ترتيب المصحف | 8 | ترتيب النزول | 88 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 10.00 |
عدد الآيات | 75 | عدد الأجزاء | 0.50 |
عدد الأحزاب | 1.00 | عدد الأرباع | 4.00 |
ترتيب الطول | 18 | تبدأ في الجزء | 9 |
تنتهي في الجزء | 10 | عدد السجدات | 0 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
الجمل الخبرية: 1/21 | _ |
لَمَّا أُخِذَ الفِداءُ مِن الأسرى وشَقَّ عليهم أخذُ أموالِهم منهم، أنزلَ اللهُ هذه الآيةَ استمالةً لهم، وترغيبًا لهم في الإسلامِ، ثُمَّ قَسَّمَ اللهُ المؤمنينَ أربعةَ أقسامٍ وبَيَّنَ حُكمَ كلٍّ منها: 1- المهاجرُونَ الأولُونَ. 2- الأنصارُ.
4- المؤمنُونَ الذينَ هاجرُوا بعدَ صُلحِ الحديبيةِ، ثم بَيَّنَت الآيات أنَّ أُولي الأرحامِ أولى من غيرِهم بالبر.
التفسير :
وهذه نزلت في أسارى يوم بدر، وكان في جملتهم العباس عم رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما طلب منه الفداء، ادَّعى أنه مسلم قبل ذلك، فلم يسقطوا عنه الفداء، فأنزل اللّه تعالى جبرا لخاطره ومن كان على مثل حاله. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} أي: من المال، بأن ييسر لكم من فضله، خيرا وأكثر مما أخذ منكم. {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ذنوبكم، ويدخلكم الجنة وقد أنجز اللّه وعده للعباس وغيره، فحصل له ـ بعد ذلك ـ من المال شيء كثير، حتى إنه مرة لما قدم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مال كثير، أتاه العباس فأمره أن يأخذ منه بثوبه ما يطيق حمله، فأخذ منه ما كاد أن يعجز عن حمله.
قال: ابن كثير: عن الزهري عن جماعة سماهم قالوا: بعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا.
وقال العباس: يا رسول الله! قد كنت مسلما! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أعلم بإسلامك، فإن يكن كما تقول، فإن الله يجزيك. وأما ظاهرك فقد كان علينا، فافتد نفسك وابني أخيك نوفل بن الحارث، وعقيل بن أبى طالب، وحليفك عتبة بن عمرو أخى بنى الحارث بن فهر» .
قال العباس: ما ذاك عندي يا رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل، فقلت لها: إن أصبت في سفري هذا فهذا المال الذي دفنته لبنىّ: الفضل، وعبد الله، وقثم» ؟
قال: والله يا رسول الله إنى لأعلم أنك رسول الله. إن هذا الشيء ما علمه أحد غيرى وغير أم الفضل، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم منى: - عشرين أوقية من مال كان معى-.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، ذاك شيء أعطانا الله منك» .
ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه. فأنزل الله- تعالى- فيه يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى ... الآية.
قال العباس: فأعطانى الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام، عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به. مع ما أرجو من مغفرة الله- تعالى- .
وفي صحيح البخاري عن أنس: أن رجالا من الأنصار قالوا: يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه.
فقال صلى الله عليه وسلم: «لا والله! لا تذرون منه درهما» . هذا، والآية الكريمة وإن كانت قد نزلت في العباس إلا أنها عامة في جميع الأسرى إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولأن الخطاب فيها موجه إلى سائر الأسرى لا إلى فرد منهم دون آخر.
والمعنى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ أى: قل للذين تحت تصرف أيديكم مِنَ الْأَسْرى أى: من أسرى المشركين في بدر الذين أخذتم منهم الفداء لتطلقوا سراحهم.
قل لهم- أيها النبي الكريم- إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً أى: إيمانا وتصديقا وعزما على اتباع الحق ونبذ الكفر والعناد.. إن يعلم الله- تعالى- منكم ذلك يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من فداء، بأن يخلفه عليكم في الدنيا، ويمنحكم الثواب الجزيل في الآخرة.
ولقد صدق الله- تعالى- وعده مع من آمن وعمل صالحا من هؤلاء الأسرى، فأعطاهم الكثير من نعمه كما قال العباس- رضى الله عنه- وقوله: وَيَغْفِرْ لَكُمْ زيادة في حضهم على الدخول في الإيمان.
وقوله: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تذييل قصد به تأكيد ما قبله من الوعد بالخير والمغفرة.
أى: والله- تعالى- واسع المغفرة، والرحمة لمن استجاب للحق، وقدم العمل الصالح.
والتعبير، بقوله: لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ للإشعار بأن هؤلاء الأسرى المشركين قد صاروا في قبضة المؤمنين وتحت تصرفهم، حتى لكأن أيديهم قابضة عليهم.
وأسند وجود الخير في قلوبهم إلى علم الله- تعالى- للإشارة إلى أن ادعاء الإيمان باللسان فقط لا يكفل لهم الحصول على الخير الذي فقدوه ولا يوصلهم إلى مغفرة الله- تعالى- فعليهم أن يخلصوا لله في إيمانهم حتى ينالوا فضله وثوابه، فهو- سبحانه- عليم بذات الصدور.
ال محمد بن إسحاق : حدثني العباس بن عبد الله بن مغفل ، عن بعض أهله ، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر : إني قد عرفت أن أناسا من بني هاشم وغيرهم ، قد أخرجوا كرها ، لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقي منكم أحدا منهم - أي : من بني هاشم - فلا يقتله ، ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله ، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله ، فإنه إنما أخرج مستكرها . فقال أبو حذيفة بن عتبة : أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس ! والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف ؟ فبلغت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لعمر بن الخطاب : يا أبا حفص - قال عمر : والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضرب وجه عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف ؟ فقال عمر : يا رسول الله ، ائذن لي فأضرب عنقه ، فوالله لقد نافق . فكان أبو حذيفة يقول بعد ذلك : والله ما آمن من تلك الكلمة التي قلت ، ولا أزال منها خائفا ، إلا أن يكفرها الله عني بشهادة . فقتل يوم اليمامة شهيدا ، رضي الله عنه .
وبه ، عن ابن عباس قال : لما أمسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ، والأسارى محبوسون بالوثاق ، بات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساهرا أول الليل ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما لك لا تنام ؟ - وقد أسر العباس رجل من الأنصار - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سمعت أنين عمي العباس في وثاقه ، فأطلقوه فسكت ، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال محمد بن إسحاق : وكان أكثر الأسارى يوم بدر فداء العباس بن عبد المطلب ، وذلك أنه كان رجلا موسرا فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهبا .
وفي صحيح البخاري ، من حديث موسى بن عقبة ، قال ابن شهاب : حدثني أنس بن مالك أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه . قال : لا والله ، لا تذرون منه درهما .
وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ، عن عروة - وعن الزهري ، عن جماعة سماهم قالوا : بعثت قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا ، وقال العباس : يا رسول الله ، قد كنت مسلما ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الله أعلم بإسلامك ، فإن يكن كما تقول فإن الله يجزيك ، وأما ظاهرك فقد كان علينا ، فافتد نفسك وابني أخيك : نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ، وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر قال : ما ذاك عندي يا رسول الله ! قال : فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ؟ فقلت لها : إن أصبت في سفري هذا ، فهذا المال الذي دفنته لبني : الفضل ، وعبد الله ، وقثم . قال : والله يا رسول الله ، إني لأعلم أنك رسول الله ، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل ، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني : عشرين أوقية من مال كان معي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا ، ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك . ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه ، وأنزل الله - عز وجل - فيه : ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم ) قال العباس : فأعطاني الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا ، كلهم في يده مال يضرب به ، مع ما أرجو من مغفرة الله - عز وجل - .
وقد روى ابن إسحاق أيضا ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس في هذه الآية بنحو مما تقدم .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا ابن إدريس [ عن ابن إسحاق ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال العباس : في نزلت : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلامي ، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذ مني ، فأبى ، فأبدلني الله بها عشرين عبدا ، كلهم تاجر ، مالي في يده .
وقال ابن إسحاق أيضا : حدثني الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال : كان العباس بن عبد المطلب يقول : في نزلت - والله - حين ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إسلامي - ثم ذكر نحو الحديث الذي قبله .
وقال ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ) عباس وأصحابه . قال : قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : آمنا بما جئت به ، ونشهد أنك رسول الله ، لننصحن لك على قومنا . فأنزل الله : ( إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ) إيمانا وتصديقا ، يخلف لكم خيرا مما أخذ منكم ) ويغفر لكم ) الشرك الذي كنتم عليه . قال : فكان العباس يقول : ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وأن لي الدنيا ، لقد قال : ( يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ) فقد أعطاني خيرا مما أخذ مني مائة ضعف ، وقال : ( ويغفر لكم ) وأرجو أن يكون غفر لي .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية : كان العباس أسر يوم بدر ، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب ، فقال العباس حين قرئت هذه الآية : لقد أعطانا الله - عز وجل - خصلتين ، ما أحب أن لي بهما الدنيا : إني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية . فآتاني أربعين عبدا ، وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله جل ثناؤه .
وقال قتادة في تفسير هذه الآية : ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا ، وقد توضأ لصلاة الظهر ، فما أعطى يومئذ شاكيا ، ولا حرم سائلا ، وما صلى يومئذ حتى فرقه ، فأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي ، فأخذ . قال : فكان العباس يقول : هذا خير مما أخذ منا ، وأرجو المغفرة .
وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال قال : بعث ابن الحضرمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البحرين ثمانين ألفا ، ما أتاه مال أكثر منه لا قبل ولا بعد . قال : فنثرت على حصير ونودي بالصلاة . قال : وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمثل قائما على المال ، وجاء أهل المسجد فما كان يومئذ عدد ولا وزن ، ما كان إلا قبضا ، [ قال ] وجاء العباس بن عبد المطلب يحثي في خميصة عليه ، وذهب يقوم فلم يستطع ، قال : فرفع رأسه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، ارفع علي . قال : فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى خرج ضاحكه - أو : نابه - وقال له : أعد من المال طائفة ، وقم بما تطيق . قال : ففعل ، وجعل العباس يقول - وهو منطلق - : أما إحدى اللتين وعدنا الله فقد أنجزنا ، وما ندري ما يصنع في الأخرى : ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ) الآية ، ثم قال : هذا خير مما أخذ منا ، ولا أدري ما يصنع الله في الأخرى فما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائلا على ذلك المال ، حتى ما بقي منه درهم ، وما بعث إلى أهله بدرهم ، ثم أتى الصلاة فصلى .
حديث آخر في ذلك : قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو الطيب محمد بن محمد بن عبد الله السعيدي ، حدثنا محمش بن عصام ، حدثنا حفص بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال : أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمال من البحرين ، فقال : انثروه في المسجد .
قال : وكان أكثر مال أتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج إلى الصلاة ولم يلتفت إليه ، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه . فما كان يرى أحدا إلا أعطاه ، إذ جاء العباس فقال : يا رسول الله ، أعطني فإني فاديت نفسي ، وفاديت عقيلا . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خذ . فحثا في ثوبه ، ثم ذهب يقله فلم يستطع ، فقال : مر بعضهم يرفعه إلي . قال : لا . قال : فارفعه أنت علي . قال : لا ، فنثر منه ثم احتمله على كاهله ، ثم انطلق ، فما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعه بصره حتى خفي عنه ، عجبا من حرصه ، فما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثم منها درهم .
وقد رواه البخاري في مواضع من صحيحه تعليقا بصيغة الجزم ، يقول : " وقال إبراهيم بن طهمان " ويسوقه ، وفي بعض السياقات أتم من هذا .
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي، قل لمن في يديك وفي يدي أصحابك من أسرى المشركين الذين أخذ منهم من الفداء ما أخذ: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا)، يقول: إن يعلم الله في قلوبكم إسلامًا =(يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم)، من الفداء =(ويغفر لكم)، يقول: ويصفح لكم عن عقوبة جُرْمكم الذي اجترمتموه بقتالكم نبي الله وأصحابه وكفركم بالله =(والله غفور)، لذنوب عباده إذا تابوا =(رحيم)، بهم، أن يعاقبهم عليها بعد التوبة. (1)
* * *
وذكر أن العباس بن عبد المطلب كان يقول: فيّ نـزلت هذه الآية.
* ذكر من قال ذلك:
16321- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس, عن ابن إسحاق, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: قال العباس: فيّ نـزلت: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ , فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامي, وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذ مني فأبى, فأبدلني الله بها عشرين عبدًا، كلهم تاجر, مالي في يديه. (2)
* * *
وقد:-
16322- حدثنا بهذا الحديث ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال محمد, حدثني الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس, عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال: كان العباس بن عبد المطلب يقول: فيّ والله نـزلت، حين ذكرتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامي = ثم ذكر نحو حديث ابن وكيع. (3)
16323- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية, قال: ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليه مالُ البحرين ثمانون ألفًا, وقد توضأ لصلاة الظهر, فما أعطى يومئذ شاكيًا ولا حرم سائلا وما صلى يومئذ حتى فرّقه, وأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي, فأخذ. قال: وكان العباس يقول: هذا خير مما أخذ منا، وأرجو المغفرة.
16324- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية, وكان العباس أسر يوم بدر, فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب, فقال العباس حين نـزلت هذه الآية: لقد أعطاني الله خَصلتين، ما أحب أن لي بهما الدنيا: أني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية, فآتاني أربعين عبدًا، وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله.
16325- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) إلى قوله: (والله غفور رحيم)، يعني بذلك: من أسر يوم بدر. يقول: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لرسولي, آتيتكم خيرًا مما أخذ منكم، وغفرت لكم.
16326- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني. عن ابن عباس: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى)، عباس وأصحابه, قال: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: آمنا بما جئت به, ونشهد إنك لرسول الله, لننصحن لك على قومنا. فنـزل: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم)، إيمانًا وتصديقًا, يخلف لكم خيرًا مما أصيب منكم =(ويغفر لكم)، الشرك الذي كنتم عليه. قال: فكان العباس يقول: ما أحب أن هذه الآية لم تنـزل فينا، وأن لي الدنيا, لقد قال: (يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم) فقد أعطاني خيرًا مما أخذ مني مئة ضعف, وقال: (ويغفر لكم)، وأرجو أن يكون قد غُفِر لي.
16327- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية, يعني العباسَ وأصحابه، أسروا يوم بدر. يقول الله: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لي ولرسولي، أعطيتكم خيرًا مما أخذ منكم وغفرت لكم. وكان العباس بن عبد المطلب يقول: لقد أعطانا الله خصلتين، ما شيء هو أفضل منهما: عشرين عبدًا. وأما الثانية: فنحن في موعود الصادق ننتظر المغفرة من الله سبحانه.
---------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة .
(2) الأثر : 16321 - في المطبوعة : " أبي إسحاق " ، والصواب من المخطوطة ، وانظر التعليق التالي .
(3) الأثر : 16322 - هذا الخبر والذي قبله ، ذكرهما الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 8 ، مطولا ، وقال : " رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ، ورجال الأوسط رجال الصحيح ، غير ابن إسحاق ، وقد صرح بالسماع " .
وظاهر أنه يعني إسنادًا غير هذين الإسنادين ، فإن الأول لم يصرح فيه السماع ، والثاني فيه " الكلبي " .
وذكره الواحدي في أسباب النزول ، عن الكلبي ، مطولا : 180 ، 181 .
وكان في المطبوعة والمخطوطة : " جابر بن عبد الله بن رباب " ، وهو خطأ ، صوابه ما أثبت .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
الأسرى:
1- بالتعريف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- أسرى، بالتنكير، وهى قراءة ابن محيصن.
3- الأسارى، وهى قراءة قتادة، وأبى جعفر، وابن أبى إسحاق، ونصر بن عاصم، وأبى عمرو، من السبعة.
يؤتكم:
وقرئ:
يثبكم، من الثواب، وهى قراءة الأعمش.
أخذ:
وقرئ:
أخذ، مبنيا للفاعل، وهى قراءة الحسن، وأبى حيوة، وشيبة، وحميد.
التفسير :
{وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ} في السعي لحربك ومنابذتك، {فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} فليحذروا خيانتك، فإنه تعالى قادر عليهم وهم تحت قبضته، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي: عليم بكل شيء، حكيم يضع الأشياء مواضعها، ومن علمه وحكمته أن شرع لكم هذه الأحكام الجليلة الجميلة، وأن تكفل بكفايتكم شأن الأسرى وشرهم إن أرادوا خيانة.
وقوله: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ. إنذار لهم بسوء المصير إذا ما لجوا في عنادهم وغدرهم، وبشارة من الله- تعالى- لرسوله والمؤمنين بأن العاقبة ستكون لهم.
أى: وإن يرد هؤلاء الأسرى نقض عهودهم معك- يا محمد- والاستمرار في محاربتك ومعاداتك.. فلا تهتم بهم، ولا تجزع من خيانتهم فهم قد خانوا الله- تعالى- من قبل هذه الغزوة بكفرهم وجحودهم لنعمه فكانت نتيجة ذلك أن أمكنك منهم، وأظفرك بهم، وسينصرك عليهم بعد ذلك كما نصرك عليهم في بدر، والله- تعالى- عليم بما يسرونه وما يعلنونه، حكيم في تدبيره وصنعه.
فالآية الكريمة إنذار للأسرى إذا ما استحبوا العمى على الهدى، وتبشير للرسول صلى الله عليه وسلم بأن خيانتهم ستكون وبالها عليهم.
قال الفخر الرازي: وقوله فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ قال الأزهرى: يقال أمكننى الأمر يمكنني فهو ممكن ومفعول الإمكان محذوف.
والمعنى: فأمكن المؤمنين منهم، أى: أنهم خانوا الله بما أقدموا عليه من محاربة الرسول يوم بدر. فأمكن الله منهم قتلا وأسرا، وذلك نهاية الإمكان والظفر. فنبه الله بذلك على أنهم قد ذاقوا وبال ما فعلوه، فإن عادوا كان التمكين منهم ثابتا حاصلا، وفيه بشارة للرسول صلى الله عليه وسلم أنه يتمكن من كل من يخونه وينقض عهده».
هذا، ومن الأحكام والآداب التي حدثت عن أسرى غزوة بدر ما يأتى:
1- أن على المؤمنين في كل زمان ومكان أن يجعلوا جهادهم خالصا لوجه الله ومن أجل إعلاء كلمته ونصرة دينه، وذلك بأن يبالغوا في قتال أعدائه وأعدائهم إذلالا للكفر وإعزازا للحق، وأن يؤثروا كل ذلك على أعراض الدنيا ومتعها.
2- أن أخذ الفداء من الأسرى لا شيء فيه في ذاته، وإنما عاتب الله المؤمنين على أخذه من أسرى بدر، لأن هذه الغزوة كانت المعركة الأولى بين المؤمنين والمشركين، وكان إذلال المشركين فيها عن طريق المبالغة في قتلهم أهم من أخذ الفداء منهم، وأظهر في كسر شوكتهم، وعجزهم عن معاودة الكرة على المسلمين.
قال ابن كثير. وقد استقر الحكم في الأسرى عند جمهور العلماء، أن الإمام مخير فيهم، إن شاء قتل- كما فعل ببني قريظة- وإن شاء فادى بمال- كما فعل بأسرى بدر- أو بمن أسر من المسلمين، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الجارية وابنتها اللتين كانتا في سبى سلمة بن الأكوع، حيث ردهما وأخذ في مقابلتهما من المسلمين الذين كانوا عند المشركين، وإن شاء استرق من أسر.
هذا مذهب الإمام الشافعى وطائفة من العلماء، وفي المسألة خلاف آخر بين الأئمة مقرر في موضعه» .
3- أن الذين شهدوا بدرا من المسلمين كانت لهم مكانتهم السامية، ومنزلتهم العالية، عند الله- تعالى-.
ومما يدل على ذلك أنه- سبحانه- عفا عن خطئهم في أخذ الفداء من الأسرى ثم زادهم فضلا ومنة فجعل غنائم الحرب حلالا لهم، بعد أن كانت محرمة على أتباع الرسل السابقين.
ففي البخاري عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي. نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة»
4- أن الإسلام لا يستبقى الأسرى لديه للإذلال والقهر والاستغلال، وإنما يستبقيهم ليوقظ في فطرتهم نور الحق الذي باتباعه يعوضهم الله عما أخذ منهم في الدنيا، ويمنحهم ثوابه ومغفرته في الآخرة.
أما إذا استمروا في عداوتهم للحق، فإن الدائرة ستدور عليهم.
5- أن الإيمان لا يكون صحيحا إلا إذا صاحبه التصديق والإذعان.
قال ابن العربي: لما أسر من أسر من المشركين في بدر، تكلم قوم منهم بالإسلام، ولم يمضوا فيه عزيمة، ولا اعترفوا به اعترافا جازما، ويشبه أنهم أرادوا أن يتقربوا من المسلمين ولا يبعدوا عن المشركين فنزلت الآية: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى..
الآية.
قال علماؤنا: إن تكلم الكافر بالإيمان في قلبه وبلسانه ولم يمض فيه عزيمة لم يكن مؤمنا، وإذا وجد مثل ذلك من المؤمن كان كافرا إلا ما كان من الوسوسة التي لا يقدر المرء على دفعها، فإن الله قد عفا عنها وأسقطها.
وقد بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الحقيقة فقال: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ أى إن كان هذا القول منهم خيانة ومكرا فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ بكفرهم ومكرهم بك وقتالهم لك، فأمكنك منهم. وإن كان هذا القول منهم خيرا ويعلمه الله فيقبل ذلك منهم، ويعوضهم خيرا مما أخذ منهم، ويغفر لهم ما تقدم من كفرهم وخيانتهم ومكرهم .
ثم ختم الله- تعالى- سورة الأنفال بالحديث عن علاقة المسلمين بعضهم ببعض، وعن علاقتهم بغيرهم من الكفار وعن الأحكام المنظمة لهذه العلاقات فقال- تعالى-:
وقوله : ( وإن يريدوا خيانتك ) أي : فيما أظهروا لك من الأقوال ، ( فقد خانوا الله من قبل ) أي : من قبل بدر بالكفر به ، ( فأمكن منهم ) أي : بالإسار يوم بدر ، ( والله عليم حكيم ) أي : عليم بما يفعله ، حكيم فيه .
قال قتادة : نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح الكاتب حين ارتد ، ولحق بالمشركين .
وقال ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : نزلت في عباس وأصحابه ، حين قالوا : لننصحن لك على قومنا .
وفسرها السدي على العموم ، وهو أشمل وأظهر ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله : وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: وإن يرد هؤلاء الأسارى الذين في أيديكم =(خيانتك)، أي الغدر بك والمكرَ والخداع, بإظهارهم لك بالقول خلافَ ما في نفوسهم (4) =(فقد خانوا الله من قبل)، يقول: فقد خالفوا أمر الله من قبل وقعة بدر, وأمكن منهم ببدر المؤمنين (5) =(والله عليم)، بما يقولون بألسنتهم ويضمرونه في نفوسهم =(حكيم)، في تدبيرهم وتدبير أمور خلقه سواهم. (6)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16328- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس: (وإن يريدوا خيانتك)، يعني: العباس وأصحابه في قولهم: آمنا بما جئت به, ونشهد إنك رسول الله, لننصحن لك على قومنا "، يقول: إن كان قولهم خيانة =(فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم)، يقول: قد كفروا وقاتلوك, فأمكنك الله منهم.
16329- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وإن يريدوا خيانتك) الآية، قال: ذكر لنا أن رجلا كتب لنبي الله صلى الله عليه وسلم , ثم عمد فنافق, فلحق بالمشركين بمكة, ثم قال: " ما كان محمد يكتب إلا ما شئت!" فلما سمع ذلك رجل من الأنصار, نذر لئن أمكنه الله منه ليضربنه بالسيف. فلما كان يوم الفتح، أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا عبد الله بن سعد بن أبي سرح, ومِقْيَس بن صُبابة, (7) وابن خطل, وامرأة كانت تدعو على النبيّ صلى الله عليه وسلم كل صباح. فجاء عثمان بابن أبي سرح, وكان رضيعه = أو: أخاه من الرضاعة = فقال: يا رسول الله، هذا فلان أقبل تائبًا نادمًا! فأعرض نبي الله صلى الله عليه وسلم . فلما سمع به الأنصاريّ أقبل متقلدًا سيفه, فأطاف به, (8) وجعل ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يومئ إليه. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّم يده فبايعه, فقال: أما والله لقد تلوَّمتك فيه لتوفي نذرك! (9) فقال: يا نبيّ الله إنّي هِبْتك, فلولا أوْمضت إليّ! (10) فقال: إنه لا ينبغي لنبيٍّ أن يومض. (11)
16330- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم)، يقول: قد كفروا بالله ونقضوا عهده, فأمكن منهم ببدر.
----------------------------
الهوامش :
(4) انظر تفسير " الخيانة " فيما سلف ص : 25 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(5) انظر تفسير " أمكن " فيما سلف 11 : 263 12 : 315 .
(6) انظر تفسير " عليم " و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( علم ) ، ( حكم ) .
(7) في المطبوعة : " بن ضبابة " ، وهو خطأ محض .
(8) يقال : " طاف بالقوم ، وأطاف بهم " ، إذا استدار ، وجاء من نواحيهم وهو يحوم حولهم .
(9) " تلوم في الأمر " و " تلوم به " ، انتظر وتلبث وتأنى ، وتعدية مثل هذا الفعل من صريح العربية .
(10) " أومض إليه " ، أشار إشارة خفية ، من " إيماض البرق " ، إذا لمع لمعًا خفيًا ، ثم يخفى .
(11) الأثر : 16329 - انظر مسند أحمد 3 : 151 ، حديث أنس ، بغير هذا اللفظ .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنفال: 62 | ﴿ وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّـهُ﴾ |
---|
الأنفال: 71 | ﴿ وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّـهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
هذا عقد موالاة ومحبة، عقدها اللّه بين المهاجرين الذين آمنوا وهاجروا في سبيل اللّه، وتركوا أوطانهم للّه لأجل الجهاد في سبيل اللّه، وبين الأنصار الذين آووا رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه وأعانوهم في ديارهم وأموالهم وأنفسهم، فهؤلاء بعضهم أولياء بعض، لكمال إيمانهم وتمام اتصال بعضهم ببعض. {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} فإنهم قطعوا ولايتكم بانفصالهم عنكم في وقت شدة الحاجة إلى الرجال،فلما لم يهاجروا لم يكن لهم من ولاية المؤمنين شيء. لكنهم {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ} أي: لأجل قتال من قاتلهم لأجل دينهم {فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} والقتال معهم،وأما من قاتلوهم لغير ذلك من المقاصد فليس عليكم نصرهم. وقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} أي: عهد بترك القتال، فإنهم إذا أراد المؤمنون المتميزون الذين لم يهاجروا قتالهم، فلا تعينوهم عليهم، لأجل ما بينكم وبينهم من الميثاق. {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} يعلم ما أنتم عليه من الأحوال، فيشرع لكم من الأحكام ما يليق بكم.
هذه الآيات الكريمة التي ختم الله- تعالى- بها سورة الأنفال، وضحت أن المؤمنين في العهد النبوي أقسام، وذكرت حكم كل قسم منهم.
أما القسم الأول: فهم المهاجرون الأولون أصحاب الهجرة الأولى.
وأما القسم الثاني: فهم الأنصار من أهل المدينة.
والقسم الثالث: المؤمنون الذين لم يهاجروا.
والقسم الرابع: المؤمنون الذين هاجروا بعد صلح الحديبية.
وقد عبر- سبحانه- عن القسمين: الأول والثاني بقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا....
أى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بالله- تعالى- حق الإيمان وَهاجَرُوا أى تركوا ديارهم وأوطانهم وكل نفيس من زينة الحياة الدنيا. من أجل الفرار بدينهم من فتنة المشركين، ومن أجل نشر دين الله في الأرض وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أى: أنهم مع إيمانهم الصادق، وسبقهم بالهجرة إرضاء لله- تعالى-، قد بالغوا في إتعاب أنفسهم من أجل نصرة الحق، فقدموا ما يملكون من أموال، وقدموا نفوسهم رخيصة لا في سبيل عرض من أعراض الدنيا، وإنما في سبيل مرضاة الله ونصرة دينه.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف هذا القسم الأول من المؤمنين وهم الذين سبقوا إلى الهجرة. بأعظم الصفات وأكرمها.
فقد وصفهم بالإيمان الصادق، وبالمهاجرة فرارا بدينهم من الفتن، وبالمجاهدة بالمال والنفس في سبيل إعلاء كلمة الله.
وقد جاءت هذه الأوصاف الجليلة مرتبة حسب الوقوع، فإن أول ما حصل منهم هو الإيمان، ثم جاءت من بعده الهجرة، ثم الجهاد.
ولعل تقديم المجاهدة بالأموال هنا على المجاهدة بالأنفس، لأن المجاهدة بالأموال أكثر وقوعا، وأتم دفعا للحاجة، حيث لا تتصور المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالأموال.
وقوله فِي سَبِيلِ اللَّهِ متعلق بقوله جاهَدُوا لإبراز أن جهادهم لم يكن لأى غرض دنيوى، وإنما كان من أجل نصرة الحق وإعلاء كلمته- سبحانه- وقوله: وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا بيان للقسم الثاني من أقسام المؤمنين في العهد النبوي، وهم الأنصار من أهل المدينة الذين فتحوا للمهاجرين قلوبهم، واستقبلوهم أحسن استقبال، حيث أسكنوهم منازلهم، وبذلوا لهم أموالهم، وآثروهم على أنفسهم، ونصروهم على أعدائهم.
فالآية الكريمة قد وصفت الأنصار بوصفين كريمين.
أولهما: الإيواء الذي يتضمن معنى التأمين من الخوف، إذا المأوى هو الملجأ والمأمن مما ولقد كانت المدينة مأوى وملجأ للمهاجرين، وكان أهلها مثالا للكرم والإيثار ...
ثانيهما: النصرة، لأن أهل المدينة قد نصروا الرسول صلى الله عليه وسلم والمهاجرين بكل ما يملكون من وسائل التأييد والمؤازرة، فقد قاتلوا من قاتلهم، وعادوا من عاداهم، ولذا جعل الله- تعالى- حكمهم وحكم المهاجرين واحدا فقال: أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ.
فاسم الإشارة يعود إلى المهاجرين السابقين، وإلى الأنصار.
وقوله: أَوْلِياءُ جمع ولى ويطلق على الناصر والمعين والصديق والقريب ...
والمراد بالولاية هنا: الولاية العامة التي تتناول التناصر والتعاون والتوارث..
أى: أولئك المذكورون الموصوفون بهذه الصفات الفاضلة يتولى بعضهم بعضا في النصرة والمعاونة والتوارث.. وغير ذلك، لأن حقوقهم ومصالحهم مشتركة.
قال الآلوسى ما ملخصه: «روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، فكان المهاجر يرثه أخوه الأنصارى، إذا لم يكن له بالمدينة ولى مهاجرى وبالعكس، واستمر أمرهم على ذلك إلى فتح مكة ثم توارثوا بالنسب بعد إذ لم تكن هجرة..
وعليه فالآية منسوخة بقوله- تعالى- بعد ذلك وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ ...
وقال الأصم: الآية محكمة، والمراد الولاية بالنصرة والمظاهرة.
والذي نراه أن الولاية هنا عامة فهي تشمل كل ما يحتاج إليه المسلمون فيما بينهم من تعاون وتناصر وتكافل وتوارث وغير ذلك..
وقوله- تعالى-: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا.. بيان لحكم القسم الثالث من أقسام المؤمنين في العهد النبوي..
أى: هذا الذي ذكرته لكم قبل ذلك في الآية هو حكم المهاجرين السابقين والأنصار الذي آووهم ونصروهم أما حكم الذين آمنوا ولم يهاجروا، وهم المقيمون في أرض الشرك تحت سلطان المشركين وحكمهم. فإنهم ليس بينهم وبين المهاجرين والأنصار ولاية إرث حَتَّى يُهاجِرُوا إلى المدينة، كما أنكم- أيها المؤمنون- لا تنتظروا منهم تعاونا أو مناصرة، لأنهم بسبب إقامتهم في أرض الشرك وتحت سلطانه- أصبحوا لا يملكون وسائل المناصرة لكم.
ثم قال- تعالى: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ.
أى: وإن طلب منكم هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا النصرة على أعدائكم في الدين، فيجب عليكم أن تنصروهم، لأنهم إخوانكم في العقيدة، بشرط ألا يكون بينكم وبين هؤلاء الأعداء عهد ومهادنة، فإنكم في هذه الحالة يحظر عليكم نصرة هؤلاء المؤمنين الذين لم يهاجروا، لأن في نصرتهم- على من بينكم وبينهم عهد- نقضا لهذا العهد.
أى: إن نصرتكم لهم إنما تكون على الكفار الحربيين لا على الكفار المعاهدين وهذا يدل على رعاية الإسلام للعهود، واحترامه للشروط والعقود.
قال الجمل: أثبت الله- تعالى- للقسمين الأولين النصرة والإرث، ونفى عن هذا القسم الإرث وأثبت له النصرة.
وقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ تذييل قصد به الترغيب في طاعة الله، والتحذير من معصيته.
أى: والله- تعالى- مطلع على كل أعمالكم فأطيعوه، ولا تخالفوا أمره.
ذكر تعالى أصناف المؤمنين ، وقسمهم إلى مهاجرين خرجوا من ديارهم وأموالهم ، وجاءوا لنصر الله ورسوله ، وإقامة دينه ، وبذلوا أموالهم وأنفسهم في ذلك . وإلى أنصار ، وهم المسلمون من أهل المدينة إذ ذاك ، آووا إخوانهم المهاجرين في منازلهم ، وواسوهم في أموالهم ، ونصروا الله ورسوله بالقتال معهم ، فهؤلاء بعضهم أولى ببعض أي : كل منهم أحق بالآخر من كل أحد ؛ ولهذا آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار ، كل اثنين أخوان ، فكانوا يتوارثون بذلك إرثا مقدما على القرابة ، حتى نسخ الله تعالى ذلك بالمواريث ، ثبت ذلك في صحيح البخاري ، عن ابن عباس ورواه العوفي ، وعلي بن أبي طلحة ، عنه . وقال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، وغيرهم .
قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن جرير - هو ابن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : المهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض ، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة تفرد به أحمد .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا شيبان حدثنا عكرمة - يعني ابن إبراهيم الأزدي - حدثنا عاصم ، عن شقيق ، عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : المهاجرون والأنصار ، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف ، بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة . هكذا رواه في مسند عبد الله بن مسعود .
وقد أثنى الله ورسوله على المهاجرين والأنصار في غير ما آية في كتابه ، فقال : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار ) الآية [ التوبة : 100 ] ، وقال : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ) الآية . [ التوبة : 117 ] ، وقال تعالى : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) الآية [ الحشر : 8 ، 9 ] .
وأحسن ما قيل في قوله : ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) أي : لا يحسدونهم على فضل ما أعطاهم الله على هجرتهم ، فإن ظاهر الآيات تقديم المهاجرين على الأنصار ، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء ، لا يختلفون في ذلك ، ولهذا قال الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن حذيفة قال : خيرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الهجرة والنصرة ، فاخترت الهجرة .
ثم قال : لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وقوله : ( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم ) [ قرأ حمزة : " ولايتهم " بالكسر ، والباقون بالفتح ، وهما واحد كالدلالة والدلالة ] ( من شيء حتى يهاجروا ) هذا هو الصنف الثالث من المؤمنين ، وهم الذين آمنوا ولم يهاجروا ، بل أقاموا في بواديهم ، فهؤلاء ليس لهم في المغانم نصيب ، ولا في خمسها إلا ما حضروا فيه القتال ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه بريدة بن الحصيب الأسلمي - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميرا على سرية أو جيش ، أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ، وقال : اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال - أو : خلال - فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم ، وكف عنهم : ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم ، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأعلمهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين ، وأن عليهم ما على المهاجرين . فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين ، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب ، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية . فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله ثم قاتلهم .
انفرد به مسلم ، وعنده زيادات أخر .
وقوله : ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير ) يقول تعالى : وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب الذين لم يهاجروا في قتال ديني ، على عدو لهم فانصروهم ، فإنه واجب عليكم نصرهم ؛ لأنهم إخوانكم في الدين ، إلا أن يستنصروكم على قوم من الكفار ( بينكم وبينهم ميثاق ) أي : مهادنة إلى مدة ، فلا تخفروا ذمتكم ، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم . وهذا مروي عن ابن عباس ، رضي الله عنه .
القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا الله ورسوله = " وهاجروا "، يعني: هجروا قومهم وعشيرتهم ودورهم, يعني: تركوهم وخرجوا عنهم, وهجرهم قومهم وعشيرتهم (12) =(وجاهدوا في سبيل الله)، يقول: بالغوا في إتعاب نفوسهم وإنصَابها في حرب أعداء الله من الكفار (13) =(في سبيل الله), يقول: في دين الله الذي جعله طريقا إلى رحمته والنجاة من عذابه (14) =(والذين آووا ونصروا)، يقول: والذين آووا رسول الله والمهاجرين معه، يعني: أنهم جعلوا لهم مأوًى يأوون إليه, وهو المثوى والمسكن, يقول: أسكنوهم، وجعلوا لهم من منازلهم مساكنَ إذ أخرجهم قومهم من منازلهم (15) =(ونصروا)، يقول: ونصروهم على أعدائهم وأعداء الله من المشركين =(أولئك بعضهم أولياء بعض)، يقول: هاتان الفرقتان, يعني المهاجرين والأنصار, بعضهم أنصار بعض, وأعوان على من سواهم من المشركين, وأيديهم واحدة على من كفر بالله, وبعضهم إخوان لبعض دون أقربائهم الكفار. (16)
* * *
وقد قيل: إنما عنى بذلك أن بعضهم أولى بميراث بعض, وأن الله ورَّث بعضهم من بعض بالهجرة والنصرة، دون القرابة والأرحام, وأن الله نسخ ذلك بعدُ بقوله: وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، [سورة الأنفال: 75 وسورة الأحزاب: 6].
* ذكر من قال ذلك:
16331- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض)، يعني: في الميراث، جعل الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام, قال الله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ، يقول: ما لكم من ميراثهم من شيء, وكانوا يعملون بذلك حتى أنـزل الله هذه الآية: وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [سورة الأنفال: 75 وسورة الأحزاب: 6] ، في الميراث, فنسخت التي قبلها, وصار الميراث لذوي الأرحام.
16332- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله)، يقول: لا هجرة بعد الفتح, إنما هو الشهادة بعد ذلك =(والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض)، إلى قوله: حَتَّى يُهَاجِرُوا . وذلك أن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث منازل: منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه في الهجرة, خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعَقارهم وأموالهم = و (آووا ونصروا)، (17) وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة, وشهروا السيوف على من كذّب وجحد, فهذان مؤمنان، جعل الله بعضهم أولياء بعض, فكانوا يتوارثون بينهم، إذا توفي المؤمن المهاجر ورثه الأنصاري بالولاية في الدين. وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر. فبرَّأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم, وهي الولاية التي قال الله: مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا . وكان حقا على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قاتلوا، إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق, فلا نصر لهم عليهم، إلا على العدوِّ الذين لا ميثاق لهم. ثم أنـزل الله بعد ذلك أن ألحقْ كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين هاجروا والذين آمنوا ولم يهاجروا. فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيبًا مفروضًا بقوله: وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [سورة الأنفال: 75] , وبقوله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [سورة التوبة: 71] .
16333- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: الثلاث الآيات خواتيم الأنفال، فيهن ذكر ما كان من ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مهاجري المسلمين وبين الأنصار في الميراث. ثم نسخ ذلك آخرها: وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
16334- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير قوله: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا)، إلى قوله: بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ، قال: بلغنا أنها كانت في الميراث، لا يتوارث المؤمنون الذين هاجروا، والمؤمنون الذين لم يهاجروا. قال: ثم نـزل بعد: وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، فتوارثوا ولم يهاجروا = قال ابن جريج, قال مجاهد: خواتيم " الأنفال " الثلاث الآيات، فيهن ذكر ما كان من ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين المسلمين وبين الأنصار في الميراث, ثم نسخ ذلك آخرها: وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ .
16335- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا ، إلى قوله: مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ، قال: لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة, والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجر شيئًا, فنسخ ذلك بعد ذلك، فألحق الله (18) وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا ، [سورة الأحزاب: 6]، أي: من أهل الشرك، فأجيزت الوصية, (19) ولا ميراث لهم, وصارت المواريث بالملل, والمسلمون يرث بعضهم بعضًا من المهاجرين والمؤمنين, ولا يرث أهل ملتين.
16336- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح, عن الحسن, عن يزيد, عن عكرمة والحسن قالا(إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله)، إلى قوله: مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ، كان الأعرابي لا يرث المهاجر، ولا يرثه المهاجر, فنسخها فقال: وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
16337- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعهم أولياء بعض)، في الميراث = وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا ، وهؤلاء الأعراب = مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، في الميراث = وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ يقول: بأنهم مسلمون = فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ، في الميراث = وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ ، ثم نسختها الفرائض والمواريث, = وَأُولُو الأَرْحَامِ الذين توارثوا على الهجرة = بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فتوارث الأعرابُ والمهاجرون. (20)
* * *
القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: (والذين آمنوا). الذين صدقوا بالله ورسوله =(ولم يهاجروا). قومهم الكفار, ولم يفارقوا دارَ الكفر إلى دار الإسلام =(ما لكم)، أيها المؤمنون بالله ورسوله. المهاجرون قومَهم المشركين وأرضَ الحرب (21) =(من ولايتهم)، يعني: من نصرتهم وميراثهم.
* * *
وقد ذكرت قول بعض من قال: " معنى الولاية، ههنا الميراث ", وسأذكر إن شاء الله من حضرني ذكره بعدُ.
* * *
=(من شيء حتى يهاجروا)، قومَهم ودورَهم من دار الحرب إلى دار الإسلام =(وإن استنصروكم في الدين)، يقول: إن استنصركم هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا =(في الدين), يعني: بأنهم من أهل دينكم على أعدائكم وأعدائهم من المشركين, " فعليكم "، أيها المؤمنون من المهاجرين والأنصار، (النصر) =(إلا) أن يستنصروكم =(على قوم بينكم وبينهم ميثاق), يعني: عهد قد وثَّق به بعضكم على بعض أن لا يحاربه (22) =(والله بما تعملون بصير)، يقول: والله بما تعملون فيما أمركم ونهاكم من ولاية بعضكم بعضًا، أيها المهاجرون والأنصار, وترك ولاية من آمن ولم يهاجر ونصرتكم إياهم عند استنصاركم في الدين, وغير ذلك من فرائض الله التي فرضها عليكم =(بصير)، يراه ويبصره, فلا يخفى عليه من ذلك ولا من غيره شيء. (23)
16338- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا)، قال: كان المسلمون يتوارثون بالهجرة, وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم, فكانوا يتوارثون بالإسلام والهجرة. وكان الرجل يسلم ولا يهاجر، لا يرث أخاه, فنسخ ذلك قوله: وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ [سورة الأحزاب: 6].
16339- حدثنا محمد قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ على رجل دخل في الإسلام فقال: تقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتحج البيت, وتصوم رمضان, وأنك لا ترى نار مشرك إلا وأنت حرب. (24)
16340- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (وإن استنصروكم في الدين)، يعني: إن استنصركم الأعراب المسلمون، أيها المهاجرون والأنصار، على عدوهم، فعليكم أن تنصروهم، إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق.
16341- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: ترك النبي صلى الله عليه وسلم الناسَ يوم تُوفي على أربع منازل: مؤمن مهاجر, والأنصار, وأعرابي مؤمن لم يهاجر; إن استنصره النبي صلى الله عليه وسلم نصره، وإن تركه فهو إذْنُه، (25) وإن استنصر النبي صلى الله عليه وسلم في الدين كان حقًّا عليه أن ينصره, فذلك قوله: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) = والرابعة: التابعون بإحسان.
16342- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا ، إلى آخر السورة, قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وترك الناس على أربع منازل (26) مؤمن مهاجر. ومسلم أعرابي, والذين آووا ونصروا, والتابعون بإحسان.
----------------
الهوامش :
(12) انظر تفسير " المهاجرة " فيما سلف 4 : 317 ، 318 7 : 490 9 : 100 ، 122 .
(13) انظر تفسير " المجاهدة " فيما سلف 4 : 318 10 : 292 ، 423 .
(14) انظر تفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) .
(15) انظر تفسير " آوى " ، و " المأوى " فيما سلف 13 : 477 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(16) انظر تفسير " الولي " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي ) .
(17) في المطبوعة : " وفي قوله : آووا ونصروا " . زاد ما ليس في المطبوعة .
(18) في المطبوعة : " قول الله " ، مكان " فألحق الله " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب .
(19) في المخطوطة : " حرت الوصية " ، هكذا غير منقوط ، وكأن الصواب ما في المطبوعة .
ولو قرئت : " خيرت الوصية " ( بالبناء للمجهول ) ، لكان وجها .
(20) كانت هذه الجملة في المطبوعة : " فأولئك منكم ، والذين توارثوا على الهجرة في كتاب الله ، ثم نسختها الفرائض والمواريث ، فتوارث الأعراب والمهاجرون " قدم وأخر فيما كان في المخطوطة ، وهو : " فأولئك منكم ، ثم نسختها الفرائض والمواريث " الذي توارثوا على الهجرة في كتاب الله ، فتوارث الأعراب والمهاجرون . واستظهرت الصواب .
(21) انظر تفسير " الهجرة " فيما سلف ص 77 ، تعليق : ، والمراجع هناك .
(22) انظر تفسير " الميثاق " فيما سلف 13 ، 315 ، تعليق : والمراجع هناك .
(23) انظر تفسير " بصير " فيما سلف من فهارس اللغة ( بصر ) .
(24) يعني بذلك : أن يبعد منزله عن منزل المشرك " حتى لا يرى ناره " نهى منه صلى الله عليه وسلم عن جوار لمشرك .
(25) في المطبوعة : " فهو إذن له " ثبت ما في المخطوطة .
(26) في المطبوعة : " قال رسول الله " وذلك أن كاتب المخطوطة وصل لام "قال" بألف "إن" ، ووصل ألف "إن" بنونها .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
البقرة: 218 | ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّـهِ﴾ |
---|
الأنفال: 72 | ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ |
---|
الأنفال: 74 | ﴿وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا﴾ |
---|
الأنفال: 75 | ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَـٰئِكَ مِنكُمْ﴾ |
---|
التوبة: 20 | ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّـهِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ولايتهم:
قرئ:
1- بالكسر، وهى قراءة الأعمش، وابن وثاب، وحمزة.
2- بالفتح، وهى قراءة باقى السبعة، والجمهور.
تعلمون:
قرئ:
يعملون، بالياء، على الغيبة، وهى قراءة السلمى، والأعرج.
التفسير :
لما عقد الولاية بين المؤمنين، أخبر أن الكفار حيث جمعهم الكفر فبعضهم أولياء لبعض فلا يواليهم إلا كافر مثلهم. وقوله: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} أي: موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، بأن واليتموهم كلهم أو عاديتموهم كلهم، أو واليتم الكافرين وعاديتم المؤمنين. {تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} فإنه يحصل بذلك من الشر ما لا ينحصر من اختلاط الحق بالباطل، والمؤمن بالكافر، وعدم كثير من العبادات الكبار، كالجهاد والهجرة، وغير ذلك من مقاصد الشرع والدين التي تفوت إذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض.
قبل أن تذكر السورة القسم الرابع من أقسام المؤمنين، تتحدث عن ولاية الكفار بعضهم لبعض فتقول: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ.
أى: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض في النصرة والتعاون على قتالكم وإيذائكم- أيها المؤمنون- فهم وإن اختلفوا فيما بينهم إلا أنهم يتفقون على عداوتكم وإنزال الاضرار بكم.
وقوله: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ تحذير شديد للمؤمنين عن مخالفة أمره- سبحانه-.
أى: إلا تفعلوا- أيها المؤمنون- ما أمرتكم به من التناصر والتواصل وتولى بعضكم بعضا، ومن قطع العلائق بينكم وبين الكفار، تحصل فتنة كبيرة في الأرض، ومفسدة شديدة فيها، لأنكم إذا لم تصيروا يدا واحدة على الشرك، يضعف شأنكم، وتذهب ريحكم، وتسفك دماؤكم ويتطاول أعداؤكم عليكم، وتصيرون عاجزين عن الدفاع عن دينكم وعرضكم..
وبذلك تعم الفتنة، وينتشر الفساد.
لما ذكر تعالى أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، قطع الموالاة بينهم وبين الكفار ، كما قال الحاكم في مستدركه :
حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ، حدثنا أبو سعد يحيى بن منصور الهروي ، حدثنا محمد بن أبان ، حدثنا محمد بن يزيد وسفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يتوارث أهل ملتين ، ولا يرث مسلم كافرا ، ولا كافر مسلما ، ثم قرأ : ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
قلت : الحديث في الصحيحين من رواية أسامة بن زيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وفي المسند والسنن ، من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يتوارث أهل ملتين شتى وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا محمد ، [ عن محمد بن ثور ] عن معمر ، عن الزهري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ على رجل دخل في الإسلام فقال : تقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتحج البيت ، وتصوم رمضان ، وأنك لا ترى نار مشرك إلا وأنت له حرب .
وهذا مرسل من هذا الوجه ، وقد روي متصلا من وجه آخر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه قال : أنا بريء من كل مسلم بين ظهراني المشركين ، ثم قال : لا يتراءى ناراهما .
وقال أبو داود في آخر كتاب الجهاد : حدثنا محمد بن داود بن سفيان ، أخبرني يحيى بن حسان ، أنبأنا سليمان بن موسى أبو داود ، حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب [ حدثني خبيب بن سليمان ، عن أبيه سليمان بن سمرة ] عن سمرة بن جندب : أما بعد ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله .
وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن مردويه ، من حديث حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الله بن هرمز ، عن محمد وسعيد ابني عبيد ، عن أبي حاتم المزني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض . قالوا : يا رسول الله ، وإن كان ؟ قال : إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه - ثلاث مرات .
وأخرجه أبو داود والترمذي ، من حديث حاتم بن إسماعيل ، به بنحوه .
ثم روي من حديث عبد الحميد بن سليمان ، عن ابن عجلان ، عن ابن وثيمة النصري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض .
ومعنى قوله تعالى : ( إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) أي : إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين ، وإلا وقعت الفتنة في الناس ، وهو التباس الأمر ، واختلاط المؤمن بالكافر ، فيقع بين الناس فساد منتشر طويل عريض .
القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (والذين كفروا)، بالله ورسوله =(بعضهم أولياء بعض)، يقول: بعضهم أعوان بعض وأنصاره, وأحق به من المؤمنين بالله ورسوله. (27)
* * *
وقد ذكرنا قول من قال: " عنى بذلك أن بعضهم أحق بميراث بعض من قرابتهم من المؤمنين ", (28) وسنذكر بقية من حضرنا ذكره.
16343- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن السدي, عن أبي مالك قال، قال رجل: نورّث أرحامنا من المشركين! فنـزلت: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض)، الآية.
16344- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، نـزلت في مواريث مشركي أهل العهد.
16345- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ، إلى قوله: (وفساد كبير)، قال: كان المؤمن المهاجر والمؤمن الذي ليس بمهاجر، لا يتوارثان وإن كانا أخوين مؤمنين. قال: وذلك لأن هذا الدين كان بهذا البلد قليلا حتى كان يوم الفتح، فلما كان يوم الفتح، وانقطعت الهجرة توارثوا حيثما كانوا بالأرحام. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا هجرة بعد الفتح "، وقرأ: وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: إن الكفار بعضهم أنصار بعض = وأنه لا يكون مؤمنًا من كان مقيمًا بدار الحرب لم يهاجر. (29)
* ذكر من قال ذلك:
16346- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض)، قال: كان ينـزل الرجل بين المسلمين والمشركين، فيقول: إن ظهر هؤلاء كنت معهم, وإن ظهر هؤلاء كنت معهم! فأبى الله عليهم ذلك, وأنـزل الله في ذلك، فلا تراءى نار مسلم ونار مشرك، (30) إلا صاحب جزية مُقِرّ بالخراج.
16347- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال: حض الله المؤمنين على التواصل, فجعل المهاجرين والأنصار أهل ولاية في الدين دون سواهم, وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض. (31)
* * *
وأما قوله: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: معناه: إلا تفعلوا، أيها المؤمنون، ما أمرتم به من موارثة المهاجرين منكم بعضهم من بعض بالهجرة، والأنصار بالإيمان، دون أقربائهم من أعراب المسلمين ودون الكفار =(تكن فتنة)، يقول: يحدث بلاء في الأرض بسبب ذلك (32) =(وفساد كبير)، يعني: ومعاصٍ لله. (33)
* ذكر من قال ذلك:
16348- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، إلا تفعلوا هذا، تتركوهم يتوارثون كما كانوا يتوارثون =(تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). قال: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الإيمان إلا بالهجرة, ولا يجعلونهم منهم إلا بالهجرة. (34)
16349- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس,قوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض)، يعني في الميراث =(إلا تفعلوه)، يقول: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به =(تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)،
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: إلا تَناصروا، أيها المؤمنون، في الدين، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
* ذكر من قال ذلك:
16350- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: جعل المهاجرين والأنصار أهلَ ولاية في الدين دون من سواهم, وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض, ثم قال: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، إلا يوالِ المؤمن المؤمن من دون الكافر، وإن كان ذا رحم به =(تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، أي: شبهة في الحق والباطل، وظهور الفساد في الأرض، بتولّي المؤمن الكافرَ دون المؤمن. (35) ثم رد المواريث إلى الأرحام. (36)
16351- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، قال: إلا تعاونوا وتناصروا في الدين =(تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بتأويل قوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض)، قول من قال: معناه: أن بعضهم أنصار بعض دون المؤمنين, وأنه دلالة على تحريم الله على المؤمن المقامَ في دار الحرب وترك الهجرة، لأن المعروف في كلام العرب من معنى " الوليّ"، أنه النصير والمعين، أو: ابن العم والنسيب. (37) فأما الوارث فغير معروف ذلك من معانيه، إلا بمعنى أنه يليه في القيام بإرثه من بعده. وذلك معنى بعيد، وإن كان قد يحتمله الكلام. وتوجيه معنى كلام الله إلى الأظهر الأشهر, أولى من توجيهه إلى خلاف ذلك.
وإذ كان ذلك كذلك, فبيِّنٌ أن أولى التأويلين بقوله: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، تأويلُ من قال: إلا تفعلوا ما أمرتكم به من التعاون والنصرة على الدين، تكن فتنة في الأرض = إذْ كان مبتدأ الآية من قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . بالحث على الموالاة على الدين والتناصر جاء, فكذلك (38) الواجب أن يكون خاتمتها به.
-------------------
الهوامش :
(27) انظر تفسير " ولي " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي )
(28) في المطبوعة : " عنى بيان أن بعضهم " ، وهو سياق فاسد . وفي المخطوطة : " عنى بيان بعضهم " ، غير منقوط ، مضطرب أيضا فاسد . والصواب ما أثبت .
(29) في المطبوعة : " ولم " بزيادة الواو .
(30) قوله : " لا تراءى نار مسلم ومشرك " ، أسند الترائي إلى النار ، كناية عن الجوار ، وانظر التعليق السالف ص : 83 ، رقم : 1 .
(31) الأثر : 16347 - سيرة ابن هشام 2 : 332 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16318 .
(32) انظر تفسير " الفتنة " فيما سلف 13 : 537 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(33) انظر تفسير " الفساد " فيما سلف 13 : 36 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(34) في المخطوطة : " ولا يجعلونهم مقيم " ، والصواب ما في المطبوعة .
(35) كان في المطبوعة بعد قوله " فساد كبير " ما نصه : " إن يتول المؤمن الكافر دون المؤمن ، ثم رد المواريث إلى الأرحام " ، ومثلها في المخطوطة إلا أنه كتب " إن يتولى " . وهو كلام مضطرب ، سببه أن " المؤمن " ذكر في الكلام مرات ، فأسقط ما بين " المؤمن " في قوله " إلا يوال المؤمن المؤمن " ، إلى قوله بعد : " بتولي المؤمن الكافر " ، فاضطراب الكلام ، وسقته على الصواب من سيرة ابن هشام .
(36) الأثر : 16350 - سيرة ابن هشام 2 : 332 ، 333 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16347 ، وفيه جزء منه .
(37) انظر تفسير " الولي " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولي ) .
(38) في المطبوعة والمخطوطة " وكذلك " بالواو ، والفاء حق السياق .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أولياء بعض:
وقرئ:
أولى ببعض.
كبير:
وقرئ:
كثير، بالثاء المثلثة، وهى قراءة أبى موسى الحجازي، عن الكسائي.
التفسير :
الآيات السابقات في ذكر عقد الموالاة بين المؤمنين من المهاجرين والأنصار. وهذه الآيات في بيان مدحهم وثوابهم، فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ} أي: المؤمنون من المهاجرين والأنصار {هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} لأنهم صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة والنصرة والموالاة بعضهم لبعض، وجهادهم لأعدائهم من الكفار والمنافقين. {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} من اللّه تمحى بها سيئاتهم، وتضمحل بها زلاتهم، {و} لهم {رِزْقٌ كَرِيمٌ} أي: خير كثير من الرب الكريم في جنات النعيم. وربما حصل لهم من الثواب المعجل ما تقر به أعينهم، وتطمئن به قلوبهم ،
وقوله- تعالى- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا، أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا.. كلام مسوق للثناء على القسمين الأولين من الأقسام الثلاثة للمؤمنين وهم المهاجرون والأنصار.
إذ أن الآية الأولى من هذه الآيات الكريمة قد ساقها الله- تعالى- لإيجاب التواصل بينهم، أما هذه الآية فقد ساقها سبحانه- للثناء عليهم والشهادة لهم بأنهم هم المؤمنون حق الإيمان وأكمله، بخلاف من أقام من المؤمنين بدار الشرك، مع الحاجة إلى هجرته وجهاده.
قال الفخر الرازي: أثنى الله- تعالى- على المهاجرين والأنصار من ثلاثة أوجه:
أولها- قوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا فإن هذه الجملة تفيد المبالغة في مدحهم، حيث وصفهم بكونهم محقين في طريق الدين.
وقد كانوا كذلك، لأن من لم يكن محقا في دينه لم يتحمل ترك الأديان السالفة، ولم يفارق الأهل والوطن، ولم يبذل النفس والمال.
وثانيها- قوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ والتنكير يدل على الكمال، أى: مغفرة تامة كاملة.
وثالثها- قوله: وَرِزْقٌ كَرِيمٌ والمراد منه الثواب الرفيع.
والحاصل: أنه- سبحانه- شرح أحوالهم في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فقد وصفهم بقوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا.
وأما في الآخرة فالمقصود إما دفع العقاب، وإما جلب الثواب.
أما دفع العقاب فهو المراد بقوله لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ... وأما جلب الثواب فهو المراد بقوله وَرِزْقٌ كَرِيمٌ.
لما ذكر تعالى حكم المؤمنين في الدنيا ، عطف بذكر ما لهم في الآخرة ، فأخبر عنهم بحقيقة الإيمان ، كما تقدم في أول السورة ، وأنه سيجازيهم بالمغفرة والصفح عن ذنوب إن كانت ، وبالرزق الكريم وهو الحسن الكثير الطيب الشريف ، دائم مستمر أبدا لا ينقطع ولا ينقضي ، ولا يسأم ولا يمل لحسنه وتنوعه .
ثم ذكر أن الأتباع لهم في الدنيا على ما كانوا عليه من الإيمان والعمل الصالح فهم معهم في الآخرة كما قال : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار ) الآية [ التوبة : 100 ] ، وقال : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) [ الحشر : 10 ] وفي الحديث المتفق عليه ، بل المتواتر من طرق صحيحة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : المرء مع من أحب ، وفي الحديث الآخر : من أحب قوما حشر معهم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن جرير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : المهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض ، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة . قال شريك : فحدثنا الأعمش ، عن تميم بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن هلال ، عن جرير ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .
تفرد به أحمد من هذين الوجهين .
القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا)، آوَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه ونصروهم، ونصروا دين الله, أولئك هم أهل الإيمان بالله ورسوله حقًّا, لا من آمن ولم يهاجر دارَ الشرك، وأقام بين أظهر أهل الشرك، ولم يغزُ مع المسلمين عدوهم (39) =(لهم مغفرة)، يقول: لهم ستر من الله على ذنوبهم، بعفوه لهم عنها (40) =(ورزق كريم)، يقول: لهم في الجنة مطعم ومشرب هنيٌّ كريم, (41) لا يتغير في أجوافهم فيصير نجْوًا, (42) ولكنه يصير رشحًا كرشح المسك (43)
* * *
وهذه الآية تنبئ عن صحة ما قلنا: أن معنى قول الله: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ في هذه الآية, وقوله: مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، إنما هو النصرة والمعونة، دون الميراث. لأنه جل ثناؤه عقّب ذلك بالثناء على المهاجرين والأنصار والخبر عما لهم عنده، دون من لم يهاجر بقوله: (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا)، الآية, ولو كان مرادًا بالآيات قبل ذلك، الدلالةُ على حكم ميراثهم، لم يكن عَقِيبَ ذلك إلا الحثّ على إمضاء الميراث على ما أمر. (44) وفي صحة ذلك كذلك، الدليلُ الواضح على أن لا ناسخ في هذه الآيات لشيء، ولا منسوخ.
------------------
الهوامش :
(39) انظر تفسير " هاجر " و " جاهد " ، و " آوى " فيما سلف قريبا ص 77 ، تعليق : 1 - 4 ، والمراجع هناك .
(40) انظر تفسير " المغفرة " فيما سلف من فهارس اللغة " غفر " .
(41) انظر تفسير " رزق كريم " فيما سلف وكان في المطبوعة هنا " طعم ومشرب " ، والصواب من المخطوطة .
(42) " النجو " ، ما يخرج من البطن .
(43) روى مسلم وأبو داود من حديث جابر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَأكُلُونَ فِيهَا ويَشْرَبُونَ ، وَلا يَتْفُلُونَ وَلا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ . قِيلَ : فَمَا بَالُ الطَّعَامِ ؟ قال : جُشاء ورَشْحٌ كَرَشْحِ المِسْك ، يُلهمون التسبيح والتحميد كما تُلهمُونَ النَّفَس "
( صحيح مسلم 17 : 173 ) .
(44) في المطبوعة : " إلا الحث على مضى " ، وفي المخطوطة: "على أمضى" ، وصواب قراءتها ما أثبت .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنفال: 4 | ﴿ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ |
---|
الأنفال: 74 | ﴿وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
وكذلك من جاء بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار، ممن اتبعهم بإحسان فآمن وهاجر وجاهد في سبيل اللّه. {فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} لهم ما لكم وعليهم ما عليكم فهذه الموالاة الإيمانية ـ وقد كانت في أول الإسلام ـ لها وقع كبير وشأن عظيم، حتى إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ آخى بين المهاجرين والأنصارأخوة خاصة، غير الأخوة الإيمانية العامة، وحتى كانوا يتوارثون بها، فأنزل اللّه {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} فلا يرثه إلا أقاربه من العصبات وأصحاب الفروض،فإن لم يكونوا، فأقرب قراباته من ذوي الأرحام، كما دل عليه عموم هذه الآية الكريمة، وقوله: {فِي كِتَابِ اللَّهِ} أي: في حكمه وشرعه. {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ومنه ما يعلمه من أحوالكم التي يجري من شرائعه الدينية عليكم ما يناسبها.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة ببيان القسم الرابع من أقسام المؤمنين في العهد النبوي فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ ...
أى: والذين آمنوا من بعد المؤمنين السابقين إلى الإيمان والهجرة، وهاجروا إلى المدينة، وجاهدوا مع المهاجرين السابقين والأنصار من أجل إعلاء كلمة الله، فأولئك الذين هذا شأنهم مِنْكُمْ أى: من جملتكم- أيها المهاجرون والأنصار في استحقاق الموالاة والنصرة، واستحقاق الأجر من الله، إلا أن هذا الأجر ينقص عن أجركم، لأنه لا يتساوى السابق في الإيمان والهجرة والجهاد مع المتأخر في ذلك.
قالوا: والمراد بهذا القسم الرابع من أقسام المؤمنين، أهل الهجرة الثانية التي وقعت بعد الهجرة الأولى، وقيل المراد بهذا القسم المهاجرون بعد صلح الحديبية، أو بعد غزوة بدر، أو بعد نزول هذه الآية، فيكون الفعل الماضي آمَنُوا وما بعده بمعنى المستقبل.
وقوله: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.. بيان لحقوق الأقارب بالنسب والأرحام جمع رحم، وأصله رحم المرأة الذي هو موضع تكوين الولد في بطنها، وسمى به الأقارب، لأنهم في الغالب من رحم واحدة وأولو الأرحام في اصطلاح علماء الفرائض: هم الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب.
أى: وذوو القرابة بعضهم أولى في التوارث وفي غير ذلك مما تقتضيه مطالب الحياة من التكافل والتراحم.
وقوله: فِي كِتابِ اللَّهِ أى: في حكمه الذي كتبه على عباده المؤمنين، وأوجب به عليهم صلة الأرحام في هذه الآية وغيرها.
قال الآلوسى: «أخرج الطيالسي والطبراني وغيرهما عن ابن عباس قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وورث بعضهم من بعض حتى نزلت هذه الآية فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب».
أى أن هذه الآية الكريمة نسخت ما كان بين المهاجرين والأنصار من التوارث بسبب الهجرة والمؤاخاة.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ تذييل ختمت به السورة الكريمة لحض المؤمنين على التمسك بما اشتملت عليه من آداب وتشريعات وأحكام لينالوا رضاه وثوابه.
أى: إن الله- تعالى- مطلع على كل شيء مما يدور ويجرى في هذا الكون، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وسيجازى الذين أساؤوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد مدحت المهاجرين والأنصار مدحا عظيما، كما مدحت المؤمنين من بعدهم، وحضت على الجهاد في سبيل الله، وأمرت بالوفاء بالعهود، وبالوقوف صفا واحدا في وجه الكفار حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
وبعد: فهذا ما وفق الله إليه في تفسير سورة الأنفال، أو سورة بدر- كما سماها ابن عباس- لأنها تحدثت باستفاضة عن أحداث هذه الغزوة وعن أحوال المشتركين فيها، وعن بشارات النصر التي تقدمتها وصاحبتها وعن غنائمها وأسراها.
كما تحدثت عن صفات المؤمنين الصادقين، وعن الأقوال والأعمال التي يجب عليهم أن يتمسكوا بها لينالوا رضا الله ونصره، وعن رذائل المشركين ومسالكهم القبيحة لمحاربة الدعوة الاسلامية، وعن المبادئ التي يجب أن يسير عليها المسلمون في حربهم وسلمهم، وعن سنن الله في خلقه التي لا تتغير ولا تتبدل، والتي من أهمها:
أنه- سبحانه- لا يسلب نعمة عن قوم إلا بسبب معاصيهم وتنكبهم الطريق القويم، قال- تعالى-: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ.
وأنه- سبحانه- قد جعل العاقبة الحسنة للمؤمنين، والعاقبة السيئة للفاسقين، وأخبر المنحرفين عن صراطه بأنه سيغفر لهم ما سلف من خطاياهم متى أقلعوا عنها، وأخلصوا له العبادة.
قال- تعالى- قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ، وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
وختاما: نسأل الله- تعالى- أن يوفقنا للمداومة على خدمة كتابه، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يتمم لنا نورنا ويغفر لنا إنه على كل شيء قدير.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم د. محمد سيد طنطاوى
وأما قوله تعالى : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) أي : في حكم الله ، وليس المراد بقوله : ( وأولوا الأرحام ) خصوصية ما يطلقه علماء الفرائض على القرابة الذين لا فرض لهم ولا هم عصبة ، بل يدلون بوارث ، كالخالة ، والخال ، والعمة ، وأولاد البنات ، وأولاد الأخوات ، ونحوهم ، كما قد يزعمه بعضهم ويحتج بالآية ، ويعتقد ذلك صريحا في المسألة ، بل الحق أن الآية عامة تشمل جميع القرابات . كما نص ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة وغير واحد : على أنها ناسخة للإرث بالحلف والإخاء اللذين كانوا يتوارثون بهما أو لا وعلى هذا فتشمل ذوي الأرحام بالاسم الخاص . ومن لم يورثهم يحتج بأدلة من أقواها حديث : إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث ، قالوا : فلو كان ذا حق لكان له فرض في كتاب الله مسمى ، فلما لم يكن كذلك لم يكن وارثا ، والله أعلم .
آخر [ تفسير ] سورة " الأنفال " ، ولله الحمد والمنة ، وعليه [ الثقة و ] التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل .
القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " والذين آمنوا "، بالله ورسوله، من بعد تبياني ما بيَّنت من ولاية المهاجرين والأنصار بعضهم بعضًا، وانقطاع ولايتهم ممن آمن ولم يهاجر حتى يهاجر =(وهاجروا)، دارَ الكفر إلى دار الإسلام =(وجاهدوا معكم)، أيها المؤمنون =(فأولئك منكم)، في الولاية، يجب عليكم لهم من الحق والنصرة في الدين والموارثة، مثل الذي يجب لكم عليهم، ولبعضكم على بعض، (45) كما:-
16352- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق, قال: ثم ردّ المواريث إلى الأرحام ممن أسلم بعد الولاية من المهاجرين والأنصار دونهم، إلى الأرحام التي بينهم، (46) فقال: (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)، أي: بالميراث (47) = إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . (48)
* * *
القول في تأويل قوله : وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والمتناسبون بالأرحام =(بعضهم أولى ببعض)، في الميراث, إذا كانوا ممن قسم الله له منه نصيبًا وحظًّا، من الحليف والولي =(في كتاب الله)، يقول: في حكم الله الذي كتبه في اللوح المحفوظ والسابق من القضاء (49) =(إن الله بكل شيء عليم)، يقول: إن الله عالم بما يصلح عباده، في توريثه بعضهم من بعض في القرابة والنسب، دون الحلف بالعقد, وبغير ذلك من الأمور كلها, لا يخفى عليه شيء منها. (50)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16353- حدثنا أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، حدثنا أبي, قال، حدثنا قتادة أنه قال: كان لا يرث الأعرابيُّ المهاجرَ، حتى أنـزل الله: ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله).
16354- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا معاذ بن معاذ قال، حدثنا ابن عون, عن عيسى بن الحارث: أن أخاه شريح بن الحارث كانت له سُرِّيَّة، فولدت منه جارية, فلما شبت الجارية زُوِّجت, فولدت غلامًا, ثم ماتت السرِّية, واختصم شريح بن الحارث والغلام إلى شريح القاضي في ميراثها, فجعل شريح بن الحارث يقول: ليس له ميراث في كتاب الله! قال: فقضى شريح بالميراث للغلام. قال: ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)، فركب ميسرة بن يزيد إلى ابن الزبير, فأخبره بقضاء شريح وقوله, فكتب ابن الزبير إلى شريح: " إن ميسرة أخبرني أنك قضيت بكذا وكذا "، وقلت: ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)، وإنه ليس كذلك, إنما نـزلت هذه الآية: أنّ الرجل كان يعاقد الرجل يقول: " ترثني وأرثك ", فنـزلت: ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) . فجاء بالكتاب إلى شريح, فقال شريح: أعتقها حيتان بطنها! (51) وأبى أن يرجع عن قضائه. (52)
16355- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن ابن عون قال، حدثني عيسى بن الحارث قال: كانت لشريح بن الحارث سُرِّية, فذكر نحوه = إلا إنه قال في حديثه: كان الرجل يعاقد الرجل يقول: " ترثني وأرثك "، فلما نـزلت تُرِك ذلك. (53)
آخر تفسير " سورة الأنفال "
والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
--------------------
الهوامش :
(45) انظر تفسير " هاجر " ، و " جاهد " فيما سلف ص : 88 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(46) في المطبوعة والمخطوطة : " ثم المواريث إلى الأرحام التي بينهم " ، أسقط من الكلام تمام الكلام الذي أثبته من سيرة ابن هشام ، وسبب ذلك كما فعل في رقم : 16350 ، هو ذكر " الأرحام " مرتين ، فاختلط عليه بصره فنقل ما نقل .
(47) في المطبوعة : " أي : في الميراث " ، وهو خطأ ، صوابه في المخطوطة والسيرة .
(48) الأثر : 16352 - سيرة ابن هشام 2 : 333 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16350 .
(49) انظر تفسير " كتاب " فيما سلف ص : 64 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .
(50) انظر تفسير " عليم " فيما سلف من فهارس اللغة ( علم ) .
(51) في المطبوعة : " جنين " ، غير ما في المخطوطة . وفي أخبار القضاة لوكيع " جنان بطنها " ، والذي هنا ، وفي أخبار القضاة ، مشكل ، فأثبته حتى أعرف صوابه ، أو يعرفه غيري .
(52) الأثر : 16354 ، 16355 - رواه وكيع في أخبار القضاة 2 : 320 ، 321 ، من طريق عمرو بن بشر ، عن حسن بن عيسى ، عن عبد الله ، عن ابن عون ، بنحوه .
(53) الأثر : 16354 ، 16355 - رواه وكيع في أخبار القضاة 2 : 320 ، 321 ، من طريق عمرو بن بشر ، عن حسن بن عيسى ، عن عبد الله ، عن ابن عون ، بنحوه .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنفال: 75 | ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَـٰئِكَ مِنكُمْ ۚ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ﴾ |
---|
الأحزاب: 6 | ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّـهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء