ترتيب المصحف | 15 | ترتيب النزول | 54 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 5.50 |
عدد الآيات | 99 | عدد الأجزاء | 0.25 |
عدد الأحزاب | 0.50 | عدد الأرباع | 2.00 |
ترتيب الطول | 40 | تبدأ في الجزء | 14 |
تنتهي في الجزء | 14 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 9/29 | آلر: 5/5 |
بعدَ بيانِ تكذيبِهم واستهزائِهم بالرسلِ دعَاهم هنا للتَّأملِ والنَّظَرِ في السماءِ والأرضِ والاستدلالِ بهما على الوحدانيةِ، ثُمَّ عَدَّدَ اللهُ نعمَه الكثيرةَ على الإنسانِ ليشكرَه عليها.
قريبًا إن شاء الله
تكملةُ المقطعِ السابقِ، ثُمَّ القصَّةُ الأولى في هذه السورةِ: قصَّةُ خلقِ آدمَ عليه السلام من طينٍ يابسٍ، وأمرُ الملائكةِ بالسجودِ له، فسجدُوا إلا إبليسَ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
يقول تعالى -مبينا كمال اقتداره ورحمته بخلقه-:{ ولقد جعلنا في السماء بروجا} أي:نجوما كالأبراج والأعلام العظام يهتدى بها في ظلمات البر والبحر،{ وزيناها للناظرين} فإنه لولا النجوم لما كان للسماء هذا المنظر البهي والهيئة العجيبة، وهذا مما يدعو الناظرين إلى التأمل فيها والنظر في معانيها والاستدلال بها على باريها.
قال الإمام القرطبي ما ملخصه: لما ذكر- سبحانه- كفر الكافرين، وعجز أصنامهم، ذكر كمال قدرته ليستدل بها على وحدانيته.
والبروج: القصور والمنازل. قال ابن عباس. أى جعلنا في السماء بروج الشمس والقمر، أى: منازلهما. وأسماء هذه البروج: الحمل والثور والجوزاء والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدى، والدلو، والحوت.
والعرب تعد المعرفة لمواقع النجوم وأبوابها من أجل العلوم، ويستدلون بها على الطرقات والأوقات والخصب والجدب ...
وقال الحسن وقتادة: البروج: النجوم، وسميت بذلك لظهورها وارتفاعها ...
وقيل البروج: الكواكب العظام ... .
قال بعض العلماء ومرجع الأقوال كلها إلى شيء واحد، لأن أصل البروج في اللغة الظهور، ومنه تبرج المرأة، بإظهار زينتها، فالكواكب ظاهرة، والقصور ظاهرة، ومنازل الشمس والقمر كالقصور بجامع أن الكل محل ينزل فيه.. .
وجَعَلْنا أى خلقنا وأبدعنا، فيكون قوله فِي السَّماءِ متعلقا به، وجوز أن يكون بمعنى التصيير، فيكون قوله. في السماء. متعلقا بمحذوف على أنه مفعول ثان له وبُرُوجاً هو المفعول الأول.
أى: ولقد خلقنا وأبدعنا منازل وطرقا في السماء، تسير فيها الكواكب بقدراتنا، وإرادتنا، وحكمتنا، دون خلل أو اضطراب.
وفي ذلك الخلق ما فيه من منافع لكم، حيث تستعملون هذه البروج في ضبط المواقيت وفي تحديد الجهات، وفي غير ذلك من المنافع، كما قال- تعالى- هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً، وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ، لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ، ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ .
وافتتح- سبحانه- الآية الكريمة بلام القسم وقد، تنزيلا للمخاطبين الذاهلين عن الالتفات إلى مظاهر قدرة الله- تعالى- منزلة المنكرين، فأكد لهم الكلام بمؤكدين لينتبهوا ويعتبروا.
والضمير في قوله وَزَيَّنَّاها ... يعود إلى السماء. أى: وزينا السماء بتلك البروج المختلفة الأشكال والأضواء، لتكون جميلة في عيون الناظرين إليها، وآية للمتفكرين في دلائل قدرة الله- تعالى- وبديع صنعه.
وهذه الجملة الكريمة، تلفت الأنظار إلى أن الجمال غاية مقصودة في خلق هذا الكون، كما تشعر المؤمنين بأن من الواجب عليهم أن يجعلوا حياتهم مبنية على الجمال في الظاهر وفي الباطن، تأسيا بسنة الله- تعالى- في خلق هذا الكون.
يذكر تعالى خلقه السماء في ارتفاعها وما زينها به من الكواكب الثواقب لمن تأملها ، وكرر النظر فيها ، يرى فيها من العجائب والآيات الباهرات ، ما يحار نظره فيه . ولهذا قال مجاهد وقتادة : البروج هاهنا هي : الكواكب .
قلت : وهذا كقوله تعالى : ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ) [ الفرقان : 61 ] ومنهم من قال : البروج هي : منازل الشمس والقمر .
وقال عطية العوفي : البروج هاهنا : هي قصور الحرس
وجعل الشهب حرسا لها من مردة الشياطين ، لئلا يسمعوا إلى الملأ الأعلى ، فمن تمرد منهم [ وتقدم ] لاستراق السمع ، جاءه ( شهاب مبين ) فأتلفه ، فربما يكون قد ألقى الكلمة التي سمعها قبل أن يدركه الشهاب إلى الذي هو دونه ، فيأخذها الآخر ، ويأتي بها إلى وليه ، كما جاء مصرحا به في الصحيح ، كما قال البخاري في تفسير هذه الآية :
حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان عن عمرو ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان " . قال علي : وقال غيره : صفوان ينفذهم ذلك ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الذي قال : الحق ، وهو العلي الكبير . فيسمعها مسترقو السمع ، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر - ووصف سفيان بيده ففرج بين أصابع يده اليمنى ، نصبها بعضها فوق بعض - فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه ، وربما لم يدركه [ حتى ] يرمي بها إلى الذي يليه ، [ إلى الذي ] هو أسفل منه ، حتى يلقوها إلى الأرض - وربما قال سفيان : حتى تنتهي إلى الأرض فتلقى على فم الساحر - أو : الكاهن - فيكذب معها مائة كذبة فيقولون : ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا ، فوجدناه حقا ؟ للكلمة التي سمعت من السماء "
يقول تعالى ذكره: ولقد جعلنا في السماء الدنيا منازل للشمس والقمر، وهي كواكب ينـزلها الشمس والقمر ( وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ) يقول: وزينا السماء بالكواكب لمن نظر إليها وأبصرها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ) قال: كواكب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ) وبروجها: نجومها.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( بُرُوجا ) قال: الكواكب.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وحفظناها من كل شيطان رجيم} إذا استرق السمع أتبعته الشهب الثواقب فبقيت السماء ظاهرها مجملا بالنجوم النيرات وباطنها محروسا ممنوعا من الآفات.
ثم وضح- سبحانه- بأن هذا التزيين للسماء، مقرون بالحفظ والصيانة والطهارة من كل رجس فقال- تعالى- وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ.
والمراد بالشيطان هنا: المتمرد من الجن، مشتق من شطن بمعنى بعد، إذ الشيطان بعيد بطبعه عن كل خير.
والرجيم، أى المرجوم المحقر، مأخوذ من الرجم، لأن العرب كانوا إذا احتقروا أحدا رجموه بالقطع من الحجارة، وقد كان العرب يرجمون قبر أبى رغال الثقفي، الذي أرشد جيش الحبشة إلى مكة لهدم الكعبة. قال جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه ... كما ترمون قبر أبى رغال
والمعنى: ولقد جعلنا في السماء منازل وطرقا للكواكب، وزيناها- أى السماء- للناظرين إليها، وحفظناها من كل شيطان محقر مطرود من رحمتنا بأن منعناه من الاستقرار فيها، ومن أن ينفث فيها شروره ومفاسده، لأنها موطن الأخيار الأطهار.
قال- تعالى-: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ .
وقال- تعالى-: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ.... .
قال عطية العوفي : البروج هاهنا : هي قصور الحرس
وجعل الشهب حرسا لها من مردة الشياطين ، لئلا يسمعوا إلى الملأ الأعلى ، فمن تمرد منهم [ وتقدم ] لاستراق السمع ، جاءه ( شهاب مبين ) فأتلفه ، فربما يكون قد ألقى الكلمة التي سمعها قبل أن يدركه الشهاب إلى الذي هو دونه ، فيأخذها الآخر ، ويأتي بها إلى وليه ، كما جاء مصرحا به في الصحيح ، كما قال البخاري في تفسير هذه الآية :
حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان عن عمرو ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان " . قال علي : وقال غيره : صفوان ينفذهم ذلك ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الذي قال : الحق ، وهو العلي الكبير . فيسمعها مسترقو السمع ، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر - ووصف سفيان بيده ففرج بين أصابع يده اليمنى ، نصبها بعضها فوق بعض - فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه ، وربما لم يدركه [ حتى ] يرمي بها إلى الذي يليه ، [ إلى الذي ] هو أسفل منه ، حتى يلقوها إلى الأرض - وربما قال سفيان : حتى تنتهي إلى الأرض فتلقى على فم الساحر - أو : الكاهن - فيكذب معها مائة كذبة فيقولون : ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا ، فوجدناه حقا ؟ للكلمة التي سمعت من السماء "
يقول تعالى ذكره: وحفظنا السماء الدنيا من كلّ شيطان لعين قد رجمه الله ولعنه .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الحجر: 17 | ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ﴾ |
---|
التكوير: 25 | ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ إلا من استرق السمع} أي:في بعض الأوقات قد يسترق بعض الشياطين السمع بخفية واختلاس،{ فأتبعه شهاب مبين} أي:بين منير يقتله أو يخبله. فربما أدركه الشهاب قبل أن يوصلها الشيطان إلى وليه فينقطع خبر السماء عن الأرض، وربما ألقاها إلى وليه قبل أن يدركه الشهاب فيضمُّها ويكذب معها مائة كذبة، ويستدل بتلك الكلمة التي سمعت من السماء.
وقوله- سبحانه-: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ في محل نصب على الاستثناء واستراق السمع: اختلاسه وسرقته، والمراد به: الاستماع إلى المتحدث خفية، حتى لكأن المستمع يسرق من المتكلم كلامه الذي يخفيه عنه، فالسمع هنا بمعنى المسموع من الكلام.
والشهاب: هو الشعلة الساطعة من النار، المنفصلة من الكواكب التي ترى في السماء ليلا، كأنها كوكب ينقض بأقصى سرعة. وجمعه شهب.. أصله من الشهبة، وهي بياض مختلط بسواد.
ومُبِينٌ أى ظاهر واضح للمبصرين.
والاستثناء منقطع، فيكون المعنى: وحفظنا السماء من كل شيطان رجيم لكن من اختلس السمع من الشياطين، بأن حاول الاقتراب منها، فإنه يتبعه شهاب واضح للناظرين فيحرقه، أو يحول بينه وبين استراق السمع.
قال القرطبي: قوله- تعالى-: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ أى.
لكن من استرق السمع، أى الخطفة اليسيرة، فهو استثناء منقطع.
وقيل: هو متصل، أى: إلا ممن استرق السمع. أى: حفظنا السماء من الشياطين أن تسمع شيئا من الوحى وغيره، إلا من استرق السمع فإنا لم نحفظها منه أن تسمع الخبر من أخبار السماء سوى الوحى، فأما الوحى فلا تسمع منه شيئا لقوله- تعالى- إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ.
وإذا استمع الشياطين إلى شيء ليس بوحي، فإنهم يقذفونه إلى الكهنة في أسرع من طرفة عين، ثم تتبعهم الشهب فتقتلهم أو تخبلهم.. .
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ. وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ. لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ. إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ .
قال بعض العلماء ما ملخصه: والمقصود منع الشياطين من الاطلاع على ما أراد الله عدم اطلاعهم عليه.. وربما استدرج الله- تعالى- الشياطين وأولياءهم، فلم يمنع الشياطين من استراق شيء قليل يلقونه إلى الكهان فلما أراد- سبحانه- عصمة الوحى منعهم من ذلك بتاتا..
وفي سورة الجن دلالة على أن المنع الشديد من استراق السمع كان بعد البعثة النبوية، وبعد نزول القرآن، إحكاما لحفظ الوحى من أن يلتبس على الناس بالكهانة..
قال- تعالى-: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ، فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً .
وعلى ذلك يكون ما جاء في بعض الأحاديث من استراق الجن السمع- وصفا للكهانة السابقة، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم «ليسوا بشيء ... » وصفا لآخر أمرهم..
ففي صحيح البخاري عن عائشة: أن ناسا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهانة، فقال: «ليسوا بشيء» . - أى لا وجود لما يزعمونه- فقيل- يا رسول الله، فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء فيكون حقا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فيقرّها في أذن وليه قرّ الدجاجة- أى فيلقيها بصوت خافت كالدجاجة عند ما تخفى صوتها- فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة» .
وجعل الشهب حرسا لها من مردة الشياطين ، لئلا يسمعوا إلى الملأ الأعلى ، فمن تمرد منهم [ وتقدم ] لاستراق السمع ، جاءه ( شهاب مبين ) فأتلفه ، فربما يكون قد ألقى الكلمة التي سمعها قبل أن يدركه الشهاب إلى الذي هو دونه ، فيأخذها الآخر ، ويأتي بها إلى وليه ، كما جاء مصرحا به في الصحيح ، كما قال البخاري في تفسير هذه الآية :
حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان عن عمرو ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان " . قال علي : وقال غيره : صفوان ينفذهم ذلك ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الذي قال : الحق ، وهو العلي الكبير . فيسمعها مسترقو السمع ، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر - ووصف سفيان بيده ففرج بين أصابع يده اليمنى ، نصبها بعضها فوق بعض - فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه ، وربما لم يدركه [ حتى ] يرمي بها إلى الذي يليه ، [ إلى الذي ] هو أسفل منه ، حتى يلقوها إلى الأرض - وربما قال سفيان : حتى تنتهي إلى الأرض فتلقى على فم الساحر - أو : الكاهن - فيكذب معها مائة كذبة فيقولون : ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا ، فوجدناه حقا ؟ للكلمة التي سمعت من السماء "
( إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ) يقول لكن قد يسترق من الشياطين السمع مما يحدث في السماء بعضها، فيتبعه شهاب من النار مبين ، يبين أثره فيه، إما بإخباله وإفساده ، أو بإحراقه.
وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول في قوله ( إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ) هو استثناء خارج، كما قال: ما أشتكي إلا خيرا، يريد: لكن أذكر خيرا. وكان ينكر ذلك من قيله بعضهم، ويقول: إذا كانت إلا بمعنى لكن عملت عمل لكن، ولا يحتاج إلى إضمار أذكر، ويقول: لو احتاج الأمر كذلك إلى إضمار أذكر احتاج قول القائل: قام زيد لا عمرو إلى إضمار أذكر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا الأعمش عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: تصعد الشياطين أفواجا تسترق السمع، قال: فينفرد المارد منها فيعلو، فيرمى بالشهاب ، فيصيب جبهته أو جنبه ، أو حيث شاء الله منه ، فيلتهب فيأتي أصحابه وهو يلتهب، فيقول: إنه كان من الأمر كذا وكذا ، قال: فيذهب أولئك إلى إخوانهم من الكهنة، فيزيدون عليه أضعافه من الكذب، فيخبرونهم به، فإذا رأوا شيئا مما قالوا قد كان صدّقوهم بما جاءوهم به من الكذب.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله ( وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ) قال: أراد أن يخطف السمع، وهو كقوله إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ) وهو نحو قوله إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله ( إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ) قال: خطف الخطفة.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله ( إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ) هو كقوله إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ كان ابن عباس يقول: إن الشهب لا تقتل ولكن تحرق وتخبل (1) وتجرح من غير أن تقتل.
حدثني الحارث، قال: ثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ( مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ) قال: الرجيم: الملعون ، قال: وقال القاسم عن الكسائي: إنه قال: الرجم في جميع القرآن: الشتم.
------------------------
الهوامش:
(1) الخبل والتخبيل : إفساد الأعضاء ، حتى لا يدري كيف يمشي ، فهو متخبل خبل . ( اللسان ) .
المعاني :
التدبر :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ والأرض مددناها} أي:وسعناها سعة يتمكن الآدميون والحيوانات كلها على الامتداد بأرجائها والتناول من أرزاقها والسكون في نواحيها.
{ وألقينا فيها رواسي} أي:جبالا عظاما تحفظ الأرض بإذن الله أن تميد وتثبتها أن تزول{ وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} أي:نافع متقوم يضطر إليه العباد والبلاد ما بين نخيل وأعناب وأصناف الأشجار وأنواع النبات.
وبعد أن بين- سبحانه- بعض الدلائل السماوية الدالة على قدرته ووحدانيته، أتبع ذلك ببيان بعض الدلائل الأرضية فقال- تعالى-: وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ، وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ. وقوله: رَواسِيَ من الرسو وهو ثبات الأجسام الثقيلة. يقال رسا الشيء يرسو أى ثبت.
أى: ومن الأدلة- أيضا- على وحدانيتنا وقدرتنا، أننا مددنا الأرض وفرشناها وبسطناها، لتتيسر لكم الحياة عليها قال- تعالى- وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ .
وأننا- أيضا وضعنا فيها جبالا ثوابت راسخات تمسكها عن الاضطراب وعن أن تميد بكم. قال- تعالى-: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها، وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ... .
وأننا- أيضا- أنبتنا في الأرض من كل شيء مَوْزُونٍ أى: مقدر بمقدار معين وموزون بميزان الحكمة، بحيث تتوفر فيه كل معاني الجمال والتناسق.
قال- تعالى-: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ .
ثم ذكر تعالى خلقه الأرض ومده إياها وتوسيعها وبسطها وما جعل فيها من الجبال الرواسي والأودية والأراضي والرمال وما أنبت فيها من الزروع والثمار المتناسبة وقال ابن عباس " من كل شيء موزون " أي معلوم وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة وأبو مالك ومجاهد والحكم بن عيينة والحسن بن محمد وأبو صالح وقتادة ومنهم من قول مقدر بقدر وقال ابن زيد من كل شيء يوزن ويقدر بقدر وقال ابن زيد ما يزنه أهل الأسواق.
يعني تعالى ذكره بقوله ( وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا ) والأرض دحوناها فبسطناها( وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ) يقول: وألقينا في ظهورها رَوَاسِي، يعني جبالا ثابتة.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا ). وقال في آية أخرى وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا وذُكر لنا أن أمّ القرى مكة، منها دُحيت الأرض ، قوله ( وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ) رواسيها: جبالها. يقول: وألقينا في ظهورها رواسي، يعني جبالا ثابتة، وقد بيَّنا معنى الرسوّ فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته. وقوله ( وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) يقول: وأنبتنا في الأرض من كلّ شيء: يقول: من كلّ شيء مقدّر، وبحدّ معلوم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) يقول: معلوم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: تني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) يقول: معلوم.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، أو عن أبي مالك، في قوله ( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) قال: بقدر.
حدثنا المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح أو عن أبي مالك، مثله.
حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة ( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) قال: بقدْر.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عليّ، يعني ابن الجعد، قال: أخبرنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة ( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) قال: بقدْر.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، قال: بقدْر.
حدثنا أحمد، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن سعيد بن جبير ( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) قال: معلوم.
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا عبد الله بن يونس، قال: سمعت الحكم بن عتيبة وسأله أبو مخزوم عن قوله ( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) قال: من كلّ شيء مقدور.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عبد الله بن يونس، قال: سمعت الحكم، وسأله أبو عروة عن قول الله عزّ وجلّ( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) قال: من كلّ شيء مقدور ، هكذا قال الحسن ، وسأله أبو عروة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) قال: مقدور بقدْر.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) قال: مقدور بقدْر.
حدثني المثنى، قال: ثنا عليّ بن الهيثم، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: مقدور بقدْر.
حدثنا المثنى، قال: ثنا عليّ بن الهيثم، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح ( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) قال: بقدْر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) يقول: معلوم.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) يقول: معلوم.
وكان بعضهم يقول: معنى ذلك وأنبتنا في الجبال من كلّ شيء موزون: يعني من الذهب والفضة والنحاس والرصاص ونحو ذلك من الأشياء التي توزن.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) قال: الأشياء التي توزن.
وأولى القولين عندنا بالصواب القول الأوّل لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الحجر: 19 | ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ﴾ |
---|
ق: 7 | ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وجعلنا لكم فيها معايش} من الحرث ومن الماشية ومن أنواع المكاسب والحرف.{ ومن لستم له برازقين} أي:أنعمنا عليكم بعبيد وإماء وأنعام لنفعكم ومصالحكم وليس عليكم رزقها، بل خولكم الله إياها وتكفل بأرزاقها.
وأننا- كذلك- جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ... والمعايش: جمع معيشة، وهي في الأصل مصدر عاش يعيش عيشا وعيشة ومعاشا، ومعيشة، إذا صار ذا حياة. ثم استعمل هذا اللفظ فيما يعاش به، أو فيما يتوصل به إلى العيش.
أى: وجعلنا لكم في الأرض ما تعيشون به من المطاعم والمشارب والملابس وغيرها، مما تقتضيه ضرورات الحياة التي تحيونها.
وجملة وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ معطوفة على «معايش» .
والمراد بمن لستم له برازقين: ما يشمل الأطفال والعجزة والأنعام وغير ذلك من مخلوقات الله التي تحتاج إلى العون والمساعدة.
أى: وجعلنا لكم في الأرض ما تعيشون به أو ما تتوصلون به إلى ذلك من المكاسب والتجارات، وجعلنا لكم فيها- أيضا- من لستم له برازقين من العيال والخدم والدواب ...
وإنما الرازق لهم هو الله- تعالى- رب العالمين، إذ ما من دابة في الأرض إلا على الله وحده رزقها. وما يزعمه الجاهلون من أنهم هم الرازقون لغيرهم، هو لون من الغرور والافتراء، لأن الرازق للجميع هو الله رب العالمين.
