهي في الجزء19عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 5/14تبارك: 1/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (56) الى الآية رقم (62) عدد الآيات (7)

ثُمَّ بَيَّنَ لرسولِه ﷺ الوظيفةَ التى من أجلِها أرسلَه، وأمرَه بالتَّوكلِ عليه، لأنَّه: حيٌ لا يموتُ، عالمٌ بكلِّ شيءٍ، قادرٌ على كلِّ شيءٍ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (63) الى الآية رقم (67) عدد الآيات (5)

بعدَ ذكرِ جهالاتِ المشركينَ وطعنِهم في القرآنِ والنُّبوةِ، وإعراضِهم عنه ﷺ ذكرَ هنا صفاتِ عبادِ الرحمنِ التي استحقُوا بها الجنانَ: 1- التواضعُ. 2- الحلمُ. 3- التهجدُ. 4- الخوفُ. 5- تركُ الإسرافِ والإقتارِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الفرقان

صدق القرآن وسوء عاقبة المكذبين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لحظات صعبة:: كل واحد منا مرت عليه لحظات صعبة، قد تجد نفسك فجأة فريسة لاتهامات الناس، وكذبهم، وافتراءاتهم، وسوء ظنونهم، وتكون الحقيقة مختلفة تمامًا عما يقولون وعما يفترون.والشعور بالظلم شعور مرير. هنا تأتي سورة الفرقان لتقول لك : لقد تعرض من هو أفضل منك بكثير إلى ما هو أسوأ من هذا بكثير، فَلِمَ تعتقد أنك استثناء؟! تأخذنا السورة إلى داخل نفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم ، إلى مواضع تلك الطعنات التي حاول كفار مكة أن يجرحوه من خلالها. فتهمس السورة: تماسك وتجلد إذن، هذا هو الرجل الذي بلغ الكمال الإنساني، ورغم ذلك فقد تعرض لأسوأ مما تعرضت له.كف عن التذمر والبكاء، حاول أن لا تكترث لما يقولون. سورة الفرقان فيها شيء من الحزن النبيل الراقي الذي كان يشعر به صلى الله عليه وسلم في المرحلة التي نزلت فيها السورة، نحن في منتصف المرحلة المكية تقريبًا، بعد هجرة الحبشة وقبل الإسراء. وكفار مكة لا يزالون على عنادهم، لا يزالون يتهمونه بشتى الاتهامات ويتعرضون له بالسخرية والانتقاص.يسخرون ويتسائلون عن أهمية ما جاء به محمد، كل شيء مما يقوله موجود في أخبار الأولين، لم يأت بجديد، محمد يجمع ما كتب من قبل، ويساعده في ذلك من له علم بما في أخبار الآخرين.كانوا يعيبون عليه بشريته، يعيبون عليه أنه يتصرف كما الناس، ويأكل كما يأكلون، ويمشي في أسواقهم. أي ظلم أن تشعر أن من يرفضك يتحجج بكونك إنسان ليرفضك، ماذا أفعل مثلًا؟ ماذا تقترحون؟ يقترحون أن يكون معه مَلَكَ، أو يدله ربُه على كنز يغنيه عن العمل تمامًا، أو أن يجعل له جنة بحيث يأكل منها متى ما أراد، بدلًا من السعي للرزق. ولا يعني هذا أن كل انتقاد يوجه لنا يدل على أننا على صواب، فبعض ما يوجه لنا من انتقادات تكون صحيحة تمامًا، ويكون ما نفعله هو الخطأ، ليس الانتقاد دليلًا للخطأ ولا للصواب، ولا التصفيق دليلًا على أي منهما أيضًا.
  • • محاور سورة الفرقان:: سورة الفرقان تتحدث عن صدق القرآن وسوء عاقبة من يكذب بالله ورسوله وكتابه، عبر 3 محاور: 1- أنواع التكذيب التي لقيها النبي صلى الله عليه وسلم. 2- التحذير من سوء عاقبة التكذيب. 3- تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فتسير السورة على نفس المنوال: بيان أنواع تكذيب المشركين، ثم ذكر عاقبته، ثم طمأنة النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «سورة الفرقان».
  • • معنى الاسم :: الفرقان: اسم من أسماء القرآن الكريم، سمى بذلك؛ لأنه يفرق أي يفصل بين الحق والباطل، يفصل بين الحلال والحرام.
  • • سبب التسمية :: لوقوع لفظ الفرقان في أولها (وقد وقع في غيرها).
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: صدق القرآن وسوء عاقبة المكذبين.
  • • علمتني السورة :: القرآن فرقان بين الحق والباطل.
  • • علمتني السورة :: أن الله أنزل القرآن الكريم نذيرًا لنا، فلنعمل بما جاء به: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾
  • • علمتني السورة :: أن الغنى فتنة للفقير، والفقير فتنة للغني، وهكذا سائر أصناف الخلق في هذه الدار، دار الفتن والابتلاء والاختبار: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾

مدارسة الآية : [56] :الفرقان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا

التفسير :

[56] وما أرسلناك -أيها الرسول- إلا مبشراً للمؤمنين بالجنة ومنذراً للكافرين بالنار.

يخبر تعالى:أنه ما أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم مسيطرا على الخلق ولا جعله ملكا ولا عنده خزائن الأشياء، وإنما أرسله{ مُبَشِّرًا} يبشر من أطاع الله بالثواب العاجل والآجل،{ وَنَذِيرًا} ينذر من عصى الله بالعقاب العاجل والآجل وذلك مستلزم لتبيين ما به البشارة وما تحصل به النذارة من الأوامر والنواهي .

ثم بين- سبحانه- الوظيفة التي من أجلها أرسل رسوله فقال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً.

أى: وما أرسلناك- أيها الرسول الكريم- إلى الناس جميعا، إلا لتبشرهم بثواب الله- تعالى- ورضوانه إذا أخلصوا له العبادة والطاعة، ولتنذرهم بعقابه وغضبه، إن هم استمروا على كفرهم وشركهم، فبلغ رسالتنا- أيها الرسول- ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر.

ثم قال تعالى لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه : ( وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ) أي : بشيرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين ، مبشرا بالجنة لمن أطاع الله ، ونذيرا بين يدي عذاب شديد لمن خالف أمر الله .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ ) يا محمد إلى من أرسلناك إليه ( إِلا مُبَشِّرًا ) بالثواب الجزيل, من آمن بك وصدّقك, وآمن بالذي جئتهم به من عندي, وعملوا به ( وَنَذِيرًا ) من كذّبك وكذّب ما جئتهم به من عندي, فلم يصدّقوا به, ولم يعملوا.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[56] اقتدِ بالنبي ﷺ، وادعُ اليوم أحد العصاة، أو الغافلين، وابدأ بالبشارة قبل النذارة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَما أَرْسَلْناكَ:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. ارسل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ إِلاّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً:
  • إلا: أداة حصر لا عمل لها. مبشرا: حال من ضمير المخاطب منصوب بالفتحة. ونذيرا: معطوفة بالواو على مُبَشِّراً» وتعرب إعرابها.'

المتشابهات :

الإسراء: 105﴿وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
الأنبياء: 107﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
الفرقان: 56﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
سبإ: 28﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [56] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ فسادَ عقول المشركين؛ بَيَّنَ لرسولِه صلى الله عليه وسلم هنا الوظيفةَ التى أرسَلَه من أجلِها: أنت رسول تبشر المؤمنين بالجنة، وتنذر الكافرين بالنار؛ فلا تحزن على تكذيبهم لك، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [57] :الفرقان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ ..

التفسير :

[57] قل لهم:لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة أيَّ أجر، لكنْ من أراد أن يهتدي ويسلك سبيل الحق إلى ربه وينفق في مرضاته، فلست أُجبركم عليه، وإنما هو خير لأنفسكم.

وإنك -يا محمد- لا تسألهم على إبلاغهم القرآن والهدى أجرا حتى يمنعهم ذلك من اتباعك ويتكلفون من الغرامة،{ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} أي:إلا من شاء أن ينفق نفقة في مرضاة ربه وسبيله فهذا وإن رغبتكم فيه فلست أجبركم عليه وليس أيضا أجرا لي عليكم وإنما هو راجع لمصلحتكم وسلوككم للسبيل الموصلة إلى ربكم

وقُلْ لهم على سبيل النصح والإرشاد ودفع التهمة عن نفسك ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ. أى: ما أسألكم على هذا التبليغ والتبشير والإنذار من أجر، إن أجرى إلا على الله- تعالى- وحده.

وقوله- سبحانه-: إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا استثناء منقطع.

أى: لا أسألكم على تبليغى لرسالة ربي أجرا منكم، لكن من شاء منكم أن يتخذ إلى مرضاة ربه سبيلا، عن طريق الصدقة والإحسان إلى الغير، فأنا لا أمنعه من ذلك.

قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ أى: إلى رحمته ورضوانه سَبِيلًا أى طريقا. والاستثناء عند الجمهور منقطع، أى: لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه- سبحانه- سبيلا، أى: بالإنفاق القائم مقام الأجر، كالصدقة في سبيل الله، فليفعل.

وذهب البعض إلى أنه متصل. وفي الكلام مضاف مقدر، أى: إلا فعل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بالإيمان والطاعة حسبما أدعو إليهما، أى: فهذا أجرى.

وفي ذلك قلع كلى لشائبة الطمع، وإظهار لغاية الشفقة عليهم، حيث جعل ذلك- مع كون نفعه عائدا عليهم- عائدا إليه صلّى الله عليه وسلّم في صورة الأجر .

وعلى كلا الرأيين فالآية الكريمة تدل دلالة واضحة على أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لا يطلب أجرا من الناس على دعوته، ولا يمنعهم من إنفاق جزء من أموالهم في وجه الخير، وأنه صلى الله عليه وسلّم يعتبر إيمانهم بالحق الذي جاء به، هو بمثابة الأجر له، حيث إن الدال على الخير كفاعله.

ولقد حكى القرآن الكريم في كثير من آياته، أن جميع الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- ما سألوا الناس أجرا على دعوتهم إياهم إلى عبادة الله- تعالى- وطاعته. ومن هذه الآيات قوله- سبحانه- حكاية عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب-: وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ .

( قل ما أسألكم عليه من أجر ) أي : على هذا البلاغ وهذا الإنذار من أجرة أطلبها من أموالكم ، وإنما أفعل ذلك ابتغاء وجه الله ، ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) [ التكوير : 28 ] ( إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ) أي : طريقا ومسلكا ومنهجا يقتدي فيها بما جئت به .

( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ) يقول له: قل لهؤلاء الذين أرسلتك إليهم, ما أسألكم يا قوم على ما جئتكم به من عند ربي أجرا, فتقولون: إنما يطلب محمد أموالنا بما يدعونا إليه, فلا نتبعه فيه, ولا نعطيه من أموالنا شيئا، ( إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا ) يقول: لكن من شاء منكم اتخذ إلى ربه سبيلا طريقا بإنفاقه من ماله في سبيله, وفيما يقربه إليه من الصدقة والنفقة في جهاد عدوّه, وغير ذلك من سبل الخير.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[57] ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ أي: على الإبلاغ بالبشارة والنذارة ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ لتتهموني أني أدعوكم لأجله، أو تقولوا: لولا ألقي إليه كنز ليغتني به عن ذلك؛ فكأنه يقول: الاقتصار عن التوسع في المال إنما يكره لمن يسأل الناس، وليس هذا من شيمي قبل النبوة؛ فكيف بما بعدها؟! فلا غرض لي حينئذ إلا نفعكم.
وقفة
[57] ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ قالها نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، نصيبك من طريق الأنبياء بقدر استغناء قلبك ويدك عن مدح الناس وعطائهم.
وقفة
[57] ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ الداعي إلى الله لا يطلب الجزاء من الناس.
وقفة
[57] ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ سؤال الأجر من المدعوين أو حتى أخذه بلا سؤال يضعف تأثير الداعي.
وقفة
[57] ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ والسبب أن البشر لا يستطيعون تقييم أجر الهداية، وإنما الذي يعلم ذلك هو الله عز وجل.
وقفة
[57] ليحاول الداعية الاستغناء عن أموال المدعوين، وأن لا يأخذ أجرًا ممن يدعوهم؛ فإنها من أسباب القرب من الله، وعلامة على صدقه ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا﴾.
وقفة
[57] ﴿قُل ما أَسأَلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ إِلّا مَن شاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلًا﴾ كل سبل الخير تؤدى إلى الصراط المستقيم وموصلة لله عز وجل، فاختر سبيلك واستعن بالله.
وقفة
[57، 58] إذا قل توكل المصلح والداعية والعالم على ربه اشترى بدينه ﴿قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا * وتوكل على الحي الذي لايموت﴾.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ:
  • فعل امر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.
  • ﴿ ما أَسْئَلُكُمْ:
  • ما: نافية لا عمل لها. اسألكم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انا. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-في محل نصب مفعول به اول والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ:
  • جار ومجرور متعلق بأسألكم. من: حرف جر زائد.اجر: اسم مجرور لفظا منصوب محلا لانه مفعول به ثان لا سأل. اي ما اسألكم عليه اجرا.
  • ﴿ إِلاّ مَنْ شاءَ:
  • إلا: اداة استثناء بمعنى «لكن».من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مستثنى بإلا وهو استثناء منقطع. والمراد الا فعل من شاء. فحذف المستثنى المضاف «فعل» وحل محله المضاف إليه مِنْ» والاستثناء المنقطع بلغة اهل الحجاز. اما بنو تميم فيجيزون النصب والابدال من أَجْرٍ» على اعتبار الموضع اي محل أَجْرٍ» وهو النصب. و مِنْ» تتضمن معنى الشرط‍ اي ولكن ان شاء ابتغاء ثواب ربه فعليه ان يعمل. شاء: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة شاءَ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ أَنْ يَتَّخِذَ:
  • ان: حرف مصدرية ونصب. يتخذ: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة يَتَّخِذَ» صلة أَنْ» لا محل لها. و أَنْ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل-شاء-.
  • ﴿ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً:
  • جار ومجرور متعلق بيتخذ أو بحال محذوفة من سَبِيلاً» والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة اي الى ثواب ربه بحذف المضاف المجرور-ثواب-واحلال المضاف إليه-ربه-محله. سبيلا: اي طريقا: مفعول به منصوب بيتخذ وعلامة نصبه الفتحة.'

المتشابهات :

الفرقان: 57﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا
ص: 86﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [57] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ لرسولِه صلى الله عليه وسلم الوظيفةَ التى أرسَلَه من أجلِها؛ أمرَه هنا أن يزيل عن نفسه التهمة، فيبين للمشركين أنه لا يطلب منهم أجرًا على تبليغ الرسالة، قال تعالى:
﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [58] :الفرقان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا ..

التفسير :

[58] وتوكل على الله الذي له جميع معاني الحياة الكاملة كما يليق بجلاله، الذي لا يموت، ونزِّهه عن صفات النقصان. وكفى بالله خبيراً بذنوب خلقه، لا يخفى عليه شيء منها، وسيحاسبهم عليها ويجازيهم بها.

ثم أمره أن يتوكل عليه ويستعين به فقال:{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ} الذي له الحياة الكاملة المطلقة{ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} أي:اعبده وتوكل عليه في الأمور المتعلقة بك والمتعلقة بالخلق.{ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} يعلمها ويجازي عليها.

ثم أمر- سبحانه- نبيه صلّى الله عليه وسلّم بالاجتهاد في تبليغ رسالته وبالتوكل عليه وحده، فقال- تعالى-: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ...

أى: سر في طريقك- أيها الرسول الكريم- لتبليغ دعوتنا، ولا تلتفت إلى دنيا الناس وأموالهم. وتوكل توكلا تاما على الله- تعالى- فهو الحي الباقي الذي لا يموت، أما غيره فإنه ميت وزائل.

وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ أى: ونزه ربك عن كل نقص، وأكثر من التقرب إليه بصالح الأعمال. وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ ما ظهر منها وما بطن، وما بدا منها وما استتر خَبِيراً أى عليما بها علما تاما، لا يعزب عنه- سبحانه- مثقال ذرة منها.

ثم قال : ( وتوكل على الحي الذي لا يموت ) أي : في أمورك كلها كن متوكلا على الله الحي الذي لا يموت أبدا ، الذي هو ( الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ) [ الحديد : 3 ] الدائم الباقي السرمدي الأبدي ، الحي القيوم رب كل شيء ومليكه ، اجعله ذخرك وملجأك ، وهو الذي يتوكل عليه ويفزع إليه ، فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك ، كما قال تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) [ المائدة : 67 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل قال : قرأت على معقل - يعني ابن عبيد الله - عن عبد الله بن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب قال : لقي سلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض فجاج المدينة ، فسجد له ، فقال : " لا تسجد لي يا سلمان ، واسجد للحي الذي لا يموت " وهذا مرسل حسن .

[ وقوله تعالى : ( وسبح بحمده ) ، أي : اقرن بين حمده وتسبيحه ] ; ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك " أي : أخلص له العبادة والتوكل ، كما قال تعالى : ( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ] .

وقال : ( فاعبده وتوكل عليه ) [ هود : 123 ] ( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ) [ الملك : 29 ] .

وقوله : ( وكفى به بذنوب عباده خبيرا ) أي : لعلمه التام الذي لا يخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة .

يقول تعالى ذكره: وتوكل يا محمد على الذي له الحياة الدائمة التي لا موت معها، فثق به في أمر ربك وفوّض إليه, واستسلم له, واصبر على ما نابك فيه. قوله: ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ) يقول: واعبده شكرا منك له على ما أنعم به عليك. قوله: ( وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ) يقول: وحسبك بالحي الذي لا يموت خابرا بذنوب خلقه, فإنه لا يخفى عليه شيء منها, وهو محص جميعها عليهم حتى يجازيهم بها يوم القيامة.

المعاني :

سبّح :       نزّه تعالى عن جميع النقائص معاني القرآن
بحمده :       مُثنيا عليه بأوصاف الكمال معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ﴾ التوكل هو إلقاء العبد أموره كلها إلى الله، وإنزالها به طلبًا واختيارًا، لا إكراهًا ولا اضطرارًا.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ﴾ أيًا كان الذى يهمك ويقلقك، مهما كان صعبًا ومروعًا، لقد إعتمدت على الحي الحياة الكاملة، التى لا يعتريها نقص ولا ضعف ولا عجز.
عمل
[58] ما يعيق التوكل: الركون إلى الخلق والإعتماد عليهم في قضاء الحاجات؛ اجعل شعارك: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ﴾.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ﴾ هذه الكلمة في غاية الوضوح، ومع ذلك قال بعدها: ﴿الذي لا يموت﴾؛ لبيان ضعف الخلق، فلا تلتفت إليهم.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ ما رجا أحدٌ مخلوقًا وتوكَّل عليه إلا خاب ظنُّه فيه.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ وأنت الفالح وأنت الناجح هو الذي يكفي، ولا يكفي سواه، وكفى بالله وكيلًا.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ كل من اعتمدت عليه غير الله عرضة للموت أو الفوت.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ كل الذين تعول عليهم ربما يموتون قبل أن يتمكنوا من مساعدتك؛ فوض أمورك للحي الذي لا يموت.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ من توكل على الله كفاه، ومن توكل على الحي الذي يموت -وهو الإنسان- مهما عظم ضيّعه.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ ليس مهما أي شيء أنت، المهم أن من توكلت عليه هو الحي.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ ذهبت حاجاتهم مع موت صاحبهم، وأهل الإيمان حاجاتهم عند الحي الذي لا يموت.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ انقطعت مصالحهم لما مات صاحبهم، وبقي المؤمنون مع الحي الذي لا يموت.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ لا على نفسك التي تموت.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ هنا يكون اعتماد الإنسان على ربه، ونيته وإخلاصه لله، وفعله وتركه لله.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ يصلح حالك ويشرح بالك ويحفظ مالك ويرعى عيالك ويكرم مآلك ويحقق آمالك.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ محروم من لم يتوكل على الحي الذي لا يموت، وتعلق قلبه بمخلوق يموت.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ إذا حقق العبد التوكل على الحي الذي لا يموت، أحيا الله له أموره وأحيا له قلبه.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ وحسبك أن الله لا يخذل عبدًا عليه اتكل.
عمل
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ فوّض أمرك كله لله فهو الحي الدائم، بيده مقاليد كل شيء وإليه يُرجع كل حي؛ ثِق بالله ولا تجزع.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ قال ابن الخواص: «ما ينبغي لعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله في أمره».
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ إنما قال: على الحي الذي لا يموت، لأن من توكل على الحي الذي يموت، فإذا مات المتوكل عليه ضاع المتوكل، أما الله سبحانه، فإنه حي لا يموت، فلا يضيع من توكل عليه أبدًا.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ الدائم الباقي السرمدي الأبدي ،الحي القيوم رب كل شيء ومليكه ، اجعله ذخرك وملجأك فإنه كافيك.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ بقدر إيمانك بحياة ربك الكاملة؛ يكون تفويضك واعتمادك.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ هذا هو التوكل التام على الحي القيوم الذي لا يزول ولا يحول، وكل من اعتمد على سواه؛ فهو عرضة للعجز والفناء، فتوكل عليه وسبِّح بحمده تجد خيرًا عظيمًا.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ لا ينبغي لعبدٍ بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحدٍ غير الله تعالى في أمره.
وقفة
[58] ضعيف التوكل بعيد من الله، وقد يأوي إلى قوة لا تدوم؛ فيزول بزوالها، والموفق من آوى إلى ركن شديد لا تأخذه سنة ولا نوم ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾.
وقفة
[58] تكسف الشمس ويخسف القمر ويموت الغني ويريك الله النقص في المخلوق ليستقر في قلبك أن الكمال للخالق ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾.
وقفة
[58] كل شيء تعتمد عليه وتتكىء تسقط بزواله عنك، فاعتمد على الله وتوكل على الحي الذي لا يزول ولا يحول، قال الله تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾.
عمل
[58] لا تتوكل على غير الله؛ فإنه سيموت، وتوكل على الله؛ فإنه الحي الذي لا يموت ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾.
وقفة
[58] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾ وفي الآية إشارة إلى أن المرء الكامل لا يثق إلا بالله؛ لأن التوكل على الأحياء المعرضين للموت؛ وإن كان قد يفيد أحيانًا، لكنه لا يدوم.
تفاعل
[58] ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ سَبِّح الله الآن.
عمل
[58] ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ اقرن بين حمده وتسبيحه، ولهذا كان رسول الله ﷺ يقول: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك».
وقفة
[58] ﴿وسبّح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا﴾ تطبيقها: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ» [البخاري 6405].
وقفة
[58] ﴿وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾ كفى بهذه الآية وعيدًا وتهديدًا،كأنه قال: «إن أقدمتم على مخالفة أمره، فكفاكم علمه الذي يعني مجازاتکم بما تستحقون من العقوبة».
عمل
[58] استحِ من الله سبحانه أينما كنت؛ فإنه عليم بذنوبك كلها ﴿وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَتَوَكَّلْ:
  • الواو عاطفة. توكل: فعل امر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.
  • ﴿ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي:
  • جار ومجرور متعلق بتوكل. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة للحي.
  • ﴿ لا يَمُوتُ:
  • الجملة صلة الموصول لا محل لها. لا: نافية لا عمل لها. يموت: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ:
  • معطوفة بالواو على تَوَكَّلْ» وتعرب اعرابها. ونزهه بحمده: جار ومجرور متعلق بحال من الضمير الفاعل في سَبِّحْ» أي بتقدير: حامدا إياه على نعمائه. والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَكَفى بِهِ:
  • الواو استئنافية. كفى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف للتعذر. به: الباء حرف جر زائد. والهاء ضمير متصل في محل جر لفظا في محل رفع محلا فاعل كَفى».
  • ﴿ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً:
  • جار ومجرور متعلق بخبيرا. عباده: مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. خبيرا: تمييز منصوب بالفتحة ويجوز ان يكون حالا من ضمير بِهِ» وهو منصوب بالفتحة أيضا.'

المتشابهات :

الإسراء: 17﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا
الفرقان: 58﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [58] لما قبلها :     وبعد أن أمرَ اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يبين للمشركين أنه لا يطلب منهم أجرًا؛ أمره هنا أن يتوكل عليه في دفع جميع المضار، وفي جلب جميع المنافع؛ لأنَّه حيٌ لا يموتُ، عالمٌ بكلِّ شيءٍ، قال تعالى:
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [59] :الفرقان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا ..

التفسير :

[59] الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش -أي:علا وارتفع- استواءً يليق بجلاله، هو الرحمن، فاسأل -أيها النبي- به خبيراً، يعني بذلك سبحانه نفسه الكريمة، فهو الذي يعلم صفاته وعظمته وجلاله. ولا أحد من البشر أعلم بالله ولا أخبر ب

فأنت ليس عليك من هداهم شيء وليس عليك حفظ أعمالهم، وإنما ذلك كله بيد الله{ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى} بعد ذلك{ عَلَى الْعَرْشِ} الذي هو سقف المخلوقات وأعلاها وأوسعها وأجملها{ الرَّحْمَنِ} استوى على عرشه الذي وسع السماوات والأرض باسمه الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء فاستوى على أوسع المخلوقات، بأوسع الصفات. فأثبت بهذه الآية خلقه للمخلوقات واطلاعه على ظاهرهم وباطنهم وعلوه فوق العرش ومباينته إياهم.{ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} يعني بذلك نفسه الكريمة فهو الذي يعلم أوصافه وعظمته وجلاله، وقد أخبركم بذلك وأبان لكم من عظمته ما تستعدون به من معرفته فعرفه العارفون وخضعوا لجلاله، واستكبر عن عبادته الكافرون واستنكفوا عن ذلك

الَّذِي خَلَقَ بقدرته التي لا يعجزها شيء السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما من هواء وأجرام لا يعلمها إلا هو- سبحانه-.

فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ من أيامه التي لا يعلم مقدار زمانها إلا هو- عز وجل- ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ استواء واستعلاء يليق بذاته، بلا كيف أو تشبيه أو تمثيل، كما قال الإمام مالك- رحمه الله-: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنده بدعة. ولفظ «ثم» في قوله ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ لا يدل على الترتيب الزمنى وإنما يدل على بعد الرتبة، رتبة الاستواء والاستعلاء والتملك.

وقوله: الرَّحْمنُ أى: هو الرحمن. أى: صاحب الرحمة العظيمة الدائمة بعباده.

والفاء في قوله- تعالى-: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً هي الفصيحة. والجار والمجرور صلة «اسأل» وعدى الفعل «اسأل» بالباء لتضمنه معنى الاعتناء، والضمير يعود إلى ما سبق ذكره من صفات الله- تعالى-، ومن عظيم قدرته ورحمته.

والمعنى: لقد بينا لك مظاهر قدرتنا ووحدانيتنا، فإن شئت الزيادة في هذا الشأن أو غيره، فاسأل قاصدا بسؤالك ربك الخبير بأحوال كل شيء خبرة مطلقة، يستوي معها ما ظهر من أمور الناس وما خفى منها.

قال الإمام ابن جرير: وقوله- تعالى-: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً يقول: فاسأل يا محمد بالرحمن خبيرا بخلقه، فإنه خالق كل شيء ولا يخفى عليه ما خلق، فعن ابن جريج:

قوله: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً. قال: يقول- سبحانه- لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم: إذا أخبرتك شيئا فاعلم أنه كما أخبرتك فأنا الخبير. والخبير في قوله فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً منصوب على الحال من الهاء التي في قوله بِهِ .

وقوله : ( الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ) أي : هو الحي الذي لا يموت ، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه ، الذي خلق بقدرته وسلطانه السماوات السبع في ارتفاعها واتساعها ، والأرضين السبع في سفولها وكثافتها ، ( في ستة أيام ثم استوى على العرش [ الرحمن ] ) ، أي : يدبر الأمر ، ويقضي الحق ، وهو خير الفاصلين .

وقوله : ( ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ) أي : استعلم عنه من هو خبير به عالم به فاتبعه واقتد به ، وقد علم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد ، صلوات الله وسلامه عليه سيد ولد آدم على الإطلاق ، في الدنيا والآخرة ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى - فما قاله فهو حق ، وما أخبر به فهو صدق ، وهو الإمام المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء ، وجب رد نزاعهم إليه ، فما يوافق أقواله ، وأفعاله فهو الحق ، وما يخالفها فهو مردود على قائله وفاعله ، كائنا من كان ، قال الله تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) [ النساء : 59 ] .

وقال : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) [ الشورى : 10 ] ، وقال تعالى : ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) [ الأنعام : 115 ] أي : صدقا في الإخبار وعدلا في الأوامر والنواهي; ولهذا قال : ( فاسأل به خبيرا ) قال مجاهد في قوله : ( فاسأل به خبيرا ) قال : ما أخبرتك من شيء فهو كما أخبرتك . وكذا قال ابن جريج .

وقال شمر بن عطية في قوله : ( فاسأل به خبيرا ) قال : هذا القرآن خبير به .

يقول تعالى ذكره: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) فقال: ( وَمَا بَيْنَهُمَا ) وقد ذكر السماوات والأرض, والسماوات جماع, لأنه وجه ذلك إلى الصنفين والشيئين, كما قال القطامي:

ألَـــمْ يَحْــزُنْكَ أنَّ حِبــالَ قَيْسٍ

وتَغْلِــبَ قَــدْ تَبايَنَتــا انقِطاعــا (1)

يريد: وحبال تغلب فثنى, والحبال جمع, لأنه أراد الشيئين والنوعين.

وقوله: ( فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) قيل: كان ابتداء ذلك يوم الأحد, والفراغ يوم الجمعة ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ) يقول: ثم استوى على العرش الرحمن وعلا عليه, وذلك يوم السبت فيما قيل. وقوله: ( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) يقول: فاسأل يا محمد خبيرا بالرحمن, خبيرا بخلقه, فإنه خالق كلّ شيء, ولا يخفى عليه ما خلق.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: ( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) قال: يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: إذا أخبرتك شيئا, فاعلم أنه كما أخبرتك, أنا الخبير، والخبير في قوله: ( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) منصوب على الحال من الهاء التي في قوله به.

------------------------

الهوامش:

(1) البيت للقطامي ، وقد سبق الكلام عنه مفصلا ، والشاهد فيه هنا : أن الشاعر قال : "تباينتا" بالتثنية ، مع أن حبال جمع حبل . والمسوغ لذلك : أن حبال قيس جماعة ، وحبال تغلب جماعة أخرى ، فعاملهما في إعادة الضمير عليهما معاملة المفردين ، ومثله في القرآن : { الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما} لأنه وجه ذلك إلى الصفتين .

المعاني :

اسْتَوَى :       عَلَا وَارْتَفَعَ اسْتَوَاءً يَلِيقُ بِجَلَالِهِ السراج
استوى على العرش :       إستواء يليق بكماله تعالى معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[59] ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ﴾ ثبوت صفة الاستواء لله بما يليق به سبحانه وتعالى.
وقفة
[59] ﴿الرَّحْمَـٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ من هو الخبير بالرحمن إنه كتابه القرآن.
وقفة
[59] ﴿الرَّحْمَـٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ الرحمن اسم من أسماء الله لا يشاركه فيه أحد قط، دال على صفة من صفاته وهي الرحمة.
وقفة
[59] ﴿الرَّحْمَـٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ من تسأل عن الله؟ قال ابن كثير: «استعلم عنه ممن هو خبير به عالم به، فاتبعه واقتد به، وقد علم أنه لا أحد أعلم بالله، ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه».

الإعراب :

  • ﴿ الَّذِي:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. وخبره: الرحمن او في محل جر صفة-نعت-للحي. الواردة في الآية السابقة. والجملة الفعلية بعده: صلته لا محل لها.
  • ﴿ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. السموات: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لانه ملحق بجمع المؤنّث السالم. والارض:معطوفة بالواو على السَّماواتِ» منصوبة بالفتحة.
  • ﴿ وَما بَيْنَهُما:
  • الواو عاطفة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على السموات والارض. بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق بمضمر تقديره: استقر او هو مستقر او كائن. وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الميم: عماد. والالف علامة التثنية. وجملة «استقر بينهما» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ:
  • جار ومجرور متعلق بخلق. ايام: مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ ثُمَّ اسْتَوى:
  • ثم: حرف عطف. استوى: معطوفة على خَلَقَ» وتعرب اعرابها وعلامة بناء الفعل الفتحة المقدرة على الالف للتعذر. اي ثم استقر وبما انه سبحانه منزه عن هذا التعبير فان العبارة تكون بمعنى او كناية عن التصرف والاستيلاء على الملك
  • ﴿ عَلَى الْعَرْشِ:
  • جار ومجرور متعلق باستوى. اي على الملك لتدبير امر الكائنات جميعا.
  • ﴿ الرَّحْمنُ:
  • خبر المبتدأ الَّذِي» او خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو الرحمن او بدل من الضمير المستتر في اِسْتَوى» بمعنى: هو البليغ الرحمة او يكون مبتدأ خبره جملة فاسأل.
  • ﴿ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً:
  • الفاء استئنافية. وقد قيل ان الرحمن اسم من اسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه فقيل فسل بهذا الاسم من يخبرك. ويجوز ان تكون الفاء واقعة في جواب شرط‍ مقدر بمعنى: ان لم تكن تعرف من الرحمن فاسأل عالما او رجلا خبيرا به وبرحمته. اسأل: فعل امر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. به:جار ومجرور متعلق بسل. بمعنى فاسأل عنه او متعلق بخبيرا. خبيرا:مفعول «اسئل» منصوب بالفتحة. ويجوز ان تكون حالا عن الضمير في بِهِ» بتقدير او بمعنى: فاسأل عنه عالما بكل شيء.'

المتشابهات :

ق: 38﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ
الفرقان: 59﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَـٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا
السجدة: 4﴿اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [59] لما قبلها :     لما أمرَ اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم بالتوكل عليه، ثم وصف نفسه بما يجعله مستحقًّا أن يتوكل عليه؛ بَيَّنَ هنا صفة الإله الذي ينبغي التوكل عليه، وآثار قدرته، وعظيم مجده، قال تعالى:
﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

الرحمن:
1- بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالجر، صفة ل «الحق» الآية: 58، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [60] :الفرقان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ ..

التفسير :

[60] وإذا قيل للكافرين:اسجدوا للرحمن واعبدوه قالوا:ما نعرف الرحمن، أنسجد لما تأمرنا بالسجود له طاعة لأمرك؟ وزادهم دعاؤهم إلى السجود للرحمن بُعْداً عن الإيمان ونفوراً منه.

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} أي:وحده الذي أنعم عليكم بسائر النعم ودفع عنكم جميع النقم.{ قَالُوا} جحدا وكفرا{ وَمَا الرَّحْمَنُ} بزعمهم الفاسد أنهم لا يعرفون الرحمن، وجعلوا من جملة قوادحهم في الرسول أن قالوا:ينهانا عن اتخاذ آلهة مع الله وهو يدعو معه إلها آخر يقول:"يا رحمن "ونحو ذلك كما قال تعالى:{ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فأسماؤه تعالى كثيرة لكثرة أوصافه وتعدد كماله، فكل واحد منها دل على صفة كمال.

{ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} أي:لمجرد أمرك إيانا. وهذا مبني منهم على التكذيب بالرسول واستكبارهم عن طاعته،{ وَزَادَهُمْ} دعوتهم إلى السجود للرحمن{ نُفُورًا} هربا من الحق إلى الباطل وزيادة كفر وشقاء.

ثم أخبر- سبحانه- عن جهالات المشركين وسخافاتهم فقال: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ، قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً.

أى: وإذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون معه لهؤلاء المشركين: اجعلوا سجودكم وخضوعكم للرحمن وحده، قالُوا على سبيل التجاهل وسوء الأدب والجحود: وَمَا الرَّحْمنُ. أى: وما الرحمن الذي تأمروننا بالسجود له أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا أى: أنسجد لما تأمرنا بالسجود له من غير أن نعرفه، ومن غير أن نؤمن به.

وَزادَهُمْ نُفُوراً أى: وزادهم الأمر بالسجود نفورا عن الإيمان وعن السجود لله الواحد القهار.

فالآية الكريمة تحكى ما جبل عليه أولئك المشركون من استهتار وتطاول وسوء أدب، عند ما يدعوهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى إخلاص العبادة لله- عز وجل، وإلى السجود للرحمن الذي تعاظمت رحماته، وتكاثرت آلاؤه.

ولقد بلغ من تطاول بعضهم أنهم كانوا يقولون: ما نعرف الرحمن إلا ذاك الذي باليمامة، يعنون به مسيلمة الكذاب.

ثم قال تعالى منكرا على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد : ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ) ؟ أي : لا نعرف الرحمن . وكانوا ينكرون أن يسمى الله باسمه الرحمن ، كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب : " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقالوا : لا نعرف الرحمن ولا الرحيم ، ولكن اكتب كما كنت تكتب : باسمك اللهم; ولهذا أنزل الله : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) [ الإسراء : 110 ] أي : هو الله وهو الرحمن . وقال في هذه الآية : ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ) ؟ أي : لا نعرفه ولا نقر به؟ ( أنسجد لما تأمرنا ) أي : لمجرد قولك؟ ( وزادهم نفورا ) ، أما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الذي هو الرحمن الرحيم ، ويفردونه بالإلهية ويسجدون له . وقد اتفق العلماء - رحمهم الله - على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجود عندها لقارئها ومستمعها ، كما هو مقرر في موضعه ، والله أعلم .

يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم: ( اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ ) أي اجعلوا سجودكم لله خالصا دون الآلهة والأوثان. قالوا: (أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا).

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: (لِمَا تَأْمُرُنَا) بمعنى: أنسجد نحن يا محمد لما تأمرنا أنت أن نسجد له. وقرأته عامة قرّاء الكوفة " لمَا يَأْمُرُنا " بالياء, بمعنى: أنسجد لما يأمر الرحمن، وذكر بعضهم أن مُسيلمة كان يُدعى الرحمن, فلما قال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم اسجدوا للرحمن, قالوا: أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة؟ يعنون مُسَيلمة بالسجود له.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك, أنهما قراءتان مستفيضتان مشهورتان, قد قرأ بكل واحد منهما علماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وقوله: (وَزَادَهُمْ نُفُورًا) يقول: وزاد هؤلاء المشركين قول القائل لهم: اسجدوا للرحمن من إخلاص السجود لله, وإفراد الله بالعبادة بعدا مما دعوا إليه من ذلك فرارا.

المعاني :

نُفُورًا :       بُعْدًا السراج
زادهم نفورا :       تباعدا عن الإيمان معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[60] ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ هم يرون الإسلام أفكار شخصية، لذا يتحسسون من أوامره.
وقفة
[60] ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ فلما حكي إباؤهم من السجود للرحمن في معرض التعجيب من شأنهم عُزز ذلك بالعمل بخلافهم، فسجد النبي هنا مخالفًا لهم مخالفة بالفعل؛ مبالغة في مخالفته لهم.
وقفة
[60] ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ کان کفار قريش بنکرون اسم (الرحمن)، ويقولون: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، وهو مسيلمة الكذاب، وكان مسيلمة تسمی بـ (الرحمن)، والأقرب أن المراد إنكارهم لله لا للاسم.
وقفة
[60] ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ في صلح الحديبية أمر علي بن أبي طالب -وكان كاتب هذا الصلح-: «اكتب باسم الله الرحمن الرحيم»، فقال سفير قريش: «ما الرحمن؟! لا نعرف الرحمن ولا الرحيم، اكتب ما كنت تكتب قبل: باسمك اللهم».
وقفة
[60] ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ قال الضحاك: «فسجد رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعثمان بن مظعون وعمرو بن عنبسة، ولما رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين، فهذا هو المراد من قوله: (وَزَادَهُمْ نُفُورًا) أي فزادهم سجودهم فورًا».
وقفة
[60] ﴿وَزادَهُم نُفورًا﴾ الدعوة إلى الله تصيب قساة القلوب بالنفور والرغبة فى الإبتعاد، كيف لا وقد طمس الله على قلوبهم بأعمالهم.
وقفة
[60، 61] في أواخر الفرقان: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـٰنِ﴾، ثم قال بعدها: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾، ومناسبة هذا: أنه «لما تجاهل المشركون الرحمن، واستكبروا عن السجود له؛ عرَّفهم القرآن بالرحمن: بخلقه، وتدبيره وإنعامه، ثم عرّفهم بعباده الذين عرَفوه بذلك، فآمنوا به، وخضعوا له، بما اشتملت عليه هذه الآيات من صفاتهم، وفي ذلك تشريف كبير لهم، وتبكيت لأولئك المتجاهلين المتكبرين».

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذا قِيلَ لَهُمُ:
  • الواو استئنافية. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه متعلق بجوابه. اداة شرط‍ غير جازمة. قيل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. لهم: اللام حرف جر. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بفعل قِيلَ».
  • ﴿ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ:
  • الجملة في محل رفع نائب فاعل للفعل قِيلَ» وهي مقول القول. اسجدوا: فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة للرحمن: جار ومجرور متعلق باسجدوا.
  • ﴿ قالُوا:
  • الجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب. وجملة قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف. قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف فارقة. والجملة بعدها في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ وَمَا الرَّحْمنُ:
  • الواو استئنافية. ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع خبر مقدم. الرحمن: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ أَنَسْجُدُ:
  • الالف الف انكار بلفظ‍ استفهام. نسجد: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن
  • ﴿ لِما تَأْمُرُنا:
  • جار ومجرور متعلق بنسجد. و مَا» اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام. تأمر: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. و «نا» ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. وجملة تَأْمُرُنا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد ضمير منصوب محلا لانه مفعول به ثان التقدير: للذي تأمرناه بمعنى: تأمرنا سجوده مثل: أمرتك الخير. او بمعنى: لإله تأمرنا بالسجود له. او تكون مَا» مصدرية. فتكون جملة تَأْمُرُنا» صلتها لا محل لها. و مَا» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بنسجد. اي أنسجد لامرك لنا.
  • ﴿ وَزادَهُمْ نُفُوراً:
  • الواو استئنافية للتسبيب. زاد: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو اي وزادهم ذلك اي ضمير اُسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ» لانه هو المقول. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به اول. نفورا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [60] لما قبلها :     ولَمَّا وصفَ اللهُ نفسَه بـ ( الرحمن ) بَيَّنَ هنا كفر المشركين بهذا الوصف، فوصف ( الرحمن ) من وضع القرآن، ولم يكن معهودًا عند العرب، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [61] :الفرقان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء ..

التفسير :

[61] عَظُمَتْ بركات الرحمن وكثر خيره، الذي جعل في السماء النجوم الكبار بمنازلها، وجعل فيها شمساً تضيء وقمراً ينير.

كرر تعالى في هذه السورة الكريمة قوله:{ تَبَارَكَ} ثلاث مرات لأن معناها كما تقدم أنها تدل على عظمة الباري وكثرة أوصافه، وكثرة خيراته وإحسانه. وهذه السورة فيها من الاستدلال على عظمته وسعة سلطانه ونفوذ مشيئته وعموم علمه وقدرته وإحاطة ملكه في الأحكام الأمرية والأحكام الجزائية وكمال حكمته. وفيها ما يدل على سعة رحمته وواسع جوده وكثرة خيراته الدينية والدنيوية ما هو مقتض لتكرار هذا الوصف الحسن فقال:{ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} وهي النجوم عمومها أو منازل الشمس والقمر التي تنزل منزلة منزلة وهي بمنزلة البروج والقلاع للمدن في حفظها، كذلك النجوم بمنزلة البروج المجعولة للحراسة فإنها رجوم للشياطين.

{ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا} فيه النور والحرارة وهو الشمس.{ وَقَمَرًا مُنِيرًا} فيه النور لا الحرارة وهذا من أدلة عظمته، وكثرة إحسانه، فإن ما فيها من الخلق الباهر والتدبير المنتظم والجمال العظيم دال على عظمة خالقها في أوصافه كلها، وما فيها من المصالح للخلق والمنافع دليل على كثرة خيراته.

ثم رد- سبحانه- على تطاولهم وجهلهم بما يدل على عظيم قدرته- عز وجل- وعلى جلال شأنه- تعالى- فقال: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجعل فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً.

والبروج: جمع برج، وهي في اللغة: القصور العالية الشامخة، ويدل لذلك قوله- تعالى-: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ .

والمراد بها هنا: المنازل الخاصة بالكواكب السيارة، ومداراتها الفلكية الهائلة، وعددها اثنا عشر منزلا، هي: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدى، والدلو، والحوت.

وسميت بالبروج، لأنها بالنسبة لهذه الكواكب كالمنازل لساكنيها.

والسراج: الشمس، كما قال- تعالى-: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً، وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً .

أى: جل شأن الله- تعالى- وتكاثرت آلاؤه ونعمه، فهو- سبحانه- الذي جعل في السماء «بروجا» أى: منازل للكواكب السيارة و «وجعل فيها» أى: في السماء «سراجا» وهو الشمس «وجعل فيها» - أيضا- «قمرا منيرا» أى: قمرا يسطع نوره على الأرض المظلمة، فيبعث فيها النور الهادي اللطيف.

يقول تعالى ممجدا نفسه ، ومعظما على جميل ما خلق في السماء من البروج - وهي الكواكب العظام - في قول مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبي صالح ، والحسن ، وقتادة .

وقيل : هي قصور في السماء للحرس ، يروى هذا عن علي ، وابن عباس ، ومحمد بن كعب ، وإبراهيم النخعي ، وسليمان بن مهران الأعمش . وهو رواية عن أبي صالح أيضا ، والقول الأول أظهر . اللهم إلا أن يكون الكواكب العظام هي قصور للحرس ، فيجتمع القولان ، كما قال تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) [ الملك : 5 ] ; ولهذا قال : ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا ) وهي الشمس المنيرة ، التي هي كالسراج في الوجود ، كما قال : ( وجعلنا سراجا وهاجا ) [ النبأ : 13 ] .

( وقمرا منيرا ) أي : مضيئا مشرقا بنور آخر ونوع وفن آخر ، غير نور الشمس ، كما قال : ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ) [ يونس : 5 ] ، وقال مخبرا عن نوح ، عليه السلام ، أنه قال لقومه : ( ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ) [ نوح : 15 - 16 ] .

يقول تعالى ذكره: تقدّس الربّ الذي جعل في السماء بروجا، ويعني بالبروج: القصور, في قول بعضهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن العلاء ومحمد بن المثنى وسلم بن جنادة, قالوا: ثنا عبد الله بن إدريس, قال: سمعت أبي, عن عطية بن سعد, في قوله: ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ) قال: قصورا في السماء, فيها الحرس.

حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثني أبو معاوية, قال: ثني إسماعيل, عن يحيى بن رافع, في قوله: ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ) قال: قصورا في السماء.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن إبراهيم ( جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ) قال: قصورًا في السماء.

حدثني إسماعيل بن سيف, قال: ثني عليّ بن مسهر, عن إسماعيل, عن أبي صالح, في قوله: ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ) قال: قصورا في السماء فيها الحرس.

وقال آخرون: هي النجوم الكبار.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني ابن المثنى, قال: ثنا يعلى بن عبيد, قال: ثنا إسماعيل, عن أبي صالح ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ) قال: النجوم الكبار.

قال: ثنا الضحاك, عن مخلد, عن عيسى بن ميمون, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: الكواكب.

حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: ( بُرُوجًا ) قال: البروج: النجوم.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: هي قصور في السماء, لأن ذلك في كلام العرب وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وقول الأخطل:

كَأَنَّهَــا بُــرْجُ رُومــيّ يُشَــيِّدُهُ

بــانٍ بِجِــصّ وآجُــر وأحْجـارِ (2)

يعني بالبرج: القصر.

قوله: ( وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا ) اختلف القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة ( وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا ) على التوحيد, ووجهوا تأويل ذلك إلى أنه جعل فيها الشمس, وهي السراج التي عني عندهم بقوله: ( وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا ).

كما حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, في قوله: ( وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ) قال: السراج: الشمس.

وقرأته عامة قرّاء الكوفيين " وَجَعَلَ فِيها سُرُجا " على الجماع, كأنهم وجهوا تأويله: وجعل فيها نجوما( وَقَمَرًا مُنِيرًا ) وجعلوا النجوم سرجا إذ كان يهتدي بها.

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار, لكل واحدة منهما وجه مفهوم, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وقوله: ( وَقَمَرًا مُنِيرًا ) يعني بالمنير: المضيء.

------------------------------

الهوامش :

(2) البيت للأخطل كما قال المؤلف . والبرج : المراد به القصر كما قاله . وقد كثر في كلام العرب تشبيه إبل السفر القوية الموثقة الخلق بأبنية الرومي ، ومن ذلك قول طرفة في وصف ناقته :

كَقَنْطَــرَةِ الــرُّوميّ أقسَــمَ رَبُّهَـا

لَتُكْــتَفَنْ حَــتَى تُشَــادَ بِقَرْمَــدِ

والبيت شاهد على أن البرج معناه : القصر .

المعاني :

تبارك الذي :       تعالى و تمجّد أو تكاثر خيره معاني القرآن
بُرُوجًا :       نُجُومًا كِبَارًا بِمَنَازِلِهَا السراج
بروجا :       منازل للكواكب السّيارة معاني القرآن
سِرَاجًا :       شَمْسًا مُضِيئَةً السراج

التدبر :

وقفة
[61] لا يجوز إسناد كلمة ﴿تبارك﴾ للمخلوق كقولهم: (تبارك البيت) أو(تباركت السيارة)، فالمخلوق لا يبارك نفسه ولا غيره، وإنما الذي يبارك هو الله عز وجل.
تفاعل
[61] ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ سَبِّح الله الآن.
وقفة
[61] ﴿قمرا منيرا﴾ منيرًا جاءت في وصف القمر، فجُمع له صلى الله عليه وسلم صفة من الشمس وأخرى من القمر، قال الله عن الشمس: ﴿وجعلنا سراجا وهاجا﴾ [النبأ: 13]، وقال جل وعلا عن محمد: ﴿سراجا منيرا﴾ [الأحزاب: 46]، والفرق: السراج المنير أكمل من السراج الوهاج، فإن الوهاج له حرارة تؤذي، والمنير يهتدي بنوره من غير أذى بوهجه.

الإعراب :

  • ﴿ تَبارَكَ الَّذِي:
  • فعل ماض مبني على الفتح. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ جَعَلَ فِي السَّماءِ:
  • الجملة الفعلية مع مفعولها: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. جعل: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. في السماء: جار ومجرور متعلق بجعل.
  • ﴿ بُرُوجاً:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. والبروج: منازل الكواكب.
  • ﴿ وَجَعَلَ فِيها سِراجاً:
  • معطوفة بالواو على جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً» وتعرب اعرابها. اي شمسا تضيء الدنيا في النهار.
  • ﴿ وَقَمَراً مُنِيراً:
  • معطوفة بالواو على سِراجاً» منصوبة مثلها. منيرا: صفة- نعت-لقمرا منصوبة مثلها. بمعنى: وقمرا ينير الدنيا في الليل.'

المتشابهات :

الفرقان: 1﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا
الفرقان: 10﴿ تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيۡرٗا مِّن ذَٰلِكَ
الفرقان: 61﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا
الزخرف: 85﴿وَ تَبَارَكَ الَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ
الملك: 1﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [61] لما قبلها :     ولَمَّا حكى اللهُ عن الكفار مزيدَ النُّفْرةِ عن السجود؛ ذكرَ هنا ما لو تفكَّروا فيه لعرَفوا وجوبَ السُّجودِ والعبادة للرَّحمن، وهي بعض من آثار قدرة الله تعالى في الكون: 1- منازل الكواكب والنجوم السيارة. 2- الشمس والقمر، قال تعالى:
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سراجا:
1- على الإفراد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- سرجا، بالجمع مضموم الراء، وهى قراءة عبد الله، وعلقمة، والأعمش، والأخوين.
3- سرجا، بالجمع، ساكن الراء، وهى قراءة الأعمش أيضا، والنخعي، وابن وثاب.
وقمرا:
وقرئ:
بضم القاف وسكون الميم، لغة فى القمر، كالرشد والرشد، وقيل: جمع «قمراء» ، وهى قراءة الحسن، والأعمش، والنخعي، وعصمة، عن عاصم.

مدارسة الآية : [62] :الفرقان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ..

التفسير :

[62] وهو الذي جعل الليل والنهار متعاقبَيْن يَخْلُف أحدهما الآخر لمن أراد أن يعتبر بما في ذلك إيماناً بالمدبِّر الخالق، أو أراد أن يشكر لله تعالى على نعمه وآلائه.

{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} أي:يذهب أحدهما فيخلفه الآخر، هكذا أبدا لا يجتمعان ولا يرتفعان،{ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} أي:لمن أراد أن يتذكر بهما ويعتبر ويستدل بهما على كثير من المطالب الإلهية ويشكر الله على ذلك، ولمن أراد أن يذكر الله ويشكره وله ورد من الليل أو النهار، فمن فاته ورده من أحدهما أدركه في الآخر، وأيضا فإن القلوب تتقلب وتنتقل في ساعات الليل والنهار فيحدث لها النشاط والكسل والذكر والغفلة والقبض والبسط والإقبال والإعراض، فجعل الله الليل والنهار يتوالى على العباد ويتكرران ليحدث لهم الذكر والنشاط والشكر لله في وقت آخر، ولأن أوراد العبادات تتكرر بتكرر الليل والنهار، فكما تكررت الأوقات أحدث للعبد همة غير همته التي كسلت في الوقت المتقدم فزاد في تذكرها وشكرها، فوظائف الطاعات بمنزلة سقي الإيمان الذي يمده فلولا ذلك لذوى غرس الإيمان ويبس. فلله أتم حمد وأكمله على ذلك.

ثم تنتقل السورة الكريمة الى الحديث عن نعمة أخرى فتقول: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً.

والخلفة. كل شيء يجيء بعد شيء آخر غيره. ومنه خلفة النبات. أى: الورق الذي يخرج منه بعد أن تساقط الورق السابق عليه.

أى: وهو- سبحانه- الذي جعل الليل والنهار متعاقبين. بحيث يخلف كل واحد منهما الآخر بنظام دقيق، ليكونا مناسبين «لمن أراد أن يذكر» . أى: يتعظ ويعتبر ويتذكر أن الله- تعالى- لم يجعلهما على هذه الهيئة عبثا فيتدارك ما فاته من تقصير وتفريط في حقوق الله- عز وجل- «أو أراد شكورا» .

أى: وجعلهما كذلك لمن أراد أن يزداد من شكر الله على نعمه التي لا تحصى، والتي من أعظمها وجود الليل والنهار على هذه الهيئة الحكيمة، التي تدل على وحدانية الله تعالى- وعظيم قدرته، وسعة رحمته.

وبعد هذا الحديث المتنوع عن شبهات المشركين والرد عليها، وعن مظاهر قدرة الله ونعمه على عباده، وعن الذين إذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ...

بعد كل ذلك جاء الحديث عن عباد الرحمن، أصحاب المناقب الحميدة، والصفات الكريمة، والمزايا التي جعلتهم يتشرفون بالانتساب إلى خالقهم جاء قوله- تعالى-:

ثم قال : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ) أي : يخلف كل واحد منهما الآخر ، يتعاقبان لا يفتران . إذا ذهب هذا جاء هذا ، وإذا جاء هذا ذهب ذاك ، كما قال : ( وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار ) [ إبراهيم : 33 ] ، وقال ( يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ) [ الأعراف : 54 ] وقال : ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) [ يس : 40 ] .

وقوله : ( لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) أي : جعلهما يتعاقبان ، توقيتا لعبادة عباده له ، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار ، ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل . وقد جاء في الحديث الصحيح : " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل " .

قال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو حرة عن الحسن : أن عمر بن الخطاب أطال صلاة الضحى ، فقيل له : صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه؟ فقال : إنه بقي علي من وردي شيء ، فأحببت أن أتمه - أو قال : أقضيه - وتلا هذه الآية : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ] ) .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس [ قوله : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ) ] يقول : من فاته شيء من الليل أن يعمله ، أدركه بالنهار ، أو من النهار أدركه بالليل . وكذا قال عكرمة ، وسعيد بن جبير . والحسن .

وقال مجاهد ، وقتادة : ( خلفة ) أي : مختلفين ، هذا بسواده ، وهذا بضيائه .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ) فقال بعضهم: معناه: أن الله جعل كل واحد منهما خلفًا من الآخر, في أن ما فات أحدهما من عمل يعمل فيه لله, أدرك قضاؤه في الآخر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب القمي, عن حفص بن حميد, عن شمر بن عطية, عن شقيق قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فقال: فاتتني الصلاة الليلة, فقال: أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك, فإن الله جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر, أو أراد شكورا.

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ) يقول: من فاته شيء من الليل أن يعمله أدركه بالنهار, أو من النهار أدركه بالليل.

حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الحسن, في قوله: ( جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ) قال: جعل أحدهما خلفا للآخر, إن فات رجلا من النهار شيء أدركه من الليل, وإن فاته من الليل أدركه من النهار.

وقال آخرون: بل معناه أنه جعل كل واحد منهما مخالفا صاحبه, فجعل هذا أسود وهذا أبيض.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ) قال: أسود وأبيض.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.

حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: ثنا يحيى بن يمان, قال: ثنا سفيان, عن عمر بن قيس بن أبي مسلم الماصر, عن مجاهد ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ) قال: أسود وأبيض.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن كل واحد منهما يخلف صاحبه, إذا ذهب هذا جاء هذا, وإذا جاء هذا ذهب هذا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا أبو أحمد الزبيري, قال: ثنا قيس, عن عمر بن قيس الماصر, عن مجاهد, قوله: ( جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ) قال: هذا يخلف هذا, وهذا يخلف هذا.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ) قال: لو لم يجعلهما خلفة لم يدر كيف يعمل, لو كان الدهر ليلا كله كيف يدري أحد كيف يصوم, أو كان الدهر نهارا كله كيف يدري أحد كيف يصلي. قال: والخلفة: مختلفان, يذهب هذا ويأتي هذا, جعلهما الله خلفة للعباد, وقرأ ( لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) والخلفة: مصدر, فلذلك وحدت, وهي خبر عن الليل والنهار; والعرب تقول: خلف هذا من كذا خلفة, وذلك إذا جاء شيء مكان شيء ذهب قبله, كما قال الشاعر:

وَلهَـــــا بالمَـــــاطِرُونَ إذَا

أَكَـــلَ النَّمْــلُ الَّــذِي جَمَعَــا

خِلْفَـــةٌ حَـــتَّى إذَا ارْتَبَعَـــتْ

سَـــكَنَتْ مِـــنْ جِــلَّقٍ بِيَعَــا (3)

وكما قال زهير:

بِهَــا العِيْـنُ والآرَامُ يَمْشِـينَ خِلْفَـةً

وأطْلاؤُهـا يَنْهَضْـنَ مِـنْ كُـلّ مَجْثَمِ (4)

يعني بقوله: يمشين خلفة: تذهب منها طائفة, وتخلف مكانها طائفة أخرى. وقد يحتمل أن زُهَيرا أراد بقوله: خلفة: مختلفات الألوان, وأنها ضروب في ألوانها وهيئاتها. ويحتمل أن يكون أراد أنها تذهب في مشيها كذا, وتجيء كذا.

وقوله ( لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ ) يقول تعالى ذكره: جعل الليل والنهار, وخلوف كل واحد منهما الآخر حجة وآية لمن أراد أن يذكَّر أمر الله, فينيب إلى الحق ( أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) أو أراد شكر نعمة الله التي أنعمها عليه في اختلاف الليل والنهار.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) قال: شكر نعمة ربه عليه فيهما.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: ( لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ ) ذاك آية له ( أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) قال: شكر نعمة ربه عليه فيهما.

واختلف القرّاء في قراءة قوله: ( يَذَّكَّرَ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: ( يَذَّكَّرَ ) مشددة, بمعنى يتذكر. وقرأه عامة قرّاء الكوفيين: " يَذْكُرَ" مخففة، وقد يكون التشديد والتخفيف في مثل هذا بمعنى واحد. يقال: ذكرت حاجة فلان وتذكرتها.

والقول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب فيهما.

----------------------

الهوامش :

(3) البيتان ليزيد بن معاوية من مقطوعة له ذكرها صاحب ( خزانة الأدب الكبرى 3: 278- 280) قالها متغزلا في امرأة نصرانية كانت قد ترهبت في دير عند الماطرون وهو بستان بظاهر دمشق . وفي الأبيات "خرفة" في موضع "خلفة" وخرافة بضم الخاء : ما يخترف ويجتنى ، وهذه رواية المبرد في الكامل .

ورواية المؤلف موافقة لرواية صاحب العباب ، وكذلك رواها العيني عن أبي القوطية قال : الرواية : هي الخلفة باللام ، وهو ما يطلع من الثمر بعد الثمر الطيب . قال البغدادي : والجيد عندي رواية الخلفة ، على أنها اسم من الاختلاف ، أي التردد . وارتبعت : دخلت في الربيع . ويروى : ربعت ، بمعناه . ويروى : ذكرت : بدل سكنت ، وجلق : مدينة بالشام ، والبيع : جمع بيعة بكسر الباء، وهي متعبد . قال الجوهري وصاحبا العباب ، والمصباح : هي للنصارى ، وقال العيني : البيعة: لليهود ، والكنيسة للنصارى ، وهذا لا يناسب قوله إن الشعر في نصرانية . ومعنى البيتين : إن لهذه المرأة ترددًا إلى الماطرون في الشتاء ، فإن النمل يخزن الحب في الصيف ، ليأكله في الشتاء ؛ وإذا دخلت في أيام الربيع ارتحلت إلى البيع التي بجلق . ا ه. وأورد المؤلف الشعر شاهدًا على معنى الخلفة كما شرحه البغدادي .

(4) البيت من معلقة زهير بن أبي سلمى ( مختار شعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا ، طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ص 228) قال شارحه : العين : جمع عيناء ، بقر الوحش . والآرام : جمع رئم ، وهو الظبي الخالص البياض . وخلفة : يخلف بعضها بعضًا . والأطلاء : جمع الطلا ، وهو الولد من ذوات الظلف. والمجثم : المربض ، والشاهد في البيت عند المؤلف في قوله "خلفة" كما في الشاهد الذي قبله : أي يذهب بعضها ويخلفه بعض .

المعاني :

خِلْفَةً :       مُتَعَاقِبَيْنِ يَخْلُفُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ السراج
خِـلفة :       يخلُف أحدهما الآخر و يتعاقبان معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[62] ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ إن القلوب تتقلب وتنتقل في ساعات الليل والنهار، فيحدث لها النشاط والكسل، والذكر والغفلة، والقبض والبسط، والإقبال والإعراض، فجعل الله الليل والنهار يتواليان على العباد ويتكرران ليحدث لهم الذكر والنشاط والشكر لله في وقت آخر.
وقفة
[62] ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ (خِلْفَةً) من فاته من الليل عمل أدركه بالنهار، أو فاته بالنهار أدركه بالليل، عن عمر بن الْخَطَّابِ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَىْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ» [مسلم 747].
وقفة
[62] ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ قال عمر بن الخطاب والحسن وابن عباس معناه: «لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ ما فاته من الخير والصلاة ونحوه في أحدهما فيستدركه في الذي يليه».
وقفة
[62] ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ قال الحسن البصري: «مَن عجز بالليل؛ كان له في أول النهار مُستَعتبٌ، ومن عجز عن النهار؛ كان له في الليل مُستَعتب».
وقفة
[62] ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ الليل والنهار؛ من اتقى الله في أحدهما سلم له الآخر.
وقفة
[62] ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ إعانة العبد بتعاقب الليل والنهار على تدارُكِ ما فاتَهُ من الطاعة في أحدهما.
وقفة
[62] ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ الليل والنهار؛ من اتقى الله في أحدهما سلم له الآخر.
اسقاط
[62] ﴿وَهُوَ الَّذي جَعَلَ اللَّيلَ وَالنَّهارَ خِلفَةً لِمَن أَرادَ أَن يَذَّكَّرَ أَو أَرادَ شُكورًا﴾ لنسأل أنفسنا متى تأملنا بديع خلق الله من حولنا! ومتى شكرنا كثير نعمه وفضله علينا! فالحمد لله على كثير نعمه.
وقفة
[62] ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ جعل وقتين للمتذكرين والشاكرين، فمن فاته في أحدهما ورد من العبادة قام به في الآخر.
وقفة
[62] ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ ليس في وسعك استعادة الليل الفائت؛ في النهار الجديد مساحة كافية للتغيير.
وقفة
[62] أطال عمر t صلاة الضحى فقيل له: «صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه!»، فقال: «إنه بقي عليَّ من وردي شيء، وأحببت أن أتمه –أو قال أقضيه-»، وتلا هذه الآية: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾.
وقفة
[62] تأمل اختلاف الليل والنهار يثمر التذكر بأنهما نعمة من الله، فيتم شكره عليهما ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾.
وقفة
[62] يتعاقب الليل والنهار على القلب فيُشْرق، وينعم بالقرب من ربه، ويزداد خيرًا ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾.
وقفة
[62] تقديم الليل على النهار: ﴿الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ في جميع القرآن يتقدم الليل على النهار؛ لأن اليوم الأصل فيه يبدأ بالليل، وذلك من آذان المغرب تحديدًا، فالليلة تلحق بما بعدها من النهار، فيقال مثلا هذه ليلة الأربعاء.

الإعراب :

  • ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً
  • أعربت في الآية الكريمة السابعة والأربعين. والنهار: معطوفة بالواو على اللَّيْلَ» منصوبة مثلها. و خِلْفَةً» بمعنى: ذوي خلفة اي يخلف احدهما الآخر اي يعقب هذا وذاك هذا.
  • ﴿ لِمَنْ أَرادَ:
  • اي آية بينة لمن أراد. اللام: حرف جر من اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بصفة لخلفة. اراد: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة أَرادَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ أَنْ يَذَّكَّرَ:
  • ان: حرف مصدرية ونصب. يذكر: أصلها: يتذكر ادغمت التاء في الذال فحصل تشديد الذال. وهي فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة يَذَّكَّرَ» صلة أَنْ» المصدرية لا محل لها. و أَنْ» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به لأراد.
  • ﴿ أَوْ أَرادَ شُكُوراً:
  • او: حرف عطف للتخيير. أراد: معطوفة على أَرادَ» الاولى وتعرب اعرابها. و شُكُوراً» مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى: أراد شكر الله على نعمائه.'

المتشابهات :

الأنعام: 96﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا
الفرقان: 62﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [62] لما قبلها :     3- تعاقب الليل والنهار، قال تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يذكر:
وقرئ:
يذكر «مضارع» ذكر خفيفا، وهى قراءة النخعي، وابن وثاب، وزيد بن على، وطلحة، وحمزة.

مدارسة الآية : [63] :الفرقان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى ..

التفسير :

[63] وعباد الرحمن الصالحون يمشون على الأرض بسكينة متواضعين، وإذا خاطبهم الجهلة السفهاء بالأذى أجابوهم بالمعروف من القول، وخاطبوهم خطاباً يَسْلَمون فيه من الإثم، ومن مقابلة الجاهل بجهله.

العبودية لله نوعان:عبودية لربوبيته فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون{ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} وعبودية لألوهيته وعبادته ورحمته وهي عبودية أنبيائه وأوليائه وهي المراد هنا ولهذا أضافها إلى اسمه "الرحمن "إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال بسبب رحمته، فذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ونعوتهم أفضل النعوت، فوصفهم بأنهم{ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} أي:ساكنين متواضعين لله والخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده.{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ} أي:خطاب جهل بدليل إضافة الفعل وإسناده لهذا الوصف،{ قَالُوا سَلَامًا} أي:خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الإثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله. وهذا مدح لهم، بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالإحسان والعفو عن الجاهل ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال

هؤلاء هم عباد الرحمن، وتلك هي صفاتهم التي ميزتهم عن سواهم.

وقد افتتحت هذه الآيات بقوله- تعالى-: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً....

وهذه الجملة الكريمة مبتدأ. والخبر قوله- تعالى-: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا.... وما بينهما من الموصولات صفات لهم.

وإضافتهم إلى الرحمن من باب التشريف والتكريم والتفضيل.

و «هونا» مصدر بمعنى اللين والرفق.. وهو صفة لموصوف محذوف.

أى: وعباد الرحمن الذين رضى الله عنهم وأرضاهم، من صفاتهم أنهم يمشون على الأرض مشيا لينا رقيقا، لا تكلف فيه ولا خيلاء ولا تصنع فيه ولا ضعف، وإنما مشيهم تكسوه القوة والجد، والوقار والسكينة.

قال الإمام ابن كثير: أى: يمشون بسكينة ووقار.. كما قال- تعالى-: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا . وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى من التصانع، تصنعا ورياء، فقد كان سيد ولد آدم صلّى الله عليه وسلّم إذا مشى كأنما ينحط من صبب- أى: من موضع منحدر- وكأنما الأرض تطوى له، وعند ما رأى عمر- رضى الله عنه- شابا يمشى رويدا قال له: ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال: لا فعلاه بالدرة، وأمره أن يسير بقوة..

هذا هو شأنهم في مشيهم، أما شأنهم مع غيرهم، فقد وصفهم. سبحانه- بقوله:

وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً.

أى: إذا خاطبهم الجاهلون بسفاهة وسوء أدب، لم يقابلوهم بالمثل، بل يقابلوهم بالقول الطيب، كما قال- تعالى- في آية أخرى: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ .

هذه صفات عباد الله المؤمنين ( الذين يمشون على الأرض هونا ) أي : بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار ، كما قال : ( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) [ الإسراء : 37 ] . فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح ، ولا أشر ولا بطر ، وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى من التصانع تصنعا ورياء ، فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب ، وكأنما الأرض تطوى له . وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع ، حتى روي عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا ، فقال : ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال : لا يا أمير المؤمنين . فعلاه بالدرة ، وأمره أن يمشي بقوة . وإنما المراد بالهون هاهنا السكينة والوقار ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، وأتوها وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " .

وقال عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن يحيى بن المختار ، عن الحسن البصري في قوله : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) قال : إن المؤمنين قوم ذلل ، ذلت منهم - والله - الأسماع والأبصار والجوارح ، حتى تحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ، وإنهم لأصحاء ، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة ، فقالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن . أما والله ما أحزنهم حزن الناس ، ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الجنة ، أبكاهم الخوف من النار ، وإنه من لم يتعز بعزاء الله تقطع نفسه على الدنيا حسرات ، ومن لم ير لله نعمة إلا في مطعم أو في مشرب ، فقد قل علمه وحضر عذابه .

وقوله : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) أي : إذا سفه عليهم الجهال بالسيئ ، لم يقابلوهم عليه بمثله ، بل يعفون ويصفحون ، ولا يقولون إلا خيرا ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، وكما قال تعالى : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) [ القصص : 55 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن أبي خالد الوالبي ، عن النعمان بن مقرن المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وسب رجل رجلا عنده ، قال : فجعل الرجل المسبوب يقول : عليك السلام . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما ] إن ملكا بينكما يذب عنك ، كلما شتمك هذا قال له : بل أنت وأنت أحق به . وإذا قال له : عليك السلام ، قال : لا بل عليك ، وأنت أحق به . " إسناده حسن ، ولم يخرجوه .

وقال مجاهد : ( قالوا سلاما ) يعني : قالوا : سدادا .

وقال سعيد بن جبير : ردوا معروفا من القول .

وقال الحسن البصري : ( قالوا [ سلاما ) ، قال : حلماء لا يجهلون ] ، وإن جهل عليهم حلموا . يصاحبون عباد الله نهارهم بما تسمعون ، ثم ذكر أن ليلهم خير ليل .

يقول تعالى ذكره: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) بالحلم والسكينة والوقار غير مستكبرين, ولا متجبرين, ولا ساعين فيها بالفساد ومعاصي الله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, غير أنهم اختلفوا, فقال بعضهم: عنى بقوله: ( يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) أنهم يمشون عليها بالسكينة والوقار.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) قال: بالوقار والسكينة.

قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا محمد بن أبي الوضاح, عن عبد الكريم, عن مجاهد: ( يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) قال: بالحلم والوقار.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال ثنا عيسى; وحدثني الحارث; قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نَجيح, عن مجاهد, قوله: ( يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) قال: بالوقار والسكينة.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.

حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن الثوري, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) بالوقار والسكينة.

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي, قال: ثنا شريك, عن سالم, عن سعيد وعبد الرحمن ( الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) قالا بالسكينة والوقار.

حدثنا أبو كريب, قال: ثنا ابن يمان, عن شريك, عن جابر, عن عمار, عن عكرمة, في قوله: ( يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) قال: بالوقار والسكينة.

قال: ثنا ابن يمان, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن أيوب, عن عمرو الملائي ( يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) قال: بالوقار والسكينة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم يمشون عليها بالطاعة والتواضع.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني علي, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) بالطاعة والعفاف والتواضع.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) قال: يمشون على الأرض بالطاعة.

حدثني أحمد بن عبد الرحمن, قال: ثني عمي عبد الله بن وهب, قال: كتب إليّ إبراهيم بن سويد, قال: سمعت زيد بن أسلم يقول: التمست تفسير هذه الآية ( الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) فلم أجدها عند أحد, فأُتيت في النوم فقيل لي: هم الذين لا يريدون يفسدون في الأرض.

حدثنا أبو كريب, قال: ثنا ابن يمان, عن أسامة بن زيد بن أسلم, عن أبيه, قال: لا يفسدون في الأرض.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) قال: لا يتكبرون على الناس, ولا يتجبرون, ولا يفسدون. وقرأ قول الله تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم يمشون عليها بالحلم لا يجهلون على من جهل عليهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب, قال: ثنا ابن يمان, عن أبي الأشهب, عن الحسن في ( يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) قال: حلماء, وإن جُهِلَ عليهم لم يجهلوا.

حدثنا ابن حميد قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرمة ( يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) قال: حلماء.

حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الحسن, في قوله: ( يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ) قال: علماء حلماء لا يجهلون.

وقوله: ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ) يقول: وإذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول, أجابوهم بالمعروف من القول, والسداد من الخطاب.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا أبو الأشهب, عن الحسن ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ) ... الآية, قال: حلماء, وإن جُهل عليهم لم يجهلوا.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا ابن المبارك, عن معمر, عن يحيى بن المختار, عن الحسن, في قوله ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ) قال: إن المؤمنين قوم ذُلُلٌ, ذلّت منهم والله الأسماع والأبصار والجوارح, حتى يحسبهم الجاهل مرضى, وإنهم لأصحاء القلوب, ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم, ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة, فقالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ والله ما حزنهم حزن الدنيا, ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنة, أبكاهم الخوف من النار, وإنه من لم يتعز بعزاء الله تَقَطَّعَ نفسه على الدنيا حسرات, ومن لم ير لله عليه نعمة إلا في مطعم ومشرب, فقد قلّ علمه وحضر عذابه.

حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ) قال: سدادا.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا محمد بن أبي الوضاح, عن عبد الكريم, عن مجاهد ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ) قال: سَدَادا من القول.

حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن الثوريّ, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ) حلماء.

قال: ثنا الحسين, قال: ثنا يحيى بن يمان, عن أبي الأشهب, عن الحسن, قال: حلماء لا يجهلون, وإن جُهِل عليهم حلموا ولم يسفهوا، هذا نهارهم فكيف ليلهم - خير ليل - صفوا أقدامهم, وأجْرَوا دموعهم على خدودهم يطلبون إلى الله جلّ ثناؤه في فكاك رقابهم.

قال: ثنا الحسين, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا عبادة, عن الحسن, قال: حلماء لا يجهلون وإن جهل عليهم حلموا.

المعاني :

هَوْنًا :       بِسَكِينَةٍ، وَوَقَارٍ، وَتَوَاضُعٍ السراج
قَالُوا سَلَامًا :       خَاطَبُوا الجَاهِلَ بِكَلَامٍ يَسْلَمُونَ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ، وَلَمْ يُقَابِلُوهُ بِجَهْلِهِ السراج
قالوا سلاما :       قولا سديدا يسلمون به من الأذى معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[63] افتتحت الفرقان بالعبد القدوة، وختمت بالمتَّبعين المؤمنين المتمسكين بالفرقان الحق الذين لم يتخذوه مهجورًا أبدًا ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾.
وقفة
[63] من هنا تبدأ أول دروس التزكية بمدرسة عباد الرحمن.
عمل
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ﴾ الذي يحررك من أنواع العبودية؛ هي عبوديتك لله؛ فكن عزيزًا، ولا تخضع هامتك إلا لله.
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ استشعروا رحمة ربهم وعاشوها في عبادتهم؛ فانعكس ذلك عليهم رحمة ورفقًا.
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ سكِّنْ نفسَك المضطربة، لتدخلَ في كنف (العبوديَّة) و(الرحمة)، افتتاحية هادئة لسياق مُخبتٍ خاشع!
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ سكينة الروح ظهرت على خطوات القدم.
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ خفيفة أرواحهم، رقيقة قلوبهم، حتى بمشيهم على الأرض لم يثقلوا عليها.
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ تعرف العابد من سكينته.
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ من صورها: إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار.
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ هونًا: أي ساكنين متواضعين لله وخلقِه، قال ﷺ: «مَنْ تَوَاضَعَ للهِ رَفَعَهُ اللهُ». [أبو نعيم في الحلية 8/46، وصححه الألباني].
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾: أي يمشون بتواضع وسكينة، قال الإمام الشافعي: «أرفع الناس قدرًا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلًا من لا يرى فضله».
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ الهَوْن: مصدر الهَيِّن؛ وهو من السكينة والوقار، وفي التفسير: يمشون على الأرض حلماء متواضعين؛ يمشون في اقتصاد، والقصد والتؤدة وحسن السمت من أخلاق النبوة.
وقفة
[63] ﴿وَعِبادُ الرَّحمنِ الَّذينَ يَمشونَ عَلَى الأَرضِ هَونًا﴾ نسبتهم للرحمن وليس لأى اسم من أسمائه عز شأنه لتضع الرحمة بمن حولك نصب عينيك لتستحق هذا اللقب
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ أي: سكينة ووقارًا، متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين.
وقفة
[63] ولم يرد بالذل الهوان بل أراد به أن جانبهم لين على المؤمنين من قولهم دابة ذلول يعني أنهم متواضعون ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾.
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ مشرُوع حياة عظيم يبتدئ بالهَون والسكينة وينتهيّ بالسلام.
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ من صفات عباد الرحمن التواضع والحلم، وطاعة الله عند غفلة الناس، والخوف من الله، والتزام التوسط في الإنفاق وفي غيره من الأمور.
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ كم جاهل جاوبته سلامًا فظنه من جهله استسلامًا.
وقفة
[63] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ ذاقوا لذّة العبوديّة حتى ظهرت آثارها على مشيتهم وكلماتهم.
وقفة
[63] الإمام أحمد في مجلسه وبين تلاميذه، ويأتي سفيه من السفهاء فيسبه ويشتمه، فيقول له طلابه وتلاميذه: «يا أبا عبد الله؛ رُدَّ على هذا السفيه»، قال: «لا والله؛ فأين القرآن إذًا!؟ ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا﴾».
وقفة
[63] تأمل آثار عباد الرحمن على الأرض وبصماتهم في الناس ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾.
وقفة
[63] بمقدار عبودية الإنسان لله تكون سكينته، وعدم تأثره بكلام الناس ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾.
وقفة
[63] لما كانت العثرة عثرتين: عثرة الرجل وعثرة اللسان، جاءت إحداهما قرينة الأخرى في قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾.
وقفة
[63] ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ [لقمان: 19]، ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾، علاقة حركة الجوارح بالأخلاق قرينة معتبرة لمعرفة أخلاق بعض الناس، وفي سورة الإسراء: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ [الإسراء: 37]، وفي سورة النور: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]، بل أشدها في سورة لقمان: ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 19].
وقفة
[63] سلامًا على كل بن آدم لين إذا صادق، هين إذا خاصم، رفيق فى الشدة، رقيق فى النصيحة، لا يشقى فى صحبته أحد ﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾.
وقفة
[63] ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ يقول: وإذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول، أجابوهم بالمعروف من القول، والسداد من الخطاب.
وقفة
[63] ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ لا تجد هذه الصفة في أحد إلا وجدت فيه الحكمة، وهي من صفات عباد الرحمن.
وقفة
[63] ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ ربنا سلام يحب السلام، وسيلقى أولياءه في جنته بالسلام، ورسوله السلام يقول: أفشوا بينكم السلام.
وقفة
[63] ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ مدح الله فيهم الحِلم الكبير والوقار والأدب الرفيع في الإعراض عن الجاهل لرزانة العقل فيهم.
عمل
[63] ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ إذا خرجت من عدوك لفظة سفه؛ فلا تلقحها بمثلها فتلقح؛ فنسل الخصام نسل مذموم.
وقفة
[63] ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ سماهم جاهلين؛ لأنه لا أجهل ممن يصر على خسارة الناس حوله.
لمسة
[63] ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ وكان التعليق بـ (إذا) لأن مخاطبة الجاهلين لهم بالسوء أمر محقق، ومتى سلم أهل العلم والدين من الجاهلين.
وقفة
[63] ﴿وإذا خاطبهُم الجاهِلون قالوا سلآماً﴾ لن تعامل الجاهل بمثل الإعراض عنه.
لمسة
[63] قال تعالى في وصف عباده المؤمنين: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾، كان التعليق بـ (إذا)؛ لأن مخاطبة الجاهلين لهم بالسوء أمر محقق، ومتى سلم أهل العلم والدين من الجاهلين؟!
عمل
[63] ليس من العقل والحكمة أن تدع عدوك يحدد لك متى تنطلق ومتى تسكت، وتجاهله يصيبه في مقتل، وتدبر ﴿واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما﴾، فاجعله منهجًا لك.
وقفة
[63] أم توصي ولدها وهو يهم بمواجهة أشخاص غاضبين، قالت: اقتلهم يا بني بلطفك؛ فلاشئ يزعجهم أكثر من اللطف ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾.
وقفة
[63، 64] ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾: هذا وصف نهار عباد الرحمن، ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾: وهذا ليلهم.
وقفة
[63، 64] نعت الله المؤمنين في القرآن بأحسن نعت، فقال: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾، حلماء لا يجهلون، وإذا جهل عليهم حلموا، ثم ذكر ليلهم خير ليل، فقال: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ تجري دموعهم على خدودهم؛ خوفًا من ربهم، لأمر ما سهروا ليلهم، لأمر ما خشعوا نهارهم.
وقفة
[63، 64] كان الحسن البصري إذا قرأ: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾، قال: هذا وصف نهارهم، وإذا قرأ: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾، قال: هذا وصف ليلهم. وها نحن -في هذه الليالي- نعيش 10 ساعات من بعد العشاء إلى الفجر، أفليس من الغبن العظيم أن تمضي كلها دون وقوف -ولو قليلًا- بين يدي رب العالمين؟

الإعراب :

  • ﴿ وَعِبادُ الرَّحْمنِ:
  • الواو استئنافية. عباد: مبتدأ مرفوع بالضمة وخبره الجملة الاسمية في اواخرالسورة بتقدير: وعبادالرحمن الذين هذه صفتهم أولئك يجزون الغرفة. ويجوز ان يكون خبره الَّذِينَ يَمْشُونَ».الرحمن:مضاف إليه مجرور بالكسرة واضافهم الى الرحمن تخصيصا وتفضيلا اي بمعنى: وعباد الرحمن المنتسبون إليه صفتهم انهم يمشون على الارض.
  • ﴿ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ:
  • الذين: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة او خبر للرحمن كما ذكر على الوجهين. يمشون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. على الارض: جار ومجرور متعلق بيمشون.
  • ﴿ هَوْناً:
  • حال منصوب بالفتحة بمعنى «هينين» اي يمشون متواضعين بسكينة ووقار اي هينين. ويجوز ان يكون صفة للمصدر اي مصدر وصف به بتقدير: مشيا هينا إلا ان الوجه الاول اصح لان في وضع المصدر موضع الصفة مبالغة.
  • ﴿ وَإِذا
  • الواو استئنافية. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه متعلق بجوابه اداة شرط‍ غير جازمة
  • ﴿ خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ:
  • الجملة الفعلية في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف. خاطبهم: اي كلمهم فعل ماض مبني على الفتح. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. الجاهلون: فاعل مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.
  • ﴿ قالُوا سَلاماً:
  • الجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. سلاما: مفعول مطلق-مصدر-منصوب بفعل مضمر تقديره: نتسلم منكم تسلما فأقيم سلام مقام تسلم. والجملة الفعلية «نتسلم منكم تسلما او سلاما» في محل نصب مفعول به-مقول القول- بمعنى: قالوا قولا فيه سلام ورحمة'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [63] لما قبلها :     وبعد ذكرِ جهالاتِ المشركينَ وطعنِهم في القرآنِ والنُّبوةِ، وإعراضِهم عنه صلى الله عليه وسلم؛ وبعد ذكرِ الكافرين الطاعنين في القرآن النافرين عن عبادة الله والسجود له؛ ذكرَ اللهُ هنا صفاتِ المؤمنين بالقرآن، وهم عباد الرحمن: 1- التواضعُ. 2- الحِلْمُ، قال تعالى:
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وعباد:
وقرئ:
1- وعباد، جمع عابد كضارب وضراب، وهى قراءة اليماني.
2- وعبد، بضم العين والباء، وهى قراءة الحسن.
يمشون:
وقرئ:
يمشون، مبنيا للمفعول، مشددا، وهى قراءة السلمى واليماني.

مدارسة الآية : [64] :الفرقان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا

التفسير :

[64] والذين يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم، متذللين له بالسجود والقيام.

{ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} أي:يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له كما قال تعالى:{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

ثم وصف- سبحانه- حالهم مع خالقهم فقال: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً والبيتوتة أن يدركك الليل سواء كنت نائما أم غير نائم.

أى: أن من صفاتهم أنهم يقضون جانبا من ليلهم، تارة ساجدين على جباههم لله- تعالى- وتارة قائمين على أقدامهم بين يديه- سبحانه-.

وخص وقت الليل بالذكر. لأن العبادة فيه أخشع، وأبعد عن الرياء، وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً.. .

وقوله- سبحانه-: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ.. .

وقوله : ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) أي : في عبادته وطاعته ، كما قال تعالى : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون ) [ الذاريات : 17 - 18 ] ، وقال ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ) [ السجدة : 16 ] وقال ( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) الآية [ الزمر : 9 ]

يقول تعالى ذكره: والذين يبيتون لربهم يصلون لله, يراوحون بين سجود في صلاتهم وقيام. وقوله: ( وَقِيَامًا ) جمع قائم, كما الصيام جمع صائم.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ﴾ كانت ليلتهم لله، هذا الفرق بيننا وبينهم، ميزة ليلهم أنه لله.
وقفة
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ قال ابن عباس: «من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء فقد بات لله ساجدًا وقائمًا».
اسقاط
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ هذا ليلُهم، وأنت؟!
وقفة
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ قال الحسن البصري: «هذا ليلهم إذا خلوا بينهم وبين ربهم تبارك وتعالى».
عمل
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ صلِّ ركعات من الليل.
عمل
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ احرص اليوم أن يكون إنفاقك على نفسك أو أهلك بدون إسراف ولا تقصير.
وقفة
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ فيه الحث على قيام الليل.
لمسة
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ قدَّم السجود على القيام مع أن القيام يقع قبله؛ إشارة إلى الاهتمام بالسجود، لأن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، وقال: (سُجَّدًا) ولم يقل: (ساجدين)؛ للمبالغة في كثرة السجود.
عمل
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ إذا أعطيت نعمة فاسجد، وإذا ابتليت فاسجد،فهناك تستجلب الأعطيات وتدفع النقمات.
لمسة
[64] ﴿وَالَّذينَ يَبيتونَ لِرَبِّهِم سُجَّدًا وَقِيامًا﴾ الفعل يبيتون فى الزمن المضارع دليل الاستمرارية.
اسقاط
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ هذا هو ليل عباد الرحمن، فكيف بليلي وليلك! اللهم ارحمنا برحمتك.
اسقاط
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ أليس من الغبن أن يمر علينا ليل طويل ونحن غافلون! أين نحن من هذه الآية؟!
وقفة
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ قال ابن عباس: «من صلى بعد العشاء الآخرة ركعتين أو أكثر؛ فقد بَات لله ساجدًا وقائمًا».
وقفة
[64] ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ كيف يبيتون؟ هل يبيتون أبدانهم في الفراش وأرواحهم في السماء؟ من أحيا شيئًا من الليل بالصلاة كله أو بعضه فقد بات لربه سجدًا وقيامًا، من قرأ شيئًا من القرآن في صلاة دخل في هذا، وليس بالضرورة أن يحييه كله، المبيت في اللغة قد يكون جزءًا من الليل.
وقفة
[64] شتان بين من يجاهر بالمعصية ﴿فنظل لها عاكفين﴾ [الشعراء: 71]، وبين من يخفي عبادته خشية الرياء ﴿الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما﴾!

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ:
  • معطوفة بالواو على الَّذِينَ يَمْشُونَ» الواردة في الآية الكريمة السابقة وتعرب اعرابها. لرب: جار ومجرور متعلق بيبيتون. و«هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ سُجَّداً وَقِياماً:
  • حالان منصوبان بالفتحة. بمعنى: ساجدين لعظمة ربهم قائمين في عبادته.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [64] لما قبلها :     3- قيامُ الليل، قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سجدا:
وقرئ:
سجودا، على وزن «قعود» ، وهى قراءة أبى البرهسم.

مدارسة الآية : [65] :الفرقان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا ..

التفسير :

[65] والذين هم مع اجتهادهم في العبادة يخافون الله فيدعونه أن ينجيهم من عذاب جهنم، إن عذابها يلازم صاحبه.

{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} أي:ادفعه عنا بالعصمة من أسبابه ومغفرة ما وقع منا مما هو مقتض للعذاب.{ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} أي:ملازما لأهلها بمنزلة ملازمة الغريم لغريمه.

ثم حكى- سبحانه- جانبا من دعائهم إياه. وخوفهم من عقابه، فقال: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ أى: في عامة أحوالهم، يا رَبَّنَا بفضلك وإحسانك اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ بأن تبعده عنا وتبعدنا عنه.

إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً أى: إن عذابها كان لازما دائما غير مفارق، منه سمى الغريم غريما لملازمته لغريمه، ويقال: فلان مغرم بكذا، إذا كان ملازما لمحبته والتعلق به.

ولهذا قال : ( والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ) أي : ملازما دائما ، كما قال الشاعر :

إن يعذب يكن غراما ، وإن يع ط جزيلا فإنه لا يبالي

ولهذا قال الحسن في قوله : ( إن عذابها كان غراما ) : كل شيء يصيب ابن آدم ويزول عنه فليس بغرام ، وإنما الغرام اللازم ما دامت السماوات والأرض . وكذا قال سليمان التيمي .

وقال محمد بن كعب [ القرظي ] : ( إن عذابها كان غراما ) يعني : ما نعموا في الدنيا; إن الله سأل الكفار عن النعمة فلم يردوها إليه ، فأغرمهم فأدخلهم النار .

( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ) يقول تعالى ذكره: والذين يدعون الله أن يصرف عنهم عقابه وعذابه حذرا منه ووجلا . وقوله: ( إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) يقول: إن عذاب جهنم كان غراما ملحا دائما لازما غير مفارق من عذِّب به من الكفار, ومهلكا له. ومنه قولهم: رجل مُغْرم, من الغُرْم والدَّين. ومنه قيل للغريم غَريم لطلبه حقه, وإلحاحه على صاحبه فيه. ومنه قيل للرجل المولع للنساء: إنه لمغرَم بالنساء, وفلان مغرَم بفلان: إذا لم يصبر عنه; ومنه قول الأعشى:

إنْ يُعَــاقِب يَكُـنْ غَرَامـا وَإِنْ يُـعْـ

ـطِ جَـــزِيلا فَإِنَّـــهُ لا يبـــالي (5)

يقول: إن يعاقب يكن عقابه عقابا لازما, لا يفارق صاحبه مهلكا له، وقول بشر بن أبي خازم:

وَيــوْمَ النِّســارِ وَيَــوْمَ الجِفــا

رِ كَــانَ عِقَابًــا وَكَــانَ غَرَامـا (6)

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني علي بن الحسن اللاني, قال: أخبرنا المعافي بن عمران الموصلي, عن موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب في قوله: ( إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) قال: إن الله سأل الكفار عن نعمه, فلم يردّوها إليه, فأغرمهم, فأدخلهم النار.

قال: ثنا المعافي, عن أبي الأشهب, عن الحسن, في قوله: ( إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) قال: قد علموا أن كلّ غريم مفارق غريمه إلا غريم جهنم.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) قال: الغرام: الشرّ.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, في قوله: ( إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) قال: لا يفارقه.

------------------------

الهوامش :

(5) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة ( ديوانه طبع القاهرة ، بشرح الدكتور محمد حسين ، ص 9 ) وهو من قصيدة يمدح بها الأسود بن المنذر اللخمي ، وأولها مــا بكــاء الكبــير بــالأطلال

والغرام الشر الدائم ، ومنه قوله تعالى { إن عذابها كان غرامًا } أي هلاكًا ولزامًا لهم . يقول : إن عاقب كان غرامًا ، وإن أعطى لم يبال العذال.

(6) البيت لبشر بن أبي خازم كما قال المؤلف . وفي اللسان نسبه للطرماح . قال : والغرام : اللازم من العذاب ، والشر الدائم ، والبلاء ، والحب ، والعشق ، وما لا يستطاع أن يتفصى منه ، وقال الزجاج : هو أشد العذاب في اللغة . قال الله عز وجل : { إن عذابها كان غرامًا } ، وقال الطرماح : " ويوم النسار .. . " البيت . وقوله عز وجل : { إن عذابها كان غرامًا } : أي ملحًا دائمًا ملازمًا . وفي معجم ما استعجم للبكري (طبعة القاهرة ص 385) الجفار : بكسر أوله ، وبالراء المهملة : موضع بنجد ، وهو الذي عنى بشر بن أبي خازم بقوله : " ويوم الجفار .. . " البيت . وقال أبو عبيدة : الجفار : في بلاد بني تميم . وقال البكري في رسم النسار : النسار ، بكسر أوله : على لفظ الجمع ، وهي أجبل صغار ، شبهت بأنسر واقعة ، وذكر ذلك أبو حاتم . وقال في موضع آخر : هي ثلاث قارات سود ، تسمى الأنسر . وهناك أوقعت طيئ وأسد وغطفان ، وهم حلفاء لبني عامر وبني تميم ، ففرت تميم ، وثبتت بنو عامر ، فقتلوهم قتلا شديدًا ؛ فغضبت بنو تميم لبني عامر ، فتجمعوا ولقوهم يوم الجفار ، فلقيت أشد مما لقيت بنو عامر ، فقال بشر ابن أبي خازم :

غَضِبَــتْ تَمِيــمٌ أنْ تُقْتَّـلَ عَـامِر

يَــوْمَ النِّسَــارِ فَـأُعْقِبُوا بِـالصَّيْلَمِ

قلت : الصيلم : الداهية المستأصلة . وفي رواية : فأعتبوا

المعاني :

غَرَامًا :       مُلَازِمًا؛ كَالغَرِيمِ (وَهُوَ الدَّائِنُ) يُلَازِمُ غَرِيمَهُ السراج
كان غراما :       لازما أو ممتدّا ، كلزوم الغريم معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[65] ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ قال الحسن البصري: «كل شيء يصيب ابن آدم لم يدم عليه فليس بغرام، إنما الغرام اللازم له ما دامت السموات والأرض، فيا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة».
وقفة
[65] ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ قال محمد بن كعب: «طالبهم الله بثمن النعيم في الدنيا فلم يأتوا به، فغرمهم ثمنها بإدخالهم النار».
وقفة
[65] ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ من الذين يدعون بهذا الدعاء؟ هم المجتهدون غاية الاجتهاد، ومن استفرغوا غاية الوسع في طاعة رب العالمين، لكنهم عند السؤال أنزلوا أنفسهم منازل العصاة، ووقفوا موقف أهل الاعتذار.
وقفة
[65] ﴿وَالَّذينَ يَقولونَ رَبَّنَا اصرِف عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَرامًا﴾ رغم أنهم من عباد الرحمن، ورغم قيامهم بالصالحات من الأعمال، إلا أنهم مشفقون على أنفسهم من العذاب.
تفاعل
[65] ادع بالنجاة من النار ﴿وَالَّذينَ يَقولونَ رَبَّنَا اصرِف عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَرامًا﴾.
وقفة
[65] لما ختمت سورة الفرقان بذكر جملة من أوصاف عباد الرحمن؛ كان من مقدمة وخاتمة وصفهم بـ(الدعاء): ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾، ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [74]، ثم ختم السورة ببيان حال من ترك الدعاء، وأن الرب لا يكترث به ولا يبالي بأي واد هلك: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ [77].
تفاعل
[65] ﴿رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ﴾ استعذ بالله من جهنم.
وقفة
[65] ما معنى ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾؟ أي: ملازمًا لأهلها بمنزلة ملازمة الغريم لغريمه.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب اعراب الَّذِينَ يَمْشُونَ» بمعنى: والذين يدعونه قائلين.
  • ﴿ رَبَّنَا:
  • منادى بأداة نداء محذوفة بتقدير: يا ربنا منصوب للتعظيم وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. و«نا» ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ اصْرِفْ عَنّا:
  • الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به-مقول القول-. اصرف: اي ادفع: فعل دعاء وتوسل بصيغة طلب مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. عنا: جار ومجرور متعلق باصرف. و «نا» ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل جر بعن.
  • ﴿ عَذابَ جَهَنَّمَ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. جهنم: مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لانه ممنوع من الصرف-التنوين-للعلمية والتأنيث.
  • ﴿ إِنَّ عَذابَها:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. عذاب: اسم إِنَّ» منصوب بالفتحة. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ كانَ غَراماً:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر إِنَّ».كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو. غراما:خبر كانَ» منصوب بالفتحة. بمعنى: لازما لاعداء الله. اي ان عذابها كان هلاكا ولزاما. ومعنى الغرام: الشر الدائم والعذاب.'

المتشابهات :

الفرقان: 65﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا
الفرقان: 74﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [65] لما قبلها :     4- الخوفُ من النار، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [66] :الفرقان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا

التفسير :

[66]إن جهنم شر قرار وإقامة.

{ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} وهذا منهم على وجه التضرع لربهم، وبيان شدة حاجتهم إليه وأنهم ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب، وليتذكروا منة الله عليهم، فإن صرف الشدة بحسب شدتها وفظاعتها يعظم وقعها ويشتد الفرح بصرفها.

إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً وساءت بمعنى بئست، والمخصوص بالذم محذوف.

أى: إن جهنم بئست مستقرا لمن استقر بها، وبئست مقاما لمن أقام بها.

فالجملة الكريمة تعليل آخر، لدعائهم بأن يصرفها ربهم عنهم.

( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) أي : بئس المنزل منظرا ، وبئس المقيل مقاما .

[ و ] قال ابن أبي حاتم عند قوله : ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) : حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش ، عن مالك بن الحارث قال : إذا طرح الرجل في النار هوى فيها ، فإذا انتهى إلى بعض أبوابها قيل له : مكانك حتى تتحف ، قال : فيسقى كأسا من سم الأساود والعقارب ، قال : فيميز الجلد على حدة ، والشعر على حدة ، والعصب على حدة ، والعروق على حدة .

وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير قال : إن في النار لجبابا فيها حيات أمثال البخت ، وعقارب أمثال البغال الدلم ، فإذا قذف بهم في النار خرجت إليهم من أوطانها فأخذت بشفاههم وأبشارهم وأشعارهم ، فكشطت لحومهم إلى أقدامهم ، فإذا وجدت حر النار رجعت .

وقال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا سلام - يعني ابن مسكين - عن أبي ظلال ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن عبدا في جهنم لينادي ألف سنة : يا حنان ، يا منان . فيقول الله لجبريل : اذهب فآتني بعبدي هذا . فينطلق جبريل فيجد أهل النار منكبين يبكون ، فيرجع إلى ربه عز وجل فيخبره ، فيقول الله عز وجل : آتني به فإنه في مكان كذا وكذا . فيجيء به فيوقفه على ربه عز وجل ، فيقول له : يا عبدي ، كيف وجدت مكانك ومقيلك؟ فيقول : يا رب شر مكان ، شر مقيل . فيقول : ردوا عبدي . فيقول : يا رب ، ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تردني فيها! فيقول : دعوا عبدي .

وقوله ( إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ) يقول: إن جهنم ساءت مستقرًّا ومقاما, يعني بالمستقرّ: القرار, وبالمقام: الإقامة; كأن معنى الكلام: ساءت جهنم منـزلا ومقاما. وإذا ضمت الميم من المقام فهو من الإقامة, وإذا فتحت فهو من قمت, ويقال: المقام إذا فتحت الميم أيضا هو المجلس، ومن المُقام بضمّ الميم بمعنى الإقامة, قول سلامة بن جندل:

يَوْمــانِ: يَــوْمُ مُقَامــاتٍ وأَنْدِيَـةٍ

وَيَـوْمُ سَـيْرٍ إلـى الأعْـداءِ تَـأوِيبَ (7)

ومن المُقام الذي بمعنى المجلس, قول عباس بن مرداس:

فــأيِّي مــا وأيُّــكَ كـانَ شَـرًّا

فقِيــدَ إلــى المَقَامَــة لا يَرَاهــا (8)

يعني: المجلس.

------------------------

الهوامش :

(7) البيت لسلامة بن جندل ، كما قال المؤلف . ( وانظر اللسان : أوب ) . والمقامات جمع مقامة ، بمعنى الإقامة ، والتأويب في كلام العرب : سير النهار كله إلى الليل . يقول : إننا نمضي حياتنا على هذا النحو : نجعل يوماً للإقامة ، يجتمع أولو الرأي فينا في أنديتهم ومجالسهم ، ليتشاوروا ويدبروا أمر القبيلة ؛ واليوم الآخر نجعله للإغارة على الأعداء نشنها عليهم ، ولو سرنا إليهم النهار كله فما نبالي ، لأننا أهل عزة ومنعة . واستشهد به المؤلف عند قوله تعالى في صفة جهنم : { إنها ساءت مستقرًا ومقامًا } أي إقامة .

(8) البيت لعباس بن مرداس ، أنشده ابن بري في ( اللسان : قوم ) وهو شاهد على أن المقام والمقامة ، بفتح الميم : المجلس . وقال البغدادي في الخزانة ( 2 : 230 ) يدعو على الشر منهما ، أي من كان منا شرَّا أعماه الله في الدنيا ، فلا يبصر حتى يقاد إلى مجلسه . وقال شارح اللباب : أي قيد إلى مواضع إقامة الناس وجمعهم في العرصات لا يراها ، أي قيد أعمى لا يرى المقامة . والبيت من جملة أبيات للعباس بن مرداس السلمي ، قالها لخفاف بن ندبه في أمر شجر بينهما .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[66] ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ لا يوجد أسوأ من الاستقرار والإقامة في نار جهـنم، أعاذنا الله منها.
وقفة
[66] ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ قال الرازي: «أما الفرق بين المستقر والمقام، فيحتمل أن يكون المستقر للعصاة من أهل الإيمان، فإنهم يستقرون في النار ولا يقيمون فيها، وأما الإقامة فللكفار».
وقفة
[66] ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ المستقر: هو أول الدخول فيها، والمقام: هو دوام البقاء فيها، ويمكن القول أن المستقر هو لأصحاب الذنوب والكبائر، ثم يخرجون منها، أما المقام فهو للكافرين المخلدين فيها.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّها ساءَتْ:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «ان».ساءت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. و ساءَتْ» حكمها حكم «بئست» اي لانشاء الذم. وفاعل ساءَتْ» تقديره هي. اي ضمير مبهم في ساءَتْ» يفسره مستقرا. والمخصوص بالذم محذوف معناه-ساءت مستقرا ومقاما-هي. وهذا الضمير هو الذي ربط‍ الجملة باسم «ان» وجعلها خبرا لها في محل رفع. ويجوز ان تكون الجملة من الفعل ساءَتْ» مع فاعله الضمير «هي» في محل رفع خبر «ان».
  • ﴿ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً:
  • تمييز او حال منصوب بالفتحة بمعنى مكان استقرار.ومقاما: معطوفة بالواو على مُسْتَقَرًّا» وتعرب اعرابها بمعنى محل اقامة.'

المتشابهات :

الفرقان: 66﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا
الفرقان: 76﴿خَالِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [66] لما قبلها :     ولَمَّا سألوا اللهَ أن يصرف عنهم عذاب جهنم لعلة: أن عذابها يلازم صاحبه؛ جاء هنا تعليل آخر: إن جهنم شر قرار وإقامة، قال تعالى:
﴿ إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مقاما:
1- بالضم، أي مكان إقامة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح الميم، أي: مكان قيام، وهى قراءة فرقة.

مدارسة الآية : [67] :الفرقان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ..

التفسير :

[67] والذين إذا أنفقوا من أموالهم لم يتجاوزوا الحد في العطاء، ولم يضيِّقوا في النفقة، وكان إنفاقهم وسطاً بين التبذير والتضييق.

{ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا} النفقات الواجبة والمستحبة{ لَمْ يُسْرِفُوا} بأن يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير وإهمال الحقوق الواجبة،{ وَلَمْ يَقْتُرُوا} فيدخلوا في باب البخل والشح{ وَكَانَ} إنفاقهم{ بَيْنَ ذَلِكَ} بين الإسراف والتقتير{ قَوَامًا} يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة، وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير ضرر ولا ضرار وهذا من عدلهم واقتصادهم.

ثم بين- سبحانه- حالهم في سلوكهم وفي معاشهم فقال- تعالى-: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا....

أى: أن من صفاتهم أنهم ملتزمون في إنفاقهم التوسط، فلا هم مسرفون ومتجاوزون للحدود التي شرعها الله- تعالى- ولا هم بخلاء في نفقتهم إلى درجة التقتير والتضييق، وإنما هم خيار عدول يعرفون أن خير الأمور أوسطها.

واسم الإشارة في قوله- تعالى-: وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً يعود إلى المذكور من الإسراف والتقتير. والقوام: الشيء بين الشيئين. وقوام الرجل: قامته وحسن طوله وهيئته، وهو: خبر لكان، واسمها: مقدر فيها.

أى: وكان إنفاقهم «قواما» أى وسطا بين الإسراف والتقتير والتبذير والبخل، فهم في حياتهم نموذج يقتدى به في القصد والاعتدال والتوازن. وذلك لأن الإسراف والتقتير كلاهما مفسد لحياة الأفراد والجماعات والأمم، لأن الإسراف تضييع للمال في غير محله. والتقتير إمساك له عن وجوهه المشروعة، أما الوسط والاعتدال في انفاق المال، فهو سمة من سمات العقلاء الذين على أكتافهم تنهض الأمم، وتسعد الأفراد والجماعات.

وقوله : ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) أي : ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم ، بل عدلا خيارا ، وخير الأمور أوسطها ، لا هذا ولا هذا ، ( وكان بين ذلك قواما ) ، كما قال : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) [ الإسراء : 29 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عصام بن خالد ، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني ، عن ضمرة ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من فقه الرجل رفقه في معيشته " . ولم يخرجوه .

وقال [ الإمام ] أحمد أيضا : حدثنا أبو عبيدة الحداد ، حدثنا سكين بن عبد العزيز العبدي ، حدثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عال من اقتصد " . ولم يخرجوه .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن يحيى ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون حدثنا سعيد بن حكيم ، عن مسلم بن حبيب ، عن بلال - يعني العبسي - عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحسن القصد في الغنى ، وأحسن القصد في الفقر ، وأحسن القصد في العبادة " ثم قال : لا نعرفه يروى إلا من حديث حذيفة رضي الله عنه .

وقال إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله فهو سرف .

وقال غيره : السرف النفقة في معصية الله .

وقال الحسن البصري : ليس النفقة في سبيل الله سرفا [ والله أعلم ] .

يقول تعالى ذكره: والذين إذا أنفقوا أموالهم لم يسرفوا في إنفاقها.

ثم اختلف أهل التأويل في النفقة التي عناها الله في هذا الموضع, وما الإسراف فيها والإقتار. فقال بعضهم: الإسراف ما كان من نفقة في معصية الله وإن قلت: قال: وإياها عني الله, وسماها إسرافا. قالوا: والإقتار: المنع من حقّ الله.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني علي, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) قال: هم المؤمنون لا يسرفون فينفقون في معصية الله, ولا يُقترون فيمنعون حقوق الله تعالى.

حدثنا أبو كُريب, قال: ثنا ابن يمان, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد, قال: لو أنفقت مثل أبي قبيس ذهبا في طاعة الله ما كان سرفا, ولو أنفقت صاعا فى معصية الله كان سرفا.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ) قال: في النفقة فيما نهاهم وإن كان درهما واحدا, ولم يقتروا ولم يُقصِّروا عن النفقة في الحق.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) قال: لم يسرفوا فينفقوا في معاصي الله كلّ ما أنفق في معصية الله, وإن قلّ فهو إسراف, ولم يقتروا فيمسكوا عن طاعة الله. قال: وما أُمْسِكَ عن طاعة الله وإن كثر فهو إقتار.

قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني إبراهيم بن نشيط, عن عمر مولى غُفرة أنه سئل عن الإسراف ما هو؟ قال: كلّ شيء أنفقته في غير طاعة الله فهو سرف.

وقال آخرون: السرف: المجاوزة في النفقة الحدّ، والإقتار: التقصير عن الذي لا بدّ منه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا عبد السلام بن حرب, عن مغيرة, عن إبراهيم, قوله: ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ) قال: لا يجيعهم ولا يعريهم ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف.

حدثني سليمان بن عبد الجبار, قال: ثنا محمد بن يزيد بن خنيس أبو عبد الله المخزومي المكي, قال: سمعت وهيب بن الورد أبا الورد مولى بني مخزوم, قال: لقي عالم عالما هو فوقه في العلم, فقال: يرحمك الله أخبرني عن هذا البناء الذي لا إسراف فيه ما هو؟ قال: هو ما سترك من الشمس, وأكنك من المطر, قال: يرحمك الله, فأخبرني عن هذا الطعام الذي نصيبه لا إسراف فيه ما هو؟ قال: ما سدّ الجوع ودون الشبع, قال: يرحمك الله, فأخبرني عن هذا اللباس الذي لا إسراف فيه ما هو؟ قال: ما ستر عورتك, وأدفأك من البرد.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عبد الرحمن بن شريح, عن يزيد بن أبي حبيب في هذه الآية: ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا ) ... الآية, قال: كانوا لا يلبسون ثوبا للجمال, ولا يأكلون طعاما للذّة, ولكن كانوا يريدون من اللباس ما يسترون به عورتهم, ويكتَنُّون به من الحرّ والقرّ, ويريدون من الطعام ما سدّ عنهم الجوع, وقواهم على عبادة ربهم.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عنبسة, عن العلاء بن عبد الكريم, عن يزيد بن مرّة الجعفي. قال: العلم خير من العمل, والحسنة بين السيئتين, يعني: إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا, وخير الأعمال أوساطها.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا مسلم بن إبراهيم, قال: ثنا كعب بن فروخ, قال: ثنا قتادة, عن مطرِّف بن عبد الله, قال: خير هذه الأمور أوساطها, والحسنة بين السيئتين. فقلت لقتادة: ما الحسنة بين السيئتين؟ فقال: ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ) ... الآية.

وقال آخرون: الإسراف هو أن تأكل مال غيرك بغير حق.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا سالم بن سعيد, عن أبي مَعْدان, قال: كنت عند عون بن عبد الله بن عتبة, فقال: ليس المسرف من يأكل ماله, إنما المسرف من يأكل مال غيره.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك, قول من قال: الإسراف في النفقة الذي عناه الله في هذا الموضع: ما جاوز الحدّ الذي أباحه الله لعباده إلى ما فوقه, والإقتار: ما قصر عما أمر الله به, والقوام: بين ذلك.

وإنما قلنا إن ذلك كذلك, لأن المسرف والمقتر كذلك، ولو كان الإسراف والإقتار في النفقة مرخصا فيهما ما كانا مذمومين, ولا كان المسرف ولا المقتر مذموما, لأن ما أذن الله في فعله فغير مستحقّ فاعله الذمّ.

فإن قال قائل: فهل لذلك من حدّ معروف تبينه لنا؟ قيل: نعم ذلك مفهوم في كلّ شيء من المطاعم والمشارب والملابس والصدقة وأعمال البرّ وغير ذلك, نكره تطويل الكتاب بذكر كلّ نوع من ذلك مفصلا غير أن جملة ذلك هو ما بيَّنا وذلك نحو أكل آكل من الطعام فوق الشبع ما يضعف بدنه, وينهك قواه ويشغله عن طاعة ربه, وأداء فرائضه؛ فذلك من السرف, وأن يترك الأكل وله إليه سبيل حتى يضعف ذلك جسمه وينهك قواه ويضعفه عن أداء فرائض ربه؛ فذلك من الإقتار وبين ذلك القوام على هذا النحو, كل ما جانس ما ذكرنا، فأما اتخاذ الثوب للجمال يلبسه عند اجتماعه مع الناس, وحضوره المحافل والجمع والأعياد دون ثوب مهنته, أو أكله من الطعام ما قوّاه على عبادة ربه, مما ارتفع عما قد يسدّ الجوع, مما هو دونه من الأغذية, غير أنه لا يعين البدن على القيام لله بالواجب معونته, فذلك خارج عن معنى الإسراف, بل ذلك من القوام, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ببعض ذلك, وحضّ على بعضه, كقوله: " مَا عَلى أحَدِكُمْ لَوْ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ: ثَوْبًا لِمِهْنَتِهِ, وَثَوْبًا لجُمْعَتِهِ وَعِيدِه " وكقوله: " إذَا أنْعَمَ اللهُ عَلَى عبْدٍ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَهَا عَلَيْهِ" وما أشبه ذلك من الأخبار التي قد بيَّناها في مواضعها.

وأما قوله: ( وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) فإنه النفقة بالعدل والمعروف على ما قد بيَّنا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا سفيان, عن أبي سليمان, عن وهب بن منبه, في قوله: ( وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) قال: الشطر من أموالهم.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: ( وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) النفقة بالحقّ.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) قال: القوام: أن ينفقوا في طاعة الله, ويمسكوا عن محارم الله.

قال: أخبرني إبراهيم بن نشيط, عن عمر مولى غُفْرة, قال: قلت له: ما القوام؟ قال: القوام: أن لا تنفق في غير حقّ, ولا تمسك عن حقّ هو عليك. والقوام في كلام العرب, بفتح القاف, وهو الشيء بين الشيئين. تقول للمرأة المعتدلة الخلق: إنها لحسنة القوام في اعتدالها, كما قال الحطيئة:

طَــافَتْ أُمَامَــةُ بالرُّكْبــانِ آونَـةً

يـا حُسْـنَهُ مِـنْ قَـوَام مـا وَمُنْتَقَبـا (9)

فأما إذا كسرت القاف فقلت: إنه قِوام أهله, فإنه يعني به: أن به يقوم أمرهم وشأنهم. وفيه لغات أُخَر, يقال منه: هو قيام أهله وقيّمهم في معنى قوامهم. فمعنى الكلام: وكان إنفاقهم بين الإسراف والإقتار قواما معتدلا لا مجاوزة عن حد الله, ولا تقصيرا عما فرضه الله, ولكن عدلا بين ذلك على ما أباحه جلّ ثناؤه, وأذن فيه ورخص.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( وَلَمْ يَقْتُرُوا ) فقرأته عامة قرّاء المدينة " ولمْ يُقْتروا " بضم الياء وكسر التاء من أقتر يَقْتِر. وقرأته عامة قرّاء الكوفيين ( وَلَمْ يَقْتُرُوا ) بفتح الياء وضم التاء من قتر يَقْتُر. وقرأته عامة قرّاء البصرة " وَلمْ يَقْتِروا " بفتح الياء وكسر التاء من قتر يَقْتِر.

والصواب من القول في ذلك, أن كل هذه القراءات على اختلاف ألفاظها لغات مشهورات في العرب, وقراءات مستفيضات وفي قرّاء الأمصار بمعنى واحد, فبأيتها قرأ القارئ فمصيب.

وقد بيَّنا معنى الإسراف والإقتار بشواهدهما فيما مضى في كتابنا في كلام العرب, فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وفي نصب القَوام وجهان: أحدهما ما ذكرت, وهو أن يجعل في كان اسم الإنفاق بمعنى: وكان إنفاقهم ما أنفقوا بين ذلك قواما: أي عدلا والآخر أن يجعل بين هو الاسم, فتكون وإن كانت في اللفظة نصبا في معنى رفع, كما يقال: كان دون هذا لك كافيا, يعني به: أقلّ من هذا كان لك كافيا, فكذلك يكون في قوله: ( وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) لأن معناه: وكان الوسط من ذلك قواما.

----------------------------

الهوامش :

(9) البيت للحطيئة : وآونة : جمع أوان . والقوام : حسن الطول . والمنتقب : مصدر ميمي بمعنى الانتقاب . يقول : إن أمامة كانت أحيانًا تطوف بالركبان ، فما أعدل قوامها ، وأحسن نقبتها . والنقاب : ما وضع على مارن الأنف من أغطية الوجه . والنقبة : هيئة الانتقاب به ، يقال : إن فلانة لحسنة النقبة . ويكون معنى القوام كذلك : الشيء الوسط بين الشيئين . وقد حمل عليه المؤلف معنى البيت .

المعاني :

يَقْتُرُوا :       يُضِيِّقُوا فِي النَّفَقَةِ السراج
لم يقتروا :       لم يُضيّقوا تضييق الأشحّاء معاني القرآن
قَوَامًا :       وَسَطًا السراج
قواما :       عدلا وسطا بين الطّرفين معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[67] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا﴾ فيه ذم الإسراف، والإقتار في النفقة، ومدح التوسط.
وقفة
[67] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾ جميع مسائل الاقتصاد راجعة إلى أصلين هما: اكتساب المال، وصرفه في مصارفه المعتبرة.
وقفة
[67] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾ قال النحاس: «ومن أحسن ما قيل في معناه: أن من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف، ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الإقتار، ومن أنفق في طاعة الله تعالى فهو القوام».
اسقاط
[67] من صفات عباد الرحمن: التوسط ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾، فما هو حالنا في أموالنا؟
وقفة
[67] لا يُسرِفوا في معصية، ولا يقتروا في منع حق من حقوق الله؛ قوامًا: أي معتدلًا ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾.
وقفة
[67] يجب أن يعاد النظر في كثير من عادتنا على ضوء: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾.
وقفة
[67] في مدح الأخيار: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾، فحسن التدبير في كسب الأرزاق، وحسن التدبير في الإنفاق والتصريف والحفظ.
وقفة
[67] ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ يعني تكون نفقته وسطًا، هذا هو المشروع، هذا هو وصف عباد الرحمن أهل الخير والإيمان، لا يسرفون في النفقات، ولا يبخلون، ولكن وسط.
وقفة
[67] ﴿وَالَّذينَ إِذا أَنفَقوا لَم يُسرِفوا وَلَم يَقتُروا وَكانَ بَينَ ذلِكَ قَوامًا﴾ الوسطية.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ إِذا:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه متعلق بجوابه اداة شرط‍ غير جازمة.
  • ﴿ أَنْفَقُوا:
  • الجملة الفعلية في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف. وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ لَمْ يُسْرِفُوا:
  • الجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يسرفوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف فارقة. بمعنى:الذين اذا انفقوا اعتدلوا في الانفاق. وقيل الاسراف انما هو الانفاق في المعاصي. فاما في القرب فلااسراف. اي فلا مجاوزة الحد في النفقة.
  • ﴿ وَلَمْ يَقْتُرُوا:
  • معطوفة بالواو على لَمْ يُسْرِفُوا» وتعرب اعرابها. بمعنى: ولم يضيقوا.
  • ﴿ وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ:
  • الواو استئنافية بمعنى «بل».كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو اي الانفاق. بين:ظرف مكان متعلق بخبر كانَ» منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة.اللام للبعد والكاف للخطاب. بمعنى: كان انفاقهم بين الاسراف والافتقار وسطا.
  • ﴿ قَواماً:
  • اي وسطا وعدلا: خبر كانَ» منصوب بالفتحة الظاهرة. ويجوز ان يكون بَيْنَ ذلِكَ» خبر كانَ» و قَااماً» خبرا ثانيا لها. او تكون بَيْنَ ذلِكَ» خبر كانَ» و قَااماً» حالا.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [67] لما قبلها :     5- الاعتدالُ في النفقة، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يفتروا:
1- بفتح الياء وضم التاء، وهى قراءة الحسن، وطلحة، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وعاصم.
وقرئ:
2- بفتح الياء وكسر التاء، وهى قراءة مجاهد، وابن كثير، وأبى عمرو.
3- بضم الياء وكسر التاء مشددة، وهى قراءة، نافع، وابن عامر.
قواما:
وقرئ:
بالكسر،، وهى قراءة حسان بن عبد الرحمن.

البحث بالسورة

البحث في المصحف