ترتيب المصحف | 2 | ترتيب النزول | 87 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 48.00 |
عدد الآيات | 286 | عدد الأجزاء | 2.40 |
عدد الأحزاب | 4.80 | عدد الأرباع | 19.25 |
ترتيب الطول | 1 | تبدأ في الجزء | 1 |
تنتهي في الجزء | 3 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 1/29 | آلم: 1/6 |
بعدَ القِصاصِ والوَصيةِ تَستمِرُّ الآياتُ في بَيانِ الأحكامِ الشَّرعيةِ: وجُوبُ الصِّيامِ على هذه الأمَّةِ، وبعضُ أحكامِه مثل: جوازُ الفِطرِ للمريضِ والمُسافرِ وأنَّ عليهما القَضَاءُ.
لمَّا أوجبَ الصيامَ ولم يُعَيَّن اليومَ أو الشهرَ المطلوبَ صيامُه عَيَّنَ هنا شهرَ رمضانَ وبَيَّنَ فضلَهُ، ثُمَّ إعادةُ ذكرِ الرخصةِ للمريضِ والمسافرِ، ثُمَّ ذكرُ الدعاءِ وسطَ آياتِ الصومِ للفتِ النظرِ لأهميةِ دعاءِ الصائمينَ
التفسير :
وأما الوصية التي فيها حيف وجنف, وإثم، فينبغي لمن حضر الموصي وقت الوصية بها, أن ينصحه بما هو الأحسن والأعدل, وأن ينهاه عن الجور والجنف, وهو:الميل بها عن خطأ, من غير تعمد, والإثم:وهو التعمد لذلك. فإن لم يفعل ذلك, فينبغي له أن يصلح بين الموصى إليهم, ويتوصل إلى العدل بينهم على وجه التراضي والمصالحة, ووعظهم بتبرئة ذمة ميتهم فهذا قد فعل معروفا عظيما, وليس عليهم إثم, كما على مبدل الوصية الجائزة، ولهذا قال:{ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} أي:يغفر جميع الزلات, ويصفح عن التبعات لمن تاب إليه, ومنه مغفرته لمن غض من نفسه, وترك بعض حقه لأخيه, لأن من سامح, سامحه الله، غفور لميتهم الجائر في وصيته, إذا احتسبوا بمسامحة بعضهم بعضا لأجل براءة ذمته، رحيم بعباده, حيث شرع لهم كل أمر به يتراحمون ويتعاطفون، فدلت هذه الآيات على الحث على الوصية, وعلى بيان من هي له, وعلى وعيد المبدل للوصية العادلة, والترغيب في الإصلاح في الوصية الجائرة.
ثم استثنى - سبحانه - حالة يجوز فيها التغيير فقال ، ( فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ ) .
خاف : من الخوف ، وهو في الأصل حالة تعتري النفس عند الانقباض من شر يتوقع حصوله على سبيل الظن أو على سبيل العلم .
والجنف : الميل والجور . يقال : جنف في وصيته وأجنف، مال وجار، فهو جنف وأجنف . وقيل : أجنف مختص بالوصية وجنف في مطلق الميل عن الحق . ويقال : جنف وجنف عن طريقة جنفاً وجنوفاً .
والإِثم : العمل الذي يبغضه الله . يقال : أثم فهو آثم وأثيم .
قال بعضهم : والمراد بالجنف هنا : الميل عن الحق في الوصية خطأ ، بقرينة مقابلته بالإِثم وهو الميل عن الحق فيها عمداً .
هذا ، ويرى جمهور العلماء أن هذه الآية الكريمة واردة في الوصي يرى أن الموصي قد حاد في وصيته عن حدود العدل ، فللوصي حينئذ أن يصلح فيها بحيث يجعلها متفقة مع ما شرعه الله ، وهو في هذه الحالة لا إثم عليه لأنه قد غير الباطل بالحق وعلى هذا الرأي يكون المعنى : أن الوصي إذا رأى في الوصية ميلا عن الحق خطأ أو عمداً وأصلح بين الموصي لهم يردهم إلى الوجه المشروع فلا إثم عليه في التغيير في الوصية .
والضمير في قوله : ( بَيْنَهُمْ ) عائد على الموصي لهم .
ويرى آخرون أن هذه الآية واردة في شأن كل من يبغي الإِصلاح من الناس ، بأن يرى الموصِي يوصِي ، فظهر له - أي هذا المصلح - أن الموصِي قد جانب العدل والصواب في وصيته ، فيأخذ في الإِصلاح ، بأن يرشده بأن فعله هذا لا يتفق مع شريعة العدل التي أمر بها الله ، ويحاول قدر استطاعته أن يزيل ما حدث من خلاف بين الموصِي والموصَى لهم .
وعلى هذا الرأي يكون المعنى : إن خرج الموصِي في وصيته عن حدود العدالة ، ورأى أمارات ذلك منه من يريد الإِصلاح من الناس ، وتوقع أن شراً سيترتب على هذه الوصية التي فيها جور ، أو شاهد نزاعاً بين الموصى لهم بسبب ذلك ، فلا إثم على هذا المصلح في أن يصلح بين الموصِى والموصَى لهم ، وأن يرشد الموصى إلى سلوك طريق العدل والحق . وعليه فيكون الضمير في قوله : ( بَيْنَهُمْ ) يعود على الموصى والموصى لهم .
ويبدو لنا أن الرأي الأول أقرب إلى الصواب ، لأن سياق الآية يؤيده ، إذ هي بمنزلة الاستثناء من قوله - تعالى - : ( فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ ) . . وهذا إنما يكون بعد موت الموصِى لا في حياته .
وقوله : ( إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) تذييل أتى به - سبحانه - للوعد بالثواب للمصلح على إصلاحه ، فإن من يغفر الذنوب ويرحم المذنبين تكون مغفرته ورحمته أقرب إلى من يقصد بعمله الإِصلاح ولو اعتمد على ظن غالب أو أخطأ وجه الصواب فيما أتى من أعمال .
وبهذا تكون الآيات الكريمة قد بينت للناس حكما آخر من أحكامها السامية ، يتعلق بالوصية في الأموال ، وفي هذا الحكم دعوة إلى التراحم والتكافل ، وغرس لأواصر المودة والمحبة بين الأبناء والآباء وبين الأقارب بعضهم مع بعض .
وقوله : ( فمن خاف من موص جنفا أو إثما ) قال ابن عباس ، وأبو العالية ، ومجاهد ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي : الجنف : الخطأ . وهذا يشمل أنواع الخطأ كلها ، بأن زاد وارثا بواسطة أو وسيلة ، كما إذا أوصى ببيعه الشيء الفلاني محاباة ، أو أوصى لابن ابنته ليزيدها ، أو نحو ذلك من الوسائل ، إما مخطئا غير عامد ، بل بطبعه وقوة شفقته من غير تبصر ، أو متعمدا آثما في ذلك ، فللوصي والحالة هذه أن يصلح القضية ويعدل في الوصية على الوجه الشرعي . ويعدل عن الذي أوصى به الميت إلى ما هو أقرب الأشياء إليه وأشبه الأمور به جمعا بين مقصود الموصي والطريق الشرعي . وهذا الإصلاح والتوفيق ليس من التبديل في شيء . ولهذا عطف هذا فبينه على النهي لذلك ، ليعلم أن هذا ليس من ذلك بسبيل ، والله أعلم .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد ، قراءة ، أخبرني أبي ، عن الأوزاعي ، قال الزهري : حدثني عروة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " يرد من صدقة الحائف في حياته ما يرد من وصية المجنف عند موته " .
وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه ، من حديث العباس بن الوليد ، به .
قال ابن أبي حاتم : وقد أخطأ فيه الوليد بن مزيد . وهذا الكلام إنما هو عن عروة فقط . وقد رواه الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، فلم يجاوز به عروة .
وقال ابن مردويه أيضا : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عمر بن المغيرة ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحيف في الوصية من الكبائر " .
وهذا في رفعه أيضا نظر . وأحسن ما ورد في هذا الباب ما قال عبد الرزاق :
حدثنا معمر ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة ، فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله ، فيدخل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ، فيعدل في وصيته ، فيختم له بخير عمله ، فيدخل الجنة " . قال أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ) [ البقرة : 229 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية.
فقال بعضهم: تأويلها: فمن حضر مريضًا وهو يوصي عند إشرافه على الموت, فخاف أن يخطئ في وصيته فيفعل ما ليس له، أو أن يعمد جورًا فيها فيأمر بما ليس له الأمر به, فلا حرج على من حَضره فسمع ذلك منه أنْ يصلح بينه وبين وَرَثته، بأن يأمره بالعدل في وصيته, وأن ينهاهم عن مَنعه مما أذن الله له فيه وأباحه له.
* ذكر من قال ذلك:
2690- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " فمن خَافَ من مُوص جَنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه "، قال: هذا حين يُحْضَر الرجلُ وهو يموت, فإذا أسرف أمروه بالعدل، وإذا قصَّر قالوا: افعل كذا, أعطِ فلانًا كذا.
2691- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: " فمن خَافَ من مُوص جَنفا أو إثما "، قال: هذا حين يُحْضَر الرجلُ وهو في الموت, فإذا أشرف على الجور أمروه بالعدل, (1) وإذا قصر عن حق قالوا : افعل كذا, أعط فلانًا كذا.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن خافَ - من أولياء ميت، (2) أو وَالِي أمر المسلمين - من مُوص جنفا في وصيته التي أوصى بها الميت, فأصلح بين وَرَثته وبين الموصى لهم بما أوصَى لهم به, فرد الوصية إلى العدل والحقّ، فلا حرج ولا إثم.
* ذكر من قال ذلك:
2692- حدثني المثنى, حدثنا أبو صالح كاتب الليث, حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله: " فمن خاف من مُوص جَنفًا " -يعني: إثْمًا- يقول: إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها, فليس على الأولياء حرجٌ أن يردوا خطأه إلى الصواب.
2693- حدثنا الحسن بن يحيى، (3) حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " فمن خافَ من مُوص جَنفًا أو إثمًا "، قال: هو الرجل يُوصي فيحيف في وصيته، فيردها الوليّ إلى الحقّ والعدل. (4)
2694- حدثنا بشر بن معاذ, حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: " فمن خاف من مُوص جَنفًا أو إثمًا "، وكان قتادة يقول: من أوصى بجورٍ أو حيْف في وصيته فردها وَليّ المتوفى أو إمام من أئمة المسلمين، إلى كتاب الله وإلى العدل, فذاك له.
2695- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: " فمن خَافَ من مُوص جَنفًا أو إثمًا "، فمن أوصى بوصية بجور، فردَّه الوصيُّ إلى الحق بعد موته، فلا إثم عليه - قال عبد الرحمن في حديثه: " فاصلح بينهم "، يقول: رده الوصيّ إلى الحق بعد موته، فلا إثم عليه.
2696- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن أبيه, عن إبراهيم: " فمن خافَ من مُوص جَنفًا أو إثمًا فأصْلح بينهم "، قال: رده إلى الحق.
2697- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا إسرائيل, عن سعيد بن مسروق, عن إبراهيم قال، سألته عن رجل أوصى بأكثر من الثلث؟ قال: اردُدها. ثم قرأ: " فمن خاف من مُوص جَنفًا أو إثمًا ".
2698- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ قال، حدثنا أبو جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس: " فمن خاف من مُوص جَنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه "، قال: رده الوصي إلى الحق بعد موته، فلا إثم على الوصي.
* * *
وقال بعضهم: بل معنى ذلك: فمن خاف من موص جنفًا أو إثمًا في عطيته عند حضور أجله بعضَ ورثته دون بعض, فلا إثم على من أصلح بينهم = يعني: بين الورثة.
* ذكر من قال ذلك:
2699- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال: قلت لعطاء قوله: " فمن خاف من موص جَنفًا أو إثمًا "، قال: الرجل يحيف أو يأثم عند موته، فيعطي ورثته بعضَهم دون بعض, يقول الله: فلا إثم على المصلح بينهم. فقلت لعطاء: أله أن يُعطي وارثه عند الموت, إنما هي وصية, ولا وصية لوارث؟ قال: ذلك فيما يَقسم بينهم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن خاف من مُوص جنفًا أو إثمًا في وصيته لمن لا يرثه، بما يرجع نفعه على من يَرثه، فأصلح بينَ وَرَثته، فلا إثم عليه.
* ذكر من قال ذلك:
2700- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني ابن طاوس, عن أبيه أنه كان يَقول: جَنفُه وإثمه، أنْ يوصي الرجل لبني ابنه ليكونَ المالُ لأبيهم, وتوصي المرأة لزوج ابنتها ليكون المال لابنتها؛ وذو الوارث الكثير والمالُ قليل، فيوصي بثلث ماله كله، فيصلح بينهم الموصَى إليه أو الأمير. قلت: أفي حياته أم بعد موته؟ قال: ما سمعنا أحدًا يقول إلا بعد موته, وإنه ليوعظ عند ذلك.
2701- حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة, عن ابن طاوس, عن أبيه في قوله: " فمن خافَ من موص جَنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم "، قال: هو الرجل يوصي لولد ابنته.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن خاف من موص لآبائه وأقربائه جَنفًا على بعضهم لبعض، فأصلح بين الآباء والأقرباء، فلا إثم عليه.
* ذكر من قال ذلك:
2702- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " فمن خافَ من مُوص جَنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه ". أما " جنفًا ": فخطأ في وصيته، وأما " إثمًا ": فعمدًا يَعمد في وصيته الظلم. فإن هذا أعظمُ لأجره أن لا يُنفذها, ولكن يصلح بينهم على ما يرى أنه الحق، ينقص بعضًا ويزيد بعضًا. قال: ونـزلت هذه الآية في الوالدين والأقربين.
2703- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فمن خافَ من مُوص جَنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم فلا إثم عليه "، قال: " الجنَف " أن يحيف لبعضهم على بعض في الوصية," والإثم " أن يكون قد أثم في أبويه بعضهم على بعض," فأصلح بينهم " الموصَى إليه بين الوالدين والأقربين - الابن والبنون هُم " الأقربون " - فلا إثم عليه. فهذا الموصَى الذي أوْصى إليه بذلك، وجعل إليه، فرأى هذا قد أجنفَ لهذا على هذا، فأصلح بينهم فلا إثم عليه, فعجز الموصِي أن يوصي كما أمره الله تعالى، وعجز الموصَى إليه أن يصلح، فانتزع الله تعالى ذكره ذلك منهم، ففرضَ الفرائض.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل الآية أن يكون تأويلها: فمن خاف من مُوصٍ جَنفًا أو إثمًا = وهو أن يميل إلى غير الحق خطأ منه، أو يتعمد إثمًا في وصيته، بأن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه بأكثر مما يجوز له أن يوصي لهم به من ماله, وغير ما أذن الله له به مما جاوز الثلث أو بالثلث كله، وفي المال قلة, وفي الوَرَثة كثرةٌ = فلا بأس على من حضره أن يصلح بين الذين يُوصَى لهم، وبين ورثة الميت، وبين الميت, بأن يأمرَ الميت في ذلك بالمعروف ويعرِّفه ما أباح الله له في ذلك وأذن له فيه من الوصية في ماله, وينهاه أن يجاوز في وصيته المعروف الذي قال الله تعالى ذكره في كتابه: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ، وذلك هو " الإصلاح " الذي &; 3-404 &; قال الله تعالى ذكره: " فأصلح بينهم فلا إثم عليه ". وكذلك لمن كان في المال فَضْل وكثرةٌ وفي الورثة قِلة, فأراد أن يقتصر في وصيته لوالديه وأقربيه عن ثلثه, فأصلح من حَضرَه بينه وبين ورثته وبين والديه وأقربيه الذين يريد أن يوصى لهم، بأن يأمر المريض أن يزيد في وصيته لهم, ويبلغ بها ما رَخّص الله فيه من الثلث. فذلك أيضًا هو من الإصلاح بينهم بالمعروف.
وإنما اخترنا هذا القول، لأن الله تعالى ذكره قال: " فمن خَاف من موص جَنفًا أو إثمًا "، يعني بذلك: فمن خاف من موص أن يَجْنَف أو يَأثم. فخوفُ الجنف والإثم من الموصي، إنما هو كائن قبل وقوع الجنف والإثم, فأما بعد وجوده منه، فلا وجه للخوف منه بأن يَجنف أو يأثم, بل تلك حال مَنْ قد جَنفَ أو أثم, ولوْ كان ذلك معناه لقيل: فمن تبيّن من مُوص جَنفًا أو إثمًا -أو أيقن أو علم- ولم يقل: فمن خَافَ منه جَنفًا.
* * *
فإن أشكل ما قلنا من ذلك على بعض الناس فقال: فما وجه الإصلاح حينئذ، والإصلاح إنما يكون بين المختلفين في الشيء؟
قيل: إنّ ذلك وإن كان من معاني الإصلاح, فمن الإصلاح الإصلاحُ بين الفريقين، (5) فيما كان مخوفًا حدوثُ الاختلاف بينهم فيه، بما يؤمن معه حُدوث الاختلاف. لأن " الإصلاح "، إنما هو الفعل الذي يكون معه إصلاحُ ذات البين, فسواء كان ذلك الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين - قبلَ وقوع الاختلاف أو بعد وقوعه.
فإن قال قائل: فكيف قيل: " فأصلح بينهم ", ولم يجر للورثة ولا للمختلفين، أو المخوف اختلافهم، ذكرٌ؟
قيل: بل قد جرى ذكر الذين أمر تعالى ذكره بالوصية لهم, وهم والدا المُوصي وأقربوه، والذين أمروا بالوصية في قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ، ثم قال تعالى ذكره: " فمن خافَ من مُوص " -لمن أمرته بالوصية له-" جَنفًا أو إثمًا فأصلح بينهم " -وبين من أمرته بالوصية له-" فلا إثم عليه ". والإصلاح بينه وبينهم، هو إصلاح بينهم وبين ورثة الموصي.
* * *
قال أبو جعفر: وقد قرئ قوله: " فمنْ خَافَ منْ مُوص " بالتخفيف في" الصاد " والتسكين في" الواو " - وبتحريك " الواو " وتشديد " الصاد ".
فمن قرأ ذلك بتخفيف " الصاد " وتسكين " الواو "، فإنما قرأه بلغة من قال: " أوصيتُ فلانًا بكذا ".
ومن قرأ بتحريك " الواو " وتشديد " الصاد "، قرأه بلغة من يقول: " وصَّيت فلانًا بكذا ". وهما لغتان للعرب مشهورتان: " وصَّيتك، وأوصيتك " (6)
وأما " الجنف "، فهو الجورُ والعدول عن الحق في كلام العرب, ومنه قول الشاعر: (7)
هُــمُ المَــوْلَى وَإِنْ جَـنَفُوا عَلَيْنَـا
وَإِنَّـــا مِـــنْ لِقَــائِهِمُ لَــزُورُ (8)
يقال منه: " جَنف الرجل على صاحبه يَجنَف " -إذا مال عليه وجَار-" جَنفًا ".
* * *
فمعنى الكلام من خاف من موص جَنفًا له بموضع الوصية, وميلا عن الصواب فيها, وجورًا عن القصد أو إثمًا بتعمده ذلك على علم منه بخطأ ما يأتي من ذلك، فأصلح بينهم, فلا إثم عليه.
* * *
وبمثل الذي قلنا في معنى " الجنف "" والإثم "، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
2704- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه, عن ابن عباس في قوله: " فمن خاف من موص جَنفًا "، يعني بالجنف: الخطأ.
2705- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح, عن عبد الملك, عن عطاء: " فمن خاف من موص جَنفًا "، قال: ميلا.
2706- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك, عن عطاء مثله.
2707- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا خالد بن الحارث ويزيد بن هارون قالا حدثنا عبد الملك, عن عطاء مثله.
2708- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر, عن الضحاك قال: الجنفُ الخطأ, والإثم العمد.
2709- حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا [أبو أحمد] الزبيري قال، حدثنا هشيم, عن جويبر, عن عطاء مثله.
2710- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " فمن خاف من مُوص جَنفًا أو إثمًا "، أما " جَنفًا " فخطأ في وصيته، وأما " إثمًا ": فعمدًا، يعمد في وصيته الظلم. (9)
2711- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " فمن خَافَ من مُوص جنفًا أو إثمًا "، قال: خطأً أو عمدًا. (10)
2712- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر، عن أبي جعفر, عن الربيع: " فمن خَاف من مُوص جَنفًا أو إثمًا "، قال: الجنف الخطأ, والإثم العمد.
2713- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع بن أنس مثله.
2714- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا قبيصة, عن سفيان، عن أبيه, عن إبراهيم: " فمن خاف من مُوص جَنفًا أو إثمًا "، قال: الجنف: الخطأ, والإثم العمد.
2715- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا فضيل بن مرزوق, عن عطية: " فمن خاف من مُوص جَنفًا "، قال: خطأ," أو إثمًا " متعمدًا.
2716- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق, عن ابن عيينة, عن ابن طاوس, عن أبيه: " فمن خَافَ من مُوص جَنفًا "، قال: ميلا.
2717- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " جَنفًا " حَيْفًا," والإثم " ميله لبعض على بعض. وكلّه يصير إلى واحد، كما يكون " عفوًّا غَفورًا " و " غَفورًا رَحيمًا ".
2718- حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: الجنف الخطأ, والإثم: العمد.
2719- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، حدثنا الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك قال: الجنف الخطأ, والإثم العمد. (11)
* * *
وأما قوله: " إنّ الله غَفورٌ رَحيم "، فإنه يعني: والله غَفورٌ للموصي (12) = فيما كان حدَّث به نفسه من الجنف والإثم, إذا تَرَك أن يأثم ويَجنف في وصيته, فتجاوزَ له عما كان حدَّث به نفسه من الجور, إذ لم يُمْضِ ذلك فيُغْفِل أن يؤاخذه به (13) =" رحيمٌ" بالمصلح بينَ المُوصي وبين من أراد أن يَحيف عليه لغيره، أو يَأثَم فيه له.
----------------
الهوامش :
(1) في المطبوعة : "فإذا أشرف على الموت أمروه بالعدل" ، وهو لا يستقيم مع سياق الخبر ، ولا مع الخبر الذي قبله عن مجاهد أيضًا . ورجحت أن يكون الناسخ صحف"الجور" فجعلها"الموت" أو سها أو سبق قلمه . أو لعله أخطأ وصحف وزاد ، وأن أصل عبارته كالسياق قبله : "فإذا أسرف أمروه بالعدل" . وكلاهما جائز ، وصواب في المعنى .
(2) في المطبوعة : "أوصياء ميت" ، وهما سواء .
(3) في المطبوعة : "الحسن بن عيسى" وهو خطأ صرف ، وهو إسناد دائر في التفسير أقربه إلينا رقم : 2684 .
(4) في المطبوعة : "الوالي" ، والصواب ما أثبت ، أي ولي الميت .
(5) في المطبوعة : "فمن الإصلاح بين الفريقين . . " ، والصواب زيادة ، "الإصلاح" ، كما يدل عليه السياق .
(6) انظر تفسير (وصى) فيما سلف من هذا الجزء 3 : 93-96 .
(7) هو عامر الخصفي ، من بني خصفة بن قيس عيلان .
(8) مجاز القرآن لأبي عبيدة : 66 ، 67 ، ومشكل القرآن : 219 ، واللسان (جنف) (ولي) . والمولى : ابن العم ، وأقام المفرد مقام الجمع ، وأراد"المولى" ، قال أبو عبيدة هو كقوله تعالى : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) وزور جمع أزور : وهو المائل عن الشيء . يقول : هم أبناء عمنا ، ونحن نكره أن نلاقيهم فنقاتلهم ، لما لهم من حق الرحم .
(9) الأثر : 2710- مضى رقم : 2702 مطولا .
(10) الأثر : 2711- كان في المطبوعة : "فمن خاف من موص جنفًا" قال : جنفًا إثما" ، وهي عبارة مضطربة فاسدة ، فلم أستجز تركها على فسادها ونقلت قول مجاهد الذي أخرجه سفيان بن عيينة وعبد بن حميد فيما نقله السيوطي في الدر المنثور 1 : 175 .
(11) الخبر : 2719- الحسين بن الفرج الخياط البغدادي : شيخ لا يعبأ بروايته ، قال فيه ابن معين : "كذاب ، صاحب سكر ، شاطر"؛ مترجم في ابن أبي حاتم 1/2/62-63 ، وتاريخ إصبهان 1 : 266-267 ، وتاريخ بغداد 8 : 84-86 ، ولسان الميزان 2 : 307 . والطبري يروي عنه في التفسير كثيرًا بإسناد مجهول ، يقول : "حدثت عن الحسين بن الفرج" . ولعل ذلك من أجل ضعف حديثه ، فلا يصل الإسناد إليه . وصرح في بعض مرات في التاريخ باسم من حدثه عنه ، انظر التاريخ 1 : 30 ، 42 .
ويقع اسمه في المطبوعة على الصواب ، كما في 2898 . وكثيرًا ما يقع خطأ مصفحًا : "الحسن بن الفرج" ، كما في هذا الموضع ، وكما في : 2750 . ومن ذلك ما مضى : 691 ، وقلت هناك : "لم أعرف من هو؟" . فيصحح في ذاك الموضع ، وحيثما جاء في التفسير .
الفضل بن خالد : مضت ترجمته : 691 .
(12) كان في المطبوعة : "غفور رحيم للموصى . . " ، وليس صوابًا ، وسياق عبارته دال على صواب ما أثبتنا .
(13) في المطبوعة : "فيفعل أن يؤاخذه به" ، ولعل الصواب ما أثبت .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 173 | ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ |
---|
البقرة: 182 | ﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
خاف:
وقرئ:
بالإمالة، وهى قراءة حمزة.
موص:
قرئ:
1- موص، من «وصى» .
2- موص، من «أوصى» .
جنفا:
قرئ:
1- بالجيم والنون، وهو الخطأ، وهى قراءة الجمهور.
2- بالحاء والياء، وهو البخس، وهى قراءة على.
التفسير :
يخبر تعالى بما منَّ به على عباده, بأنه فرض عليهم الصيام, كما فرضه على الأمم السابقة, لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان. وفيه تنشيط لهذه الأمة, بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال, والمسارعة إلى صالح الخصال, وأنه ليس من الأمور الثقيلة, التي اختصيتم بها. ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال:{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى, لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه. فمما اشتمل عليه من التقوى:أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها, التي تميل إليها نفسه, متقربا بذلك إلى الله, راجيا بتركها, ثوابه، فهذا من التقوى. ومنها:أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى, فيترك ما تهوى نفسه, مع قدرته عليه, لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها:أن الصيام يضيق مجاري الشيطان, فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم, فبالصيام, يضعف نفوذه, وتقل منه المعاصي، ومنها:أن الصائم في الغالب, تكثر طاعته, والطاعات من خصال التقوى، ومنها:أن الغني إذا ذاق ألم الجوع, أوجب له ذلك, مواساة الفقراء المعدمين, وهذا من خصال التقوى.
وبعد أن تحدثت السورة الكريمة عن القصاص وعن الوصية أتبعتها بالحديث عن عبادة عظيمة من العبادات التي جعلها الله - تعالى - ركناً من أركان الإِسلام وهي صوم رمضان ، فقال - سبحانه - :
( ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام . . . )
الصيام مصدر صام كالقيام مصدر قام ، وهو في اللغة : الإِمساك وترك التنقل من حال إلى حال ، فيقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام ومنه قوله - تعالى - مخبراً عن مريم : ( إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً ) أي : سكوتاً عن الكلام . وصوم الريح ركودها وإمساكها عن الهبوب وتقول العرب : صام النهار وصامت الشمس عند قيام الظهيرة لأنها كالممسكة عن الحركة .
أما الصيام في عرف الشرع فهو - كما يقول الآلوسي - إمساك عن أشياء مخصوصة على وجه مخصوص في زمان مخصوص ممن هو على صفات مخصوصة .
وقد فرض الله - تعالى - على المسلمين صيام شهر رمضان في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة وعده النبي صلى الله عليه وسلم أحد أركان الإِسلام الخمسة ، فقد روى البخاري - بسنده - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بني الإِسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان " .
وأل في الصيام للعهد الذهني ، فقد كان العرب يعرفون الصوم ، فقد جاء في الصحيحين عن عائشة قالت : " كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش والجاهلية " .
والتشبيه في قوله - تعالى - : ( كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ ) راجع إلى أصل إيجاب الصوم وفريضته . أي : أن عبادة الصوم كانت مكتوبة ومفروضة على الأمم السابقة ، ولكن بكيفية لا يعلمها إلا الله ، إذ لم يرد نص صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لنا فيه كيف كان صيام الأمم السابقة على الأمة الإسلامية .
وقيل إن التشبيه راجع إلى وقت الصوم وقدره ، فقد روى عن مجاهد أنه قال : كتب الله - عز وجل - صوم شهر رمضان على كل أمة .
ولفظ " كما " في قوله - تعالى - : ( كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ ) في موضع نصب على المصدر ، أي : فرض عليكم الصيام فرضاً كالذي فرض على الذين من قبلكم .
ومن فوائد هذا التشبيه ، الاهتمام بهذه العبادة والتنويه بشأنها إذ شرعها - سبحانه - لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم ولأتباع الرسل الذين سبقوه في الدعوة إلى توحيد الله ، وهذا مما يقتضي وفرة ثوابها ، وداوم صلاحها .
كذلك من فوائد تسهيل هذه العبادة على المسلمين؛ لأن الشيء الشاق تخف مشقته على الإِنسان عند ما يعلم أن غيره قد أداه من قبله .
والفائدة الثالثة من هذا التشبيه إثارة العزائم والهمم للنهوض بهذه العبادة ، حتى لا يكونوا مقصرين في أدائها ، بل يجب عليهم أن يؤدوها بقوة تفوق من سبقهم لأن الأمة الإِسلامية قد وصفها سبحانه بأنها خير أمة أخرجت للناس وهذه الخيرية تقتضي منهم النشاط فيما كلفهم الله بأدائه من عبادات .
وقوله : ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) جملة تعليلة جيء بها لبيان حكمة مشروعية الصيام فكأنه - سبحانه - يقول لعباده المؤمنين : فرضنا عليكم الصيام كما فرضناه على الذين من قبلكم ، لعلكم بأدائكم لهذه الفريضة تنالون درجة التقوى والخشية من الله ، وبذلك تكونون ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه . ولا شك أن هذه الفريضة ترتفع بصاحبها إلى أعلى عليين متى أداها بآدابها وشروطها ، ويكفى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال في شأن الصوم : " الصوم جنة " أي : وقاية . إذ في الصوم وقاية من الوقوع في المعاصي ، ووقاية من عذاب الآخرة ، ووقاية من العلل والأمراض الناشئة عن الإِفراط في تناول بعض الأطعمة والأشربة .
وقوله : ( أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ ) أي : معينات بالعد أو قليلات ، لأن القليل يسهل عده فيعد والكثير يؤخذ جزافاً .
والمراد بهذه الأيام المعدودات شهر رمضان عند جمهور العلماء .
قالوا : وتقريره أنه - سبحانه - قال أولا ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام ) وهذا محتمل ليوم ويومين ثم بينه بقوله : ( أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ ) فزال بعض الاحتمال ثم بينه بقوله : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن ) فعلى هذا الترتيب يمكن جعل الأيام المعدودات بعينها شهر رمضان ، وإذا أمكن ذلك فلا وجه لحمله على غيره .
وإنما عبر عن رمضان بأيام وهي جمع قلة ووصف بمعدودات وهي جمع قلة - أيضاً - تهوينا لأمره على المكلفين ، وإشعاراً لهم بأن الله - تعالى - ما فرض عليهم إلا ما هو في وسعهم وقدرتهم .
وقيل : إن المراد بالأيام المعدودات غير رمضان ، وذكروا أن المراد بها ثلاثة أيام من كل شهر وهي الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر مضافاً إليها يوم عاشوراء . ثم نسخ ذلك بوجوب صوم شهر رمضان .
والمعتمد بين المحققين من العلماء هو القول الأول ، لأنه - كما قال الإِمام الرازي - لا وجه لحمله على غيره ، والقول بالنسخ زيادة لا دليل عليها .
يقول تعالى مخاطبا للمؤمنين من هذه الأمة وآمرا لهم بالصيام ، وهو : الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل ، لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة . وذكر أنه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على من كان قبلهم ، فلهم فيه أسوة ، وليجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك ، كما قال تعالى : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات ) [ المائدة : 48 ] ، ولهذا قال هاهنا : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) لأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان ; ولهذا ثبت في الصحيحين : " يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " ثم بين مقدار الصوم ، وأنه ليس في كل يوم ، لئلا يشق على النفوس فتضعف عن حمله وأدائه ، بل في أيام معدودات . وقد كان هذا في ابتداء الإسلام يصومون من كل شهر ثلاثة أيام ، ثم نسخ ذلك بصوم شهر رمضان ، كما سيأتي بيانه . وقد روي أن الصيام كان أولا كما كان عليه الأمم قبلنا ، من كل شهر ثلاثة أيام عن معاذ ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وعطاء ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم . وزاد : لم يزل هذا مشروعا من زمان نوح إلى أن نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان .
وقال عباد بن منصور ، عن الحسن البصري : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات ) فقال : نعم ، والله لقد كتب الصيام على كل أمة قد خلت كما كتب علينا شهرا كاملا وأياما معدودات : عددا معلوما . وروي عن السدي ، نحوه .
وروى ابن أبي حاتم من حديث أبي عبد الرحمن المقري ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني عبد الله بن الوليد ، عن أبي الربيع ، رجل من أهل المدينة ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم . . " في حديث طويل اختصر منه ذلك .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عمن حدثه عن ابن عمر ، قال أنزلت : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم [ لعلكم تتقون ] ) كتب عليهم إذا صلى أحدهم العتمة ونام حرم [ الله ] عليه الطعام والشراب والنساء إلى مثلها .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن عباس ، وأبي العالية ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، ومقاتل بن حيان ، والربيع بن أنس ، وعطاء الخراساني ، نحو ذلك .
وقال عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : ( كما كتب على الذين من قبلكم ) يعني بذلك : أهل الكتاب . وروي عن الشعبي والسدي وعطاء الخراساني ، مثله .
القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " يا أيها الذين آمنوا "، يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا بهما وأقرُّوا. (14)
ويعني بقوله: " كتب عليكم الصيام "، فرض عليكم الصيام. (15)
و " الصيام " مصدر، من قول القائل: " صُمت عن كذا وكذا " -يعني: كففت عنه-" أصوم عَنه صوْمًا وصيامًا ". ومعنى " الصيام "، الكف عما أمر الله بالكف عنه. ومن ذلك قيل: " صَامت الخيل "، إذا كفت عن السير، ومنه قول نابغة بني ذبيان:
خَـيْلٌ صِيَـامٌ, وخَـيْلٌ غَـيْرُ صَائِمَةٍ
تَحْـتَ العَجَـاجِ, وأُخْـرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا (16)
ومنه قول الله تعالى ذكره: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [سورة مريم: 26] يعني: صمتًا عن الكلام.
* * *
وقوله: " كما كُتب على الذين من قبلكم "، يعني فرض عليكم مثل الذي فرض على الذين منْ قبلكم.
* * *
قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله: " كما كُتبَ على الذين من قبلكم "، وفي المعنى الذي وَقعَ فيه التشبيه بين فرضِ صَومنا وصوم الذين من قبلنا.
فقال بعضهم: الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا، أنه كمثل الذي كان عليهم، هم النصارى. وقالوا: التشبيه الذي شَبه من أجله أحدَهما بصاحبه، هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضُه.
* ذكر من قال ذلك:
2720- حدثت عن يحيى بن زياد, عن محمد بن أبان [القرشي]، عن أبي أمية الطنافسي, عن الشعبي أنه قال: لو صُمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه فيقال: من شعبان، ويقال: من رمضان. وذلك أن النصارى فُرض عليهم شهر رَمضان كما فرض علينا فحوَّلوه إلى الفصل. وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ يعدون ثلاثين يومًا. (17) ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم، فصاموا قبل الثلاثين يومًا وبعدها يومًا. ثم لم يزل الآخر يُستن سنّة القرن الذي قبله حَتى صارت إلى خمسين. (18) فذلك قوله: " كتبَ عليكم الصيام كما كتبَ عَلى الذين من قَبلكم "، (19)
* * *
وقال آخرون: بل التشبيه إنما هو من أجل أنّ صومهم كان من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة. وذلك كان فرضُ الله جَل ثناؤه على المؤمنين في أول ما افترض عليهم الصوم. ووافق قائلو هذا القول القائلي القولَ الأوَّلَ: أن الذين عَنى الله جل ثناؤه بقوله: " كما كُتبَ على الذين من قبلكم "، النصارى.
* ذكر من قال ذلك:
2721- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "، أما الذين من قبلنا: فالنصارى, كتب عليهم رمضان, وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم, ولا ينكحوا النساءَ شهر رمضان. فاشتد على النصارى صيامُ رمَضان, وجعل يُقَلَّبُ عليهم في الشتاء والصيف. فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صيامًا في الفصل بين الشتاء والصيف, وقالوا: نـزيد عشرين يومًا نكفّر بها ما صنعنا! فجعلوا صيامهم خمسين. فلم يزل المسلمون على ذلك يَصنعون كما تصنع النصارى, حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب، ما كان، (20) فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماعَ إلى طُلوع الفجر.
2722- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: " كتب عليكم الصيامُ كما كتب على الذين من قبلكم "، قال: كتب عليهم الصوم من العتمة إلى العتمة.
* * *
وقال آخرون: الذين عَنى الله جل ثناؤه بقوله: " كما كتب على الذين من قبلكم "، أهل الكتاب.
* ذكر من قال ذلك:
2723- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "، أهل الكتاب.
* * *
وقال بعضهم: بل ذلك كان على الناس كلهم.
* ذكر من قال ذلك:
2724- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " كتب عليكم الصيامُ كما كتب على الذين من قبلكم "، قال: كتب شهرُ رمضان على الناس, كما كُتب على الذين من قبلهم. قال: وقد كتب الله على الناس قبل أن ينـزل رمضانُ صَوْمَ ثلاثة أيام من كل شهر.
2725- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "، رمضانُ، كتبه الله على من كان قَبلهم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معنى الآية:
يا أيها الذين آمنوا فُرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب," أيامًا معدودات ", وهي شهر رمضان كله. لأن مَن بعدَ إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان مأمورًا باتباع إبراهيم, وذلك أن الله جل ثناؤه كان جَعله للناس إمامًا, وقد أخبرنا الله عز وجل أن دينه كان الحنيفيةَ المسلمةَ, فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل الذي أمر به مَنْ قبله من الأنبياء.
وأما التشبيه، فإنما وقع على الوقت. وذلك أن مَنْ كان قبلنا إنما كان فرِض عليهم شهر رمضان، مثل الذي فُرض علينا سواء.
* * *
وأما تأويل قوله: " لعلكم تَتقون "، فإنه يعني به: لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه. (21) يقول: فرضت عليكم الصوم والكفّ عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين، لتتقوا ما يُفطركم في وقت صومكم.
* * *
وبمثل الذي قُلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل:
* ذكر من قال ذلك:
2726- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: أما قوله: " لعلكم تتقون "، يقول: فتتقون من الطعامِ والشرابِ والنساءِ مثل ما اتقوا - يعني: مثل الذي اتقى النصارى قبلكم.
-----------------
الهوامش :
(14) انظر تفسير"الإيمان" فيما سلف 1 : 234-235 ، والمراجع في فهرس اللغة .
(15) انظر تفسير"كتب" فيما سلف في هذا الجزء 3 : 357 ، 364 ، 365 .
(16) ديوانه : 106 (زيادات) واللسان (علك) (صام) . ولكنه من قصيدته التي أولها :
بَـانَتْ سُـعَادُ وَأَمْسَـى حَبْلُهَـا انْجَذَمَا
وقد فسر"صامت الخليل" بأنها الإمساك عن السير ، وعبارة اللغة ، "صام الفرس" إذا قام في آريه لا يعتلف ، أو قام ساكنًا لا يطعم شيئًا . وقال أبو عبيدة : كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير ، فهو صائم . والعجاج : الغبار الذي يثور ، يعني أنها في المعركة لا تقر . وعلك الفرس لجامه : لاكه وحركه في فيه .
(17) في معاني القرآن للفراء : "فعدوه ثلاثين يومًا" .
(18) في معاني القرآن : "يستن سنة الأول حتى صارت . . " .
(19) الخبر : 2720- يحيى بن زياد أبو زكرياء : هو الفراء الإمام النحوي ، وهو ثقة معروف مترجم في التهذيب . وتاريخ بغداد 14 : 149-155 . وفي دواوين كثيرة .
محمد بن ابان : نقل أخي السيد محمود محمد شاكر أن هذا الخبر مذكور في كتاب"معاني القرآن" للفراء رواه عن"محمد بن أبان القرشي" . ومحمد بن أبان القرشي : هو"محمد بن أبان بن صالح بن عمير" ، مولى لقريش . ترجمه البخاري في الكبير 1/1/34 ، برقم 50 . وقال : "يتكلمون في حفظه" وذكر في الصغير مرتين ، ص : 188 ، 214 . وقال في أولاهما : "يتكلمون في حفظ محمد بن أبان ، لا يعتمد عليه" . وقال في الضعفاء ، ص : 30"ليس بالقوي" .
وكذلك ترجمه ابن أبي حاتم 3/2/199 ، برقم : 1119 ، وروى تضعيفه عن يحيى بن معين .
والراجح عندي أنه هو الذي روى عنه الفراء ، فإن ابن أبي حاتم ذكر من الرواة عن القرشي هذا - أبا داود الطيالسي ، وهو من طبقة الفراء .
وأما ترجمته في التهذيب 9 : 2-3 فإنها مختلة مضطربة ، خلط فيها بين هذا وبين"محمد بن أبان الواسطي" ، وشتان بينهما . والواسطي مترجم عند البخاري ، برقم : 48 ، وعند ابن ابي حاتم ، برقم : 1121 . وكلاهما لم يذكر فيه جرحًا .
"عن أبي أمية الطنافسي" : كذا ثبت هنا . وليس لأبي أمية الطنافسي ترجمة ولا ذكر ، فيما رأينا من المراجع . وإنما المترجم ابنه"عبيد بن أبي أمية" . وهو الذي يروي عن الشعبي . وهو مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 2/2/401 .
وهذا الخبر في معاني القرآن للفراء 1 : 111 ، ونقله السيوطي 1 : 176 ، ولم ينسبه لغير الطبري . ولكنه اختصره جدًا . +كأنه تلخيص لا نقل .
(20) سيأتي خبر أبي صرمة وعمر في الآثار رقم : 2935-2952 .
(21) انظرتفسير"لعل" بمعنى"لكي" 1 : 364 ، 365 / ثم 2 : 69 ، 161 ، واطلبه في الفهرس أيضًا .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 178 | ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى﴾ |
---|
البقرة: 183 | ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام, أخبر أنه أيام معدودات, أي:قليلة في غاية السهولة. ثم سهل تسهيلا آخر. فقال:{ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وذلك للمشقة, في الغالب, رخص الله لهما, في الفطر. ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن, أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض, وانقضى السفر, وحصلت الراحة. وفي قوله:{ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ} فيه دليل على أنه يقضي عدد أيام رمضان, كاملا كان, أو ناقصا, وعلى أنه يجوز أن يقضي أياما قصيرة باردة, عن أيام طويلة حارة كالعكس. وقوله:{ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أي:يطيقون الصيام{ فِدْيَةٌ} عن كل يوم يفطرونه{ طَعَامُ مِسْكِينٍ} وهذا في ابتداء فرض الصيام, لما كانوا غير معتادين للصيام, وكان فرضه حتما, فيه مشقة عليهم, درجهم الرب الحكيم, بأسهل طريق، وخيَّر المطيق للصوم بين أن يصوم, وهو أفضل, أو يطعم، ولهذا قال:{ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ثم بعد ذلك, جعل الصيام حتما على المطيق وغير المطيق, يفطر ويقضيه في أيام أخر [وقيل:{ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أي:يتكلفونه، ويشق عليهم مشقة غير محتملة, كالشيخ الكبير, فدية عن كل يوم مسكين وهذا هو الصحيح]
وقوله : ( أَيَّاماً ) منصوب على الظرفية ، أو بفعل مضمر مقدر أي : صوموا أياماً . وقوله : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) زيادة بيان ليسر شريعة الإِسلام بعد أن أخبرهم - سبحانه - بأن الصوم المفروض عليهم إنما هو أيام معدودات ، وتعجيل بتطمين نفوس السامعين لئلا يظنوا وجوب الصوم عليهم في كل حال .
والمرض : الخروج عن الاعتدال الخاص بالإِنسان ، بأن يصاب بانحراف في جسده يجعله في حالة وجع أو اضطراب بدني .
قال القرطبي : وللمريض حالتان :
إحداهما : ألا يطيق الصوم بحال فعليه الفطر واجباً .
الثانية : أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة فهذا يستحب له الفطر . . فالفطر مباح في كل مرض إلا المرض اليسير الذي لا كلفة معه في الصيام .
وقوله : ( أَوْ على سَفَرٍ ) قال الآلوسي معناه : أو راكب سفر مستعل عليه متمكن منه ، بأن استغشل به قبل الفجر ، ففيه إيماء إلى أن من سافر في أثناء اليوم لم يفطر . واستدل بإطلاق السفر على أن السفر القصير وسفر المعصية مرخص للإِفطار . وأكثر العلماء على تقييده بالمباح وبما يلزمه العسر غالباً وهو السفر إلى المسافة المقدرة في الشرع " .
والعدة فعله من العد ، وهي بمعنى المعدود ، كالطحن بمعنى المطحون ومنه عدة المرأة .
والمعنى : لقد فرضنا عليكم الصوم أيها المؤمنون ، وجعلناه كما هو الشأن من كل ما شرعناه متسماً باليسر لا بالعسر ، ومن مظاهر ذلك أننا فرضنا عليكم صوم أيام معدودات وهي أيام شهر رمضان ، ولم نفرض عليكم صوم الدهر . وأننا شرعنا لمن كان مريضا مرضا يضره الصوم أو يعسر معه ، أو كان على سفر يشق عليه معه الصوم ، شرعنا له أن يفطر وأن يصوم بدل الأيام التي أفطرها أياما آخر مساوية لها في العدد .
قال الإِمام الرازي : قال القفال : انظروا إلى عجب ما نبه الله عليه من سعة فضله ورحمته في هذا التكليف ، إذ أنه بين في أول الآية أن لهذه الأمة في هذا التكليف أسوة بالأمم المتقدمة ، والغرض منه ما ذكرناه من أن الأمور الشاقة إذا عمت خفت . ثم ثانيا بين وجه الحكمة في إيجاب الصوم وهو أنه سبب الحصول التقوى فلو لم يفرض الصوم لفات هذا المقصود الشريف ، ثم بين ثالثاً أنه مختص بأيام معدودة فإنه لو جعله أبداً أو أكثر الأوقات لحصلت المشقة العظيمة . ثم بين .
رابعاً : أنه خصه من الأوقات بالشهر الذي أنزل فيه القرآن لكونه أشرف الشهور بسبب هذه الفضيلة . ثم بين خامساً : إزالة المشقة في إلزامه أباح تأخيره لمن شق عليه من المسافرين والمرضى إلى أن يصيروا إلى الرفاهية والسكون . فهو - سبحانه- راعي في إيجاب الصوم هذه الوجوه من الرحمة فله الحمد على نعمة كثيراً " .
هذا ، وقد نص الفقهاء على أن الأفطار مشروع على سبيل الرخصة للمريض والمسافر ، وهما بالخيار في ذلك إن شاءا أفطر وإن شاءا صاما ، إلا أن أكثر الفقهاء قالوا : الصوم أفضل لمن قوى عليه .
والذي نراه الله - تعالى - قد أباح الفطر في رمضان بسبب المرض أو السفر ، لأن كلا منهما مظنة المشقة والحرج . والحكم الشرعي يوجد حيث توجد مظنته وينتفى حيث تنتفي . وعلى المسلم أن يقدر حال نفسه ، فإذا أيقن أو غلب على ظنه أن مرضه أو سفره ليس في الصوم معه مشقة أو عسر صام عملا يقول - تعالى - ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) . وإذا أيقن أو غلب على ظنه أن مرضه أو سفره يجعل الصوم شاقاً عليه أفطر عملا بقوله - تعالى - : ( يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر ) فالمسألة ترجع إلى ضمير الفرد ودينه واستفتاء قلبه .
والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صام في السفر وأفطر ، وخير بعض أصحابه بين الصوم والفطر . فقد روى البخاري ومسلم عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم " وفي إحدى روايتي مسلم - في شهر رمضان - ، في يوم حار ، حتى ليضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحه " .
وروى الإِمام مسلم في صحيحه عن قزعة قال : " أتيت أبا سعيد الخدري فسألته عن الصوم في السفر فقال : سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام ، قال : فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم ، فكانت رخصة . فمنا من صام ومنا من أفطر . ثم نزلنا منزلا آخر فقال : إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا . وكانت عزمة فأفطرنا . ثم قال : ولقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك من السفر " .
وروى الشيخان عن أنس بن مالك قال : كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
وهناك مسألة أخرى تعرض لها الفقهاء بالحديث وهي مسألة قضاء الأيام التي أفطرها المريض أو المسافر هل يقضيها متتابعة أو متفرقة وهل يقضيها على الفور أو على التراخي؟
وجمهور الفقهاء على أن للمفطر في رمضان بسبب المرض أو السفر أن يقضي ما أفطره متتابعاً أو متفرقاً؛ لأن قوله - تعالى - : ( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) . دل على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان ، لأن اللفظ - كما قال القرطبي - مسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض .
وله كذلك أن يقضي ما عليه على الفور أو على التراخي على حسب ما يتيسر له . ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : يكون علىَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان ، وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا نص وزيادة بيان للآية " .
ويرى داود الظاهري أن على المفطر في رمضان بسبب المرض أو السفر أن يشرع في قضاء ما أفطره في اليوم الثاني من شوال المعاقب له ، وأن يتابع أيام القضاء .
والمعتمد بين العلماء هو قول الجمهور لقوة أدلته التي سبق بيانها .
وقوله - تعالى - : ( وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) بيان لحكم آخر من أحكام الشريعة فيما يتعلق بصوم رمضان يتجلى فيه تيسير الله على عبادة فيما شرع لهم من عبادات .
ومعنى ( يُطِيقُونَهُ ) يقدرون عليه ويتحملونه بمشقة وتعب ، لأن الطاقة اسم للقدرة على الشيء مع الشدة والمشقة ، والوسع اسم للقدرة على الشيء على جهة السهولة .
قال الراغب : والطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإِنسان أن يفعله بمشقة ، وذلك تشبيه بالطوق المحيط بالشيء ، ومنه ( رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) أي ما يصعب علينا مزاولته ، وليس معناه : " لا تحملنا ما لا قدرة لنا به " .
والعرب لا تقول فلان أطاق الشيء إلا إذا كانت قدرته عليه في نهاية الضعف بحيث يتحمله بمشقة وعسر . فلا يقال - مثلا - فلان يطيق حمل نواة أو ريشة أو عشرة دراهم من حديد ، وإنما يقال : هو يطيق حمل قنطارين أو حمل الأمتعة الثقيلة .
وللعلماء أقوال في المراد بقوله - تعالى - ( وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) أشهرها :
1 - إن هذا راجع إلى المقيم الصحيح خيره الله - تعالى - بين الصوم وبين الفداء ، وكان ذلك في بدء الإِسلام فرض عليهم الصوم ولم يتعودوه فاشتد عليهم ، فرخص لهم في الإِقطار والفدية ، ثم نسخ ذلك وأوجب الله عليهم الصوم .
ويشهد لهذا القول ما جاء في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال : لما نزلت هذه الآية ( وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) كان من أراد أن يفطر ويفتدي ، حتى نزلت الآية بعدها فنسختها .
وفي رواية للإِمام مسلم من طريق آخر عن سلمة - أيضاً - قال : كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء أفطر فافتدى بطعا مسكين حتى أنزلت هذه الآية ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) .
2 - ويرى بعض العلماء أن قوله - تعالى - : ( وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ ) إلخ ، ليس بمنسوخ بل هو محكم ، وأنه نزل في شأن الشيخ الكبير الهرم ، والمرأة العجوز ، إذا كانا لا يستطيعان الصيام فعليهما أن يفطرا وأن يطعما عن كل يوم مسكينا .
وأصحاب هذا الرأي يستدلون بما رواه البخاري عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فعليها أن يطعما مكان كل يوم مسكيناً " .
3 - وهناك رأى ثالث لبعض العلماء يرى أصحابه أن قوله - تعالى - ( وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) ليس بمنسوخ - أيضاً - بل هو محكم ، وأن معنى الآية عندهم : وعلى الذين يطيقونه ، أي : يقدرون على الصيام بمشقة شديدة إذا أرادوا أن يفطروا أن يطعموا عن كل يوم يفطرونه مسكيناً . ( بأن يقدموا له نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير ، أو قيمة ذلك ) .
ولم يقصروا ذلك على الرجل الكبير والمرأة العجوز - كما فعل أصحاب الرأي الثاني - وإنما أدخلوا في حكم الذين يقدرون على الصوم بمشقة وتعب المرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما ومن في حكمها ممن يشق عليهم الصوم مشقة كبيرة .
وأصحاب هذا الرأي يستدلون على ما ذهبوا إليه بمنطوق الآية ، إذا أن الوسع اسم للقدرة على الشيء على جهة السهولة ، والطاقة اسم للقدرة عليه مع الشدة والمشقة - كما سبق أن بينا - ، كما يستدلون - أيضاً - على ما ذهبوا إليه بقراءة ( يُطِيقُونَهُ ) - بضم الياء الأولى وتشديد الياء الثانية - أي يتجشمونه ، ويتكلفونه بمشقة وتعب ، وقد انتصر بعض العلماء لهذا الرأي بناء على أن منطوق الآية يؤيده .
كما انتصر بعضهم للرأي الأول بناء على أن الأحاديث الصحيحة تسانده وعلى أنه هو الأقرب إلى روح الشريعة الإِسلامية في التدرج في تشريع التكاليف التي فيها مشقة على الناس ، كما انتصر بعضهم للرأي الثاني الذي روى عن ابن عباس .
وهناك أقوال أخرى في الآية رأينا أن نضرب عنها صفحاً لضعفها .
وقوله : ( فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ) حض من الله - تعالى - لعباده على الإِكثار من عمل الخير .
والتطوع : السعي في أن يكون الإِنسان فاعلا للطاعة باختياره بدون إكراه والخير : مصدر خار إذا حسن وشرف ، وهو منصوب لتضمين تطوع معنى أتى ، أو على أنه صفة لمصدر محذوف أي تطوعاً خيراً .
والمعنى : فمن تطوع خيراً بأن زاد على القدر المفروض في الفدية ، أو أطعم أكثر من مسكين ، أو جمع بين الإِطعام والصوم ، فتطوعه سيكون خيراً عند الله - سبحانه - لا يضيع أجر من أحسن عملا .
وقوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ترغيب في الصوم وتحبيب فيه . أي : وأن تصوموا أيها المطيقون للصوم ، أو أيها المكلفون جميعاً خير لكم من كل شيء سواه ، إن كنتم تعلمون فوائد الصوم في حياتكم ، وحسن جزائه في آخرتكم .
روى النسائي وابن خزيمة عن أبي أمامه رضي الله عنه قال : " قلت يا رسول الله مرني بعمل قال : عليك بالصوم فإنه لا عدل له - أي لا يعادل ثوابه بشيء - فقلت يا رسول الله مرني بعمل ، فقال : عليك بالصوم فإنه لا عدل له . فقلت : يا رسول الله مرني بعمل أدخل به الجنة . فقالت : عليك بالصوم فإنه لا مثل له " .
ثم بين حكم الصيام على ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام ، فقال : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) أي : المريض والمسافر لا يصومان في حال المرض والسفر ; لما في ذلك من المشقة عليهما ، بل يفطران ويقضيان بعدة ذلك من أيام أخر . وأما الصحيح المقيم الذي يطيق الصيام ، فقد كان مخيرا بين الصيام وبين الإطعام ، إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ، وأطعم عن كل يوم مسكينا ، فإن أطعم أكثر من مسكين عن كل يوم ، فهو خير ، وإن صام فهو أفضل من الإطعام ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، وطاوس ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم من السلف ; ولهذا قال تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون )
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا المسعودي ، حدثنا عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، قال : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال ; فأما أحوال الصلاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، وهو يصلي سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ، ثم إن الله عز وجل أنزل عليه : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ) [ البقرة : 144 ] فوجهه الله إلى مكة . هذا حول .
قال : وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نقسوا أو كادوا ينقسون . ثم إن رجلا من الأنصار ، يقال له : عبد الله بن زيد ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني رأيت فيما يرى النائم ولو قلت : إني لم أكن نائما لصدقت أني بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران ، فاستقبل القبلة ، فقال : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله مثنى حتى فرغ من الأذان ، ثم أمهل ساعة ، ثم قال مثل الذي قال ، غير أنه يزيد في ذلك : قد قامت الصلاة مرتين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علمها بلالا فليؤذن بها " . فكان بلال أول من أذن بها . قال : وجاء عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فقال : يا رسول الله ، [ إنه ] قد طاف بي مثل الذي طاف به ، غير أنه سبقني ، فهذان حالان .
قال : وكانوا يأتون الصلاة قد سبقهم النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها ، فكان الرجل يشير إلى الرجل إذا كم صلى ، فيقول : واحدة أو اثنتين ، فيصليهما ، ثم يدخل مع القوم في صلاتهم . قال : فجاء معاذ فقال : لا أجده على حال أبدا إلا كنت عليها ، ثم قضيت ما سبقني . قال : فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها ، قال : فثبت معه ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقضى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه قد سن لكم معاذ ، فهكذا فاصنعوا " . فهذه ثلاثة أحوال .
وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، وصام عاشوراء ، ثم إن الله فرض عليه الصيام ، وأنزل الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) .
إلى قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) فكان من شاء صام ، ومن شاء أطعم مسكينا ، فأجزأ ذلك عنه . ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) إلى قوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ، فهذان حالان .
قال : وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا ، فإذا ناموا امتنعوا ، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له : صرمة ، كان يعمل صائما حتى أمسى ، فجاء إلى أهله فصلى العشاء ، ثم نام فلم يأكل ولم يشرب ، حتى أصبح فأصبح صائما ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهدا شديدا ، فقال : ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا ؟ قال : يا رسول الله ، إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت فأصبحت حين أصبحت صائما . قال : وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأنزل الله عز وجل : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) إلى قوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل )
وأخرجه أبو داود في سننه ، والحاكم في مستدركه ، من حديث المسعودي ، به .
وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت : كان عاشوراء يصام ، فلما نزل فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر . وروى البخاري عن ابن عمر وابن مسعود ، مثله .
وقوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) كما قال معاذ : كان في ابتداء الأمر : من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا . وهكذا روى البخاري عن سلمة بن الأكوع أنه قال : لما نزلت : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) كان من أراد أن يفطر يفتدي ، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها .
وروي أيضا من حديث عبيد الله عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : هي منسوخة .
وقال السدي ، عن مرة ، عن عبد الله ، قال : لما نزلت هذه الآية : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : يقول : ( وعلى الذين يطيقونه ) أي : يتجشمونه ، قال عبد الله : فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ( فمن تطوع ) قال : يقول : أطعم مسكينا آخر ( فهو خير له وأن تصوموا خير لكم ) فكانوا كذلك حتى نسختها : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه )
وقال البخاري أيضا : حدثنا إسحاق ، أخبرنا روح ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، حدثنا عمرو بن دينار ، عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " . قال ابن عباس : ليست منسوخة ، هو للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما ، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا .
وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نحوه .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الرحيم ، عن أشعث بن سوار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس [ قال ] نزلت هذه الآية : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ثم ضعف ، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكينا .
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا الحسين بن محمد بن بهرام المحرمي ، حدثنا وهب بن بقية ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن ابن أبي ليلى ، قال : دخلت على عطاء في رمضان ، وهو يأكل ، فقال : قال ابن عباس : نزلت هذه الآية : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ، ثم نزلت هذه الآية فنسخت الأولى ، إلا الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر . فحاصل الأمر أن النسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بإيجاب الصيام عليه ، بقوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) وأما الشيخ الفاني [ الهرم ] الذي لا يستطيع الصيام فله أن يفطر ولا قضاء عليه ، لأنه ليست له حال يصير إليها يتمكن فيها من القضاء ، ولكن هل يجب عليه [ إذا أفطر ] أن يطعم عن كل يوم مسكينا إذا كان ذا جدة ؟ فيه قولان للعلماء ، أحدهما : لا يجب عليه إطعام ; لأنه ضعيف عنه لسنه ، فلم يجب عليه فدية كالصبي ; لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وهو أحد قولي الشافعي . والثاني وهو الصحيح ، وعليه أكثر العلماء : أنه يجب عليه فدية عن كل يوم ، كما فسره ابن عباس وغيره من السلف على قراءة من قرأ : ( وعلى الذين يطيقونه ) أي : يتجشمونه ، كما قاله ابن مسعود وغيره ، وهو اختيار البخاري فإنه قال : وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام ، فقد أطعم أنس بعد أن كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما ، وأفطر .
وهذا الذي علقه البخاري قد أسنده الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده ، فقال : حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا عمران ، عن أيوب بن أبي تميمة قال : ضعف أنس [ بن مالك ] عن الصوم ، فصنع جفنة من ثريد ، فدعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم .
ورواه عبد بن حميد ، عن روح بن عبادة ، عن عمران وهو ابن حدير عن أيوب ، به .
ورواه عبد أيضا ، من حديث ستة من أصحاب أنس ، عن أنس بمعناه .
ومما يلتحق بهذا المعنى : الحامل والمرضع ، إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما ، ففيهما خلاف كثير بين العلماء ، فمنهم من قال : يفطران ويفديان ويقضيان . وقيل : يفديان فقط ، ولا قضاء . وقيل : يجب القضاء بلا فدية . وقيل : يفطران ، ولا فدية ولا قضاء . وقد بسطنا هذه المسألة مستقصاة في كتاب الصيام الذي أفردناه . ولله الحمد والمنة .
أياما معدودات
القول في تأويل قوله تعالى : { أياما معدودات } يعني تعالى ذكره : كتب عليكم أيها الذين آمنوا الصيام أياما معدودات . ونصب " أياما " بمضمر من الفعل , كأنه قيل : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات , كما يقال : أعجبني الضرب زيدا وقوله : { كما كتب على الذين من قبلكم } من الصيام , كأنه قيل : كتب عليكم الذي هو مثل الذي كتب على الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات . ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى الله جل وعز بقوله : { أياما معدودات } فقال بعضهم : الأيام المعدودات : صوم ثلاثة أيام من كل شهر . قال : وكان ذلك الذي فرض على الناس من الصيام قبل أن يفرض عليهم شهر رمضان . ذكر من قال ذلك : 2241 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء , قال : كان عليهم الصيام ثلاثة أيام من كل شهر , ولم يسم الشهر أياما معدودات , قال : وكان هذا صيام الناس قبل ثم فرض الله عز وجل على الناس شهر رمضان . 2242 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } وكان ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ ذلك بالذي أنزل من صيام رمضان , فهذا الصوم الأول من العتمة . 2243 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يونس بن بكير , قال : ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة عن عمرو بن مرة , عن عبد الرحمن بن أبي ليلى , عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر , ثم أنزل الله جل وعز فرض شهر رمضان , فأنزل الله : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } حتى بلغ : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } 2244 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , قال : قد كتب الله تعالى ذكره على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر . وقال آخرون : بل الأيام الثلاثة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومها قبل أن يفرض رمضان كان تطوعا صومهن , وإنما عنى الله جل وعز بقوله : { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم . . أياما معدودات } أيام شهر رمضان , لا الأيام التي كان يصومهن قبل وجوب فرض صوم شهر رمضان . ذكر من قال ذلك : 2245 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر عن شعبة , عن عمرو بن مرة قال : ثنا أصحابنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا لا فريضة ; قال , ثم نزل صيام رمضان قال أبو موسى : قوله قال عمرو بن مرة , حدثنا أصحابنا , يريد ابن أبي ليلى , كان ابن أبي ليلى القائل حدثنا أصحابنا . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا أبو داود قال : ثنا شعبة , قال : سمعت عمرو بن مرة , قال : سمعت ابن أبي ليلى , فذكر نحوه . وقد ذكرنا قول من قال : عنى بقوله : { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } شهر رمضان . وأولى ذلك بالصواب عندي قول من قال : عنى الله جل ثناؤه بقوله : { أياما معدودات } أيام شهر رمضان , وذلك أنه لم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان , ثم نسخ بصوم شهر رمضان , وأن الله تعالى قد بين في سياق الآية أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات بإبانته , عن الأيام التي أخبر أنه كتب علينا صومها بقوله : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } 2 185 فمن ادعى أن صوما كان قد لزم المسلمين فرضه غير صوم شهر رمضان الذين هم مجمعون على وجوب فرض صومه ثم نسخ ذلك سئل البرهان على ذلك من خبر تقوم به حجة , إذ كان لا يعلم ذلك إلا بخبر يقطع العذر . وإذ كان الأمر في ذلك على ما وصفنا للذي بينا , فتأويل الآية : كتب عليكم أيها المؤمنون الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات هي شهر رمضان . وجائز أيضا أن يكون معناه : { كتب عليكم الصيام } : كتب عليكم شهر رمضان . وأما المعدودات : فهي التي تعد مبالغها وساعات أوقاتها , وعنى بقوله معدودات : محصيات .فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين
القول في تأويل قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } يعني بقوله جل ثناؤه : من كان منكم مريضا ممن كلف صومه أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر فعدة من أيام أخر . يقول : فعليه صوم عدة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره من أيام أخر , يعني من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره . والرفع في قوله : { فعدة من أيام أخر } نظير الرفع في قوله : { فاتباع بالمعروف } 2 178 وقد مضى بيان ذلك هنالك بما أغنى عن إعادته . وأما قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فإن قراءة كافة المسلمين : { وعلى الذين يطيقونه } وعلى ذلك خطوط مصاحفهم , وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن . وكان ابن عباس يقرؤها فيما روي عنه : " وعلى الذين يطوقونه " . ثم اختلف قراء ذلك : { وعلى الذين يطيقونه } في معناه , فقال بعضهم : كان ذلك في أول ما فرض الصوم , وكان من أطاقه من المقيمين صامه إن شاء , وإن شاء أفطره وافتدى فأطعم لكل يوم أفطره مسكينا حتى نسخ ذلك . ذكر من قال ذلك : 2246 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يونس بن بكير , قال : ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة , عن عمرو بن مرة , عن عبد الرحمن بن أبي ليلى , عن معاذ بن جبل قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة , فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام . من كل شهر , ثم إن الله جل وعز فرض شهر رمضان فأنزل الله تعالى ذكره : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } حتى بلغ : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فكان من شاء صام , ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا . ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم فأنزل الله عز وجل : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر } . . إلى آخر الآية " . 2247 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر عن شعبة , عن عمرو بن مرة , قال : حدثنا أصحابنا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة , قال : ثم نزل صيام رمضان , قال : وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام , قال : وكان يشتد عليهم الصوم , قال : فكان من لم يصم أطعم مسكينا , ثم نزلت هذه الآية : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فكانت الرخصة للمريض والمسافر , وأمرنا بالصيام " . قال محمد بن المثنى : قوله قال عمرو , حدثنا أصحابنا : يريد ابن أبي ليلى , كأن ابن أبي ليلى القائل حدثنا أصحابنا . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا أبو داود , قال : ثنا شعبة , قال : سمعت عمرو بن مرة , قال : سمعت ابن أبي ليلى فذكر نحوه . 2248 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن إبراهيم , عن علقمة في قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : كان من شاء صام , ومن شاء أفطر وأطعم نصف صاع مسكينا , فنسخها { شهر رمضان } إلى قوله : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } 2249 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن إبراهيم بنحوه , وزاد فيه قال : فنسختها هذه الآية , وصارت الآية الأولى للشيخ الذي لا يستطيع الصوم يتصدق مكان كل يوم على مسكين نصف صاع . 2250 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح أبو تميلة , قال : ثنا الحسين , عن يزيد النحوي , عن عكرمة والحسن البصري قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فكان من شاء منهم أن يصوم صام , ومن شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه . ثم قال : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ثم استثنى من ذلك فقال : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } * - حدثنا أبو هشام الرفاعي , قال : ثنا ابن إدريس , قال : سألت الأعمش عن قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فحدثنا عن إبراهيم عن علقمة , قالا : نسختها : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } 2251 - حدثنا عمر بن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا عبد الله , عن نافع , عن ابن عمر , قال : نسخت هذه الآية - يعني : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } - التي بعدها : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس , قال : سمعت الأعمش , عن إبراهيم , عن علقمة في قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : نسختها : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } 2252 - حدثنا الوليد بن شجاع أبو همام , قال : ثنا علي بن مسهر , عن عاصم , عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } كان الرجل يفطر فيتصدق عن كل يوم على مسكين طعاما , ثم نزلت هذه الآية : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر . * - حدثنا هناد بن السري , قال : ثنا علي بن مسهر , عن عاصم , عن الشعبي , قال : نزلت هذه الآية للناس عامة : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } وكان الرجل يفطر ويتصدق بطعامه على مسكين , ثم نزلت هذه الآية : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } قال : فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر . 2253 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن ابن أبي ليلى , قال : دخلت على عطاء وهو يأكل في شهر رمضان فقال : إني شيخ كبير إن الصوم نزل , فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا , حتى نزلت هذه الآية : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فوجب الصوم على كل أحد إلا مريض أو مسافر أو شيخ كبير مثلي يفتدي . 2254 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني الليث , قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب , قال : قال الله : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } قال ابن شهاب : كتب الله الصيام علينا , فكان من شاء افتدى ممن يطيق الصيام من صحيح أو مريض أو مسافر , ولم يكن عليه غير ذلك . فلما أوجب الله على من شهد الشهر الصيام , فمن كان صحيحا يطيقه وضع عنه الفدية , وكان من كان على سفر أو كان مريضا فعدة من أيام أخر . قال : وبقيت الفدية التي كانت تقبل قبل ذلك للكبير الذي لا يطيق الصيام , والذي يعرض له العطش أو العلة التي لا يستطيع معها الصيام . 2255 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قال : جعل الله في الصوم الأول فدية طعام مسكين , فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر كان ذلك رخصة له , فأنزل الله في الصوم الآخر : { فعدة من أيام أخر } ولم يذكر الله في الصوم الآخر فدية طعام مسكين , فنسخت الفدية , وثبت في الصوم الآخر : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وهو الإفطار في السفر , وجعله عدة من أيام أخر . 2256 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب , قال : أخبرني عمي عبد الله بن وهب , قال : أخبرني عمرو بن الحرث , قال بكر بن عبد الله , عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع , عن سلمة بن الأكوع أنه قال : كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى بطعام مسكين , حتى أنزلت : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن عاصم الأحول , عن الشعبي في قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : كانت الناس كلهم , فلما نزلت : { فمن شهد منكم الشهر فليصم } أمروا بالصوم والقضاء , فقال : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } 2257 - حدثنا هناد , قال : ثنا علي بن مسهر , عن الأعمش , عن إبراهيم في قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : نسختها الآية التي بعدها : { وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون } . 2258 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن محمد بن سليمان , عن ابن سيرين , عن عبيدة : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : نسختها الآية التي تليها : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } 2259 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : ثنا الفضل بن خالد , قال : ثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك قوله : { كتب عليكم الصيام } الآية , فرض الصوم من العتمة إلى مثلها من القابلة , فإذا صلى الرجل العتمة حرم عليه الطعام والجماع إلى مثلها من القابلة , ثم نزل الصوم الآخر بإحلال الطعام والجماع بالليل كله , وهو قوله : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } إلى قوله : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } 2 187 وأحل الجماع أيضا فقال : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } 2 187 وكان في الصوم الأول الفدية , فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر فعل ذلك , ولم يذكر الله تعالى ذكره في الصوم الآخر الفدية , وقال : { فعدة من أيام أخر } فنسخ هذا الصوم الآخر الفدية . وقال آخرون : بل كان قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } حكما خاصا للشيخ الكبير والعجوز اللذين يطيقان الصوم كان مرخصا لهما أن يفديا صومهما بإطعام مسكين ويفطرا , ثم نسخ ذلك بقوله , { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فلزمهما من الصوم مثل الذي لزم الشاب إلا أن يعجزا عن الصوم فيكون ذلك الحكم الذي كان لهما قبل النسخ ثابتا لهما حينئذ بحاله . ذكر من قال ذلك . 2260 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن عروة , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : كان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم رخص لهما أن يفطرا إن شاءا ويطعما لكل يوم مسكينا , ثم نسخ ذلك بعد ذلك : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم , وللحبلى والمرضع إذا خافتا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن سعيد , عن قتادة , عن عروة عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { وعلى الذين يطيقونه } قال : الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ثم ذكر مثل حديث بشر عن يزيد . 2261 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا معاذ بن هشام , قال : حدثني أبي , عن قتادة , عن عكرمة , قال : كان الشيخ والعجوز لهما الرخصة أن يفطرا ويطعما بقوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : فكانت لهم الرخصة ثم نسخت بهذه الآية : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فنسخت الرخصة عن الشيخ والعجوز إذا كانا يطيقان الصوم . وبقيت للحامل والمرضع أن يفطرا ويطعما . 2262 - حدثني المثنى , قال : ثنا حجاج بن المنهال , قال , ثنا همام بن يحيى , قال : سمعت قتادة يقول في قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : كان فيها رخصة للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكينا ويفطرا , ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها فقال : { شهر رمضان } إلى قوله : { فعدة من أيام أخر } فنسختها هذه الآية . فكان أهل العلم يرون ويرجون الرخصة تثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يطيقا الصوم أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكينا , وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها , وللمرضع إذا ما خشيت على ولدها . 2263 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فكان الشيخ والعجوز يطيقان صوم رمضان , فأحل الله لهما أن يفطراه إن أرادا ذلك , وعليهما الفدية لكل يوم يفطر أنه طعام مسكين , فأنزل الله بعد ذلك : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } إلى قوله : { فعدة من أيام أخر } وقال آخرون ممن قرأ ذلك : { وعلى الذين يطيقونه } لم ينسخ ذلك ولا شيء منه , وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الآية إلى قيام الساعة . وقالوا : إنما تأويل ذلك : على الذين يطيقونه - وفي حال شبابهم وحداثتهم , وفي حال صحتهم وقوتهم إذا مرضوا وكبروا فعجزوا من الكبر عن الصوم - فدية طعام مسكين ; لا أن القوم كان رخص لهم في الإفطار وهم على الصوم قادرون إذا افتدوا . ذكر من قال ذلك : 2264 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : أما الذين يطيقونه فالرجل كان يطيقه وقد صام قبل ذلك ثم يعرض له الوجع أو العطش أو المرض الطويل , أو المرأة المرضع لا تستطيع أن تصوم ; فإن أولئك عليهم مكان كل يوم إطعام مسكين , فإن أطعم مسكينا فهو خير له , ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له . 2265 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبدة , عن سعيد بن أبي عروبة , عن قتادة ; عن عروة , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : إذا خافت الحامل على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان , قال : يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ولا يقضيان صوما . 2266 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبدة , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , أنه رأى أم ولد له حاملا أو مرضعا , فقال : أنت بمنزلة الذي لا يطيقه , عليك أن تطعمي مكان كل يوم مسكينا ولا قضاء عليك . 2267 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبدة , عن سعيد , عن نافع , عن علي بن ثابت , عن ابن عمر مثل قول ابن عباس في الحامل والمرضع . * - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد عن قتادة , قال : ذكر لنا أن ابن عباس قال لأم ولد له حبلى أو مرضع : أنت بمنزلة الذين لا يطيقونه , عليك الفداء ولا صوم عليك . هذا إذا خافت على نفسها . 2268 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } هو الشيخ الكبير كان يطيق صوم شهر رمضان وهو شاب فكبر , وهو لا يستطيع صومه فليتصدق على مسكين واحد لكل يوم أفطره حين يفطر وحين يتسحر . 2269 - حدثنا هناد , قال : حدثنا عبدة , عن منصور عن مجاهد , عن ابن عباس نحوه , غير أنه لم يقل حين يفطر وحين يتسحر . 2270 - حدثنا هناد , قال : ثنا حاتم بن إسماعيل , عن عبد الرحمن بن حرملة , عن سعيد بن المسيب أنه قال : في قول الله تعالى ذكره : { فدية طعام مسكين } قال : هو الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه , وهي الحامل التي ليس عليها الصيام . فعلى كل واحد منهما طعام مسكين مد من حنطة لكل يوم حتى يمضي رمضان . وقرأ ذلك آخرون : " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين " وقالوا : إنه الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذان قد كبرا عن الصوم , فهما يكلفان الصوم ولا يطيقانه , فلهما أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم أفطراه مسكينا . وقالوا : الآية ثابتة الحكم منذ أنزلت لم تنسخ , وأنكروا قول من قال إنها منسوخة . ذكر من قال ذلك : 2271 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , ثنا ابن جريج , عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : { يطوقونه } 2272 - حدثنا هناد , قال : ثنا علي بن مسهر , عن عصام , عن عكرمة , عن ابن عباس أنه كان يقرأ : { وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين } . قال : فكان يقول : هي للناس اليوم قائمة . * - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن منصور , عن مجاهد , عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : { وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين } قال : وكان يقول هي للناس اليوم قائمة . 2273 - حدثنا هناد , قال : ثنا قبيصة , عن سفيان , عن منصور , عن مجاهد , عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : { وعلى الذين يطوقونه } ويقول : هو الشيخ الكبير يفطر ويطعم عنه . 2274 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا أيوب , عن عكرمة أنه قال في هذه الآية : { وعلى الذين يطوقونه } وكذلك كان يقرؤها : أنها ليست منسوخة كلف الشيخ الكبير أن يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا . 2275 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير أنه قرأ : { وعلى الذين يطوقونه } 2276 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن عمران بن حدير , عن عكرمة , قال : الذين يطيقونه يصومونه ولكن الذين يطوقونه يعجزون عنه . 2277 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن جريج قال : حدثني محمد بن عباد بن جعفر , عن أبي عمرو مولى عائشة أن عائشة كانت تقرأ : { يطوقونه } . 2278 - حدثنا الحسن , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن جريج , عن عطاء أنه كان يقرؤها : { يطوقونه } قال ابن جريج : وكان مجاهد يقرؤها كذلك . 2279 - حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا بشر بن المفضل , قال : ثنا خالد , عن عكرمة { وعلى الذين يطيقونه } قال : قال ابن عباس : هو الشيخ الكبير . 2280 - حدثنا إسماعيل بن موسى السدي , قال : أخبرنا شريك , عن سالم , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { وعلى الذين يطوقونه } قال : يتجشمونه , يتكلفونه . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس , عن مسلم الملائي , عن مجاهد , عن ابن عباس في قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : الشيخ الكبير الذي لا يطيق فيفطر ويطعم كل يوم مسكينا . 2281 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس في قول الله : { وعلى الذين يطيقونه } قال : يكلفونه , { فدية طعام مسكين } واحد , قال : فهذه آية منسوخة لا يرخص فيها إلا للكبير الذي لا يطيق الصيام , أو مريض يعلم أنه لا يشفى . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن عمرو بن دينار , عن عطاء , عن ابن عباس , قال : { الذين يطيقونه } يتكلفونه { فدية طعام مسكين } واحد ولم يرخص هذا إلا للشيخ الذي لا يطيق الصوم , أو المريض الذي يعلم أنه لا يشفى هذا عن مجاهد . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , عن ابن عباس أنه كان يقول : ليست بمنسوخة . 2282 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس في قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } يقول : من لم يطق الصوم إلا على جهد فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا , والحامل والمرضع والشيخ الكبير والذي به سقم دائم . 2283 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبيدة , عن منصور , عن مجاهد , عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : هو الشيخ الكبير والمرء الذي كان يصوم في شبابه , فلما كبر عجز عن الصوم قبل أن يموت , فهو يطعم كل يوم مسكينا . قال هناد : قال عبيدة : قيل لمنصور الذي يطعم كل يوم نصف صاع ؟ قال : نعم . 2284 - حدثنا هناد , قال : ثنا مروان بن معاوية , عن عثمان بن الأسود قال : سألت مجاهدا عن امرأة لي وافق تاسعها شهر رمضان , ووافق حرا شديدا , فأمرني أن تفطر وتطعم . قال : وقال مجاهد : وتلك الرخصة أيضا في المسافر والمريض , فإن الله يقول : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } . * - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو معاوية , عن عاصم , عن عكرمة , عن ابن عباس قال : الحامل والمرضع والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطرون في رمضان , ويطعمون عن كل يوم مسكينا . ثم قرأ : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } . 2285 - حدثنا علي بن سعد الكندي , قال : ثنا حفص عن حجاج , عن أبي إسحاق , عن الحرث , عن علي في قوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , عن عمرو بن دينار , عن عطاء , عن ابن عباس قال : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : هم الذين يتكلفونه ولا يطيقونه , الشيخ والشيخة . 2286 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , عن الحجاج , عن أبي إسحاق , عن الحرث , عن علي قال : هو الشيخ والشيخة . 2287 - حدثني المثنى , قال : ثنا حجاج , قال : ثنا حماد , عن عمران بن حدير , عن عكرمة أنه كان يقرؤها : { وعلى الذين يطيقونه } فأفطروا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن عاصم عمن حدثه عن ابن عباس , قال : هي مثبتة للكبير والمرضع والحامل وعلى الذين يطيقون الصيام . 2288 - حدثنا المثنى , قال . ثنا سويد , قال , ثنا ابن المبارك , عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما قوله : { وعلى الذين يطيقونه } ؟ قال , بلغنا أن الكبير إذا لم يستطع الصوم يفتدي من كل يوم بمسكين , قلت : الكبير الذي لا يستطيع الصوم , أو الذي لا يستطيعه إلا بالجهد ؟ قال : بل الكبير الذي لا يستطيعه بجهد ولا بشيء , فأما من استطاع بجهد فليصمه ولا عذر له في تركه . 2289 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : أخبرني عبد الله بن أبي يزيد : { وعلى الذين يطيقونه } الآية , كأنه يعني الشيخ الكبير . قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول : نزلت في الكبير الذي لا يستطيع صيام رمضان فيفتدي من كل يوم بطعام مسكين قلت له : كم طعامه ؟ قال : لا أدري , غير أنه قال : طعام يوم . 2290 - حدثني المثنى , قاله : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن الحسن بن يحيى , عن الضحاك في قوله : { فدية طعام مسكين } قال : الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم يفطر ويطعم كل يوم مسكينا . وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قاله . { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } منسوخ بقول الله تعالى ذكره : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } لأن الهاء التي في قوله : { وعلى الذين يطيقونه } من ذكر الصيام . ومعناه : وعلى الذين يطيقون الصيام فدية طعام مسكين . فإذا كان ذلك كذلك , وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أن من كان مطيقا من الرجال الأصحاء المقيمين غير المسافرين صوم شهر رمضان فغير جائز له الإفطار فيه والافتداء منه بطعام مسكين , كان معلوما أن الآية منسوخة . هذا مع ما يؤيد هذا القول من الأخبار التي ذكرناها آنفا عن معاذ بن جبل وابن عمر وسلمة بن الأكوع من أنهم كانوا بعد نزول هذه الآية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه وسقوط الفدية عنهم , وبين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فألزموا فرض صومه , وبطل الخيار والفدية . فإن قال قائل : وكيف تدعي إجماعا من أهل الإسلام على أن من أطاق صومه وهو بالصفة التي وصفت فغير جائز له إلا صومه , وقد علمت قول من قال : الحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما لهما الإفطار , وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما , مع الخبر الذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي : 2291 - حدثنا به هناد بن السري , قال : ثنا قبيصة , عن سفيان , عن أيوب , عن أبي قلابة , عن أنس , قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى فقال : " تعال أحدثك , إن الله وضع عن المسافر والحامل والمرضع الصوم وشطر الصلاة " . قيل : إنا لم ندع إجماعا في الحامل والمرضع , وإنما ادعينا في الرجال الذين وصفنا صفتهم . فأما الحامل والمرضع فإنما علمنا أنهن غير معنيات بقوله : { وعلى الذين يطيقونه } وخلا الرجال أن يكونوا معنيين به لأنهن لو كن معنيات بذلك دون غيرهن من الرجال لقيل : وعلى اللواتي يطقنه فدية طعام مسكين ; لأن ذلك كلام العرب إذا أفرد الكلام بالخبر عنهن دون الرجال ; فلما قيل : { وعلى الذين يطيقونه } كان معلوما أن المعني به الرجال دون النساء , أو الرجال والنساء . فلما صح بإجماع الجميع على أن من أطاق من الرجال المقيمين الأصحاء صوم شهر رمضان فغير مرخص له في الإفطار والافتداء , فخرج الرجال من أن يكونوا معنيين بالآية , وعلم أن النساء لم يردن بها لما وصفنا من أن الخبر عن النساء إذا انفرد الكلام بالخبر عنهن وعلى اللواتي يطقنه , والتنزيل بغير ذلك . وأما الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه إن كان صحيحا , فإنما معناه أنه وضع عن الحامل والمرضع الصوم ما دامتا عاجزتين عنه حتى تطيقا فتقضيا , كما وضع عن المسافر في سفره حتى يقيم فيقضيه , لا أنهما أمرتا بالفدية والإفطار بغير وجوب قضاء , ولو كان في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع عن المسافر والمرضع والحامل الصوم " دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم إنما عنى أن الله تعالى ذكره وضع عنهم بقوله : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } لوجب أن لا يكون على المسافر إذا أفطر في سفره قضاء , وأن لا يلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حكمه وبين حكم الحامل والمرضع , وذلك قول إن قاله قائل خلاف لظاهر كتاب الله ولما أجمع عليه جميع أهل الإسلام . وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله : { وعلى الذين يطيقونه } وعلى الذين يطيقون الطعام , وذلك لتأويل أهل العلم مخالف . وأما قراءة من قرأ ذلك : { وعلى الذين يطوقونه } فقراءة لمصاحف أهل الإسلام خلاف , وغير جائز لأحد من أهل الإسلام الاعتراض بالرأي على ما نقله المسلمون وراثة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم نقلا ظاهرا قاطعا للعذر , لأن ما جاءت به الحجة من الدين هو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله , ولا يعترض على ما قد ثبت وقامت به حجة أنه من عند الله بالآراء والظنون والأقوال الشاذة . وأما معنى " الفدية " فإنه الجزاء من قولك : فديت هذا بهذا : أي جزيته به , وأعطيته بدلا منه . ومعنى الكلام : وعلى الذين يطيقون الصيام جزاء طعام مسكين لكل يوم أفطره من أيام صيامه الذي كتب عليه . وأما قوله : { فدية طعام مسكين } فإن القراء مختلفة في قراءته , فبعض يقرأ بإضافة الفدية إلى الطعام , وخفض الطعام ; وذلك قراءة معظم قراء أهل المدينة ; بمعنى : وعلى الذين يطيقونه أن يفدوه طعام مسكين ; فلما جعل مكان أن يفديه الفدية أضيف إلى الطعام , كما يقال : لزمني غرامة درهم لك بمعنى لزمني أن أغرم لك درهما , وآخرون يقرءونه بتنوين الفدية ; ورفع الطعام بمعنى الإبانة في الطعام عن معنى الفدية الواجبة على من أفطر في صومه الواجب , كما يقال لزمني غرامة درهم لك , فتبين بالدرهم عن معنى الغرامة ما هي وما حدها , وذلك قراءة معظم قراء أهل العراق . وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ : " فدية طعام " بإضافة الفدية إلى الطعام , لأن الفدية اسم للفعل , وهي غير الطعام المفدى به الصوم . وذلك أن الفدية مصدر من قول القائل : فديت صوم هذا اليوم بطعام مسكين , أفديه فدية , كما يقال : جلست جلسة , ومشيت مشية , والفدية فعل والطعام غيرها . فإذا كان ذلك كذلك , فبين أن أصح القراءتين إضافة الفدية إلى الطعام , وواضح خطأ قول من قال : إن ترك إضافة الفدية إلى الطعام أصح في المعنى من أجل أن الطعام عنده هو الفدية . فيقال لقائل ذلك : قد علمنا أن الفدية مقتضية مفديا ومفديا به وفدية , فإن كان الطعام هو الفدية والصوم هو المفدي به , فأين اسم فعل المفتدي الذي هو فدية ؟ إن هذا القول خطأ بين غير مشكل . وأما الطعام فإنه مضاف إلى المسكين والقراء في قراءة ذلك مختلفون , فقرأه بعضهم بتوحيد المسكين بمعنى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين واحد لكل يوم أفطره . كما : 2292 - حدثني محمد بن يزيد الرفاعي , قال : ثنا حسين الجعفي , عن أبي عمرو : أنه قرأ " فدية " رفع منون " طعام " رفع بغير تنوين " مسكين " . وقال : عن كل يوم مسكين . وعلى ذلك عظم قراء أهل العراق . وقرأه آخرون بجمع المساكين : { فدية طعام مساكين } بمعنى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين عن الشهر إذا أفطر الشهر كله . كما : 2293 - حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي , عن يعقوب , عن بشار , عن عمرو , عن الحسن : طعام مساكين عن الشهر كله . وأعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من قرأ طعام مسكين على الواحد بمعنى : وعلى الذين يطيقونه عن كل يوم أفطروه فدية طعام مسكين ; لأن في إبانة حكم المفطر يوما واحدا وصولا إلى معرفة حكم المفطر جميع الشهر وليس في إبانة حكم المفطر جميع الشهر وصول إلى إبانة حكم المفطر يوما واحدا وأياما هي أقل من أيام جميع الشهر , وأن كل واحد يترجم عن الجميع وأن الجميع لا يترجم به عن الواحد , فلذلك اخترنا قراءة ذلك بالتوحيد . واختلف أهل العلم في مبلغ الطعام الذي كانوا يطعمون في ذلك إذا أفطروا , فقال بعضهم : كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم الواحد نصف صاع من قمح . وقال بعضهم : كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم مدا من قمح ومن سائر أقواتهم . وقال بعضهم : كان ذلك نصف صاع من قمح أو صاعا من تمر أو زبيب . وقال بعضهم : ما كان المفطر يتقوته يومه الذي أفطره . وقال بعضهم : كان ذلك سحورا وعشاء يكون للمسكين إفطارا . وقد ذكرنا بعض هذه المقالات فيما مضى قبل فكرهنا إعادة ذكرها .فمن تطوع خيرا فهو خير له
القول في تأويل قوله تعالى : { فمن تطوع خيرا فهو خير له } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , فقال بعضهم بما : 2294 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد وعطاء , عن ابن عباس : { فمن تطوع خيرا } فزاد طعام مسكين آخر فهو خير له , { وأن تصوموا خير لكم } . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن عمرو بن دينار , عن عطاء , عن ابن عباس مثله . 2295 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع عن سفيان , عن خصيف , عن مجاهد في قوله : { فمن تطوع خيرا } قال , من أطعم المسكين صاعا . 2296 - حدثني المثنى , قال : حدثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن معمر , عن ابن طاوس , عن أبيه : { فمن تطوع خيرا فهو خير له } قال : إطعام مساكين عن كل يوم فهو خير له . * - حدثني المثنى , قال : حدثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن حنظلة , عن طاوس : { فمن تطوع خيرا } قال : طعام مسكين . * - حدثني المثنى , قال : حدثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن حنظلة , عن طاوس نحوه . * - حدثنا محمد بن بشار , قال : حدثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن ليث عن طاوس : { فمن تطوع خيرا } قال : طعام مسكين . * - حدثني المثنى , قال : ثنا حجاج . قال : حدثنا حماد , عن ليث , عن طاوس , مثله . 2297 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا عمر بن هارون , قال : ثنا ابن جريج , عن عطاء أنه قرأ : { فمن تطوع } بالتاء خفيفة [ الطاء ] { خيرا } , قال : زاد على مسكين . 2298 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فمن تطوع خيرا فهو خير له } فإن أطعم مسكينين فهو خير له . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج : أخبرني ابن طاوس عن أبيه : { فمن تطوع خيرا فهو خير له } قال : من أطعم مسكينا آخر . وقال آخرون : معنى ذلك : فمن تطوع خيرا فصام مع الفدية . ذكر من قال ذلك : 2299 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني الليث , قال : أخبرني يونس , عن ابن شهاب : { فمن تطوع خيرا فهو خير له } يريد أن من صام مع الفدية فهو خير له . وقال آخرون : معنى ذلك : فمن تطوع خيرا فزاد المسكين على قدر طعامه . ذكر من قال ذلك : 2300 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج , قال مجاهد : { فمن تطوع خيرا } فزاد طعاما فهو خير له . والصواب من القول في ذلك عندنا أن الله تعالى ذكره عمم بقوله : { فمن تطوع خيرا } فلم يخصص بعض معاني الخير دون بعض , فإن جمع الصوم مع الفدية من تطوع الخير وزيادة مسكين على جزاء الفدية من تطوع الخير . وجائز أن يكون تعالى ذكره عنى بقوله : { فمن تطوع خيرا } أي هذه المعاني تطوع به المفتدي من صومه { فهو خير له } لأن كل ذلك من تطوع الخير ونوافل الفضل .وأن تصوموا خير لكم
القول في تأويل قوله تعالى : { وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون } يعني تعالى ذكره بقوله : { وأن تصوموا } ما كتب عليكم من شهر رمضان فهو خير لكم من أن تفطروه وتفتدوا . كما : 2301 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وأن تصوموا خير لكم } ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له . 2302 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني الليث قال : حدثني يونس , عن ابن شهاب : { وأن تصوموا خير لكم } أي أن الصيام خير لكم من الفدية . 2303 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وأن تصوموا خير لكم } .إن كنتم تعلمون
وأما قوله : { إن كنتم تعلمون } فإنه يعني : إن كنتم تعلمون خير الأمرين لكم أيها الذين آمنوا من الإفطار والفدية أو الصوم على ما أمركم الله به .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 184 | ﴿ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ﴾ |
---|
البقرة: 80 | ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ﴾ |
---|
البقرة: 203 | ﴿وَاذْكُرُوا اللَّـهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ |
---|
آل عمران: 24 | ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ |
---|
الحج: 28 | ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
أياما معدودات:
وقرئ:
أيام معدودات، بالرفع، على أنها خبر مبتدأ محذوف، وهى قراءة أبى عبد الله الحسين بن خالويه.
عدة:
قرئ:
1- بالرفع، وهى قراءة الجمهور، على أنه مبتدأ محذوف الخبر.
2- بالنصب، على إضمار فعل، أي: فليصم عدة، وتكون «عدة» بمعنى معدود.
يطيقونه:
قرئ:
1- يطيقونه، مضارع «أطاق» ، وهى قراءة الجمهور.
2- يطوقونه، من «أطوق» ، كقولهم: أطول، فى: أطال. وهى قراءة حميد، وصحة حرف العلة فى هذا النحو شاذة.
3- يطوّقونه، مبينا للمفعول، من: «طوق» ، وهى قراءة عبد الله بن عباس.
4- يطوقونه، من: «أطوق» ، وأصله: تطوق، على وزن تفعل، ثم أدغموا التاء فى الطاء، فاجتلبوا فى الماضي والأمر همزة وصل، وهى قراءة عائشة، ومجاهد، وطاووس، وعمرو بن دينار.
5- يطيقونه، بفتح ياء المضارعة، ورويت عن مجاهد، وابن عباس.
6- يطيقونه، بضم الياء والبناء للمفعول.
وقيل إن تشديد الياء فى هذه اللفظة ضعيف.
فدية طعام مسكين:
قرئ:
1- بتنوين «فدية» ، ورفع «طعام» ، على البدل، وإفراد «مسكين» ، وهى قراءة الجمهور.
2- بتنوين «فدية» ، ورفع «طعام» ، وجمع «مسكين» ، وهى قراءة هشام.
3- بإضافة «فدية» ، وجمع «مسكين» ، وهى قراءة نافع، وابن ذكوان.
تطوع:
(انظر الآية: 158) من هذه السورة (ص: 327) .
وأن تصوموا:
وقرئ:
والصوم، وقيل: والصيام، وهى قراءة أبى.
التفسير :
{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} أي:الصوم المفروض عليكم, هو شهر رمضان, الشهر العظيم, الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم، وهو القرآن الكريم, المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية, وتبيين الحق بأوضح بيان, والفرقان بين الحق والباطل, والهدى والضلال, وأهل السعادة وأهل الشقاوة. فحقيق بشهر, هذا فضله, وهذا إحسان الله عليكم فيه, أن يكون موسما للعباد مفروضا فيه الصيام. فلما قرره, وبين فضيلته, وحكمة الله تعالى في تخصيصه قال:{ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} هذا فيه تعيين الصيام على القادر الصحيح الحاضر. ولما كان النسخ للتخيير, بين الصيام والفداء خاصة, أعاد الرخصة للمريض والمسافر, لئلا يتوهم أن الرخصة أيضا منسوخة [فقال]{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} أي:يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير, ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله. وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله, سهَّله تسهيلا آخر, إما بإسقاطه, أو تخفيفه بأنواع التخفيفات. وهذه جملة لا يمكن تفصيلها, لأن تفاصيلها, جميع الشرعيات, ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات.{ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} وهذا - والله أعلم - لئلا يتوهم متوهم, أن صيام رمضان, يحصل المقصود منه ببعضه, دفع هذا الوهم بالأمر بتكميل عدته، ويشكر الله [تعالى] عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده, وبالتكبير عند انقضائه, ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد.
وقوله : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهدى والفرقان ) كلام مستأنف لبيان تلك الأيام المعدودات التي كتب علينا الصوم فيها وأنها أيام شهر رمضان الذي يستحق كل مدح وثناء لتشرفه بنزول الكتب السماوية فيه .
قال الإِمام ابن كثير : يمدح - تعالى - شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم ، فقد ورد في الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإِلهية تنزل فيه على الأنبياء فعن وائلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، والإِنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان " .
و ( الشَّهْرَ ) مأخوذ من الشهرة ، يقال : شهر الشيء يشهر شهرة وشهراً إذا ظهر بحيث لا يتعذر علمه على أحد ، ومنه يقال : شهرت السيف إذا سللته قال بعضهم : وسمى الهلال شهراً لشهرته وبيانه ، وبه سمى الشهر شهراً .
و ( رَمَضَانَ ) اسم لهذا الشهر الذي فرض علينا صيامه ، وهو مأخوذ - كما قال القرطبي - من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء : شدة الحر ، ومنه الحديث : " صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال " - أي صلاة الضحى - قيل : إن العرب لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها ، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمى بذلك . وقيل إنما سمى رمضان لأنه يرمض الذنوب ، أي : يحرقها بالأعمال الصالحة " .
وقوله : ( شَهْرُ رَمَضَانَ ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي شهر رمضان أي : الأيام المعدودات ، وقوله : ( الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن ) صفة للشهر .
ويجوز أن يكون قوله ( شَهْرُ ) مبتدأ وخبره الموصول بعده ، أو خبره قوله ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وصح وجود الفاء في الخبر لكون المبتدأ موصوفاً بالموصول الذي هو شبه بالشرط . وقرئ بالنصب على أنه مفعول لفعل محذوف . أي : صوموا شهر رمضان .
و " القرآن " هو كلام الله المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته .
والمراد بإنزال القرآن في شهر رمضان ابتداء إنزاله فيه ، وكان ذلك في ليلة القدر . بدليل قوله - تعالى - ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر ) أي بدأنا إنزال القرآن في هذه الليلة المباركة ، إذ من المعروف أن القرآن استمر نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم ما يقرب من ثلاثة وعشرين سنة .
وقيل المراد بذلك ، أنزل في فضله القرآن ، قالوا : ومثله أن يقال : أنزل الله في أبي بكر الصديق كذا آية ، يريدون أنزل في فضله .
وقيل المراد أنزل في إيجاب صومه على الخلق القرآن ، كما يقال : أنزل الله في الزكاة كذا وكذا ، يريد في إيجابها وأنزل في الخمر كذا يريد في تحريمها .
قال الآلوسي : وقوله - تعالى - : ( هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهدى والفرقان ) حالان لازمان من القرآن والعامل فيهما أنزل . أي : أنزل وهو هداية للناس بإعجازه المختص به كما يشعر بذلك التنكير ، وآيات واضحات من جملة الكتب الإلهية الهادية إلى الحق والفارقة بين الحق والباطل باشتماله على المعارف الإِلهية والأحكام العملية ، كما يشعر بذلك جعله بينات منها ، فهو هاد بواسطة أمرين ، مختص وغير مختص ، فالهدى ليس مكرراً ، وقيل : مكرر تنويهاً وتعظيماً لأمره وتأكيداً لمعنى الهداية كما تقول : علام نحرير " .
وقوله : ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) يصح أن يكون شهد بمعنى حضر . كما يقال : فلان شهد بدراً ، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي : حضرها ، فيكون المعنى : فمن حضر منكم دخول الشهر أو حلوله بأن كان مقيما وليس عنده ما يمنعه من الصو كمرض ونحوه ، فليصمه؛ لأن صيامه ركن من أركان الدين ، وعليه يكون لفظ " الشهر " مصنوب على الظرفية .
ويصح أن يكون شهد بمعنى علم كقوله - تعالى - ( شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ) فيكون المعنى : فمن علم منكم هلال الشهر وتيقن من ظهوره فليصمه .
وعليه يكون لفظ " الشهر " منصوب على أنه مفعول به بتقدير المضاف المحذوف و ( مَن ) موصولة أو شرطية وهو الأظهر و ( مِنكُمُ ) في محل نصب على الحال من الضمير في شهد فيتعلق بمحذوف أي : كائنا منكم . والضمير في " منكم " يعود على الذين آمنوا ، أي كل من حضر منكم الشهر فليصمه و ( أل ) في الشهر للعهد .
وأعيد ذكر الرخصة في قوله - تعالى - ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ، لئلا يتوهم من تعظيم أمر الصوم في نفسه وأنه خير ، أنه قد صار متحتماً بحيث لا تتناوله الرخصة بوجه من الوجوه أو تتناوله ولكنها مفضولة ، وفي ذلك عناية بأمر الرخصة وأنها محبوبة له - تعالى - .
وقوله - تعالى - : ( يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر ) بيان الحكمة الرخصة .
أي : شرع لكم - سبحانه - الفطر في حالتي المرض والسفر ، لأنه يريد بكم اليسر والسهولة . ولا يريد بكم العسر والمشقة . قال - تعالى - : ( يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً ) وقال - تعالى - : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدين ) وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري حين بعثهما إلى اليمن : " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا ، وتطاوعا ولا تختلفا " .
وقوله - تعالى - : ( وَلِتُكْمِلُواْ العدة وَلِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) معطوف على قوله : ( يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر ) إذ هذه الجمل الأربع تعليل لما قبلها من قوله : ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) إلى قوله : ( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .
والمعنى : شرع لكم - سبحانه - ما شرع من أحكام الصيام ، ورخص لكم الفطر في حالتي المرض والسفر ، لأنه يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ، ولأنه يريد منكم أن تكملوا عدة الشهر بأن تصوموا أيامة كاملة فتحصلوا خيراته ولا يفوتكم شيء من بركاته ، ومن لم يستطع منكم أداء الصوم في هذا الشهر لعذر فعليه قضاء ما فاته منه في أيام أخر ويريد منكم أن تكبروه - سبحانه - أي تحدوه وتعظموه ، فهو وحده الذي هداكم إلى تلك الأحكام النافعة التي في صلاحكم وسعادتكم ويريد منكم أن تشكروه بأن تواظبوا على الثناء عليه ، وعلى استعمال نعمه فما خلقت له فهو - سبحانه - الرءوف الرحيم بعباده ، إذ شرع لهم فيه اليسر لا ما فيه العسر .
وقد دلت الآية الكريمة على الأمر بالتكبير إذ جعلته مما يريده الله - تعالى - ولهذا جاءت السنة باستحباب التحميد والتسبيح والتكبير بعد الصلوات المكتوبات ، وفي عيدى الفطر والأضحى يكون تكبير الله - تعالى - هو مظهرهما الأعظم .
وبذلك تكون الآيات الكريمة قد بينت أكمل بيان وأحكمه فضل الصوم ، وحمة مشروعيته ومظاهر رحمة الله بعباده في هذه الفريضة ، وقد ذكرت أن المسلم له بشأن هذه الفريضة حلاة من حالات ثلاث :
الحالة الأولى : إذا كان المسلم في شهر رمضان كله أو بعضه مريضاً بمرض عارض غير مزمن يرجى الشفاء منه ، أو مسافراً تتوفر فيه شروط الفطر ، فله أن يفطر وأن يقضي بعد رمضان الأيام التي أفطرها بدليل قوله - تعالى - : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .
الحالة الثانية : إذا كان المسلم في شهر رمضان مريضاً بمرض مزمن لا يرجى شفاءه والصوم فيه مشقة عليه ، أو كان شيخاً كبيراً أو امرأة عجوزاً ولا يستطيعان الصوم ، فقد أباح الشارع لهؤلاء أن يفطروا وأن يطعموا عن كل يوم مسكيناً ، لأن هذه الأعذار لا يرجى زوالها ، ولا ينتظر أن يكون المبتلي بعذر منها بعد رمضان خيراً منه في رمضان ، لذا أوجب الشارع على هؤلاء الفدية دون القضاء ، بدليل قوله - تعالى - ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ويحرم عليه أن يفطر ، وإن أفطر لغير عذر شرعي كان من الخاسرين في الدنيا والآخرة ، ففي الحديث الشريف الذي رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه - أي لم يجزه - صوم الدهر كله وإن صامه " .
أي : لو حصل منه صوم طول حياته فلن يدرك ثواب ما ضيع بسبب فطره بغير عذر شرعي .
والأحاديث في الترغيب في صوم شهر رمضان ، وفي الترهيب من الفطر فيه كثيرة متنوعة .
يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور ، بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه ، وكما اختصه بذلك ، قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء .
قال الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا عمران أبو العوام ، عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن واثلة يعني ابن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان . وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان " .
وقد روي من حديث جابر بن عبد الله وفيه : أن الزبور أنزل لثنتي عشرة [ ليلة ] خلت من رمضان ، والإنجيل لثماني عشرة ، والباقي كما تقدم . رواه ابن مردويه .
أما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل فنزل كل منها على النبي الذي أنزل عليه جملة واحدة ، وأما القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا ، وكان ذلك في شهر رمضان ، في ليلة القدر منه ، كما قال تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) [ القدر : 1 ] . وقال : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) [ الدخان : 3 ] ، ثم نزل بعد مفرقا بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم . هكذا روي من غير وجه ، عن ابن عباس ، كما قال إسرائيل ، عن السدي ، عن محمد بن أبي المجالد عن مقسم ، عن ابن عباس أنه سأله عطية بن الأسود ، فقال : وقع في قلبي الشك من قول الله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) وقوله : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) وقوله : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) وقد أنزل في شوال ، وفي ذي القعدة ، وفي ذي الحجة ، وفي المحرم ، وصفر ، وشهر ربيع . فقال ابن عباس : إنه أنزل في رمضان ، في ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة ، ثم أنزل على مواقع النجوم ترتيلا في الشهور والأيام . رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه ، وهذا لفظه .
وفي رواية سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أنزل القرآن في النصف من شهر رمضان إلى سماء الدنيا فجعل في بيت العزة ، ثم أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة لجواب كلام الناس .
وفي رواية عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : نزل القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر إلى هذه السماء الدنيا جملة واحدة ، وكان الله يحدث لنبيه ما يشاء ، ولا يجيء المشركون بمثل يخاصمون به إلا جاءهم الله بجوابه ، وذلك قوله : ( وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) [ الفرقان : 32 ، 33 ] .
[ قال فخر الدين : ويحتمل أنه كان ينزل في كل ليلة قدر ما يحتاج الناس إلى إنزاله إلى مثله من اللوح إلى سماء الدنيا ، وتوقف ، هل هذا أولى أو الأول ؟ وهذا الذي جعله احتمالا نقله القرطبي عن مقاتل بن حيان ، وحكى الإجماع على أن القرآن نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وحكى الرازي عن سفيان بن عيينة وغيره أن المراد بقوله : ( الذي أنزل فيه القرآن ) أي : في فضله أو وجوب صومه ، وهذا غريب جدا ] .
وقوله : ( هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) هذا مدح للقرآن الذي أنزله الله هدى لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه واتبعه ) وبينات ) أي : ودلائل وحجج بينة واضحة جلية لمن فهمها وتدبرها دالة على صحة ما جاء به من الهدى المنافي للضلال ، والرشد المخالف للغي ، ومفرقا بين الحق والباطل ، والحلال ، والحرام .
وقد روي عن بعض السلف أنه كره أن يقال : إلا " شهر رمضان " ولا يقال : " رمضان " ; قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن بكار بن الريان ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، وسعيد هو المقبري عن أبي هريرة ، قال : لا تقولوا : رمضان ، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ، ولكن قولوا : شهر رمضان .
قال ابن أبي حاتم : وقد روي عن مجاهد ، ومحمد بن كعب نحو ذلك ، ورخص فيه ابن عباس وزيد بن ثابت .
قلت : أبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن المدني إمام [ في ] المغازي ، والسير ، ولكن فيه ضعف ، وقد رواه ابنه محمد عنه فجعله مرفوعا ، عن أبي هريرة ، وقد أنكره عليه الحافظ ابن عدي وهو جدير بالإنكار فإنه متروك ، وقد وهم في رفع هذا الحديث ، وقد انتصر البخاري ، رحمه الله ، في كتابه لهذا فقال : " باب يقال رمضان " وساق أحاديث في ذلك منها : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ونحو ذلك .
وقوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) هذا إيجاب حتم على من شهد استهلال الشهر أي كان مقيما في البلد حين دخل شهر رمضان ، وهو صحيح في بدنه أن يصوم لا محالة . ونسخت هذه الآية الإباحة المتقدمة لمن كان صحيحا مقيما أن يفطر ويفدي بإطعام مسكين عن كل يوم ، كما تقدم بيانه . ولما حتم الصيام أعاد ذكر الرخصة للمريض وللمسافر في الإفطار ، بشرط القضاء فقال : ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) معناه : ومن كان به مرض في بدنه يشق عليه الصيام معه ، أو يؤذيه أو كان على سفر أي في حال سفر فله أن يفطر ، فإذا أفطر فعليه بعدة ما أفطره في السفر من الأيام ; ولهذا قال : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) أي : إنما رخص لكم في الفطر في حال المرض وفي السفر ، مع تحتمه في حق المقيم الصحيح ، تيسيرا عليكم ورحمة بكم .
وهاهنا مسائل تتعلق بهذه الآية :
إحداها : أنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أن من كان مقيما في أول الشهر ثم سافر في أثنائه ، فليس له الإفطار بعذر السفر والحالة هذه ، لقوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) وإنما يباح الإفطار لمسافر استهل الشهر وهو مسافر ، وهذا القول غريب نقله أبو محمد بن حزم في كتابه المحلى ، عن جماعة من الصحابة والتابعين . وفيما حكاه عنهم نظر ، والله أعلم . فإنه قد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج في شهر رمضان لغزوة الفتح ، فسار حتى بلغ الكديد ، ثم أفطر ، وأمر الناس بالفطر . أخرجه صاحبا الصحيح .
الثانية : ذهب آخرون من الصحابة والتابعين إلى وجوب الإفطار في السفر ، لقوله : ( فعدة من أيام أخر ) والصحيح قول الجمهور ، أن الأمر في ذلك على التخيير ، وليس بحتم ; لأنهم كانوا يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان . قال : " فمنا الصائم ومنا المفطر ، فلم يعب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم " . فلو كان الإفطار هو الواجب لأنكر عليهم الصيام ، بل الذي ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في مثل هذه الحالة صائما ، لما ثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء [ قال ] خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ في شهر رمضان ] في حر شديد ، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه [ من شدة الحر ] وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة .
الثالثة : قالت طائفة منهم الشافعي : الصيام في السفر أفضل من الإفطار ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ، وقالت طائفة : بل الإفطار أفضل ، أخذا بالرخصة ، ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن الصوم في السفر ، فقال : " من أفطر فحسن ، ومن صام فلا جناح عليه " . وقال في حديث آخر :
" عليكم برخصة الله التي رخص لكم " وقالت طائفة : هما سواء لحديث عائشة : أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال : يا رسول الله ، إني كثير الصيام ، أفأصوم في السفر ؟ فقال : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " . وهو في الصحيحين . وقيل : إن شق الصيام فالإفطار أفضل لحديث جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد ظلل عليه ، فقال : " ما هذا ؟ " قالوا : صائم ، فقال : " ليس من البر الصيام في السفر " . أخرجاه . فأما إن رغب عن السنة ، ورأى أن الفطر مكروه إليه ، فهذا يتعين عليه الإفطار ، ويحرم عليه الصيام ، والحالة هذه ، لما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره ، عن ابن عمر وجابر ، وغيرهما : من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة .
الرابعة : القضاء ، هل يجب متتابعا أو يجوز فيه التفريق ؟ فيه قولان : أحدهما : أنه يجب التتابع ، لأن القضاء يحكي الأداء . والثاني : لا يجب التتابع ، بل إن شاء فرق ، وإن شاء تابع . وهذا قول جمهور السلف والخلف ، وعليه ثبتت الدلائل ; لأن التتابع إنما وجب في الشهر لضرورة أدائه في الشهر ، فأما بعد انقضاء رمضان فالمراد صيام أيام عدة ما أفطر . ولهذا قال تعالى : ( فعدة من أيام أخر ) ثم قال : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) قال الإمام أحمد :
حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا ابن هلال ، عن حميد بن هلال العدوي ، عن أبي قتادة ، عن الأعرابي الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره " .
وقال أحمد أيضا : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عاصم بن هلال ، حدثنا غاضرة بن عروة الفقيمي ، حدثني أبي عروة ، قال : كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم فخرج رجلا يقطر رأسه من وضوء أو غسل ، فصلى ، فلما قضى الصلاة جعل الناس يسألونه : علينا حرج في كذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن دين الله في يسر " ثلاثا يقولها .
ورواه الإمام أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الآية من حديث مسلم بن إبراهيم ، عن عاصم بن هلال ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة قال : حدثنا أبو التياح ، سمعت أنس بن مالك يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يسروا ، ولا تعسروا ، وسكنوا ولا تنفروا " . أخرجاه في الصحيحين . وفي الصحيحين أيضا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن : " بشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا ، وتطاوعا ولا تختلفا " . وفي السنن والمسانيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت بالحنيفية السمحة " .
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره : حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا يحيى ابن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، حدثنا أبو مسعود الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، عن محجن بن الأدرع : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي فتراءاه ببصره ساعة ، فقال : " أتراه يصلي صادقا ؟ " قال : قلت : يا رسول الله ، هذا أكثر أهل المدينة صلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسمعه فتهلكه " . وقال : " إن الله إنما أراد بهذه الأمة اليسر ، ولم يرد بهم العسر " .
ومعنى قوله : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ) أي : إنما أرخص لكم في الإفطار للمرض والسفر ونحوهما من الأعذار لإرادته بكم اليسر ، وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدة شهركم .
وقوله : ( ولتكبروا الله على ما هداكم ) أي : ولتذكروا الله عند انقضاء عبادتكم ، كما قال : ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ) [ البقرة : 200 ] وقال : [ ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) ] [ النساء : 103 ] ، ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) [ الجمعة : 10 ] وقال : ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود ) [ ق : 39 ، 40 ] ; ولهذا جاءت السنة باستحباب التسبيح ، والتحميد والتكبير بعد الصلوات المكتوبات .
وقال ابن عباس : ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير ; ولهذا أخذ كثير من العلماء مشروعية التكبير في عيد الفطر من هذه الآية : ( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ) حتى ذهب داود بن علي الأصبهاني الظاهري إلى وجوبه في عيد الفطر ; لظاهر الأمر في قوله ( ولتكبروا الله على ما هداكم ) وفي مقابلته مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يشرع التكبير في عيد الفطر . والباقون على استحبابه ، على اختلاف في تفاصيل بعض الفروع بينهم .
وقوله : ( ولعلكم تشكرون ) أي : إذا قمتم بما أمركم الله من طاعته بأداء فرائضه ، وترك محارمه ، وحفظ حدوده ، فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك .
شهر رمضان
القول في تأويل قوله تعالى : { شهر رمضان } قال أبو جعفر : الشهر فيما قيل أصله من الشهرة , يقال منه : قد شهر فلان سيفه إذا أخرجه من غمده فاعترض به من أراد ضربه , يشهره شهرا وكذلك شهر الشهر إذا طلع هلاله , وأشهرنا نحن إذا دخلنا في الشهر . وأما رمضان فإن بعض أهل المعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمي بذلك لشدة الحر الذي كان يكون فيه حتى ترمض فيه الفصال كما يقال للشهر الذي يحج فيه ذو الحجة , والذي يرتبع فيه ربيع الأول وربيع الآخر . وأما مجاهد فإنه كان يكره أن يقال رمضان ويقول : لعله اسم من أسماء الله . 2304 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا سفيان , عن مجاهد أنه كره أن يقال رمضان , ويقول : لعله اسم من أسماء الله , لكن نقول كما قال الله : { شهر رمضان } وقد بينت فيما مضى أن " شهر " مرفوع على قوله : { أياما معدودات } , هن شهر رمضان , وجائز أن يكون رفعه بمعنى ذلك شهر رمضان , وبمعنى كتب عليكم شهر رمضان . وقد قرأه بعض القراء : { شهر رمضان } نصبا , بمعنى : كتب عليكم الصيام أن تصوموا شهر رمضان . وقرأه بعضهم نصبا بمعنى أن تصوموا شهر رمضان خير لكم إن كنتم تعلمون وقد يجوز أيضا نصبه على وجه الأمر بصومه كأنه قيل : شهر رمضان فصوموه , وجائز نصبه على الوقت كأنه قيل : كتب عليكم الصيام في شهر رمضان .الذي أنزل فيه القرآن
وأما قوله , { الذي أنزل فيه القرآن } فإنه ذكر أنه نزل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان , ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم على ما أراد الله إنزاله إليه . كما : 2305 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر بن عياش , عن الأعمش , عن حسان بن أبي الأشرس عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : أنزل القرآن جملة من الذكر في ليلة أربع وعشرين من رمضان , فجعل في بيت العزة . قال أبو كريب : أبو بكر , وقال ذلك السدي . 2306 - حدثني عيسى بن عثمان , قال : ثنا يحيى بن عيسى , عن الأعمش , عن حسان , عن سعيد بن جبير , قال : نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في شهر رمضان , فجعل في سماء الدنيا . 2307 - حدثنا أحمد بن منصور , قال : ثنا عبد الله بن رجاء , قال : ثنا عمران القطان , عن قتادة , عن ابن أبي المليح عن واثلة , عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال : " نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان , وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان , وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت , وأنزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان " . 2308 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } , أما أنزل فيه القرآن , فإن ابن عباس قال : شهر رمضان , والليلة المباركة : ليلة القدر , فإن ليلة القدر هي الليلة المباركة , وهي من رمضان , نزل القرآن جملة واحدة من الزبر إلى البيت المعمور , وهو مواقع النجوم , في السماء الدنيا حيث وقع القرآن , ثم نزل محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في الأمر والنهي وفي الحروب رسلا رسلا . 2309 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر , فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه , فهو قوله : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } 97 1 2310 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن داود , عن عكرمة , عن ابن عباس فذكر نحوه , وزاد فيه : فكان بين أوله وآخره عشرون سنة . 2311 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : أنزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا , فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتى جمعه . 2312 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا حصين , عن حكيم بن جبير , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء جملة واحدة , ثم فرق في السنين بعد قال : وتلا ابن عباس هذه الآية : { فلا أقسم بمواقع النجوم } 56 57 قال : نزل مفرقا . 2313 - حدثنا يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن داود , عن الشعبي , قال : بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا . 2314 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , قرأه ابن جريج في قوله : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } قال : قال ابن عباس : أنزل القرآن جملة واحدة على جبريل في ليلة القدر , فكان لا ينزل منه إلا بأمر . قال ابن جريج : كان ينزل من القرآن في ليلة القدر كل شيء ينزل من القرآن في تلك السنة , فنزل ذلك من السماء السابعة على جبريل في السماء الدنيا فلا ينزل جبريل من ذلك على محمد إلا ما أمره به ربه ومثل ذلك : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } 97 1 و { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } 44 3 2315 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبيد الله بن موسى , عن إسرائيل , عن السدي , عن محمد بن أبي المجالد , عن مقسم , عن ابن عباس قال له رجل : إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } وقوله : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } وقوله : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وقد أنزل الله في شوال وذي القعدة وغيره قال : إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدة , ثم أنزل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام .هدى للناس
وأما قوله { هدى للناس } فإنه يعني رشادا للناس إلى سبيل الحق وقصد المنهج .وبينات من الهدى
وأما قوله : { وبينات } فإنه يعني : وواضحات من الهدى , يعني من البيان الدال على حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه .والفرقان
وقوله : { والفرقان } يعني : والفصل بين الحق والباطل . كما : 2316 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : أما { وبينات من الهدى والفرقان } فبينات من الحلال والحرام .فمن شهد منكم الشهر فليصمه
القول في تأويل قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } / اختلف أهل التأويل في معنى شهود الشهر . فقال بعضهم : هو مقام المقيم في داره , قالوا : فمن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم في داره فعليه صوم الشهر كله , غاب بعد مسافر أو أقام فلم يبرح . ذكر من قال ذلك : 2317 - حدثني محمد بن حميد ومحمد بن عيسى الدامغاني قالا , ثنا ابن المبارك , عن الحسن بن يحيى , عن الضحاك , عن ابن عباس في قوله : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } قال : هو إهلاله بالدار . يريد إذا هل وهو مقيم . 2318 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا حصين , عمن حدثه , عن ابن عباس أنه قال في قوله : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فإذا شهده وهو مقيم فعليه الصوم أقام أو سافر , وإن شهده وهو في سفر , فإن شاء صام وإن شاء فطر . 2319 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب , عن محمد , عن عبيدة في الرجل يدركه رمضان ثم يسافر , قال : إذا شهدت أوله فصم آخره , ألا تراه يقول : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } * - حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية , عن هشام القردوسي عن محمد بن سيرين , قال : سألت عبيدة , عن رجل أدرك رمضان وهو مقيم , قال : من صام أول الشهر فليصم آخره , ألا تراه يقول : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } 2320 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : أما من شهد منكم الشهر فليصمه , فمن دخل عليه رمضان وهو مقيم في أهله فليصمه , وإن خرج فيه فليصمه فإنه دخل عليه وهو في أهله . 2321 - حدثني المثنى , , قال : ثنا حجاج , قال : ثنا حماد قال : أخبرنا قتادة , عن محمد بن سيرين , عن عبيدة السلماني , عن علي فيما يحسب حماد قال : من أدرك رمضان وهو مقيم ولم يخرج فقد لزمه الصوم , لأن الله يقول : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } * - حدثنا هناد بن السري . قال : ثنا عبد الرحمن , عن إسماعيل بن مسلم , عن محمد بن سيرين , قال : سألت عبيدة السلماني عن قول الله : { فمن شهد منكم الشهر فليصم } قال : من كان مقيما فليصمه , ومن أدركه ثم سافر فيه فليصمه . * - حدثنا هناد قال : ثنا وكيع , عن ابن عون , عن ابن سيرين , عن عبيدة , قال : من شهد أول رمضان فليصم آخره . * - حدثنا هناد , قال : ثنا عبدة , عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن عليا كان يقول : إذا أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر فعليه الصوم . 2322 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبد الرحيم , عن عبيدة الضبي , عن إبراهيم قال : كان يقول : إذا أدركك رمضان فلا تسافر فيه , فإن صمت فيه يوما أو اثنين ثم سافرت فلا تفطر صمه . 2323 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن عمرو بن مرة , عن أبي البختري . قال : كنا عند عبيدة . فقرأ هذه الآية : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } قال : من صام شيئا منه في المصر فليصم بقيته إذا خرج قال : وكان ابن عباس يقول : إن شاء صام , وإن شاء أفطر . 2324 - حدثنا محمد بن بشار , قال , ثنا عبد الوهاب , وحدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , قالا جميعا ثنا أيوب , عن أبي يزيد , عن أم درة قالت : أتيت عائشه في رمضان , قالت : من أين جئت ؟ قلت : من عند أخي حنين , قالت : ما شأنه ؟ قالت : ودعته يريد يرتحل , قالت : فأقرئيه السلام ومريه فليقم , فلو أدركني رمضان وأنا ببعض الطريق لأقمت له . 2325 - حدثنا هناد , قال , ثنا إسحاق بن عيسى , عن أفلح , عن عبد الرحمن , قال : جاء إبراهيم بن طلحة إلى عائشة يسلم عليها , قالت : وأين تريد ؟ قال : أردت العمرة , قالت : فجلست حتى إذا دخل عليك الشهر خرجت فيه قال : قد خرج ثقلي , قالت . اجلس حتى إذا أفطرت فاخرج . يعني شهر رمضان . وقال آخرون : معنى ذلك : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ما شهد منه . ذكر من قال ذلك : 2326 - حدثنا هناد بن السري , قال : ثنا شريك , عن أبي إسحاق : أن أبا ميسرة خرج في رمضان حتى إذا بلغ القنطرة دعا ماء فشرب . 2327 - حدثنا هناد , قال : حدثنا جرير , عن مغيرة , قال : خرج أبو ميسرة في رمضان مسافرا , فمر بالفرات وهو صائم , فأخذ منه كفا فشربه وأفطر . 2328 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن أبي إسحاق , عن مرثد : أن أبا ميسرة سافر في رمضان فأفطر عند باب الجسر هكذا قال هناد عن مرثد , وإنما هو أبو مرثد . * - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال ثنا عبيد الله بن موسى , قال : أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق , عن مرثد : أنه خرج مع أبي ميسرة في رمضان , فلما انتهى إلى الجسر أفطر . 2329 - حدثنا هناد وأبو هشام قالا : ثنا وكيع , عن المسعودي , عن الحسن بن سعد , عن أبيه , قال : كنت مع علي في ضيعة له على ثلاث من المدينة , فخرجنا نريد المدينة في شهر رمضان وعلي راكب وأنا ماش , قال : فصام - قال هناد : وأفطرت - قال أبو هشام : وأمرني فأفطرت . * - حدثنا هناد , قال : ثنا عبد الرحمن بن عتبة , عن الحسن بن سعد , عن أبيه قال : كنت مع علي بن أبي طالب , وهو جاء من أرض له فصام , وأمرني فأفطرت فدخل المدينة ليلا وكان راكبا وأنا ماش . 2330 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن مهدي , قالا جميعا : ثنا سفيان , عن عيسى بن أبي عزة , عن الشعبي أنه سافر في شهر رمضان , فأفطر عند باب الجسر . 2331 - حدثني ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن قال : قال لي سفيان : أحب إلي أن تتمه . 2332 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , عن شعبة , قال : سألت الحكم وحمادا وأردت أن أسافر في رمضان فقالا لي : اخرج وقال حماد : قال إبراهيم : أما إذا كان العشر فأحب إلي أن يقيم . 2333 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا أبو الوليد , قال : ثنا حماد , عن قتادة , عن الحسن وسعيد بن المسيب قالا : من أدركه الصوم وهو مقيم رمضان ثم سافر , قالا : إن شاء أفطر . وقال آخرون : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } يعني فمن شهده عاقلا بالغا مكلفا فليصمه . وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه , كانوا يقولون : من دخل عليه شهر رمضان وهو صحيح عاقل بالغ فعليه صومه , فإن جن بعد دخوله عليه وهو بالصفة التي وصفنا ثم أفاق بعد انقضائه لزمه قضاء ما كان فيه من أيام الشهر مغلوبا على عقله , لأنه كان ممن شهده وهو ممن عليه فرض قالوا : وكذلك لو دخل عليه شهر رمضان وهو مجنون إلا أنه ممن لو كان صحيح العقل كان عليه صومه , فلن ينقضي الشهر حتى صح وبرأ أو أفاق قبل انقضاء الشهر بيوم أو أكثر من ذلك فإن عليه قضاء صوم الشهر كله سوى اليوم الذي صامه بعد إفاقته , لأنه ممن قد شهد الشهر قالوا : ولو دخل عليه شهر رمضان وهو مجنون فلم يفق حتى انقضى الشهر كله ثم أفاق لم يلزمه قضاء شيء منه , لأنه لم يكن ممن شهده مكلفا صومه 1 2 وهذا تأويل لا معنى له , لأن الجنون إن كان يسقط عمن كان به فرض الصوم من أجل فقد صاحبه عقله جميع الشهر فقد يجب أن يكون ذلك سبيل كل من فقد عقله جميع شهر الصوم . وقد أجمع الجميع على أن من فقد عقله جميع شهر الصوم بإغماء أو برسام ثم أفاق بعد انقضاء الشهر أن عليه قضاء الشهر كله ولم يخالف ذلك أحد يجوز الاعتراض به على الأمة وإذا كان إجماعا فالواجب أن يكون سبيل كل من كان زائل العقل جميع شهر الصوم سبيل المغمى عليه . وإذا كان ذلك كذلك كان معلوما أن تأويل الآية غير الذي تأولها قائلو هذه المقالة من أنه شهود الشهر أو بعضه مكلفا صومه . وإذا بطل ذلك فتأويل المتأول الذي زعم أن معناه : فمن شهد أوله مقيما حاضرا فعليه صوم جميعه أبطل وأفسد لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج عام الفتح من المدينة في شهر رمضان بعد ما صام بعضه وأفطر وأمر أصحابه بالإفطار . 2334 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو الأحوص , عن منصور , عن مجاهد , عن ابن عباس , قال : " سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من المدينة إلى مكة , حتى إذا أتى عسفان نزل به , فدعا بإناء فوضعه على يده ليراه الناس , ثم شربه " . * - حدثنا ابن حميد وسفيان بن وكيع قالا : ثنا جرير , عن منصور , عن مجاهد , عن طاوس , عن ابن عباس , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه . * - حدثنا هناد , ثنا عبيدة , عن منصور , عن مجاهد , عن طاوس , عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه . 2335 - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا يونس بن بكير قال : ثنا ابن إسحاق , قال حدثني الزهري , عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة , عن ابن عباس قال : مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره عام الفتح لعشر مضين من رمضان , فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه , حتى إذا أتى الكديد ما بين عسفان وأمج وأفطر . * - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا عبدة , عن محمد بن إسحاق , عن الزهري , عن عبيد الله بن عبد الله , عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر أو لعشرين مضت من رمضان عام الفتح , فصام حتى إذا كان بالكديد أفطر . 2336 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا سالم بن نوح , قال : ثنا عمر بن عامر , عن قتادة , عن أبي نضرة , عن أبي سعيد الخدري , قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لثمان عشرة مضت من رمضان , فمنا الصائم , ومنا المفطر , فلم يعب المفطر على الصائم , ولا الصائم على المفطر . فإذا كانا فاسدين هذان التأويلان بما عليه دللنا من فسادهما , فتبين أن الصحيح من التأويل هو الثالث , وهو قول من قال : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } جميع ما شهد منه مقيما , ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر .ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر
القول في تأويل قوله تعالى : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } يعني تعالى ذكره بذلك : ومن كان مريضا أو على سفر في الشهر فأفطر فعليه صيام عدة الأيام التي أفطرها من أيام أخر غير أيام شهر رمضان . ثم اختلف أهل العلم في المرض الذي أباح الله معه الإفطار وأوجب معه عدة من أيام أخر فقال بعضهم : هو المرض الذي لا يطيق صاحبه معه القيام لصلاته . ذكر من قال ذلك : 2337 - حدثنا معاذ بن شعبة البصري , قال : ثنا شريك , عن مغيرة , عن إبراهيم وإسماعيل بن مسلم , عن الحسن أنه قال : إذا لم يستطع المريض أن يصلي قائما أفطر . 2338 - حدثني يعقوب قال : ثنا هشيم , عن مغيرة أو عبيدة , عن إبراهيم في المريض إذا لم يستطع الصلاة قائما : فليفطر يعني في رمضان . 2339 - حدثنا هناد , قال : ثنا حفص بن غياث , عن إسماعيل , قال : سألت الحسن : متى يفطر الصائم ؟ قال : إذا أجهده الصوم , قال : إذا لم يستطع أن يصلي الفرائض كما أمر . وقال بعضهم : وهو كل مرض كان الأغلب من أمر صاحبه بالصوم الزيادة في علته زيادة غير محتملة وذلك هو قول محمد بن إدريس الشافعي , حدثنا بذلك عنه الربيع . وقال آخرون : وهو [ كل ] مرض يسمى مرضا . ذكر من قال ذلك : 2340 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا الحسن بن خالد الربعي , قال : ثنا طريف بن تمام العطاردي , أنه دخل على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل فلم يسأله , فلما فرغ قال : إنه وجعت إصبعي هذه . والصواب من القول في ذلك عندنا , أن المرض الذي أذن الله تعالى ذكره بالإفطار معه في شهر رمضان من كان الصوم جاهده جهدا غير محتمل , فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمر , فإن لم يكن مأذونا له في الإفطار فقد كلف عسرا ومنع يسرا , وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بخلقه بقوله : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } . وأما من كان الصوم غير جاهده , فهو بمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم , فعليه أداء فرضه . وأما قوله : { فعدة من أيام أخر } فإن معناها : أيام معدودة سوى هذه الأيام . وأما الأخر فإنها جمع أخرى بجمعهم الكبرى على الكبر والقربى على القرب . فإن قال قائل : أو ليست الأخر من صفة الأيام ؟ قيل : بلى فإن قال : أو ليس واحد الأيام يوم وهو مذكر ؟ قيل : بلى . فإن قال : فكيف يكون واحد الأخر أخرى وهي صفة لليوم ولم يكن آخر ؟ قيل : إن واحد الأيام وإن كان إذا نعت بواحد الأخر فهو آخر , فإن الأيام في الجمع تصير إلى التأنيث فتصير نعوتها وصفاتها كهيئة صفات المؤنث , كما يقال : مضت الأيام جمع , ولا يقال : أجمعون , ولا أيام آخرون . فإن قال لنا قائل : فإن الله تعالى قال : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } ومعنى ذلك عندك : فعليه عدة من أيام أخر كما قد وصفت فيما مضى . فإن كان ذلك تأويله , فما قولك فيمن كان مريضا أو على سفر فصام الشهر وهو ممن له الإفطار , أيجزيه ذلك من صيام عدة من أيام أخر , أو غير مجزيه ذلك ؟ وفرض صوم عدة من أيام أخر ثابت عليه بهيئته وإن صام الشهر كله , وهل لمن كان مريضا أو على سفر صيام شهر رمضان , أم ذلك محظور عليه , وغير جائز له صومه , والواجب عليه الإفطار فيه حتى يقيم هذا ويبرأ هذا ؟ قيل : قد اختلف أهل العلم في كل ذلك , ونحن ذاكرو اختلافهم في ذلك , ومخبرون بأولاه بالصواب إن شاء الله . فقال بعضهم : الإفطار في المرض عزمة من الله واجبة , وليس بترخيص . ذكر من قال ذلك : 2341 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , وحدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية جميعا , عن سعيد , عن قتادة , عن جابر بن زيد , عن ابن عباس , قال : الإفطار في السفر عزمة . 2342 - حدثني محمد بن المثنى , قال : ثنا وهب بن جرير , قال : أخبرنا سعيد , عن يعلى , عن يوسف بن الحكم , قال : سألت ابن عمر , أو سئل عن الصوم في السفر , فقال : أرأيت لو تصدقت على رجل بصدقة فردها عليك ألم تغضب ؟ فإنها صدقة من الله تصدق بها عليكم . 2343 - حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأزدي , قال : ثنا المحاربي عن عبد الملك بن حميد , قال : قال أبو جعفر كان أبي لا يصوم في السفر وينهى عنه . 2344 - وحدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا عبيد , عن الضحاك : أنه كره الصوم في السفر . وقال أهل هذه المقالة : من صام في السفر فعليه القضاء إذا قام . ذكر من قال ذلك : 2345 - حدثنا نصر بن علي الخثعمي , قال : ثنا مسلم بن إبراهيم قال : ثنا ربيعة بن كلثوم , عن أبيه , عن رجل : أن عمر أمر الذي صام في السفر أن يعيد . * - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن أبي عدي , عن سعيد بن عمرو بن دينار , عن رجل من بني تميم عن أبيه , قال : أمر عمر رجلا صام في السفر أن يعيد صومه . 2346 - حدثني ابن حميد الحمصي , قال : ثنا علي بن معبد , عن عبيد الله بن عمرو , عن عبد الكريم , عن عطاء , عن المحرر بن أبي هريرة , قال : كنت مع أبي في سفر في رمضان , فكنت أصوم ويفطر , فقال لي أبي : أما إنك إذا أقمت قضيت . 2347 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا سليمان بن داود , قال : ثنا شعبة , عن عاصم مولى قريبة , قال : سمعت عروة يأمر رجلا صام في السفر أن يقضي . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الصمد , قال : ثنا شعبة , عن عاصم مولى قريبة أن رجلا صام في السفر فأمره عروة أن يقضي . 2348 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن صبيح , قال : ثنا ربيعة بن كلثوم , عن أبيه كلثوم : أن قوما قدموا على عمر بن الخطاب وقد صاموا رمضان في سفر , فقال لهم : والله لكأنكم كنتم تصومون ! فقالوا : والله يا أمير المؤمنين لقد صمنا , قال : فأطقتموه ؟ قالوا : نعم , قال : فاقضوه فاقضوه فاقضوه . وعلة من قال هذه المقالة أن الله تعالى ذكره فرض بقوله : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } صوم شهر رمضان على من شهده مقيما غير مسافر , وجعل على من كان مريضا أو مسافرا صوم عدة من أيام أخر غير أيام شهر رمضان بقوله : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } قالوا : فكما غير جائز للمقيم إفطار أيام شهر رمضان وصوم عدة أيام أخر مكانها , لأن الذي فرضه الله عليه بشهوده الشهر صوم الشهر دون غيره , فكذلك غير جائز لمن لم يشهده من المسافرين مقيما صومه , لأن الذي فرضه الله عليه عدة من أيام أخر واعتلوا أيضا من الخبر بما : 2349 - حدثنا به محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي , قال : ثنا يعقوب بن محمد الزهري , قال : ثنا عبيد الله بن موسى , عن أسامة بن زيد , عن الزهري , عن أبي سلمة بن عبد الرحمن , عن عبد الرحمن بن عوف , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " . * - حدثني محمد بن عبيد الله بن سعيد , قال : ثنا يزيد بن عياض , عن الزهري , عن أبي سلمة بن عبد الرحمن , عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " . وقال آخرون : إباحة الإفطار في السفر رحمة من الله تعالى ذكره رخصها لعباده , والفرض الصوم , فمن صام فرضه أدى , ومن أفطر فبرخصة الله له أفطر قالوا : وإن صام في سفر فلا قضاء عليه إذا أقام . ذكر من قال ذلك : 2350 - حدثنا ابن بشار , قال : حدثنا عبد الوهاب , قال : ثنا أيوب , قال : ثنا عروة وسالم أنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز إذ هو أمير على المدينة فتذاكروا الصوم في السفر , قال سالم : كان ابن عمر لا يصوم في السفر , وقال عروة : وكانت عائشة تصوم , فقال سالم : إنما أخذت عن ابن عمر , وقال عروة : إنما أخذت عن عائشة حتى ارتفعت أصواتهما , فقال عمر بن عبد العزيز : اللهم عفوا إذا كان يسرا فصوموا , وإذا كان عسرا فافطروا . * - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب , قال : حدثني رجل , قال : ذكر الصوم في السفر عند عمر بن عبد العزيز , ثم ذكر نحو حديث ابن بشار . 2351 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن محمد بن إسحاق , وحدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس ثنا ابن إسحاق , عن الزهري , عن سالم بن عبد الله , قال : خرج عمر بن الخطاب في بعض أسفاره في ليال بقيت من رمضان , فقال : إن الشهر قد تشعشع - قال أبو كريب في حديثه أو تسعسع , ولم يشك يعقوب - فلو صمنا ! فصام وصام الناس معه ثم أقبل مرة قافلا حتى إذا كان بالروحاء أهل هلال شهر رمضان , فقال إن الله قد قضى السفر , فلو صمنا ولم نثلم شهرنا ! قال : فصام وصام الناس معه . 2352 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا الحكم بن بشير , قال : حدثني أبي , وحدثنا محمد بن بشار , قال : أخبرنا عبيد الله , قال : أخبرنا بشير بن سلمان , عن خيثمة , قال : سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر , قال : قد أمرت غلامي أن يصوم فأبى . قلت : فأين هذه الآية : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } ؟ قال : نزلت ونحن يومئذ نرتحل جياعا وننزل على غير شبع , وأنا اليوم نرتحل شباعا وننزل على شبع . * - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع : عن بشير بن سلمان , عن خيثمة , عن أنس نحوه . 2353 - حدثنا هناد وأبو السائب قالا : ثنا أبو معاوية , عن عاصم , عن أنس أنه سئل عن الصوم في السفر فقال : من أفطر فبرخصة الله , ومن صام فالصوم أفضل . 2354 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو أسامة , عن أشعث بن عبد الملك , عن محمد بن عثمان بن أبي العاص , قال : الفطر في السفر رخصة , والصوم أفضل . 2355 - حدثنا المثنى , قال : ثنا عبد الصمد , قال : ثنا شعبة , قال : ثنا أبو الفيض , قال : كان علي علينا أمير بالشام , فنهانا عن الصوم في السفر , فسألت أبا قرصافة رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بني ليث - قال عبد الصمد : سمعت رجلا من قومه يقول : إنه واثلة بن الأسقع - قال لو صمت في السفر ما قضيت . 2356 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن بسطام بن مسلم , عن عطاء قال : إن صمتم أجزأ عنكم وإن أفطرتم فرخصة . 2357 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن كهمس , قال : سألت سالم بن عبد الله عن الصوم في السفر , فقال : إن صمتم أجزأ عنكم , وإن أفطرتم فرخصة . * - حدثنا هناد , قال : ثنا عبد الرحيم , عن طلحة بن عمرو , عن عطاء , قال : من صام فحق أداه , ومن أفطر فرخصة أخذ بها . 2358 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن حماد , عن سعيد بن جبير , قال : الفطر في السفر رخصة , والصوم أفضل . 2359 - حدثنا هناد قال : ثنا أبو معاوية , عن حجاج , عن عطاء , قال : هو تعليم , وليس بعزم , يعني قول الله : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } إن شاء صام , وإن شاء لم يصم . 2360 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو أسامة , عن هشام , عن الحسن في الرجل يسافر في رمضان , قال : إن شاء صام , وإن شاء أفطر . 2361 - حدثنا حميد بن مسعدة . قال : ثنا سفيان بن حبيب , قال : ثنا العوام بن حوشب , قال : قلت لمجاهد : الصوم في السفر ؟ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فيه ويفطر , قال : قلت فأيهما أحب إليك ؟ قال : إنما هي رخصة , وأن تصوم رمضان أحب إلي . 2362 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن حماد , عن سعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد أنهم قالوا : الصوم في السفر , إن شاء صام وإن شاء أفطر , والصوم أحب إليهم . 2363 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي إسحاق , قال : قال لي مجاهد في الصوم في السفر , يعني صوم رمضان : والله ما منهما إلا حلال الصوم والإفطار , وما أراد الله بالإفطار إلا التيسير لعباده . 2364 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن الأشعث بن سليم , قال : صحبت أبي والأسود بن يزيد وعمرو بن ميمون وأبا وائل إلى مكة , وكانوا يصومون رمضان وغيره في السفر . * - حدثنا علي بن حسن الأزدي . قال : ثنا معافى بن عمران , عن سفيان , عن حماد , عن سعيد بن جبير : الفطر في السفر رخصة , والصوم أفضل . 2365 - حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي , قال : ثنا يعقوب , قال : ثنا صالح بن محمد بن صالح , عن أبيه قال : قلت للقاسم بن محمد : إنا نسافر في الشتاء في رمضان , فإن صمت فيه كان أهون علي من أن أقضيه في الحر . فقال : قال الله : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ما كان أيسر عليك فافعل . وهذا القول عندنا أولى بالصواب لإجماع الجميع على أن مريضا لو صام شهر رمضان وهو ممن له الإفطار لمرضه أن صومه ذلك مجزئ عنه , ولا قضاء عليه إذا برأ من مرضه بعدة من أيام أخر , فكان معلوما بذلك أن حكم المسافر حكمه في أن لا قضاء عليه إن صامه في سفره , لأن الذي جعل للمسافر من الإفطار وأمر به من قضاء عدة من أيام أخر مثل الذي جعل من ذلك للمريض وأمر به من القضاء . ثم في دلالة الآية كفاية مغنية عن استشهاد شاهد على صحة ذلك بغيرها , وذلك قول الله تعالى ذكره : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ولا عسر أعظم من أن يلزم من صامه في سفره عدة من أيام أخر , وقد تكلف أداء فرضه في أثقل الحالين عليه حتى قضاه وأداه . فإن ظن ذو غباوة أن الذي صامه لم يكن فرضه الواجب , فإن في قول الله تعالى ذكره : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } , { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } ما ينبئ أن المكتوب صومه من الشهور على كل مؤمن هو شهر رمضان مسافرا كان أو مقيما , لعموم الله تعالى ذكره المؤمنين بذلك بقوله : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } { شهر رمضان } وأن قوله : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } معناه : ومن كان مريضا أو على سفر فأفطر برخصة الله فعليه صوم عدة أيام أخر مكان الأيام التي أفطر في سفره أو مرضه . ثم في تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله إذا سئل عن الصوم في السفر : " إن شئت فصم , وإن شئت فأفطر " , الكفاية الكافية عن الاستدلال على صحة ما قلنا في ذلك بغيره . 2366 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبد الرحيم ووكيع , وعبدة بن هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة : أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر , وكان يسرد الصوم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن شئت فصم وإن شئت فأفطر " 2367 - حدثنا أبو كريب وعبيد بن إسماعيل الهباري قالا : ثنا ابن إدريس , قال : ثنا هشام بن عروة , عن أبيه أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم , فذكر نحوه . 2368 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد , قال : أخبرنا حيوة بن شريح , قال : أخبرنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن أبي مراوح عن حمزة الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا رسول الله إني أسرد الصوم فأصوم في السفر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما هي رخصة من الله لعباده , فمن فعلها فحسن جميل , ومن تركها فلا جناح عليه " فكان حمزة يصوم الدهر , فيصوم في السفر والحضر ; وكان عروة بن الزبير يصوم الدهر , فيصوم في السفر والحضر , حتى إن كان ليمرض فلا يفطر ; وكان أبو مراوح يصوم الدهر , فيصوم في السفر والحضر . ففي هذا مع نظائره من الأخبار التي يطول باستيعابها الكتاب الدلالة الدالة على صحة ما قلنا من أن الإفطار رخصة لا عزم , والبيان الواضح على صحة ما قلنا في تأويل قوله : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } . فإن قال قائل : فإن الأخبار بما قلت وإن كانت متظاهرة , فقد تظاهرت أيضا بقوله : " ليس من البر الصيام في السفر " ؟ . قيل : إن ذلك إذا كان صيام في مثل الحال التي جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك لمن قال له . 2369 - حدثنا الحسين بن يزيد السبيعي , قال : ثنا ابن إدريس , عن محمد بن عبد الرحمن , عن محمد بن عمرو بن الحسن , عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في سفره قد ظلل عليه , وعليه جماعة , فقال : " من هذا ؟ " قالوا : صائم , قال : " ليس من البر الصوم في السفر " . قال أبو جعفر : أخشى أن يكون هذا الشيخ غلط وبين ابن إدريس ومحمد بن عبد الرحمن شعبة . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري , عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي , عن جابر بن عبد الله , قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قد اجتمع الناس عليه , وقد ظلل عليه , فقالوا : هذا رجل صائم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر أن تصوموا في السفر " . فمن بلغ منه الصوم ما بلغ من الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم , ذلك , فليس من البر صومه ; لأن الله تعالى ذكره قد حرم على كل أحد تعريض نفسه لما فيه هلاكها , وله إلى نجاتها سبيل , وإنما يطلب البر بما ندب الله إليه وحض عليه من الأعمال لا بما نهى عنه . وأما الأخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله : " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " فقد يحتمل أن يكون قيل لمن بلغ منه الصوم ما بلغ من هذا الذي ظلل عليه إن كان قبل ذلك , وغير جائز عليه أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قيل ذلك ; لأن الأخبار التي جاءت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واهية الأسانيد لا يجوز الاحتجاج بها في الدين . فإن قال قائل : وكيف عطف على المريض وهو اسم بقوله : { أو على سفر } و " على " صفة لا اسم ؟ قيل : جاز أن ينسق بعلى على المريض , لأنها في معنى الفعل , وتأويل ذلك : أو مسافرا , كما قال تعالى ذكره : { دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما } 10 12 فعطف بالقاعد والقائم على اللام التي في لجنبه , لأن معناها الفعل , كأنه قال : دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما .يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر
القول في تأويل قوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } يعني تعالى ذكره بذلك : يريد الله بكم أيها المؤمنون بترخيصه لكم في حال مرضكم وسفركم في الإفطار , وقضاء عدة أيام أخر من الأيام التي أفطرتموها بعد إقامتكم وبعد برئكم من مرضكم التخفيف عليكم , والتسهيل عليكم لعلمه بمشقة ذلك عليكم في هذه الأحوال . { ولا يريد بكم العسر } يقول : ولا يريد بكم الشدة والمشقة عليكم , فيكلفكم صوم الشهر في هذه الأحوال , مع علمه شدة ذلك عليكم وثقل حمله عليكم لو حملكم صومه . كما : 2370 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثنا معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } قال : اليسر : الإفطار في السفر , والعسر : الصيام في السفر . 2371 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي حمزة , قال : سألت ابن عباس عن الصوم في السفر , فقال : يسر وعسر , فخذ بيسر الله . 2372 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { يريد الله بكم اليسر } قال : هو الإفطار في السفر , وجعل عدة من أيام أخر , { ولا يريد بكم العسر } 2373 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } فأريدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم . 2374 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن ابن عيينة , عن عبد الكريم الجزري عن طاوس , عن ابن عباس قال : لا تعب على من صام ولا على من أفطر , يعني في السفر في رمضان ; { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } 2375 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : ثنا الفضيل بن خالد , قال : ثنا عبيد بن سليمان , قال سمعت الضحاك بن مزاحم في قوله : { يريد الله بكم اليسر } الإفطار في السفر , { ولا يريد بكم العسر } الصيام في السفر .ولتكملوا العدة
القول في تأويل قوله تعالى : { ولتكملوا العدة } . يعني تعالى ذكره بذلك : { ولتكملوا العدة } عدة ما أفطرتم من أيام أخر أوجبت عليكم قضاء عدة من أيام أخر بعد برئكم من مرضكم , أو إقامتكم من سفركم . كما : 2376 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { ولتكملوا العدة } قال : عدة ما أفطر المريض والمسافر . 2377 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { ولتكملوا العدة } قال : إكمال العدة : أن يصوم ما أفطر من رمضان في سفر أو مرض إلى أن يتمه , فإذا أتمه فقد أكمل العدة . فإن قال قائل : ما الذي عليه بهذه الواو التي في قوله : { ولتكملوا العدة } عطفت ؟ قيل : اختلف أهل العربية في ذلك , فقال بعضهم : هي عاطفة على ما قبلها كأنه قيل : ويريد لتكملوا العدة ولتكبروا الله . وقال بعض نحويي الكوفة : وهذه اللام التي في قوله : { ولتكملوا } لام كي , لو ألقيت كان صوابا . قال : والعرب تدخلها في كلامها على إضمار فعل بعدها , ولا تكون شرطا للفعل الذي قبلها وفيها الواو ; ألا ترى أنك تقول : جئتك لتحسن إلي , ولا تقول : جئتك ولتحسن إلي ; فإذا قلته فأنت تريد : ولتحسن جئتك . قال : وهذا في القرآن كثير , منه قوله : { ولتصغى إليه أفئدة } 6 113 وقوله : { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين } 6 75 ولو لم تكن فيه الواو كان شرطا على قولك : أريناه ملكوت السموات والأرض ليكون , فإذا كانت الواو فيها فلها فعل مضمر بعدها , و " ليكون من الموقنين " أريناه . وهذا القول أولى بالصواب في العربية , لأن قوله : { ولتكملوا العدة } ليس قبله لام بمعنى التي في قوله : { ولتكملوا العدة } فتعطف بقوله : { ولتكملوا العدة } عليها , وإن دخول الواو معها يؤذن بأنها شرط لفعل بعدها , إذ كانت الواو لو حذفت كانت شرطا لما قبلها من الفعل .ولتكبروا الله على ما هداكم
القول في تأويل قوله تعالى : { ولتكبروا الله على ما هداكم } يعني تعالى ذكره : ولتعظموا الله بالذكر له بما أنعم عليكم به من الهداية التي خذل عنها غيركم من أهل الملل الذين كتب عليهم من صوم شهر رمضان مثل الذي كتب عليكم فيه , فضلوا عنه بإضلال الله إياهم , وخصكم بكرامته فهداكم له , ووفقكم لأداء ما كتب الله عليكم من صومه , وتشكروه على ذلك بالعبادة له . والذكر الذي خصهم الله على تعظيمه به التكبير يوم الفطر فيما تأوله جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 2378 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن داود بن قيس , قال : سمعت زيد بن أسلم يقول : { ولتكبروا الله على ما هداكم } قال : إذا رأى الهلال , فالتكبير من حين يرى الهلال حتى ينصرف الإمام في الطريق والمسجد إلا أنه إذا حضر الإمام كف فلا يكبر إلا بتكبيره . 2379 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : سمعت سفيان يقول : { ولتكبروا الله على ما هداكم } قال : بلغنا أنه التكبير يوم الفطر . 2380 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : كان ابن عباس يقول : حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم ; لأن الله تعالى ذكره يقول : { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم } قال ابن زيد : ينبغي لهم إذا غدوا إلى المصلى كبروا , فإذا جلسوا كبروا , فإذا جاء الإمام صمتوا , فإذا كبر الإمام كبروا , ولا يكبرون إذا جاء الإمام إلا بتكبيره , حتى إذا فرغ وانقضت الصلاة فقد انقضى العيد . قال يونس : قال ابن وهب : قال عبد الرحمن بن زيد : والجماعة عندنا على أن يغدوا بالتكبير إلى المصلى .ولعلكم تشكرون
القول في تأويل قوله تعالى : { ولعلكم تشكرون } . يعني تعالى ذكره بذلك : ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق . وتيسير ما لو شاء عسر عليكم . و " لعل " في هذا الموضع بمعنى " كي " , ولذلك عطف به على قوله : { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 184 | ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ﴾ |
---|
البقرة: 185 | ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ |
---|
البقرة: 196 | ﴿وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
شهر:
قرئ:
1- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
2- بالنصب، على تقدير فعل، تقديره: صوموا شهر رمضان، وهى قراءة مجاهد، وشهر بن حوشب، وهارون الأعور عن أبى عمرو، وأبى عمارة عن حفص عن عاضم.
ولتكملوا:
قرئ:
1- مشدد الميم مفتوح الكاف، وهى قراءة أبى بكر، وأبى عمرو، بخلاف عنهما.
2- بالتخفيف وإسكان الكاف، وهى قراءة الباقين.
التفسير :
هذا جواب سؤال، سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فقالوا:يا رسول الله, أقريب ربنا فنناجيه, أم بعيد فنناديه؟ فنزل:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} لأنه تعالى, الرقيب الشهيد, المطلع على السر وأخفى, يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, فهو قريب أيضا من داعيه, بالإجابة، ولهذا قال:{ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} والدعاء نوعان:دعاء عبادة, ودعاء مسألة. والقرب نوعان:قرب بعلمه من كل خلقه, وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق. فمن دعا ربه بقلب حاضر, ودعاء مشروع, ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء, كأكل الحرام ونحوه, فإن الله قد وعده بالإجابة، وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء, وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية, والإيمان به, الموجب للاستجابة، فلهذا قال:{ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} أي:يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة, ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة. ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره, سبب لحصول العلم كما قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا
ثم بين - سبحانه - أن العباد إذا حافظوا على فرائضه ، واستجابوا لأوامره ، وابتعدوا عن نواهيه ، فإنه - عز وجل - لا يرد لهم طلباً ولا يخيب لهم رجاء فقال :
( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ . . . )
قال الإِمام البيضاوي في وجه اتصال هذه الآية بما قبلها من آيات الصيام : واعلم أنه - تعالى - لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشكر عقبة بهذه الآية الدالة على أنه خبير بأحوالهم سميع لأقوالهم ، مجيب لدعائهم ، مجاز على أعماله تأكيداً له وحثاً عليه " .
وروى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه بن جرير وابن أبي حاتم أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقريب ربنا فنناجيه - أي : ندعوه سرا - أم بعيد فنناديه؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية .
ومنها ما رواه ابن مردويه - بسنده - عن الحسن قال : سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أين ربنا؟ فأنزل الله - تعالى - هذه الآية .
والمعنى : وإذا سألك عبادي يا محمد عن قربي وبعدي فقل لهم : إني قريب منهم بعلمي ورحمتي وقدرتي وإجابتي لسؤالهم . قال - تعالى - : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد ) وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيها الناس اربعوا على أنفسكم - أي أرفقوا بها - فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ، إنكم تدعون سميعاً بصيراً وهو معكم ، والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " .
فقوله - تعالى - : ( فَإِنِّي قَرِيبٌ ) تمثيل لكمال علمه - تعالى - بأفعال عباده وأقوالهم ، واطلاعه على سائر أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم إذ القرب المكاني محال على الله - تعالى - .
وفي الآية الكريمة التفات عن خطاب المؤمنين كافة بأحكام الصيام ، إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بأن يذكرهم ويعلمهم ما يجب عليهم مراعاته في سائر عبادتهم من الإِخلاص والأدب والتوجه إلى الله وحده بالسؤال .
ولم يصدر الجواب بقل أو فقل كما وقع في أجوبة مسائلهم الواردة في آيات أخرى ، نحو ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ) بل تولى - سبحانه - جوابهم بنفسه إشعاراً بفرط قربه منهم ، وحضوره مع كل سائل بحيث لا تتوقف إجابته على وجود واسطة بينه وبين السائلين من ذوي الحاجات .
والمراد بالعباد الذين أضيفوا إلى ضمير الجلالة هم المؤمنون لأن الحديث عنهم ، ولأن سياق الآيات بيان أحكام الصوم وفضائله وهو خاص بالمؤمنين ، وقد أضيفوا إلى ضمير الجلالة لتشريفهم وتكريمهم .
وقوله - تعالى - : ( أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ ) تقرير للقرب وتحقيق له ، ووعد للداعي بالإِجابة متى صدر الدعاء من قلب سليم ، ونفس صافية ، وجوارح خاشعة ، ولقد ساق لنا القرآن في آيات كثيرة أمثلة لعباد الله الذين توجهوا إليه بالسؤال ، فأجاب الله سؤالهم ، ومن ذلك قوله - تعالى - :
( وَنُوحاً إِذْ نادى مِن قَبْلُ فاستجبنا لَهُ ) وقوله - تعالى - ( وَزَكَرِيَّآ إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين . فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) وقوله - تعالى - : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ) وورد في الحديث ما يدل على أن العبد إذا دعا الله - تعالى - بما فيه خير ، لم يخب عند الله دعاؤه ، ولكن لا يلزم أن يعطيه - سبحانه - نفس ما طلبه ، لأنه هو الأعلم بما يصلح عباده . روى الإِمام أحمد عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم يدعو الله - عز وجل - بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل إليه دعوته ، وإما أن يدخرها له في الأخرى ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها " .
وقوله - تعالى - ( فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) توجيه منه - سبحانه - إلى ما يجعل الدعاء مرجو القبول والإِجابة .
والاستجابة : هي الإِجابة بعناية واستعداد ، والسين والتاء للمبالغة .
والرشد : الاهتداء إلى الخير وحسن التصرف في الأمر من دين أو دنيا يقال : رشد ورشد يرشد ويرشد رشداً ، أي اهتدي .
والمعنى : لقد وعدتكم يا عبادي بأن أجيب دعاءكم إذا دعوتموني ، وعليكم أنتم أن تستجيبوا لأمري ، وأن تقفوا عند حدودي ، وأن تثبتوا على إيمانكم بي ، لعلكم بذلك تصلون إلى ما فيه رشدكم وسعادتكم في الحياتين العاجلة والآجلة . وأمرهم - سبحانه - بالإِيمان بعد الأمر بالاستجابة ، لأنه أول مراتب الدعوة ، وأولى الطاعات بالاستجابة .
قال الحافظ ابن كثير : وفي ذكره - تعالى - هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر ، كما روى أبو داود الطيالسي في مسنده عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة فكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر جمع أهله وولده ودعا . وروى ابن ماجة عن بعد الله بن عمرو قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد " وكان عبد الله يقول إذا أفطر : اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي " وروي الإِمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال :
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإِمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم ، يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول : بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " .
هذا والحديث عن الدعاء وعن فضله وعن آدابه وشروطه وفوائده وجوامعه وغير ذلك مما يتعلق به قد بسطناه في غير هذا المكان فليرجع إليه من شاء . .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، أخبرنا جرير ، عن عبدة بن أبي برزة السجستاني عن الصلب بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري ، عن أبيه ، عن جده ، أن أعرابيا قال : يا رسول الله ، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) .
ورواه ابن مردويه ، وأبو الشيخ الأصبهاني ، من حديث محمد بن أبي حميد ، عن جرير ، به . وقال عبد الرزاق : أخبرنا جعفر بن سليمان ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ النبي صلى الله عليه وسلم ] : أين ربنا ؟ فأنزل الله عز وجل : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) الآية .
وقال ابن جريج عن عطاء : أنه بلغه لما نزلت : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) [ غافر : 60 ] قال الناس : لو نعلم أي ساعة ندعو ؟ فنزلت : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فجعلنا لا نصعد شرفا ، ولا نعلو شرفا ، ولا نهبط واديا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير . قال : فدنا منا فقال : " يا أيها الناس ، اربعوا على أنفسكم ; فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنما تدعون سميعا بصيرا ، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته . يا عبد الله بن قيس ، ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله " .
أخرجاه في الصحيحين ، وبقية الجماعة من حديث أبي عثمان النهدي ، واسمه عبد الرحمن بن مل ، عنه ، بنحوه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا شعبة ، حدثنا قتادة ، عن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا دعاني " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله ، عن كريمة بنت الخشخاش المزنية ، قالت : حدثنا أبو هريرة : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله : أنا مع عبدي ما ذكرني ، وتحركت بي شفتاه " .
قلت : وهذا كقوله تعالى : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) [ النحل : 128 ] ، وكقوله لموسى وهارون ، عليهما السلام : ( إنني معكما أسمع وأرى ) [ طه : 46 ] . والمراد من هذا : أنه تعالى لا يخيب دعاء داع ، ولا يشغله عنه شيء ، بل هو سميع الدعاء . وفيه ترغيب في الدعاء ، وأنه لا يضيع لديه تعالى ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا يزيد ، حدثنا رجل أنه سمع أبا عثمان هو النهدي يحدث عن سلمان يعني الفارسي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله تعالى ليستحيي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيرا فيردهما خائبتين " .
قال يزيد : سموا لي هذا الرجل ، فقالوا : جعفر بن ميمون .
وقد رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه من حديث جعفر بن ميمون ، صاحب الأنماط ، به . وقال الترمذي : حسن غريب . ورواه بعضهم ، ولم يرفعه .
وقال الشيخ الحافظ أبو الحجاج المزي ، رحمه الله ، في أطرافه : وتابعه أبو همام محمد بن الزبرقان ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، به .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو عامر ، حدثنا علي بن دؤاد أبو المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم ، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها " قالوا : إذا نكثر . قال : " الله أكثر " .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن منصور الكوسج ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن جبير بن نفير ، أن عبادة بن الصامت حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله ، عز وجل ، بدعوة إلا آتاه الله إياها ، أو كف عنه من السوء مثلها ، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " .
ورواه الترمذي ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن محمد بن يوسف الفريابي ، عن ابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان به . وقال : حسن صحيح غريب من هذا الوجه .
وقال الإمام مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت فلم يستجب لي " .
أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك ، به . وهذا لفظ البخاري ، رحمه الله ، وأثابه الجنة .
وقال مسلم أيضا : حدثني أبو الطاهر ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل " . قيل : يا رسول الله ، ما الاستعجال ؟ قال : " يقول : قد دعوت ، وقد دعوت ، فلم أر يستجاب لي ، فيستحسر عند ذلك ، ويترك الدعاء " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا ابن هلال ، عن قتادة ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل " . قالوا : وكيف يستعجل ؟ قال : " يقول : قد دعوت ربي فلم يستجب لي " .
وقال الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر : أن يزيد بن عبد الله بن قسيط حدثه ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : ما من عبد مؤمن يدعو الله بدعوة فتذهب ، حتى تعجل له في الدنيا أو تدخر له في الآخرة ، إذا لم يعجل أو يقنط . قال عروة : قلت : يا أماه كيف عجلته وقنوطه ؟ قالت : يقول : سألت فلم أعط ، ودعوت فلم أجب .
قال ابن قسيط : وسمعت سعيد بن المسيب يقول كقول عائشة سواء .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا بكر بن عمرو ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " القلوب أوعية ، وبعضها أوعى من بعض ، فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة ، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل " .
وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي بن نافع بن معد يكرب ببغداد ، حدثني أبي بن نافع ، حدثني أبي بن نافع بن معد يكرب ، قال : كنت أنا وعائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآية : ( أجيب دعوة الداع إذا دعان ) قال : " يا رب ، مسألة عائشة " . فهبط جبريل فقال : الله يقرؤك السلام ، هذا عبدي الصالح بالنية الصادقة ، وقلبه نقي يقول : يا رب ، فأقول : لبيك . فأقضي حاجته .
هذا حديث غريب من هذا الوجه .
وروى ابن مردويه من حديث الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : حدثني جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم أمرت بالدعاء ، وتوكلت بالإجابة ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك ، والملك لا شريك لك ، أشهد أنك فرد أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد ، وأشهد أن وعدك حق ، ولقاءك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة آتية لا ريب فيها ، وأنت تبعث من في القبور " .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا الحسن بن يحيى الأرزي ومحمد بن يحيى القطعي قالا : حدثنا الحجاج بن منهال ، حدثنا صالح المري ، عن الحسن ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، واحدة لك وواحدة لي ، وواحدة فيما بيني وبينك ; فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا ، وأما التي لك فما عملت من شيء وفيتكه وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة " .
وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء ، متخللة بين أحكام الصيام ، إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة ، بل وعند كل فطر ، كما رواه الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده :
حدثنا أبو محمد المليكي ، عن عمرو هو ابن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمرو ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة " . فكان عبد الله بن عمرو إذ أفطر دعا أهله ، وولده ودعا .
وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في سننه : حدثنا هشام بن عمار ، أخبرنا الوليد بن مسلم ، عن إسحاق بن عبيد الله المدني ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد " . قال عبد الله بن أبي مليكة : سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر : اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي .
وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة ، وتفتح لها أبواب السماء ، ويقول : بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " .
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: بذلك وإذا سَألك يا محمد عبادي عَني: أين أنا؟ فإني قريبٌ منهم أسمع دُعاءهم، وأجيب دعوة الداعي منهم.
* * *
وقد اختلف فيما أنـزلت فيه هذه الآية.
فقال بعضهم: نـزلت في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أقريبٌ ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فأنـزل الله: " وإذا سألك عبادي عَني فأني قريبٌ أجيبُ" الآية.
2904- حدثنا بذلك ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبدة السجستاني، عن الصُّلب بن حكيم، عن أبيه، عن جده. (99) .
&; 3-481 &;
2905- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن عوف، عن الحسن قال: سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أين ربُّنا؟ فأنـزل الله تعالى ذكره: " وإذا سألك عبادي عَني فإني قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان " الآية (100) .
* * *
&; 3-482 &;
وقال آخرون: بل نـزلت جوابًا لمسألة قومٍ سَألوا النبي صلى الله عليه وسلم: أيّ ساعة يدعون الله فيها؟
* ذكر من قال ذلك:
2906- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: لما نـزلت: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [سورة غافر: 60] قالوا: في أي ساعة؟ قال: فنـزلت: " وإذا سألك عبادي عَني فإني قريب " إلى قوله: " لعلهم يَرُشدون ".
2907- حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء في قوله: " أجيب دَعوَة الداع إذا دعان "، قالوا: لو علمنا أيَّ ساعة نَدْعو! فنـزلت: " وإذا سَأَلكَ عِبَادي عَنّي فإني قريب " الآية.
2908- حدثني القاسم. قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: زعم عطاء بن أبي رباح أنه بلغه: لما نـزلت: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قال الناس: لو نعلم أي ساعة ندعو! فنـزلت: " وإذا سألك عبادي عَني فإني قريب أجيب دَعوة الداع إذا دَعان فليستجيبوا لي وَليؤمنوا بي لعلهم يَرشدون ".
2909- حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإذا سَألك عبادي عَني فإني قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دَعان "، قال: ليس من عَبد مؤمن يدعو الله إلا استجاب له، فإن كان الذي يدعو به هو له رزق في الدنيا أعطاه الله، وإن لم يكن له رزقًا في الدنيا ذَخره له إلى يوم القيامة، ودفع عنه به مكروهًا.
2910- حدثني المثنى قال، حدثنا الليث بن سعد عن ابن صالح، عمن حدثه: أنه بلغه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أعطى أحدٌ الدعاءَ &; 3-483 &; ومُنع الإجابة، لأن الله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ .
* * *
ومعنى متأوِّلي هذا التأويل: وإذا سألك عبادي عني: أي ساعة يدعونني؟ فإني منهم قريب في كل وقت، أجيب دعوة الداع إذا دعان.
* * *
وقال آخرون: بل نـزلت جوابًا لقول قوم قالوا - إذْ قالَ الله لهم: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ -: إلى أين ندعوه!
* ذكر من قال ذلك:
2911- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال مجاهد: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قالوا: إلى أين؟ فنـزلت: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [سورة البقرة: 115].
* * *
وقال آخرون: بل نـزلت جوابًا لقوم قالوا: كيف ندعو؟
* ذكر من قال ذلك:
2912- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أنه لما أنـزل الله ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قال رجال: كيف ندعو يا نبي الله؟ فأنـزل الله: " وإذا سَألك عبادي عَنّي فإنّي قريبٌ" إلى قوله: " يرشدون ".
* * *
وأما قوله: " فليستجيبوا لي"، فإنه يعني: فليستجيبوا لي بالطاعة. يقال منه: " استجبت له، واستجبته "، بمعنى أجبته، كما قال كعب بن سعد الغنويّ:
وَدَاعٍ دَعَـا يَـامَنْ يُجِـيبُ إلَـى النَّدَى
فَلَــمْ يَسْــتَجِبْهُ عِنْـدَ ذَاكَ مُجِـيب (101)
&; 3-484 &;
يريد: فلم يجبه.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد وجماعةٌ غيره.
2913- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني الحجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد قوله: " فليستجيبوا لي"، قال: فليطيعوا لي، قال: " الاستجابة "، الطاعة.
2914- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال: سألت عبد الله بن المبارك عن قوله: " فليستجيبوا لي"، قال: طاعة الله.
* * *
وقال بعضهم: معنى " فليستجيبوا لي": فليدعوني
*ذكر من قال ذلك:
2915- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون، عن أبي رجاء الخراساني، قال " فليستجيبوا لي"، فليدعوني.
* * *
وأما قوله: " وليؤمنوا بي" فإنه يعني: وَليصدِّقوا. أي: وليؤمنوا بي، إذا همُ استجابوا لي بالطاعة، أني لهم من وَرَاء طاعتهم لي في الثواب عليها، وإجزالي الكرامةَ لهم عليها.
* * *
وأما الذي تأوَّل قوله: " فليستجيبوا لي"، أنه بمعنى: فليدعوني، فإنه كان يتأوّل قوله: " وليؤمنوا بي"، وليؤمنوا بي أني أستجيب لهم.
* ذكر من قال ذلك:
2916- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون، عن أبي رجاء الخراساني: " وليؤمنوا بي"، يقول: أني أستجيب لهم.
* * *
وأما قوله: " لعلهم يَرشُدُون " فإنه يعني: فليستجيبوا لي بالطاعة، وليؤمنوا بي &; 3-485 &; فيصدِّقوا على طاعتهم إياي بالثواب مني لهم، وليهتدوا بذلك من فعلهم فيرشدوا، كما:-
2917- حدثني به المثني قال، حدثنا إسحاق، قال حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع في قوله: " لعلهم يَرشدون "، يقول: لعلهم يهتدون.
* * *
فإن قال لنا قائل: وما معنى هذا القول من الله تعالى ذكره؟ فأنت ترى كثيرًا من البشر يدعون الله فلا يجابُ لهم دُعاء، وقد قال: " أجيبُ دَعوة الداع إذا دَعان "؟
قيل: إن لذلك وجهين من المعنى:
أحدهما: أن يكون معنيًّا " بالدعوة "، العملُ بما نَدب الله إليه وأمر به. فيكون تأويل الكلام. وإذا سألك عبادي عَني فإنى قريبٌ ممن أطاعني وعَمل بما أمرته به، أجيبه بالثواب على طاعته إياي إذا أطاعني. فيكون معنى " الدعاء ": مسألة العبد ربَّه وما وعد أولياءه على طاعتهم بعملهم بطاعته، ومعنى " الإجابة " من الله التي ضمنها له، الوفاءُ له بما وعد العاملين له بما أمرهم به، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: " إنّ الدعاء هو العبادة ".
2918- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جويبر، عن الأعمش، عن ذر، عن يُسَيْع الحضرمي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الدعاءَ هُوَ العبادة. ثم قرأ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [سورة غافر: 60] (102) .
* * *
&; 3-486 &; فأخبر صَلى الله عليه وسلم أن دعاء الله إنما هو عبادته ومسألته، بالعمل له والطاعة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ذُكِر أن الحسن كان يقول:
2919- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني منصور بن هارون، عن عبد الله بن المبارك، عن الربيع بن أنس، عن الحسن أنه قال فيها: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قال: اعملوا وأبشروا، فإنه حقٌّ على الله أنَ يستجيب &; 3-487 &; للذين آمنوا وعَملوا الصالحات ويزيدُهم من فضله.
* * *
والوجه الآخر: أن يكون معناه: أجيب دعوة الداع إذا دَعان إن شئت. فيكون ذلك، وإن كان عامًّا مخرُجه في التلاوة، خاصًّا معناهُ.
* * *
---------------------------
الهوامش :
(99) الحديث : 2904- جرير : هو ابن عبد الحميد الضبي ، مضى في : 2028 ، 2346 . عبدة السجستاني : هو عبدة بن أبي برزة ، ترجمه ابن أبي حاتم 3/1/90 ، ولم يذكر فيه جرحًا . ولم أجد له ترجمة عند غيره .
"السجستاني" : هذا هو الصحيح ، الثابت هنا ، وفي المصادر المعتمدة ، كما سيأتي . ووقع في بعض المراجع"السختياني" ، وهو خطأ مطبعي واضح .
الصلب بن حكيم : نص الحافظ عبد الغني الأزدي المصري ، في كتاب المؤتلف والمختلف ، ص 79 ، على أنه"صلب" : "بالياء معجمة من تحتها وضم الصاد" . وترجم له فقال : "صلب بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده . روى حديثه محمد بن حميد ، عن جرير ، عن عبدة بن أبي برزة السجستاني" .
وكذلك قال الذهبي في المشتبه ، ص : 316"وصلب بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده . يشتبه بالصلت بن حكيم" . وفي هامشه ، نقلا عن هامش إحدى مخطوطاته : "قال الخطيب : قيل إنه أخ لبهز بن حكيم ، ولا يصح ذلك . ويشتبه أيضًا بالصلت بن حكيم ، بضم الحاء . ويقال : الحكيم بن الصلت" وكذلك قال الحافظ بن حجر ، في"تبصير المنتبه" (مخطوط مصور عندي) ، ونص على أنه"قيل : إن الصلب بن حكيم ، المتقدم ذكره - أخو بهز بن حكيم ، ولا يصح" .
ولكنه -مع هذا- ترجم له في لسان الميزان 3 : 195 ، في باب"الصلت" ، نقلا عن الميزان ، وذكر هذا الحديث له . وذكر رواية الذهبي إياه بإسناده إلى"محمد بن حميد" . ثم ذكر -نقلا عن الذهبي أيضًا- أنه رواه ابن أبي خثيمة ، في جزء فيمن روي عن أبيه عن جده ، وأنه"أخرجه العلائي في كتاب الوشي ، عن إبراهيم بن محمد . وقال : لم أر للصلت ذكرًا في كتب الرجال" . ثم عقب الحافظ على ذلك بقوله : "قلت : ذكره الدارقطني في المؤتلف ، وحكى الاختلاف : هل آخره بالموحدة ، أو بالمثناة؟ وقال إنه ابن حكيم بن معاوية بن حيدة ، فهو أخو بهز بن حكيم ، المحدث المشهور . وليس للصلت ولا لأبيه ولا لجده - ذكر في كتب الرواة ، إلا ما قدمت من ذكر ابن أبي خيثمة ، ولم يزد في التعريف به على ما ها هنا" .
وهذا اضطراب شديد من الحافظ ابن حجر . ثم إن هذه التي نقلها عن ميزان الاعتدال للذهبي لم تذكر في النسخة المطبوعة منه . فالظاهر أنها سقطت من الأصول التي طبع عنها الميزان .
والراجح عندي ما ذهب إليه الذهبي وابن حجر وابن أبي خيثمة وعبد الغني الأزدي : أنه"صلب" بضم الصاد وبالوحدة في آخره . وأنه مجهول هو وأبوه وجده . أما"حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري- : فإنه تابعي معروف ، وأبوه صحابي معروف . وقد روي عن حكيم بن معاوية بن حيدة - أبناؤه : بهز ، وسعيد ومهران . فلا صلة للذي يسمى"الصلب" هذا - بهؤلاء .
وهذا الحديث ضعيف جدًا ، منهار الإسناد بكل حال .
وقد وهم الحافظ ابن كثير ، حين ذكره 1 : 413-414 ، وجعله من حديث"معاوية بن حيدة القشيري" .
وذكره السيوطي أيضًا 1 : 194 ، وأخطأ فيه خطأ آخر : فجعله"من طريق الصلت بن حكيم ، عن رجل من الأنصار ، عن أبيه ، عن جده"!! وقد تكون زيادة" عن رجل من الأنصار" خطأ من الناسخين ، لا من السيوطي .
(100) الحديث : 2905- جعفر بن سليمان : هو الضبعي ، بضم الضاد المعجمة ، وفتح الباء الموحدة . وهو ثقة ، وثقه ابن معين وغيره .
عوف : هو ابن أبي جميلة الأعرابي ، وهو ثقة معروف ، أخرج له أصحاب الكتب الستة . وقد مضت له رواية في : 645 . وهو معروف بالرواية عن الحسن البصري .
وهذا الإسناد صحيح إلى الحسن . ولكن الحديث ضعيف ، لأنه مرسل ، لم يسنده الحسن عن أحد من الصحابة .
وقد رواه أبو جعفر هنا ، من طريق عبد الرزاق ، ولم أجده في تفسير عبد الرزاق . فلعله في موضع آخر من كتبه .
(101) سلف هذا البيت في1 : 320 ، ونسيت هناك أن أشير إليه أنه سيأتي في هذا الموضع من التفسير ، ثم في 4 : 144 (بولاق) .
(102) الحديث: 2918- أما الحديث في ذاته - فإنه حديث صحيح . وأما هذا الإسناد بعينه ، فلا أدري كيف يستقيم ؟ مع ضعفه !
فإن ابن حميد - شيخ الطبري- هو: محمد بن حميد الرازي، سبق توثيقه : 2028 ، 2253.
ولكن من المحال أن يقول: "حدثنا جويبر" ، لأن ابن حميد مات سنة 248 ، وجويبر بن سعيد الأزدي مات قبل ذلك بنحو مائة سنة ، فقد ذكره البخاري في الصغير، ص: 176 ، فيمن مات بين سنتي: 140 - 150 . فلا بد أن يكون قد سقط بينها شيخ ، خطأ من الناسخين. ثم إن "جويبرا" هذا: ضعيف جدًا، كما بينا في: 284 .
الأعمش: هو سليمان بن مهران، الإمام المعروف.
ذر ، بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء : هو ابن عبد الله المرهبي ، بضم الميم وسكون الراء وكسر الهاء بعدها ياء موحدة. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
يسيع - بضم الياء الأولى وسكون الثانية بينهما سين مهملة مفتوحة: هو ابن معدان الحضرمي، في التهذيب ، والكبير 4/2/425 - 426 ، وابن أبي حاتم 4/2/313. ووقع هنا في المطبوعة"سبيع" ! وهو تصحيف.
والحديث سيأتي في الطبري 24: 51 - 52 (بولاق) ، بستة أسانيد. ووقع اسم "ذر" هناك مصحفًا إلى "زر" ، بالزاي بدل الذال.
وهو حديث صحيح . رواه أحمد في المسند 4: 271 (الحلبي) ، عن أبي معاوية، عن الأعمش، بهذا الإسناد . فليس فيه "جويبر" الضعيف المذكور هنا.
ونقله ابن كثير 7: 309 ، عن ذلك الموضع من المسند، وقال: وهكذا رواه أصحاب السنن: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي حاتم ، وابن جرير - كلهم من حديث الأعمش، به. وقال الترمذي: حسن صحيح . ورواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير أيضًا ، من حديث شعبة، عن منصور الأعمش- كلاهما عن ذر، به ، ثم ذكر أنه رواه ابن حبان والحاكم أيضا.
وهو عند الحاكم 1: 490 - 491 بأسانيد، ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه" . ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي 5: 355 ، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد، والبخاري في الأدب المفرد، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، وأبي نعيم في الحلية ، والبيهقي في شعب الإيمان.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
يرشدون:
قرئ:
1- بفتح الياء وضم الشين، وهى قراءة الجمهور.
2- مبنيا للمفعول، وهى قراءة قوم.
3- بفتح الياء وكسر الشين، وهى قراءة أبى حيوة، وإبراهيم بن أبى عبلة.
4- بفتحهما.