وعبر بمن في قوله وَمَنْ لَسْتُمْ تغليبا للعقلاء على غيرهم.
قال الإمام ابن كثير: والمقصود- من هذه الجملة- أنه- تعالى- يمتن عليهم بما يسر لهم من أسباب المكاسب ووجوه الأسباب، وصنوف المعاشات وبما سخر لهم من الدواب التي يركبونها. والأنعام التي يأكلونها، والعبيد والإماء التي يستخدمونها، ورزقهم على خالقهم لا عليهم، فلهم هم المنفعة، والرزق على الله- تعالى-» .
وقوله " وجعلنا لكم فيها معايش " يذكر تعالى أنه صرفهم في الأرض فى صنوف الأسباب والمعايش وهي جمع معيشة وقوله " ومن لستم له برازقين " قال مجاهد هي الدواب والأنعام وقال ابن جرير هم العبيد والإماء والدواب والأنعام والقصد أنه تعالى يمتن عليهم بما يسر لهم من أسباب المكاسب ووجوه الأسباب وصنوف المعايش وبما سخر لهم من الدواب التي يركبونها والأنعام التي يأكلونها والعبيد والإماء التي يستخدمونها ورزقهم على خالقهم لا عليهم فلهم هم المنفعة والرزق على الله تعالى.
يقول تعالى ذكره: ( وَجَعَلْنَا لَكُمْ ) أيها الناس في الأرض ( مَعَايِشَ ) ، وهي جمع معيشة ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ).
اختلف أهل التأويل في المعني في قوله ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) فقال بعضهم: عني به الدوابّ والأنعام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسين قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله جمعيا، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) الدوابّ والأنعام.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
وقال آخرون: عني بذلك: الوحش خاصة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور (2) في هذه الآية ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) قال: الوحش ، فتأويل " مَنْ" في: ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) على هذا التأويل بمعنى ما، وذلك قليل في كلام العرب.
وأولى ذلك بالصواب، وأحسن أن يقال: عني بقوله ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) من العبيد والإماء والدوابّ والأنعام. فمعنى ذلك: وجعلنا لكم فيها معايش. والعبيدَ والإماء والدوابَّ والأنعام ، وإذا كان ذلك كذلك، حسن أن توضع حينئذ مكان العبيد والإماء والدوابّ " من "، وذلك أن العرب تفعل ذلك إذا أرادت الخبر عن البهائم معها بنو آدم. وهذا التأويل على ما قلناه وصرفنا إليه معنى الكلام إذا كانت " من " في موضع نصب عطفا به على معايش بمعنى: جعلنا لكم فيها معايش، وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين. وقيل: إنّ " من " في موضع خفض عطفا به على الكاف والميم في قوله ( وَجَعَلْنَا لَكُمْ ) بمعنى: وجعلنا لكم فيها معايش ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) وأحسب أن منصورا (3) في قوله: هو الوحش قصد هذا المعنى وإياه أراد، وذلك وإن كان له وجه في كلام العرب ، فبعيد قليل، لأنها لا تكاد تظاهر على معنى في حال الخفض، وربما جاء في شعر بعضهم في حال الضرورة، كما قال بعضهم:
هَـلا سـألْتَ بـذِي الجَمـاجِمِ عنهُـمُ
وأبــي نَعِيـمٍ ذي اللِّـوَاءِ المُخْـرَقِ (4)
فردّ أبا نعيم على الهاء والميم في عنهم ، وقد بيَّنت قبح ذلك في كلامهم.
------------------------
الهوامش:
(2) منصور الذي يروي عنه شعبة بن الحجاج : هو منصور بن عبد الرحمن التميمي الغداني ( بضم الغين ) عن الشعبي ، وعنه وشعبة وابن علية ، وثقه ابن معين وأحمد وأبو داود ، وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ، يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال النسائي : ليس بقوي ، وفي كلام الفراء الذي نقلناه تحت الشاهد " هلا سألت " إشارة إلى روايته هناك ، بقوله " وقد جاء أنهم الوحوش ... الخ " . ( وانظر خلاصة الخزرجي ) .
(3) انظر الكلام عليه في هامش ص 17 .
(4) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( ص 167 من مصورة الجامعة ) . قال : وقوله " وجعلنا لكم فيها معايش " : أراد الأرض " ومن لستم له برازقين " فمن في موضع نصب ، يقول : جعلنا لكم فيها معايش والعبيد والإماء ، وقد جاء أنهم الوحوش والبهائم ، ومن : لا يفرد بها البهائم ، ولا ما سوى الناس ، فإن يكن ذلك على ما روى فنرى أن أدخل فيهم المماليك ، على أنا ملكناكم العبيد والإبل والغنم وما أشبه ذلك ، مجاز ذلك ، وقد يقال إن " من " في موضع خفض ، يراد جعلنا لكم فيها معايش ولمن . وما أقل ما ترد العرب لمخفوض قد كني عنه ، وقد قال الشاعر :
نعلــق فـي مثـل الـواري سـيوفنا
ومـا بينهـا والكـعب غـوط نفـانف
فرد الكعب على بينها . وقال الآخر : هلا سألت ... البيت ، فرد " أبي نعيم " على الهاء في عنهم .
قلت : وهذا الموضع الذي أشار إليه الفراء ، وهو عطف اسم مخفوض على ضمير هو قوله تعالى " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " من سورة النساء .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 10 | ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾ |
---|
الحجر: 20 | ﴿ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
معايش:
وقرئ:
معائش، بالهمز، وهى قراءة الأعرج، وخارجة عن نافع.
التفسير :
أي:جميع الأرزاق وأصناف الأقدار لا يملكها أحد إلا الله، فخزائنها بيده يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، بحسب حكمته ورحمته الواسعة،{ وَمَا نُنَزِّلُهُ} أي:المقدر من كل شيء من مطر وغيره،{ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} فلا يزيد على ما قدره الله ولا ينقص منه.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن كل شيء في هذا الكون، خاضع لإرادته وقدرته، وتصرفه.. فقال- تعالى- وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ، وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.
و «إن» نافية بمعنى ما، و «من» مزيدة للتأكيد. و «خزائنه» جمع خزانة، وهي في الأصل تطلق على المكان الذي توضع فيه نفائس الأموال للمحافظة عليها.
والمعنى: وما من شيء من الأشياء الموجودة في هذا الكون، والتي يتطلع الناس إلى الانتفاع بها. إلا ونحن قادرون على إيجادها وإيجاد أضعافها بلا تكلف أو إبطاء، كما قال- تعالى-: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
فقد شبه- سبحانه- اقتداره على إيجاد كل شيء، بالخزائن المودعة فيها الأشياء، والمعدة لإخراج ما يشاء إخراجه منها بدون كلفة أو إبطاء.
والمراد بالإنزال في قوله وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. الإيجاد والإخراج إلى هذه الدنيا، مع تمكين الناس من الحصول عليه.
أى: وما نخرج هذا الشيء إلى حيز الوجود بحيث يتمكن الناس من الانتفاع به إلا ملتبسا بمقدار معين، وفي وقت محدد، تقتضيه حكمتنا، وتستدعيه مشيئتنا، ويتناسب مع حاجات العباد وأحوالهم، كما قال- تعالى- وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ، إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ .
يخبر - تعالى - أنه مالك كل شيء ، وأن كل شيء سهل عليه ، يسير لديه ، وأن عنده خزائن الأشياء من جميع الصنوف ، ( وما ننزله إلا بقدر معلوم ) كما يشاء وكما يريد ، ولما له في ذلك من الحكمة البالغة ، والرحمة بعباده ، لا على [ وجه ] الوجوب ، بل هو كتب على نفسه الرحمة .
قال يزيد بن أبي زياد ، عن أبي جحيفة ، عن عبد الله : ما من عام بأمطر من عام ، ولكن الله يقسمه حيث شاء عاما هاهنا ، وعاما هاهنا . ثم قرأ : ( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ) رواه ابن جرير
وقال أيضا : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسن حدثنا هشيم ، أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الحكم بن عتيبة في قوله : ( وما ننزله إلا بقدر معلوم ) قال : ما عام بأكثر مطرا من عام ولا أقل ، ولكنه يمطر قوم ويحرم آخرون وربما كان في البحر . قال : وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم ، يحصون كل قطرة حيث تقع وما تنبت
وقال البزار : حدثنا داود - وهو ابن بكر التستري - حدثنا حبان بن أغلب بن تميم ، حدثني أبي ، عن هشام ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " خزائن الله الكلام ، فإذا أراد شيئا قال له : كن ، فكان "
ثم قال : لا يرويه إلا أغلب ، ولم يكن بالقوي ، وقد حدث عنه غير واحد من المتقدمين ، ولم يروه عنه إلا ابنه .
يقول تعالى ذكره: وما من شيء من الأمطار إلا عندنا خزائنه ، وما ننـزله إلا بقدر لكل أرض معلوم عندنا حدّه ومبلغه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا يزيد بن أبي زياد، عن رجل، عن عبد الله، قال: ما من أرض أمطر من أرض، ولكن الله يقدره في الأرض ، ثم قرأ ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنـزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ).
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي جحيفة، عن عبد الله، قال: ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه عمن يشاء ، ثم قال ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنـزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ).
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي، قال: ثنا علي بن مسهر، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي جحيفة، عن عبد الله بن مسعود: ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يقسمه حيث شاء، عاما هاهنا وعاما هاهنا ، ثم قرأ ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنـزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ).
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ) قال: المطر خاصة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الحكم بن عتيبة، في قوله ( وَمَا نُنـزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) قال: ما من عام بأكثر مطرا من عام ولا أقل، ولكنه يمطر قوم ، ويُحرم آخرون، وربما كان في البحر ، قال: وبلغنا أنه ينـزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم يحصون كلّ قطرة حيث تقع وما تُنبت.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:وسخرنا الرياح، رياح الرحمة تلقح السحاب، كما يلقح الذكر الأنثى، فينشأ عن ذلك الماء بإذن الله، فيسقيه الله العباد ومواشيهم وأرضهم، ويبقى في الأرض مدخرا لحاجاتهم وضروراتهم ما هو مقتضى قدرته ورحمته،{ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} أي:لا قدرة لكم على خزنه وادخاره، ولكن الله يخزنه لكم ويسلكه ينابيع في الأرض رحمة بكم وإحسانا إليكم.
ثم انتقل- سبحانه- من الاستدلال على وحدانيته وقدرته بظواهر السماء وبظواهر الأرض، إلى الاستدلال على ذلك بظواهر الرياح والأمطار فقال- تعالى-: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ والآية الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك: وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وما بينهما اعتراض لتحقيق ما سبق ذكره من النعم.
والمراد بإرسال الرياح هنا: نقلها من مكان إلى آخر بقدرة الله- تعالى- وحكمته.
وقوله لَواقِحَ يصح أن يكون جمع لاقح. وأصل اللاقح: الناقة التي قبلت اللقاح فحملت الجنين في بطنها..
ووصف- سبحانه- الرياح بكونها لواقح. لأنها حوامل تحمل ما يكون سببا في نزول الأمطار كما تحمل النوق الأجنة في بطونها.
أى: وأرسلنا بقدرتنا ورحمتنا الرياح حاملة للسحاب وللأمطار ولغيرهما، مما يعود على الناس بالنفع والخير والبركة.
ويصح أن يكون لفظ «لواقح» جمع ملقح- اسم فاعل- وهو الذي يلقح غيره، فتكون الرياح ملقحة لغيرها كما يلقح الذكر الأنثى.
قال الإمام ابن كثير: قوله وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ أى: تلقح السحب فتدر ماء، وتلقح الأشجار فتتفتح عن أوراقها وأكمامها.
وقال بعض العلماء: ومعنى الإلقاح أن الرياح تلقح السحاب بالماء بتوجيه عمل الحرارة والبرودة متعاقبين، فينشأ عن ذلك البخار الذي يصير ماء في الجو، ثم ينزل مطرا على الأرض، وأنها تلقح الشجر ذا الثمرة، بأن تنقل إلى نوره غبرة دقيقة من نور الشجر الذكر، فتصلح ثمرته أو تثبت..
وهذا هو الإبار. وبعضه لا يحصل إلا بتعليق الطلع الذكر على الشجرة المثمرة. وبعضه يكتفى منه بغرس شجرة ذكر في خلال شجر الثمر.
ومن بلاغة الآية الكريمة، إيراد هذا الوصف- لواقح- لإفادة كلا العملين اللذين تعملهما الرياح- وهما الحمل للسحاب والمطر وغيرهما، أو التلقيح لغيرها-.» .
وقوله فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ.. تفريع على ما تقدم.
أى: وأرسلنا الرياح بقدرتنا من مكان إلى آخر، حالة كونها حاملة للسحاب وغيره، فأنزلنا- بسبب هذا الحمل- من جهة السماء، ماء كثيرا هو المطر، لتنتفعوا به في شرابكم، وفي معاشكم، وفي غير ذلك من ضرورات حياتكم.
قال- تعالى-: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ، وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ... .
وقوله وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ تتميم لنعمة إنزال الماء.
أى: أنزلنا المطر من السماء، وليست خزائنه عندكم. وإنما نحن الخازنون له، ونحن الذين ننزله متى شئنا، ونحن الذين نمنعه متى شئنا، كما قال- تعالى- قبل ذلك: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.
ويصح أن يكون المعنى: أنزلنا المطر من السماء فجعلناه لسقياكم، وأنتم لستم بقادرين على خزنه وحفظه في الآبار والعيون وغيرها، وإنما نحن القادرون على ذلك. قال- تعالى- وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ .
وقوله : ( وأرسلنا الرياح لواقح ) أي : تلقح السحاب فتدر ماء ، وتلقح الشجر فتتفتح عن أوراقها وأكمامها .
هذه " الرياح " ذكرها بصيغة الجمع ؛ ليكون منها الإنتاج ، بخلاف الريح العقيم فإنه أفردها ، ووصفها بالعقيم ، وهو عدم الإنتاج ; لأنه لا يكون إلا من شيئين فصاعدا .
وقال الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السكن ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : ( وأرسلنا الرياح لواقح ) قال : ترسل الرياح ، فتحمل الماء من السماء ، ثم تمرى السحاب ، حتى تدر كما تدر اللقحة .
وكذا قال ابن عباس ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة .
وقال الضحاك : يبعثها الله على السحاب ، فتلقحه ، فيمتلئ ماء .
وقال عبيد بن عمير الليثي : يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قما ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب ، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر ، ثم تلا ( وأرسلنا الرياح لواقح )
وقد روى ابن جرير من حديث عبيس بن ميمون ، عن أبي المهزم ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الريح الجنوب من الجنة ، وهي [ الريح اللواقح ، وهي التي ] ذكر الله في كتابه ، وفيها منافع للناس " وهذا إسناد ضعيف .
وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده : حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار ، أخبرني يزيد بن جعدبة الليثي : أنه سمع عبد الله بن مخراق ، يحدث عن أبي ذر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله خلق في الجنة ريحا بعد الريح بسبع سنين ، وإن من دونها بابا مغلقا ، وإنما يأتيكم الريح من ذلك الباب ، ولو فتح لأذرت ما بين السماء والأرض من شيء ، وهي عند الله الأزيب ، وهي فيكم الجنوب "
وقوله : ( فأسقيناكموه ) أي : أنزلناه لكم عذبا يمكنكم أن تشربوا منه ، ولو نشاء لجعلناه أجاجا . كما ينبه الله على ذلك في الآية الأخرى في سورة " الواقعة " وهو قوله : ( أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ) [ الواقعة : 68 - 70 ] وفي قوله : ( هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ) [ النمل : 10 ]
وقوله : ( وما أنتم له بخازنين ) قال سفيان الثوري : بمانعين .
ويحتمل أن المراد : وما أنتم له بحافظين ، بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ، ونجعله معينا وينابيع في الأرض ، ولو شاء تعالى لأغاره وذهب به ، ولكن من رحمته أنزله وجعله عذبا ، وحفظه في العيون والآبار والأنهار وغير ذلك ؛ ليبقى لهم في طول السنة ، يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم .
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة القرّاء ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) وقرأه بعض قرّاء أهل الكوفة ( وأرْسَلْنا الرّيحَ لَوَاقِحَ ) فوحَّد الريح وهي موصوفة بالجمع: أعني بقوله: لواقح. وينبغي أن يكون معنى ذلك: أن الريح وإن كان لفظها واحدا، فمعناها الجمع، لأنه يقال: جاءت الريح من كلّ وجه، وهبَّت من كل مكان، فقيل: لواقح لذلك، فيكون معنى جمعهم نعتها ، وهي في اللفظ واحدة معنى قولهم: أرض سباسب، وأرض أغفال، وثوب أخلاق، كما قال الشاعر:
جــاءَ الشِّــتاءُ وقَميصِـي أخْـلاقْ
شَــرَاذِمٌ يضْحَــكُ مِنْــهُ التَّـوَّاقْ (5)
وكذلك تفعل العرب في كلّ شيء اتسع.
واختلف أهل العربية في وجه وصف الرياح باللقح ، وإنما هي ملقحة لا لاقحة، وذلك أنها تلقح السحاب والشجر، وإنما توصف باللقح الملقوحة لا الملقح، كما يقال: ناقة لاقح. وكان بعض نحويي البصرة يقول: قيل: الرياح لواقح، فجعلها على لاقح، كأن الرياح لقحت، لأن فيها خيرا فقد لقحت بخير. قال: وقال بعضهم: الرياح تلقح السحاب، فهذا يدلّ على ذلك المعنى، لأنها إذا أنشأته وفيها خير وصل ذلك إليه وكان بعض نحويي الكوفة يقول: في ذلك معنيان: أحدهما أن يجعل الريح هي التي تلقح بمرورها على التراب والماء فيكون فيها اللقاح، فيقال: ريح لاقح، كما يقال: ناقة لاقح، قال: ويشهد على ذلك أنه وصف ريح العذاب فقال عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ فجعلها عقيما إذا لم تلقح. قال: والوجه الآخر أن يكون وصفها باللقح ، وإن كانت تلقح، كما قيل: ليل نائم والنوم فيه ، وسرّ كاتم، وكما قيل: المبروز والمختوم، فجعل مبروزا ، ولم يقل مبرزا بناه على غير فعله، أي أن ذلك من صفاته، فجاز مفعول لمفعل ، كما جاز فاعل لمفعول ، إذا لم يرد البناء على الفعل، كما قيل: ماء دافق.
والصواب من القول في ذلك عندي: أن الرياح لواقح كما وصفها به جلّ ثناؤه من صفتها، وإن كانت قد تلقح السحاب والأشجار، فهي لاقحة ملقحة، ولقحها: حملها الماء وإلقاحها السحاب والشجر: عملها فيه، وذلك كما قال عبد الله بن مسعود.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المحاربي، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن سكن، عن عبد الله بن مسعود، في قوله ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) قال: يرسل الله الرياح فتحمل الماء، فتجري السحاب، فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال، عن قيس بن سكن، عن عبد الله ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) قال: يبعث الله الريح فتلقح السحاب، ثم تمريه فتدر كما تدر اللقحة، ثم تمطر.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أسباط بن محمد، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن السكن، عن عبد الله بن مسعود، في قوله ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) قال: يرسل الرياح، فتحمل الماء من السحاب، ثم تمري السحاب، فتدر كما تدر اللقحة ، فقد بين عبد الله بقوله: يرسل الرياح فتحمل الماء، أنها هي اللاقحة بحملها الماء وإن كانت ملقحة بإلقاحها السحاب والشجر.
وأما جماعة أُخَر من أهل التأويل، فإنهم وجَّهوا وصف الله تعالى ذكره إياها بأنها لواقح ، إلى أنه بمعنى ملقحة، وأن اللواقح وضعت موضع ملاقح، كما قال نهشل بن حري:
لِيُبْــكَ يَزِيــدُ بــائِسٌ لِضَرَاعَـةٍ
وأشْــعَثُ ممَّـنْ طَوَّحَتْـهُ الطَّـوَائِحُ (6)
يريد المطاوح ، وكما قال النابغة:
كــليني لِهَــمٍّ يـا أُمَيْمَـةَ نـاصِبِ
ولَيْــلٍ أُقاســيهِ بَطـيءِ الكـوَاكبِ (7)
بمعنى: مُنْصِب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهديّ، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم في قوله ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) قال: تلقح السحاب.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، مثله.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، مثله.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، قوله ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) قال: لواقح للشجر ، قلت: أو للسحاب ، قال: وللسحاب، تمريه حتى يمطر.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبيد بن عمير، قال: يبعث الله المبشرة فتقمّ الأرض قما، ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث الله المؤلِّفة فتؤلف السحاب، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر ، ثم تلا عبيد ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ).
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) يقول: لواقح السحاب، وإن من الريح عذابا ، وإن منها رحمة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( لَوَاقِحَ ) قال: تلقح الماء في السحاب.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن عباس ( لَوَاقِحَ ) قال: تُلقح الشجر وتُمري السحاب.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) الرياح يبعثها الله على السحاب فتلقحه ، فيمتلئ ماء.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا عيسى بن ميمون، قال: ثنا أبو المهزم، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الرّيحُ الجَنُوبُ مِنَ الجَنِّةِ، وَهِيَ الرّيحُ اللَّوَاقِحُ ، وَهِيَ التي ذَكَرَ اللهُ تَعالى فِي كِتابِهِ وَفِيها مَنافِعُ للنَّاسِ".
حدثني أبو الجماهر الحمصي أو الحضرمي محمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عبد العزيز بن موسى، قال: ثنا عيسى بن ميمون أبو عبيدة، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله سواء.
وقوله ( فَأَنـزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ) يقول تعالى ذكره: فأنـزلنا من السماء مطرا فأسقيناكم ذلك المطر لشرب أرضكم ومواشيكم. ولو كان معناه: أنـزلناه لتشربوه، لقيل: فسقيناكموه. وذلك أن العرب تقول إذا سقت الرجل ماء شربه أو لبنا أو غيره: سقيته بغير ألف إذا كان لسقيه، وإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته، قالوا: أسقيته وأسقيت أرضه وماشيته، وكذلك إذا استسقت له، قالوا أسقيته واستسقيته، كما قال ذو الرُّمَّة:
وَقَفْــتُ عـلى رَسْـمٍ لِمَيَّـةَ نـاقَتِي
فَمَـا زِلْـتُ أبْكـي عِنْـدَهُ وأُخاطِبُــهْ
وأُسْــقِيهِ حــتى كـادَ مِمَّـا أبُثُّـهُ
تُكَـــلِّمُني أحْجـــارُهُ ومَلاعِبُــهْ (8)
وكذلك إذا وهبت لرجل إهابا ليجعله سقاء، قلت: أسقيته إياه.
وقوله ( وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ) يقول: ولستم بخازني الماء الذي أنـزلنا من السماء فأسقيناكموه. فتمنعوه من أسقيه، لأن ذلك بيدي وإليّ، أسقيه من أشاء وأمنعه من أشاء.
كما حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال سفيان: ( وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ) قال: بمانعين.
------------------------
الهوامش:
(5) هذا الرجز ، أورده الفراء في معاني القرآن ( ص 167 ) قال : وقوله " وأرسلنا الرياح لواقح " وقرئ الريح ، قرأ حمزة ، فمن قال : " الريح لواقح " فجمع اللواقح والريح واحدة ، لأن الريح في معنى جمع ، ألا ترى أنك تقول : جاءت الريح من كل مكان ، فقيل لواقح لذلك كما قيل : تركته في أرض أغفال وسباسب ، ومهارق وثوب أخلاق ، ومنه قول الشاعر : جاء الشتاء ... الخ البيت . وأما من قال : الرياح لواقح ، فهو بين ، ولكن يقال : إنما الريح ملقحة ، تلقح الشجر ، فكيف قيل : لواقح ؟ في ذلك معنيان : أحدهما أن تجعل الريح هي التي بمرورها على التراب والماء ، فيكون فيها اللقاح ، فيقال ريح لاقح ، كما يقال : ناقة لاقح ، ويشهد على ذلك أنه وصف ريح العذاب فقال : " عليهم الريح العقيم " ، فجعلها عقيما إذ لم تلقح . والوجه الآخر : أن يكون وصفها باللقح ، وإن كانت تلقح ( بضم التاء ) كما قيل : ليل نائم ، والنوم فيه ، وسر كاتم . ولسان العرب : ( خلق ) : وقد يقال : ثوب أخلاق ، يصفون به الواحد ، إذا كانت الخلوقة فيه كله ، كما قال برمة أعشار ، وثوب أكباش ( ضرب من نسج اليمن ) وحبل أرمام وأرض سباسب ، وهذا النحو كثير ، وكذلك : ملاءة أخلاق وبرمة أخلاق ( عن اللحياني ) أي نواحيها أخلاق . قال : وهو من الواحد الذي فرق ثم جمع . قال : وكذلك : حبل أخلاق : وقربة أخلاف عن ابن الأعرابي ، التهذيب : يقال ثوب أخلاق يجمع بما حوله ، وقال الراجز : جاء الشتاء ... الخ والتواق ابنه ، قلت : والرواية عند الفراء وفي اللسان " يضحك منه " ، وعند المؤلف " يضحك مني " ، والمعنى قريب بعضه من بعض .
(6) البيت لنشهل بن حرى على الأصح ، شاعر مخضرم ، وقد ينسب إلى غيره ، وصوب البغدادي نسبته إلى نشهل ، وقد استشهد به أبو عبيدة بهذه الرواية نفسها عند تفسير قوله تعالى : " وأرسلنا الرياح لواقح " قال : مجازها مجاز ملاقح ، لأن الريح ملقحة السحاب للعرب . قد تفعل هذا ، فتلقي الميم ، لأنها تعيده إلى أصل الكلام ، كقول نهشل بن حري يرثي أخاه " لبيك يزيد " ... الخ البيت . فحذف الميم ، لأنها المطاوع ، وأورد البيت صاحب ( اللسان : طيح ) باختلاف في بعض الألفاظ قال : وأنشد سيبويه :
لِيُبْــكَ يَزيــدٌ ضَـاِرعٌ لِخُصُومَـةٍ
ومُخْــتَبطٌ مِمَّــا تُطيـحُ الطَّـوَائِحُ
وقال ( سيبويه ) : الطوائح : على حذف الزائد ، أو على النسب قال ابن جني : أول البيت مبني على أطراح ذلك الفاعل ، فإن آخره ( كذا في اللسان ) قد عوود فيه الحديث على الفاعل ، لأن تقديره فيما بعد : ليبك مختبط مما تطيح الطوائح ، فدل قوله : ليبك ( بالبناء للمفعول ) على ما أراد من قوله " ليبك " ( أي بالبناء للفاعل ) أ هـ . والمختبط : الذي يسلك من يسلك من غير معرفة ولا وسيلة بيكمنا . وانظر خزانة الأدب البغدادي ( 1 : 147 - 152 ) ففيها كلام كثير في معنى البيت وروايته وقائله .
(7) البيت للنابغة الذبيالي ، وهو مطلع قصيدة له يمدح بها عمرو بن الحارث الأعرج ، بن الحارث الأكبر ، بن أبي شمر ، حين هرب من النعمان بن المنذر . وقد مر شرحنا له في غير هذا الموضع من التفسير ، والشاهد هنا في قوله " ناصب " أنه بمعنى المنصب ، قال في ( اللسان : نصبت ) : النصب : الإعياء من العناء . والفعل : نصب الرجل بالكسر : أعيا وتعب . وأنصبه هو ، وأنصبني هذا الأمر ، وهم ناصب : منصب ، ذو نصب ، مثل تامر ولابن ، وهو فاعل بمعنى مفعول ، لأنه ينصب فيه ويتعب ، قال النابغة : " كليني لهم يا أميمة ناصب " قال : ناصب : بمعنى منصوب ، وقال الأصمعي : ناصب : ذي نصب ، مثل : ليل نائم ذو نوم ينام فيه ، ورجل دارع : ذو درع . وقال سيبويه : هم ناصب : هو على النسب ،وحكى أبو علي الفارسي نصبه لهم ، فناصب إذن على الفعل . أ هـ . قلت : أيريد أبو علي الفارسي : أنه اسم فاعل قياسي جار على فعله ، فليس على النسب إذن ولا على التجوز في الإسناد مثل ليل نائم.
(8) البيتان في ديوان ذي الرمة ( طبعة كيمبردج سنة 1919 ص 38 ) وأسقيه : أدعو له بالسقيا ، أقول : سقاك الله ، وأبثه : أشكو إليه . وقد استشهد بهذين البيتين أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 1 : 350 ) على أن يقال : سقيت الرجل ماء وشرابا من لبن وغير ذلك ، وليس فيه إلا لغة واحدة بغير ألف ، إذا كان في الشفة ، وإذا جعلت له شربا ( بكسر الشين ، أي ماء لشرب دوابه ) فهو أسقيته وأسقيت أرضه وإبله ، لا يكون غير هذا ، وكذلك إذا استسقيت له كقول ذي الرمة ... البيتين وهو قريب من كلام المؤلف هنا . القول في
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
النبإ: 14 | ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً مَآءٗ ثَجَّاجٗا﴾ |
---|
الحجر: 22 | ﴿وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَـ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ﴾ |
---|
المؤمنون: 18 | ﴿وَ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٖ فَأَسۡكَنَّٰهُ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابِۢ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ﴾ |
---|
الفرقان: 48 | ﴿وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورٗا﴾ |
---|
لقمان: 10 | ﴿وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:هو وحده لا شريك له الذي يحيي الخلق من العدم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا ويميتهم لآجالهم التي قدرها{ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} كقوله:{ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} وليس ذلك بعزيز ولا ممتنع على الله
ثم بين- سبحانه- أن الإحياء والإماتة بيده وحده، فقال- تعالى-: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ.
أى: وإنا وحدنا القادرون على إيجاد الحياة في المخلوقات، والقادرون على سلبها عنها، ونحن الوارثون لهذا الكون بعد فنائه، الباقون بعد زواله.
قال- تعالى- إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ .
وقال- تعالى- إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ .
وشبه- سبحانه- بقاءه بعد زوال كل شيء سواه بالوارث، لأن الوارث هو الذي يرث غيره بعد موته.
وأكد- سبحانه- الآية الكريمة بإن واللام وضمير الفصل نَحْنُ تحقيقا للخبر الذي اشتملت عليه، وردا على المشركين الذين زعموا أنه لا حياة ولا ثواب ولا عقاب بعد الموت.
وقوله : ( وإنا لنحن نحيي ونميت ) إخبار عن قدرته تعالى على بدء الخلق وإعادته ، وأنه هو الذي أحيا الخلق من العدم ، ثم يميتهم ثم يبعثهم كلهم ليوم الجمع .
وأخبر أنه - تعالى - يرث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون .
يقول تعالى ذكره: ( وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي ) من كان ميتا إذا أردنا( ونُمِيتُ ) من كان حيا إذا شئنا( وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ) يقول: ونحن نرث الأرض ومن عليها بأن نميت جميعهم، فلا يبقى حيّ سوانا إذا جاء ذلك الأجل.
المعاني :
التدبر :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الإعراب :
المتشابهات :
الحجر: 23 | ﴿وَ إِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ﴾ |
---|
يس: 12 | ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ |
---|
ق: 43 | ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تقسير الآيتين 24 و 25:ـ
يعلم المستقدمين من الخلق والمستأخرين منهم ويعلم ما تنقص الأرض منهم وما تفرق من أجزائهم، وهو الذي قدرته لا يعجزها معجز فيعيد عباده خلقا جديدا ويحشرهم إليه.
{ إِنَّهُ حَكِيمٌ} يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها، ويجازي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
ثم أكد- سبحانه- شمول علمه لكل شيء بعد أن أكد شمول قدرته فقال- تعالى-:
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ.
والمراد بالمستقدمين من تقدم على غيره ولادة وموتا، كما أن المراد بالمستأخرين من تأخر عن غيره في ذلك، ولم يمت بعد، أو لم يوجد بعد في عالم الأحياء.
والسين والتاء في اللفظين للتأكيد.
وقيل: المراد بهما الأحياء والأموات، وقيل المراد بالمستقدمين: من تقدم في الوجود على الأمة الإسلامية، وبالمستأخرين: الأمة الإسلامية.
وقيل: المراد بهما: من قتل في الجهاد ومن لم يقتل، وقيل المراد بهما من تقدم في صفوف الصلاة ومن تأخر ...
قال الإمام ابن جرير بعد أن ساق جملة من الأقوال في ذلك: وأولى الأقوال عندي بالصحة، قول من قال: ولقد علمنا الأموات منكم يا بنى آدم فتقدم موته، ولقد علمنا المستأخرين الذين تأخر موتهم ممن هو حي ومن هو حادث منكم ممن لم يحدث بعد ... » .
ثم قال مخبرا عن تمام علمه بهم أولهم وآخرهم : ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - المستقدمون : كل من هلك من لدن آدم - عليه السلام - والمستأخرون : من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة .
وروي نحوه عن عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، ومحمد بن كعب ، والشعبي ، وغيرهم . وهو اختيار ابن جرير - رحمه الله -
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن رجل عن مروان بن الحكم أنه قال : كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء فأنزل الله : ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين )
وقد ورد في هذا حديث غريب جدا ، فقال ابن جرير : حدثني محمد بن موسى الحرشي ، حدثنا نوح بن قيس ، حدثنا عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كانت تصلي خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة - قال ابن عباس : لا والله ما إن رأيت مثلها قط - وكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا يعني : لئلا يراها - وبعض يستأخرون ، فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم ، فأنزل الله : ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين )
وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره ، والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما وابن ماجه من طرق عن نوح بن قيس الحداني وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما ، وحكي عن ابن معين تضعيفه ، وأخرج له مسلم وأهل السنن .
وهذا الحديث فيه نكارة شديدة ، وقد رواه عبد الرزاق ، عن جعفر بن سليمان ، عن عمرو بن مالك وهو النكري أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله : ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ) في الصفوف في الصلاة ) والمستأخرين ) فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ، ليس فيه لابن عباس ذكر وقد قال الترمذي : هذا أشبه من رواية نوح بن قيس ، والله أعلم .
وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر ، عن أبيه : أنه سمع عون بن عبد الله يذاكر محمد بن كعب في قوله : ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ) وأنها في صفوف الصلاة ، فقال محمد بن كعب : ليس هكذا ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ) الميت والمقتول ، و ( المستأخرين ) من يخلق بعد ، ( وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم ) فقال عون بن عبد الله : وفقك الله وجزاك خيرا
وقوله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولقد علمنا من مضى من الأمم ، فتقدّم هلاكهم، ومن قد خلق وهو حيّ، ومن لم يخلق بعدُ ممن سيخلق.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) قال: المستقدمون: من قد خلق ومن خلا من الأمم، والمستأخرون: من لم يخلق.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة، في قوله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) قال: هم خلق الله كلهم، قد علم من خلق منهم إلى اليوم، وقد علم من هو خالقه بعد اليوم.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق. قال: أخبرنا ابن التيمي، عن أبيه، عن عكرمة، قال: إن الله خلق الخلق ففرغ منهم، فالمستقدمون: من خرج من الخلق، والمستأخرون: من بقي في أصلاب الرجال لم يخرج.
حدثني محمد بن أبي معشر، قال: أخبرني أبو معشر، قال: سمعت عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود يذاكر محمد بن كعب في قول الله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) فقال عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: خير صفوف الرجال المقدّم، وشرّ صفوف الرجال المؤخَّر، وخير صفوف النساء المؤخَّر، وشرّ صفوف النساء المقدّم ، فقال محمد بن كعب: ليس هكذا ، ولقد علمنا المستقدمين منكم : الميت والمقتول ، والمستأخرين: من يلحق بهم مِن بعدُ، وإن ربك هو يحشرهم، إنه حكيم عليم ، فقال عون بن عبد الله: وفقك الله وجزاك خيرا.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: قال قتادة: المستقدمين: من مضى، والمستأخرين: من بقي في أصلاب الرجال.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا أبو الأحوص، قال: ثنا سعيد بن مسروق، عن عكرمة وخصيف، عن مجاهد، في قوله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) قالا من مات ومن بقي.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ ) قال: كان ابن عباس يقول: آدم صلى الله عليه وسلم ومن مضى من ذرّيته ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) : من بقي في أصلاب الرجال.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) قال: المستقدمون آدم ومن بعده، حتى نـزلت هذه الآية: والمستأخرون: قال: كلّ من كان من ذرّيته.
قال أبو جعفر: أظنه أنا قال: ما لم يُخلق وما هو مخلوق.
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، قال: المستقدمون: ما خرج من أصلاب الرجال ، والمستأخرون: ما لم يخرج.
ثم قرأ ( وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ).
وقال آخرون: عنى بالمستقدمين: الذين قد هلكوا، والمستأخرين: الأحياء الذين لم يهلكوا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) يعني بالمستقدمين: من مات ، ويعني بالمستأخرين: من هو حيّ لم يمت.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ ) يعني الأموات منكم ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) بقيتهم، وهم الأحياء ، يقول: علمنا من مات ومن بقي.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) قال: المستقدمون منكم: الذين مضوا في أوّل الأمم، والمستأخرون: الباقون.
وقال آخرون: بل معناه: ولقد علمنا المستقدمين في أوّل الخلق والمستأخرين في آخرهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى: قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) قال أول الخلق وآخره.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدّي، عن داود، عن الشعبيّ، في قوله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) : ما استقدم في أول الخلق، وما استأخر في آخر الخلق.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عليّ بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن عامر، في قوله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ ) قال: في العُصُر، والمستأخرين منكم في أصلاب الرجال، وأرحام النساء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد علمنا المستقدمين من الأمم، والمستأخرين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: أخبرنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد المستقدمين منكم، قال: القرون الأوَل، والمستأخرين: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثني عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، في قوله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) قال: المستقدمون: ما مضى من الأمم، والمستأخرون: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، بنحوه.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عبد الملك، عن مجاهد بنحوه، ولم يذكر قيسا.
وقال آخرون: بل معناه: ولقد علمنا المستقدمين منكم في الخير ، والمستأخرين عنه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) قال: كان الحسن يقول: المستقدمون في طاعة الله، والمستأخرون في معصية الله.
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن، قال: المستقدمين في الخير، والمستأخرين: يقول: المبطئين عنه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد علمنا المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة، والمستأخرين فيها بسبب النساء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن رجل أخبرنا عن مروان بن الحكم أنه قال: كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء، قال: فأنـزل الله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ).
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، قال: أخبرني عمرو بن مالك، قال سمعت أبا الجوزاء يقول في قول الله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) قال: المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة والمستأخرين.
حدثني محمد بن موسى الحرسي، قال: ثنا نوح بن قيس، قال: ثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، قال: كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة، قال ابن عباس: لا والله ما إن رأيت مثلها قط ، فكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا ، وبعض يستأخرون، فإذا سجدوا ، نظروا إليها من تحت أيديهم، فأنـزل الله ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ).
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا نوح بن قيس، وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا مالك بن إسماعيل، قال: ثنا نوح بن قيس، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء من أحسن الناس، فكان بعض الناس يستقدم في الصفّ الأوّل لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصفّ المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه في الصفّ، فأنـزل الله في شأنها( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ).
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال عندي في ذلك بالصحة قول من قال: معنى ذلك: ولقد علمنا الأموات منكم يا بني آدم فتقدّم موته، ولقد علمنا المستأخرين الذين استأخر موتهم ممن هو حيّ ومن هو حادث منكم ممن لم يحدث بعدُ، لدلالة ما قبله من الكلام، وهو قوله ( وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ) وما بعده وهو قوله ( وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ) على أن ذلك كذلك، إذ كان بين هذين الخبرين، ولم يجر قبل ذلك من الكلام ما يدلّ على خلافه، ولا جاء بعد. وجائز أن تكون نـزلت في شأن المستقدمين في الصفّ لشأن النساء والمستأخرين فيه لذلك، ثم يكون الله عزّ وجلّ عمّ بالمعنى المراد منه جميع الخلق، فقال جلّ ثناؤه لهم: قد علمنا ما مضى من الخلق وأحصيناهم، وما كانوا يعملون، ومن هو حيّ منكم ، ومن هو حادث بعدكم أيها الناس، وأعمال جميعكم خيرها وشرّها، وأحصينا جميع ذلك ونحن نحشر جميعهم، فنجازي كلا بأعماله، إن خيرًا فخيًرا وإن شرًا فشرًا. فيكون ذلك تهديدًا ووعيدًا للمستأخرين في الصفوف لشأن النساء ولكلّ من تعدّى حدّ الله وعمل بغير ما أذن له به، ووعدا لمن تقدّم في الصفوف لسبب النساء ، وسارع إلى محبة الله ورضوانه في أفعاله كلها.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تقسير الآيتين 24 و 25:ـ
يعلم المستقدمين من الخلق والمستأخرين منهم ويعلم ما تنقص الأرض منهم وما تفرق من أجزائهم، وهو الذي قدرته لا يعجزها معجز فيعيد عباده خلقا جديدا ويحشرهم إليه.
{ إِنَّهُ حَكِيمٌ} يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها، ويجازي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
ثم بين- سبحانه- أن مرجع الخلق جميعا إليه فقال: وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ، إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.
أى: وإن ربك- وحده- أيها المخاطب- هو الذي يتولى حشر الأولين والآخرين، وجمعهم يوم القيامة للحساب والثواب والعقاب، إنه- سبحانه- حَكِيمٌ في كل تصرفاته وأفعاله عَلِيمٌ بأحوال خلقه ما ظهر منها وما بطن.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة، قد اشتملت على ألوان من الأدلة الدالة على وحدانية الله- تعالى- وعظيم قدرته، وبديع صنعه، وشمول علمه، مما يوجب الإيمان به- سبحانه- وإخلاص العبادة له، ومقابلة نعمه بالشكران لا بالكفران، وبالطاعة لا بالمعصية ...
وبعد أن ساق- سبحانه- ألوانا من الأدلة على وحدانيته وقدرته، عن طريق خلقه للسماء وما فيها من بروج وشهب.. وللأرض وما عليها من جبال ونبات.. وللرياح وما تحمله من سحب وأمطار ...
أتبع ذلك بأدلة أخرى على كمال ذاته وصفاته عن طريق خلقه للإنسان وللجن وللملائكة..
فقال- تعالى-:
" وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم " فقال عون بن عبد الله وفقك الله وجزاك خيرا.
وقوله ( وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ) يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإن ربك يا محمد هو يجمع جميع الأوّلين والآخرين عنده يوم القيامة، أهل الطاعة منهم والمعصية، وكلّ أحد من خلقه، المستقدمين منهم والمستأخرين.
وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ) قال: أي الأوّل والآخر.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو خالد القرشيّ، قال: ثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، في قوله ( وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ) قال: هذا من هاهنا، وهذا من هاهنا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخُرَاسانيّ، عن ابن عباس ( وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ) قال: وكلهم ميت، ثم يحشرهم ربهم.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عليّ بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن عامر ( وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ) قال: يجمعهم الله يوم القيامة جميعا ، قال الحسن: قال عليّ: قال داود: سمعت عامرا يفسر قوله ( إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) يقول: إن ربك حكيم في تدبيره خلقه في إحيائهم إذا أحياهم، وفي إماتتهم إذا أماتهم، عليم بعددهم وأعمالهم ، وبالحيّ منهم والميت، والمستقدم منهم والمستأخر.
كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: كلّ أولئك قد علمهم الله، يعني المستقدمين والمستأخرين.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلام، وما جرى من عدوه إبليس، وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شره وفتنته فقال تعالى:{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} أي آدم عليه السلام{ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} أي:من طين قد يبس بعد ما خمر حتى صار له صلصلة وصوت، كصوت الفخار، والحمأ المسنون:الطين المتغير لونه وريحه من طول مكثه.
والمراد بالإنسان في قوله- سبحانه- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ آدم- عليه السلام- لأنه أصل النوع الإنسانى، وأول فرد من أفراده.
والصلصال: الطين اليابس الذي يصلصل، أى: يحدث صوتا إذا حرك أو نقر عليه، كما يحدث الفخار قال- تعالى- خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ .
وقيل: الصلصال: الطين المنتن، مأخوذ من قولهم: صلّ اللحم وأصلّ، إذا أنتن..
قال الإمام ابن جرير: والذي هو أولى بتأويل الآية، أن يكون الصلصال في هذا الموضع، الطين اليابس الذي لم تصبه النار، فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة- وذلك أن الله- تعالى- وصفه في موضع آخر فقال: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ فشبهه- تعالى ذكره- بأنه كالفخار في يبسه، ولو كان معناه في ذلك المنتن لم يشبهه بالفخار، لأن الفخار ليس بمنتن فيشبه به في النتن غيره» .
والحمأ: الطين إذا اشتد سواده وتغيرت رائحته.
والمسنون: المصور من سن الشيء إذا صوره.
قال الآلوسى ما ملخصه: قوله مِنْ حَمَإٍ أى: من طين تغير واسود من مجاورة الماء، ويقال للواحدة حمأة- بسكون الميم- ...
وقوله مَسْنُونٍ أى: مصوّر من سنّة الوجه وهي صورته. وأنشد لذلك ابن عباس قول عمه حمزة يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
أغرّ كأن البدر سنّة وجهه ... جلا الغيم عنه ضوؤه فتبددا
وقيل مسنون: أى مصبوب، من سنّ الماء بمعنى صبه. ويقال شنّ- بالشين أيضا- أى: مفرغ على هيئة الإنسان ... وقيل: المسنون: المنتن ... » .
والذي يتدبر القرآن الكريم يرى أن الله- تعالى- قد وضح في آيات متعددة أطوار خلق آدم- عليه السلام-، فقد بين في بعض الآيات أنه خلقه من تراب، كما في قوله- تعالى- إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ... .
وبين في آيات أخرى أنه- سبحانه- خلقه من طين، كما في قوله- تعالى- الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ .
وبين هنا أنه- سبحانه- خلقه مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ.
قال الجمل: وهذا الطور آخر أطوار آدم الطينية، وأول ابتدائه أنه كان ترابا متفرق الأجزاء، ثم بلّ- أى التراب- فصار طينا، ثم ترك حتى أنتن وأسود فصار حمأ مسنونا.
أى: متغيرا، ثم يبس فصار صلصالا، وعلى هذه الأحوال والأطوار تتخرج الآيات الواردة في أطواره الطينية، كآية خلقه من تراب، وآية بَشَراً مِنْ طِينٍ وهذه الآية التي نحن فيها» .
والمقصود من هذه الآيات الكريمة، التنبيه على عجيب صنع الله- تعالى- وعظيم قدرته، حيث أخرج- سبحانه- من هذه المواد بشرا سويا، في أحسن تقويم.
وأكد- سبحانه- الجملة الكريمة بلام القسم وقد، لزيادة التحقيق، وللإرشاد إلى أهمية هذا الخلق، وأنه بهذه الصفة.
ومِنْ في قوله مِنْ صَلْصالٍ لابتداء الغاية أو للتبعيض، وفي قوله مِنْ حَمَإٍ ابتدائية.
والجار والمجرور صفة لصلصال أى: من صلصال كائن من حمأ، ومسنون صفة لحمإ.
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : المراد بالصلصال هاهنا : التراب اليابس .
والظاهر أنه كقوله تعالى : ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار ) [ الرحمن : 14 - 15 ]
وعن مجاهد أيضا : الصلصال : المنتن .
وتفسيرها بالآية أولى
وقوله : ( من حمإ مسنون ) أي : الصلصال من حمأ ، وهو : الطين . والمسنون : الأملس ، كما قال الشاعر
ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء تمشي في مرمر مسنون
أي : أملس صقيل .
ولهذا روي عن ابن عباس : أنه قال : هو التراب الرطب . وعن ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك أيضا : أن الحمأ المسنون هو المنتن . وقيل : المراد بالمسنون هاهنا : المصبوب .
يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا آدم وهو الإنسان من صلصال. واختلف أهل التأويل في معنى الصلصال، فقال بعضهم: هو الطين اليابس لم تصبه نار، فإذا نقرتَه صَلَّ فسمعت له صلصلة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهديّ، قالا ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: خلق آدم من صلصال من حمأ ومن طين لازب ، وأما اللازب: فالجيد، وأما الحَمَأ: فالحمأة، وأما الصَّلصال: فالتراب المرقَّق ، وإنما سمي إنسانا لأنه عهد إليه فنسي.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ ) قال: والصلصال: التراب اليابس الذي يسمع له صلصلة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) قال: الصلصال: الطين اليابس يسمع له صلصلة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح، عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس ( مِنْ صَلْصَالٍ ) قال: الصلصال: الماء يقع على الأرض الطيبة ثم يحسَرُ عنها، فتشقق، ثم تصير مثل الخَزَف الرقاق.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: خُلق الإنسان من ثلاثة: من طين لازب، وصلصال، وحمأ مسنون. والطين اللازب: اللازق الجيد، والصلصال: المرقق الذي يصنع منه الفخار، والمسنون: الطين فيه الحَمْأة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) قال: هو التراب اليابس الذي يُبَل بعد يُبسه.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن مسلم، عن مجاهد، قال: الصلصال: الذي يصلصل، مثل الخَزَف من الطين الطيب.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك، يقول: الصلصال: طين صُلْب يخالطه الكثيب.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( مِنْ صَلْصَالٍ ) قال: التراب اليابس.
وقال آخرون: الصلصال: المُنْتِن. وكأنهم وجَّهوا ذلك إلى أنه من قولهم: صلّ اللحم وأصلّ ، إذا أنتن، يقال ذلك باللغتين كلتيهما: يَفْعَل وأَفْعَل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( مِنْ صَلْصَالٍ ) الصلصال: المنتن.
والذي هو أولى بتأويل الآية أن يكون الصلصال في هذا الموضع الذي له صوت من الصلصلة، وذلك أن الله تعالى وصفه في موضع آخر فقال خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ فشبهه تعالى ذكره بأنه كان كالفخَّار في يُبسه. ولو كان معناه في ذلك المُنتِن لم يشبهه بالفخارِّ، لأن الفخار ليس بمنتن فيشبَّه به في النتن غيره.
وأما قوله ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) فإن الحمأ: جمع حَمْأة، وهو الطين المتَغيِّر إلى السواد. وقوله ( مَسْنُونٍ ) يعني: المتغير.
واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى قوله ( مَسْنُونٍ ) فكان بعض نحويِّي البصريين يقول: عني به: حمأ مصورّ تامّ. وذُكر عن العرب أنهم قالوا: سُنّ على مثال سُنَّة الوجه: أي صورته. قال: وكأن سُنة الشيء من ذلك: أي مثالَه الذي وُضع عليه. قال: وليس من الآسن المتغير، لأنه من سَنَن مضاعف.
وقال آخر منهم: هو الحَمَأ المصبوب. قال: والمصبوب: المسنون، وهو من قولهم: سَنَنْت الماء على الوجه وغيره إذا صببته.
وكان بعض أهل الكوفة يقول: هو المتغير، قال: كأنه أخذ من سَنَنْت الحَجَر على الحجر، وذلك أن يحكّ أحدهما بالآخر، يقال منه: سننته أسنُه سَنًّا فهو مسنون. قال: ويقال للذي يخرج من بينهما: سَنِين، ويكون ذلك مُنْتنا. وقال: منه سُمِّيَ المِسَنّ لأن الحديد يُسَنُّ عليه. وأما أهل التأويل ، فإنهم قالوا في ذلك نحو ما قلنا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبيد الله بن يوسف الجبيري، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) قال: الحمأ: المنتنة.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) قال: الذي قد أنتن.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) قال: منتن.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) قال: هو التراب المبتلّ المنتنُ، فجعل صَلصالا كالفَخار.
حدثني محمد بن عمرو، قال ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) قال: منتن.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) والحمأ المسنون: الذي قد تغير وأنتن.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) قال: قد أنتن، قال: منتنة.
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) قال: من طين لازب، وهو اللازق من الكثيب، وهو الرمل.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) قال: الحمأ المنتن.
وقال آخرون منهم في ذلك: هو الطين الرَّطْب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) يقول: من طين رَطب.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الحجر: 26 | ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴾ |
---|
المؤمنون: 12 | ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ وَالْجَانَّ} وهو:أبو الجن أي:إبليس{ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ} خلق آدم{ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} أي:من النار الشديدة الحرارة
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك المادة التي خلق منها الجان فقال- سبحانه-: وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ.
والمراد بالجان هنا: أبو الجن عند جمهور المفسرين. وقيل هو إبليس. وقيل هو اسم لجنس الجن. وسمى جانا لتواريه عن الأعين، واستتاره عن بنى آدم.
أى: والجان خلقناه مِنْ قَبْلُ أى: من قبل خلق آدم مِنْ نارِ السَّمُومِ أى: من الريح الحارة التي تقتل. وسميت سموما، لأنها لشدة حرارتها، وقوة تأثيرها تنفذ في مسام البدن.
قال ابن كثير: وقد ورد في الحديث الصحيح: «خلقت الملائكة من نور، وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق بنو آدم مما وصف لكم» .
وقوله : ( والجان خلقناه من قبل ) أي : من قبل الإنسان ( من نار السموم ) قال ابن عباس : هي السموم التي تقتل .
وقال بعضهم : السموم بالليل والنهار . ومنهم من يقول : السموم بالليل ، والحرور بالنهار .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : دخلت على عمرو الأصم أعوده ، فقال : ألا أحدثك حديثا سمعته من عبد الله بن مسعود يقول : هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التي خلق منها الجان ، ثم قرأ : ( والجان خلقناه من قبل من نار السموم )
وعن ابن عباس : أن الجان خلق من لهب النار ، وفي رواية : من أحسن النار .
وعن عمرو بن دينار : من نار الشمس . وقد ورد في الصحيح : " خلقت الملائكة من نور ، وخلقت الجان من مارج من نار ، وخلق بنو آدم مما وصف لكم " ومقصود الآية : التنبيه على شرف آدم - عليه السلام - وطيب عنصره ، وطهارة محتده
يقول تعالى ذكره: ( والجانَّ ) وقد بيَّنا فيما مضى معنى الجانّ ولم قيل له جان. وعني بالجانّ هاهنا: إبليس أبا الجنّ. يقول تعالى ذكره: وإبليس خلقناه من قبل الإنسان من نار السموم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ) وهو إبليس خُلق قبل آدم ، وإنما خلق آدم آخر الخلق، فحسده عدوّ الله إبليس على ما أعطاه الله من الكرامة، فقال: أنا ناريّ، وهذا طينيّ، فكانت السجدة لآدم ، والطاعة لله تعالى ذكره، فقال ( اخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ) .
واختلف أهل التأويل في معنى ( نَارِ السَّمُومِ ) فقال بعضهم: هي السموم الحارّة التي تقتل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس في قوله ( وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ) قال: هي السموم التي تقتل، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت قال: هي السموم التي تقتل.
حدثني المثنى، قال: ثنا الحِمَّانِيّ، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق التميمي، عن ابن عباس ( وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ) قال: هي السموم التي تقتل، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت قال: هي السموم التي تقتل.
وقال آخرون: يعني بذلك من لهب النار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله ( وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ) قال: من لهب من نار السموم.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان، عن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجنّ، خُلقوا من نار السموم من بين الملائكة. قال: وخُلقت الجنّ الذين ذُكروا في القرآن من مارج من نار.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: دخلت على عمرو بن الأصم أعوده، فقال: ألا أحدّثك حديثًا سمعته من عبد الله؟ سمعت عبد الله يقول: هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التي خرج منها الجانّ. قال: وتلا( وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ) . وكان بعض أهل العربية يقول: السموم بالليل والنهار. وقال بعضهم: الحَرُور بالنهار، والسموم بالليل، يقال: سَمَّ يومُنا يَسَمُّ سَمُومًا.
حدثني المثنى، قال: ثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه، وسئل عن الجنّ ما هم، وهل يأكلون أو يشربون، أو يموتون، أو يتناكحون؟ قال: هم أجناس، فأما خالص الجنّ فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون. ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون، وهي هذه التي منها السعالِي والغُول وأشباه ذلك.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
والجان:
قرئ:
والجأن، بالهمز، وهى قراءة الحسن، وعمرو بن عبيد.
التفسير :
فلما أراد الله خلق آدم قال للملائكة:{ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}
ثم حكى- سبحانه- ما أمر به ملائكته عند ما توجهت إرادته- سبحانه- لخلق آدم، فقال- تعالى-: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ.
أى: واذكر- أيها العاقل- وقت أن قال ربك- سبحانه- للملائكة- الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون- إِنِّي خالِقٌ بقدرتي بَشَراً أى:
إنسانا، وعبر عنه بذلك اعتبارا بظهور بشرته وهي ظاهر الجلد مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ.
يذكر - تعالى - تنويهه بذكر آدم في ملائكته قبل خلقه له ، وتشريفه إياه بأمره الملائكة بالسجود له . ويذكر تخلف إبليس عدوه عن السجود له من بين سائر الملائكة ، حسدا وكفرا ، وعنادا واستكبارا ، وافتخارا بالباطل ، ولهذا قال : ( لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون ) كما قال في الآية الأخرى : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) [ الأعراف : 12 ] وقوله : ( أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا ) [ الإسراء : 62 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( و ) اذكر يا محمد ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ).
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الحجر: 28 | ﴿وَ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ |
---|
ص: 71 | ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} جسدا تاما{ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} فامتثلوا أمر ربهم.
فَإِذا سَوَّيْتُهُ أى: سويت خلق هذا البشر، وكملت أجزاءه، وجعلته في أحسن تقويم ...
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي أى: وضعت فيه ما به حياته وحركته وهو الروح، الذي لا يعلم حقيقته أحد سواي.
قال القرطبي: قوله: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي النفخ إجراء الريح في الشيء.
والروح جسم لطيف، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم. وحقيقته إضافة خلق إلى خالق، فالروح خلق من خلقه أضافه- سبحانه- إلى نفسه تشريفا وتكريما، كقوله، أرضى وسمائي وبيتي وناقة الله وشهر الله ... .
وقوله فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ أمر منه- سبحانه- للملائكة بالسجود لآدم.
أى: فإذا سويت خلقه، وأفضت عليه ما به حياته، فاسقطوا وخروا له ساجدين، سجود تحية وتكريم، لا سجود عبادة، فإن سجود العبادة لي وحدي.
وقال- سبحانه- فَقَعُوا.. بفاء التعقيب، للإشعار بأن سجودهم له واجب عليهم عقب التسوية والنفخ من غير إبطاء أو تأخير.
وهذا نوع من تكريم الله- تعالى- لعبده آدم- عليه السلام-، وله- سبحانه- أن يكرم بعض عباده بما يشاء، وكيف شاء.. لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ .
وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا من حديث شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما خلق الله الملائكة قال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا سويته فاسجدوا له ، قالوا : لا نفعل ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق ملائكة فقال لهم مثل ذلك [ فقالوا : لا نفعل ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق ملائكة أخرى فقال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فأبوا ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق ملائكة فقال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له ] قالوا سمعنا وأطعنا ، إلا إبليس كان من الكافرين الأولين
وفي ثبوت هذا عنه بعد ، والظاهر أنه إسرائيلي ، والله أعلم .
يقول: فإذا صوّرته فعدَّلت صورته ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) فصار بشرا حيا( فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) سجود تحية وتكرمة لا سجود عبادة.
وقد حدثني جعفر بن مكرم، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما خلق الله الملائكة قال: إني خالق بشرا من طين، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له ، فقالوا: لا نفعل. فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم ، وخلق ملائكة أخرى، فقال: إني خالق بشرا من طين، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له ، فأبَوا، قال: فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق ملائكة أخرى، فقال: إني خالق بشرا من طين، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له ، فأبوا، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق ملائكة، فقال: إني خالق بشرا من طين، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له ، فقالوا: سمعنا وأطعنا ، إلا إبليس كان من الكافرين الأوّلين.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الحجر: 29 | ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ |
---|
ص: 72 | ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} تأكيد بعد تأكيد ليدل على أنه لم يتخلف منهم أحد، وذلك تعظيما لأمر الله وإكراما لآدم حيث علم ما لم يعلموا.
ثم بين- سبحانه- ما كان من الملائكة بعد ذلك فقال: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ أى: امتثل الملائكة لأمر الله بعد أن خلق- سبحانه- آدم وسواه ونفخ فيه من روحه، فسجدوا له كلهم أجمعون دون أن يتخلف منهم أحد.
وجمع- سبحانه- بين لفظي التوكيد كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ للمبالغة في ذلك، ولإزالة أى التباس بأن أحدا شذ عن طاعة الله- تعالى-.
وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا من حديث شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما خلق الله الملائكة قال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا سويته فاسجدوا له ، قالوا : لا نفعل ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق ملائكة فقال لهم مثل ذلك [ فقالوا : لا نفعل ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق ملائكة أخرى فقال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فأبوا ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق ملائكة فقال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له ] قالوا سمعنا وأطعنا ، إلا إبليس كان من الكافرين الأولين
وفي ثبوت هذا عنه بعد ، والظاهر أنه إسرائيلي ، والله أعلم .
يقول تعالى ذكره: فلما خلق الله ذلك البشر ، ونفخ فيه الروح بعد أن سوّاه، سجد الملائكة كلهم جميعا .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الحجر: 30 | ﴿ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ |
---|
ص: 73 | ﴿ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} وهذه أول عداوته لآدم وذريته
وقوله إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ بيان لموقف إبليس من أمر الله- تعالى-. وإبليس: اسم مشتق من الإبلاس، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس، وفعله أبلس، والراجح أنه اسم أعجمى، ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. وهو كائن حي، وقد أخطأ من حمله على معنى داعي الشر الذي يخطر في النفوس، لأنه ليس من المعقول أن يكون الأمر كذلك مع أن القرآن أخبرنا بأنه يرى الناس ولا يرونه.
قال- تعالى- إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ... .
وقوله أَبى من الإباء وهو الامتناع عن فعل الشيء مع القدرة على فعله، بسبب الغرور والتكبر والتعاظم.
أى: فسجد الملائكة كلهم أجمعون، امتثالا وطاعة لله- تعالى-، إلا إبليس فإنه امتنع عن أن يكون مع الساجدين. تكبرا وغرورا وعصيانا لأمر الله- تعالى-.
وللعلماء في كون إبليس من الملائكة، أم لا، قولان:
أحدهما: أنه كان منهم، لأنه- سبحانه- أمرهم بالسجود لآدم، ولولا أنه كان منهم لما توجه إليه الأمر بالسجود، ولو لم يتوجه إليه الأمر بالسجود لما كان عاصيا، ولما استحق الطرد واللعنة، ولأن الأصل في المستثنى أن يكون داخلا تحت اسم المستثنى منه، حتى يقوم دليل على أنه خارج عنه. وعلى هذا الرأى الذي اختاره ابن عباس وابن مسعود وغيرهما يكون الاستثناء متصلا.
والثاني: أنه لم يكن من الملائكة، لقوله- تعالى-: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ، فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ.. فهو أصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من نار، والملائكة خلقوا من نور، ولأن له ذرية، والملائكة لا ذرية لهم..
وعلى هذا الرأى الذي اختاره الحسن وقتادة وغيرهما يكون الاستثناء منقطعا.
قال الشيخ القاسمى: «وقد حاول الإمام ابن القيم- رحمه الله- أن يجمع بين الرأيين فقال: والصواب التفصيل في هذه المسألة، وأن القولين في الحقيقة قول واحد. فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته وليس منهم بمادته وأصله فإن أصله من نار وأصل الملائكة من نور، فالنافي كونه من الملائكة والمثبت كونه منهم لم يتواردا على محل واحد» .
والذي نميل إليه في هذه المسألة أن إبليس لم يكن من الملائكة، بدليل الحديث الصحيح الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور. وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق بنو آدم مما وصف لكم» والآية الكريمة- وهي قوله- تعالى- إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ صريحة في أنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة.
ومع هذا فإن الأمر بالسجود يشمله، بدليل قوله- تعالى- قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ... .
فهذه الآية تدل دلالة صريحة على أن الله- تعالى- قد أمر إبليس بالسجود لآدم ...
ووجود إبليس مع الملائكة لا يستلزم أن يكون منهم، ومثل ذلك كمثل أن تقول: حضر بنو فلان إلا محمدا، ومحمد ليس من بنى فلان هؤلاء، وإنما هو معهم بالمجاورة أو المصاحبة أو غير ذلك.
هذا ما نختاره ونميل إليه، استنادا إلى ظاهر الآيات وظاهر الأحاديث، والله- تعالى- أعلم.
وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا من حديث شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما خلق الله الملائكة قال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا سويته فاسجدوا له ، قالوا : لا نفعل ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق ملائكة فقال لهم مثل ذلك [ فقالوا : لا نفعل ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق ملائكة أخرى فقال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فأبوا ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق ملائكة فقال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له ] قالوا سمعنا وأطعنا ، إلا إبليس كان من الكافرين الأولين
وفي ثبوت هذا عنه بعد ، والظاهر أنه إسرائيلي ، والله أعلم .
إلا إبليس، فإنه أبى أن يكون مع الساجدين في سجودهم لآدم حين سجدوا، فلم يسجد له معهم تكبرا وحسدا وبغيا .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 34 | ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ |
---|
الحجر: 31 | ﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ |
---|
طه: 116 | ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء