ترتيب المصحف | 41 | ترتيب النزول | 61 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 6.00 |
عدد الآيات | 54 | عدد الأجزاء | 0.33 |
عدد الأحزاب | 0.65 | عدد الأرباع | 2.60 |
ترتيب الطول | 36 | تبدأ في الجزء | 24 |
تنتهي في الجزء | 25 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 22/29 | الحواميم: 2/7 |
لمَّا ذكرَ الدلائلَ السماويةَ الأربعةَ الليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ، أتبعَها هنا بآيةٍ أرضيةٍ وهي إنباتُ النباتاتِ بالمطرِ، ثُمَّ تهديدُ المُلحدِينَ في آياتِ اللهِ، ثُمَّ بَيَّنَ شرفَ القرآنِ، =
قريبًا إن شاء الله
= ونزولَه بلغةِ العَربِ حتى لا يبقى لهم عذرٌ في الإعراضِ عنه، ثُمَّ بيانُ أنَّ التكذيبَ بكتبِ اللهِ عادةٌ قديمةٌ في الأممِ كما حدثَ معَ موسى عليه السلام ، ثُمَّ بَيَّنَ اللهٌ قانونَ الجزاءِ العادلِ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
{ وَمِنْ آيَاتِهِ} الدالة على كمال قدرته، وانفراده بالملك والتدبير والوحدانية،{ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} أي:لا نبات فيها{ فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ} أي:المطر{ اهْتَزَّتْ} أي:تحركت بالنبات{ وَرَبَتْ} ثم:أنبتت من كل زوج بهيج، فيحيي به العباد والبلاد.
{ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا} بعد موتها وهمودها،{ لَمُحْيِي الْمَوْتَى} من قبورهم إلى يوم بعثهم، ونشورهم{ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فكما لم تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها، لا تعجز عن إحياء الموتى.
ثم بين- سبحانه- آية أخرى من آياته الدالة على وجوب إخلاص العبادة له فقال:
وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ...
وخاشِعَةً أى، يابسة جدبة، خشعت الأرض، إذا أجدبت لعدم نزول المطر عليها وقوله: اهْتَزَّتْ أى: تحركت بالنبات قبل بروزه منها وبعد ظهوره على سطحها ورَبَتْ أى: انتفخت وعلت، لأن النبات إذا قارب الظهور ترى الأرض، ارتفعت له، ثم تشققت عنه. يقال: ربا الشيء إذا زاد وعلا وارتفع، ومنه الربوة للمكان المرتفع من الأرض.
أى: ومن آياته- تعالى- الدالة على وجوب العبادة له وحده، أنك- أيها العاقل- ترى الأرض يابسة جامدة، فإذا أنزلنا عليها بقدرتنا المطر، تحركت بالنبات، وارتفعت بسببه، ثم تصدعت عنه.
وعنى- سبحانه- هنا بقوله خاشِعَةً لأن الحديث عن وجوب السجود لله- تعالى- وحده، والحديث عن السجود والطاعة يناسبه الخشوع.
وفي سورة الحج قال- سبحانه-: وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً.. لأن الحديث هناك كان عن البعث، وعن إمكانيته، فناسب أن يعبر بالهمود الذي يدل على فقدان الحياة.
قال- تعالى- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ.. .
وقوله : ( ومن آياته ) أي : على قدرته على إعادة الموتى ( أنك ترى الأرض خاشعة ) أي : هامدة لا نبات فيها ، بل هي ميتة ( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ) أي : أخرجت من جميل ألوان الزروع والثمار ، ( إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير )
القول في تأويل قوله تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 39 )
يقول تعالى ذكره: ومن حجج الله أيضا وأدلته على قدرته على نشر الموتى من بعد بلاها, وإعادتها لهيئتها كما كانت من بعد فنائها أنك يا محمد ترى الأرض دارسة غبراء, لا نبات بها ولا زرع.
كما حدثنا بشر, قاله: ثنا يزيد, قاله: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً ) : أي غبراء متهشمة.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً ) قال: يابسة متهمشة.
( فَإِذَا أَنـزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ ) يقول تعالى ذكره: فإذا أنـزلنا من السماء غيثا على هذه الأرض الخاشعة اهتزت بالنبات. يقول: تحرّكت به.
كما حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال. ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( اهْتَزَّتْ ) قال: بالنبات ( وَرَبَتْ ) يقول: انتفخت.
كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, ( وَرَبَتْ ) انتفخت.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَإِذَا أَنـزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ) يعرف الغيث في سحتها وربوها.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَرَبَتْ ) للنبات, قال: ارتفعت قبل أن تنبت.
وقوله: ( إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى ) يقول تعالى ذكره: إن الذي أحيا هذه الأرض الدارسة فأخرج منها النبات, وجعلها تهتزّ بالزرع من بعد يبسها ودثورها بالمطر الذي أنـزل عليها لقادر أن يحيي أموات بني آدم من بعد مماتهم بالماء الذي ينـزل من السماء لإحيائهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قال: كما يحيي الأرض بالمطر, كذلك يحيي الموتى بالماء يوم القيامة بين النفختين. يعني بذلك تأويل قوله: ( إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى ) .
وقوله: ( إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد على إحياء خلقه بعد مماتهم وعلى كل ما يشاء ذو قدرة لا يعجزه شيء أراده, ولا يتعذّر عليه فعل شيء شاءه.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الحج: 5 | ﴿وَ تَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ |
---|
فصلت: 39 | ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
الإلحاد في آيات الله:الميل بها عن الصواب، بأي وجه كان:إما بإنكارها وجحودها، وتكذيب من جاء بها، وإما بتحريفها وتصريفها عن معناها الحقيقي، وإثبات معان لها، ما أرادها الله منها.
فتوعَّد تعالى من ألحد فيها بأنه لا يخفى عليه، بل هو مطلع على ظاهره وباطنه، وسيجازيه على إلحاده بما كان يعمل، ولهذا قال:{ أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ} مثل الملحد بآيات الله{ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} من عذاب الله مستحقًا لثوابه؟ من المعلوم أن هذا خير.
لما تبين الحق من الباطل، والطريق المنجي من عذابه من الطريق المهلك قال:{ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} إن شئتم، فاسلكوا طريق الرشد الموصلة إلى رضا ربكم وجنته، وإن شئتم، فاسلكوا طريق الغيِّ المسخطة لربكم، الموصلة إلى دار الشقاء.
{ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} يجازيكم بحسب أحوالكم وأعمالكم، كقوله تعالى:{ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
وبعد هذا الحديث عن مظاهر قدرة الله في هذا الكون، جاءت الآيات بعد ذلك لتهديد الذين يلحدون في آياته- تعالى- ولتمدح القرآن الكريم، ولتسلى النبي صلّى الله عليه وسلم عما لقيه من أعدائه، ولتبين أن من عمل صالحا فثمار عمله لنفسه، ومن عمل سيئا فعلى نفسه وحده يجنى..
وقوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى، إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ بيان لمظاهر قدرته- عز وجل-.
أى: إن الذي أحياها بنزول المطر عليها، ويخرج النبات منها، لقادر عن أن يحيى الموتى عن طريق البعث والنشور، إنه- سبحانه- على كل شيء قدير.
وقوله- تعالى- يُلْحِدُونَ من الإلحاد وهو الميل عن الاستقامة، والعدول عن الحق.
يقال ألحد فلان في كلامه إذا مال عن الصواب، ومنه اللحد في القبر، لأنه أميل إلى ناحية منه دون الأخرى.
والمعنى: إن الذين يميلون عن الحق في شأن آياتنا بأن يؤولوها تأويلا فاسدا، أو يقابلوها باللغو فيها وعدم التدبر لما اشتملت عليه من توجيهات حكيمة..
هؤلاء الذين يفعلون ذلك: لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أى ليسوا بغائبين عن علمنا، بل هم تحت بصرنا وقدرتنا، وسنجازيهم بما يستحقون من عقاب مهما ألحدوا ومالوا عن الحق والصواب.
فالجملة تهديد لهم على تحريفهم الباطل لآيات الله- تعالى-.
ثم بين- سبحانه- البون الشاسع بين عاقبة المؤمنين وعاقبة الكافرين، فقال: أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ؟.
والغرض من هذا الاستفهام بيان أن الذين يلحدون في آيات الله سيكون مصيرهم الإلقاء في النار، وأن الذين استجابوا للحق وساروا على طريقه وهم المؤمنون، سيأتون آمنين من الفزع يوم القيامة.
قال الآلوسى: «وكان الظاهر أن يقابل الإلقاء في النار بدخول الجنة، لكنه عدل عنه إلى ما في النظم الجليل، اعتناء بشأن المؤمنين، لأن الأمن من العذاب أعم وأهم، ولذا عبر عن الأول بالإلقاء الدال على القهر والقسر، وعبر عن الثاني بالإتيان الدال على أنه بالاختيار والرضا، مع الأمن ودخول الجنة..» .
وقوله- تعالى-: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ تهديد آخر لهم على إلحادهم.
أى: اعملوا أيها الملحدون ما شئتم من أعمال قبيحة، فإنها لا تخفى على خالقكم- عز وجل-، لأنه بصير بكم، ومطلع على أفعالكم، وسيجازيكم عليها الجزاء العادل الذي تستحقونه.
فالمقصود من الأمر في قوله- تعالى- اعْمَلُوا التهديد والوعيد.
قوله : ( إن الذين يلحدون في آياتنا ) ، قال ابن عباس : الإلحاد : وضع الكلام على غير مواضعه .
وقال قتادة وغيره : هو الكفر والعناد .
وقوله : ( لا يخفون علينا ) أي : فيه تهديد شديد ، ووعيد أكيد ، أي : إنه تعالى عالم بمن يلحد في آياته وأسمائه وصفاته ، وسيجزيه على ذلك بالعقوبة والنكال ; ولهذا قال : ( أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ) ؟ أي : أيستوي هذا وهذا ؟ لا يستويان .
ثم قال - عز وجل - تهديدا للكفرة : ( اعملوا ما شئتم ) قال مجاهد ، والضحاك ، وعطاء الخراساني : ( اعملوا ما شئتم ) : وعيد ، أي : من خير أو شر ، إنه عليم بكم وبصير بأعمالكم ; ولهذا قال : ( إنه بما تعملون بصير )
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 40 )
يعني جلّ ثناؤه بقوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا ) إن الذين يميلون عن الحق في حججنا وأدلتنا, ويعدلون عنها تكذيبا بها وجحودا لها.
وقد بيَّنت فيما مضى معنى اللحد بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع.
وسنذكر بعض اختلاف المختلفين في المراد به من معناه في هذا الموضع.
اختلف أهل التأويل في المراد به من معنى الإلحاد في هذا الموضع, فقال بعضهم: أريد به معارضة المشركين القرآن باللغط والصفير استهزاء به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا ) قال: المُكَاء وما ذكر معه.
وقال بعضهم: أريد به الخبر عن كذبهم في آيات الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا ) قال: يكذّبون في آياتنا.
وقال آخرون: أريد به يعاندون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا ) قال: يشاقُّون: يعاندون.
وقال آخرون: أريد به الكفر والشرك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال قال ابن زيد, في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ) قال: هؤلاء أهل الشرك وقال: الإلحاد: الكفر والشرك.
وقال آخرون: أريد به الخبر عن تبديلهم معاني كتاب الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثنى عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ) قال: هو أن يوضع الكلام على غير موضعه. وكل هذه الأقوال التي ذكرناها في تأويل ذلك في قريبات المعاني, وذلك أن اللحد والإلحاد: هو الميل, وقد يكون ميلا عن آيات الله, وعدولا عنها بالتكذيب بها, ويكون بالاستهزاء مكاء وتصدية, ويكون مفارقة لها وعنادا, ويكون تحريفا لها وتغييرا لمعانيها.
ولا قول أولى بالصحة في ذلك مما قلنا, وأن يعم الخبر عنهم بأنهم ألحدوا في آيات الله, كما عمّ ذلك ربنا تبارك وتعالى.
وقوله: ( لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ) يقول تعالى ذكره: نحن بهم عالمون لا يخفون علينا, ونحن لهم بالمرصاد إذا وردوا علينا, وذلك تهديد من الله جلّ ثناؤه لهم بقوله: سيعلمون عند ورودهم علينا ماذا يلقون من أليم عذابنا. ثم أخبر جلّ ثناؤه عما هو فاعل بهم عند ورودهم عليه, فقال: ( أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يلحدون في آياتنا اليوم في الدنيا يوم القيامة عذاب النار, ثم قال الله: أفهذا الذي يلقى في النار خير, أم الذي يأتي يوم القيامة آمنا من عذاب الله لإيمانه بالله جلّ جلاله؟ هذا الكافر, إنه إن آمن بآيات الله, واتبع امر الله ونهيه, أمنه يوم القيامة مما حذره منه من عقابه إن ورد عليه يومئذ به كافرا.
وقوله: ( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ) وهذا أيضا وعيد لهم من الله خرج مخرج الأمر, وكذلك كان مجاهد يقول: حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ) قال: هذا وعيد.
وقوله: ( إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) يقول جلّ ثناؤه: إن الله أيها الناس بأعمالكم التي تعملونها ذو خبرة وعلم لا يخفي عليه منها, ولا من غيرها شيء.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ثم قال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} أي:يجحدون القرآن الكريم المذكر للعباد جميع مصالحهم الدينية والدنيوية والأخروية، المُعلي لقدر من اتبعه،{ لَمَّا جَاءَهُمْ} نعمة من ربهم على يد أفضل الخلق وأكملهم.{ و} الحال{ إِنَّهُ لَكِتَابٌ} جامع لأوصاف الكمال{ عَزِيزٌ} أي:منيع من كل من أراده بتحريف أو سوء.
ثم أضاف- سبحانه- إلى ما سبق تهديدا ثالثا فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ.
وخبر «إن» هنا محذوف للعلم به مما سبق، أى: إن الذين كفروا بالقرآن الكريم حين جاءهم على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، خاسرون أو هالكون أو معذبون عذابا شديدا.
وَإِنَّهُ أى: هذا القرآن الكريم هو الحق الذي جاءهم به صلّى الله عليه وسلم، لعل هذا التدبر يوصلهم إلى الهداية والرشاد لَكِتابٌ عَزِيزٌ. أى: لكتاب منيع معصوم بعصمة الله- تعالى- له من كل تحريف أو تبديل.
ثم قال : ( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ) قال الضحاك ، والسدي ، وقتادة : وهو القرآن ( وإنه لكتاب عزيز ) أي : منيع الجناب ، لا يرام أن يأتي أحد بمثله ،
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ( 41 )
يقول تعالى ذكره: إن الذين جحدوا هذا القرآن وكذّبوا به لما جاءهم, وعنى بالذكر القرآن.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ) كفروا بالقرآن.
وقوله: ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ) يقول تعالى ذكره: وإن هذا الذكر لكتاب عزيز بإعزاز الله إياه, وحفظه من كل من أراد له تبديلا أو تحريفا, أو تغييرا, من إنسي وجني وشيطان مارد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ) يقول: أعزه الله لأنه كلامه, وحفظه من الباطل.
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ) قال: عزيز من الشيطان.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} أي:لا يقربه شيطان من شياطين الإنس والجن، لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا نقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل من أنزله بحفظه كما قال تعالى:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
{ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ} في خلقه وأمره، يضع كل شيء موضعه، وينزله منازله.{ حَمِيدٌ} على ما له من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وعلى ما له من العدل والإفضال، فلهذا كان كتابه، مشتملاً على تمام الحكمة، وعلى تحصيل المصالح والمنافع، ودفع المفاسد والمضار، التي يحمد عليها.
ثم أكد- سبحانه- هذا المعنى فقال: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ أى: لا يستطيع الباطل أن يتطرق إليه من أى جهة من الجهات، لا من جهة لفظه ولا من جهة معناه لأن الله- تعالى- تكفل بحفظه وصيانته، كما قال- تعالى- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أما طعن فيه الطاعنون وتأوله المبطلون؟
قلت: بلى، ولكن الله قد تكفل بحمايته عن تعلق الباطل به، بأن قيض قوما عارضوهم بإبطال تأويلهم، وإفساد أقاويلهم. فلم يخلوا طعن طاعن إلا ممحوقا، ولا قول مبطل إلا مضمحلا..
وقوله: تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ أى: هذا الكتاب منزل من لدن الله الحكيم في أقواله وأفعاله، المحمود على ما أسدى لعباده من نعم لا تحصى.
( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) أي : ليس للبطلان إليه سبيل ; لأنه منزل من رب العالمين ; ولهذا قال : ( تنزيل من حكيم حميد ) أي : حكيم في أقواله وأفعاله ، حميد بمعنى محمود ، أي : في جميع ما يأمر به وينهى عنه ، الجميع محمودة عواقبه وغاياته .
وقوله: ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) اختلف أهل التأويل في تأويله فقال بعضهم: معناه: لا يأتيه النكير من بين يديه ولا من خلفه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب, قال: ثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) قال: النكير من بين يديه ولا من خلفه.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا يستطيع الشيطان أن ينقص منه حقا, ولا يزيد فيه باطلا قالوا: والباطل هو الشيطان.
وقوله: ( مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) من قبل الحق ( وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) من قبل الباطل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) الباطل: إبليس لا يستطيع أن ينقص منه حقا, ولا يزيد فيه باطلا.
وقال آخرون: معناه: إن الباطل لا يطيق أن يزيد فيه شيئا من الحروف ولا ينقص, منه شيئا منها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) قال: الباطل: هو الشيطان لا يستطيع أن يزيد فيه حرفا ولا ينقص.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: معناه: لا يستطيع ذو باطل بكيده تغييره بكيده, وتبديل شيء من معانيه عما هو به, وذلك هو الإتيان من بين يديه, ولا إلحاق ما ليس منه فيه, وذلك إتيانه من خلفه.
وقوله: ( تَنـزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) يقول تعالى ذكره: هو تنـزيل من عند ذي حكمة بتدبير عباده, وصرفهم فيما فيه مصالحهم, ( حَمِيدٍ ) يقول: محمود على نعمه عليهم بأياديه عندهم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:{ مَا يُقَالُ لَكَ} أيها الرسول من الأقوال الصادرة، ممن كذبك وعاندك{ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} أي:من جنسها، بل ربما إنهم تكلموا بكلام واحد، كتعجب جميع الأمم المكذبة للرسل، من دعوتهم إلى الإخلاص للّه وعبادته وحده لا شريك له، وردهم هذا بكل طريق يقدرون عليه، وقولهم:{ مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}
واقتراحهم على رسلهم الآيات، التي لا يلزمهم الإتيان بها، ونحو ذلك من أقوال أهل التكذيب، لما تشابهت قلوبهم في الكفر، تشابهت أقوالهم، وصبر الرسل عليهم السلام على أذاهم وتكذيبهم، فاصبر كما صبر من قبلك.
ثم دعاهم إلى التوبة والإتيان بأسباب المغفرة، وحذرهم من الاستمرار على الغيّ فقال:{ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} أي:عظيمة، يمحو بها كل ذنب لمن أقلع وتاب{ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} لمن:أصر واستكبر.
ثم سلى- سبحانه- نبيه صلّى الله عليه وسلم عما أصابه من أعدائه فقال: ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ.
أى: لا تحزن- أيها الرسول الكريم- من الأقوال الباطلة التي قالها المشركون في حقك، فإن ما قالوه في شأنك قد قاله السابقون عليهم في حق رسلهم.
فالآية الكريمة من أبلغ الآيات في تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلم لأنها كأنها تقول له، إن ما أصابك من أذى قد أصاب إخوانك، فاصبر كما صبروا.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَواصَوْا بِهِ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ .
ثم علل- سبحانه- هذه التسلية وهذا التوجيه بقوله: إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ.
أى: ما يقال لك إلا مثل ما قيل لإخوانك من قبلك، ومادام الأمر كذلك. فاصبر كما صبروا، إن ربك الذي تولاك بتربيته ورعايته، لذو مغفرة عظيمة لعباده المؤمنين وذو عقاب أليم للكفار المكذبين.
ثم قال : ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ) قال قتادة ، والسدي ، وغيرهما : ما يقال لك من التكذيب إلا كما قد قيل للرسل من قبلك ، فكما قد كذبت فقد كذبوا ، وكما صبروا على أذى قومهم لهم ، فاصبر أنت على أذى قومك لك . وهذا اختيار ابن جرير ، ولم يحك هو ، ولا ابن أبي حاتم غيره .
وقوله : ( إن ربك لذو مغفرة للناس ) أي : لمن تاب إليه ( وذو عقاب أليم ) أي : لمن استمر على كفره ، وطغيانه ، وعناده ، وشقاقه ومخالفته .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال : لما نزلت هذه الآية : ( إن ربك لذو مغفرة ) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لولا غفر الله وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش ، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد " .
القول في تأويل قوله تعالى : مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ( 43 )
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ما يقول لك هؤلاء المشركون المكذّبون ما جئتهم به من عند ربك إلا ما قد قاله من قبلهم من الأمم الذين كانوا من قبلك, يقول له: فاصبر على ما نالك من أذى منهم, كما صبر أولو العزم من الرسل, وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ) يعزي نبيّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كما تسمعون, يقول: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ .
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ في قوله: ( مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ) قال: ما يقولون إلا ما قد قال المشركون للرسل من قبلك.
وقوله: ( إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ ) يقول: إن ربك لذو مغفرة لذنوب التائبين إليه من ذنوبهم بالصفح عنهم ( وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ) يقول: وهو ذو عقاب مؤلم لمن أصرّ على كفره وذنوبه, فمات على الإصرار على ذلك قبل التوبة منه.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 6 | ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ۗ وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ﴾ |
---|
فصلت: 43 | ﴿مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
يخبر تعالى عن فضله وكرمه، حيث أنزل كتابا عربيًا، على الرسول العربي، بلسان قومه، ليبين لهم، وهذا مما يوجب لهم زيادة الاغتناء به، والتلقي له والتسليم، وأنه لو جعله قرآنا أعجميًا، بلغة غير العرب، لاعترض، المكذبون وقالوا:{ لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي:هلا بينت آياته، ووضحت وفسرت.{ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} أي:كيف يكون محمد عربيًا، والكتاب أعجمي؟ هذا لا يكون فنفى الله تعالى كل أمر، يكون فيه شبهة لأهل الباطل، عن كتابه، ووصفه بكل وصف، يوجب لهم الانقياد، ولكن المؤمنون الموفقون، انتفعوا به، وارتفعوا، وغيرهم بالعكس من أحوالهم.
ولهذا قال:{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} أي:يهديهم لطريق الرشد والصراط المستقيم، ويعلمهم من العلوم النافعة، ما به تحصل الهداية التامة وشفاء لهم من الأسقام البدنية، والأسقام القلبية، لأنه يزجر عن مساوئ الأخلاق وأقبح الأعمال، ويحث على التوبة النصوح، التي تغسل الذنوب وتشفي القلب.
{ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} بالقرآن{ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ} أي:صمم عن استماعه وإعراض،{ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} أي:لا يبصرون به رشدًا، ولا يهتدون به، ولا يزيدهم إلا ضلالاً فإنهم إذا ردوا الحق، ازدادوا عمى إلى عماهم، وغيًّا إلى غيَّهم.
{ أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} أي:ينادون إلى الإيمان، ويدعون إليه، فلا يستجيبون، بمنزلة الذي ينادي، وهو في مكان بعيد، لا يسمع داعيًا ولا يجيب مناديًا. والمقصود:أن الذين لا يؤمنون بالقرآن، لا ينتفعون بهداه، ولا يبصرون بنوره، ولا يستفيدون منه خيرًا، لأنهم سدوا على أنفسهم أبواب الهدى، بإعراضهم وكفرهم.
ثم رد- سبحانه- على بعض الشبهات التي أثاروها حول القرآن الكريم ردا يخرس ألسنتهم فقال: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ...
والأعجمي: يطلق على الكلام الذي لا يفهمه العربي، كما يطلق على من لا يحسن النطق بالعربية. وقوله: ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ خبر لمبتدأ محذوف.
أى: ولو أنزلنا هذا القرآن بلغة العجم كما قالوا: هلا أنزل هذا القرآن بلغة العجم.
لو فعلنا ذلك- كما أرادوا- لقالوا مرة أخرى على سبيل التعجب: هلا فصلت ووضحت آيات هذا الكتاب بلغة نفهمها؟ ثم لأضافوا إلى التعجب والإنكار، تعجبا آخر فقالوا: أقرآن أعجمى ورسول عربي؟.
ومقصدهم من هذه الشبهة الداحضة، إنما هو إنكار الإيمان به سواء أنزل بلغة العرب أم بلغة العجم.
فهم عند نزوله عربيا قالوا من بين ما قالوا: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه، ولو نزل بلسان أعجمى، لاعترضوا وقالوا: هلا نزل بلسان عربي نفهمه.
ولو جعلنا بعضه أعجميا وبعضه عربيا لقالوا: أقرآن أعجمى ورسول عربي.
وهكذا المعاندون الجاحدون لا يقصدون من وراء جدالهم إلا التعنت والسفاهة.
ثم أمر الله- تعالى- رسول صلّى الله عليه وسلم أن يرد عليهم بالرد الذي يكبتهم فقال: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ...
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاحدين: هذا القرآن هو للذين آمنوا إيمانا حقا هداية إلى الصراط المستقيم، وشفاء لما في الصدور من أسقام.
كما قال- سبحانه- في آية أخرى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ...
ثم بين- سبحانه- موقف الكافرين من هذا الكتاب فقال: وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ أى:
بهذا الكتاب، وبمن نزل عليه الكتاب.
فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ أى: في آذانهم صمم عن سماع ما ينفعهم.
وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أى: وهذا القرآن عميت قلوبهم عن تدبره وعن الاهتداء به.
وقوله- تعالى- أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ذم شنيع لهم على إعراضهم عن هذا القرآن الذي ما أنزله الله- تعالى- إلا لإخراجهم من الظلمات إلى النور.
أى: أولئك الكافرون الذين لم ينتفعوا بالقرآن مثلهم في صممهم وانطماس بصائرهم، كمثل من يناديه مناد من مكان بعيد، فهو لا يسمع منه شيئا، ولا يعقل عنه شيئا، لوجود المسافة الشاسعة بين المنادى، وبين من وقع عليه النداء.
قال القرطبي: قوله- تعالى-: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يقال ذلك لمن لا يفهم من التمثيل.
وحكى أهل اللغة أنه يقال للذي يفهم: أنت تسمع من قريب، ويقال للذي لا يفهم: أنت تنادى من بعيد أى: كأنه ينادى من موضع بعيد منه، فهو لا يسمع النداء ولا يفهمه. وقال الضحاك: يُنادَوْنَ يوم القيامة بأقبح أسمائهم مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ فيكون ذلك لتوبيخهم وفضيحتهم.. .
ومن يتدبر هذه الآية الكريمة يرى مصداقها في كل زمان ومكان، فهناك من ينتفع بهذا القرآن قراءة وسماعا وتطبيقا.. وهناك من يستمعون إلى هذا القرآن، فلا يزيدهم إلا صمما، ورجسا إلى رجسهم وعمى على عماهم.
لما ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلاغته ، وإحكامه في لفظه ومعناه ، ومع هذا لم يؤمن به المشركون ، نبه على أن كفرهم به كفر عناد وتعنت ، كما قال : ( ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ) [ الشعراء : 198 ، 199 ] . وكذلك لو أنزل القرآن كله بلغة العجم ، لقالوا على وجه التعنت والعناد : ( لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) أي : لقالوا : هلا أنزل مفصلا بلغة العرب ، ولأنكروا ذلك وقالوا : أعجمي وعربي ؟ أي : كيف ينزل كلام أعجمي على مخاطب عربي لا يفهمه .
هكذا روي هذا المعنى عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والسدي ، وغيرهم .
وقيل : المراد بقولهم : ( لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) أي : هلا أنزل بعضها بالأعجمي ، وبعضها بالعربي .
هذا قول الحسن البصري ، وكان يقرؤها كذلك بلا استفهام في قوله ( أعجمي ) وهو رواية عن سعيد بن جبير وهو في [ التعنت و ] العناد أبلغ .
ثم قال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) أي : قل يا محمد : هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب ، ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ) أي : لا يفهمون ما فيه ، ( وهو عليهم عمى ) أي : لا يهتدون إلى ما فيه من البيان كما قال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ الإسراء : 82 ] .
( أولئك ينادون من مكان بعيد ) قال مجاهد : يعني بعيدا من قلوبهم .
قال ابن جرير : معناه : كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد ، لا يفهمون ما يقول .
قلت : وهذا كقوله تعالى : ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) [ البقرة : 171 ] .
وقال الضحاك : ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم .
وقال السدي : كان عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] جالسا عند رجل من المسلمين يقضي ، إذ قال : يا لبيكاه . فقال عمر : لم تلبي ؟ هل رأيت أحدا ، أو دعاك أحد ؟ قال : دعاني داع من وراء البحر . فقال عمر : أولئك ينادون من مكان بعيد . رواه ابن أبي حاتم .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ( 44 )
يقول تعالى ذكره: ولو جعلنا هذا القرآن الذي أنـزلناه يا محمد أعجميا لقال قومك من قريش: ( لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ) يعني: هلا بينت أدلته وما فيه من آية, فنفقهه ونعلم ما هو وما فيه, أأعجميّ, يعني أنهم كانوا يقولون إنكارا له: أأعجميّ هذا القرآن ولسان الذي أنـزل عليه عربي؟.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية ( لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ) قال: لو كان هذا القران أعجميا لقالوا: القرآن أعجميّ, ومحمد عربيّ.
حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثني محمد بن أبي عديّ, عن داود بن أبي هند, عن جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير في هذه الآية: ( لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ) قال: الرسول عربيّ, واللسان أعجميّ.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثني عبد الأعلى, قال: ثنا أبو داود عن سعيد بن جبير في قوله: ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ) قرآن أعجميّ ولسان عربيّ.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا عبد الأعلى, قال: ثنا داود, عن محمد بن أبي موسى, عن عبد الله بن مطيع بنحوه.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ) فجعل عربيا, أعجميّ الكلام وعربيّ الرجل.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ) يقول: بُينت آياته, أأعجميّ وعربيّ, نحن قوم عرب ما لنا وللعجمة.
وقد خالف هذا القول الذي ذكرناه عن هؤلاء آخرون, فقالوا: معنى ذلك ( لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ) بعضها عربيّ, وبعضها عجميّ. وهذا التأويل على تأويل من قرأ ( أَعْجَمِيّ ) بترك الاستفهام فيه, وحمله خبرا من الله تعالى عن قيل المشركين ذلك, يعني: هلا فصلت آياته, منها عجميّ تعرفه العجم, ومنها عربيّ تفقهه العرب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, قال: قالت قريش: لولا أنـزل هذا القرآن أعجميا وعربيا, فأنـزل الله ( لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) فأنـزل الله بعد هذه الآية كل لسان, فيه حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ قال: فارسية أعربت سنك وكل.
وقرأت قراء الأمصار: ( أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ؟ ) على وجه الاستفهام, وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك: أعجميّ بهمزة واحدة على غير مذهب الاستفهام, على المعنى الذي ذكرناه عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا القراءة التي عليها قراء الأمصار لإجماع الحجة عليها على مذهب الاستفهام.
وقوله: ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهم: هو, ويعني بقوله ( هُوَ ) القرآن ( لِلَّذِينَ آمَنُوا ) بالله ورسوله, وصدقوا بما جاءهم به من عند ربهم ( هُدًى ) يعني بيان للحق ( وَشِفَاءٌ ) يعني أنه شفاء من الجهل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال. ثنا سعيد, عن قتادة ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) قال: جمله الله نورا وبركة وشفاء للمؤمنين.
حدثنا محمد, قال. ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) قال: القرآن.
وقوله: ( وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) يقول تعالى ذكره: والذين لا يؤمنون بالله ورسوله, وما جاءهم به من عند الله في آذانهم ثقل عن استماع هذا القرآن, وصمم لا يستمعونه ولكنهم يعرضون عنه, ( وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) يقول: وهذا القرآن على قلوب هؤلاء المكذّبين به عمى عنه, فلا يبصرون حججه عليهم, وما فيه من مواعظه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) عموا وصموا عن القرآن, فلا ينتفعون به, ولا يرغبون فيه.
حدثنا محمد, قال. ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ ) قال: صمم ( وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) قال: عميت قلوبهم عنه.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) قال: العمى: الكفر.
وقرأت قرّاء الأمصار: ( وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) بفتح الميم. وذُكر عن ابن عباس أنه قرأ: " وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمٍ" بكسر الميم على وجه النعت للقرآن.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار.
وقوله: ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) اختلف أهل التأويل في معناه, فقال بعضهم: معنى ذلك: تشبيه من الله جلّ ثناؤه, لعمى قلوبهم عن فهم ما أنـزل في القرآن من حججه ومواعظه ببعيد, فهم كما مع صوت من بعيد نودي, فلم يفهم ما نودي, كقول العرب للرجل القليل الفهم: إنك لتنادى من بعيد, وكقولهم للفهم: إنك لتأخذ الأمور من قريب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن ابن جريج, عن بعض أصحابه, عن مجاهد ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) قال: بعيد من قلوبهم.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو أحمد, قال: ثنا سفيان, عن ابن جريج عن مجاهد, بنحوه.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) قال: ضيعوا أن يقبلوا الأمر من قريب, يتوبون ويؤمنون, فيقبل منهم, فأبوا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنهم ينادون يوم القيامة من مكان بعيد منهم بأشنع أسمائهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو أحمد, قال: ثنا سفيان, عن أجلح, عن الضحاك بن مزاحم ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) قال: ينادَى الرجل بأشنع اسمه.
واختلف أهل العربية في موضع تمام قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ فقال بعضهم: تمامه: ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) وجعل قائلو هذا القول خبر إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ - ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) ; وقال بعض نحويي البصرة: يجوز ذلك ويجوز أن بكون على الأخبار التي في القرآن يستغنى بها, كما استغنت أشياء عن الخبر إذا طال الكلام, وعرف المعنى, نحو قوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ . وما أشبه ذلك.
قال: وحدثني شيخ من أهل العلم, قال: سمعت عيسى بن عمر يسأل عمرو بن عبيد إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ أين خبره؟ فقال عمرو: معناه في التفسير: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ فقال عيسى: أجدت يا أبا عثمان.
وكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت جعلت جواب إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ ( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) وإن شئت كان جوابه في قوله: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ , فيكون جوابه معلوما, فترك فيكون أعرب الوجهين وأشبهه بما جاء في القرآن.
وقال آخرون: بل ذلك مما انصرف عن الخبر عما ابتدئ به إلى الخبر عن الذي بعده من الذكر; فعلى هذا القول ترك الخبر عن الذين كفروا بالذكر, وجعل الخبر عن الذكر فتمامه على هذا القول; وإنه لكتاب عزيز; فكان معنى الكلام عند قائل هذا القول: إن الذكر الذي كفر به هؤلاء المشركون لما جاءهم, وإنه لكتاب عزيز, وشبهه بقوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: هو مما ترك خبره اكتفاء بمعرفة السامعين بمعناه لما تطاول الكلام.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أأعجمي:
1- بهمزة الاستفهام بعدها مدة، وهى همزة «أعجمى» وقياسها فى التخفيف بين بين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بهمزتين، وهى قراءة الأخوين، والأعمش، وحفص.
3- دون استفهام، وسكون العين، وهى قراءة الحسن، وأبى الأسود، والجحدري، وسلام، والضحاك، وابن عباس، وابن عامر، بخلاف عنهما.
4- بهمزة استفهام وفتح العين، وهى قراءة عمرو بن ميمون.
عمى:
1- بفتح الميم، منونا، مصدر «عمى» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بكسر الميم وتنوينه، وهى قراءة أبى عمرو، وابن عباس، وابن الزبير، ومعاوية بن أبى سفيان، وعمرو بن العاص، وابن هرمز.
التفسير :
يقول تعالى:{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} كما آتيناك الكتاب، فصنع به الناس ما صنعوا معك، اختلفوا فيه:فمنهم من آمن به واهتدى وانتفع، ومنهم من كذبه ولم ينتفع به، وإن اللّه تعالى، لولا حلمه وكلمته السابقة، بتأخير العذاب إلى أجل مسمى لا يتقدم عليه ولا يتأخر{ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بمجرد ما يتميز المؤمنون من الكافرين، بإهلاك الكافرين في الحال، لأن سبب الهلاك قد وجب وحق.{ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} أي:قد بلغ بهم إلى الريب الذي يقلقهم، فلذلك كذبوه وجحدوه.
ثم بين- سبحانه- زيادة في التسلية لرسوله صلّى الله عليه وسلم، أن اختلاف الأمم في شأن ما جاء به الرسل شيء قديم فقال- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ...
أى: ولقد آتينا نبينا موسى- عليه السلام- كتابه التوراة ليكون هداية ونورا لقومه، فاختلفوا في شأن هذا الكتاب، فمنهم من آمن به، ومنهم من صد عنه.
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ- أيها الرسول الكريم- وهي ألا يعذب المكذبين من أمتك في الدنيا عذابا يستأصلهم ويهلكهم.
لولا ذلك لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أى: لأهلكهم كما أهلك السابقين من قبلهم.
وَإِنَّهُمْ أى: كفار قومك لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ أى: لفي شك من هذا القرآن وريبة من أمره، جعلهم يعيشون في قلق واضطراب.
وقوله : ( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ) أي : كذب وأوذي ، ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) [ الأحقاف : 35 ] . ( ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى ) [ الشورى : 14 ] بتأخير الحساب إلى يوم المعاد ، ( لقضي بينهم ) أي : لعجل لهم العذاب ، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ( وإنهم لفي شك منه مريب ) أي : وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا ، بل كانوا شاكين فيما قالوا ، غير محققين لشيء كانوا فيه . هكذا وجهه ابن جرير ، وهو محتمل ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ( 45 )
يقول تعالى ذكره: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) يا محمد, يعني التوراة, كما آتيناك الفرقان, ( فَاخْتُلِفَ فِيهِ ) يقول: فاختلف في العمل بما فيه الذين أوتوه من اليهود ( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) يقول: ولولا ما سبق من قضاء الله وحكمه فيهم أنه أخر عذابهم إلى يوم القيامة.
كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ ) قال: أخروا إلى يوم القيامة.
وقوله: ( وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ) يقول: وإن الفريق المبطل منهم لفي شكّ مما قالوا فيه ( مُريب ) يقول: يريبهم قولهم فيه ما قالوا, لأنهم قالوا بغير ثبت, وإنما قالوه ظنًّا.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 53 | ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾ |
---|
الأنعام: 154 | ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ﴾ |
---|
الإسراء: 2 | ﴿وَ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا} وهو العمل الذي أمر اللّه به، ورسوله{ فَلِنَفْسِهِ} نفعه وثوابه في الدنيا والآخرة{ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} ضرره وعقابه، في الدنيا والآخرة، وفي هذا، حثٌّ على فعل الخير، وترك الشر، وانتفاع العاملين، بأعمالهم الحسنة، وضررهم بأعمالهم السيئة، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى.{ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فَيُحمِّل أحدًا فوق سيئاتهم.
ثم بين- سبحانه- سنة من سننه التي لا تتخلف فقال: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ...
أى: من عمل عملا صالحا بأن آمن بالله، وصدق بما جاء به رسله، فثمرة عمله الصالح لنفسه.
وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها أى: ومن عمل عملا سيئا، فضرر هذا العمل واقع عليها وحدها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أى: وليس ربك- أيها الرسول الكريم- بذي ظلم لعباده الذين خلقهم بقدرته، ورباهم بنعمته.
فقوله بِظَلَّامٍ صيغة نسب- كثمار وخباز- وليس صيغة مبالغة.
قال بعض العلماء ما ملخصه: «وفي هذه الآية وأمثالها سؤال معروف، وهو أن لفظة «ظلام» فيها صيغة مبالغة. ومعلوم أن نفى المبالغة لا يستلزم نفى أصل الفعل. فقولك- مثلا-: زيد ليس بقتال للرجال لا ينفى إلا مبالغته في قتلهم، فلا ينافي أنه ربما قتل بعض الرجال.
ومعلوم أن المراد بنفي المبالغة- وهي لفظ ظلام- في هذه الآية وأمثالها المراد به نفى الظلم من أصله.
وقد أجابوا عن هذا الإشكال بإجابات منها: أن نفى صيغة المبالغة هنا، قد جاء في آيات كثيرة ما دل على أن المراد به نفى الظلم من أصله، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً وقوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ...
ومنها: أن المراد بالنفي في الآية، نفى نسبة الظلم إليه. لأن صيغة فعال تستعمل مرادا بها النسبة، فتغنى عن ياء النسب.. كقولهم «لبان» أى: ذو لبن، ونبال أى صاحب نبل..» .
ثم بين- سبحانه- في أواخر هذه السورة الكريمة، أن علم قيام الساعة إليه- تعالى- وحده، وأن الإنسان لا يسأم من طلب المزيد من الخير فإذا مسه الشر يئس وقنط. وأن حكمته- تعالى- قد اقتضت أن يقيم للناس الأدلة على قدرته ووحدانيته من أنفسهم وعن طريق هذا الكون الذي يعيشون فيه فقال- تعالى-:
يقول تعالى : ( من عمل صالحا فلنفسه ) أي : إنما يعود نفع ذلك على نفسه ، ( ومن أساء فعليها ) أي : إنما يرجع وبال ذلك عليه ، ( وما ربك بظلام للعبيد ) أي : لا يعاقب أحدا إلا بذنب ، ولا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، وإرسال الرسول إليه .
القول في تأويل قوله تعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ( 46 )
يقول تعالى ذكره: من عمل بطاعة الله في هذه الدنيا, فائتمر لأمره, وانتهى عما نهاه عنه ( فَلِنَفْسِهِ ) يقول: فلنفسه عمل ذلك الصالح من العمل, لأنه يجازى عليه جزاءه, فيستوجب في المعاد من الله الجنة, والنجاة من النار. ( وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ) يقول: ومن عمل بمعاصي الله فيها, فعلى نفسه جنى, لأنه أكسبها بذلك سخط الله, والعقاب الأليم. ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ) يقول تعالى ذكره: وما ربك يا محمد بحامل عقوبة ذنب مذنب على غير مكتسبه, بل لا يعاقب أحدا إلا على جرمه الذي اكتسبه في الدنيا, أو على سبب استحقه به منه, والله أعلم.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
فصلت: 46 | ﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ |
---|
الجاثية: 15 | ﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء