ترتيب المصحف | 9 | ترتيب النزول | 113 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 21.00 |
عدد الآيات | 129 | عدد الأجزاء | 1.05 |
عدد الأحزاب | 2.10 | عدد الأرباع | 8.50 |
ترتيب الطول | 7 | تبدأ في الجزء | 10 |
تنتهي في الجزء | 11 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 2/21 | _ |
بعدَ ذكرِ حالِ المنافقينَ شبَّهَهُم اللهُ هنا بالأممِ المكذِّبةِ من قبلِهم في الكُفْرِ والاستهزاءِ والتَّمتعِ بملذاتِ الدُّنيا وتكذيبِ الأنبياءِ، وختَمَ ببيانِ قُبحِ مآلِهم.
لَمَّا ذكرَ أوصافَ المنافقينَ وجزاءَهم في الآخرةِ، نَاسَبَ ذلك الحديثُ عن المؤمنينَ وأعمالِهم وما وعدَهم اللهُ بهِ منَ النَّعيمِ.
التفسير :
تفسير الآيتين 69 و 70:ـ
قول تعالى محذرا المنافقين أن يصيبهم ما أصاب من قبلهم من الأمم المكذبة. {قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} أي: قرى قوم لوط.
فكلهم {أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أي: بالحق الواضح الجلي، المبين لحقائق الأشياء، فكذبوا بها، فجرى عليهم ما قص اللّه علينا، فأنتم أعمالكم شبيهة بأعمالهم، استمتعتم بخلاقكم، أي: بنصيبكم من الدنيا فتناولتموه على وجه اللذة والشهوة معرضين عن المراد منه، واستعنتم به على معاصي اللّه، ولم تتعد همتكم وإرادتكم ما خولتم من النعم كما فعل الذين من قبلكم وخضتم كالذي خاضوا، أي: وخضتم بالباطل والزور وجادلتم بالباطل لتدحضوا به الحق، فهذه أعمالهم وعلومهم، استمتاع بالخلاق وخوض بالباطل، فاستحقوا من العقوبة والإهلاك ما استحق من قبلهم ممن فعلوا كفعلهم، وأما المؤمنون فهم وإن استمتعوا بنصيبهم وما خولوا من الدنيا، فإنه على وجه الاستعانة به على طاعة اللّه، وأما علومهم فهي علوم الرسل، وهي الوصول إلى اليقين في جميع المطالب العالية، والمجادلة بالحق لإدحاض الباطل.
قوله {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} إذ أوقع بهم من عقوبته ما أوقع. {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} حيث تجرأوا على معاصيه، وعصوا رسلهم، واتبعوا أمر كل جبار عنيد
وقوله- تعالى-: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً ... جاء على أسلوب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لزجر المنافقين، وتحريك نفوسهم إلى الاعتبار والاتعاظ.
والكاف في قوله: كَالَّذِينَ للتشبيه، وهي في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف.
والتقدير: أنتم- أيها المنافقون- حالكم كحال الذين خلوا من قبلكم من الطغاة في الانحراف عن الحق، والاغترار بشهوات الدنيا وزينتها، ولكن هؤلاء الطغاة المهلكين، يمتازون عنكم بأنهم «كانوا أشد منكم قوة» في أبدانهم، وكانوا «أكثر» منكم «أموالا وأولادا» .
وقوله: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ بيان لموقف هؤلاء المهلكين من نعم الله- تعالى- والخلاق: مشتق من الخلق بمعنى التقدير. وأطلق على الحظ والنصيب لأنه مقدر لصاحبه.
أى: كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا، ولكنهم لم يشكروا الله على إحسانه، بل فتنوا بما بين أيديهم من نعم، واستمتعوا بنصيبهم المقدر لهم في هذه الحياة الدنيا، استمتاع الجاحدين الفاسقين.
والتعبير بالفاء المفيدة للتعقيب في قوله: فَاسْتَمْتَعُوا للإشعار بأن هؤلاء المهلكين بمجرد أن امتلأت أيديهم بالنعم، قد استعملوها في غير ما خلقت له، وسخروها لإرضاء شهواتهم الخسيسة، وملذاتهم الدنيئة.
وقوله: فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ ذم للمخاطبين وللذين سبقوهم لانتهاجهم جميعا طريق الشر والبطر.
أى: فأنتم- أيها المنافقون- قد استمتعتم بنصيبكم المقدر لكم من ملاذ الدنيا، وشهواتها الباطلة، كما استمتع الذين من قبلكم بنصيبهم في ذلك.
وقوله: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا معطوف على ما قبله.
أى: وخضتم- أيها المنافقون- في حمأة الباطل وفي طريق الغرور والهوى، كالخوض الذي خاضه السابقون من الأمم المهلكة.
قال الآلوسى قوله: «وخضتم» أى: دخلتم في الباطل «كالذي خاضوا» .
أى: كالذين فحذفت نونه تخفيفا، كما في قول الشاعر:
إن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد
ويجوز أن يكون «الذي» صفة لمفرد اللفظ، مجموع المعنى، كالفوج والفريق، فلوحظ في الصفة اللفظ. وفي الضمير المعنى، أو هو صفة لمصدر محذوف، أى: كالخوض الذي خاضوه، ورجح بعدم التكلف فيه .
وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: أى فائدة في قوله: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ وقوله: كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ مغن عنه كما أغنى قوله: كَالَّذِي خاضُوا عن أن يقال: وخاضوا فخضتم كالذي خاضوا؟
قلت: فائدته أن يذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا ورضاهم بها، والتهائهم بشهواتهم الفانية عن النظر في العاقبة، وطلب الفلاح في الآخرة، وأن يخسس أمر الاستمتاع، ويهجن أمر الرضا به، ثم يشبه بعد ذلك حال المخاطبين بحالهم، كما تريد أن تنبه بعض الظلمة على سماجة فعله فتقول: أنت مثل فرعون: كان يقتل بغير جرم، ويعذب ويعسف وأنت تفعل مثل ما فعله.
وأما «وخضتم كالذي خاضوا» فمعطوف على ما قبله مستند إليه، مستغن باستناده إليه عن تلك التقدمة» .
وقوله: أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ بيان لسوء مصيرهم في الدارين.
واسما الإشارة يعودان على المتصفين بتلك الصفات القبيحة من السابقين واللاحقين.
أى: أولئك المستمتعون بنصيبهم المقدر لهم في الشهوات الخسيسة، والخائضون في الشرور والآثام «حبطت أعمالهم» أى: فسدت وبطلت أعمالهم التي كانوا يرجون منفعتها «في الدنيا والآخرة» لأن هذه الأعمال لم يكن معها إيمان أو إخلاص، وإنما كان معها الرياء والنفاق، والفسوق والعصيان، والله- تعالى- لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم.
وقوله: وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أى: الكاملون في الخسران، الجامعون لكل ما من شأنه أن يؤدى إلى البوار والهلاك.
يقول تعالى : أصاب هؤلاء من عذاب الله في الدنيا والآخرة كما أصاب من قبلهم ، وقد كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا ، ( فاستمتعوا بخلاقهم ) قال الحسن البصري : بدينهم ، ( كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا ) أي : في الكذب والباطل ، ( أولئك حبطت أعمالهم ) أي : بطلت مساعيهم ، فلا ثواب لهم عليها لأنها فاسدة ( في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون ) ؛ لأنهم لم يحصل لهم عليها ثواب .
قال ابن جريج عن عمر بن عطاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( كالذين من قبلكم ) الآية ، قال ابن عباس : ما أشبه الليلة بالبارحة ، ( كالذين من قبلكم ) هؤلاء بنو إسرائيل ، شبهنا بهم ، لا أعلم إلا أنه قال : والذي نفسي بيده ، لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه .
قال ابن جريج : وأخبرني زياد بن سعد ، عن محمد بن زيد بن مهاجر ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده ، لتتبعن سنن الذين من قبلكم ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، وباعا بباع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه . قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ أهل الكتاب ؟ قال : فمه .
وهكذا رواه أبو معشر ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره وزاد : قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم القرآن . ( كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم ) قال أبو هريرة : الخلاق : الدين . ( وخضتم كالذي خاضوا ) قالوا : يا رسول الله ، كما صنعت فارس والروم ؟ قال : فهل الناس إلا هم .
وهذا الحديث له شاهد في الصحيح .
القول في تأويل قوله : كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المنافقين الذين قالوا: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ : أبالله وآيات كتابه ورسوله كنتم تستهزئون؟ =(كالذين من قبلكم)، من الأمم الذين فعلوا فعلكم، فأهلكهم الله, وعجل لهم في الدنيا الخزي، مع ما أعدَّ لهم من العقوبة والنكال في الآخرة. يقول لهم جل ثناؤه: واحذروا أن يحل بكم من عقوبة الله مثل الذي حلّ بهم, فإنهم كانوا أشد منكم قوةً وبطشًا, وأكثر منكم أموالا وأولادًا =(فاستمتعوا بخلاقهم)، يقول: فتمتعوا بنصيبهم وحظهم من دنياهم ودينهم, (1) ورضوا بذلك من نصيبهم في الدنيا عوضًا من نصيبهم في الآخرة، (2) وقد سلكتم، أيها المنافقون، سبيلهم في الاستمتاع بخلاقكم. يقول: فعلتم بدينكم ودنياكم، كما استمتع الأمم الذين كانوا من قبلكم، الذين أهلكتهم بخِلافهم أمري =(بخلاقهم), يقول: كما فعل الذين من قبلكم بنصيبهم من دنياهم ودينهم =(وخضتم)، في الكذب والباطل على الله =(كالذي خاضوا), يقول: وخضتم أنتم أيضًا، أيها المنافقون، كخوض تلك الأمم قبلكم. (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16930- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني أبو معشر, عن سعيد بن أبي سعيد المقبري, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتأخذُنَّ كما أخذ الأمم من قبلكم, ذراعًا بذراع, وشبرًا بشبر, وباعًا بباع، حتى لو أن أحدًا من أولئك دخل جُحر ضبٍّ لدخلتموه! = قال أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم القرآن: (كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادًا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا) = قالوا: يا رسول الله, كما صنعت فارس والروم؟ قال: فهل الناس إلا هم؟ (4)
16931- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج، عن عمر بن عطاء, عن عكرمة، عن ابن عباس قوله: (كالذين من قبلكم)، الآية قال، قال ابن عباس: ما أشبه الليلة بالبارحة!(كالذين من قبلكم)، هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم, لا أعلم إلا أنه قال: والذي نفسي بيده لتَتَّبِعُنَّهم حتى لو دخل الرجل منهم جُحْر ضبٍّ لدخلتموه. (5)
16932- ...... قال ابن جريج: وأخبرنا زياد بن سعد, عن محمد بن زيد بن مهاجر, عن سعيد بن أبي سعيد المقبري, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتتبعُن سَننَ الذين من قبلكم، شبرًا بشبر, وذراعًا بذراع, وباعًا بباع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه! قالوا: ومن هم، يا رسول الله؟ أهلُ الكتاب! قال: فَمَهْ! (6)
16933- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال أبو سعيد الخدري أنه قال: فمن. (7)
16934- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: (فاستمتعوا بخلاقهم)، قال: بدينهم.
16935- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حَذَّركم أن تحدثوا في الإسلام حَدَثًا، وقد علم أنه سيفعل ذلك أقوامٌ من هذه الأمة, (8) فقال الله في ذلك: (فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا)، وإنما حسبوا أن لا يقع بهم من الفتنة ما وقع ببني إسرائيل قبلهم, وإن الفتنة عائدة كما بدأت.
* * *
وأما قوله: (أولئك حبطت أعمالهم)، فإن معناه: هؤلاء الذين قالوا: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ وفعلوا في ذلك فعل الهالكين من الأمم قبلهم =(حبطت أعمالهم)، يقول: ذهبت أعمالهم باطلا. فلا ثوابَ لها إلا النار, لأنها كانت فيما يسخط الله ويكرهه (9) =(وأولئك هم الخاسرون)، يقول: وأولئك هم المغبونون صفقتهم، ببيعهم نعيم الآخرة بخلاقهم من الدنيا اليسيرِ الزهيدِ (10)
----------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير "الاستمتاع" فيما سلف 12 : 116 ، تعليق : 1، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "الخلاق" فيما سلف 2 : 452 - 454 4 : 201 - 203 6 : 527 ، 528 .
(3) انظر تفسير "الخوض" فيما سلف ص : 332، تعليق : 2، والمراجع هناك.
(4) الأثر : 16930 - إسناده ضعيف .
"أبو معشر"، هو: "نجيج بن عبد الرحمن السندي"، منكر الحديث، مضى برقم : 1275 .
ولكن هذا الخبر له أصل في الصحيح ، فقد رواه البخاري في صحيحه من طريق أحمد بن يونس، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة (الفتح 13 : 254)، بغير هذا اللفظ.
يقال: "أخذ إخذ فلان"، إذا سار بسيرته.
(5) الأثر : 16931 - "عمر بن عطاء"، هذا الراوي عن عكرمة هو: "عمر بن عطاء بن وراز"، وهو ضعيف، ليس بشيء. قال أحمد: "روى ابن جريج، عن عمر بن عطاء، عن عكرمة، فهو: ابن وراز. وكل شيء روى ابن جريج ، عن عمر بن عطاء ، عن ابن عباس فهو ابن أبي الخوار"، فهما رجلان . وهو مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 13 126، وميزان الاعتدال 2 : 265 .
فهذا إسناد ضعيف أيضًا ، ولكن له أصل في الصحيح ، كما سلف من قبل.
(6) الأثر : 16932 - هذا إسناد تابع للإسناد السالف، ولكني فصلته عنه، لأن الإسناد الأول قد تم برواية ابن جريج حديث ابن عباس، ثم انتقل إلى إسناد آخر إلى أبي هريرة.
و "زياد بن سعد بن عبد الرحمن الخرساني"، وكان شريك ابن جريج، وهو ثقة، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب ، والكبير 2 1 327 ، وابن أبي حاتم 1 2 533 .
و "محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفذ التيمي القرشي"، ثقة، مضى برقم : 10521 .
فهذا خبر صحيح الإسناد.
وأما قوله: "فمه"، فقد كتبها في المطبوعة: "فمن"، وهي في المخطوطة بالهاء واضحة عليها سكون، ويدل على صواب ذلك، اقتصار ابن جريج في الخبر التالي على ذكر "فمن"، دون ذكر الخبر ، فهذا دال على أن الأولى مخالفة للثانية، لا مطابقة لها.
واستعمال "مه" بمعنى الاستفهام، قد ذكر له صاحب اللسان في مادة "ما"، شاهدًا،
ولكنه أ ساء في نقله عن ابن جني بعده ، فلم يتبين ما أراد قبله . قال: "ما: حرف نفي، وتكون بمعنى الذي . . . وتكون موضوعة موضع : من ، وتكون بمعنى الاستفهام وتبدل من الألف الهاء ، فيقال: مه ، قال الراجز :
قَــــدْ وَرَدَتْ مِـــنْ أَمْكِنَـــهْ
ومِـــنْ هَاهُنَـــا وَمْــنِ هُنَــهْ
إِنْ لَــــمْ أُرَوِّهــــا فَمَــــهْ
قال ابن جني: يحتمل، مه، هنا وجهين: أحدهما أن تكون: فمه، زجرًا منه، أي: فاكفف عني. ولست أهلا للعتاب = أو : فمه يا إنسان، يخاطب نفسه ويزجرها".
قلت : وهذا تحكم من أبي الفتح بن جني، فإن سياق الرجز يوجب أن يكون معناه: إن لم أرو أنا هذا الإبل، فمن يرويها؟ وهو صريح معنى الاستدلال الذي ساقه صاحب اللسان ، ولكنه أساء في البيان وقصر، وأساء في إردافه الكلام ما أردفه من كلام أبي الفتح .
وهذا الخبر الذي رواه ابن جريج، عن أبي هريرة ، دليل آخر وشاهد قوي على استعمالهم "مه"، بمعنى الاستفهام.
(7) الأثر : 16933 - حديث أبي سعيد الخدري، في معنى الأخبار السالفة رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 13 : 255 ) ، ومسلم في صحيحه 16 : 219 ، من طريق زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري .
وهذا الخبر رواه ابن جريج مختصرًا على كلمة واحدة ، وهي "فمن"، ليبين معنى رواية أبي هريرة قبل: "فمه" ، أنها بمعنى "فمن"، استفهامًا، كما سلف في التعليق قبله.
(8) جاء هكذا في المخطوطة: "حدثكم أن تحثوا في الإسلام حدثًا، وقد علمتم أنه ..."، وهو غير مقروء، ولا مستقيم، والذي في المطبوعة، كأنه منقول من الدر المنثور 3 : 255 ، فقد نسبه إلى أبي الشيخ، ولم ينسبه إلى ابن جرير، وهو فضلا عن ذلك ، مختصر في الدر المنثور.
(9) انظر تفسير " حبط " فيما سلف ص : 166، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(10) انظر تفسير "الخسران" فيما سلف 13 : 535 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 22 | ﴿ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ |
---|
البقرة: 217 | ﴿فَـ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ |
---|
التوبة: 69 | ﴿كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
تفسير الآيتين 69 و 70:ـ
قول تعالى محذرا المنافقين أن يصيبهم ما أصاب من قبلهم من الأمم المكذبة. {قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} أي: قرى قوم لوط.
فكلهم {أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أي: بالحق الواضح الجلي، المبين لحقائق الأشياء، فكذبوا بها، فجرى عليهم ما قص اللّه علينا، فأنتم أعمالكم شبيهة بأعمالهم، استمتعتم بخلاقكم، أي: بنصيبكم من الدنيا فتناولتموه على وجه اللذة والشهوة معرضين عن المراد منه، واستعنتم به على معاصي اللّه، ولم تتعد همتكم وإرادتكم ما خولتم من النعم كما فعل الذين من قبلكم وخضتم كالذي خاضوا، أي: وخضتم بالباطل والزور وجادلتم بالباطل لتدحضوا به الحق، فهذه أعمالهم وعلومهم، استمتاع بالخلاق وخوض بالباطل، فاستحقوا من العقوبة والإهلاك ما استحق من قبلهم ممن فعلوا كفعلهم، وأما المؤمنون فهم وإن استمتعوا بنصيبهم وما خولوا من الدنيا، فإنه على وجه الاستعانة به على طاعة اللّه، وأما علومهم فهي علوم الرسل، وهي الوصول إلى اليقين في جميع المطالب العالية، والمجادلة بالحق لإدحاض الباطل.
قوله {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} إذ أوقع بهم من عقوبته ما أوقع. {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} حيث تجرأوا على معاصيه، وعصوا رسلهم، واتبعوا أمر كل جبار عنيد
ثم ساق لهم- سبحانه- من أخبار السابقين ما فيه الكفاية للعظة والاعتبار لو كانوا يعقلون، فقال- تعالى-: أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ....
والاستفهام للتقرير والتحذير. والمراد بنبإ الذين من قبلهم: أخبارهم التي تتناول أقوالهم وأعمالهم، كما تتناول ما حل بهم من عقوبات، بسبب تكذيبهم لأنبيائهم.
والمعنى: ألم يصل إلى أسماع هؤلاء المنافقين، خبر أولئك المهلكين من الأقوام السابقين بسبب عصيانهم لرسلهم، ومن هؤلاء الأقوام «قوم نوح» الذين أغرقوا بالطوفان، وقوم «عاد» الذين أهلكوا بريح صرصر عاتية، وقوم «ثمود» الذين أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين، «وقوم إبراهيم» الذين سلب الله نعمه عنهم، وأذل غرور زعيمهم الذي حاج إبراهيم في ربه، «وأصحاب مدين» وهم قوم شعيب الذين أخذتهم الصيحة، «والمؤتفكات» وهم أصحاب قرى قوم لوط، التي جعل الله عاليها سافلها ...
والائتفاك: معناه الانقلاب بجعل أعلى الشيء أسفله. يقال: أفكه يأفكه إذا قلبه رأسا على عقب.
وذكر- سبحانه- هنا هذه الطوائف الست، لأن آثارهم باقية، ومواطنهم هي الشام والعراق واليمن، وهي مواطن قريبة من أرض العرب، فكانوا يمرون عليها في أسفارهم، كما كانوا يعرفون الكثير من أخبارهم.
قال- تعالى-: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ، وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ.
وقوله: أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ كلام مستأنف لبيان أنبائهم وأخبارهم.
أى: أن هؤلاء الأقوام المهلكين السابقين، قد أتتهم رسلهم بالحجج الواضحات الدالة على وحدانية الله وعلى وجوب إخلاص العبادة له..
والفاء في قوله: فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ للعطف على كلام مقدر يدل عليه المقام.
أى: أتتهم رسلهم بالبينات، فكذبوا هؤلاء الرسل، فعاقبهم الله- تعالى- على هذا التكذيب. وما كان من سنته- سبحانه- ليظلمهم، لأنه لا يظلم الناس شيئا «ولكن كانوا أنفسهم يظلمون» بسبب كفرهم وجحودهم، واستحبابهم العمى على الهدى، وإيثارهم الغي على الرشد.
هذا، ومن هاتين الآيتين الكريمتين نرى بوضوح، أن الغرور بالقوة، والافتتان بالأموال والأولاد، والانغماس في الشهوات والملذات الخسيسة. والخوض في طريق الباطل، وعدم الاعتبار بما حل بالطغاة والعصاة..
كل ذلك يؤدى إلى الخسران في الدنيا والآخرة، وإلى التعرض لسخط الله وعقابه.
كما نرى منهما أن من سنة الله في خلقه، أنه- سبحانه- لا يعاقب إلا بذنب، ولا يأخذ العصاة والطغاة أخذ عزيز مقتدر، إلا بعد استمرارهم في طريق الغواية، وإعراضهم عن نصح الناصحين، وإرشاد المرشدين. وصدق الله إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً، وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
وبعد أن تحدثت السورة الكريمة عن أحوال المنافقين، وصفاتهم، وسوء عاقبتهم..
أتبعت ذلك بالحديث عن المؤمنين الصادقين، وعما أعده الله لهم من نعيم مقيم، فقال- سبحانه-:
يقول تعالى واعظا لهؤلاء المنافقين المكذبين للرسل : ( ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم ) أي : ألم تخبروا خبر من كان قبلكم من الأمم المكذبة للرسل ( قوم نوح ) وما أصابهم من الغرق العام لجميع أهل الأرض ، إلا من آمن بعبده ورسوله نوح ، عليه السلام ، ( وعاد ) كيف أهلكوا بالريح العقيم ، لما كذبوا هودا ، عليه السلام ، ( وثمود ) كيف أخذتهم الصيحة لما كذبوا صالحا - عليه السلام - وعقروا الناقة ، ( وقوم إبراهيم ) كيف نصره الله عليهم وأيده بالمعجزات الظاهرة عليهم ، وأهلك ملكهم النمروذ بن كنعان بن كوش الكنعاني لعنه الله ، ( وأصحاب مدين ) وهم قوم شعيب - عليه السلام - وكيف أصابتهم الرجفة والصيحة وعذاب يوم الظلة ، ( والمؤتفكات ) قوم لوط ، وقد كانوا يسكنون في مدائن ، وقال في الآية الأخرى : ( والمؤتفكة أهوى ) [ النجم : 53 ، ] أي : الأمة المؤتفكة ، وقيل : أم قراهم ، وهي " سدوم " . والغرض : أن الله تعالى أهلكهم عن آخرهم بتكذيبهم نبي الله لوطا - عليه السلام - وإتيانهم الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين .
( أتتهم رسلهم بالبينات ) أي : بالحجج والدلائل القاطعات ، ( فما كان الله ليظلمهم ) أي : بإهلاكه إياهم ؛ لأنه أقام عليهم الحجة بإرسال الرسل وإزاحة العلل ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) أي : بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم الحق ، فصاروا إلى ما صاروا إليه من العذاب والدمار .
القول في تأويل قوله : أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ألم يأت هؤلاء المنافقين الذين يُسِرُّون الكفرَ بالله, وينهون عن الإيمان به وبرسوله =(نبأ الذين من قبلهم)، يقول: خبر الأمم الذين كانوا من قبلهم، (11) حين عصوا رسلنا وخالفوا أمرنا، ماذا حلّ بهم من عقوبتنا؟
ثم بين جل ثناؤه مَنْ أولئك الأمم التي قال لهؤلاء المنافقين ألم يأتهم نَبَأهُم, فقال: (قوم نوح)، ولذلك خفض " القوم "، لأنه ترجم بهن عن " الذين ", و " الذين " في موضع خفض.
* * *
ومعنى الكلام: ألم يأت هؤلاء المنافقين خبر قوم نوح وصنيعي بهم, إذ كذبوا رسولي نوحًا، وخالفوا أمري؟ ألم أغرقهم بالطوفان؟
=(وعاد)، يقول: وخبر عاد، إذ عصوا رسولي هودًا, ألم أهلكهم بريح صرصر عاتية ؟ = وخبر ثمود، إذ عصوا رسولي صالحًا, ألم أهلكهم بالرجفة, فأتركهم بأفنيتهم خمودًا؟ = وخبر قوم إبراهيم، إذ عصوه وردُّوا عليه ما جاءهم به من عند الله من الحق, ألم أسلبهم النعمة، وأهلك ملكهم نمرود؟ = وخبر أصحابِ مَدْين بن إبراهيم, ألم أهلكهم بعذاب يوم الظلة إذ كذبوا رسولي شعيبًا؟ = وخبر المنقلبة بهم أرضُهم, فصار أعلاها أسفلها, إذ عصوا رسولي لوطًا، (12) وكذبوا ما جاءهم به من عندي من الحق؟ يقول تعالى ذكره: أفأمن هؤلاء المنافقون الذين يستهزءون بالله وبآياته ورسوله, أن يُسْلك بهم في الانتقام منهم، وتعجيل الخزي والنكال لهم في الدنيا، سبيلُ أسلافهم من الأمم, ويحلّ بهم بتكذيبهم رسولي محمدًا صلى الله عليه وسلم ما حلّ بهم في تكذيبهم رُسلنا, إذ أتتهم بالبينات.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16936- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (والمؤتفكات)، قال: قوم لوط، انقلبت بهم أرضهم, فجعل عاليها سافلها.
16937- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (والمؤتفكات)، قال: هم قوم لوط.
* * *
فإن قال قائل: فإن كان عني بـ " المؤتفكات " قوم لوط, فكيف قيل: " المؤتفكات ", فجمعت ولم توحّد؟
قيل: إنها كانت قريات ثلاثًا, فجمعت لذلك, ولذلك جمعت بالتاء، على قول الله: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ،[سورة النجم: 53]. (13)
فإن قال: وكيف قيل: أتتهم رسلهم بالبينات, وإنما كان المرسل إليهم واحدًا؟
قيل: معنى ذلك: أتى كل قرية من المؤتفكات رسولٌ يدعوهم إلى الله, فتكون رُسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بعثهم إليهم للدعاء إلى الله عن رسالته، رسلا إليهم, كما قالت العرب لقوم نسبوا إلى أبي فديك الخارجي: " الفُدَيْكات "، و " أبو فديك "، واحدٌ, ولكن أصحابه لما نسبوا إليه وهو رئيسهم، دعوا بذلك، ونسبوا إلى رئيسهم. فكذلك قوله: (أتتهم رسلهم بالبينات).
* * *
وقد يحتمل أن يقال معنى ذلك: أتت قوم نوح وعاد وثمود وسائر الأمم الذين ذكرهم الله في هذه الآية، رسلهم من الله بالبينات.
* * *
وقوله: (فما كان الله ليظلمهم)، يقول جل ثناؤه: فما أهلك الله هذه الأمم التي ذكر أنه أهلكها إلا بإجرامها وظلمها أنفسها، واستحقاقها من الله عظيم العقاب, لا ظلمًا من الله لهم، ولا وضعًا منه جل ثناؤه عقوبةً في غير من هو لها أهلٌ، لأن الله حكيم لا خلل في تدبيره، ولا خطأ في تقديره, ولكن القوم الذين أهلكهم ظلموا أنفسهم بمعصية الله وتكذيبهم رسله، حتى أسخطوا عليهم ربهم، فحقت عليهم كلمة العذاب فعذِّبوا.
-------------------------
الهوامش :
(11) انظر تفسير "النبأ" فيما سلف ص : 331 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك.
(12) انظر تفسير "الائتفاك" فيما سلف ص: 208، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.
(13) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 446.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
التوبة: 70 | ﴿أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فـ مَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ |
---|
العنكبوت: 40 | ﴿وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَ مَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ |
---|
الروم: 9 | ﴿وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَـ مَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ |
---|
آل عمران: 117 | ﴿كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ۚ و مَا ظَلَمَهُمُ اللَّـهُ وَلَـٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ |
---|
النحل: 33 | ﴿كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ و مَا ظَلَمَهُمُ اللَّـهُ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
لما ذكر أن المنافقين بعضهم أولياء بعض ذكر أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، ووصفهم بضد ما وصف به المنافقين، فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ} أي: ذكورهم وإناثهم {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} في المحبة والموالاة، والانتماء والنصرة.
{يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} وهو: اسم جامع، لكل ما عرف حسنه، من العقائد الحسنة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، وأول من يدخل في أمرهم أنفسهم، {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وهو كل ما خالف المعروف وناقضه من العقائد الباطلة، والأعمال الخبيثة، والأخلاق الرذيلة.
{وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي: لا يزالون ملازمين لطاعة اللّه ورسوله على الدوام.
{أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} أي: يدخلهم في رحمته، ويشملهم بإحسانه.
{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي: قوي قاهر، ومع قوته فهو حكيم، يضع كل شيء موضعه اللائق به الذي يحمد على ما خلقه وأمر به.
قال الإمام ابن كثير: لما ذكر- سبحانه- صفات المنافقين الذميمة، عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة فقال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أى: يتناصرون ويتعاضدون كما جاء في الحديث الصحيح: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» . وفي الصحيح- أيضا-: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» .
وقال- سبحانه- هنا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ بينما قال في المنافقين بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ للإشعار بأن المؤمنين في تناصرهم وتعاضدهم وتراحمهم مدفوعون بدافع العقيدة الدينية التي ألفت بين قلوبهم، وجعلتهم أشبه ما يكونون بالجسد الواحد، أما المنافقون فلا توجد بينهم هذه الروابط السامية، وإنما الذي يوجد بينهم هو التقليد واتباع الهوى، والسير وراء العصبية الممقوتة، فهم لا ولاية بينهم، وإنما الذي بينهم هو التقليد وكراهية ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... بيان للآثار التي تترتب على تلك الولاية الخالصة، وتفصيل للصفات الحسنة التي تحلى بها المؤمنون والمؤمنات.
أى: أن من صفات هؤلاء المؤمنين والمؤمنات الذين جمعتهم العقيدة الدينية على التناصر والتراحم.. من صفاتهم أنهم يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ أى يأمرون بكل خير دعا إليه الشرع، وينهون عن كل شر تأباه تعاليم الإسلام الحنيف.
وقوله: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ أى: يؤدونها في أوقاتها بإخلاص وخشوع..
وقوله: وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أى: يعطونها لمستحقيها بدون منّ أو أذى..
وقوله: وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أى: في سائر الأحوال بدون ملل أو انقطاع أو تكاسل..
وقوله: أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ بيان للجزاء الطيب الذي ادخره الله- تعالى- لهم.
أى: أولئك المؤمنون والمؤمنات المتصفون بتلك الصفات السامية، سيرحمهم الله- تعالى- برحمته الواسعة، إنه- سبحانه- «عزيز» لا يعجزه شيء «حكيم» في كل أفعاله وتصرفاته.
قال صاحب الكشاف: «والسين هنا مفيدة لوجود الرحمة، فهي تؤكد الوعد، كما تؤكد الوعيد كما في قولك: سأنتقم منك يوما، تعنى أنك لا تفوتني وإن تباطأ ذلك، ونحوه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا
لما ذكر [ الله ] تعالى صفات المنافقين الذميمة ، عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة ، فقال : ( بعضهم أولياء بعض ) أي : يتناصرون ويتعاضدون ، كما جاء في الصحيح : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه وفي الصحيح أيضا : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم ، كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر .
وقوله : ( يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) كما قال تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) [ آل عمران : 104 ] .
وقوله تعالى : ( ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ) أي : يطيعون الله ويحسنون إلى خلقه ، ( ويطيعون الله ورسوله ) أي : فيما أمر ، وترك ما عنه زجر ، ( أولئك سيرحمهم الله ) أي : سيرحم الله من اتصف بهذه الصفات ، ( إن الله عزيز حكيم ) أي : عزيز ، من أطاعه أعزه ، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، ( حكيم ) في قسمته هذه الصفات لهؤلاء ، وتخصيصه المنافقين بصفاتهم المتقدمة ، فإن له الحكمة في جميع ما يفعله تبارك وتعالى .
القول في تأويل قوله : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأما " المؤمنون والمؤمنات ", وهم المصدقون بالله ورسوله وآيات كتابه, فإن صفتهم: أن بعضهم أنصارُ بعض وأعوانهم (14) =(يأمرون بالمعروف)، يقول: يأمرون الناس بالإيمان بالله ورسوله, وبما جاء به من عند الله، (15) = [(وينهون عن المنكر) ... ] (16) =(ويقيمون الصلاة)، يقول: ويؤدُّون الصلاة المفروضة (17) =(ويؤتون الزكاة)، يقول: ويعطون الزكاة المفروضةَ أهلَها (18) =(ويطيعون الله ورسوله)، فيأتمرون لأمر الله ورسوله، وينتهون عما نهياهم عنه =(أولئك سيرحمهم الله)، يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم، الذين سيرحمهم الله, فينقذهم من عذابه، ويدخلهم جنته, لا أهل النفاق والتكذيب بالله ورسوله, الناهون عن المعروف, الآمرون بالمنكر, القابضون أيديهم عن أداء حقّ الله من أموالهم =(إن الله عزيز حكيم)، يقول: إن الله ذو عزة في انتقامه ممن انتقم من خلقه على معصيته وكفره به, لا يمنعه من الانتقام منه مانع، ولا ينصره منه ناصر =(حكيم)، في انتقامه منهم، وفي جميع أفعاله. (19)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16938- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية قال: كل ما ذكره الله في القرآن من " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ", فـ " الأمر بالمعروف "، دعاء من الشرك إلى الإسلام = و " النهي عن المنكر "، النهي عن عبادة الأوثان والشياطين.
16939-...... قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (يقيمون الصلاة)، قال: الصلوات الخمس.
--------------------
الهوامش :
(14) انظر تفسير " الأولياء " فيما سلف من فهارس اللغة (ولي).
(15) انظر تفسير " المعروف " فيما سلف ص : 338 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(16) ما بين القوسين زدته استظهارًا ، وهو تمام الآية ، أخل به الناسخ، وأسقط تفسيره، كما هو بين من سياق أبي جعفر في تفسيره.
انظر تفسير "المنكر" فيما سلف ص : 338، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.
(17) انظر تفسير " إقامة الصلاة " فيما سلف من فهارس اللغة (قوم).
(18) انظر تفسير " إيتاء الزكاة " فيما سلف من فهارس اللغة (أتى).
(19) انظر تفسير "عزيز"، و "حكيم"، فيما سلف من فهارس اللغة (عزز) ، (حكم).
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
آل عمران: 104 | ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ |
---|
آل عمران: 114 | ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَـٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ |
---|
التوبة: 71 | ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ثم ذكر ما أعد اللّه لهم من الثواب فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} جامعة لكل نعيم وفرح، خالية من كل أذى وترح، تجري من تحت قصورها ودورها وأشجارها الأنهار الغزيرة، المروية للبساتين الأنيقة، التي لا يعلم ما فيها من الخيرات والبركات إلا اللّه تعالى.
{خَالِدِينَ فِيهَا} لا يبغون عنها حِوَلًا {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} قد زخرفت وحسنت وأعدت لعباد اللّه المتقين، قد طاب مرآها، وطاب منزلها ومقيلها، وجمعت من آلات المساكن العالية ما لا يتمنى فوقه المتمنون، حتى إن اللّه تعالى قد أعد لهم غرفا في غاية الصفاء والحسن، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها.
فهذه المساكن الأنيقة، التي حقيق بأن تسكن إليها النفوس، وتنزع إليها القلوب، وتشتاق لها الأرواح، لأنها في جنات عدن، أي: إقامة لا يظعنون عنها، ولا يتحولون منها.
{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ} يحله على أهل الجنة {أَكْبَرُ} مما هم فيه من النعيم، فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية ربهم ورضوانه عليهم، ولأنه الغاية التي أمَّها العابدون، والنهاية التي سعى نحوها المحبون، فرضا رب الأرض والسماوات، أكبر من نعيم الجنات.
{ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} حيث حصلوا على كل مطلوب، وانتفى عنهم كل محذور، وحسنت وطابت منهم جميع الأمور، فنسأل اللّه أن يجعلنا معهم بجوده.
ثم فصل- سبحانه- مظاهر رحمته للمؤمنين والمؤمنات أصحاب تلك الصفات السابقة فقال: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.
أى: وَعَدَ اللَّهُ بفضله وكرمه الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أى: من تحت بساتينها وأشجارها وقصورها خالِدِينَ فِيها في تلك الجنات خلودا أبديا.
ووعدهم كذلك «مساكن طيبة» أى: منازل حسنة، تنشرح لها الصدور وتستطيبها النفوس.
وقوله: «في جنات عدن» أى في جنات ثابتة مستقرة. يقال: فلان عدن بمكان كذا، إذا استقر به وثبت فيه، ومنه سمى المعدن معدنا لاستقراره في باطن الأرض.
وقيل: إن كلمه «عدن» علم على مكان مخصوص في الجنة، أى في جنات المكان المسمى بهذا الاسم وهو «عدن» .
ثم بشرهم- سبحانه- بما هو أعظم من كل ذلك فقال: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ.
أى أن المؤمنين والمؤمنات ليس لهم هذه الجنات والمساكن الطيبة فحسب وإنما لهم ما هو أكبر من ذلك وأعظم وهو رضا الله- تعالى- عنهم، وتجليه عليهم، وتشرفهم بمشاهدة ذاته الكريمة، وشعورهم بأنهم محل رعاية الله وكرمه.
والتنكير في قوله: وَرِضْوانٌ للتعظيم والتهويل، وللإشارة إلى أن الشيء اليسير من هذا الرضا الإلهى على العبد، أكبر من الجنات ومن المساكن الطيبة، ومن كل حطام الدنيا.
روى الشيخان عن أبى سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله- عز وجل- يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك.
فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا ربنا وأى شيء أفضل من ذلك؟
فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا» .
وروى البزار في مسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله- تعالى-: هل تشتهون شيئا فأزيدكم؟
قالوا: يا ربنا وما خير مما أعطيتنا؟ قال: رضواني أكبر» .
وقوله: ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أى: ذلك الذي وعد الله به المؤمنين والمؤمنات في جنات ومساكن طيبة، ومن رضا من الله عنهم، هو الفوز العظيم الذي لا يقاربه فوز، ولا يدانيه نعيم، ولا يسامى شرفه شرف..
وبهذا نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد بشرتا المؤمنين والمؤمنات بأعظم البشارات، ووصفتهم بأشرف الصفات، وقابلت بين جزائهم وبين جزاء الكفار والمنافقين، بما يحمل العاقل على أن يسلك طريق المؤمنين، وعلى أن ينهج نهجهم، ويتحلى بأوصافهم ... وبذلك يفوز بنعيم الله ورضاه كما فازوا، ويسعد كما سعدوا، وينجو من العذاب الذي توعد الله به المنافقين والكافرين، بسبب إصرارهم على الكفر والنفاق، وإيثارهم الغىّ على الرشد.
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم بمجاهدة الكفار والمنافقين بكل وسيلة، لأنهم جميعا لا يريدون الانتهاء عن المكر السيئ بالدعوة الإسلامية فقال- تعالى-:
يخبر تعالى بما أعده للمؤمنين به والمؤمنات من الخيرات والنعيم المقيم في ( جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) أي : ماكثين فيها أبدا ، ( ومساكن طيبة ) أي : حسنة البناء ، طيبة القرار ، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي عمران الجوني ، عن أبي بكر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن .
وبه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، طولها ستون ميلا في السماء ، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم ، لا يرى بعضهم بعضا أخرجاه .
وفي الصحيحين أيضا ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من آمن بالله ورسوله ، وأقام الصلاة وصام رمضان ، فإن حقا على الله أن يدخله الجنة ، هاجر في سبيل الله ، أو جلس في أرضه التي ولد فيها . قالوا : يا رسول الله ، أفلا نخبر الناس ؟ قال : إن في الجنة مائة درجة ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة ، وفوقه عرش الرحمن .
وعند الطبراني والترمذي وابن ماجه ، من رواية زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول . . . فذكر مثله .
وللترمذي عن عبادة بن الصامت ، مثله .
وعن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أهل الجنة ليتراءون في الغرفة في الجنة ، كما تراءون الكوكب في السماء . أخرجاه في الصحيحين .
ثم ليعلم أن أعلى منزلة في الجنة مكان يقال له : " الوسيلة " لقربه من العرش ، وهو مسكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجنة ، كما قال الإمام أحمد [ بن حنبل ] .
حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان ، عن ليث ، عن كعب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا صليتم علي فسلوا الله لي الوسيلة ، قيل : يا رسول الله ، وما الوسيلة ؟ قال : أعلى درجة في الجنة ، لا ينالها إلا رجل واحد ، وأرجو أن أكون أنا هو .
وفي صحيح مسلم ، من حديث كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أني أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة يوم القيامة .
[ وفي صحيح البخاري ، من حديث محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة ] .
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن علي الأبار ، حدثنا الوليد بن عبد الملك الحراني ، حدثنا موسى بن أعين ، عن ابن أبي ذئب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سلوا الله لي الوسيلة ، فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلا كنت له شهيدا - أو شفيعا - يوم القيامة .
وفي مسند الإمام أحمد ، من حديث سعد أبي مجاهد الطائي ، عن أبي مدلة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قلنا : يا رسول الله ، حدثنا عن الجنة ، ما بناؤها ؟ قال : لبنة ذهب ، ولبنة فضة ، وملاطها المسك ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم لا يبأس ، ويخلد لا يموت ، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه .
وروي عن ابن عمر مرفوعا ، نحوه .
وعند الترمذي من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها ، وبطونها من ظهورها . فقام أعرابي فقال : يا رسول الله ، لمن هي ؟ فقال : لمن طيب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام .
ثم قال : حديث غريب .
ورواه الطبراني ، من حديث عبد الله بن عمرو وأبي مالك الأشعري ، كل منهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه وكل من الإسنادين جيد حسن ، وعنده أن السائل هو " أبو مالك " ، فالله أعلم .
وعن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا هل مشمر إلى الجنة ؟ فإن الجنة لا خطر لها ، هي - ورب الكعبة - نور يتلألأ وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد ، في دار سليمة ، وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية . قالوا : نعم يا رسول الله ، نحن المشمرون لها ، قال : قولوا : إن شاء الله . فقال القوم : إن شاء الله . رواه ابن ماجه .
وقوله تعالى : ( ورضوان من الله أكبر ) أي : رضا الله عنهم أكبر وأجل وأعظم مما هم فيه من النعيم ، كما قال الإمام مالك - رحمه الله - عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله - عز وجل - يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك يا ربنا وسعديك ، والخير في يدك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك . فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب ، وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا أخرجاه من حديث مالك .
وقال أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي : حدثنا الفضل الرخامي ، حدثنا الفرياني ، عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله - عز وجل - : هل تشتهون شيئا فأزيدكم ؟ قالوا : يا ربنا ، ما خير مما أعطيتنا ؟ قال : رضواني أكبر .
ورواه البزار في مسنده ، من حديث الثوري ، وقال الحافظ الضياء المقدسي في كتابه " صفة الجنة " : هذا عندي على شرط الصحيح ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله : وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وعد الله الذين صدقوا الله ورسوله، وأقرُّوا به وبما جاء به من عند الله، من الرجال والنساء =(جنات تجري من تحتها الأنهار)، يقول: بساتين تجري تحت أشجارها الأنهار (20) =(خالدين فيها)، يقول: لابثين فيها أبدًا، مقيمين لا يزول عنهم نعيمها ولا يبيد (21) =(ومساكن طيبة)، يقول: ومنازل يسكنونها طيبةً. (22)
و " طيبها " أنها، فيما ذكر لنا، كما:-
16940- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسحاق بن سليمان, عن جَسْر، عن الحسن قال: سألت عمران بن حصين وأبا هريرة عن آية في كتاب الله تبارك وتعالى: (ومساكن طيبة في جنات عدن)، فقالا على الخبير سقطت! سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قصرٌ في الجنة من لؤلؤ, فيه سبعون دارًا من ياقوتة حمراء, في كل دار سبعون بيتًا من زمردة خضراء, في كل بيت سبعون سريرًا. (23)
16941- حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال، حدثنا قرة بن حبيب, عن جَسْر بن فرقد, عن الحسن, عن عمران بن حصين وأبي هريرة قالا سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (ومساكن طيبة في جنات عدن)، قال: قصر من لؤلؤة, في ذلك القصر سبعون دارًا من ياقوتة حمراء, في كل دار سبعون بيتًا من زبرجدة خضراء, في كل بيت سبعون سريرًا, على كل سرير فراشًا من كل لون, على كل فراش زوجة من الحور العين, في كل بيت سبعون مائدة, على كل مائدة سبعون لونًا من طعام, في كل بيت سبعون وصيفة، ويعطى المؤمن من القوة في غَداةٍ واحدة ما يأتي على ذلك كله أجمع. (24)
* * *
وأما قوله: (في جنات عدن)، فإنه يعني: وهذه المساكن الطيبة التي وصفها جل ثناؤه، (في جنات عدن).
* * *
و " في" من صلة " مساكن ".
* * *
وقيل: " جنات عدن ", لأنها بساتين خلد وإقامة، لا يظعَنُ منها أحدٌ.
* * *
وقيل: إنما قيل لها(جنات عدن), لأنها دارُ الله التي استخلصها لنفسه، ولمن شاء من خلقه = من قول العرب: " عَدَن فلان بأرض كذا ", إذا أقام بها وخلد بها, ومنه " المَعْدِن ", ويقال: " هو في معدِن صدق ", يعني به: أنه في أصلٍ ثابت. وقد أنشد بعض الرواة بيت الأعشى:
وَإنْ يَسْـــتَضِيفُوا إلَـــى حِلْمِــه
يُضَــافُوا إلَـى رَاجِـحٍ قَـدْ عَـدَن (25)
وينشد: " قد وَزَن ". (26)
* * *
وكالذي قلنا في ذلك كان ابن عباس وجماعة معه فيما ذكر، يتأوّلونه.
16942- حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير, عن خصيف, عن عكرمة, عن ابن عباس: (جنات عدن)، قال: " معدن الرجل "، الذي يكون فيه.
16943- حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا الليث بن سعد، عن زيادة بن محمد, عن محمد بن كعب القرظي, عن فضالة بن عبيد, عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يفتح الذكرَ في ثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت. ثم ينـزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن, وهي في داره التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر, وهي مسكنه, ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة: النبيين، والصديقين، والشهداء, ثم يقول: طوبى لمن دخلك ، وذكر في الساعة الثالثة. (27)
16944- حدثني موسى بن سهل قال، حدثنا آدم قال، حدثنا الليث بن سعد قال، حدثنا زيادة بن محمد, عن محمد بن كعب القرظي, عن فضالة بن عبيد, عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عدن دارُه = يعني دار الله = التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر, وهي مسكنه, ولا يسكنها معه من بني آدم غير ثلاثة: النبيين, والصديقين, والشهداء. يقول الله تبارك وتعالى: طوبى لمن دخلك. (28)
* * *
وقال آخرون: معنى (جنات عدن)، جنات أعناب وكروم.
* ذكر من قال ذلك:
16945- حدثني أحمد بن أبي سريج الرازي قال، حدثنا زكريا بن عدي قال، حدثنا عبيد الله بن عمرو, عن زيد بن أبي أنيسة, عن يزيد بن أبي زياد, عن عبد الله بن الحارث: أن ابن عباس سأل كعبًا عن جنات عدن، فقال: هي الكروم والأعناب، بالسريانية. (29)
* * *
وقال آخرون: هي اسم لبُطْنان الجنة ووَسطها.
* ذكر من قال ذلك:
16946- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا شعبة, عن سليمان الأعمش, عن عبد الله بن مرة, عن مسروق, عن عبد الله قال: " عدن "، بُطْنان الجنة.
16947- حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا يحيى بن سعيد, عن سفيان وشعبة, عن الأعمش, عن عبد الله بن مرة, عن مسروق, عن عبد الله في قوله: (جنات عدن)، قال: بُطْنان الجنة = قال ابن بشار في حديثه، فقلت: ما بطنانها؟ = وقال ابن المثنى في حديثه، فقلت للأعمش: ما بطنان الجنة؟ = قال: وَسطها.
16948- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن عبد الله بن مرة، وأبي الضحى, عن مسروق, عن عبد الله: (جنات عدن)، قال: بطنان الجنة.
16949-...... قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق, عن عبد الله, بمثله.
16950- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن شعبة, عن سليمان, عن عبد الله بن مرة, عن مسروق, عن عبد الله, مثله.
16951- حدثنا أحمد بن أبي سريج قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن أبي الضحى، وعبد الله بن مرة، عنهما جميعًا, أو عن أحدهما, عن مسروق, عن عبد الله: (جنات عدن)، قال: بطنان الجنة.
16952- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن أبي الضحى, عن مسروق, عن عبد الله بن مسعود في قول الله: (جنات عدن)، قال: بُطْنان الجنة.
* * *
وقال آخرون: " عدن "، اسم لقصر.
* ذكر من قال ذلك:
16953- حدثني علي بن سعيد الكندي قال، حدثنا عبدة أبو غسان, عن عون بن موسى الكناني, عن الحسن قال: " جنات عدن ", وما أدراك ما جنات عدن؟ قصرٌ من ذهَب، لا يدخله إلا نبي، أو صدّيق، أو شهيد، أو حكم عدل، ورفع به صوته. (30)
16954- حدثنا أحمد بن أبي سريج قال، حدثنا عبد الله بن عاصم قال، حدثنا عون بن موسى قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول: جنات عدن, وما أدراك ما جنات عدن؟ قصر من ذهب, لا يدخله إلا نبيّ، أو صدّيق, أو شهيد, أو حكم عدل = رفع الحسن به صوته. (31)
16955- حدثنا أحمد قال، حدثنا يزيد قال: أخبرنا حماد بن سلمة, عن يعلى بن عطاء, عن نافع بن عاصم, عن عبد الله بن عمرو قال: إن في الجنة قصرًا يقال له " عدن ", حوله البروج والرُّوح, له خمسون ألف باب، على كل باب حِبَرة, (32) لا يدخله إلا نبيّ أو صدّيق.
16956- حدثنا الحسن بن ناصح قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة, عن يعلى بن عطاء قال: سمعت يعقوب بن عاصم يحدث, عن عبد الله بن عمرو: إن في الجنة قصرًا يقال له " عدن ", له خمسة آلاف باب, على كل باب خمسة آلاف حِبَرة, لا يدخله إلا نبي أو صدّيق أو شهيد. (33)
* * *
وقيل: هي مدينة الجنة.
* ذكر من قال ذلك:
16957- حدثت عن عبد الرحمن المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك: في (جنات عدن)، قال: هي مدينة الجنة, فيها الرُّسُل والأنبياء والشهداء، وأئمة الهدى, والناس حولهم بعدُ, والجنات حولها.
* * *
وقيل: إنه اسم نهر.
* ذكر من قال ذلك:
16958- حدثت عن المحاربي, عن واصل بن السائب الرقاشي, عن عطاء قال: " عدن "، نهر في الجنة, جنّاته على حافتيه.
* * *
وأما قوله: (ورضوان من الله أكبر)، فإن معناه: ورضَى الله عنهم أكبر من ذلك كله, (34) وبذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
16959- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن مالك بن أنس, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة ! فيقولون: لبّيك ربَّنَا وسعْدَيك ! فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تُعْطِ أحدًا من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضلَ من ذلك. قالوا: يا ربّ، وأيُّ شيء أفضل من ذلك! قال: أحِلّ عليكم رضوَاني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا. (35)
16960- حدثنا ابن حميد قال، حدثني يعقوب, عن حفص, عن شمر قال: يجيء القرآن يوم القيامة في صورة الرجل الشاحب، إلى الرجل حين ينشقُّ عنه قبره, فيقول: أبشر بكرامة الله! أبشر برضوان الله ! فيقول مثلك من يبشِّر بالخير؟ ومن أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي كُنْت أسهِر ليلك, وأُظمئ نهارك! فيحمله على رقبته حتى يُوافي به ربَّه, فيمثُلُ بين يديه فيقول: يا رب، عبدك هذا، اجزه عني خيرًا, فقد كنت أسهر ليله, وأظمئ نهاره, وآمره فيطيعني, وأنهاه فيطيعني. فيقول الرب تبارك وتعالى: فله حُلَّة الكرامة. فيقول: أي ربّ، زدْهُ, فإنه أهلُ ذلك ! فيقول: فله رِضْواني = قال: (ورضوان من الله أكبر). (36)
وابتُدِئ الخبر عن " رضوان الله " للمؤمنين والمؤمنات أنه أكبر من كلّ ما ذكر جل ثناؤه, فرفع, وإن كان " الرضوان " فيما قد وعدهم. ولم يعطف به في الإعراب على " الجنات " و " المساكن الطيبة ", ليعلم بذلك تفضيلُ الله رضوانَه عن المؤمنين، على سائر ما قسم لهم من فضله، وأعطاهم من كرامته, نظير قول القائل في الكلام لآخر: " أعطيتك ووصلتك بكذا, وأكرمتك, ورضاي بعدُ عنك أفضل لك ". (37)
* * *
=(ذلك هو الفوز العظيم)، هذه الأشياء التي وعدت المؤمنين والمؤمنات =(هو الفوز العظيم), يقول: هو الظفر العظيم، والنجاء الجسيم, لأنهم ظفروا بكرامة الأبد, ونَجوْا من الهوان في سَقَر، (38) فهو الفوز العظيم الذي لا شيء أعظم منه. (39)
----------------------
الهوامش :
(20) انظر تفسير "جنة" فيما سلف من فهارس اللغة (جنن).
(21) انظر تفسير "الخلود" فيما سلف من فهارس اللغة (خلد).
(22) انظر تفسير " طيبة " فيما سلف من فهارس اللغة (طيب).
(23) الأثر : 16940 - " إسحاق بن سليمان الرازي " ، شيخ أبي كريب ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 13224.
و " جسر " هو : " جسر بن فرقد ، أبو جعفر القصاب " ، روى عنه إسحاق بن سليمان ، وروى هو عن الحسن وغيره ، وكان رجلا صالحًا ، ولكنه في الحديث ليس بشيء. مترجم في الكبير 1 2 245 ، وقال: "ليس بذاك"، وفي ابن أبي حاتم 1 1 538 ، وميزان الاعتدال 1 : 184 ، ولسان الميزان 2 : 104 .
وكان في المطبوعة: "إسحاق بن سليمان، عن الحسن قال سألت" ، واسقط اسم "جسر"، لأنه كان في المخطوطة قد كتب: "عن الحسن، عن الحسن"، ثم ضرب الناسخ على "الألف واللام" من "الحسن" الأولى، فظنه قد ضرب عليه كله، والصواب ما أثبت، وسيأتي في الإسناد التالي.
وهذا الخبر ، ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 30 ، 31 ، وقال : " رواه البزار والطبراني في الأوسط . وفيه جسر بن فرقد ، وهو ضعيف، وقد وثقه سعيد بن عامر، وبقية رجال الطبراني ثقات" .
ثم خرجه في مجمع الزوائد 10 : 420 وقال : " رواه الطبراني ، وفيه : جسر بن فرقد ، وهو ضعيف"، فاختصر ما سلف .
وهو إسناد ضعيف كما قال ، فقد ضعف جسر بن فرقد، البخاري وغيره من الأئمة.
(24) 16941 - " قرة بن حبيب بن يزيد بن شهرزاد القنوي الرماح " ، ثقة . مترجم في التهذيب ، والكبير 41 183 ، وابن أبي حاتم 3 2 132 .
و " جسر بن فرقد " سلف في الإسناد وقبله . وكان في المطبوعة والمخطوطة : " حسن بن فرقد " ، وصوابه ما أثبت .
وهو إسناد ضعيف أيضًا.
(25) ديوانه : 17 ، ومخطوطة ديوانه القصيدة رقم : 15 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 264، واللسان " وزن " ، وهي من كلمته الأولى التي أقبل بها على قيس بن معد يكرب الكندي ، ورواية الديوان "إلى حكمه" ، ولكنها في المخطوطة ومجاز القرآن كما أثبتها، ولكن المطبوعة كتب "حكمه".
يقول قبله :
ولكــنّ رَبِّــي كَــفَى غُـــرْبتِي
بِحَـــمْدِ الإِلَــهِ , فقــد بَلَّغَــنْ
أَخَـــا ثِقَـــةٍ عَاليًـــا كَعْبُــهْ
جَــزيلَ العَطــاء كَــرِيمَ المِنَـنْ
كَرِيمًـــا شَــمائلُهُ, مِــنْ بَنــي
مُعَاوِيـــةَ الأَكْـــرَمِينَ السُّــنَنْ
فَــإنْ يَتْبَعُــوا أَمْــرَهُ يَرْشُــدُوا
وَإنْ يَسْـــأَلُوا مَالَــهُ لا يَضِــنّْ
و "استضاف إليه"، لجأ إليه عند الحاجة.
(26) في المطبوعة والمخطوطة: "قد وزن"، بالواو ورواية الديوان: "قد رزن" بالراء، وكله صحيح المعنى. وهذه التي ذكرها الطبري، هي الرواية التي فسرها صاحب اللسان في "وزن".
يقال: "وزن الشيء"، أي: رجح، و "وزن الرجل وزانة"، إذا كان متثبتًا، و "رجل وزين الرأي"، أصيله. و "رزن" بالراء مثله في المعنى، يقال: "رجل رزين"، أي: وقور.
(27) الأثران : 16943 ، 16944 - " زيادة بن محمد الأنصاري " ، منكر الحديث ، مترجم في التهذيب والكبير 2 1 407 ، وذكر إسناد هذا الخبر ، وابن أبي حاتم 1 2 619 ، وميزان الاعتدال 1 : 361 ، وساق هذا الحديث بطوله، وفيه ذكر الساعة الثالثة، ثم قال: "وهذه ألفاظ منكرة، لم يأت بها غير زيادة".
وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 10 : 412 وقال: "رواه البزار، وفيه زيادة بن محمد، وهو ضعيف".
وكان في المطبوعة في الخبر الأول : " الكندي سعد ، عن زيادة بن محمد " ، وصوابه " الليث بن سعد " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لأنه وصل الحروف بعضها ببعض .
(28) الأثر : 16944 - انظر التعليق السالف . و "آدم"، هو "آدم بن أبي إياس".
(29) الأثر : 16945 - " أحمد بن أبي سريج الرازي " ، هو " أحمد بن الصباح النهشلي الرازي " ، شيخ أبي جعفر . روى عنه البخاري، وأبو داود ، والنسائي . ثقة . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 1 1 56 .
و " زكريا بن عدي بن زريق التيمي " ، ثقة ، مضى برقم : 15446 .
و " عبيد الله بن عمرو الرقي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا ، منها رقم : 7187 .
و "زيد بن أبي أنيسة الجزري"، ثقة، مضى مرارًا آخرها : 13855 .
و "يزيد بن أبي زياد القرشي"، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل ، ثقة ، يضعف حديثه . مضى مرارًا ، آخرها رقم : 13308 .
و "عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي"، روى له الجماعة ، مضى أيضا ، برقم : 13308.
(30) الأثر : 16953 - " عبدة ، أبو غسان " ، لم أعرف من يكون؟
و "عون بن موسى الكنافي الليثي"، أبو روح، ثقة سمع الحسن. مترجم في الكبير 4 1 17 ، وابن أبي حاتم 3 1 386 .
(31) الأثر : 16954 - " أحمد بن أبي سريج " ، مضى برقم : 16945 .
" عبد الله بن عاصم الحماني " ، صدوق ، روى عنه أبو حاتم ، وأبو زرعة . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 2 134 .
"عون بن موسى الكناني"، مضى قبله.
(32) "الحبرة" (بكسر الحاء وفتح الباء): ضرب من برود اليمن منمر. وقالوا : " ليس : حبرة ، موضعًا أو شيئًا معلومًا ، إنما هو شيء " . وكأنه هو المراد في مثل هذا الخبر ، أي : ستور موشية.
(33) الأثر : 16956 - "الحسن بن ناصح"، هو "الحسن بن ناصح البصري السراج"، قال ابن أبي حاتم: "روى عن عثمان بن عثمان الغطفاني، ومعتمر بن سليمان، ومعاذ بن معاذ، ويحيى بن راشد، سمع منه أبي في المرحلة الثانية "، الجرح والتعديل 1 2 39 ، تاريخ بغداد 7 : 435 .
وهناك أيضا : " الحسن بن ناصح الخلال المخرمي " ، روى عن إسحاق بن منصور ، وغيره قال ابن أبي حاتم : " أدركته . ولم أكتب عنه ، وكان صدوقًا " ، وكأن هذا هو شيخ الطبري .
مترجم في ابن أبي حاتم 1 2 39 ، وتاريخ بغداد 7 : 435 .
وكان في المطبوعة : " الحسن بن ناجح " ، وهو مخالفة لما في المخطوطة .
و " يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي " ، ذكره ابن حبان في الثقات ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 2 388 ، وابن أبي حاتم 4 2 211 .
(34) انظر تفسير "الرضوان" فيما سلف ص 174، تعليق : 2 ، والمراجع هناك.
(35) الأثر: 16959 - هذا حديث صحيح رواه البخاري بهذا الإسناد نفسه، وبلفظه في صحيحه (الفتح 11 : 363 ، 364) ، واستوفى الكلام عليه الحافظ ابن حجر في شرحه. ورواه مسلم في صحيحه 17 : 168، وانظر ما سلف رقم: 6751 ، 16567 ، من حديث جابر بن عبد الله، غير مرفوع، وما علقت به عليه هناك . وذكره ابن كثير في تفسيره في هذا الموضع 4 : 202 وقال: "رواه البزار في مسنده، من حديث الثوري. وقال الحافظ الضياء المقدسي في كتابه صفة الجنة. هذا عندي على شرط الصحيح".
(36) الأثر : 16960 - "يعقوب"، هو: "يعقوب بن عبد الله القمي"، ثقة، مضى مرارًا، منها: 13045 .
و "حفص" هو "حفص بن حميد القمي"، ثقة، مضى برقم : 8518 .
و "شمر" هو "شمر بن عطية الأسدي الكاهلي"، ثقة ، مضى برقم : 11545 .
وانظر شواهد لبعض ألفاظ هذا الخبر فيما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 159 - 165 .
ولم أجد هذا الخبر مسندًا بلفظه هذا.
(37) في المطبوعة ، جعل الكلام هكذا : " أفضل ذلك ، هذه الأشياء التي وعدت المؤمنين والمؤمنات . . . " ، وهو غير مستقيم ، والذي أثبته هو الذي في المخطوطة ، ولكن ظاهر أنه قد سقط من الناسخ بعض كلام أبي جعفر . فاستظهرت أن السياق هو ذكر لفظ الآية ، ثم تفسير " ذلك " بقوله : " هذه الأشياء . . . " ، فأثبتها كذلك ، وفصلت بين الكلامين فصلا تامًا.
وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 446.
(38) في المطبوعة والمخطوطة : " الهوان في السفر " ، وهو لا معنى له ، والصواب ما أثبت .
(39) انظر تفسير " الفوز " فيما سلف ، 11 : 286 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
التوبة: 72 | ﴿وَعَدَ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ أَكْبَرُ﴾ |
---|
الصف: 12 | ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ورضوان:
وقرئ:
بضمتين، وهى قراءة الأعمش.