3061213141516171819202122232425

الإحصائيات

سورة مريم
ترتيب المصحف19ترتيب النزول44
التصنيفمكيّةعدد الصفحات7.30
عدد الآيات98عدد الأجزاء0.30
عدد الأحزاب0.65عدد الأرباع2.60
ترتيب الطول27تبدأ في الجزء16
تنتهي في الجزء16عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 10/29كهيعص: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (12) الى الآية رقم (15) عدد الآيات (4)

اللهُ يأمرُ يحيى عليه السلام بأخذِ التوراةِ بجدٍ وعزمٍ، ثُمَّ بَيَّنَ أوصافَه وجزاءَه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (16) الى الآية رقم (21) عدد الآيات (6)

القصَّةُ الثانيةُ: قصَّةُ عيسى عليه السلام ، لمَّا اعتزلَتْ مريمُ عن أهلِها شرقِي بيتِ المقدسِ، فأرسلَ اللهُ لها جبريلَ عليه السلام فتعَوَّذَتْ منه، فأعْلَمَها أنَّه مرسلٌ من اللهِ ليَهَبَ لها غلامًا.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (22) الى الآية رقم (25) عدد الآيات (4)

فلمَّا حملتْ اعتزلتْ بعيدًا، ولمَّا جاءَها طَلْقُ الولادةِ تمنتْ الموتَ، فناداها جبريلُ عليه السلام : ألا تحزَنِي، وهُزِّي إليك بجذعِ النَّخلةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة مريم

رحمة الله بعباده/ توريث الدين للأبناء/ إثبات الوحدانية ونفي الولد والشريك وإثبات الوحي والبعث/ سورة المواهب

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • من هي مريم؟: مريم هي أم نبي الله عيسى. وهي أفضل نساء العالمين (من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة) بالقرآن والسنة. في القرآن: قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 42[، فقوله تعالى: «اصطفاك» أي: اختارك واجتباك وفضلك. وفي السنة: • عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» . • عن ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «سَيِّداتُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ مَرْيَمَ بنتِ عِمْرَانَ: فَاطِمَةُ، وَخَدِيجَةُ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» . • عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ» . • فترتيب أفضل النساء: مريم، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية.
  • • لماذا مريم هنا؟: السورة مليئة بالأنبياء الرجال، فقد ذُكر فيها: إبراهيم وزكريا ويحيي وموسى وعيسى وغيرهم، فلماذا سميت باسم المرأة الوحيدة التي ذُكرت فيها؟ وكأن الله يقول لنا: إن المرأة قد تصل مثل الرجل، وأن المرأة تستطيع أن تقدم بطولات مثل الرجال تمامًا، ولكي يعرف الجميع دور المرأة الخطير، وقدرة المرأة علي الوصول إلي الله والسبق إلي الله سبحانه وتعالي.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «مريم».
  • • معنى الاسم :: هي مريم بنت عمران عليها السلام أم نبي الله عيسى عليه السلام.
  • • سبب التسمية :: لأنه بسطت فيها قصة مريم وولادتها عيسى من غير أب، ولا يشبهها في ذلك إلا سورة آل عمران التي نزلت بعد ذلك في المدينة.
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: ل«سورة كهيعص»؛ لافتتاح السورة بها، وتقرأ هكذا: (كاف ها يا عين صاد).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: تنزيه الله تعالى عن الولد والشريك وإثبات وحدانيته تعالى.
  • • علمتني السورة :: أن المرأة تستطيع أن تقدم بطولات مثل الرجال تمامًا.
  • • علمتني السورة :: على قدر البلاء يكون العطاء، مريم ابتلاها الله بأمر شديد، ولكن العاقبة أنها أصبحت أم نبي، ومن سيدات أهل الجنة.
  • • علمتني السورة :: أن الصمت علاج ودواء، إذا كنتَ مُحاطًا بأهل القيل والقال: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾

مدارسة الآية : [12] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ..

التفسير :

[12] فلما وُلد يحيى، وبلغ مبلغاً يفهم فيه الخطاب، أمره الله أن يأخذ التوراة بجدٍّ واجتهاد بقوله:يا يحيى خذ التوراة بجد واجتهاد بحفظ ألفاظها، وفهم معانيها، والعمل بها، وأعطيناه الحكمة وحسن الفهم، وهو صغير السن.

دل الكلام السابق على ولادة يحيى، وشبابه، وتربيته، فلما وصل إلى حالة يفهم فيها الخطاب أمره الله أن يأخذ الكتاب بقوة، أي:بجد واجتهاد، وذلك بالاجتهاد في حفظ ألفاظه، وفهم معانيه، والعمل بأوامره ونواهيه، هذا تمام أخذ الكتاب بقوة، فامتثل أمر ربه، وأقبل على الكتاب، فحفظه وفهمه، وجعل الله فيه من الذكاء والفطنة، ما لا يوجد في غيره ولهذا قال:{ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ْ} أي:معرفة أحكام الله والحكم بها، وهو في حال صغره وصباه.

وقوله- سبحانه-: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ مقول لقول محذوف، والسر في حذفه المسارعة إلى الإخبار بإنجاز الوعد الكريم.

والتقدير: وبعد أن ولد يحيى، ونما وترعرع قلنا له عن طريق وحينا: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ الذي هو التوراة بِقُوَّةٍ أى: بجد واجتهاد، وتفهم لمعناه على الوجه الصحيح، وتطبيق ما اشتمل عليه من أحكام وآداب، فإن بركة العلم في العمل به.

والجار والمجرور بِقُوَّةٍ حال من فاعل خذ وهو يحيى، والباء للملابسة أى: خذه حالة كونك ملتبسا بحفظه وتنفيذ أحكامه بشدة وثبات.

وقوله: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا أى: وأعطيناه بقدرتنا وفضلنا الْحُكْمَ أى: فهم الكتاب والعمل بأحكامه، وهو في سن الصبا.

قيل: كان سنه ثلاث سنين، وقيل سبع سنين.

قال الآلوسى: «أخرج أبو نعيم، وابن مردويه، والديلمي، عن ابن عباس، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في ذلك: «أعطى الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين».

وقال الجمل في حاشيته: «فإن قلت: كيف يصح حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا؟.

قلت: لأن أصل النبوة مبنى على خرق العادات. إذا ثبت هذا. فلا تمنع صيرورة الصبى نبيا. وقيل: أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير.. .

والذي تطمئن إليه النفس وعليه جمهور المفسرين أن المراد بالحكم هنا: العلم النافع مع العمل به، وذلك عن طريق حفظ التوراة وفهمها وتطبيق أحكامها.

قال ابن كثير: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا أى: الفهم والعلم والجد والعزم، والإقبال على الخير، والإكباب عليه، والاجتهاد فيه، وهو صغير حدث.

قال عبد الله بن المبارك: قال معمر: قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقنا. قال: فلهذا أنزل الله: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا .

وهذا أيضا تضمن محذوفا ، تقديره : أنه وجد هذا الغلام المبشر به ، وهو يحيى ، عليه السلام ، وأن الله علمه الكتاب ، وهو التوراة التي كانوا يتدارسونها بينهم ، ويحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار . وقد كان سنه إذ ذاك صغيرا ، فلهذا نوه بذكره ، وبما أنعم به عليه وعلى والديه ، فقال : ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) أي : تعلم الكتاب ) بقوة ) أي : بجد وحرص واجتهاد ( وآتيناه الحكم صبيا ) أي : الفهم والعلم والجد والعزم ، والإقبال على الخير ، والإكباب عليه ، والاجتهاد فيه وهو صغير حدث السن .

قال عبد الله بن المبارك : قال معمر : قال الصبيان ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب . قال : ما للعب خلقت ، قال : فلهذا أنزل الله : ( وآتيناه الحكم صبيا ) .

يقول تعالى ذكره: فولد لزكريا يحيى، فلما ولد، قال الله له: يا يحيى، خذ هذا الكتاب بقوة، يعني كتاب الله الذي أنـزله على موسى، وهو التوراة بقوّة، يقول: بجدّ.

كما حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) قال : بجدّ.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) قال: بجدّ.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

وقال ابن زيد في ذلك ما حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) قال: القوّة: أن يعمل ما أمره الله به، ويجانب فيه ما نهاه الله عنه .

قال أبو جعفر: وقد بيَّنت معنى ذلك بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا، في سورة آل عمران، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.

وقوله (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) يقول تعالى ذكره: وأعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال.

وقد حدثنا أحمد بن منيع، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرني معمر، ولم يذكره عن أحد في هذه الآية (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) قال: بلغني أن الصبيان قالوا ليحيى: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خُلقتُ، فأنـزل الله (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا).

وقوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول تعالى ذكره: ورحمة منا ومحبة له آتيناه الحكم صبيا.

وقد اختلف أهل التأويل في معنى الحنان، فقال بعضهم: معناه: الرحمة، ووَجهوا الكلام إلى نحو المعنى الذي وجهناه إليه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول: ورحمة من عندنا.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر ، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة، في هذه الآية ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: رحمة.

المعاني :

خُذِ الْكِتَابَ :       التَّوْرَاةَ السراج
بِقُوَّةٍ :       بِجِدٍّ، وَاجْتِهَادٍ؛ حِفْظًا، وَفَهْمًا، وَعَمَلًا السراج
الْحُكْمَ :       الحِكْمَةَ وَحُسْنَ الفَهْمِ وَالعَمَلِ السراج
الحكم :       فهم التّوراة و العبادة معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[12] ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ لم يرسل الله أعظم ملائكته بأقدس كتبه إلى أزكى خلقه لنأخذها بلين وضعف باسم: السماحة والوسطية والاعتدال.
وقفة
[12] ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ إذا كنت صاحب عزيمة، فكن ذا إرادة قوية وتصميم صادق وحقق أهدافك متوكلًا على الله مستعينًا به.
وقفة
[12] ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ بقوة قلب، لا قوة يد.
وقفة
[12] ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ قوة أخذ الكتاب هي العمل به. قال ابن زيد: «القوة: أن يعمل ما أمره الله به، ويجانب فيه ما نهاه الله عنه».
وقفة
[12] ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ نعم الدين دين يسر وسماحة، لكنه منهج جدّ واهتمام.
وقفة
[12] ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ بقلبك بروحك بعقلك بمشاعرك بإحساسك خذه أنت، لا تنتظر أن يخالط جمال القرآن صدرك بلا نوايا المحبة.
عمل
[12] ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ كن جادًا في دراستك وعملك وجميع شأنك، ولا تكن كريشة تتطيرها أي رياح.
وقفة
[12] ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ ‏من أخذ الكتاب بقوة تعلم العلوم المعينة على فهمه، ومن أعظمها وأولاها وأهمها: العربية.
وقفة
[12] ﴿يا يَحيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ﴾ بعض الأمور لا يجب أن تؤخذ إلا بقوة وإلا ماعت وبَعُدت عن الهدف منه.
وقفة
[12] الجادون في حياتهم، المتميزون في هممهم، هم أولئك الذين لا تختلف عزيمتهم في آخر العام عن أوله، ولو اختلف نوع العمل: ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾.
وقفة
[12] ﴿يا يَحيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيناهُ الحُكمَ صَبِيًّا﴾ التطبيق السليم للمنهج منذ البداية يضعك على الطريق المستقيم مبكرًا.
وقفة
[12] ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ الصادق يمضي للخير بقوة، يأخذ الكتاب بقوة، يبلغ الكتاب بقوة.
وقفة
[12] ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ ماذا آتاه الله؟ هل الحكم هو النبوة أو آتاه شيئًا آخر؟ الحُكم هو الحكمة ويحيى من صِغره كان حكيمًا.
عمل
[12] احرص على القوة في الالتزام بدينك، وإياك واللعب في الالتزام بأحكامه ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾.
وقفة
[12] ﴿خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ لقد زلزل المؤمنون بالقرآن الأرض يوم زلزلت معانيه نفوسهم، وفتحوا به الدنيا يوم فتحت حقائقه عقولهم، وسيطروا به على العالم يوم سيطرت مبادئه على أخلاقهم ورغباتهم، وبهذا يعيد التاريخ سيرته الأولى.
وقفة
[12] الحق مهما كان قويًا فلا بد من ثقة صاحبه به ليؤثر، قال الله: ﴿فخذها بقوة﴾ [الأعراف: 145]، وقال: ﴿خذوا ما آتيناكم بقوة﴾ [البقرة: 63]، وقال: ﴿خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾.
وقفة
[12] ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ أُثِر عنه أنه إذا دُعي للعب وهو صغير كان يقول: «ما لهذا خلقنا».
وقفة
[12] ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ فورة الشباب، وحكمة الشيوخ، إن اجتمعت بشخص واحد؛ فاعلم أن الله يريد أن يصطفيه لنفسه ويصنعه على عينه.
وقفة
[12] ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ قال ابن عباس: «من قرأ القرآن قبل أن يحتلم، فهو ممن أوتي الحكم صبيًا».
وقفة
[12] ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ قال معمر بن راشد: بلغني أن الصبيان قالوا ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، قال: «ما للعب خلقت»، اللعب ليس محرمًا على الإطلاق؛ لكنَّ من نعم الله على العبد أن يدرك علة خلقه مبكرًا.
وقفة
[12، 13] ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ۞ وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا﴾ حين يعطيك الله الحنان والرحمة فقد أعطاك خيرًا عظيمًا.
وقفة
[12، 13] قال عن زكريا: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ... وَكَانَ تَقِيًّا﴾ التقوى فضيلة حتى (للصبيان).

الإعراب :

  • ﴿ يا يَحْيى:
  • أي وقال الله يا يحيى: يا: أداة نداء. يحيى: منادى مفرد مبني على الضم المقدر على الألف للتعذر في محل نصب. والاسم ممنوع من الصرف لأن أصله من الفعل المضارع وللعجمة.
  • ﴿ خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به-مقول القول- المقدر. خذ: فعل أمر مبني على السكون الذي حرك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الكتاب: مفعول به منصوب بالفتحة. بقوة: جار ومجرور متعلق بخذ أو بحال من ضمير «خذ» بمعنى خذ التوراة بجد وقوة واستظهار بالتوفيق والتأييد واحكم بما فيها.
  • ﴿ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا:
  • الواو: استئنافية. آتي: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. الحكم: أي الحكمة مفعول به ثان منصوب بالفتحة. صبيا: حال منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [12] لما قبلها :     ولَمَّا حملت امرأة زكريا عليه السلام، وولدت، وكبر يحيى عليه السلام، وميَّز؛ أمره اللهُ عز و جل أن يأخذَ التوراةَ بجدٍّ وعزمٍ، ثم مدحه بعدة صفات: 1- آتاه الحُكم وهو صبي، قال تعالى:
﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [13] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ ..

التفسير :

[13] وآتيناه رحمة ومحبة من عندنا وطهارة من الذنوب، وكان خائفاً مطيعاً لله تعالى، مؤدياً فرائضه، مجتنباً محارمه.

{ و ْ} آتيناه أيضا{ حَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ْ} أي:رحمة ورأفة، تيسرت بها أموره، وصلحت بها أحواله، واستقامت بها أفعاله.

{ وَزَكَاةً ْ} أي:طهارة من الآفات والذنوب، فطهر قلبه وتزكى عقله، وذلك يتضمن زوال الأوصاف المذمومة، والأخلاق الرديئة، وزيادة الأخلاق الحسنة، والأوصاف المحمودة، ولهذا قال:{ وَكَانَ تَقِيًّا ْ} أي:فاعلا للمأمور، تاركا للمحظور، ومن كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، وكان من أهل الجنة التي أعدت للمتقين، وحصل له من الثواب الدنيوي والأخروي، ما رتبه الله على التقوى.

وقوله- تعالى-: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا معطوف على الْحُكْمَ.

أى: وأعطيناه الحكم صبيا، وأعطيناه حنانا ...

قال القرطبي ما ملخصه: «الحنان: الشفقة والرحمة والمحبة، وهو فعل من أفعال النفس ...

وأصله: من حنان الناقة على ولدها ... قال طرفة:

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض

والمعنى: منحنا يَحْيى الحكم صبيا، ومنحناه من عندنا وحدنا رحمة عظيمة عليه، ورحمة في قلبه جعلته يعطف على غيره، وأعطيناه كذلك زكاة أى: طهارة في النفس، أبعدته عن ارتكاب ما نهى الله عنه، وجعلته سباقا لفعل الخير وَكانَ تَقِيًّا أى مطيعا لنا في كل ما نأمره به، أو ننهاه عنه.

وقوله : ( وحنانا من لدنا ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وحنانا من لدنا ) يقول : ورحمة من عندنا ، وكذا قال عكرمة ، وقتادة ، والضحاك وزاد : لا يقدر عليها غيرنا . وزاد قتادة : رحم بها زكريا .

وقال مجاهد : ( وحنانا من لدنا ) وتعطفا من ربه عليه .

وقال عكرمة : ( وحنانا من لدنا ) قال : محبة عليه . وقال ابن زيد : أما الحنان فالمحبة . وقال عطاء بن أبي رباح : ( وحنانا من لدنا ) ، قال : تعظيما من لدنا .

وقال ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار ، أنه سمع عكرمة عن ابن عباس قال : لا والله ما أدري ما حنانا .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن منصور : سألت سعيد بن جبير عن قوله : ( وحنانا من لدنا ) ، فقال : سألت عنها عباسا ، فلم يحر فيها شيئا .

والظاهر من هذا السياق أن : ( وحنانا من لدنا ) معطوف على قوله : ( وآتيناه الحكم صبيا ) أي : وآتيناه الحكم وحنانا ، ( وزكاة ) أي : وجعلناه ذا حنان وزكاة ، فالحنان هو المحبة في شفقة وميل كما تقول العرب : حنت الناقة على ولدها ، وحنت المرأة على زوجها . ومنه سميت المرأة " حنة " من الحنة ، وحن الرجل إلى وطنه ، ومنه التعطف والرحمة ، كما قال الشاعر :

تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالا

وفي المسند للإمام أحمد ، عن أنس ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يبقى رجل في النار ينادي ألف سنة : يا حنان يا منان "

وقد يثني ومنهم من يجعل ما ورد من ذلك لغة بذاتها ، كما قال طرفة :

أنا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض

وقوله : ( وزكاة ) معطوف على ) وحنانا ) فالزكاة الطهارة من الدنس والآثام والذنوب .

وقال قتادة : الزكاة العمل الصالح .

وقال الضحاك وابن جريج : العمل الصالح الزكي .

وقال العوفي عن ابن عباس : ( وزكاة ) قال : بركة ( وكان تقيا ) طهر ، فلم يعمل بذنب .

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: رحمة من عندنا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: رحمة من عندنا لا يملك عطاءها غيرنا.

حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول: رحمة من عندنا، لا يقدر على أن يعطيها أحد غيرنا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ورحمة من عندنا لزكريا ، آتيناه الحكم صبيا، وفعلنا به الذي فعلنا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول: رحمة من عندنا.

وقال آخرون: معنى ذلك: وتعطفا من عندنا عليه، فعلنا ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: تعطفا من ربه عليه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ، مثله.

وقال آخرون: بل معنى الحنان: المحبة. ووجهوا معنى الكلام إلى: ومحبة من عندنا فعلنا ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن يحيى بن سعيد، عن عكرمة ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: محبة عليه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَحَنانا) قال: أما الحنان فالمحبة.

وقال آخرون معناه تعظيما منا له.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عطاء بن أبي رباح ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: تعظيما من لدنا. وقد ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا أدري ما الحنان.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة، عن ابن عباس، قال: والله ما أدري ما حنانا.

وللعرب في حَنَانَك لغتان: حَنَانَك يا ربنا، وحَنانَيك; كما قال طَرَفة بن العبد في حنانيك:

أبـا مُنْـذِرٍ أفْنَيْـتَ فاسْـتَبْقِ بَعْضَنـا

حَنـانَيْكَ بعـضُ الشَّرِّ أهْوَنُ مِن بعضِ (1)

وقال امرؤ القيس في اللغة الأخرى:

ويَمْنَحُهــا بَنُـو شَـمَجَى بـن جَـرْمٍ

مَعِـــيزَهُمُ حَنـــانَكَ ذَا الحَنــانِ (2)

وقد اختلف أهل العربية في " حنانيك " فقال بعضهم: هو تثنية " حنان ". وقال آخرون: بل هي لغة ليست بتثنية; قالوا: وذلك كقولهم: حَوَاليك; وكما قال الشاعر:

ضَرْبا هَذَا ذَيْكَ وطَعْنا وَخْضًا (3)

وقد سوّى بين جميع ذلك الذين قالوا حنانيك تثنية، في أن كل ذلك تثنية. وأصل ذلك أعني الحنان، من قول القائل: حنّ فلان إلى كذا وذلك إذا ارتاح إليه واشتاق، ثم يقال: تحنَّنَ فلان على فلان، إذا وصف بالتعطُّف عليه والرقة به، والرحمة له، كما قال الشاعر:

تَحَــنّنْ عَــليَّ هَــدَاكَ المَلِيــكُ

فـــإنَّ لِكُـــلّ مَقــامٍ مَقــالا (4)

بمعنى: تعطَّف عليّ. فالحنان: مصدر من قول القائل: حنّ فلان على فلان، يقال منه: حننت عليه، فأنا أحنّ عليه حنينا وحنانا، ومن ذلك قيل لزوجة الرجل: حَنَّته، لتحنته عليها وتعطفه، كما قال الراجز:

وَلَيْلَـــةٍ ذَاتِ دُجًـــى سَــرَيْتُ

ولَــمْ تَضِــرْنِي حَنَّــةٌ وَبيْــتُ (5)

وقوله: (وَزَكاةً) يقول تعالى ذكره: وآتينا يحيى الحكم صبيا، وزكاة: وهو الطهارة من الذنوب، واستعمال بدنه في طاعة ربه، فالزكاة عطف على الحكم من قوله ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ ).

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَزَكاةً) قال: الزكاة: العمل الصالح.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله (وَزَكاةً) قال: الزكاة: العمل الصالح الزكيّ.

حُدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله (وَزَكاةً) يعني العمل الصالح الزاكي.

وقوله (وكانَ تَقِيًّا) يقول تعالى ذكره: وكان لله خائفا مؤدّيا فرائضه، مجتنبا محارمه مسارعا في طاعته.

كما: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ) قال: طهر فلم يعمل بذنب.

حدثني يونس، قال: خبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ) قال: أما الزكاة والتقوى فقد عرفهما الناس.

-------------------------------

الهوامش :

(1) البيت لطرفة بن العبد البكري ( اللسان : حنن ) . والشاهد في قوله حنانيك ، أي تحننا على تحنن . وحكى الأزهري عن الليث : حنانيك يا فلان افعل كذا ، ولا تفعل كذا ، يذكره الرحمة والبر ، وأنشد بيت طرفة . قال ابن سيده : وقد قالوا حنانا ، فصلوه من الإضافة في الإفراد ، وكل ذلك بدل من اللفظ بالفعل .

(2) البيت لامرئ القيس بن حجر ( اللسان : حنن ) و ( مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 110 ) قال شارحه ويمنحها : هذه رواية الأصمعي أي يعطيها ويروى : ويمنعها ، وهي أشبه بمعنى البيت . وقوله : حنانك ذا الحنان ، فسره ابن الأعرابي : رحمتك يا رحمن ، فأغنى عنهم . وعلى أية حال . فالشاعر برم بمجاورة بني شمجي بن جرم ، متسخط فعلهم ، زار عليهم ، إذا منعوه المعزى . فأما إذا منحوه إياها ( على رواية الأصمعي ) فإنه يكون ساخطا ، لاضطراره إلى أن يقبل منح أمثالهم مع ما له من الشرف والعراقة في الملك ؛ كأنه يقول في نفسه : أبعد ما كان لنا من العز الشامخ تذل نفسي وتضطر إلى قبول المنح والصلات من الناس . وفي اللسان : فرواية الأعرابي تسخط وذم ، وذلك تفسيره ؛ ورواية الأصمعي : تشكر وحمد ودعاء لهم ، وكذلك تفسيره .

(3) البيت في ( اللسان : هذذ ) غير منسوب . قال : الهذ و الهذذ : سرعة القطع وسرعة القراءة . قال : ضربا هذا ذيك : أي هذا بعد هذ ، يعني قطعا بعد قطع . وعلى هذا استشهد به المؤلف . . والوخض : قال الأصمعي : إذا خالطت الطعنة الجوف ولم تنفذ ، فذلك الوخض والوخط أه . يقال : وخضه بالرمح وخضا .

(4) البيت للحطيئة ( لسان العرب : حنن ) . قال : وتحنن عليه : ترحم ، وأنشد ابن بر الحطيئة : تحنن علي . . . البيت .

(5) هذان بيتان من مشطور الرجز ، لأبي محمد الفقعسي ، وبينهما بيت ثالث ، وهو قوله * ولـم يلتنـي عـن سـراها ليت *

( اللسان : حنن ) . وقد استشهد بالبيتين الأولين منهما صاحب اللسان في ( ليت ) . واستشهد بهما المؤلف في الجزء الخامس عشر عند تفسير قوله تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ) وموضع الشاهد هنا في البيت الثالث وهو قوله : " حنة " . قال : وحنة الرجل : امرأته ، قال أبو محمد الفقعسي : " وليلة " . . . . إلخ . الأبيات الثلاثة . قال : وهي طلته وكنيته ونهضته وحاصنته وحاضنته .

المعاني :

وَحَنَانًا :       رَحْمَةً وَمَحَبَّةً السراج
حنانا :       رحمة و عطفا على النّاس معاني القرآن
وَزَكَاةً :       طَهَارَةً مِنَ الذُّنُوبِ وَبَرَكَةً السراج
زكاة :       بركة أو طهارة من الذنوب معاني القرآن
كان تقيّا :       مُطيعا مجتنبا للمعاصي معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[13] ﴿وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا﴾ مهما كان ألمك وأملك سيدركه (حنان الله).
وقفة
[13] ﴿وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا﴾ لن تجد أحن مِن الله عليك؛ الله وحده يغشاك بحنانه حين يتخلى الجميع عنك.
وقفة
[13] ﴿وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا﴾ الحنان عطيّةٌ ربانية.
وقفة
[13] ﴿وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا﴾ بالله عليك كيف تشعر وأنت تقرأها؟ أمع الله جرح لا يبرأ! أمع الله كسر لا يجبر.
وقفة
[13] ﴿وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا﴾ إن بحثت عن المحبة والشفقة والعطف الحقيقي تجده عند الله، فكم من كربة نفسها عنك! وكم من ظلم وقع عليك فنصرك!
وقفة
[13] ﴿وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا﴾ أي من عندنا، بعد أن شاخ والداه وضعفا.
وقفة
[13] ﴿وحَـنانًا من لـدُنّا﴾ أي آتيناه منا رحمة ورأفة تيسرت بها أموره، وصلحت بها أحواله، واستقامت بها أفعاله.
وقفة
[13] كل ما في القرآن العظيم من (زكاة), فهو: المال, إلا ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً﴾ أي: طهرًا له.
وقفة
[13] ﴿وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا﴾ المتقي يحظى بحنان الله عز وجل وتزكيته، يا رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زَكاها.
وقفة
[13] ﴿وَكَانَ تَقِيًّا﴾ قيمة المرء عند الله ليس بما يملك من مال أو جاه، بل بما يملك من نفيس الأخلاق والدين، والتقوى رأس مالك.
اسقاط
[13] قال عن يحيى: ﴿وَكَانَ تَقِيًّا﴾، أما نحن فلا نَدري أيقولُ عنَّا ربُّنا: (وَكَانَ تَقِيًّا)، أم (وكان شقيًا)؟!

الإعراب :

  • ﴿ وَحَناناً مِنْ لَدُنّا:
  • بمعنى: ومنحناه عطفا من لدنا على أبويه وغيرهما أي ورحمة منا عليه. وحنانا: معطوفة بالواو على «الحكم» وتعرب إعرابها. من لدنا: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «حنانا».من: حرف جر بياني. لدن: أي بمعنى «عند» اسم مبني على السكون في محل جر بمن. و«نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَزَكاةً:
  • معطوفة بالواو على «حنانا» وتعرب مثلها. ويجوز أن تكون مفعولا مطلقا منصوبة على المصدر بفعل مضمر بتقدير: وزكيناه زكاة. والمعنى: الطهارة وقيل الصدقة. أي يتعطف على الناس ويتصدق عليهم.
  • ﴿ وَكانَ تَقِيًّا:
  • بمعنى وجعلناه تقيا. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها: ضمير مستتر جوازا تقديره هو. تقيا: خبر «كان» منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [13] لما قبلها :     2- آتاه الحنان والرحمة والرأفة. 3- جعله زكيًّا طاهرًا من الذنوب. 4- كان تقيًّا مطيعًا لله متجنبًا للمعاصي، قال تعالى:
﴿ وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [14] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا ..

التفسير :

[14] وكان بارّاً بوالديه مطيعاً لهما، ولم يكن متكبراً عن طاعة ربه، ولا عن طاعة والديه، ولا عاصياً لربه، ولا لوالديه.

{ و ْ} كان أيضا{ بَرًّا بِوَالِدَيْهِ ْ} أي:لم يكن عاقا، ولا مسيئا إلى أبويه، بل كان محسنا إليهما بالقول والفعل.{ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ْ} أي:لم يكن متجبرا متكبرا عن عبادة الله، ولا مترفعا على عباد الله، ولا على والديه، بل كان متواضعا، متذللا، مطيعا، أوابا لله على الدوام، فجمع بين القيام بحق الله، وحق خلقه، ولهذا حصلت له السلامة من الله، في جميع أحواله، مبادئها وعواقبها

ثم أضاف- سبحانه- إلى تلك الصفات الكريمة ليحيى صفات أخرى فقال:

وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ

أى: وجعلناه كثير البر بوالديه، والإحسان إليهما.

وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً

أى: مستكبرا متعاليا مغرورا عَصِيًّا

أى: ولم يكن ذا معصية ومخالفة لأمر ربه.

وقوله : ( وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا ) لما ذكر تعالى طاعته لربه ، وأنه خلقه ذا رحمة وزكاة وتقى ، عطف بذكر طاعته لوالديه وبره بهما ، ومجانبته عقوقهما ، قولا وفعلا وأمرا ونهيا; ولهذا قال : ( ولم يكن جبارا عصيا )

يقول تعالى ذكره: وكان برّا بوالديه، مسارعا في طاعتهما ومحبتهما ، غير عاقّ بهما(وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) يقول جلّ ثناؤه: ولم يكن مستكبرا عن طاعة ربه وطاعة والديه، ولكنه كان لله ولوالديه متواضعا متذللا يأتمر لما أمر به، وينتهي عما نُهِي عنه، لا يَعْصِي ربه، ولا والديه.

وقوله (عَصِيًّا) فعيل بمعنى أنه ذو عصيان، من قول القائل: عَصَى فلان ربه، فهو يعصيه عصيا.

المعاني :

برّا بوالديه :       كثيرَ البرّ و الإحسان إليهما معاني القرآن
جبّارا عصيّا :       مُتكبّرا مخالفا أمر ربّه معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[14] ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ﴾ علو منزلة بر الوالدين ومكانتها عند الله، فالله قرنه بشكره.
وقفة
[14] ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ﴾ قال وهب بن منبِّه: «إنّ البرَّ بالوالدين يزيد في العمر».
وقفة
[14] ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ﴾ أعظم الناس بر بوالديه: من أعانهم على طاعة الله والتقرب إليه.
وقفة
[14] ﴿وَبَرًّا بِوَٰلِدَيْهِ﴾ وكان برًا بوالديه، مسارعًا في طاعتهما ومحبتهما، غير عاق بهما، ﴿وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ ولم يكن مستكبرًا عن طاعة ربه وطاعة والديه، ولكنه كان لله ولوالديه متواضعًا، متذللًا؛ يأتمر لما أمر به، وينتهي عما نهي عنه، لا يعصي ربه، ولا والديه.
وقفة
[14] ﴿وَبَرًّا بِوالِدَيهِ وَلَم يَكُن جَبّارًا عَصِيًّا﴾ بِرك بوالديك يجعلك سمحًا فى تعاملك مع غيرك، ويزيدك قربًا من الله.
وقفة
[14] ﴿وَبَرًّا بِوالِدَيهِ وَلَم يَكُن جَبّارًا عَصِيًّا﴾ الشقاء وبر الوالدين لا يجتمعان.
وقفة
[14] ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ العلاقة بالأم (خاصة) تحدد مساحة السعادة والشقاء في حياتنا
وقفة
[14] ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ ‏بر الوالدين وعقوقهما دَين عاجل الوفاء، يتقاضاه الأحفاد نيابة عن الأجداد، قال ﷺ: «بابانِ مُعجَّلانِ عُقوبتُهما في الدنيا: البَغْيُ، والعقُوقُ» [الحاكم 4/177، وصححه الألباني].
وقفة
[14] ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ ﻗﺎﻝ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ المسيب: «ﺍﻟﺒﺎﺭ ﻻ ﻳﻤﻮﺕ ﻣﻴﺘﺔ ﺍﻟﺴﻮﺀ»، نسأل الله ﺣﺴﻦ الخاتمة.
وقفة
[14] ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ القلوب الرحيمة المتواضعة هي المحبوبة للوالدين.
عمل
[14] قدم لوالديك شيئًا يحبانه ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَبَرًّا بِاالِدَيْهِ:
  • أي وإحسانا وطاعة لوالديه. برا: معطوفة بالواو على «حنانا» و «تقيا» في الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابهما بمعنى محسنا ومطيعا لوالديه. بوالديه: جار ومجرور متعلق بفعل «برا» وعلامة جر الاسم الياء لأنه مثنى وحذفت النون للاضافة والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَلَمْ يَكُنْ:
  • الواو: عاطفة. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يكن: فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت الواو لالتقاء الساكنين واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو.
  • ﴿ جَبّاراً عَصِيًّا:
  • خبران ليكن على التتابع منصوبان بالفتحة. بمعنى: لم يكن عاصيا لربه أو عاقا لوالديه. '

المتشابهات :

مريم: 14﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا
مريم: 32﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [14] لما قبلها :     5- كان كثير البر لوالديه. 6- لم يكن متجبرًا متعاليًا على الخَلقِ والحَقِّ. 7- لم يكن عاصيًا لربه، قال تعالى:
﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [15] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ ..

التفسير :

[15] وسلام من الله على يحيى وأمان له يوم وُلِد، ويوم يموت، ويوم يُبعث مِن قبره حيّاً.

{ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ْ} وذلك يقتضي سلامته من الشيطان، والشر، والعقاب في هذه الأحوال الثلاثة وما بينها، وأنه سالم من النار والأهوال، ومن أهل دار السلام، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى والده وعلى سائر المرسلين، وجعلنا من أتباعهم، إنه جواد كريم.

ثم ختم- سبحانه- هذه الصفات ببيان العاقبة الحسنة التي ادخرها ليحيى- عليه السلام- فقال: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ

أى: وتحية وأمان له منا يوم ولادته وَيَوْمَ يَمُوتُ

ويفارق هذه الدنيا وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

للحساب يوم القيامة.

وخص- سبحانه- هذه الأوقات الثلاثة بالذكر، لأنها أحوج إلى الرعاية من غيرها.

قال سفيان بن عيينة: أحوج ما يكون المرء في ثلاثة مواطن: يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه. ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم. ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم.

وبعد هذا الحديث عن جانب من قصة زكريا ويحيى- عليهما السلام-، انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن قصة أخرى أعجب من قصة ميلاد يحيى، ألا وهي قصة مريم وميلادها لابنها عيسى- عليه السلام- فقال- تعالى-:

ثم قال بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاء له على ذلك : ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) أي : له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال .

وقال سفيان بن عيينة : أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد ، فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ، ويوم يبعث ، فيرى نفسه في محشر عظيم . قال : فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصه بالسلام عليه ، ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور المروزي عن صدقة بن الفضل عنه .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( جبارا عصيا ) ، قال : كان ابن المسيب يذكر ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب ، إلا يحيى بن زكريا " . قال قتادة : ما أذنب ولا هم بامرأة . مرسل

وقال محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، حدثني ابن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب ، إلا ما كان من يحيى بن زكريا " ابن إسحاق هذا مدلس ، وقد عنعن هذا الحديث ، فالله أعلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ ، أو هم بخطيئة ، ليس يحيى بن زكريا ، وما ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى "

وهذا أيضا ضعيف ; لأن علي بن زيد بن جدعان له منكرات كثيرة ، والله أعلم .

وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : أن حسنا قال : إن يحيى وعيسى ، عليهما السلام ، التقيا ، فقال له عيسى : استغفر لي ، أنت خير مني ، فقال له الآخر : استغفر لي فأنت خير مني . فقال له عيسى : أنت خير مني ، سلمت على نفسي ، وسلم الله عليك ، فعرف والله فضلهما .

وقوله ( وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) يقول: وأمان من الله يوم ولد، من أن يناله الشيطان من السوء، بما ينال به بني آدم، وذلك أنه رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأْتي يَوْمَ القِيامَةِ وَلَهُ ذَنْبٌ إلا ما كانَ مِنْ يَحْيَى بنِ زَكَريَّا ".

حدثنا بذلك ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: ثني ابن العاص، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (جَبَّارًا عَصِيًّا) قال: كان ابن المسيب يذكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ أحَدٍ يَلْقَى اللهَ يَوْمَ القِيامَةِ، إلا ذَا ذَنْبٍ، إلا يَحْيَى بنَ زَكَريَّا ".

قال: وقال قتادة: ما أذنب، ولا هم بامرأة.

وقوله ( وَيَوْمَ يَمُوتُ ) يقول: وأمان من الله تعالى ذكره له من فَتَّاني القبر، ومن هول المطلع ( وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) يقول: وأمان له من عذاب الله يوم القيامة، يوم الفزع الأكبر، من أن يروعه شيء، أو أن يفزعه ما يفزع الخلق.

وقد ذكر ابن عيينة في ذلك ما حدثني أحمد بن منصور الفَيروزِيّ، قال: أخبرني صدقة بن الفضل قال: سمعت ابن عطية يقول: أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم، ويوم يُبعث فيرى نفسه في محشر عظيم، قال: فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا، فخصه بالسلام عليه، فقال ( وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ).

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، أن الحسن قال: إن عيسى ويحيى التقيا فقال له عيسى: استغفر لي، أنت خير مني، فقال له الآخر: استغفر لي، أنت خير مني، فقال له عيسى: أنت خير مني ، سَلَّمت على نفسي، وسلَّم الله عليك، فعرف والله فضلها.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[15] ﴿وَسَلامٌ عَلَيهِ يَومَ وُلِدَ وَيَومَ يَموتُ وَيَومَ يُبعَثُ حَيًّا﴾ خص سبحانه هذه الأوقات الثلاثة بالذكر؛ لأنها أحوج إلى الرعاية من غيرها، قال سفيان بن عيينة: «أحوج ما يكون المرء في ثلاثة مواطن: يوم يولد فيرى نفسه خارجًا مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قومًا لم يكن عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم».
وقفة
[15] أوحش ثلاث مواطن تمر بها: يوم تولد يوم تموت يوم تبعث ﴿وَسَلامٌ عَلَيهِ يَومَ وُلِدَ وَيَومَ يَموتُ وَيَومَ يُبعَثُ حَيًّا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَسَلامٌ عَلَيْهِ:
  • الواو استئنافية. سلام: مبتدأ مرفوع بالضمة. عليه: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ وجاز الابتداء بالنكرة لأن فيه دعاء. ويجوز أن يكون معرفة بتقدير: سلام الله عليه.
  • ﴿ يَوْمَ وُلِدَ:
  • مفعول فيه-ظرف زمان-منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق بسلام. ولد: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «ولد» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا:
  • الجملتان معطوفتان بواوي العطف على يَوْمَ وُلِدَ».يموت: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يموت» في محل جر بالاضافة. يبعث: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يبعث» في محل جر بالاضافة. بمعنى «يوم يبعث يوم القيامة».حيا: حال منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

مريم: 15﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا
مريم: 33﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     وبعد ذكر صفات يحيى عليه السلام؛ ختمها اللهُ عز و جل ببيان العاقبة الحسنة التى ادَّخرَها له، قال تعالى:
﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [16] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ..

التفسير :

[16] واذكر -أيها الرسول- في هذا القرآن خبر مريم إذ تباعدت عن أهلها، فاتخذت لها مكاناً مما يلي الشرق عنهم.

لما ذكر قصة زكريا ويحيى، وكانت من الآيات العجيبة، انتقل منها إلى ما هو أعجب منها، تدريجا من الأدنى إلى الأعلى فقال:{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ ْ} الكريم{ مَرْيَمَ ْ} عليها السلام، وهذا من أعظم فضائلها، أن تذكر في الكتاب العظيم، الذي يتلوه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، تذكر فيه بأحسن الذكر، وأفضل الثناء، جزاء لعملها الفاضل، وسعيها الكامل، أي:واذكر في الكتاب مريم، في حالها الحسنة، حين{ انْتَبَذَتْ ْ} أي:تباعدت عن أهلها{ مَكَانًا شَرْقِيًّا ْ} أي:مما يلي الشرق عنهم.

قال ابن كثير: «لما ذكر الله تعالى- قصة زكريا- عليه السلام- وأنه أوجد منه في حال كبره وعقم زوجته ولدا زكيا طاهرا مباركا، وعطف بذكر قصة مريم، في إيجاده ولدها عيسى- عليه السلام- منها من غير أب.

وهي مريم ابنة عمران- من سلالة داود- عليه السلام- وكانت من بيت طاهر في بنى إسرائيل ... ونشأت نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات ...

وكانت في كفالة زوج أختها زكريا- عليه السلام- ورأى لها من الكرامات الهائلة ما بهره ... » .

والمعنى: وَاذْكُرْ

- أيها الرسول الكريم- فِي الْكِتابِ

أى في هذه السورة الكريمة، أو في القرآن الكريم، خبر مريم وقصتها إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا

أى: وقت أن تنحت عنهم واعتزلتهم في مكان يلي الناحية الشرقية من بيت المقدس، أو من بيتها الذي كانت تسكنه.

وفي التعبير بقوله- تعالى- إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها

إشارة إلى شدة عزلتها عن أهلها إذ النبذ معناه الطرح والرمي، فكأنها ألقت بنفسها في هذا المكان لتختلى للعبادة والطاعة، والتقرب إلى الله- تعالى- بصالح الأعمال.

قال القرطبي: واختلف الناس لم انتبذت؟ فقال السدى: انتبذت لتطهر من حيض أو نفاس. وقال غيره: لتعبد الله وهذا حسن. وذلك أن مريم كانت وقفا على سدانة المعبد وخدمته والعبادة فيه، فتنحت من الناس لذلك، ودخلت في المسجد إلى جانب المحراب في شرقيه لتخلو للعبادة..

فقوله مَكاناً شَرْقِيًّا

أى: مكانا من جانب الشرق. والشرق- بسكون الراء- المكان الذي تشرق فيه الشمس. والشرق- بفتح الراء- الشمس.

وإنما خص المكان بالشرق، لأنهم كانوا يعظمون جهة المشرق، حيث تطلع الأنوار ... » .

لما ذكر تعالى قصة زكريا ، عليه السلام ، وأنه أوجد منه ، في حال كبره وعقم زوجته - ولدا زكيا طاهرا مباركا - عطف بذكر قصة مريم في إيجاده ولدها عيسى ، عليهما السلام ، منها من غير أب ، فإن بين القصتين مناسبة ومشابهة ; ولهذا ذكرهما في آل عمران وهاهنا وفي سورة الأنبياء ، يقرن بين القصتين لتقارب ما بينهما في المعنى ، ليدل عباده على قدرته وعظمة سلطانه ، وأنه على ما يشاء قادر ، فقال : ( واذكر في الكتاب مريم ) وهي مريم بنت عمران ، من سلالة داود ، عليه السلام ، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل . وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في " آل عمران " ، وأنها نذرتها محررة ، أي : تخدم مسجد بيت المقدس ، وكانوا يتقربون بذلك ، ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ) [ آل عمران : 37 ] ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة ، فكانت إحدى العابدات الناسكات المشهورات بالعبادة العظيمة والتبتل والدءوب ، وكانت في كفالة زوج أختها - وقيل : خالتها - زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم ، الذي يرجعون إليه في دينهم . ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) [ آل عمران : 37 ] فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء ، كما تقدم بيانه في " آل عمران " . فلما أراد الله تعالى - وله الحكمة والحجة البالغة - أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام ، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام ، ( انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) أي : اعتزلتهم وتنحت عنهم ، وذهبت إلى شرق المسجد المقدس .

قال السدي : لحيض أصابها . وقيل لغير ذلك . قال أبو كدينة ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه عن ابن عباس قال : إن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه ، وما صرفهم عنه إلا قيل ربك : ( انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) قال : خرجت مريم مكانا شرقيا ، فصلوا قبل مطلع الشمس . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير .

وقال ابن جرير أيضا : حدثنا إسحاق بن شاهين ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن عامر ، عن ابن عباس قال : إني لأعلم خلق الله ؛ لأي شيء اتخذت النصارى المشرق قبلة ; لقول الله تعالى ( انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) واتخذوا ميلاد عيسى قبلة

وقال قتادة : ( مكانا شرقيا ) شاسعا متنحيا .

وقال محمد بن إسحاق : ذهبت بقلتها تستقي من الماء .

وقال نوف البكالي : اتخذت لها منزلا تتعبد فيه . فالله أعلم .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد في كتاب الله الذي أنـزله عليك بالحقّ مريم ابنة عمران ، حين اعتزلت من أهلها، وانفردت عنهم، وهو افتعل من النَّبذ، والنَّبذ: الطَّرْح، وقد بيَّنا ذلك بشواهده فيما مضى قبلُ.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) أي انفردت من أهلها.

حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصَّلْت، قال: ثنا أبو كُدَينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا) قال: خرجت مكانا شرقيا.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها، وهو قوله: (6) فانتبذت من أهلها مكانا شرقيا: في شرقيّ المحراب.

وقوله (مَكَانًا شَرْقِيًّا) يقول: فتنحت واعتزلت من أهلها في موضع قِبَلَ مَشرق الشمس دون مَغربها.

كما حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (مَكَانًا شَرْقِيًّا) قال: من قِبَل المشرق.

حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عامر، عن ابن عباس، قال: إني لأعلم خلق الله لأيّ شيء اتخذت النصارى المشرق قبلة لقول الله: فانتبذت من أهلها مكانا شرقيا، فاتخذوا ميلاد عيسى قبلة.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، عن ابن عباس، مثله.

حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن الصَّلْت، قال: ثنا أبو كُدَينة، عن قابوس، عن أبيه ، عن ابن عباس، قال: إن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت، والحج لله، وما صرفهم عنهما إلا تأويل ربك (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا) فصلوا قبل مطلع الشمس.

حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا) قال: شاسعا متنحيا.

وقيل: إنها إنما صارت بمكان يلي مشرق الشمس، لأن ما يلي المشرق عندهم كان خيرا مما يلي المغرب ، وكذلك ذلك فيما ذُكر عند العرب.

----------------------

الهوامش :

(6) كذا هنا ، وفي موضوعين بعد : فانتبذت ، والقراءة : إذ انتبذت .

المعاني :

انتَبَذَتْ :       اعْتَزَلَتْ وَابْتَعَدَتْ السراج
انتبذت :       اعتزلت و انفردتْ معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[16] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ كم مرة قرأت قصة مريم؟ تأمل في هذين الوجهين من أوجه كرامتها: أ. أمرت بهز الجذع وليس أعلاه، والجذع عادة لا يتحرك ولو هزه الرجل القوي. ب. أن الرطب إذا تساقط من علو -عادة- فإنه يفسد ويتفضخ؛ لكنه في شأنها بقي رطبًا جنيًّا كأنه مخروف باليد.
وقفة
[16] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ في مقاييس الله، لا يهم لونك أو جنسك أو شكلك، المهم هو قلبك المخلص وعملك الصادق فهذا فقط هو الذي يرفعك.
وقفة
[16] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ جمعت بعض الزاد، وأثواب العبادة، وخرجت، لم تعلم أن الذي خرجت من أجله سيحدث العالمين بتفاصيل خروجها.
وقفة
[16] ﴿وَاذكُر فِي الكِتابِ مَريَمَ﴾ ما يذكر فى الكتاب من قصص ليس للتسلية، إنما للتدبر والفهم وأخذ العظات منه.
لمسة
[16] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ قدم قصة زكريا مع يحيى قبل قصة مريم؛ لأن مريم قد قالت في كلامها لزكريا: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران: 37]، وقد رأت بنفسها ما وقع لزكريا، وهو كبير في السن، وزوجته عاقر، فلا تستغرب أن يقع لها شيء شبيه بذلك، وأعظم منه.
وقفة
[16] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ العظمة ليست حكرًا على الرجال الأشداء، بل قد تكون في امرأة تحلت بالصبر والحياء.
وقفة
[16] ﴿وَاذكُر فِي الكِتابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِها مَكانًا شَرقِيًّا﴾ التذكير بالمعلومات الهامة يزيدها رسوخًا فى الأذهان، ويعد من الأساليب التربوية ذات الأثر.
وقفة
[16] ﴿إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا﴾ يشتد الأنس بالله ببعض الصالحين لدرجة يستوحشون فيها من أقرب الناس، فيبحثون عن أماكن خالية يناجون فيها حبيبهم.
وقفة
[16] ﴿إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ حب الاختلاء بالرب من أقدم صفات العباد.
عمل
[16] ﴿إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ كثرة المخالطة تُميت القلب؛ فاجعل لك مع الله خلوة، تكن زادك في صحراء الحياة القاحلة.
وقفة
[16] ﴿مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾، ﴿مَكَانًا قَصِيًّا﴾ [22]، في عبادتها حرصت على اختيار الجهة، أما في حملها فلم تحرص، الهم يجعل الجهات متشابهة.
وقفة
[16] قال ابن عباس: «إني لأعلم خلق الله لأي شيء اتخذت النصارى الشرق قبلة، لقوله تعالى: ﴿مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾، أي أن ذلك الاستقبال ليس بأمر من الله تعالى».
لمسة
[16] ﴿شَرْقِيًّا﴾ وصف المكان بالشرقي نكتة بديعة في تاريخ الشرائع؛ للتنبيه على أصل اتخاذ النصارى الشرق قِبلة لصلواتهم.

الإعراب :

  • ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ:
  • الواو: استئنافية. اذكر: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. في الكتاب: جار ومجرور متعلق باذكر. مريم: مفعول به منصوب ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف «التنوين» للتأنيث والمعرفة.
  • ﴿ إِذِ انْتَبَذَتْ:
  • إذ: ظرف للزمن بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب متعلق باذكر وحرك آخره بالكسر لالتقاء الساكنين. انتبذت: أي «اعتزلت» فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. وجملة «انتبذت» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا:
  • جار ومجرور متعلق بانتبذت و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. مكانا: ظرف مكان متعلق بانتبذت أو مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى قاصدة مكانا. شرقيا: صفة -نعت-لمكانا منصوب مثلها بالفتحة. وثمة وجه آخر لاعراب هذا القول الكريم وهو أن يكون الجار «من» بمعنى «في» قد انتقل من المكان الشرقي الى أهلها. على معنى: اعتزلت أهلها في مكان شرقي. والوجه الأول أصوب. ومكانا شرقيا: بمعنى بيتها. وقيل شرقي بيت المقدس. '

المتشابهات :

مريم: 16﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا
مريم: 41﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا
مريم: 51﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا
مريم: 54﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا
مريم: 56﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز و جل قصةَ زكريا عليه السلام وطلبه الولد، وإجابة الله إياه، فولد له من شيخ كبير وعجوز له عاقر! وكان ذلك مما يتعجب منه؛ أتبعه هنا بما هو أعظم في الغرابة والعجب، وهو وجود وَلدٍ من غير ذَكرٍ! وهي قصَّةُ عيسى عليه السلام، عندما اعتزلَتْ مريمُ عن أهلِها شرقِي بيتِ المقدسِ، قال تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [17] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا ..

التفسير :

[17] فجعلت مِن دون أهلها ستراً يسترها عنهم وعن الناس، فأرسلنا إليها الملَك جبريل، فتمثَّل لها في صورة إنسان تام الخَلْق.

{ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ْ} أي:سترا ومانعا، وهذا التباعد منها، واتخاذ الحجاب، لتعتزل، وتنفرد بعبادة ربها، وتقنت له في حالة الإخلاص والخضوع والذل لله تعالى، وذلك امتثال منها لقوله تعالى:{ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ* يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ْ} وقوله:{ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ْ} وهو:جبريل عليه السلام{ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ْ} أي:كاملا من الرجال، في صورة جميلة، وهيئة حسنة، لا عيب فيه ولا نقص، لكونها لا تحتمل رؤيته على ما هو عليه، فلما رأته في هذه الحال، وهي معتزلة عن أهلها، منفردة عن الناس، قد اتخذت الحجاب عن أعز الناس عليها وهم أهلها، خافت أن يكون رجلا قد تعرض لها بسوء، وطمع فيها، فاعتصمت بربها، واستعاذت منه

وقوله: فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً

تأكيد لانتباذها من أهلها، واعتزالها إياهم.

أى: اذكر وقت أن اعتزلت أهلها. في مكان يلي شرق بيت المقدس، فاتخذت بينها وبينهم حجابا وساترا للتفرغ لعبادة ربها.

ثم بين- سبحانه- ما أكرمها به في حال خلوتها فقال: فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا.

أى: فأرسلنا إليها روحنا وهو جبريل- عليه السلام- فتشبه لها في صورة بشر سوى معتدل الهيئة، كامل البنية، كأحسن ما يكون الإنسان.

يقال: رجل سوى، إذا كان تام الخلقة عظيم الخلق، لا يعيبه في شأن من شئونه إفراط أو تفريط.

والإضافة في قوله رُوحَنا

للتشريف والتكريم، وسمى جبريل- عليه السلام- روحا لمشابهة الروح الحقيقية في أن كلا منهما مادة الحياة للبشر. فجبريل من حيث ما يحمل من الرسالة الإلهية تحيا به القلوب، والروح تحيا به الأجسام.

وإنما تمثل لها جبريل- عليه السلام- في صورة بشر سوى، لتستأنس بكلامه، وتتلقى منه ما يلقى إليها من كلماته، ولو بدا لها في صورته التي خلقه الله- تعالى- عليها. لنفرت منه، ولم تستطع مكالمته.

وقوله: بَشَراً سَوِيًّا

حالان من ضمير الفاعل في قوله فَتَمَثَّلَ لَها.

وقوله : ( فاتخذت من دونهم حجابا ) أي : استترت منهم وتوارت ، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ( فتمثل لها بشرا سويا ) أي : على صورة إنسان تام كامل .

قال مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن جريج ووهب بن منبه ، والسدي ، في قوله : ( فأرسلنا إليها روحنا ) يعني : جبريل ، عليه السلام .

وهذا الذي قالوه هو ظاهر القرآن فإنه تعالى قد قال في الآية الأخرى : ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) [ الشعراء : 193 ، 194 ] .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : إن روح عيسى ، عليه السلام ، من جملة الأرواح التي أخذ عليها العهد في زمان آدم ، وهو الذي تمثل لها بشرا سويا ، أي : روح عيسى ، فحملت الذي خاطبها ، وحل في فيها .

وهذا في غاية الغرابة والنكارة ، وكأنه إسرائيلي .

وقوله: ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ) يقول: فاتخذت من دون أهلها سترا يسترها عنهم وعن الناس ، وذُكر عن ابن عباس، أنها صارت بمكان يلي المشرق، لأن الله أظلها بالشمس، وجعل لها منها حجابا.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا) قال: مكانا أظلتها الشمس أن يراها أحد منهم.

وقال غيره في ذلك ما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ) من الجدران.

وقوله ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ) يقول تعالى ذكره: فأرسلنا إليها حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيا، واتخذت من دونهم حجابا: جبريل.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ) قال: أرسل إليها فيما ذُكر لنا جبريل.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: وجدتْ عندها جبريل قد مثله الله بشرا سويا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ) قال: جبريل .

حدثني محمد بن سهل، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل بن أخي وهب، قال: سمعت وهب بن منبه ، قال: أرسل الله جبريل إلى مريم، فَمَثَل لها بشرا سويا.

حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال : فلما طهرت، يعني مريم من حيضها، إذا هي برجل معها، وهو قوله ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) يقول تعالى ذكره: فتشبه لها في صورة آدميّ سويّ الخلق منهم، يعني في صورة رجل من بني آدم معتدل الخلق.

المعاني :

حجابا :       سِترا معاني القرآن
رُوحَنَا :       جِبْرِيلَ - عليه السلام - السراج
سَوِيًّا :       تَامَّ الخَلْقِ السراج
بشرا سويّا :       إنسانا مُستوي الخلق تامّه معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[17] ﴿فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا﴾ أحكم إغلاق النوافذ المطلة على خلقه، يفتح الله لك بابًا واسعًا مطلًا على كرمه!
وقفة
[17] ﴿فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا﴾ تاريخ المرأة يصنع خلف الحجاب، المرأة بلا حجاب كائن في العراء.
وقفة
[17] ﴿فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا﴾ حجابًا يحجبها عن عبّاد بيت المقدس، فما بال بعض بناتنا لا تتخذ حجابًا حتى عن الفساق؟!
وقفة
[17] من علامات المحبة أن يكون للمحب حال مع ربه لا يحب أن يطلع عليه أحدًا وإن كان أقرب الناس إليه ﴿فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا﴾.
وقفة
[17] ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ "حِجَابًا" فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا﴾ ولو كنت خلف الحجب؛ فعطية الله تصل.
وقفة
[17] ﴿فَأرْسَلْنَا إِلَيْها رُوحَنَا﴾ أي جبريل، فإن قلتَ: كيف قال ذلكَ، مع اتفاق العلماء على أن الوحي لم ينزل على امرأة، ولهذا قالوا في قوله: ﴿وأوحينا إلى أُمّ موسى﴾ [القصص: 7]؛ أنه وحيُ إلهام، وقيل: وحي منام، قلتُ: لا نسلِّم أن الوحي لم يُنزَّل على امرأة، فقد قال مقاتل في قوله تعالى: ﴿وأوحينا إلى أُمّ موسى﴾ [القصص: 7] أنه كان وحيًا بواسطة جبريل، والمتَّفقُ عليه إنما هو وحي الرسالة، لا مطلق الوحي، والوحيُ هنا إنما هو ببشارة الولد لا بالرسالة.
وقفة
[17] ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ ابتليت بشاب في صورة فائقة الحسن اختبارًا لعفتها، فتعوذت بالله منه، لكمال عفافها وطهرها.

الإعراب :

  • ﴿ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ:
  • الفاء: عاطفة. اتخذت: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها و «من دونهم» جار ومجرور متعلق باتخذت و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. حجابا: مفعول به منصوب بالفتحة. بمعنى فجعلت من دونهم ستارا أو سترا. ويجوز أن يكون الجار والمجرور مِنْ دُونِهِمْ» متعلقا بحال مقدمة من «حجابا».
  • ﴿ فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا:
  • الفاء: استئنافية. أرسل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. اليها: جار ومجرور متعلق بأرسلنا. روح: مفعول به منصوب بالفتحة و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. و «الروح» هو جبريل عليه السّلام سماه الله تعالى الى روحه مجازا محبة له وتقريبا إليه.
  • ﴿ فَتَمَثَّلَ لَها:
  • الفاء عاطفة. تمثل: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لها: جار ومجرور متعلق بتمثل.
  • ﴿ بَشَراً سَوِيًّا:
  • حال منصوب بالفتحة. سويا: صفة-نعت-لبشرا منصوبة مثلها بالفتحة بمعنى: بشرا سويّ الخلق. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     ولَمَّا اعتزلَت مريمُ عن أهلِها؛ لم تقتصر على ذلك، بل اتخذت لنفسها ساترًا يسترها؛ حتى لا يروها حال عبادتها لربها، فبعث اللهُ عز و جل إليها جبريلَ عليه السلام، فتمثل لها في صورة إنسان، قال تعالى:
﴿ فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

روحنا:
وقرئ:
1- بفتح الراء، وهى قراءة أبى حيوة، وسهل.
2- بتشديد النون، اسم ملك، ذكرها النقاش.

مدارسة الآية : [18] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ ..

التفسير :

[18] قالت مريم له:إني أستجير بالرحمن منك أن تنالني بسوء إن كنت ممن يتقي الله.

{ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ ْ} أي. ألتجئ به وأعتصم برحمته، أن تنالني بسوء.{ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ْ} أي:إن كنت تخاف الله، وتعمل بتقواه، فاترك التعرض لي، فجمعت بين الاعتصام بربها، وبين تخويفه وترهيبه، وأمره بلزوم التقوى، وهي في تلك الحالة الخالية، والشباب، والبعد عن الناس، وهو في ذلك الجمال الباهر، والبشرية الكاملة السوية، ولم ينطق لها بسوء، أو يتعرض لها، وإنما ذلك خوف منها، وهذا أبلغ ما يكون من العفة، والبعد عن الشر وأسبابه.

وهذه العفة - خصوصا مع اجتماع الدواعي، وعدم المانع - من أفضل الأعمال.

ولذلك أثنى الله عليها فقال:{ وَمَرْيَمَ ابْنَة عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ْ}{ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ْ} فأعاضها الله بعفتها، ولدا من آيات الله، ورسولا من رسله.

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما دار بين مريم وبين جبريل من حوار ونقاش فقال:

قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا.

أى: قالت لجبريل- عليه السلام- الذي تمثل لها في صورة بشر سوى: إنى أعوذ وألتجئ إلى الرحمن منك، إن كنت ممن يتقى الله ويخشاه.

وخصت الرحمن بالذكر، لتثير مشاعر التقوى في نفسه، إذ من شأن الإنسان التقى أن ينتفض وجدانه عند ذكر الرحمن، وأن يرجع عن كل سوء يخطر بباله.

وجواب هذا الشرط محذوف، أى إن كنت تقيا، فابتعد عنى واتركني في خلوتي لأتفرغ لعبادة الله- تعالى-.

وبهذا القول الذي حكاه القرآن عن مريم. تكون قد جمعت بين الاعتصام بربها، وبين تخويف من تخاطبه وترهيبه من عذاب الله. إن سولت له نفسه إرادتها بسوء. كما أن قولها هذا، يدل على أنها قد بلغت أسمى درجات العفة والطهر والبعد عن الريبة، فهي تقول له هذا القول، وهي تراه بشرا سويا، وفي مكان بمعزل عن الناس ...

( قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) أي : لما تبدى لها الملك في صورة بشر ، وهي في مكان منفرد وبينها وبين قومها حجاب ، خافته وظنت أنه يريدها على نفسها ، فقالت : ( إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) أي : إن كنت تخاف الله . تذكير له بالله ، وهذا هو المشروع في الدفع أن يكون بالأسهل فالأسهل ، فخوفته أولا بالله ، عز وجل .

قال ابن جرير : حدثني أبو كريب ، حدثنا أبو بكر ، عن عاصم قال : قال أبو وائل - وذكر قصة مريم - فقال : قد علمت أن التقي ذو نهية حين قالت : ( إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك ) أي : فقال لها الملك مجيبا لها ومزيلا ما حصل عندها من الخوف على نفسها : لست مما تظنين ، ولكني رسول ربك ، أي : بعثني إليك ، ويقال : إنها لما ذكرت الرحمن انتفض جبريل فرقا وعاد إلى هيئته

يقول تعالى ذكره: فخافت مريم رسولنا، إذ تمثل لها بشرًا سويا، وظنته رجلا يريدها على نفسها.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) قال: خشيت أن يكون إنما يريدها على نفسها.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا فلما رأته فزعت منه وقالت: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) فقالت: إني أعوذ أيها الرجل بالرحمن منك، تقول: أستجير بالرحمن منك أن تنال مني ما حرّمه عليك إن كنت ذا تقوى له تتقي محارمه، وتجتنب معاصيه; لأن من كان لله تقيا، فإنه يجتنب ذلك. ولو وجه ذلك إلى أنها عَنَت: إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تتقي الله في استجارتي واستعاذتي به منك كان وجها.

كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) ولا ترى إلا أنه رجل من بني آدم.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن عاصم، قال: قال ابن زيد - وذكر قَصَص مريم - فقال: قد علمت أن التقيّ ذو نُهية حين قالت (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ). يقول تعالى ذكره: فقال لها روحنا: إنما أنا رسول ربك يا مريم أرسلني إليك ( لأهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا )

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[18] مريم لما فزعت عندما رأت جبريل استغاثت بالله، سبحانه ولم تستغث بغيره ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ﴾.
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ التقي لا خوف منه، لأن في داخل نفسه هاتف خير قوي يصرخ به إن حام حول النقائص إن ارتدع.
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ عاذت باسم (الرحمن)، إذا رحم الله الفتاة رزقها العفاف وصانها عن سراق الفضيلة الذين لا يرحمون.
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ هكذا يكون المؤمن الصادق في إيمانه ملتجئًا دومًا إلى الله.
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ ولم تقل بـ (الجبار)، لأن الأتقياء تكسرهم صفة الرحمة، ويخجلهم الكرم.
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ تذكير له بالله؛ وهذا هو المشروع في الدفع: أن يكون بالأسهل فالأسهل؛ فخوفته أولًا بالله عز وجل.
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ ذكرت مريم صفة التقوى من بين سائر الصفات؛ لأنها تعلم أن الخلوة بالمرأة ليست من عمل الأتقياء.
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ وذكرها صفة (الرحمن) دون غيرها من صفات الله لأنها أرادت أن يرحمها الله بدفع من حسبته داعرًا عليها.
وقفة
[18] ﴿قالَت إِنّي أَعوذُ بِالرَّحمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ النفس المدربة على الذكر باستمرار والقرب من الله، لا تلجأ لسواه حال المفاجأه.
وقفة
[18] ﴿قالَت إِنّي أَعوذُ بِالرَّحمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ أجرى الله سبحانه وتعالى ذكر اسم الرحمن على لسان مريم عليها السلام لاقترانه بالتقوى.
وقفة
[18] ﴿قالَت إِنّي أَعوذُ بِالرَّحمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ فإن قيل: إنما يُستعاذ بالرحمن من الشخص إذا كان فاجرًا، فأما إذا كان متقيًا فلا يكون محل الاستعاذة منه؛ لأنه لا يقدم على الفجور، والجواب عنه: أنَّ هذا كقول القائل: إن كنتَ مؤمنًا فلا تظلمني، يعني أنه ينبغي أن يكون إيمانُك مانعًا من الظلم.
وقفة
[18] ﴿قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا﴾ سورة مريم كانت في موقف ضعف وخوف، فالتجأت إلى ركن شديد أمام هذا الرجل الغريب وذكرته بالله.
عمل
[18] كل من تخاف أذاه؛ فاستعذ اليوم بالله منه ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾.
وقفة
[18] مريم لم تكن معتادة الخلوة بالرجال ولهذا ارتاعت واستعاذت وقالت: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ فرحم الله سلف بني اسرائيل ممن وحد الله, وهكذا كل من لم يعتد على الحرام فإنة يرتاع.
وقفة
[18] الاستعاذة بالله عند الكرب والفتن والملمات حصنٌ حصين وركن ركين ﴿قالت إني أعوذ بالرحمن منك﴾.
وقفة
[18] ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ﴾ تذكرك لرحمة ربك في صدمات الخوف والألم شاهد على صدق الحب.

الإعراب :

  • ﴿ قالَتْ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي.
  • ﴿ إِنِّي أَعُوذُ:
  • الجملة المؤولة: في محل نصب مفعول به-مقول القول-إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل في محل نصب اسم «إنّ» أعوذ: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا بمعنى: إني التجئ واعتصم. وجملة «أعوذ وما بعدها» في محل رفع خبر إنّ.
  • ﴿ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ:
  • جار ومجرور متعلق بأعوذ أو تكون الباء حرف جر زائدا وهي باء الصفة واللصوق. الرحمن: اسم مجرور لفظا منصوب محلا. منك: جار ومجرور متعلق بأعوذ أو متعلق بحال محذوفة من ضمير «أعوذ». ان: حرف شرط‍ جازم.
  • ﴿ كُنْتَ تَقِيًّا:
  • فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك في محل جزم بإن لأنه فعل الشرط‍ والتاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع اسم «كان».تقيا: خبرها منصوب بالفتحة. وجواب الشرط‍ محذوف وتقديره إن كنت تقيا فلا تتعرض لي بسوء. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     ولَمَّا تمثل جبريلُ عليه السلام لمريم في صورة إنسان؛ خافت أن يريدها بسوء؛ فتعَوَّذَتْ بالله منه، قال تعالى:
﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [19] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ..

التفسير :

[19] قال لها المَلَك:إنما أنا رسول ربك بعثني إليك؛ لأهب لك غلاماً طاهراً من الذنوب.

فلما رأى جبريل منها الروع والخيفة، قال:{ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ْ} أي:إنما وظيفتي وشغلي، تنفيذ رسالة ربي فيك{ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ْ} وهذه بشارة عظيمة بالولد وزكائه، فإن الزكاء يستلزم تطهيره من الخصال الذميمة، واتصافه بالخصال الحميدة

وهنا يجيبها جبريل- كما حكى القرآن عنه- بقوله: قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا أى: قال لها جبريل ليدخل السكون والاطمئنان على قلبها: إنما أنا يا مريم رسول ربك الذي استعذت به، والتجأت إليه، فلا تخافي ولا تجزعي وقد أرسلنى- سبحانه- إليك، لأهب لك بإذنه وقدرته غلاما زكيا، أى: ولدا طاهرا من الذنوب والمعاصي، كثير الخير والبركات.

ونسب الهبة لنفسه، لكونه سببا فيها. وقرأ نافع وأبو عمرو: ليهب لك بالياء المفتوحة بعد اللام أى: ليهب لك ربك غلاما زكيا.

وقال : " إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا " .

هكذا قرأ أبو عمرو بن العلاء أحد مشهوري القراء . وقرأ الآخرون : ( لأهب لك غلاما زكيا ) وكلا القراءتين له وجه حسن ، ومعنى صحيح ، وكل تستلزم الأخرى .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والعراق غير أبي عمرو ( لأهَبَ لَكِ ) بمعنى: إنما أنا رسول ربك: يقول: أرسلني إليك لأهب لك ( غُلامًا زَكِيًّا ) على الحكاية ، وقرأ ذلك أبو عمرو بن العلاء ( ليهب لك غلامًا زكيا ) بمعنى: إنما أنا رسول ربك أرسلني إليك ليهب الله لك غلاما زكيا.

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك، ما عليه قرّاء الأمصار، وهو ( لأهَبَ لَكِ ) بالألف دون الياء، لأن ذلك كذلك في مصاحف المسلمين، وعليه قراءة قديمهم وحديثهم، غير أبي عمرو، وغير جائز خلافهم فيما أجمعوا عليه، ولا سائغ لأحد خلاف مصاحفهم، والغلام الزكيّ: هو الطاهر من الذنوب وكذلك تقول العرب: غلام زاكٍ وزكيّ، وعال وعليّ.

المعاني :

زَكِيًّا :       طَاهِرًا مِنَ الذُّنُوبِ مُبَارَكًا السراج
غُلاما زكيّا :       مُزكّى مُطهّرا بالخِلقة معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[19] ﴿قالَ إِنَّما أَنا رَسولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا﴾ إن استعان بك أحد لتبلغ شيئًا ما؛ فلا تبلغ إلا خيرًا، أو احرص على انتقاء الكلمات المناسبة على الأقل، فهكذا الرسل لا تأتي إلا بخير.
وقفة
[19] ﴿قالَ إِنَّما أَنا رَسولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا﴾ من الواهب هنا؟ ليهب الله لك أو لأهب أنا لك غلامًا زكيًا؟ نضرب لك مثلًا: أنت في كلامك تقول: «أرسلني فلان لأعطيك هذا الكتاب»، من معطي الكتاب؟ الذي أرسلني، أنت السبب، أنت موصل الكتاب، الله سبحانه وتعالى هو الواهب، جبريل ذهب يبلِّغ؟ هذا مجاز عقلي يبين سبب الهبة.
وقفة
[19] تحصيل الأخلاق من طريقين: الطريق الأول: طريقٌ موهوب، وهو عطاء من الله، وهو الطَّبع، كما زكى الله سبحانه عيسى عليه السلام: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾. الطريق الثاني: طريقٌ مكسوب، وهو من فعل الإنسان، وهو ما يُعرَف بالتطبع.
لمسة
[19] ﴿لِأَهَبَ لَكِ﴾ وليس: (ليهب الله لك)؛ هذا مجاز عقلي يبين سبب الهبة، أنت في كلامك تقول: «أرسلني فلان لأعطيك هذا الكتاب»، من معطي الكتاب؟ أنت السبب، أنت موصل الكتاب.

الإعراب :

  • ﴿ قالَ إِنَّما:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. إنما: كافة ومكفوفة.
  • ﴿ أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به-مقول القول-أنا ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. رسول: خبر «أنا» مرفوع بالضمة. ربك: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة وهو مضاف والكاف ضمير المخاطبة مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لِأَهَبَ:
  • اللام لام التعليل وهي حرف جر. أهب: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. وجملة «أهب» صلة «أن» المضمرة لا محل لها. و «أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بمضمر تقديره أرسلت لأهب.
  • ﴿ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا:
  • لك: جار ومجرور حل محل أو قام مقام المفعول به الأول لأهب بمعنى «لأمنح» أي لأمنحك. غلاما: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. زكيا: أي طاهرا: صفة-نعت-لغلاما منصوبة مثله بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     ولَمَّا علم جبريلُ عليه السلام خوفها؛ أعْلَمَها أنَّه مرسلٌ من اللهِ؛ ليزول عنها الخوف، ثم بَشَّرَها بالغلام، قال تعالى:
﴿ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لأهب:
قرئ:
1- بالياء، أي: ليهب ربك، وهى قراءة شيبة، وأبى الحسن، وأبى بحرية، والزهري، وابن مناذر، ويعقوب، واليزيدي، ومن السبعة: نافع، وأبو عمرو.
2- بهمزة للتكلم، وهى قراءة الجمهور، وباقى السبعة.

مدارسة الآية : [20] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ ..

التفسير :

[20] قالت مريم للمَلَك:كيف يكون لي غلام، ولم يمسسني بشر بنكاحٍ حلال، ولم أكُ زانية؟

فتعجبت من وجود الولد من غير أب، فقالت:{ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ْ} والولد لا يوجد إلا بذلك؟".

وهنا تزداد حيرة مريم، ويشتد عجبها فتقول: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ، وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا.

أى: قالت على سبيل التعجب مما سمعته: كيف يكون لي غلام، والحال أنى لم يمسني بشر من الرجال عن طريق الزواج الذي أحله الله- تعالى-، ولم أك في يوم من الأيام بغيا، أى: فاجرة تبغى الرجال. أو يبغونها للزنا بها. يقال: بغت المرأة تبغى إذا فجرت وتجاوزت حدود الشرف والعفاف.

قال صاحب الكشاف: جعل المس عبارة عن النكاح الحلال، لأنه كناية عنه. كقوله- تعالى- مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ والزنا ليس كذلك، إنما يقال فيه: فجر بها وخبث بها وما أشبه ذلك، وليس بقمن أن تراعى فيه الكنايات والآداب. والبغي: الفاجرة التي تبغى الرجال ... » .

وعلى هذا الرأى الذي ذهب إليه صاحب الكشاف، يكون ما حكاه القرآن عن مريم من قولها: وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ... المقصود به النكاح الحلال.

ويرى آخرون أن المقصود به ما يشمل الحلال والحرام، أى: ولم يمسسني بشر كائنا من كان لا بنكاح ولا بزنى، ويكون قوله: وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا من باب التخصيص بعد التعميم، ويؤيد هذا الرأى قوله- تعالى-: قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ. قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .

ويؤيده أيضا أن لفظ بَشَرٌ نكرة في سياق النفي فيعم كل بشر سواء أكان زوجا أم غير زوج.

قال القرطبي: قوله: وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا أى: زانية. وذكرت هذا تأكيدا لأن قولها وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يشمل الحلال والحرام ... .

وقال الجمل في حاشيته ما ملخصه: وإنما تعجبت مما بشرها به جبريل لأنها عرفت بالعادة أن الولادة لا تكون إلا بعد الاتصال برجل. فليس في قولها هذا دلالة على أنها لم تعلم أنه- تعالى- قادر على خلق الولد ابتداء. كيف وقد عرفت أن أبا البشر قد خلقه الله- تعالى- من غير أب أو أم ... » .

( قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ) أي : فتعجبت مريم من هذا وقالت : كيف يكون لي غلام ؟ أي : على أي صفة يوجد هذا الغلام مني ، ولست بذات زوج ، ولا يتصور مني الفجور ; ولهذا قالت : ( ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ) والبغي : هي الزانية; ولهذا جاء في الحديث : نهي عن مهر البغي .

يقول تعالى ذكره: قالت مريم لجبريل ( أنَّى يَكُونُ لي غُلامٌ ) من أيّ وجه يكون لي غلام؟ أمن قِبَل زوج أتزوّج ، فأرزقه منه، أم يبتدئ الله فيّ خلقه ابتداء ( وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ) من ولد آدم بنكاح حلال (ولَمْ أَكُ) إذ لم يمسسني منهم أحد على وجه الحلال (بَغِيًّا) بغيت ففعلت ذلك من الوجه الحرام، فحملته من زنا.

كما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ) يقول: زانية.

المعاني :

بَغِيًّا :       زَانِيَةً السراج
يغيّا :       فاجرة تبغي الرّجال معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[20] ﴿قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ نحن إن أردنا أمرًا اتبعنا الأسباب لحدوثه، لكن الله إن أراد أمرًا فالأسباب لا وزن لها عنده.
وقفة
[20] ﴿قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ ما أعظم أدب القرآن! قال الزمخشري: «جعل المس عبارة عن النكاح الحلال؛ لأنه كناية عنه».
وقفة
[20] ﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ لابد من الاستفسار عن الأمور الغامضة التي تمر بنا.
وقفة
[20] ﴿قالَت أَنّى يَكونُ لي غُلامٌ وَلَم يَمسَسني بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِيًّا﴾ هى تعلم جيدًا أن الله قادر على الخلق بدون أسباب معروفه لديها، كما خلق آدم عليه السلام فقط بـ(كن فيكون)، ولكن تساؤلها إنما كان من فرط نقائها وخوفها على نفسها.

الإعراب :

  • ﴿ قالَتْ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ:
  • أعربت في الآية الكريمة الثامنة. والتاء في«قالت» تاء التأنيث لا محل لها والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي.
  • ﴿ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ:
  • الواو حالية. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يمسسنى: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره. النون: للوقاية والياء ضمير المتكلم في محل نصب مفعول به مقدم. بشر: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا:
  • الواو عاطفة. لم: أعربت. أك: فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره النون المحذوفة تخفيفا وحذفت الواو وجوبا لالتقاء الساكنين وأصله «أكون» واسم «أكن» ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا. بغيا: خبرها منصوب بالفتحة. أي عاهرة. '

المتشابهات :

مريم: 20﴿قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا
آل عمران: 47﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ
آل عمران: 40﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ
مريم: 8﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     ولَمَّا بَشَّرَها جبريلُ عليه السلام بالغلام؛ تعجبت من وجود ولد من غير أب، قال تعالى:
﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [21] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ ..

التفسير :

[21] قال لها المَلَك:هكذا الأمر كما تصفين من أنه لم يمسسك بشر، ولم تكوني بَغِيّاً، ولكن ربك قال:الأمر عليَّ سهل؛ وليكون هذا الغلام علامة للناس تدل على قدرة الله تعالى، ورحمة منَّا به وبوالدته وبالناس، وكان وجود عيسى على هذه الحالة قضاء سابقاً مقدَّراً،

{ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ْ} تدل على كمال قدرة الله تعالى، وعلى أن الأسباب جميعها، لا تستقل بالتأثير، وإنما تأثيرها بتقدير الله، فيري عباده خرق العوائد في بعض الأسباب العادية، لئلا يقفوا مع الأسباب، ويقطعوا النظر عن مقدرها ومسببها{ وَرَحْمَةً مِنَّا ْ} أي:ولنجعله رحمة منا به، وبوالدته، وبالناس.

أما رحمة الله به، فلما خصه الله بوحيه ومن عليه بما من به على أولي العزم، وأما رحمته بوالدته، فلما حصل لها من الفخر، والثناء الحسن، والمنافع العظيمة. وأما رحمته بالناس، فإن أكبر نعمه عليهم، أن بعث فيهم رسولا، يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، فيؤمنون به، ويطيعونه، وتحصل لهم سعادة الدنيا والآخرة،{ وَكَانَ ْ} أي:وجود عيسى عليه السلام على هذه الحاله{ أَمْرًا مَقْضِيًّا ْ} قضاء سابقا، فلا بد من نفوذ هذا التقدير والقضاء، فنفخ جبريل عليه السلام في جيبها.

وقوله- تعالى-: قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ... رد من جبريل عليها.

أى: قال الأمر كذلك أى: كما ذكرت من أن بشرا لم يمسسك ومن أنك لم تكوني في يوم من الأيام بغيا. أو الأمر كذلك من أنى أرسلنى ربك لأهب لك غلاما زكيا من غير أن يكون له أب.

وقوله قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ بيان لمظهر من مظاهر قدرة الله- تعالى- التي لا يعجزها شيء، أى: قالَ رَبُّكِ هُوَ أى: خلق ولدك من غير أب عَلَيَّ هَيِّنٌ أى: سهل يسير لأن قدرتنا لا يعجزها شيء.

وقوله- سبحانه- وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ تعليل لمعلل محذوف، أى: ولنجعل وجود الغلام منك من غير أن يمسك بشر آيَةً عظيمة، وأمرا عجيبا يدل دلالة واضحة على قدرتنا، أمام الناس جميعا، فإن قدرتنا لا يعجزها ذلك، كما لا يعجزها أن توجد بشرا من غير أب وأم كما فعلنا مع آدم. أو من غير أم كما فعلنا مع حواء، أو من أب وأم كما فعلنا مع سائر البشر.

وقوله: وَرَحْمَةً مِنَّا معطوف على ما قبله، أى: ولنجعل هذا الغلام الذي وهبناه لك من غير أب رحمة عظيمة منا لمن آمن به، واتبع دعوته. وَكانَ وجود هذا الغلام منك على هذه الكيفية أَمْراً مَقْضِيًّا أى: مقدرا في الأزل مسطورا في اللوح المحفوظ، ولا بد من وقوعه بدون تغيير أو تبديل.

وبذلك تكون هذه الآيات الكريمة، قد حكت لنا جانبا من حالة مريم ومن الحوار الذي جرى بينها وبين جبريل- عليه السلام- الذي تمثل لها في صورة بشر سوى.

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن مشهد آخر من مشاهد تلك القصة العجيبة، حكت فيها حالتها عند حملها بعيسى، وعند ما جاءها المخاض. فقال- تعالى-:

.

( قال كذلك قال ربك هو علي هين ) أي : فقال لها الملك مجيبا لها عما سألت : إن الله قد قال : إنه سيوجد منك غلاما ، وإن لم يكن لك بعل ولا توجد منك فاحشة ، فإنه على ما يشاء قادر ; ولهذا قال : ( ولنجعله آية للناس ) أي : دلالة وعلامة للناس على قدرة بارئهم وخالقهم ، الذي نوع في خلقهم ، فخلق أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى ، إلا عيسى فإنه أوجده من أنثى بلا ذكر ، فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه فلا إله غيره ولا رب سواه .

وقوله : ( ورحمة منا ) أي ونجعل هذا الغلام رحمة من الله نبيا من الأنبياء يدعو إلى عبادة الله تعالى وتوحيده ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ) [ آل عمران : 45 ، 46 ] أي : يدعو إلى عبادة الله ربه في مهده وكهولته .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحيم بن إبراهيم - دحيم - حدثنا مروان ، حدثنا العلاء بن الحارث الكوفي ، عن مجاهد قال : قالت مريم ، عليها السلام : كنت إذا خلوت حدثني عيسى وكلمني وهو في بطني وإذا كنت مع الناس سبح في بطني وكبر .

وقوله : ( وكان أمرا مقضيا ) يحتمل أن هذا من كلام جبريل لمريم ، يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم الله تعالى وقدره ومشيئته . ويحتمل أن يكون من خبر الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنه كنى بهذا عن النفخ في فرجها ، كما قال تعالى : ( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ) [ التحريم : 12 ] وقال ( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا ) [ الأنبياء : 91 ]

قال محمد بن إسحاق : ( وكان أمرا مقضيا ) أي : أن الله قد عزم على هذا ، فليس منه بد ، واختار هذا أيضا ابن جرير في تفسيره ، ولم يحك غيره ، والله أعلم .

( قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) يقول تعالى ذكره: قال لها جبريل: هكذا الأمر كما تصفين ، من أنك لم يمسسك بشر ولم تكوني بغيا، ولكن ربك قال: هو عليّ هين : أي خلق الغلام الذي قلت أن أهبه لك عليّ هين لا يتعذّر عليّ خلقه وهبته لك من غير فحل يفتحلك.

( وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ) يقول: وكي نجعل الغلام الذي نهبه لك علامة وحجة على خلقي أهبه لك.( وَرَحْمَةً مِنَّا ) يقول: ورحمة منا لك، ولمن آمن به وصدقه أخلقه منك ( وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ) يقول: وكان خلقه منك أمرا قد قضاه الله، ومضى في حكمه وسابق علمه أنه كائن منك. كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني من لا أتهم، عن وهب بن منبه ( وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ) أي أن الله قد عزم على ذلك، فليس منه بدّ.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[21] ﴿قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ طلاقة القدرة الإلهية لا تقف على عتبة الأسباب الأرضية.
وقفة
[21] ﴿قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ قال ابن عاشور: «توجيه بأن ما اشتكته (مريم) من توقع ضد قولها، وطعنهم في عرضها، ليس بأمر عظيم في جانب ما أراد الله من هدي الناس لرسالة عيسى عليه السلام بأن الله تعالى لا يصرفه عن إنفاذ مراده ما عسى أن يعرض من ضر في ذلك لبعض عبيده؛ لأن مراعاة المصالح العامة تقدم على مراعاة المصالح الخاصة».
وقفة
[21] ﴿كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ كل الأحلام والأمنيات والدعوات التي قالوا لك عنها محال أن تتحق هي على الله هينة يسيرة.
وقفة
[21] ﴿قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ لا تستصعب حل مشاكلك وأزماتك، فالذي خلقك من العدم قادر على تفريج كربك، قادر على شفاءك بعد أن عجز الأطباء عن مُداواتك.
عمل
[21] ﴿هو علي هين﴾ تمتمْ بها إن مات بك أمل.
وقفة
[21] ﴿هو علي هين﴾ لا تيأس أبدًا واعلم أن الله قادر على تحقيق الشئ دون وجود مسبباته.
عمل
[21] ﴿هو علي هين﴾ مُصابك الذي يُؤلمـك، حــزنك الذي يكبت صدرك، كــدرك الذي يتغـشّاك، هيـن على الله انتزاعـه؛ كن واثقـًا بالله وأبشر بالخـير.
وقفة
[21] ﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ حطم قيود الصعب على أعتاب الدعاء، أنت تقف عند باب الله.
وقفة
[21] في سجودك أخبره بكل شئ، وعندما تفتح كتابه سيقول لك: ﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾.
وقفة
[21] ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ﴾ أحيي في القلوب العلامات الدالة على الله، فهذا مراد عظيم لله، خلق لأجله وقدر لأجله كثيرًا من المخلوقات والمقدرات.
وقفة
[21] ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ﴾ عيسى كان للناس على ثلاث أوجه: فئة اتهمته وأمه، وفئة رفعته للألوهية، وفئة زادهم إيمان بأن الله على ما يشاء قدير.
وقفة
[21] ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ﴾ تدل على كمال قدرة الله تعالى، وعلى أن الأسباب جميعها لا تستقل بالتأثير، وإنما تأثيرها بتقدير الله؛ فيري عباده خرق العوائد في بعض الأسباب العادية لئلا يقفوا مع الأسباب، ويقطعوا النظر عن مُقَدِّرها ومسببها.
وقفة
[21] ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ﴾ آية على كمال قدرة الله الذي نوع صنوف الخلق، فخلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى، إلا عيسی؛ فإنه خلقه من أنثی بلا ذكر، فتنوعت الآيات الدالة على كمال قدرة الله.
وقفة
[21] ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا﴾ اللهم ارزقنا الرضا بعد القضاء، قال ذو النون: «الرضا: سرور القلب بمر القضاء».

الإعراب :

  • ﴿ قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ:
  • أعربت في الآية الكريمة التاسعة.
  • ﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ:
  • الواو عاطفة وما بعدها معطوف على تعليل مضمر بتقدير: لنبين به قدرتنا ولنجعله آية. ويجوز أن يكون محذوفا بتقدير: ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك واللام لام التعليل وهي حرف جر. نجعل: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. آية: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. للناس: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «آية» بمعنى علامة على قدرتنا.
  • ﴿ وَرَحْمَةً مِنّا:
  • معطوفة بالواو على آيَةً لِلنّاسِ» وتعرب إعرابها. بمعنى: رحمة منا عليهم ليهتدوا بهداه.
  • ﴿ وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا:
  • الواو استئنافية. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أمرا: خبر «كان» منصوب بالفتحة. مقضيا: صفة-نعت-لأمرا منصوبة مثلها بالفتحة المنونة. '

المتشابهات :

مريم: 21﴿قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ
الذاريات: 30﴿قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [21] لما قبلها :     ولَمَّا تعجبت مريم من وجود ولد من غير أب؛ أجابها جبريلُ عليه السلام هنا، قال تعالى:
﴿ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [22] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا

التفسير :

[22] فحملت مريم بالغلام بعد أن نفخ جبريل في جَيْب قميصها، فوصلت النفخة إلى رَحِمِها، فوقع الحمل بسبب ذلك، فتباعدت به إلى مكان بعيد عن الناس.

تفسير الايتين 22 و 23:ـ

أي:لما حملت بعيسى عليه السلام، خافت من الفضيحة، فتباعدت عن الناس{ مَكَانًا قَصِيًّا ْ} فلما قرب ولادها، ألجأها المخاض إلى جذع نخلة، فلما آلمها وجع الولادة، ووجع الانفراد عن الطعام والشراب، ووجع قلبها من قالة الناس، وخافت عدم صبرها، تمنت أنها ماتت قبل هذا الحادث، وكانت نسيا منسيا فلا تذكر. وهذا التمني بناء على ذلك المزعج، وليس في هذه الأمنية خير لها ولا مصلحة، وإنما الخير والمصلحة بتقدير ما حصل.

قال ابن كثير رحمه الله: يقول- تعالى- مخبرا عن مريم، أنها لما قال لها جبريل عن الله- تعالى- ما قال: أنها استسلمت لقضائه- تعالى-، فذكر غير واحد من علماء السلف، أن الملك وهو جبريل- عليه السلام- عند ذلك نفخ في جيب درعها، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج، فحملت بالولد بإذن الله- تعالى- ...

والمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر. قال عكرمة: ثمانية أشهر. وعن ابن عباس أنه قال: لم يكن إلا أن حملت فوضعت، وهذا غريب، وكأنه مأخوذ من ظاهر قوله- تعالى-: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ. فالفاء وإن كانت للتعقيب، لكن تعقيب كل شيء بحسبه.

فالمشهور الظاهر- والله على كل شيء قدير- أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن ... » .

والفاء في قوله- تعالى-: فَحَمَلَتْهُ.. هي الفصيحة أى: وبعد أن قال جبريل لمريم إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ... نفخ فيها فحملته، أى: عيسى، فانتبذت به، أى: فتنحت به وهو في بطنها مَكاناً قَصِيًّا أى: إلى مكان بعيد عن المكان الذي يسكنه أهلها.

يقال: قصى فلان عن فلان قصوا وقصوّا، إذا بعد عنه. ويقال: فلان بمكان قصى، أى: بعيد.

وجمهور العلماء على أن هذا المكان القصي، كان بيت لحم بفلسطين.

قال ابن عباس: أقصى الوادي، وهو وادي بيت لحم، فرارا من قومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج» .

يقول تعالى مخبرا عن مريم أنها لما قال لها جبريل عن الله تعالى ما قال : إنها استسلمت لقضاء الله تعالى فذكر غير واحد من علماء السلف أن الملك - وهو جبريل عليه السلام - عند ذلك نفخ في جيب درعها ، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج ، فحملت بالولد بإذن الله تعالى . فلما حملت به ضاقت ذرعا به ولم تدر ماذا تقول للناس ، فإنها تعلم أن الناس لا يصدقونها فيما تخبرهم به ، غير أنها أفشت سرها وذكرت أمرها لأختها امرأة زكريا . وذلك أن زكريا عليه السلام ، كان قد سأل الله الولد ، فأجيب إلى ذلك ، فحملت امرأته ، فدخلت عليها مريم فقامت إليها فاعتنقتها ، وقالت : أشعرت يا مريم أني حبلى ؟ فقالت لها مريم : وهل علمت أيضا أني حبلى ؟ وذكرت لها شأنها وما كان من خبرها وكانوا بيت إيمان وتصديق ، ثم كانت امرأة زكريا بعد ذلك إذا واجهت مريم تجد الذي في جوفها يسجد للذي في بطن مريم ، أي : يعظمه ويخضع له ، فإن السجود كان في ملتهم عند السلام مشروعا ، كما سجد ليوسف أبواه وإخوته ، وكما أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم ، عليه السلام ، ولكن حرم في ملتنا هذه تكميلا لتعظيم جلال الرب تعالى .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين قال : قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم قال : قال مالك رحمه الله : بلغني أن عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا ابنا خالة ، وكان حملهما جميعا معا ، فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم : إني أرى أن ما في بطني يسجد لما في بطنك . قال مالك : أرى ذلك لتفضيل عيسى عليه السلام; لأن الله جعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص .

ثم اختلف المفسرون في مدة حمل عيسى عليه السلام فالمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر . وقال عكرمة : ثمانية أشهر - قال : ولهذا لا يعيش ولد لثمانية أشهر .

وقال ابن جريج : أخبرني المغيرة بن عثمان بن عبد الله الثقفي ، سمع ابن عباس وسئل عن حبل مريم ، قال : لم يكن إلا أن حملت فوضعت .

وهذا غريب ، وكأنه أخذه من ظاهر قوله تعالى : ( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ) فالفاء وإن كانت للتعقيب ، ولكن تعقيب كل شيء بحسبه ، كما قال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما ) [ المؤمنون : 12 - 14 ] فهذه الفاء للتعقيب بحسبها . وقد ثبت في الصحيحين : أن بين كل صفتين أربعين يوما وقال تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ) [ الحج : 63 ] فالمشهور الظاهر - والله على كل شيء قدير - أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن; ولهذا لما ظهرت مخايل الحمل عليها وكان معها في المسجد رجل صالح من قراباتها يخدم معها البيت المقدس ، يقال له : يوسف النجار ، فلما رأى ثقل بطنها وكبره ، أنكر ذلك من أمرها ، ثم صرفه ما يعلم من براءتها ونزاهتها ودينها وعبادتها ، ثم تأمل ما هي فيه ، فجعل أمرها يجوس في فكره ، لا يستطيع صرفه عن نفسه ، فحمل نفسه على أن عرض لها في القول ، فقال : يا مريم ، إني سائلك عن أمر فلا تعجلي علي . قالت : وما هو ؟ قال : هل يكون قط شجر من غير حب ؟ وهل يكون زرع من غير بذر ؟ وهل يكون ولد من غير أب ؟ فقالت : نعم - فهمت ما أشار إليه - أما قولك : " هل يكون شجر من غير حب وزرع من غير بذر ؟ " فإن الله قد خلق الشجر والزرع أول ما خلقهما من غير حب ، ولا بذر " وهل خلق يكون من غير أب ؟ " فإن الله قد خلق آدم من غير أب ولا أم . فصدقها ، وسلم لها حالها .

ولما استشعرت مريم من قومها اتهامها بالريبة ، انتبذت منهم مكانا قصيا ، أي : قاصيا منهم بعيدا عنهم; لئلا تراهم ولا يروها .

قال محمد بن إسحاق : فلما حملت به وملأت قلتها ورجعت ، استمسك عنها الدم وأصابها ما يصيب الحامل على الولد من الوصب والترحم وتغير اللون ، حتى فطر لسانها ، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل زكريا ، وشاع الحديث في بني إسرائيل ، فقالوا : " إنما صاحبها يوسف " ، ولم يكن معها في الكنيسة غيره ، وتوارت من الناس ، واتخذت من دونهم حجابا ، فلا يراها أحد ولا تراه .

وفي هذا الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر منه عنه ( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا بغلام فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ) وبذلك جاء تأويل أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سهل، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقِل ابن أخي وهب بن منبه، قال: سمعت وهبا قال: لما أرسل الله جبريل إلى مريم تمثَّل لها بشرا سويا فقالت له: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ثم نفخ في جيب درعها حتى وصلت النفخة إلى الرحم فاشتملت.

حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه اليماني ، قال: لما قال ذلك، يعني لما قال جبريل قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ .... الآية استسلمت لأمر الله، فنفخ في جيبها ثم انصرف عنها.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط ، عن السديّ، قال: طرحَتْ عليها جلبابها لما قال جبريل ذلك لها، فأخذ جبريل بكميها، فنفخ في جيب درعها، وكان مشقوقا من قُدامها، فدخلت النفخة صدرها، فحملت، فأتتها أختها امرأة زكريا ليلة تزورها; فلما فتحت لها الباب التزمتها، فقالت امرأة زكريا: يا مريم أشعرت أني حبلى، قالت مريم: أشعرت أيضا أني حُبلى، قالت امرأة زكريا: إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك، فذلك قوله مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ .

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: يقولون: إنه إنما نفخ في جيب درعها وكمها.

وقوله ( فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ) يقول: فاعتزلت بالذي حملته، وهو عيسى، وتنحَّت به عن الناس مكانا قصيا يقول: مكانا نائيا قاصيا عن الناس، يقال: هو بمكان قاص، وقصيّ بمعنى واحد، كما قال الراجز:

لَتَقْعُــــدِنَّ مَقْعَـــدَ القَصِـــيِّ

مِنِّـــي ذي القـــاذُوَرةِ المَقْــلِيّ (7)

يقال منه: قصا المكان يقصو قصوا : إذا تباعد، وأقصيت الشيء: إذا أبعدته وأخَّرته.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ) قال: مكانا نائيا.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( مَكَانًا قَصِيًّا ) قال: قاصيا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدّي، قال: لما بلغ أن تضع مريم، خرجت إلى جانب المحراب الشرقي منه فأتت أقصاه.

-------------------------

الهوامش :

(7) البيتان لرؤبة ابن العجاج الراجز ( انظر فوائد القلائد في مختصر الشواهد للعيني ص 115 - 116 ) وبعدهما بيتان آخران وهما :

أو تحـــلفي بـــربك العـــلي

أنــى أبــو ذيــا لــك الصبـي

ومقعد القصي : إما مفعول مطلق . على أن يكون المقعد بمعنى القعود أو على أنه مفعول فيه ، أي في مقعد القصي ، أي البعيد ، من قصا المكان يقصو : إذا بعد . ويقال رجل قاذورة : أي لا يخالط الناس ، لسوء خلقه . والمقلي المبغض من قلاه يقليه قلى بالكسر . وهما صفتان للقصي . وفي ( لسان العرب : قصا ) قصا عنه قصوا ، وقصوا وقصا وقصاء ، وقصي ( بكسر الصاد ) : بعد وقصا المكان يقصو قصوا ( على فعول ) : بعد . والقصي والقاصي : البعيد ، والجمع : أقصاء فيهما ، كشاهد وأشهاد ، ونصير وأنصار .

المعاني :

مكانا قصيّا :       بعيدا من أهلها وراء الجبل معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[22] ﴿فَحَمَلَتْهُ﴾، ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾ [27]، يسجل القرآن عناء الأمهات.
وقفة
[22] ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ﴾ اعتزلت بسبب حملها في مكان بعيد عن قومها، فرارًا من قيل وقال، فما أقسى أن يخوَّن البرئ ، فكيف لو كانت الصديقة مريم؟!
وقفة
[22] ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ﴾ همك الذي تحمله فيه ميلاد فرجك.
لمسة
[22] ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ تكرر استخدام حرف الفاء: (فَحَمَلَتْهُ) (فَأَجَاءهَا) (فَنَادَاهَا) (فَكُلِي) (فَقُولِي) (فَأَتَتْ) (فَأَشَارَتْ)؛ تفيد تعقيب كل شيء بحسبه، أي تفيد تعقيب الأحداث التي وردت في السورة، إذا كان الحمل في موعده نستخدم الفاء، وإذا تأخر الحمل نستخدم (ثمّ) للترتيب والتراخي في الزمن، فمريم عليها السلام حملت عندما نفخ فيها، ثم لم يكن هناك أي معوقات، إذا قلنا: «تزوج فلان فولد له» بمعنى أنه تزوج فحملت زوجته فولدت، ولو تأخر الحمل يقال: «ثم وُلد له».
وقفة
[22] ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ حين تكون بعيدًا عن العالم فلا تستوحش، ربما تكون أنت العالم.
وقفة
[22] ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ إذا لم نتمكن من إقناع الناس ببراءتنا, فإن الانحياز بعيدًا عنهم يخفف آلامنا.
وقفة
[22] ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ من كان مع الله كان الله معه، ومن أخلص في عبادته اجتباه الله وأدناه، فقد انقطعت مريم عن أقرب الناس إليها وعن الدنيا، واجتهدت في التقرب إلى مولاها، فاستقلت عنهم بأدب جم دون أن تسيء إليهم.
لمسة
[22] ﴿فَانتَبَذَتْ﴾ منهم ولم يقل: (نبذتهم) فما الفرق بينهما؟ في الأولى ابتعاد وانقطاع مع احترام وتوقير، وفي الثانية احتقار واستعلاء، فالانتباذ بالنفس، والنبذ للآخرين، أرأيتم جمال التعبير؟!
وقفة
[22] ﴿فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ من كان عبدًا لله يرفعه الابتلاء درجات ودرجات، ويدبر له الله ما لا يخطر له علي بال.
وقفة
[22] ﴿فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ منح الله مريم العطايا وهي في المكان القصي البعيد، مهما كنت بعيدًا عن الناس، عن عنايتهم، عن دعمهم، فأنت لست بعيدًا عن عطايا ربك.
وقفة
[22] ﴿مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ [16]، ﴿مَكَانًا قَصِيًّا﴾ في عبادتها حرصت على اختيار الجهة، أما في حملها فلم تحرص! الهم يجعل الجهات متشابهة.

الإعراب :

  • ﴿ فَحَمَلَتْهُ:
  • الفاء: استئنافية. حملته: فعل ماض مبني على الفتح. وهو متصل بتاء التأنيث الساكنة والتاء لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا:
  • معطوفة بالفاء على حملته وتعرب إعرابها. به: جار ومجرور في محل نصب حال. مكانا: ظرف مكان متعلق بانتبذت منصوب على الظرفية بالفتحة ويجوز أن يكون مفعولا به بانتبذت بمعنى «قصدت».قصيا: صفة-نعت-لمكانا منصوبة مثله بالفتحة. بمعنى: مكانا بعيدا. '

المتشابهات :

مريم: 16﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا
مريم: 22﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [22] لما قبلها :     ولَمَّا نفخَ جبريلُ عليه السلام في جَيْب قميصها؛ وصلت النفخةُ إلى رَحِمِها، فوقع الحملُ بسبب ذلك، وتباعدت به إلى مكان بعيد عن الناس، قال تعالى:
﴿ فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [23] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ..

التفسير :

[23] فألجأها طَلْقُ الحمل إلى جذع النخلة فقالت:يا ليتني متُّ قبل هذا اليوم، وكنت شيئاً لا يُعْرَف، ولا يُذْكَر، ولا يُدْرَى مَن أنا؟

تفسير الايتين 22 و 23:ـ

أي:لما حملت بعيسى عليه السلام، خافت من الفضيحة، فتباعدت عن الناس{ مَكَانًا قَصِيًّا ْ} فلما قرب ولادها، ألجأها المخاض إلى جذع نخلة، فلما آلمها وجع الولادة، ووجع الانفراد عن الطعام والشراب، ووجع قلبها من قالة الناس، وخافت عدم صبرها، تمنت أنها ماتت قبل هذا الحادث، وكانت نسيا منسيا فلا تذكر. وهذا التمني بناء على ذلك المزعج، وليس في هذه الأمنية خير لها ولا مصلحة، وإنما الخير والمصلحة بتقدير ما حصل.

ثم حكى- سبحانه- ما اعتراها من حزن عند ما أحست بقرب الولادة فقال:

فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا.

وقوله: فَأَجاءَهَا أى: فألجأها، يقال: أجأته إلى كذا، بمعنى: ألجأته واضطرته إليه. ويقال: جاء فلان. وأجاءه غيره، إذا حمله على المجيء، ومنه قول الشاعر:

وجار سار معتمدا علينا ... أجاءته المخافة والرجاء

قال صاحب الكشاف: «أجاء: منقول من جاء، إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء. ألا تراك تقول: جئت المكان وأجاءنيه زيد، كما تقول: بلغته وأبلغنيه ... » .

والمخاض: وجع الولادة. يقال: مخضت المرأة- بكسر الخاء- تمخض- بفتحها- إذا دنا وقت ولادتها مأخوذ من المخض، وهو الحركة الشديدة، وسمى بذلك لشدة تحرك الجنين في بطن الأم عند قرب خروجه.

وجذع النخلة: ساقها الذي تقوم عليه.

أى: وبعد أن حملت مريم بعيسى، وابتعدت به- وهو محمول في بطنها- عن قومها، وحان وقت ولادتها. ألجأها المخاض إلى جذع النخلة لتتكئ عليه عند الولادة ...

فاعتراها في تلك الساعة ما اعتراها من هم وحزن وقالت: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا الحمل والمخاض الذي حل بي وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا أى: وكنت شيئا منسيا متروكا، لا يهتم به أحد، وكل شيء نسى وترك ولم يطلب فهو نسى ونسىّ.

قال القرطبي: «والنّسى في كلام العرب: الشيء الحقير الذي من شأنه أن ينسى ولا يتألم لفقده كالوتد، والحبل للمسافر. وقرئ: نَسْياً بكسر النون وهما لغتان مثل: الوتر والوتر ... »

قال الآلوسى ما ملخصه: «وإنما قالت ذلك مع أنها كانت تعلم ما جرى بينها وبين جبريل من الوعد الكريم، استحياء من الناس، وخوفا من لائمتهم، أو حذرا من وقوع الناس في المعصية بسبب كلامهم في شأنها.

وتمنى الموت لمثل ذلك لا كراهة فيه- لأنه يتعلق بأمر ديني- نعم يكره أن يتمنى المرء الموت لأمر دنيوى كمرض أو فقر.. ففي صحيح مسلم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«لا يتمنين أحدكم الموت لضرر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا فليقل: اللهم أحينى ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي» .

ومن ظن أن تمنى مريم الموت كان لشدة الوجع فقد أساء الظن .

وقوله : ( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ) أي : فاضطرها وألجأها الطلق إلى جذع النخلة وهي نخلة في المكان الذي تنحت إليه .

وقد اختلفوا فيه ، فقال السدي : كان شرقي محرابها الذي تصلي فيه من بيت المقدس .

وقال وهب بن منبه : ذهبت هاربة ، فلما كانت بين الشام وبلاد مصر ، ضربها الطلق . وفي رواية عن وهب : كان ذلك على ثمانية أميال من بيت المقدس ، في قرية هناك يقال لها : " بيت لحم " .

قلت : وقد تقدم في حديث الإسراء ، من رواية النسائي عن أنس ، رضي الله عنه ، والبيهقي عن شداد بن أوس ، رضي الله عنه : أن ذلك ببيت لحم ، فالله أعلم ، وهذا هو المشهور الذي تلقاه الناس بعضهم عن بعض ، ولا يشك فيه النصارى أنه ببيت لحم ، وقد تلقاه الناس . وقد ورد به الحديث إن صح .

وقوله تعالى إخبارا عنها : ( قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ) فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة ، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد ، ولا يصدقونها في خبرها ، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة ، تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية ، فقالت : ( يا ليتني مت قبل هذا ) أي قبل هذا الحال ، ( وكنت نسيا منسيا ) أي لم أخلق ولم أك شيئا . قاله ابن عباس .

وقال السدي : قالت وهي تطلق من الحبل - استحياء من الناس : يا ليتني مت قبل هذا الكرب الذي أنا فيه ، والحزن بولادتي المولود من غير بعل ( وكنت نسيا منسيا ) نسي فترك طلبه ، كخرق الحيض إذا ألقيت وطرحت لم تطلب ولم تذكر . وكذلك كل شيء نسي وترك فهو نسي .

وقال قتادة : ( وكنت نسيا منسيا ) أي : شيئا لا يعرف ، ولا يذكر ، ولا يدرى من أنا .

وقال الربيع بن أنس : ( وكنت نسيا منسيا ) وهو السقط .

وقال ابن زيد : لم أكن شيئا قط .

وقد قدمنا الأحاديث الدالة على النهي عن تمني الموت إلا عند الفتنة ، عند قوله : ( توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) [ يوسف : 101 ]

وقوله ( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) يقول تعالى ذكره: فجاء بها المخاض إلى جذع النخلة، ثم قيل: لما أسقطت الباء منه أجاءها، كما يقال: أتيتك بزيد، فإذا حذفت الباء قيل آتيتك زيدا ، كما قال جل ثناؤه آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ والمعنى: بزُبَر الحديد، ولكن الألف مدت لما حذفت الباء، وكما قالوا: خرجت به وأخرجته، وذهبت به وأذهبته، وإنما هو أفعل من المجيء، كما يقال : جاء هو، وأجأته أنا: أي جئت به، ومثل من أمثال العرب " : شرّ ما أجاءني إلى مُخَّة عرقوب "، وأشاء ويقال: شرّ ما يُجِيئك ويُشِيئك إلى ذلك ; ومنه قول زهير:

وَجــارٍ ســارَ مُعْتَمِــدًا إلَيْكُــمْ

أجاءَتْـــهُ المَخافَـــةُ والرَّجــاءُ (8)

يعنى: جاء به، وأجاءه إلينا وأشاءك: من لغة تميم، وأجاءك من لغة أهل العالية، وإنما تأوّل من تأوّل ذلك بمعنى: ألجأها، لأن المخاض لما جاءها إلى جذع النخلة، كان قد ألجأها إليه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ ) قال : المخاض ألجأها.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: ألجأها المخاض. قال ابن جريج: وقال ابن عباس: ألجأها المخاض إلى جذع النخلة.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) يقول: ألجأها المخاض إلى جذع النخلة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة، قوله ( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) قال: اضطرّها إلى جذع النخلة.

واختلفوا في أيّ المكان الذي انتبذت مريم بعيسى لوضعه، وأجاءَها إليه المخاض، فقال بعضهم: كان ذلك في أدنى أرض مصر، وآخر أرض الشأم، وذلك أنها هربت من قومها لما حملت ، فتوجهت نحو مصر هاربة منهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن سهل، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهب بن منبه يقول: لما اشتملت مريم على الحمل، كان معها قَرابة لها، يقال له يوسف النَّجار، وكانا منطلقين إلى المسجد الذي عند جبل صهيون، وكان ذلك المسجد يومئذ من أعظم مساجدهم، فكانت مريم ويوسف يخدمان في ذلك المسجد، في ذلك الزمان ، وكان لخدمته فضل عظيم، فرغبا في ذلك، فكانا يليان معالجته بأنفسهما، تحبيره وكناسته وطهوره، وكل عمل يعمل فيه، وكان لا يعمل من أهل زمانهما أحد أشدّ اجتهادًا وعبادة منهما، فكان أوّل من أنكر حمل مريم صاحِبُها يوسف; فلما رأى الذي بها استفظعه، وعظم عليه، وفظع به، فلم يدر على ماذا يضع أمرها، فإذا أراد يوسف أن يتهمها، ذكر صلاحها وبراءتها، وأنها لم تغب عنه ساعة قطّ; وإذا أراد أن يبرئها، رأى الذي ظهر عليها; فلما اشتدّ عليه ذلك كلمها، فكان أوّل كلامه إياها أن قال لها: إنه قد حدث في نفسي من أمرك أمر قد خشيته، وقد حَرَصت على أن أميته وأكتمه في نفسي، فغلبني ذلك، فرأيت الكلام فيه أشفى لصدري، قالت: فقل قولا جميلا قال: ما كنت لأقول لك إلا ذلك، فحدثيني، هل ينبت زرع بغير بذر؟ قالت: نعم، قال: فهل تنبت شجرة من غير غيث يصيبها؟ قالت: نعم ، قال: فهل يكون ولد من غير ذكر؟ قالت: نعم، ألم تعلم أن الله تبارك وتعالى أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر، والبذر يومئذ إنما صار من الزرع الذي أنبته الله من غير بذر; أو لم تعلم أن الله بقدرته أنبت الشجر بغير غيث، وأنه جعل بتلك القدرة الغيث حياة للشجر بعد ما خلق كلّ واحد منهما وحده، أم تقول: لن يقدر الله على أن ينبت الشجر حتى استعان عليه بالماء، ولولا ذلك لم يقدر على إنباته؟ قال يوسف لها: لا أقول هذا، ولكني أعلم أن الله تبارك وتعالى بقدرته على ما يشاء يقول لذلك كن فيكون، قالت مريم: أو لم تعلم أن الله تبارك وتعالى خلق آدم وامرأته من غير أنثى ولا ذكر؟ قال: بلى، فلما قالت له ذلك، وقع في نفسه أن الذي بها شيء من الله تبارك وتعالى، وأنه لا يسعه أن يسألها عنه، وذلك لما رأى من كتمانها لذلك ، ثم تولى يوسف خدمة المسجد، وكفاها كل عمل كانت تعمل فيه، وذلك لما رأى من رقة جسمها، واصفرار لونها، وكلف وجهها، ونتوّ بطنها، وضعف قوّتها، ودأب نظرها، ولم تكن مريم قبل ذلك كذلك; فلما دنا نفاسها أوحى الله إليها أن أخرجي من أرض قومك ، فإنهم إن ظفروا بك عيروك، وقتلوا ولدك، فأفضت ذلك إلى أختها، وأختها حينئذ حُبلى، وقد بشرت بيحيى، فلما التقيا وجدت أمّ يحيى ما في بطنها خرّ لوجهه ساجدا معترفا لعيسى، فاحتملها يوسف إلى أرض مصر على حمار له ليس بينها حين ركبت وبين الإكاف شيء، فانطلق يوسف بها حتى إذا كان متاخما لأرض مصر في منقطع بلاد قومها، أدرك مريم النفاس، ألجأها إلى آريّ حمار، يعنى مذود الحمار، وأصل نخلة، وذلك في زمان أحسبه بردا أو حرّا " الشكّ من أبي جعفر "، فاشتدّ على مريم المخاض; فلما وجدت منه شدّة التجأت إلى النخلة فاحتضنتها واحتوشتها الملائكة، قاموا صفوفًا محدقين بها.

وقد رُوي عن وهب بن منبه قول آخر غير هذا، وذلك ما حدثنا به ابن حميد ، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: لما حضر ولادُها، يعني مريم، ووجدت ما تجد المرأة من الطلق ، خرجت من المدينة مغربة من إيلياء، حتى تدركها الولادة إلى قرية من إيلياء على ستة أميال يقال لها بيت لحم، فأجاءها المخاض إلى أصل نخلة إليها مذود بقرة تحتها ربيع من الماء، فوضعته عندها.

وقال آخرون: بل خرجت لما حضر وضعها ما في بطنها إلى جانب المحراب الشرقي منه، فأتت أقصاه فألجأها المخاض إلى جِذْعِ النخلة، وذلك قول السدي، وقد ذكرت الرواية به قبل.

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج، قال: قال ابن جريج : أخبرني المغيرة بن عثمان، قال: سمعت ابن عباس يقول: ما هي إلا أن حملت فوضعت.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: وأخبرني المغيرة بن عثمان بن عبد الله أنه سمع ابن عباس يقول: ليس إلا أن حملتْ فولدتْ.

وقوله: ( يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ) ذكر أنها قالت ذلك في حال الطلق استحياء من الناس.

كما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: قالت وهي تطلق من الحبل استحياء من الناس ( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) تقول: يا ليتني مِتُّ قبل هذا الكرب الذي أنا فيه، والحزن بولادتي المولود من غير بَعْل، وكنت نِسيا منسيًّا: شيئا نُسي فتُرك طلبه كخرق الحيض التي إذا ألقيت وطرحت لم تطلب ولم تذكر، وكذلك كل شيء نسي وترك ولم يطلب فهو نسي. ونسي بفتح النون وكسرها لغتان معروفتان من لغات العرب بمعنى واحد، مثل الوَتر والوِتر، والجَسر والجِسر، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب عندنا; وبالكسر قرأت عامة قرّاء الحجاز والمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة; وبالفتح قرأه أهل الكوفة; ومنه قول الشاعر:

كـأنَّ لَهَـا فِـي الأرْضِ نِسْـيا تَقُصُّهُ

إذَا مــا غَـدَتْ وإنْ تُحَـدّثْكَ تَبْلَـتِ (9)

ويعني بقوله: تقصه: تطلبه، لأنها كانت نسيته حتى ضاع، ثم ذكرته فطلبته، ويعني بقوله: تبلت: تحسن وتصدّق، ولو وجه النسي إلى المصدر من النسيان كان صوابا، وذلك أن العرب فيما ذكر عنها تقول: نسيته نسيانا ونسيا، كما قال بعضهم من طاعة الربّ وعصي الشيطان، يعني وعصيان، وكما تقول أتيته إتيانا وأتيا، كما قال الشاعر:

أتــيُ الفَوَاحِــشِ فِيهِــمُ مَعْرَوفَـةٌ

وَيَــروْنَ فِعْـلَ المَكْرُمـاتِ حَرَامَـا (10)

وقوله (مَنْسيًّا) مفعول من نسيت الشيء كأنها قالت: ليتني كنت الشيء الذي ألقي، فترك ونسي.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس، قوله: ( يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) لم أخلق، ولم أك شيئا.

حدثنا موسى ، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) يقول: نِسيا: نُسي ذكري، ومنسيا: تقول: نسي أثري، فلا يرى لي أثر ولا عين.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) : أي شيئا لا يعرف ولا يذكر.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر ، عن قتادة، قوله ( وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) قال: لا أعرف ولا يدرى من أنا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس ( نَسْيًا مَنْسِيًّا ) قال: هو السقط.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد، في قوله ( يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) لم أكن في الأرض شيئًا قط.

المعاني :

فَأَجَاءَهَا :       فَأَلْجَأَهَا طَلْقُ الحَمْلِ السراج
الْمَخَاضُ :       الحَمْلُ السراج
فأجاءها المخاض :       فألجأها و اضطرّها وجع الولادة معاني القرآن
نسيا منسيّا :       شيئا حقيرا متروكا لا يخطر بالبال معاني القرآن

التدبر :

لمسة
[23] ﴿فَأَجَاءهَا﴾ (فَأَجَاءهَا) وليس: (فجاءها)؛ لأن (فأجاءها) بمعنى الإلجاء وليس بمعنى المجيء، يعني ألجأها المخاض جعلها تجيء.
وقفة
[23] ﴿فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة﴾ لم يشتد بها المخاض حتى كانت بقرب النخلة ليمنحها الرطب الجني.
وقفة
[23] ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ ما معنی: (فَأَجَاءَهَا)؟! قال ابن عباس: «أي ألجأها».
عمل
[23] ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ إذا ألجأت الحاجة أحدًا إليك، فأسقط عليه ما استطعت من رطب الخير، لا تكن النخلة أكرم منك.
وقفة
[23] ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ في ذلك العالم المزدحم بالبشر والأحداث, يتخطاها كلها القرآن ليحدثنا عن تفاصيل لحظات عصيبة في حياة مؤمنة.
وقفة
[23] ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ أي دفعها إلى جذع النخلة فذهبت إليه، فهي من شدة ما نزل بها، تبحث عن شيء تتمسك به عند الولادة.
لمسة
[23] كل حرف في القرآن له أثر: قوله: ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ الهمزة في (فأجاءها) زادت في المعنى، فالمراد: فألجأها المخاض.
وقفة
[23] ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ أحيانًا تمر على الإنسان ابتلاءات صعبة، وأوقات شديدة، قد يتمنى فيها الموت ولا يعلم أن هذه اللحظات هي بداية الفرج وظهور النور.
وقفة
‏‏[23] ﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا﴾ قالتها امرأةٌ صالحةٌ في لحظةِ ألمٍ، لا تعاتبْ على الكلماتِ في الأوقاتِ الصَّعبةِ.
وقفة
[23] ﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا﴾ تمنَّت الموتَ ثمَّ أصبحتْ أمَّ نَبيٍّ! فرُبَّ مَحبوبٍ في مكروهٍ، ومِنحةٍ في مِحنةٍ.
وقفة
[23] ﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا﴾ قال الألوسي: «وتمني الموت لمثل ذلك لا كراهة فيه؛ لأنه يتعلق بأمر ديني، نعم يكره أن يتمنى المرء الموت لأمر دنيوي كمرض أو فقر، ففي صحيح مسلم، قال رسول الله: «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِى مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِى، وَتَوَفَّنِى إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِى»، ومن ظن أن تمني مريم الموت كان لشدة الوجع، فقد أساء الظن».
اسقاط
[23] ﴿قالت يا ليتني مت قبل هذا﴾ تمنت الموت على أن تتهم في عرضها، وهذا شأن العفيفة الطاهرة.
وقفة
[23] ﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ ربما تكون الساعة التي تتمنى فيها الموت وتكره الحياة هي أجمل ساعة في حياتك.
وقفة
[23] ﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾ نفذ صبرها وضاقت عليها الدنيا واشتد كربها فتمنت الموت، بل لو لم تكن شيئًا، ولكن قدر الله كان خيرًا لها مما تمنت، لقد أصبحت آية من آيات الله سبحانه وتعالى، إذا كنت مستقيمًا على شرع الله سبحانه وتعالى واشتد كربك وعظم البلاء عليك؛ فاعلم أنها ما ضاقت إلا لتتسع.
عمل
[23] ﴿قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا﴾، قال الله: ﴿فكُلي واشربي وَقرِّي عيْنا﴾ [26]، لا تحمل همًا؛ الله يدبر لك ما فيه الخير.
وقفة
[23] ﴿قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا﴾‏ هذه اللوعة لم يسمعها بشرٌ قط، سمعها الله وحده! ‏هل تظن أن مواجعك تذهب هباء؟!
وقفة
[23] ﴿قالَت يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ هذا وَكُنتُ نَسيًا مَنسِيًّا﴾ المرة الوحيدة التى يتمنى فيها الموت أحد فى القرآن الكريم، والله أعلم.
وقفة
[23] لا تهول على نفسك الأمور، فكم منَّا من كره مشواره في البداية، ثم يغير الله عليه وتكون نهايته أفضل، فهذه مريم ابنة عمران قالت حينما حملت في ابنها: ﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾، فلم تكن تعلم بأن الذي في بطنها نبي من أنبياء الله.
وقفة
[23] لم تقف مريم عليها السلام عند أمنية الموت ﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾، بل بالغت فيها قائلة: ﴿وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾، وبذلك رصدت هذه العبارة حالتها النفسية المحطمة، كأنك تراها مشحونة بمشاعر الخوف والأسى، وذلك بفضل قوة العرض والإيحاء، فهي في موقف مهول تعذبها الآلآم النفسية وتواجه الآلآم الجسدية، آلام الوضع وهي بِكرٌ وحيدة، تنطق في مثل هذا الموقف المفزع عبارات تبلغ القمة في تصوير ما تحس به من شتى الأحاسيس.
وقفة
[23] ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ﴾ بلاء تمنت معه الموت يرزقها الله بسببه رسولًا من أولي العزم، بلاءات الصالحين مخابئ للمنح العظيمة.
وقفة
[23] كم بين الضيق والفرج؟ الجواب: هو ما بين قول مريم: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ﴾؛ وقول: ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا﴾ [26].
وقفة
[23] عانت مريم عليها السلام وتمنت الموت: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ﴾؛ لخشيتها من أن الناس لن يفهموها، إن من عظيم نعمة الله على المرء أن يرزقه من يتفهمه.
وقفة
[23] ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا﴾ قد يكون الموت أحيانًا أهون من جِراح الكلام.
عمل
[23] ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا﴾ لا تضجر، وراء الألم بشرى يسترها الغيب ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا﴾ [26].
وقفة
[23] ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا﴾ مريم عليها السلام تمنت الموت، ثم أصبحت (أم نبي)، الموقف الذي تتمنى فيه الموت قد تكون فيه (حياتك الحقيقية).
وقفة
[23] ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا﴾ لقد كان سبب حزنها الولد الذي تحمله لكنها، لم تقل: ليته لم يكن، وتمنت الموت لنفسها دونه.
وقفة
[23] ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا﴾ لا تضجر وراء الألم بشرى يسترها الغيب ﴿فكُلي واشربي وَقرِّي عيْنا﴾ [26].
وقفة
[23] ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ حتى تلك الكروب التى يكون الموت أسهل فى نظرك منها يفرجها الله.
وقفة
[23] ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ في لحظات الألم، ربما تتحدث مشاعرنا بعيدًا عن الواقع، لذا عند الألم أنا لست أنا.
وقفة
[23] تشتد الكربات وفي طياتها رحمات، تمنت مريم الموت من الكرب ﴿ياليتني متّ قبل هذا﴾، وفي بطنها نبيّ ورحمة للناس.
وقفة
[23] كرب متتالية، حتي قالت: ﴿ياليتني مت قبل هذا﴾، ولأن الأمر تدبير إلهي جاءها الفرج.
وقفة
[23] حين قالت مريم عليها السلام ونقل عنها القرآن ذلك: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ كانت تضع للبشرية ميثاقًا وترسخ حقيقة: أن الشرف أغلى من الحياة.
وقفة
[23] قالت مريم: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا﴾، كم من (لفظ) تمنيناه ثم ندمنا عليه! ﻻ أحسن من تدبير الله لنا.
عمل
[23] ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾ لا تجزع بما تراه من منظورك أنه مصيبة فقد يكون من خلفه خير عميم قصر عنه إدراكك.
وقفة
[23] ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾ العفيفات يتمنين الموت، ولا أن تمس أعراضهن بكلمة، فضلًا عن أن يصل إليها فاجر.
وقفة
[23] ﴿ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا﴾ تمنت الموت وأن تكون نسيًا منسيًا، ولا أن يمس شرفها بسوء، وهذا شأن العفيفة الطاهرة.
وقفة
[23] كم بين قول مريم: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾، وقوله: ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا﴾ [26]؟ بينما هي تتمني الموت وأنها لم تخلق بعد، إذ هي تأكل وتشرب أهنأ ما يكون, فما أسرع فرج الله مقارنة باليأس البشري.
وقفة
[23] لكمال عفافها وطهرها تمنّتْ أن تكون: ﴿نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾، فخلَّدها الله ذِكْرًا لا يُنسى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ [16].
وقفة
[23، 24] لما قالت مريم: ﴿يا ليتني مت قبل هذا﴾ كان قلبها متفرق الهموم؛ فجمعه لها بقوله: ﴿ألا تحزني﴾؛ لأن الله يغار على قلب عبده أن يتفرق بعد اجتماعه.
وقفة
[23، 24] فرج الله يأتي عندما يكون العبد أحوج ما يكون إلى الله؛ قالت مريم: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾؛ فجاءها الفرج: ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾.

الإعراب :

  • ﴿ فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ:
  • الفاء: عاطفة. أجاءها أي بمعنى: ألجأها: فعل ماض مبني على الفتح و «ها» ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم. المخاض: أي الولادة: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ:
  • جار ومجرور متعلق بأجاء. النخلة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. أي فاستحيت وقالت. قالت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي.
  • ﴿ يا لَيْتَنِي:
  • حرف تنبيه أو نداء والمنادى محذوف اكتفاء بأداة النداء كما يحذف حرف النداء اكتفاء بالمنادى. ليت: حرف تمن مشبه بالفعل. النون للوقاية لا محل لها. والياء ضمير المتكلم مبني على السكون في محل نصب اسم «ليت».
  • ﴿ مِتُّ قَبْلَ هذا:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر «ليت» متّ: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك المدغم والتاء المدغمة ضمير متصل في محل رفع فاعل. قبل: ظرف للزمان منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق بمت وهو مضاف. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَكُنْتُ:
  • الواو: عاطفة. كنت: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل في محل رفع اسم «كان».
  • ﴿ نَسْياً مَنْسِيًّا:
  • خبران لكان على التتابع منصوبان بالفتحة بمعنى: لا يذكرني أحد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [23] لما قبلها :     وبعد تمام مدة الحمل، وحان وقت الولادة؛ ألجأها طَلْقُ الولادةِ إلى جذع النخلة لتُمسك به عند الولادة، ولَمَّا تفكرت فيما سيقوله الناسُ عنها؛ تمنَّتِ الموتَ، قال تعالى:
﴿ فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فأجاءها:
1- أي: ساقها، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بإمالة فتحة الجيم، وهى قراءة الأعمش، وطلحة.
3- فأجاها، من المفاجأة، وهى قراءة حماد بن سلمة، عن عاصم.
المخاض:
وقرئ:
بكسر الميم، وهى قراءة ابن كثير، فى رواية.
نسيا:
قرئ:
1- بكسر النون، وهى قراءة الجمهور.
2- بفتحها، وهى قراءة ابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وابن أبى ليلى، وحمزة، وحفص.
3- بكسر النون، والهمز مكان الياء، وهى قراءة محمد بن كعب القرظي.
4- بفتح النون والهمز، وهى قراءة بكر بن حبيب، ومحمد بن كعب أيضا.
5- بفتح النون والسين من غير همز، وهى قراءة بكر بن حبيب أيضا.
منسيا:
وقرى:
بكسر الميم، اتباعا لحركة السين، وهى قراءة الأعمش، وأبى جعفر، فى رواية.

مدارسة الآية : [24] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي ..

التفسير :

[24] فناداها جبريل أو عيسى:أن لا تَحزني، قد جعل ربك تحتك جَدْول ماء.

فحينئذ سكن الملك روعها وثبت جأشها وناداها من تحتها، لعله في مكان أنزل من مكانها، وقال لها:لا تحزني، أي:لا تجزعي ولا تهتمي، فــ{ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ْ} أي:نهرا تشربين منه.

ثم ذكر- سبحانه- جانبا من إكرامه لمريم في تلك الساعات العصيبة من حياتها فقال:

فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي، قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً....

والذي ناداها يرى بعضهم أنه جبريل- عليه السلام-. وقوله مِنْ تَحْتِها فيه قراءتان سبعيتان: إحداهما: بكسر الميم في لفظ مِنْ على أنه حرف جر، وخفض تاء تَحْتِها على أنه مجرور بحرف الجر والفاعل محذوف أى: فناداها جبريل من مكان تحتها، أى أسفل منها ...

والثانية: بفتح الميم في لفظ مِنْ على أنه اسم موصول، فاعل نادى وبفتح التاء في تَحْتِها على الظرفية، أى: فناداها الذي هو تحتها، وهو جبريل- عليه السلام-.

قال القرطبي: قوله- تعالى- فَناداها مِنْ تَحْتِها.

قال ابن عباس: المراد بمن تحتها جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها.. ففي هذا لها آية وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة، التي لله- تعالى- فيها مراد عظيم» .

ويرى بعض المفسرين أن المنادى هو عيسى- عليه السلام- فيكون المعنى: فناداها ابنها عيسى الذي كان عند ما وضعته موجودا تحتها.

وقد رجح الإمام ابن جرير هذا الرأى فقال: «وأولى القولين في ذلك عندنا قول من قال: الذي ناداها ابنها عيسى، وذلك أنه من كناية- أى ضمير- ذكره أقرب منه من ذكر جبريل، فرده على الذي هو أقرب إليه أولى من رده على الذي هو أبعد منه، ألا ترى أنه في مريم.

قرأ بعضهم ) من تحتها ) بمعنى الذي تحتها . وقرأ آخرون : ( من تحتها ) على أنه حرف جر .

واختلف المفسرون في المراد بذلك من هو ؟ فقال العوفي وغيره ، عن ابن عباس : ( فناداها من تحتها ) جبريل ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها ، وكذا قال سعيد بن جبير ، والضحاك ، وعمرو بن ميمون ، والسدي ، وقتادة : إنه الملك جبريل عليه الصلاة والسلام ، أي : ناداها من أسفل الوادي .

وقال مجاهد : ( فناداها من تحتها ) قال : عيسى ابن مريم ، وكذا قال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة قال : قال الحسن : هو ابنها . وهو إحدى الروايتين عن سعيد بن جبير : أنه ابنها ، قال : أولم تسمع الله يقول : ( فأشارت إليه ) [ مريم : 29 ] ؟ واختاره ابن زيد ، وابن جرير في تفسيره

وقوله : ( ألا تحزني ) أي : ناداها قائلا لا تحزني ، ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال سفيان الثوري وشعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب : ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : الجدول . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : السري : النهر . وبه قال عمرو بن ميمون : نهر تشرب منه .

وقال مجاهد : هو النهر بالسريانية .

وقال سعيد بن جبير : السري : النهر الصغير بالنبطية .

وقال الضحاك : هو النهر الصغير بالسريانية .

وقال إبراهيم النخعي : هو النهر الصغير .

وقال قتادة : هو الجدول بلغة أهل الحجاز .

وقال وهب بن منبه : السري : هو ربيع الماء .

وقال السدي : هو النهر ، واختار هذا القول ابن جرير . وقد ورد في ذلك حديث مرفوع ، فقال الطبراني :

حدثنا أبو شعيب الحراني : حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي حدثنا أيوب بن نهيك ، سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول : سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن السري الذي قال الله لمريم : ( قد جعل ربك تحتك سريا ) نهر أخرجه الله لتشرب منه " وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه . وأيوب بن نهيك هذا هو الحبلي قال فيه أبو حاتم الرازي : ضعيف . وقال أبو زرعة : منكر الحديث . وقال أبو الفتح الأزدي : متروك الحديث .

وقال آخرون : المراد بالسري : عيسى ، عليه السلام ، وبه قال الحسن ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن عباد بن جعفر . وهو إحدى الروايتين عن قتادة ، وقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، والقول الأول أظهر ; ولهذا قال بعده :

اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) بمعنى: فناداها جبرائيل من بين يديها على اختلاف منهم في تأويله; فمن متأوّل منهم إذا قرأه ( مِنْ تَحْتِهَا ) كذلك; ومن متأوّل منهم أنه عيسى ، وأنه ناداها من تحتها بعد ما ولدته. وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الكوفة والبصرة ( فَنَادَاها مَنْ تَحْتَها ) وبفتح التاءين من تحت، بمعنى: فناداها الذي تحتها، على أن الذي تحتها عيسى، وأنه الذي نادى أمه.

* ذكر من قال: الذي ناداها من تحتها المَلَك ، حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، قال: سمعت ابن عباس قرأ: ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) يعني: جبرائيل.

حدثني أحمد بن عبد الله أحمد بن يونس، قال: أخبرنا عَبثر ، قال: ثنا حصين، عن عمرو بن ميمون الأوْديّ، قال: الذي ناداها الملك.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، أنه قرأ: فخاطبها من تحتها.

حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة أنه قرأ: فخاطبها من تحتها.

حدثنا الرفاعي، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة أنه قرأها كذلك.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن جويبر، عن الضحاك ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) قال: جبرائيل.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) : أي من تحت النخلة.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ(فَنَادَاهَا) جبرائيل ( مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي ).

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) قال: المَلَك.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) يعني: جبرائيل كان أسفل منها.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) قال: ناداها جبرائيل ولم يتكلم عيسى حتى أتت قومها.

* ذكر من قال: ناداها عيسى صلى الله عليه وسلم: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) قال: عيسى ابن مريم.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) ابنها.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: قال الحسن: هو ابنها.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه (فَنَادَاهَا) عيسى ( مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي ) .

حدثني أبو حميد أحمد بن المغيرة الحمصي، قال: ثنا عثمان بن سعيد ، قال: ثنا محمد بن مهاجر، عن ثابت بن عجلان، عن سعيد بن جبير، قوله ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) قال عيسى: أما تسمع الله يقول فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ .

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) قال: عيسى; ناداها( مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ).

حُدثت عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحيّ، عن أبيّ بن كعب قال: الذي خاطبها هو الذي حملته في جوفها ودخل من فيها.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندنا قول من قال: الذي ناداها ابنها عيسى، وذلك أنه من كناية ذكره أقرب منه من ذكر جبرائيل، فردّه على الذي هو أقرب إليه أولى من ردّه على الذي هو أبعد منه. ألا ترى في سياق قوله فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا يعني به: فحملت عيسى فانتبذت به، ثم قيل: فناداها نسقا على ذلك من ذكر عيسى والخبر عنه. ولعلة أخرى، وهي قوله ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ) ولم تشر إليه إن شاء الله ألا وقد علمت أنه ناطق في حاله تلك، وللذي كانت قد عرفت ووثقت به منه بمخاطبته إياها بقوله لها( أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) وما أخبر الله عنه أنه قال لها أشيري للقوم إليه، ولو كان ذلك قولا من جبرائيل، لكان خليقا أن يكون في ظاهر الخبر، مبينا أن عيسى سينطق، ويحتجّ عنها للقوم، وأمر منه لها بأن تشير إليه للقوم إذا سألوها عن حالها وحاله.

فإذا كان ذلك هو الصواب من التأويل الذي بينا، فبين أن كلتا القراءتين، أعني ( مِنْ تَحْتِهَا ) بالكسر، ( وَمَنْ تَحْتَها ) بالفتح صواب. وذلك أنه إذا قرئ بالكسر كان في قوله (فَنَادَاهَا) ذكر من عيسى: وإذا قرئ( مَنْ تَحْتَها) بالفتح كان الفعل لمن وهو عيسى. فتأويل الكلام إذن: فناداها المولود من تحتها أن لا تحزني يا أمه ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ).

كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي ) قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوج فأقول من زوج، ولا مملوكة فأقول من سيدي، أي شيء عذري عند الناس يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فقال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام.

واختلف أهل التأويل في المعنيّ بالسريّ في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني به: النهر الصغير.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: الجدول.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول في هذه الآية ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: الجدول.

حدثني عليّ، قال : ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) وهو نهر عيسى.

حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: السريّ: النهر الذي كان تحت مريم حين ولدته كان يجري يسمى سَرِيا.

حدثني أبو حصين، قال: ثنا عَبثر، قال: ثنا حصين، عن عمرو بن ميمون الأوْدِيّ، قال في هذه الآية ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: السريّ: نهر يُشرب منه.

حدثنا يعقوب وأبو كريب، قالا ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عمرو بن ميمون، في قوله: ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: هو الجدول.

حدثنا محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( سَرِيًّا) قال: نهر بالسريانية.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله، قال ابن جريج: نهر إلى جنبها.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، في قوله ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: كان سريا فقال حميد بن عبد الرحمن: إن السريّ: الجدول، فقال: غلبتنا عليك الأمراء.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: هو الجدول، النهر الصغير، وهو بالنبطية: السريّ.

حدثني أبو حميد الحمصي، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا محمد بن مهاجر، عن ثابت بن عجلان قال: سألت سعيد بن جبير، عن السريّ، قال: نهر.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: النهر الصغير.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، أنه قال: هو النهر الصغير: يعني الجدول، يعني قوله ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ).

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، قال: جدول صغير بالسريانية.

حدثنا عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( تَحْتَكِ سَرِيًّا ) الجدول الصغير من الأنهار.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) والسريّ: هو الجدول، تسميه أهل الحجاز.

حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر ، في قوله (سَرِيًّا) قال: هو جدول.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم وعن وهب بن منبه ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) يعني ربيع الماء.

- حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) والسريّ: هو النهر.

وقال آخرون: عنى به عيسى.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) والسريّ: عيسى نفسه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) يعني نفسه، قال: وأيّ شيء أسرى منه، قال: والذين يقولون: السريّ: هو النهر ليس كذلك النهر، لو كان النهر لكان إنما يكون إلى جنبها، ولا يكون النهر تحتها.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قيل من قال: عنى به الجدول، وذلك أنه أعلمها ما قد أتاها الله من الماء الذي جعله عندها، وقال لها وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي من هذا الرطب وَاشْرَبِي من هذا الماء وَقَرِّي عَيْنًا بولدك، والسريّ معروف من كلام العرب أنه النهر الصغير; ومنه قول لبيد:

فَتَوَسَّـطا عُـرْضَ السَّـريّ وَصَدَّعـا

مَسْـــجُورَةٌ مُتَجــاوِرًا قُلامُهــا (11)

ويُروى فينا (12) مسجورة، ويُروى أيضًا: فغادرا.

قوله ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) ذكر أن الجذع كان جذعًا يابسًا، وأمرها أن تهزّه، وذلك في أيام الشتاء، وهزّها إياه كان تحريكه.

-----------------------------

الهوامش :

(8) البيت لزهير بن أبي سلمى ( اللسان : جيأ ) . قال : وأجاءه إلى شيء : جاء به ، وألجأه ، واضطره إليه . قال زهير بن أبي سلمى : " وجار . . . " البيت . قال الفراء : أصله من جئت ، وقد وقد جعلته العرب إلجاء . وفي المثل : " شر ما أجاءك إلى مخة العرقوب ، وشر ما يجيئك إلى مخة عرقوب " قال الأصمعي : وذلك أن العرقوب لا مخ فيه ، وإنما يحوج إليه من لا يقدر على شيء . ومنهم من يقول : شر ما ألجأك : والمعنى واحد . وتميم تقول : شر ما أشاءك .

(9) البيت للشنفرى " اللسان : نسي " قال : والنسي : الشيء المنسي الذي لا يذكر . وقال الأخفش : النسي : ما أغفل من شيء حقير ونسي. وقال الزجاج : النسي في كلام العرب الشيء المطروح ، لا يؤبه له . وقال الشنفرى : " وكأن لها . . . البيت " قال ابن بري : بلت ، فالفتح : إذا قطع ، وبلت بالكسر : إذا سكن . وقال الفراء : النسي والنسي ( بكسر النون المشددة وفتحها ) لغتان فيه تلقيه المرأة من خرق اعتلاها ( حيضها ) مثل وتر ووتر . قال ولو أراد بالنسي ( بالفتح ) مصدر النسيان ، كان صوابا .

(10) في ( اللسان : أتى ) : الإتيان : المجيء . أتيته أتيا وإتيانا وإتيانه ومأتاه : جئته . واستشهد المؤلف بالبيت على أن العرب تقول نسيته نسيانا ونسيا ، كما تقول أتيته إتيانا وأتيا . وقوله معروفة : أنث الخبر بالتاء مع أن المبتدأ وهو الأتي مذكر ، لكنه لما أضيف إلى الفواحش ، وهي جمع فاحشة . اكتسب منها التأنيث فلذلك أنث الخبر بالتاء .

(11) البيت للبيد بن ربيعة العامري ، من معلقته المشهورة ( انظره في شرح الزوزني على المعلقات السبع ، وفي شرح التبريزي على القصائد العشر ، وفي جمهرة أشعار العرب ص 63 - 74 ) . قال صاحب الجمهرة : توسطا ؛ : أي دخلا وسطه . وعرض السري : أي ناحية النهر ، وأهل الحجاز . يسمون النهر سريا . وصدعا : أي فرقا . ومسجورة : أي عينا مملوءة ؛ قال الله تعالى : ( والبحر المسجور ) وأقلامها ، ويروى قلامها ، وهو ضرب من الشجر الحمض ، والأقلام : قصب اليراع . وقال الزوزني يقول : فتو سط العير والأتان جانب النهر الصغير ، وشقا عينا مملوءة ماء ، قد تجاوز قلامها ، أي قد كثر هذا الضرب من النبت عليها . وتحرير المعنى : أنهما قد ورد عينا ممتلئة ماء ، فدخلا فيها من عرض نهرها ، وقد تجاور نبتها . والشاهد في قوله " السري " وهو اسم للنهر الصغير .

(12) كذا في المخطوطة بغير نقط ، ولم نقف على هذه الرواية .

المعاني :

فناداها :       جبريل أو عيسى عليهما السلام معاني القرآن
سَرِيًّا :       جَدْوَلَ مَاءٍ السراج
سريّا :       جدولا أو غلاما سامِيَ القـَدْر معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[24] ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا﴾ من الذي ناداها؟ قال ابن عباس: «المراد بمن تحتها جبريل»، ويرى بعض المفسرين أن المنادي هو عيسى عليه السلام، وقد رجح ابن جرير هذا الرأي، فقال: «وأولى القولين في ذلك عندنا قول من قال: الذي ناداها ابنها عيسی».
وقفة
[24] ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾ أقدار الله مهما كانت صعبة لا تؤلمنا؛ لكن الذي يؤلم هو لسان الناس الذي لا يرحم، سواء كان شامتًا أو مفتريًا.
عمل
[24] ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾ لم يقل لها: (لا تتمني الموت)، بل قال: (لا تحزني)، لأن أحزانها السبب، فتش عن جذور معاناة من تحب، ولا تقف عند كلماتهم.
وقفة
[24] ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾ الفرح قد يأتيك من جهة ما يؤلمك! أحسن ظنك بربك يكفيك ما أهمك.
وقفة
[24] ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي﴾ قبل أن تهزي جذع النخلة، هزي قلبك وانفضي منه الأحزان.
وقفة
[24] ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾ (لا تحزني) أول كلمة نطق بها المسيح عليه السلام؛ تبديد الأحزان رسالة الأنبياء.
وقفة
[24] ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ حملت مريم فاحتاجت فرج الله, جاءها المخاض فاحتاجت الفرج, وولدت فاحتاجت الفرج, إلا أن الفرج لم يأتها إلا حين أتت قومها, وعليه: لا يأت الفرج إلا في أحوج أوقاته فيكون وقعه ألذَّ.
وقفة
[24] ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ من البر طرد الأحزان من قلوب الأمهات.
وقفة
[24] ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾ من هو المنادي؟ هل هو عيسى عليه السلام؟ الجواب: الصواب أنه عيسى، الله أنطقه وتكلم، ولهذا لما سألوها عن أمرها، أشارت إليه، فقالوا: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [29]، فتكلم وقال: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ﴾ [30]، فدلّ أنها علمت أنه يتكلم وهو في المهد، لكلامه لها سابقًا.
وقفة
[24] أول بر عيسى بوالدته قوله: ﴿أَلَّا تَحْزَنِي﴾، من البر أن تحول بين والديك وبين الحزن.
وقفة
[24] ﴿أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ الفرج هنا، حولنا، قريب منا، عند أقدامنا، عند رؤوسنا.
وقفة
[24] ﴿أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ نصبح أكثر قدرة في مقاومة أحزاننا كلما طورنا قدرتنا على رؤية النعم حولنا.
وقفة
[24] ﴿أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ الولد الصالح من أسباب السعادة وذهاب الحزن.
وقفة
[24] ﴿أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ قال ابن عباس: «كان ذلك نهرًا قد انقطع ماؤه، فأجراه الله تعالى لمريم، والنهر يسمى سريًا لأن الماء يسري فيه».
لمسة
[24] ﴿سَرِيًّا﴾ من حيث اللغة يحتمل أمرين: إما أن يكون النهر؛ لأنه يسري فيه الماء بدليل: ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا﴾ [26]، ويحتمل السري أن يكون هو الرجل السيد رفيع الشأن والقدر.
وقفة
[24، 25] ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ۞ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ إذا انفتح باب رحمة للعبد من السماء؛ فراقب البركات وهي تنزل.

الإعراب :

  • ﴿ فَناداها:
  • الفاء: استئنافية. نادى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أي فناداها جبريل وهو يتلقى المولود وقيل هو عيسى ناداها من تحتها.
  • ﴿ مِنْ تَحْتِها:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من ضمير «نادى» و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة ويجوز أن يكون الضمير عائدا للنخلة.
  • ﴿ أَلاّ تَحْزَنِي:
  • ألاّ: أصلها: أن: حرف تفسير و «لا» ناهية جازمة. تحزني: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والياء ضمير المخاطبة مبني على السكون في محل رفع فاعل. وجملة «لا تحزني» تفسيرية لا محل لها.
  • ﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ:
  • قد: حرف تحقيق. جعل: فعل ماض مبني على الفتح. ربك: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ تَحْتَكِ سَرِيًّا:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بجعل وهو مضاف والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة وشبه الجملة «تحتك» في محل نصب حال. سريا: مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى: لا تحزني يا مريم قد جعل ربك تحتك سيدا رفيع القدر وقد حذف الموصوف لما دلت عليه الصفة أو بمعنى جدولا من الماء. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [24] لما قبلها :     ولَمَّا تمنَّتِ الموتَ خوفًا من الفضيحة؛ ناداها عيسى عليه السلام؛ مُطمئنًا لها، وأخبرَها أن تحتها جَدْول ماء؛ لتشربَ منه، قال تعالى:
﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فناداها:
وقرئ:
فخاطبها، وهى قراءة زر، وعلقمة.
قال أبو حيان: وينبغى أن يكون تفسيرا لا قراءة، لأنها مخالفة لسواد المصحف المجمع عليه.
من تحتها:
قرئ:
1- من، حرف جر، وهى قراءة البراء بن عازب، وابن عباس، والحسن، وزيد بن على، والضحاك، وعمرو بن ميمون، ونافع، وحمزة، والكسائي، وحفص.
2- من، بفتح الميم، بمعنى: الذي، وهى قراءة الابنين، والأبوين، وعاصم، وزر، ومجاهد، والجحدري، والحسن، وابن عباس.

مدارسة الآية : [25] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ ..

التفسير :

[25] وحَرِّكي جذع النخلة تُسَاقِطْ عليك رطباً غَضّاً جُنِيَ مِن ساعته.

{ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ْ} أي:طريا لذيذا نافعا

والباء في قوله بِجِذْعِ مزيدة للتوكيد، لأن فعل الهز يتعدى بنفسه.

أى: وحركي نحوك أو جهة اليمين أو الشمال جذع النخلة تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً وهو ما نضج واستوى من الثمر جَنِيًّا أى: صالحا للأخذ والاجتناء فَكُلِي من ذلك الرطب وَاشْرَبِي من ذلك السرى، وَقَرِّي عَيْناً أى: طيبي نفسا بوجودى تحتك، واطردى عنك الأحزان.

يقال: قرت عين فلان، إذا رأت ما كانت متشوقة إلى رؤيته. مأخوذ من القرار بمعنى الاستقرار والسكون، لأن العين إذا رأت ما تحبه سكنت إليه، ولم تنظر إلى غيره.

وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة، أن مباشرة الأسباب في طلب الرزق أمر واجب وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله، لأن المؤمن يتعاطى الأسباب امتثالا لأمر ربه مع علمه ويقينه أنه لا يقع في ملكه- سبحانه- إلا ما يشاؤه ويريده.

وهنا قد أمر الله- تعالى- مريم- على لسان مولودها- بأن تهز النخلة ليتساقط لها الرطب، مع قدرته- سبحانه- على إنزال الرطب إليها من غير هز أو تحريك، ورحم الله القائل:

ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزي إليك الجذع يساقط الرطب

ولو شاء أن تجنيه من غير هزه ... جنته، ولكن كل شيء له سبب

كما أخذوا منها أن خير ما تأكله المرأة بعد ولادتها الرطب، قالوا: لأنه لو كان شيء أحسن للنفساء من الرطب لأطمعه الله- تعالى- لمريم.

( وهزي إليك بجذع النخلة ) أي : وخذي إليك بجذع النخلة . قيل : كانت يابسة ، قاله ابن عباس . وقيل : مثمرة . قال مجاهد : كانت عجوة . وقال الثوري ، عن أبي داود نفيع الأعمى : كانت صرفانة

والظاهر أنها كانت شجرة ، ولكن لم تكن في إبان ثمرها ، قاله وهب بن منبه ; ولهذا امتن عليها بذلك ، أن جعل عندها طعاما وشرابا ، فقال : ( تساقط عليك رطبا جنيا)

كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) قال: حركيها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) قال: كان جذعًا يابسًا، فقال لها: هزّيه ( تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ).

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، قال: سمعت أبا نهيك يقول: كانت نخلة يابسة.

حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول في قوله: ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) فكان الرطب يتساقط عليها وذلك في الشتاء.

حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) وكان جذعا منها مقطوعا فهزّته، فإذا هو نخلة، وأجري لها في المحراب نهر، فتساقطت النخلة رطبًا جنيا فقال لها فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا .

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وهزّي إليك بالنخلة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: قال مجاهد ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) قال: النخلة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عيسى بن ميمون، عن مجاهد، في قوله ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) قال: العجوة.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عمرو بن ميمون، أنه تلا هذه الآية: ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ) قال: فقال عمرو: ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب ، وأدخلت الباء في قوله: ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) كما يقال: زوجتك فلانة، وزوّجتك بفلانة; وكما قال تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ بمعنى: تنبت الدهن.

وإنما تفعل العرب ذلك، لأن الأفعال تكنى عنها بالباء، فيقال إذا كنيت عن ضربت عمرا: فعلت به، وكذلك كلّ فعل، فلذلك تدخل الباء في الأفعال وتخرج، فيكون دخولها وخروجها بمعنى، فمعنى الكلام: وهزِّي إليك جذع النخلة ، وقد كان لو أن المفسرين كانوا فسروه وكذلك: وهزِّي إليك رطبًا بجذع النخلة، بمعنى: على جذع النخلة، وجها صحيحا، ولكن لست أحفظ عن أحد أنه فسره كذلك. ومن الشاهد على دخول الباء في موضع دخولها وخروجها منه سواء قول الشاعر:

بِـوَادٍ يَمـانٍ يُنْبِـتُ السِّـدْرَ صَـدْرُهُ

وأسْـــفَلُهُ بـــالمَرْخِ والشَّــبَهانِ (13)

واختلف القراء في قراءة قوله ( تَسَّاقَطُ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة والكوفة ( تَسَّاقَطُ) بالتاء من تساقط وتشديد السين، بمعنى: تتساقط عليك النخلة رطبًا جنيا، ثم تُدغم إحدى التاءين في الأخرى فتشدّد (14) وكأن الذين قرءوا ذلك كذلك وجهوا معنى الكلام إلى: وهزِّي إليك بجذع النخلة تساقط النخلة عليك رطبًا : وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة ( تَساقَطُ ) بالتاء وتخفيف السين، ووجه معنى الكلام، إلى مثل ما وجه إليه مشدّدوها، غير أنهم خالفوهم في القراءة. ورُوي عن البراء بن عازب أنه قرأ ذلك ( يُساقِط) بالياء.

حدثني بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا يزيد، عن جرير بن حازم، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب يقرؤه كذلك، وكأنه وجه معنى الكلام إلى: وهزِّي إليك بجذع النخلة يتساقط الجذع عليك رطبًا جنيا.

ورُوي عن أبي نهيك أنه كان يقرؤه ( تُسْقِطُ ) بضمّ التاء وإسقاط الألف.

حدثنا بذلك ابن حميد ، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، قال: سمعت أبا نَهِيك يقرؤه كذلك ، وكأنه وجه معنى الكلام إلى: تسقط النخلة عليك رطبًا جنيا.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن هذه القراءات الثلاث، أعني (تَسَّاقَطُ) بالتاء وتشديد السين، وبالتاء وتخفيف السين، وبالياء وتشديد السين، قراءات متقاربات المعاني، قد قرأ بكل واحدة منهن قرّاء أهل معرفة بالقرآن ، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب الصواب فيه، وذلك أن الجذع إذا تساقط رطبًا، وهو ثابت غير مقطوع، فقد تساقطت النخلة رطبًا، وإذا تساقطت النخلة رطبًا، فقد تساقطت النخلة بأجمعها، جذعها وغير جذعها، وذلك أن النخلة ما دامت قائمة على أصلها، فإنما هي جذع وجريد وسعف ، فإذا قطعت صارت جذعا، فالجذع الذي أمرت مريم بهزّه لم يذكر أحد نعلمه أنه كان جذعًا مقطوعًا غير السديّ، وقد زعم أنه عاد بهزِّها إياه نخلة، فقد صار معناه ومعنى من قال: كان المتساقط. عليها رطبا نخلة واحدا، فتبين بذلك صحة ما قلنا.

وقوله: (جَنِيًّا) يعني مجنيا; وإنما كان أصله مفعولا فصرف إلى فعيل; والمجني: المأخوذ طريا، وكل ما أخذ من ثمرة، أو نقل من موضعه بطراوته فقد اجتني، ولذلك قيل: فلان يجتني الكمأة; ومنه قول ابن أخت جذيمة:

هَـــذَا جَنَــايَ وخِيــارُهُ فِيــهِ

إذْ كُــلُّ جــانٍ يَــدُهُ إلـى فِيـهْ (15)

------------------------

الهوامش:

(13) في ( اللسان : سدر ) السدر : شجر النبق ، واحدتها سدرة . . . والمرخ : شجر كثير الورى سريعه . . وفي ( اللسان : شبه ) الشبهان : نبت يشبه الثمام ، ويقال له الشبهان . قال ابن سيده : والشبهان ( بالتحريك ) والشبهان ( بضمتين ) : ضرب من العضاه ؛ وقيل : هو الثمام ، يمانية ، حكاها ابن دريد. قال رجل من عبد القيس * بـواد يمـان ينبـت الشث صدره *

. . . البيت . قال ابن بري قال أبو عبيدة : البيت للأحول اليشكري . واسمه يعلى . قال : وتقديره : وينبت أسفله المرخ . على أن تكون الباء زائدة .

وإن شئت قدرته : وينبت أسفله بالمرخ ، فتكون الباء للتعدية . لما قدرت الفعل ثلاثيا . وفي الصحاح : الشبهان : هو الثمام من الرياحين . و ( في اللسان : شث ) الشث : ضرب من الشجر عن ابن دريد ، وأنشد البيت : * بـواد يمـان ينبـت الشث فرعه *

إلخ . وقيل : الشث : شجر طيب الريح ، مر الطعم ، يدبغ به . قال أبو الدقيش : وينبت في جبال الغور وتهامة ونجد . والبيت شاهد على أن الباء في قوله " بالمرخ " زائدة ، دخولها كخروجها وهي مثل الباء في قوله تعالى : ( وهزي إليك بجذع النخلة ) . قال في ( اللسان : هز ) الهز : تحريك الشيء ، كما تهز القناة ، فتضطرب وتهز . وهزه يهزه هزا وهز به ، وفي التنزيل العزيز : ( وهزي إليك بجذع النخلة ) أي حركي . والعرب تقول : هزه وهز به إذا حركه . ومثله : خذ الخطام ، وخذ بالخطام ، وتعلق زيدا وتعلق بزيد . قال ابن سيده : وإنما عداه بالباء ، لأن في هزي معنى جري ، ( أمر من الجر ) .

(14) عبارة الجلالين ، بتاءين قبلت الثانية سينا وأدغمت في السين .

(15) البيت في ( اللسان : جنى ) قال : قال أبو عبيد : يضرب هذا مثلا للرجل يؤثر صاحبه بخيار ما عنده . قال أبو عبيد : وذكر ابن الكلبي أن المثل لعمرو بن عدي اللخي بن أخت جذيمة ، وهو أول من قاله ، وإن خذيمة نزل منزلا ، وأمر الناس أن يجتنوا له الكمأة، فكان بعضهم يستأثر بخير ما يجد ، ويأكل طيبها ، وعمرو يأتيه بخير ما يجد ، ولا يأكل منها شيئا ، فلما أتى خاله جذيمة قال : هذا . . . البيت والجنى : ما يجنى من الشجر . ويروى * هــذا جنــاي وهجانـه فيـه *

أي خياره . أه . وقال : وجنيت الثمر أجنيتها واجتنيتها : بمعنى . ابن سيده : جني الثمرة ونحوها وتجناها ، كل ذلك : تناولها من شجرتها وعلى هذا استشهد المؤلف بالبيت .

المعاني :

جَنِيًّا :       غَضًّا جُنِيَ مِنْ سَاعَتِهِ السراج
رُطبًا جنيّا :       صالحا للاجْتِناء أو طريّا معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[25] ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ [ص: 42]، ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ﴾، ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾ [الشعراء: 63]، تعاليم ربانية لإقرار سنة المبادرة، والأخذ بالأسباب، أيوب، ومريم، وموسى من نخبة الخلق فكيف بنا؟!
عمل
[25] ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ خذ بالأسباب.
وقفة
[25] ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ من المحراب ولذة العبادة فيه إلى الحيطان حيث جذوع النخل ومعاناة المخاض، محراب العبودية حيث يريد الله، وليس ما تختاره أنت.
وقفة
[25] ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ أراد منها برغم ما فيها من ألم وتعب، أن تفعل السبب، فيأتيها ما تريد.
وقفة
[25] ﴿أن اضرب بعصاك البحر فانفلق﴾ [الشعراء: 63]، ﴿وهزي إليك بجذع النخلة﴾، لا العصا تشق البحر، ولا اليد المرتعشة تحرك الجذع، ولكنه بذل السبب فالسكون أخو الموت.
وقفة
[25] فى أصعب المواقف لأطهر النساء: ﴿هزى إليك بجذع النخلة﴾، ولأصبر الرجال: ﴿أركض برجلك﴾ [ص: 42]، من الذى أقنعك بأن الحياة عجز وتواكل ووسادة؟!
وقفة
[25] أضعف ما تكون المرأة في المخاض، ولكن قال الله: ﴿وهزي إِليك بجذع النخلة﴾؛ ليعلمنا ربنا الأخذ بالأسباب، ولو قليلة مع التوكل عليه.
وقفة
[25] ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ الهز يكون بالدفع والجذب، لكن أمرت بأن تجذبها إليها، علينا أن نحتضن الذين يمنحوننا من عطائهم، ما أجمل تعبير القرآن!
وقفة
[25] ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ أولياء الله لهم معاملة خاصة، ففي عز امتحانهم يريهم الله من لطفه ما يثبت به فؤادهم.
وقفة
[25] ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ استدل بعض الناس بهذه الآية على أن الإنسان ينبغي له أن يتسبب في طلب الرزق؛ لأن الله أمر مريم بهز النخلة.
وقفة
[25] ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ مع كمال قدرة الله في آياته الباهرة التي أظهرها لمريم، إلا أنه جعلها تعمل بالأسباب ليصلها ثمرة النخلة.
وقفة
[25] ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ أمر الله مريم -المرأة الضعيفة النفساء- بهز جذع النخلة التي تثقل الرجال، والله قادر أن يكرمها برزق -كما في سورة آل عمران-، ليعلم الناس أهمية بذل السبب: ولو شاء أن تجنيه من غير هزة جنته ولكن كل شيء له سبب.
وقفة
[25] ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ يظهر معنى التوكل في الآية الكريمة، فمريم إمرأة ضعيفة ولدت حديثًا، تحتاج إلى الرطب، وهي لا تستطيع أن تعمل، كان الله عز وجل قادرًا على أن ينزل عليها الرطب إكرامًا لها، وقد كان يرزقها من غير سعي وهى قوية، ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: 37]، لكن القرآن يعلمنا أنه ينبغي أن نقدم الأسباب، وإن كان السبب ضعيفًا، حتى لا نتعبّد بالأسباب وننظر إلى أن السبب هو الفاعل، فأعطانا مثالًا لمريم: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾، ينبغي أن تعملي وإن كان عملك في الحقيقة لا يؤدي إلى هز جذع نخلة، ورجل بكامل قوته لا يستطيع أن يهز جذع نخلة، فما بالك بإمرأة ضعيفة وولدت حديثًاً؟! فإذن التوكل أن نقدم كل الأسباب المؤدية إلى النُجاح، ثم تعتقد يقينًا أنه لن يكون هناك نتيجة إلا بتوكلك على الله تعالى، وإلقاء الأمر إليه جلّت قدرته، والأمر إليه من قبل ومن بعد، حتى يبقى المسلم وثيق الصلة بقدر الله سبحانه.
وقفة
[25] ﴿وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا﴾ هذه الآية تبطل عيد الميلاد؛ ذلك أنهم يحتفلون به في الشتاء، وولادة عيسى كانت بالصيف كما تشير الآية.
عمل
[25] ﴿وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا﴾ أيها العاطل: على ربك توكل، وهز جذعك واعمل، وستجني ثمار الأمل.
وقفة
[25] ﴿وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا﴾ الرطب الجني يكون في الصيف، إذن فولادة عيسى ﷺ لم تكن بالشتاء كما تزعم النصارى.
عمل
[25] لا تحتقر شيئًا مهما قلّ، وعليك البدء وعلى الله التمام ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾.
عمل
[25] عليك ببذل السبب, ولا تتواكل ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا﴾.
عمل
[25] تصبح بسبع تمرات ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا﴾.
وقفة
[25] ﴿تُسَاقِطْ﴾ في اللغة تفيد تتابع واستمرار السقوط، أما (تسقط) ليس بالضرورة فيها تتابع يستمر.
وقفة
[25] ﴿تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ لم يتأثر بسقوطه على الأرض رغم نضجه ولينه، هكذا الفرج يأتي المكروب غضًا طريًا تطغى حلاوته على مرارة الوجع.
وقفة
[25] ﴿تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ الرطب الجني الغض قريب التناول، قال غير واحد من السلف: «ما من شيء خيرٌ للنفساء من الرطب، ولو كان لأطعمه الله مريم وقت نفاسها بعيسى»، ومثلها: الصائم المنهك، فإنه يفطر على رطب، فهو أصلح شيء له، ودلت السنة عليه، قبل أن يعرفه الطب الحديث.

الإعراب :

  • ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ:
  • الواو: استئنافية. هزي: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والياء ضمير متصل في محل رفع فاعل. إليك: جار ومجرور متعلق بهزي.
  • ﴿ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ:
  • الباء حرف جر زائد للتأكيد. جذع: اسم مجرور لفظا منصوب محلا بهزي. النخلة: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ تُساقِطْ‍ عَلَيْكِ:
  • فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب-الأمر-وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي عليك. جار ومجرور متعلق بتساقط‍ ويجوز أن يكون «بجذع النخلة» جارا ومجرورا بمعنى: افعلي الهز به.
  • ﴿ رُطَباً جَنِيًّا:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. جنيا: صفة-نعت-لرطبا منصوبة مثلها بالفتحة. بمعنى تسقط‍ عليك بلحا ناضجا آن أوان قطعه. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [25] لما قبلها :     وبعد أن ناداها عيسى عليه السلام، وأخبرها أن تحتها جَدْول ماء؛ لتشرب منه؛ ناداها هنا أن تهز جذعَ النَّخلةِ ليسقط عليها رُطَبًا طازجًا؛ لتأكل منه، قال تعالى:
﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تساقط:
وقرئ:
1- بفتح التاء والسين وشدها بعدها ألف، وفتح القاف، وهى قراءة الجمهور.
2- بفتح التاء، والسين مخففة، بعدهما ألف، وفتح القاف، وهى قراءة الأعمش، وطلحة، وابن وثاب، ومسروق، وحمزة.
3- مضارع «ساقطت» ، وهى قراءة حفص.
4- تتساقط، بتاءين، وهى قراءة أبى السمال.
5- يساقط، بالياء من تحت، مضارع «ساقط» ، وهى قراءة البراء بن عازب، والأعمش.
6- تسقط، بالتاء مضمومة وكسر القاف، وهى قراءة أبى حيوة، ومسروق.
7- يسقط، بالياء مضمومة وكسر القاف.
جنيا:
وقرئ:
بكسر الجيم، اتباعا لحركة النون، وهى قراءة طلحة بن سليمان.

البحث بالسورة

البحث في المصحف