1366970717273

الإحصائيات

سورة الأنعام
ترتيب المصحف6ترتيب النزول55
التصنيفمكيّةعدد الصفحات23.00
عدد الآيات165عدد الأجزاء1.17
عدد الأحزاب2.35عدد الأرباع9.40
ترتيب الطول5تبدأ في الجزء7
تنتهي في الجزء8عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 2/14الحمد لله: 2/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (69) الى الآية رقم (70) عدد الآيات (2)

= فإذا تجنَّبَهم المُتَّقونَ فلم يَجْلِسُوا معهم فلا إثْمَ عليهم، ولكنْ عليهم التذكيرُ والوعظُ، ثُمَّ أمَرَ اللهُ نَبِيَّه ﷺ أن يُعْرِضَ عنهم، وأن يذَكِّرَ النَّاسَ بالقرآنِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (71) الى الآية رقم (73) عدد الآيات (3)

لمَّا أمَرَ اللهُ نَبِيَّه ﷺ أن يُعْرِضَ عنهمْ أمرَه هنا أن يُنكِرَ عليهِم عبادةَ الأصنامِ التي لا تنفعُ ولا تضرُّ، وتركَهم عبادةِ خالقِ السمواتِ والأرضِ، ثُمَّ تحذيرُهم من يومِ القيامةِ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة الأنعام

التوحيد الخالص في الاعتقاد والسلوك/ مجادلة المشركين في إثبات التوحيد والرسالة والبعث/ قذائف الحق

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • إذًا كيف هذا؟ وما علاقة هذا بالأنعام؟: الأنعام: هي المواشي من الإبل والبقر والغنم. والمشركون من العرب اعترفوا بوجود الله، وكانوا ينظرون للأنعام على أنها الثروة الأساسية وعصب الحياة، فهي الأكل والشرب والمواصلات والثروة. تعامل المشركون من العرب مع الأنعام على أنها تخصهم ولا علاقة لله تعالى بها بزعمهم، فأحلوا وحرموا بعضِ الزروعِ والأنعامِ، وجعلوا لله جزءًا مما خلق من الزروع والثمار والأنعام، يقدمونه للمساكين وللضيوف، وجعلوا قسمًا آخر من هذه الأشياء للأوثان والأنصاب، ومثل ما ابتدعوه في بهيمة الأنعام: إذا ولدت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر، شقوا أذنها، وتركوها لآلهتهم وامتنعوا عن نحرها وركوبها، وسموها "بحيرة"، وسموا أخرى "سائبة" وأخرى "وصيلة".
  • • ما العلاقة بين الأنعام وبين سورة تتحدث عن توحيد الله؟: الله هو الذي خلق الأنعام، وسخرها للإنسان؛ وبالتالي فهو وحده المشرع للأحكام المتعلقة بها.فالتوحيد ليس معناه أنْ يقول المرء في نفسه أنا أوحّد الله وواقع حياته لا يشهد بذلك. وكثير من الناس يوحّدون الله اعتقادًا؛ فهو يجزم بهذا الأمر، ولا مجال للنقاش أو الشك في توحيده لله عزّ وجلْ، ولكن إذا تأملنا واقع حياته، وهل يطبق شرع الله تعالى في كل تصرفاته؟؛ فإننا سنجد أنّ الأمر مختلف. توحيد الله تعالى لا يكون في الاعتقاد فحسبْ، بل لا بد من توحيده في كل تصرفاتنا وحياتنا اليومية.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي :: «الأنعام»
  • • معنى الاسم :: النَّعَمُ: واحد الأنعام، والأنعام: هي المواشي من الإبل والبقر والغنم.
  • • سبب التسمية :: لأنها عرضت لذكر الأنعام على تفصيل لم يرد في غيرها من السور، وتكرر فيها لفظ (الأنعام) 6 مرات، (أكثر سورة يتكرر فيها هذا اللفظ)، وجاءت بحديث طويل عنها استغرق 15 آية (من 136 إلى 150).
  • • أسماء أخرى اجتهادية :: «سورة الحجة»، وتسمى الأنعام والأعراف: «الطُّولَيَيْن» (أي: أطول السور المكية).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة :: أن توحيد الله لا يكون في الاعتقاد فحسبْ، بل يجب أن يشمل الاعتقاد والسلوك.
  • • علمتني السورة :: أن توحيد الله تعالى أجلى حقائق الكون وأوضحها، وأن المنكر لذلك معاند مكابر.
  • • علمتني السورة :: أن الله أرحم بنا من أي أحد، ولذا عرفنا بنفسه، وأرسل لنا رسله، وأنزل علينا كتبه، ووعظنا بأحوال السابقين حتى لا نلقي مصيرهم.
  • • علمتني السورة :: الأنعام أن الاستغفار من أسباب رفع البلاء وتخفيفه؛ لأن البلاء ينزل بالذنوب: ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّـهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾

مدارسة الآية : [69] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ ..

التفسير :

[69] وما على المؤمنين الذين يخافون الله تعالى، فيطيعون أوامره، ويجتنبون نواهيه من حساب الله للخائضين المستهزئين بآيات الله من شيء، ولكن عليهم أن يعظوهم ليمسكوا عن ذلك الكلام الباطل، لعلهم يتقون الله تعالى.

هذا النهي والتحريم، لمن جلس معهم، ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم، وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى، بأن كان يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال:{ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي:ولكن ليذكرهم، ويعظهم، لعلهم يتقون الله تعالى. وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل المذكِّرُ من الكلام، ما يكون أقرب إلى حصول مقصود التقوى. وفيه دليل على أنه إذا كان التذكير والوعظ، مما يزيد الموعوظ شرا إلى شره، إلى أن تركه هو الواجب لأنه إذا ناقض المقصود، كان تركه مقصودا.

ثم بين- سبحانه- أنه لا تبعة على المؤمنين ما داموا قد أعرضوا عن مجلس الخائضين فقال- تعالى- وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.

أى: وما على الذين يتقون الله شيء من حساب الخائضين على ما ارتكبوا من جرائم وآثام ما داموا قد أعرضوا عنهم، ولكن عليهم أن يعرضوا عنهم ويذكروهم ويمنعوهم عما هم فيه من القبائح بما أمكن من العظة والتذكير لعل أولئك الخائضين يجتنبون ذلك، ويتقون الله في أقوالهم وأفعالهم.

وعليه يكون الضمير في قوله: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ يعود على الخائضين.

وقيل يجوز أن يكون الضمير في قوله: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ للذين اتقوا أى: عليهم أى يذكروا أولئك الخائضين، لأن هذا التذكير يجعل المتقين يزدادون إيمانا على إيمانهم، ويثبتون على تقواهم.

روى البغوي عن ابن عباس قال: لما نزلت: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ.. إلخ قال المسلمون: كيف نقعد في المسجد الحرام ونطوف بالبيت وهم يخوضون أبدا؟ فأنزل الله- تعالى- وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعنى إذا قمتم عنهم فما عليكم تبعة ما يقولون، وما عليكم نصيب من إثم ذلك الخوض.

قال الجمل: قوله (ولكن ذكرى) فيه أربعة أوجه:أحدها: أنها منصوبة على المصدر بفعل مضمر وقدره بعضهم أمرا، أى: ولكن ذكروهم ذكرى، وبعضهم قدره خبرا. أى: ولكن يذكرونهم ذكرى.

والثاني: أنه مبتدأ خبره محذوف: أى: ولكن عليكم ذكرى، أى: تذكيرهم.

والثالث: أنه خبر لمبتدأ محذوف أى: هو ذكرى أى: النهى عن مجالستهم والامتناع منها ذكرى.

والرابع: أنه عطف على موضع شيء المجرور بمن أى: ما على المتقين من حسابهم شيء ولكن عليهم ذكرى فيكون من عطف المفردات وأما على الأوجه السابقة فهو من عطف الجمل» .

ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم بأن ينطلق في تبليغ دعوته دون أن يشغل نفسه بسفاهة السفهاء، وأن يذكر المعاندين بسوء مصيرهم فقال- تعالى-:

وقوله : ( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ) أي : إذا تجنبوهم فلم يجلسوا معهم في ذلك ، فقد برئوا من عهدتهم ، وتخلصوا من إثمهم .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك وسعيد بن جبير ، قوله : ( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ) قال : ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك ، أي : إذا تجنبتهم وأعرضت عنهم .

وقال آخرون : بل معناه : وإن جلسوا معهم ، فليس عليهم من حسابهم من شيء . وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية ، وهي قوله : ( إنكم إذا مثلهم ) [ النساء : 140 ] . قاله مجاهد والسدي وابن جريج ، وغيرهم . وعلى قولهم ، يكون قوله : ( ولكن ذكرى لعلهم يتقون ) أي : ولكن أمرناكم بالإعراض عنهم حينئذ تذكيرا لهم عما هم فيه ; لعلهم يتقون ذلك ، ولا يعودون إليه .

القول في تأويل قوله : وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن اتقى الله فخافه، فأطاعه فيما أمره به، واجتنب ما نهاه عنه, فليس عليه بترك الإعراض عن هؤلاء الخائضين في آيات الله في حال خوضهم في آيات الله، شيء من تبعة فيما بينه وبين الله, إذا لم يكن تركه الإعراضَ عنهم رضًا بما هم فيه، وكان لله بحقوقه متقيًا, (1) ولا عليه من إثمهم بذلك حرج, ولكن ليعرضوا عنهم حينئذ ذكرى لأمر الله =" لعلهم يتقون "، يقول: ليتقوا.

* * *

ومعنى " الذكرى "، الذكرُ. و " الذكر " و " الذكرى " بمعنًى.

* * *

وقد يجوز أن يكون " ذكرى " في موضع نصب ورفع:

فأما النصب، فعلى ما وصفت من تأويل: ولكن ليعرضوا عنهم ذكرى.

وأما الرفع، فعلى تأويل: وما على الذين يتقون من حسابهم شيء بترك الإعراض, ولكن إعراضهم ذكرى لأمر الله لعلهم يتقون. (2)

* * *

وقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالقيام عن المشركين إذا خاضوا في آيات الله, لأن قيامه عنهم كان مما يكرهونه, فقال الله له: إذا خاضوا في آيات الله فقم عنهم، ليتقوا الخوضَ فيها ويتركوا ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

13396 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه, فإذا سمعوا استهزءوا, فنـزلت: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، الآية، قال: فجعل إذا استهزءوا قام، فحذروا وقالوا لا تستهزءوا فيقوم! فذلك قوله: " لعلهم يتقون "، أن يخوضوا فيقوم، ونـزل: " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء "، إن قعدوا معهم, ولكن لا تقعدوا. ثم نسخ ذلك قوله بالمدينة: وَقَدْ نَـزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ، [سورة النساء: 140] , فنسخ قولَه: " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء "، الآية.

13397 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء "، يقول: من حساب الكفار من شيء =" ولكن ذكرى "، يقول: إذا ذكرت فقم =" لعلهم يتقون " مساءتكم، إذا رأوكم لا تجالسونهم استحيوا منكم، فكفوا عنكم. ثم نسخها الله بعد, فنهاهم أن يجلسوا معهم أبدًا، قال: وَقَدْ نَـزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا ، الآية .

13398 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء "، إن قعدوا, ولكن لا تقعد .

13399- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد , مثله .

13400 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن السدي, عن أبي مالك: " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى "، قال: وما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك.

-----------------

الهوامش :

(1) هكذا في المخطوطة أيضا"بحقوقه متقيًا" ، وأرجح أن تكون: "بخوفه متقيًا" ، ولم أغيرها لأن الأخرى تكاد تكون جائزة.

(2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 339.

المعاني :

مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءࣲ :       ليس على المؤمنين شيءٌ من حِسابِ اللهِ على استهزاءِ المشركين الميسر في غريب القرآن
وَلَٰكِن ذِكۡرَىٰ :       ولكنْ على المؤمنين أن يُذَكِّروا المشركين ليُمْسِكوا عن الخوضِ الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[68، 69] رَوَى الْبَغَوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ قَالَ الْمُسْلِمُونَ: كَيْفَ نَقْعُدُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَنَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُمْ يَخُوضُونَ أَبَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾»، يعنى إذا قمتم عنهم فما عليكم تبعة ما يقولون، وما عليكم نصيب من إثم ذلك الخوض .
وقفة
[69] إذا قام الإنسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم أعرض عن أصحاب المعاصي والكبائر وما يخوضون فيه؛ فلا إثم عليه، ﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ﴾.
وقفة
[69] ﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل الْمُذَكِّرُ من الكلام ما يكون أقربَ إلى حصول مقصود التقوى.

الإعراب :

  • ﴿ وَما عَلَى الَّذِينَ:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. على: حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بعلى. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم.
  • ﴿ يَتَّقُونَ:
  • صلة الموصول لا محل لها. فعل مضارع مرفوع بثبوت النون.والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ:
  • جار ومجرور متعلق بحال من «شَيْءٍ» لأنه صفة مقدمة له. بمعنى من حساب هؤلاء الطاغين بآيات الله. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. من: حرف جر زائد لتأكيد النفي. شيء:اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر.
  • ﴿ وَلكِنْ ذِكْرى:
  • أي ولكن عليهم أن يذكروهم ذكرى. الواو: استئنافية.لكن: حرف استدراك مهمل لا عمل له لأنه مخفف. ذكرى: مفعول مطلق- مصدر- منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. أي يذكرونهم ذكرى أي تذكيرا. ويجوز ان تعرب مبتدأ مؤخرا مرفوعا بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. وخبره محذوف تقديره «عليهم».
  • ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ:
  • لعل: حرف مشبه بالفعل. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسمها. يتقون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَتَّقُونَ» في محل رفع خبر «لعلّ». '

المتشابهات :

الأنعام: 52﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ
الأنعام: 69﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [69] لما قبلها :     وبعد الأمر باعتزال مجالس المشركين المستهزءين بالدين؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنه إذا تجنَّبَهم المُتَّقونَ فلم يَجْلِسُوا معهم فلا إثْمَ عليهم، ولكنْ عليهم التذكيرُ والوعظُ، قال تعالى:
﴿ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [70] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا ..

التفسير :

[70] واترك -أيها الرسول- هؤلاء المشركين الذين جعلوا دين الإسلام لعباً ولهواً؛ مستهزئين بآيات الله تعالى، وغَرَّتهم الحياة الدنيا بزينتها، وذكِّر بالقرآن هؤلاء المشركين وغيرَهم؛ كي لا تُرْتَهَنَ نفس بذنوبها وكفرها بربها، ليس لها غير الله ناصر ينصرها، فينقذ

المقصود من العباد، أن يخلصوا لله الدين، بأن يعبدوه وحده لا شريك له، ويبذلوا مقدورهم في مرضاته ومحابه. وذلك متضمن لإقبال القلب على الله وتوجهه إليه، وكون سعي العبد نافعا، وجدًّا، لا هزلا، وإخلاصا لوجه الله، لا رياء وسمعة، هذا هو الدين الحقيقي، الذي يقال له دين، فأما من زعم أنه على الحق، وأنه صاحب دين وتقوى، وقد اتخذ دينَه لعبا ولهوا. بأن لَهَا قلبُه عن محبة الله ومعرفته، وأقبل على كل ما يضره، ولَهَا في باطله، ولعب فيه ببدنه، لأن العمل والسعي إذا كان لغير الله، فهو لعب، فهذا أَمَر الله تعالى أن يترك ويحذر، ولا يغتر به، وتنظر حاله، ويحذر من أفعاله، ولا يغتر بتعويقه عما يقرب إلى الله.{ وَذَكِّرْ بِهِ} أي:ذكر بالقرآن، ما ينفع العباد، أمرا، وتفصيلا، وتحسينا له، بذكر ما فيه من أوصاف الحسن، وما يضر العباد نهيا عنه، وتفصيلا لأنواعه، وبيان ما فيه، من الأوصاف القبيحة الشنيعة، الداعية لتركه، وكل هذا لئلا تبسل نفس بما كسبت، أي:قبل اقتحام العبد للذنوب وتجرئه على علام الغيوب، واستمرارها على ذلك المرهوب، فذكرها، وعظها، لترتدع وتنزجر، وتكف عن فعلها. وقوله{ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} أي:قبل [أن] تحيط بها ذنوبها، ثم لا ينفعها أحد من الخلق، لا قريب ولا صديق، ولا يتولاها من دون الله أحد، ولا يشفع لها شافع{ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} أي:تفتدي بكل فداء، ولو بملء الأرض ذهبا{ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} أي:لا يقبل ولا يفيد.{ أُولَئِكَ} الموصوفون بما ذكر{ الَّذِينَ أُبْسِلُوا} أي:أهلكوا وأيسوا من الخير، وذلك{ بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ} أي:ماء حار قد انتهى حره، يشوي وجوههم، ويقطع أمعاءهم{ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}

والمعنى: واترك يا محمد هؤلاء الغافلين الذين اتخذوا دينهم الذي كلفوه ودعوا إليه وهو دين الإسلام لعبا ولهوا حيث سخروا من تعاليمه واستهزءوا بها، وغرتهم الحياة الدنيا حيث اطمأنوا إليها، واشتغلوا بلذاتها وزعموا أنه لا حياة بعدها.

ولم يقل- سبحانه- اتخذوا اللعب واللهو دينا لأنهم لم يجعلوا كل ما هو من اللعب واللهو دينا لهم، وإنما هم عمدوا إلى أن ينتحلوا دينا فجمعوا له أشياء من اللعب واللهو وسموها دينا.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: ومعنى ذَرْهُمْ: أعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ولا تقم لهم في نظرك وزنا، وليس المراد أن يترك إنذارهم لأنه قال له بعده وَذَكِّرْ بِهِ وإنما المراد ترك معاشرتهم وملاطفتهم لا ترك إنذارهم وتخويفهم.. ومعنى اتخاذ دينهم لعبا ولهوا، أنهم اتخذوا ما هو لعب ولهو من عبادة الأصنام وغيرها دينا لهم، أو أن الكفار كانوا يحكمون في دين الله بمجرد التشهى والتمني مثل تحريم السوائب والبحائر، ولم يكونوا يحتاطون في أمر الدين، بل كانوا يكتفون فيه بمجرد التقليد فعبر الله عنهم لذلك بأنهم اتخذوا دينهم لعبا ولهوا. وأنهم اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا قال ابن عباس: جعل الله لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه ويعمرونه بذكر الله، ثم إن المشركين وأهل الكتاب اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا أما المسلمين فإنهم اتخذوا عيدهم كما شرعه الله ... ».

والضمير في قوله وَذَكِّرْ بِهِ يعود إلى القرآن: وقد جاء مصرحا به في قوله- تعالى- فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ.

وقوله أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ أى: وذكر بهذا القرآن أو بهذا الدين الناس مخافة أن تسلم نفس إلى الهلاك، أو تحبس أو ترتهن أو تفتضح، أو تحرم الثواب بسبب كفرها واغترارها بالحياة الدنيا، واتخاذها الدين لعبا ولهوا.

ولفظ تبسل مأخوذ من السبل بمعنى المنع بالقهر أو التحريم أو الحبس ومنه أسد باسل لمنعه فريسته من الإفلات. وشراب بسيل أى متروك وهذا الشيء بسيل عليك أى محرم عليك.

ثم بين- سبحانه- أن هذه النفس المعرضة للحرمان ليس لها ما يدفع عنها السوء فقال:

لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أى: ليس لهذه النفس من غير الله ناصر ينصرها ولا شفيع يدفع عنها، ومهما قدمت من فداء فلن يقبل منها، فالمراد بالعدل هنا الفداء فهو كقوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ.

قال الإمام الرازي: والمقصود من هذه الآية بيان أن وجوه الخلاص على تلك النفس منسدة فلا ولى يتولى دفع ذلك المحذور عنها، ولا شفيع يشفع فيها، ولا فدية تقبل منها ليحصل الخلاص بسبب قبولها، حتى لو جعلت الدنيا بأسرها فدية من عذاب الله لم تنفع. فإذا كانت وجوه الخلاص هي الثلاثة في الدنيا وثبت أنها لا تفيد في الآخرة البتة وظهر أنه ليس هناك إلا الإبسال الذي هو الارتهان والاستسلام فليس لها البتة دافع من عذاب الله، وإذا تصور المرء كيفية العقاب على هذا الوجه يكاد يرعد إذا أقدم على معاصى الله» .

ثم بين- سبحانه- عاقبة أولئك الغافلين فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ.

أى: أولئك الذين أسلموا للهلاك بسبب ما اكتسبوه في الدنيا من أعمال قبيحة لهم شراب من حميم أى من ماء قد بلغ النهاية في الحرارة يتجرجر في بطونهم وتتقطع به أمعاؤهم، ولهم فوق ذلك عذاب مؤلم بنار تشتعل بأبدانهم بسبب كفرهم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

يقول تعالى : ( وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا ) أي : دعهم وأعرض عنهم وأمهلهم قليلا فإنهم صائرون إلى عذاب عظيم ; ولهذا قال : ( وذكر به ) أي : وذكر الناس بهذا القرآن ، وحذرهم نقمة الله وعذابه الأليم يوم القيامة .

وقوله : ( أن تبسل نفس بما كسبت ) أي : لئلا تبسل . قال الضحاك ، عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والسدي : تبسل : تسلم .

وقال الوالبي ، عن ابن عباس : تفضح . وقال قتادة : تحبس . وقال مرة وابن زيد تؤاخذ . وقال الكلبي : تجازى

وكل هذه العبارات متقاربة في المعنى ، وحاصلها الإسلام للهلكة ، والحبس عن الخير ، والارتهان عن درك المطلوب ، كما قال : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ) [ المدثر : 38 ، 39 ] .

وقوله : ( ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع ) أي : لا قريب ولا أحد يشفع فيها ، كما قال : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون ) [ البقرة : 254 ] .

وقوله : ( وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ) أي : ولو بذلت كل مبذول ما قبل منها كما قال : ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا [ ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين ] ) [ آل عمران : 91 ] ، وهكذا قال ههنا : ( أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون )

القول في تأويل قوله : وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ذرْ هؤلاء الذين اتخذوا دين الله وطاعتهم إياه لعبًا ولهوًا, (3) فجعلوا حظوظهم من طاعتهم إياه اللعب بآياته، (4) واللهوَ والاستهزاء بها إذا سمعوها وتليت عليهم, فأعرض عنهم, فإني لهم بالمرصاد, وإني لهم من وراء الانتقام منهم والعقوبة لهم على ما يفعلون، وعلى اغترارهم بزينة الحياة الدنيا، ونسيانهم المعادَ إلى الله تعالى ذكره والمصيرَ إليه بعد الممات، كالذي:-

13401 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: " وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا " ، قال: كقوله: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ، [سورة المدثر: 11] .

13402- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

* * *

وقد نسخ الله تعالى ذكره هذه الآية بقوله: ( اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) ، [سورة التوبة:5 ]. وكذلك قال عدد من أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

13403- حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا همام بن يحيى, عن قتادة: " وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا "، ثم أنـزل في" سورة براءة ", فأمر بقتالهم.

13404- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان قال: قرأت على ابن أبي عروبة فقال: هكذا سمعته من قتادة: " وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا "، ثم أنـزل الله تعالى ذكره " براءة ", وأمر بقتالهم فقال: اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ، [سورة التوبة: 5].

* * *

وأما قوله: " وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت "، فإنه يعني به: وذكّر، يا محمد، بهذا القرآن هؤلاء المولِّين عنك وعنه (5) =" أن تبسل نفس "، بمعنى: أن لا تبسل, كما قال: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ، [سورة النساء : 176] ، بمعنى: أن لا تضلوا (6) = وإنما معنى الكلام: وذكرهم به ليؤمنوا ويتبعوا ما جاءهم من عند الله من الحق, (7) فلا تُبْسل أنفسهم بما كسبت من الأوزار= ولكن حذفت " لا "، لدلالة الكلام عليها.

* * *

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " أن تبسل نفس " .

فقال بعضهم: معنى ذلك: أن تُسْلَم.

* ذكر من قال ذلك:

13405 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد, عن يزيد النحوي, عن عكرمة قوله: " أن تبسل نفس بما كسبت "، قال: تُسلم .

13406 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: " أن تبسل نفس "، قال: أن تُسلم .

13407- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الحسن, مثله .

13408 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: " أن تبسل "، قال: تسلم.

13409- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " أن تبسل نفس "، قال: تسلم.

13410- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن ليث, عن مجاهد: أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا ، أسلموا.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: تُحْبس.

* ذكر من قال ذلك:

13411- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: " أن تبسل نفس "، قال: تؤخذ فتحبس .

13412- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة, مثله .

13413 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله : " أن تبسل نفس بما كسبت "، أن تؤخذ نفس بما كسبت.

* * *

وقال آخرون: معناه: تُفضَح.

* ذكر من قال ذلك:

13414 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: " وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت "، يقول: تفضح.

* * *

وقال آخرون: معناه: أن تجزَى.

* ذكر من قال ذلك:

13415 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد قال، قال الكلبي: " أن تبسل "، أن تجزَى.

* * *

وأصل " الإبسال " التحريم, يقال منه: " أبسلت المكان "، إذا حرّمته فلم يقرب، (8) ومنه قوله الشاعر: (9)

بَكَـرَتْ تَلُـومُكَ بَعْـدَ وَهْنٍ فِي النَّدَى,

بَسْــلٌ عَلَيْــكِ مَلامَتِـي وَعِتَـابِي (10)

أي: حرام [عليك ملامتي وعتابي] . ومنه قولهم: " أسد باسل ", (11) ويراد به: لا يقربه شيء, فكأنه قد حرَّم نفسه، ثم يجعل ذلك صفة لكل شديد يتحامى لشدته. ويقال: " أعط الراقي بُسْلَتَه ", (12) يراد بذلك: أجرته," وشراب بَسِيل "، بمعنى متروك. وكذلك " المبسَلُ بالجريرة ", وهو المرتهن بها, قيل له: " مُبْسَل "، لأنه محرَّم من كل شيء إلا مما رُهن فيه وأُسلم به، ومنه قول عوف بن الأحوص الكلابي:

وَإبْسَــالِي بَنِــيَّ بِغَــيْرِ جُــرْمٍ

بَعَوْنَــــاهُ وَلا بِـــدَمٍ مُـــرَاقِ (13)

وقال الشنفرى: (14)

هُنَــالِكَ لا أَرْجُــو حَيَـاةً تَسُـرُّنِي

سَــمِيرَ اللَّيَــالِي مُبْسَـلا بِـالْجَرَائِرِ (15)

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وذكّر بالقرآن هؤلاء الذين يخوضون في آياتنا وغيرهم ممن سلك سبيلهم من المشركين, كيلا تُبسل نفس بذنوبها وكفرها بربها, وترتهن فتغلق بما كسبت من إجرامها في عذاب الله (16) =" ليس لها من دون الله "، يقول: ليس لها، حين تسلم بذنوبها فترتهن بما كسبت من آثامها، أحدٌ ينصرها فينقذها من الله الذي جازاها بذنوبها جزاءها (17) =" ولا شفيع "، يشفع لها, لوسيلة له عنده. (18)

* * *

القول في تأويل قوله : وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن تعدل النفس التي أبسلت بما كسبت, يعني: " وإن تعدل كل عدل "، يعني: كل فداء.

* * *

يقال منه: " عَدَل يعدِل "، إذا فدى," عَدْلا "، ومنه قول الله تعالى ذكره: أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ، [سورة المائدة: 95] ، وهو ما عادله من غير نوعه. (19)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

* ذكر من قال ذلك:

13416 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: " وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها "، قال: لو جاءت بملء الأرض ذهبًا لم يقبل منها.

13417 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي في قوله: " وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها "، فما يعدلها لو جاءت بملء الأرض ذهبًا لتفتدي به ما قُبل منها.

13418- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها "، قال: " وإن تعدل "، وإن تفتد، يكون له الدنيا وما فيها يفتدي بها =" لا يؤخذ منه "، عدلا عن نفسه, لا يقبل منه.

* * *

وقد تأوّل ذلك بعض أهل العلم بالعربية بمعنى: وإن تُقسط كل قسط لا يقبل منها. وقال: إنها التوبة في الحياة. (20)

وليس لما قال من ذلك معنى, وذلك أن كل تائب في الدنيا فإن الله تعالى ذكره يقبل توبته.

* * *

القول في تأويل قوله : أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الذين إن فدوا أنفسهم من عذاب الله يوم القيامة كل فداء لم يؤخذ منهم, هم " الذين أبسلوا بما كسبوا "، يقول: أسلموا لعذاب الله, فرهنوا به جزاءً بما كسبوا في الدنيا من الآثام والأوزار، (21) =" لهم شرابٌ من حميم ".

* * *

و " الحميم " هو الحارّ، في كلام العرب, وإنما هو " محموم " صرف إلى " فعيل "، ومنه قيل للحمّام،" حمام " لإسخانه الجسم، ومنه قول مرقش:

فِــي كُــلِّ مُمْسًـى لَهَـا مِقْطَـرَةٌ

فِيهَـــا كِبَــاءٌ مُعَــدٌّ وَحَــمِيمْ (22)

يعني بذلك ماء حارًّا، ومنه قول أبي ذويب الهذلي في صفة فرس:

تَــأبَى بِدِرَّتِهَـا إذَا مَـا اسْـتُضْغِبَتْ

إلا الْحَـــمِيمَ فَإنّـــهُ يَتَبَضَّـــعُ (23)

يعني بالحميم: عرق الفرس.

* * *

وإنما جعل تعالى ذكره لهؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية شرابًا من حميم, لأن الحارّ من الماء لا يروي من عطش. فأخبر أنهم إذا عطشوا في جهنم لم يغاثوا بماء يرويهم, ولكن بما يزيدون به عطشًا على ما بهم من العطش =" وعذاب أليم "، يقول: ولهم أيضًا مع الشراب الحميم من الله العذابُ الأليم والهوان المقيم =" بما كانوا يكفرون "، يقول: بما كان من كفرهم في الدنيا بالله، وإنكارهم توحيده، وعبادتهم معه آلهة دونه.

* * *

13419 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا "، قال يقال: أسلموا.

13420 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: " أولئك الذين أبسلوا "، قال: فُضحوا.

13421 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا "، قال: أخذوا بما كسبوا.

--------------------

الهوامش :

(3) انظر تفسير"ذر" فيما سلف 6: 22/7 : 424.

(4) انظر تفسير"اللعب" فيما سلف 10: 429 ، 432.

(5) انظر تفسير"التذكير" فيما سلف 6: 63 ، 64 ، 66 ، 211/10 : 130/11 : 357

(6) انظر ما سلف 9: 445 ، 446.

(7) في المطبوعة: "وذكر به" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(8) في المطبوعة: "فلم تقر به" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(9) هو ضمرة بن ضمرة النهثلي.

(10) نوادر أبي زيد: 2 ، الأمالي 2: 279 ، الشعر والشعراء: 250 ، الوحشيات رقم: 424 ، الأزمنة والأمكنة 1: 160 ، اللسان (بسل) وغيرها ، وبعد هذا البيت من أبيات حسان: قالها لامرأته إذ عاتبته على حلب إبله ونحرها لضيفه وأهله ، وتحبب إليه الشح ، وتنهاه عن بذل المال ، في القحط والجدب:

أَأَصُرُّهَــا، وَبُنَــيُّ عَمِّـي سَـاغِبٌ

فَكَفَــاكِ مــن إبَـةٍ عَـلَيَّ وَعَـابِ!

وَلَقَــدْ عَلِمْـتُ، فَـلاَ تَظُنِّـي غَـيْرَهُ

أَنْ سَـوْفَ يَخلِجُـني سَـبيلُ صِحَـابِي

أرَأيـتِ إنْ صَرَخَـتْ بِلَيْـلٍ هَــامَتي

وَخَرَجْــتُ مِنْهَــا عَارِيًـا أثْـوَابِي

هَـلْ تَخْمِشَـنْ إبِـلِي عَـلَيَّ وُجُوهَهَـا

أمْ تَعْصِبَــنَّ رُؤُوسَــهَا بِسِـلاَبِ!!

"بكرت" ، عجلت في أول السحر."بعد وهن" ، أي بعد قومة من جوف الليل. أرقها ما يبذل لبني عمه من ماله ، فلم تتأن به مطلع النهار حتى أخذت تلومه في وجه الصبح. ثم أخذ يذكرها بالمروءة فيقول: "أأصرها" ، يعني النوق ، يشد عليها الصرار (وهو خيط يشد فوق الخلف) ، لئلا تحلب ، أو يرضعها ولدها ، يقول: لا أفعل ذلك ، وبني عمي جياع حتى ، أرويهم؛ و"السغب" الجوع ، فإن ذلك لؤم. و"الإبة" الخزي يستحي منه ، و"العاب" ، العيب. يقول: كفاك بهذا الفعل لؤمًا يخزي فاعله. ثم احتج عليها بما يجد بنو عمه وضيفانه من اللوعة عليه إذا مات ، وأن الإبل لا تفعل ذلك. فقال لها: إن الموت سبيل كل حي ، وأني سلك سبيل أصحابي الذين ذهبوا وخلفوني ، فإن هذه السبيل تخجلني (أي: تجذبني وتنتزعني) كما خلجتهم من قبل. وقوله: "صرخت بليل هامتي" ، وهو من عقائد الجاهلية ، أبطله الله بالإسلام ، يزعمون أن روح القتيل تصير طائرًا كالبومة يزقو عند قبره ، يقول: اسقوني ، اسقوني! وقوله: "عاريًا أثوابي" أي: عاريًا من أثوابي التي كنت أستمتع بلباسها في الدنيا. ويروى: "باليًا أثوابي" ، ويعني عندئذ: أكفانه التي تبلى في التراب. وقول"هل تخمش إبلي" ، أي: هل تلطم الإبل على وجوهها فيخمشها اللطم ويؤثر فيها ويجرحها ، كما يفعل بنو عمي وبنات عمي إذا مت. و"السلاب": عصائب للرأس سود ، يلبسنها عند الحداد. يقول: هذا حزن بنات عمي علي ، فهل تفعل الإبل فعلهن حتى آسى على نحرها وإهلاكها في إطعامهم وإروائهم في زمان الجدب وهم جياع؟

(11) كانت هذه العبارة في المطبوعة والمخطوطة: "أي حرام. ومنه قولهم: وعتابي أسد آسد" ، وهو خطأ صرف. استظهرت صوابه من سياق الشرح ، ومن معاني القرآن للفراء 1: 339 ، وزدت ما بين القوسين استظهارًا أيضًا.

(12) في المطبوعة: "بسيلته" ، وهو خطأ صرف ، صوابه في المخطوطة ، لم يحسن قراءتها. وانظر معاني القرآن للفراء 1: 339.

(13) نوادر أبي زيد: 151 ، مجاز القرآن 1: 194 ، المعاني الكبير: 1114 ، واللسان (بسل) (بعا) ، يقول:

فَلَــوْلا أَنَّنِــي رَحُــبَتْ ذِرَاعِـي

بِإعْطَـــاءِ المَفَــارِقِ والحِقَــاقِ

وَإنْسَــالِي بَنِــيَّ بِغَــيْرِ جُــرْمٍ

بَعَوْنَـــاهً، وَلا بِـــدَمٍ مُـــرَاقِ

لَقِيتُـــمْ مِــنْ تَــدَرُّئِكُمْ عَلَيْنَــا

وَقَتْـــلِ سَــرَاتِنَا ذَاتَ العَــرَاقِي

"المفارق" جمع"ناقة مفرق" ، فارقها ولدها. و"الحقاق" جمع"حقة" (بكسر الحاء) ، وهي الناقة إذا استكملت السنة الثالثة ، ودخلت في الرابعة. يقول: طابت نفسي ببذل ذلك من المال ، لكن أحقن الدماء ، وأبقي على الوشائج. و"بعا الذنب يبعوه بعوا": اجترمه واكتسبه. يقول لهم: وأسلمت إليكم بني في الفداء ، ولم نجرم جريمة ، ولم نرق دمًا ، فنحمل الحمالة في الذي اجترحناه. و"تدرأ على فلان" أي: تطاول وتهجم. و"السراة" أشراف القوم. و"ذات العراقي" ، أي: ذات الدواهي المنكرة ، يقول: لولا ما فعلت إبقاء ، لفعلنا بكم الأفاعيل.

(14) وتروى لتأبط شرا.

(15) ديوانه (الطرائف): 36 ، وفيه المراجع ، ومجاز القرآن 1: 195 ، اللسان (بسل). وقبله ، وهي أبيات مشهورة:

لا تَقْــبُرُونِي، إنَّ قَــبْرِي مُحَــرَّمٌ

عَلَيْكُــمْ، وَلِكـنْ أبْشِـرِي أمَّ عـامِرِ

إذَا احْـتَمَلُوا رَأْسِي، وَفِي الرّأسِ أكْثَرِي،

وَغُـودِرَ عِنْـدَ المُلْتَقَـى ثَـمَّ سَـائِري

و"سمير الليالي": أبد الليالي ، ويروى"سجيس الليالي" ، وهو مثله.

(16) انظر تفسير"كسب" فيما سلف ص: 261 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(17) انظر تفسير"من دون" فيما سلف 11: 486 ، وفهارس اللغة (دون).

(18) انظر تفسير"شفيع" فيما سلف ص: 373: تعليق 4 ، والمراجع هناك.

(19) انظر تفسير"العدل" فيما سلف 2: 34 ، 35 ، 574/11: 43 ، 44.

(20) هو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 195.

(21) انظر تفسير"أبسل" فيما سلف قريبًا = وتفسير"كسب" ص: 446 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

(22) المفضليات: 505 ، واللسان (قطر) (حمم) ، وسيأتي في التفسير 11: 61 (بولاق). من قصيدته في ابنة عجلان ، جارية صاحبته فاطمة بنت المنذر ، وكان لابنه عجلان قصر بكاظمة ، وكان لها حرس يجرون الثياب كل ليلة حول قصرها ، فلا يطؤه إلا بنت عجلان. وكانت تأخذ كل عشية رجلا من أهل المال يبيت عندها ، فبات عندها المرقش ليلة ، وقال ذاك الشعر ، فوصفها بالنعمة والترف. و"المقطرة": المجمرة ، يكون فيها القطر (بضم فسكون) ، وهو العود الذي يتبخر به. و"الكباء": ضرب من العود. يصف ما هي فيه من الترف ، بين تبخر بالعود الطيب ، وتنزه بالاستحمام بالماء الساخن ، من شدة عنايتها ببدنها.

(23) ديوانه 17؛ المفضليات 879 ، اللسان (حمم) (بصع) (بضع) ، وغيرها. وهذا من الأبيات التي أخذت على أبي ذؤيب ، وأنه لا علم له بالخيل. وقد اختلف في روايته. روي: وإذا ما استغضبت" و"إذ اما استكرهت" ، ورواية الطبري مذكورة في اللسان في (بضع) وروي أيضًا"يتصبع" بالصاد. أي يسيل قليلا قليلا. و"تبضع العرق" بالضاد ، سال سيلا منقطعًا. وانظر شرح هذا البيت في المراجع ، فإنه يطول ذكره هنا. وأما رواية: "استضغبت" ، وهي التي هنا ، فقد فسرت بأنه: فزعت ، لأن"الضاغب" ، هو الذي يختبئ في الخمر ليفزع بمثل صوت الأسد. و"الضغاب" و"الضغيب" صوت الأرنب والذئب إذا تضور.

المعاني :

وَذَرِ :       واتْرُك الميسر في غريب القرآن
غرّتهم :       خدعنهم و أطمعتهم بالباطل معاني القرآن
بِهِۦٓ :       بالقرآن الميسر في غريب القرآن
تُبْسَلَ :       تُرْتَهَنَ، وَتُحْبَسَ السراج
أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ :       لكيلا تُحْبَسَ، وتُفْضَحَ الميسر في غريب القرآن
أن تُبسل نفس :       لئلاّ تحبس في النّار أو تسلم للهلكة معاني القرآن
وَلِيࣱّ :       ناصرٌ الميسر في غريب القرآن
وَلَا شَفِيعࣱ :       يَشْفَعُ لها في الآخرة الميسر في غريب القرآن
تَعْدِلْ :       تَفْتَدِ السراج
وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلࣲ :       وإن تَفْتَدِ بأيِّ فداءٍ الميسر في غريب القرآن
تعدل كلّ عدل :       تفتد بكلّ فداء معاني القرآن
أُبْسِلُوا :       ارْتَهَنُوا بِذُنُوبِهِمْ السراج
أبسلوا :       حبسوا في النّار أو أسلموا للهلكة معاني القرآن
حَمِيمٍ :       مَاءٍ بَالِغِ الْحَرَارَةِ السراج
حَمِيمࣲ :       شديدِ الحرارةِ، وهو ما يَسِيلُ من صديدِهم الميسر في غريب القرآن
حميم :       ماء بالغٍ نهاية الحرارة معاني القرآن

التدبر :

عمل
[70] احذر أن تجعل الدين مجالًا للطرائف واللهو والعبث؛ فشأن الدين عند الله عظيم ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا﴾.
وقفة
[70] ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أي: لا تعلق قلبك بهم؛ فإنهم أهل تعنت إن كنت مأمورًا بوعظهم، ومعنى ﴿لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ أي: استهزاء بالدين الذي دعوتهم إليه، وقيل: استهزءوا بالدين الذي هم عليه؛ فلم يعملوا به، والاستهزاء ليس مسوغا في دين.
وقفة
[70] ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ وذكر الحياة هنا له موقع عظيم؛ وهو أن همهم من هذه الدنيا هو الحياة فيها؛ لا ما يتكسب فيها من الخيرات التي تكون بها سعادة الحياة في الآخرة؛ أي: غرتهم الحياة الدنيا فأوهمتهم أن لا حياةبعدها.
عمل
[70] ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ فلنحذر من نشر النكات عن الدين أو المتدينين من باب اللهو والمزاح.
عمل
[70] حدد مجلس لهو تعودت عليه، واستبدل به مجلسًا مفيدًا ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾.
وقفة
[70] الضلالة لها حلاوة في قلوب أهلها ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾، ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾ [فاطر: 8].
وقفة
[70] ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ الأفكار المتعلقة بالشعائر الدينية وأمور العقيدة ليست مجالًا للتسلية أو الفكاهة والسخرية، هذا خط أحمر!
وقفة
[70] ﴿وَذَكِّرْ بِهِ﴾ أي: ذَكِّر بالقرآن ما ينفع العباد أمرًا وتفصيلًا، وتحسينًا له بذكر ما فيه من أوصاف الحسن، وما يضر العباد نهيًا عنه، وتفصيلًا لأنواعه.
وقفة
[70] ﴿وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ أي: تحتبس عما فيه نجاتها في الدنيا والآخرة؛ فإن المعاصي قيد لصاحبها وحبس له، ومانع له من الجولان في فضاء التوحيد، وحائل بينه وبين أن يجني من ثمار الأعمال الصالحة؛ فهو محبوس ها هنا، وهناك في الآخرة.
وقفة
[70] ﴿وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ الإبسال هو الإسلام إلى العذاب، أو السجن والارتهان، والمعنيان صحيحان.
وقفة
[70] ﴿وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ نفسك الأمارة بالسوء قد تؤدي لحبسك غدًا، وتسلمك إلى العذاب والهلاك بسوء کسبها.
وقفة
[70] ﴿وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ من أنفع الوسائل في الدعوة إلى الله: الحديث عن القرآن وآياته.
وقفة
[70] ﴿وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ الداعية إلى الله تعالى ليس مسؤولًا عن محاسبة أحد، بل هو مسؤول عن التبليغ والتذكير.
وقفة
[70] ﴿وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ الوعظ من أعظم وسائل إيقاظ الغافلين والمستكبرين.
تفاعل
[70] ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ وَذَرِ الَّذِينَ:
  • الواو: استئنافية. ذر: فعل أمر بمعنى «دع» مبني على السكون وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين. وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً:
  • اتخذوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «اتَّخَذُوا» صلة الموصول لا محل لها. دين: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول. لعبا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة المنونة. ولهوا: معطوفة بالواو على «لَعِباً» منصوبة مثلها بالفتحة.
  • ﴿ وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا:
  • الواو: عاطفة. غرّت: فعل ماض مبني على الفتح. والتاء: تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الاعراب. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون حرك بالضم لاشباع الميم في محل نصب مفعول به مقدم. الحياة: فاعل مرفوع بالضمة. وكتبت بالواو على لغة من يفخم وزيدت الألف تشبيها بواو الجماعة. الدنيا: صفة- نعت- للحياة مرفوعة مثلها بالضمة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ وَذَكِّرْ بِهِ:
  • معطوفة بالواو على «ذَرِ» وتعرب إعرابها. والفعل مبني على السكون الظاهر. به: جار ومجرور للتعظيم متعلق بذكر أي بالقران الكريم.
  • ﴿ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ:
  • أن: حرف مصدري ونصب. تبسل: فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. نفس: نائب فاعل مرفوع بالضمة. و «أَنْ» وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول له- لاجله- مخافة أن. أي تسلم الى الهلكة والعذاب.
  • ﴿ بِما كَسَبَتْ:
  • الباء: حرف جر. ما: مصدرية. كسبت: تعرب إعراب «غرت» وما المصدرية وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بالباء أي بذنوبها. والجار والمجرور متعلق بتبسل. وجملة «كَسَبَتْ» من الفعل والفاعل الضمير المستتر جوازا تقديره هي. صلة «ما» المصدرية لا محل لها. وجملة «تُبْسَلَ نَفْسٌ» صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ:
  • ليس: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. لها:جار ومجرور متعلق بخبر «لَيْسَ» المحذوف. من دون: جار ومجرور متعلق بحال من «وَلِيٌّ» لأنه صفة مقدمة عليه. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة
  • ﴿ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ:
  • وليّ: اسم «لَيْسَ» مؤخر مرفوع بالضمة المنونة. ولا:الواو: عاطفة. لا: نافية زائدة لتأكيد النفي. شفيع: معطوف على «وَلِيٌّ» مرفوع مثله بالضمة.
  • ﴿ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ:
  • الواو: استئنافية. إن: حرف شرط جازم.تعدل: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. كل: - مصدر- نائب عن المفعول المطلق منصوب بالفتحة وهو مضاف. عدل: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ لا يُؤْخَذْ مِنْها:
  • لا: نافية لا عمل لها. يؤخذ: فعل مضارع جواب الشرط وجزاؤه مجزوم بإن وعلامة جزمه سكون آخره وهو مبني للمجهول. منها: جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل. وجاء نائب الفاعل هنا جاراومجرورا لأن العدل ههنا مصدر فلا يسند إليه الاخذ. وجملة «لا يُؤْخَذْ مِنْها» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها.
  • ﴿ أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا:
  • أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف: حرف خطاب. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع صفة- نعت- لأولئك أو بدل منه. أبسلوا: بمعنى «رهنوا» وهي فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.الواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. وجملة «أُبْسِلُوا» صلة الموصول.
  • ﴿ بِما كَسَبُوا:
  • الباء: حرف جر. ما: مصدرية. كسبوا: تعرب إعراب «اتَّخَذُوا» و «ما» المصدرية وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بأبسلوا. وجملة «كَسَبُوا» صلة «ما» المصدرية لا محل لها أي بذنوبهم.
  • ﴿ لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ:
  • الجملة: في محل رفع خبر «أُولئِكَ». لهم:اللام: حرف جر. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. شراب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. من حميم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «شَرابٌ» و «مِنْ» بيانية.
  • ﴿ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما:
  • معطوفة بالواو على «شَرابٌ» مرفوعة مثلها. أليم:صفة- نعت- لعذاب مرفوعة مثلها بالضمة. بما: سبق إعرابها.
  • ﴿ كانُوا يَكْفُرُونَ:
  • كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. يكفرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. جملة «يَكْفُرُونَ» في محل نصب خبر «كان» و «ما» المصدرية وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بالباء أي بسبب كفرهم. وجملة «كانُوا يَكْفُرُونَ» صلة «ما» المصدرية لا محل لها. '

المتشابهات :

الأنعام: 51﴿وَأَنذِرۡ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحۡشَرُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ
الأنعام: 70﴿وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [70] لما قبلها :     وبعد الأمر باعتزال مجالس المشركين المستهزءين بالدين؛ أمر اللهُ هنا بتذكيرهم بالقرآن، وتبليغهم الرسالة، قال تعالى:
﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [71] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ ..

التفسير :

[71] قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين:أنعبد من دون الله تعالى أوثاناً لا تنفع ولا تضر؟ ونرجع إلى الكفر بعد هداية الله تعالى لنا إلى الإسلام، فنشبه -في رجوعنا إلى الكفر- مَن فسد عقله باستهواء الشياطين له، فَضَلَّ في الأرض، وله رُفْقَةٌ عقلاء مؤمنون يدعونه

{ قُلْ} يا أيها الرسول للمشركين بالله، الداعين معه غيره، الذين يدعونكم إلى دينهم، مبينا وشارحا لوصف آلهتهم، التي يكتفي العاقل بذكر وصفها، عن النهي عنها، فإن كل عاقل إذا تصور مذهب المشركين جزم ببطلانه، قبل أن تقام البراهين على ذلك، فقال:{ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا} وهذا وصف، يدخل فيه كل مَن عُبِد مِنْ دون الله، فإنه لا ينفع ولا يضر، وليس له من الأمر شيء، إن الأمر إلا لله.{ وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ} أي:وننقلب بعد هداية الله لنا إلى الضلال، ومن الرشد إلى الغي، ومن الصراط الموصل إلى جنات النعيم، إلى الطرق التي تفضي بسالكها إلى العذاب الأليم. فهذه حال لا يرتضيها ذو رشد، وصاحبها{ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ} أي:أضلته وتيهته عن طريقه ومنهجه له الموصل إلى مقصده. فبقي{ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى} والشياطين يدعونه إلى الردى، فبقي بين الداعيين حائرا وهذه حال الناس كلهم، إلا من عصمه الله تعالى، فإنهم يجدون فيهم جواذب ودواعي متعارضة، دواعي الرسالة والعقل الصحيح، والفطرة المستقيمة{ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى} والصعود إلى أعلى عليين. ودواعي الشيطان، ومن سلك مسلكه، والنفس الأمارة بالسوء، يدعونه إلى الضلال، والنزول إلى أسفل سافلين، فمن الناس من يكون مع داعي الهدى، في أموره كلها أو أغلبها، ومنهم من بالعكس من ذلك. ومنهم من يتساوى لديه الداعيان، ويتعارض عنده الجاذبان، وفي هذا الموضع، تعرف أهل السعادة من أهل الشقاوة. وقوله:{ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} أي:ليس الهدى إلا الطريق التي شرعها الله على لسان رسوله، وما عداه، فهو ضلال وردى وهلاك.{ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} بأن ننقاد لتوحيده، ونستسلم لأوامره ونواهيه، وندخل تحت عبوديته، فإن هذا أفضل نعمة أنعم الله بها على العباد، وأكمل تربية أوصلها إليهم.

ثم ساق القرآن صورة منفرة للشرك والمشركين تدعو المؤمنين إلى أن يزدادوا إيمانا على إيمانهم فقال- تعالى-: قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا.

قال ابن كثير: قال السدى: قال المشركون للمؤمنين اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد صلى الله عليه وسلم فأنزل الله- عز وجل- قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا .

والمعنى: قل يا محمد أو أيها العاقل لهؤلاء المشركين الذين يحاولون رد المسلمين عن الإسلام، قل لهم: أنعبد من دون الله مالا يقدر على نفعنا إن دعوناه ولا على ضرنا إن تركناه وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا أى نرجع إلى الشرك الذي كنا فيه، بعد أن هدانا الله إلى الإسلام وأنقذنا من الكفر والضلال. يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها: قد رد على عقبيه.

والاستفهام في الآية الكريمة للإنكار والنفي، وجيء بنون المتكلم ومعه غيره، لأن الكلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه وعن المسلمين كلهم.

والمراد بما لا ينفع ولا يضر: تلك الأصنام فإنها مشاهد عدم نفعها وعجزها عن الضر، ولو كانت تستطيع الضر لأضرت بالمسلمين لأنهم خلعوا عبادتها، وسفهوا أتباعها، وأعلنوا حقارتها.

وجملة وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا معطوفة على نَدْعُوا و «على» داخلة في حيز الإنكار والنفي.

والتعبير عن الشرك بالرد على الأعقاب لزيادة تقبيحه بتصويره ما هو علم في القبح مع ما فيه من الإشارة إلى أن الشرك حالة قد تركت ونبذت وراء الظهر، ومن المستحيل أن يرجع إليها من ذاق حلاوة الإيمان.

وحرف عَلى في قوله وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا للاستعلاء، أى رجع على طريق هي جهة عقبه أى مؤخر قدمه كما يقال: رجع وراءه ثم استعمل هذا التعبير في التمثيل للتلبس بحالة ذميمة كان قد فارقها صاحبها ثم عاد إليها وتلبس بها.

وفي الحديث الشريف «اللهم أمض لأصحابى هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم» .

ثم ساق القرآن صورة مؤثرة دقيقة للضلالة والحيرة التي تناسب من يشرك بعد التوحيد فقال: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا.

اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ أى استغوته وزينت هواه ودعته إليه، والعرب تقول: استهوته الشياطين، لمن اختطف الجن عقله فسيرته كما تريد دون أن يعرف له وجهة في الأرض.

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أتريدون منا أن نعود إلى الكفر بعد أن نجانا الله منه فيكون مثلنا كمثل الذي ذهبت به مردة الشياطين فألقته في صحراء مقفرة وتركته تائها ضالا عن الطريق القويم ولا يدرى ماذا يصنع وله أصحاب يدعونه إلى الطريق المستقيم قائلين له: ائتنا لكي تنجو من الهلاك ولكنه لحيرته وضلاله لا يجيبهم ولا يأتيهم.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: «إن مثل من يكفر بالله بعد إيمانه كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم ويقولون: ائتنا فإنا على الطريق فأبى أن يأتيهم، فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم. ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يدعو إلى الطريق، والطريق هو الإسلام» .

ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد على الكفار بما يخرس ألسنتهم فقال:

قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ أى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين إن هدى الله الذي أرسلت به رسله هو الهدى وحده وما وراءه ضلال وخذلان، وأمرنا لنسلم وجوهنا لله رب العالمين.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: فما محل الكاف في قوله «كالذي استهوته» قلت:

النصب على الحال من الضمير في نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا أى: أننكص مشبهين من استهوته الشياطين؟ فإن قلت ما معنى اسْتَهْوَتْهُ؟ قلت هو استفعال من هوى في الأرض أى ذهب فيها، كأن معناه: طلبت هويه وحرصت عليه، فإن قلت: فما محل أمرنا؟ قلت: النصب عطفا على محل قوله: إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى على أنهما مقولان كأنه قيل: قل هذا القول وقل أمرنا لنسلم .

قال السدي : قال المشركون للمؤمنين : اتبعوا سبيلنا ، واتركوا دين محمد فأنزل الله ، عز وجل : ( قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا ) أي : في الكفر ( بعد إذ هدانا الله ) فيكون مثلنا مثل الذي ( استهوته الشياطين في الأرض [ حيران ] ) يقول : مثلكم ، إن كفرتم بعد الإيمان ، كمثل رجل كان مع قوم على الطريق ، فضل الطريق ، فحيرته الشياطين ، واستهوته في الأرض ، وأصحابه على الطريق ، فجعلوا يدعونه إليهم يقولون : " ائتنا فإنا على الطريق " ، فأبى أن يأتيهم . فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ومحمد هو الذي يدعو إلى الطريق ، والطريق هو الإسلام . رواه ابن جرير .

وقال قتادة : ( استهوته الشياطين في الأرض ) أضلته في الأرض ، يعني : استهوته مثل قوله : ( تهوي إليهم ) [ إبراهيم : 37 ] .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ) الآية . هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها ، والدعاة الذين يدعون إلى الله ، عز وجل ، كمثل رجل ضل عن طريق تائها ضالا إذ ناداه مناد : " يا فلان بن فلان ، هلم إلى الطريق " ، وله أصحاب يدعونه : " يا فلان ، هلم إلى الطريق " ، فإن اتبع الداعي الأول ، انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى ، اهتدى إلى الطريق . وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان ، يقول : مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله ، فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت ، فيستقبل الهلكة والندامة . وقوله : ( كالذي استهوته الشياطين في الأرض ) هم " الغيلان " ، يدعونه باسمه واسم أبيه وجده ، فيتبعها وهو يرى أنه في شيء ، فيصبح وقد ألقته في هلكة ، وربما أكلته - أو تلقيه في مضلة من الأرض ، يهلك فيها عطشا ، فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله ، عز وجل . رواه ابن جرير .

وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ) قال : رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق ، وذلك مثل من يضل بعد أن هدي .

وقال العوفي عن ابن عباس قوله : ( كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ) هو الذي لا يستجيب لهدى الله ، وهو رجل أطاع الشيطان ، وعمل في الأرض بالمعصية ، وجار عن الحق وضل عنه ، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ، ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى ، يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس ، يقول [ الله ] ( إن هدى الله هو الهدى ) والضلال ما يدعو إليه الجن . رواه ابن جرير ، ثم قال : وهذا يقتضي أن أصحابه يدعونه إلى الضلال ، ويزعمون أنه هدى . قالت : وهذا خلاف ظاهر الآية ; فإن الله أخبر أن أصحابه يدعونه إلى الهدى ، فغير جائز أن يكون ضلالا وقد أخبر الله أنه هدى .

وهو كما قال ابن جرير ، وكان سياق الآية يقتضي أن هذا الذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ، وهو منصوب على الحال ، أي : في حال حيرته وضلاله وجهله وجه المحجة ، وله أصحاب على المحجة سائرون ، فجعلوا يدعونه إليهم وإلى الذهاب معهم على الطريقة المثلى . وتقدير الكلام : فيأبى عليهم ولا يلتفت إليهم ، ولو شاء الله لهداه ، ولرد به إلى الطريق ; ولهذا قال : ( قل إن هدى الله هو الهدى ) كما قال : ( ومن يهد الله فما له من مضل ) [ الزمر : 37 ] ، وقال : ( إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ) [ النحل : 37 ] ، وقوله ( وأمرنا لنسلم لرب العالمين ) أي : نخلص له العبادة وحده لا شريك له .

القول في تأويل قوله : قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا

قال أبو جعفر: وهذا تنبيه من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم على حجته على مشركي قومه من عبدة الأوثان. يقول له تعالى ذكره: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثانَ والأنداد، والآمرين لك باتباع دينهم وعبادة الأصنام معهم: أندعو من دون الله حجرًا أو خشبًا لا يقدر على نفعنا أو ضرنا, فنخصه بالعبادة دون الله, وندع عبادة الذي بيده الضر والنفع والحياة والموت, إن كنتم تعقلون فتميزون بين الخير والشر؟ فلا شك أنكم تعلمون أن خدمة ما يرتجى نفعه ويرهب ضره، أحق وأولى من خدمة من لا يرجى نفعه ولا يخشى ضره!

* * *

=" ونرد على أعقابنا "، يقول: ونرد إلى أدبارنا، فنرجع القهقري خلفنا، لم نظفر بحاجتنا.

* * *

وقد بينا معنى: " الرد على العقب ", وأن العرب تقول لكل طالب حاجة لم يظفر بها: " رد على عقبيه "، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (24)

* * *

وإنما يراد به في هذا الموضع: ونرد من الإسلام إلى الكفر =" بعد إذ هدانا الله، فوفقنا له, فيكون مثلنا في ذلك مثل الرجل الذي استتبعه الشيطان، يهوي في الأرض حيران.

* * *

وقوله: " استهوته "،" استفعلته ", من قول القائل: " هوى فلان إلى كذا يهوي إليه ", ومن قول الله تعالى ذكره: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ، [سورة إبراهيم: 37] ، بمعنى: تنـزع إليهم وتريدهم.

* * *

وأما " حيران "، فإنه " فعلان " من قول القائل: " قد حار فلان في الطريق، فهو يَحَار فيه حَيرة وحَيَرَانًا وَحيرُورة ", (25) وذلك إذ ضل فلم يهتد للمحجَّة.

=" له أصحاب يدعونه إلى الهدى ", يقول: لهذا الحيران الذي قد استهوته الشياطين في الأرض، أصحابٌ على المحجة واستقامة السبيل, يدعونه إلى المحجة لطريق الهدى الذي هم عليه, يقولون له : ائتنا.

* * *

وترك إجراء " حيران ", لأنه " فعلان ", وكل اسم كان على " فعلان " مما أنثاه " فعلى " فإنه لا يجري في كلام العرب في معرفة ولا نكرة.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا مثل ضربه الله تعالى ذكره لمن كفَر بالله بعد إيمانه، فاتبع الشياطين، من أهل الشرك بالله = وأصحابه الذين كانوا أصحابه في حال إسلامه، المقيمون على الدين الحق، يدعونه إلى الهدى الذي هم عليه مقيمون، والصواب الذي هم به متمسكون, وهو له مفارق وعنه زائل, يقولون له: " ائتنا فكن معنا على استقامة وهدى "! وهو يأبى ذلك, ويتبع دواعي الشيطان، ويعبد الآلهة والأوثان.

* * *

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل, وخالف في ذلك جماعة.

* ذكر من قال ذلك مثل ما قلنا:

13422 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا "، قال: قال المشركون للمؤمنين: اتبعوا سبيلنا, واتركوا دين محمد = صلى الله عليه وسلم. فقال الله تعالى ذكره: " قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا "، هذه الآلهة =" ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ", فيكون مثلنا كمثل الذي استهوته الشياطين في الأرض، يقول: مثلكم إن كفرتم بعد الإيمان، كمثل رجل كان مع قوم على الطريق, فضلّ الطريق, فحيرته الشياطين، واستهوته في الأرض, وأصحابه على الطريق، فجعلوا يدعونه إليهم, يقولون: " ائتنا، فإنا على الطريق ", فأبى أن يأتيهم. فذلك مثل من يتبعكم بعد المعرفة بمحمد, ومحمد الذي يدعو إلى الطريق, والطريق هو الإسلام.

13423 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: " أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا "، قال: هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها، وللدعاة الذين يدعونَ إلى الله, كمثل رجل ضل عن الطريق تائهًا ضالا (26) إذ ناداه مناد: " يا فلان بن فلان، هلمّ إلى الطريق "، وله أصحاب يدعونه: " يا فلان، هلم إلى الطريق " ! فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه في الهلكة, وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق. وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان. يقول: مثل من يعبد هؤلاء الآلهة من دون الله, فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت، فيستقبل الهلكة والندامة. وقوله: " كالذي استهوته الشياطين في الأرض "، وهم " الغيلان " يدعونه باسمه واسم أبيه واسم جده, فيتبعها، فيرى أنه في شيء، فيصبح وقد ألقته في الهلكة، وربما أكلته = أو تلقيه في مضلّة من الأرض يهلك فيها عطشًا. فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تُعبد من دون الله عز وجل.

13424 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر, عن قتادة: " استهوته الشياطين في الأرض "، قال: أضلته في الأرض حيران.

13425 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " ما لا ينفعنا ولا يضرنا "، قال: الأوثان .

13426 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى = وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل = عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: " استهوته الشياطين في الأرض حيران "، قال: رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق, فذلك مثل من يضلّ بعد إذ هدي. (27)

13427- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر قال، حدثنا رجل, عن مجاهد قال،" حيران "، هذا مثل ضربه الله للكافر, يقول: الكافر حيران، يدعوه المسلم إلى الهدى فلا يجيب.

13428 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا "، حتى بلغ لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، علمها الله محمدًا وأصحابه، يخاصمون بها أهلَ الضلالة.

* * *

وقال آخرون في تأويل ذلك، بما:-

13429 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى "، فهو الرجل الذي لا يستجيب لهدى الله, وهو رجل أطاعَ الشيطان، وعمل في الأرض بالمعصية، وحار عن الحقّ وضل عنه, وله أصحاب يدعونه إلى الهدى، ويزعمون أن الذي يأمرونه هدًى. يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس: إن الهدى هدى الله, والضلالة ما تدعو إليه الجنّ.

* * *

فكأنّ ابن عباس = على هذه الرواية = يرى أن أصحاب هذا الحيران الذين يدعونه إنما يدعونه إلى الضلال، ويزعمون أنّ ذلك هدى, وأنّ الله أكذبهم بقوله: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ، لا ما يدعوه إليه أصحابه.

وهذا تأويل له وجه، لو لم يكن الله سمى الذي دعا الحيرانَ إليه أصحابه " هدى ", وكان الخبر بذلك عن أصحابه الدعاة له إلى ما دعوه إليه: أنهم هم الذين سموه, ولكن الله سماه " هدى ", وأخبر عن أصحاب الحيران أنهم يدعونه إليه. وغير جائز أن يسمي الله " الضلال " هدى، لأن ذلك كذب, وغير جائز وصف الله بالكذب، لأن ذلك وصفه بما ليس من صفته. وإنما كان يجوز توجيه ذلك إلى الصواب، لو كان ذلك خبرًا من الله عن الداعي الحيران أنهم قالوا له: " تعال إلى الهدى "، فأما وهو قائل: " يدعونه إلى الهدى ", فغير جائز أن يكون ذلك، وهم كانوا يدعونه إلى الضلال.

* * *

وأما قوله: " ائتنا "، فإن معناه: يقولون: ائتنا، هلم إلينا = فحذف " القول "، لدلالة الكلام عليه.

* * *

وذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ذلك: (يَدْعُونَهُ إلَى الهُدَى بَيِّنًا) .

13430 - حدثنا بذلك ابن وكيع قال، حدثنا غندر, عن شعبة, عن أبي إسحاق قال: في قراءة عبد الله: (يَدْعُونَهُ إلَى الهُدَى بَيِّنًا).

13431 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، أنه سمع مجاهدًا يقول: في قراءة ابن مسعود: (لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إلَى الهُدَى بَيِّنًا) ، قال: " الهدى " الطريق, أنه بين.

* * *

وإذا قرئ ذلك كذلك, كان " البين " من صفة " الهدى ", ويكون نصب " البين " على القطع من " الهدى ", (28) كأنه قيل: يدعونه إلى الهدى البين, ثم نصب " البين " لما حذفت " الألف واللام " , وصار نكرة من صفة المعرفة.

* * *

وهذه القراءة التي ذكرناها عن ابن مسعود تؤيد قول من قال: " الهدى " في هذا الموضع، هو الهدى على الحقيقة.

* * *

القول في تأويل قوله : قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان، القائلين لأصحابك: " اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم، فإنا على هدى " =: ليس الأمر كما زعمتم =" إن هدى الله هو الهدى "، يقول: إن طريق الله الذي بينه لنا وأوضحه، وسبيلنا الذي أمرنا بلزومه، ودينه الذي شرعه لنا فبينه, هو الهدى والاستقامة التي لا شك فيها, لا عبادة الأوثان والأصنام التي لا تضر ولا تنفع, فلا نترك الحق ونتبع الباطل =" وأمرنا لنسلم لرب العالمين "، يقول: وأمرَنا ربنا وربّ كل شيء تعالى وجهه, (29) لنسلم له، لنخضع له بالذلة والطاعة والعبودية, فنخلص ذلك له دون ما سواه من الأنداد والآلهة.

* * *

وقد بينا معنى " الإسلام " بشواهده فيما مضى من كتابنا، بما أغنى عن إعادته. (30)

* * *

وقيل: " وأمرنا لنسلم "، بمعنى: وأمرنا كي نسلم, وأن نسلم لرب العالمين = لأن العرب تضع " كي" و " اللام " التي بمعنى " كي"، مكان " أن " و " أن " مكانها .

--------------------------

الهوامش :

(24) انظر تفسير"الرد على الأعقاب" فيما سلف 3: 163 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 196.

(25) "حيرورة" ، مصدر مثل"صيرورة" ، ولم تذكره كتب اللغة ، فهذا مما يستفاد من أبي جعفر ، ويزاد على كتب اللغة.

(26) قوله"تائهًا ضالا" ، ساقطة من المطبوعة ، ثابتة في المخطوطة.

(27) في المطبوعة: "كذلك مثل" ، وفي المخطوطة: "لذلك مثل . . ." ، والصواب ما أثبت.

(28) انظر تفسير"القطع" فيما سلف من فهارس المصطلحات ، وهذا بيان صريح أن"القطع" هو النكرة إذا صار صفة لمعرفة.

(29) انظر تفسير"العالمين" فيما سلف من فهارس اللغة (علم).

(30) انظر تفسير"الإسلام" فيما سلف من فهارس اللغة (سلم).

المعاني :

وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِنَا :       ونَرْجِعُ إلى الضَّلالةِ الميسر في غريب القرآن
اسْتَهْوَتْهُ :       هَوَتْ بِهِ؛ فَأَضَلَّتْهُ السراج
ٱسۡتَهۡوَتۡهُ :       هَوَتْ به، وأضَلَّتْه الميسر في غريب القرآن
استهوته الشّياطين :       هوت به في المهمه فأضلّته معاني القرآن
لِنُسۡلِمَ :       لنَنْقادَ، ونُخْلِصَ الميسر في غريب القرآن
أُمرنا لنُسلم :       أمرنا بأن نسلم و نخلص العبادة معاني القرآن

التدبر :

وقفة
[71] من دلائل التوحيد: أن من لا يملك نفعًا ولا ضرًّا ولا تصرفًا، هو بالضرورة لا يستحق أن يكون إلهًا معبودًا ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا﴾.
عمل
[71] أرسل هذه الآية إلى بعض الذين يدعون الأموات ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا﴾.
وقفة
[71] كلما كان الإنسان موحدًا مخلصًا لله، كان أكثر اطمئنانًا وسعادة، وكلما كان بعيدًا عن الله، كان أكثر حيرة وضلالًا، اقرأ إن شئت: ﴿قُلْ أَنَدْعُواْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ﴾.
لمسة
[71] ﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ﴾ الأعقاب جمع عقب، وهو مؤخر القدم، وعقب كل شيء آخره، وهذه الآية تمثل حال المرتد إلى الشرك بعد أن أسلم بحال من خرج في شأن مهم، فرجع إلى المكان الذي جاء منه ولم يقض ما خرج له، وهذا التصوير أبلغ في تمثيل سوء الحالة من أن يقال نرجع إلى الكفر من بعد الإيمان، وتمثل عودة الإنسان للتلبس في حالة ذميمة كان قد فارقها ثم عاد إليها، ولذلك لا نقول على رجل حج بيت الله: رجع على عقبيه.
وقفة
[71] ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ﴾ هل تصدقون أن بشرًا يفتخر بأنه يعيش في حيرة.
تفاعل
[71] ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
وقفة
[71] الحيرة في إصابة الحق علامة على تمكُّن الشيطان من المحتار: ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ﴾؛ ذكر الله يُبعد الشيطان، وببُعده تَبْعد الحيرة.
عمل
[71] استعذ بالله تعالى أن يستهويك الشيطان فيضلك عن سبيله، واسأل الله الثبات على دينه حتى تلقاه ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ﴾.
وقفة
[71] ﴿حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا﴾ قد يُرزق المرء بصحبه صالحة؛ لكن شقاء ذنوبه قيدته فجعلته في حيرة.
وقفة
[71] ﴿لَهُ أَصْحَابٌ﴾: وهم رفقة يدعونه إلى الهدى، أي: إلى أن يهدوه إلى الطريق، يقولون له: ائتنا، وهو قد تاه وبعد عنهم فلا يجيبهم, وهذا كله تمثيل لمن ضل في الدين عن الهدى، وهو يُدعَى إلى الإسلام فلا يجيب.
وقفة
[71] ﴿لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا﴾ فمن الناس من يكون مع داعي الهدى في أموره كلها أو أغلبها، ومنهم من بالعكس من ذلك، ومنهم من يتساوى لديه الداعيان، ويتعارض عنده الجاذبان، وفي هذا الموضع تعرف أهل السعادة من أهل الشقاوة.
وقفة
[71] ﴿لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا﴾ الهالك من يضل ولم يدخر له أصحاب يدعونه!
وقفة
[71] ﴿لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا﴾ الهالك هو من لم يكن له أصحاب يدعونه إلى الهدى، ويقولون له: ائتنا.
وقفة
[71] ﴿لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا﴾ من أعظم أسباب النجاة من الضلال والتمتع بالهداية وجود الأصحاب الصالحين.
وقفة
[71] ﴿لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا﴾ ذكر الله الأصحاب لأنهم أعظم أسباب الهداية بعد توفيق الله.
لمسة
[71] اشتملت الآية على تشبيهات عدة؛ فقد شبه المرتدين عن الإيمان بمن فقد عقله فجُنَّ، وشبه الكافر بالهيام في الأرض، وشبه المشركين الذين يفتنون المرء عن دينه بالشياطين، وشبه دعوة الله وملائكته للإيمان بالأصحاب الذين يدعون إلى الهدى.

الإعراب :

  • ﴿ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ:
  • الجملة في محل نصب مفعول به «مقول القول» الألف ألف تعجب بلفظ استفهام. ندعو: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. و «مِنْ دُونِ» جار ومجرور متعلق بندعو. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ ما لا يَنْفَعُنا:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. لا: نافية لا عمل لها. ينفعنا: فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَلا يَضُرُّنا:
  • الجملة معطوفة بالواو على «لا يَنْفَعُنا» وتعرب إعرابها. وجملة «لا يَنْفَعُنا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا:
  • الواو: عاطفة. نرد: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة الظاهرة. ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. على أعقابنا: جار ومجرور متعلق بنردّ و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ:
  • بعد: ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بنردّ. إذ:اسم مبني على السكون في محل جر بالاضافة اليه وهو مضاف أيضا. هدانا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. وجملة «هَدانَا اللَّهُ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد «إِذْ».
  • ﴿ كَالَّذِي:
  • الكاف: اسم مبني على الفتح في محل نصب حال من الضمير في «نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا» وهو مضاف. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر مضاف اليه. والمعنى: فنكون مثل الذي استهوته الشياطين. ويجوز ان يكون الكاف اسما في محل نصب صفة لمفعول مطلق بتقدير: نرد ردا مثل الذي استهوته الشياطين.
  • ﴿ اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. استهوى:فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. الشياطين: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ:
  • جار ومجرور متعلق باستهوته. حيران: حال منصوب بالفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف وبتقدير فقذفته الى الأرض حيران ومنع من الصرف لأن مؤنثه: حيرى. مثل عطشان وعطشى.
  • ﴿ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى:
  • له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم.أصحاب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. يدعونه: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. الى الهدى: جار ومجرور متعلق بيدعون. الهدى: اسم مجرور بإلى وعلامة جره: الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. وجملة «يَدْعُونَهُ» في محل رفع صفة لأصحاب. أي يقولون له: ائتنا بعد دعوته الى الهدى.
  • ﴿ ائْتِنا:
  • الجملة في محل نصب مفعول به لفعل قول محذوف تقديره: يقولون له.أئت: فعل أمر مبني على حذف آخره- حرف العلة- والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ:
  • قل: سبق إعرابها. إنّ: حرف مشبه بالفعل. هدى:اسم «إِنَّ» منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة «إِنَّ» مع اسمها وخبرها: في محل نصب مفعول به «مقول القول».
  • ﴿ هُوَ الْهُدى:
  • الجملة: في محل رفع خبر «إِنَّ». هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الهدى: خبر «هُوَ» مرفوع بالضمة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.
  • ﴿ وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ:
  • وأمرنا: معطوفة بالواو على محل قوله: ان هدى الله هو الهدى. في محل نصب كأنه قيل: قل هذا القول وقل أمرنا لنسلم. وأمرنا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل. لنسلم: اللام: لام التعليل وهي حرف جر. نسلم: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام. والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. و «أن» وما تلاها:بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بفعل «أمر» وجملة «نسلم» صلة «أن» المصدرية لا محل لها. والمعنى: أمرنا وقيل لنا اسلموا لأجل أن نسلم.
  • ﴿ لِرَبِّ الْعالَمِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بنسلم. العالمين: مضاف اليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

آل عمران: 73﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّـهِ أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ
البقرة: 120﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّـهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ
الأنعام: 71﴿كَٱلَّذِي ٱسۡتَهۡوَتۡهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِي ٱلۡأَرۡضِ حَيۡرَانَ لَهُۥٓ أَصۡحَٰبٞ يَدۡعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلۡهُدَى ٱئۡتِنَاۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّـهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [71] لما قبلها :     ولَمَّا أمَرَ اللهُ عز وجل نَبِيَّه صلى الله عليه وسلم أن يُعْرِضَ عن المشركين المستهزءين بالدين؛ أمرَه هنا أن يُنكِرَ عليهِم عبادةَ الأصنامِ التي لا تنفعُ ولا تضرُّ، قال تعالى:
﴿ قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [72] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ ..

التفسير :

[72] وكذلك أُمرنا بأن نقيم الصلاة كاملة، وأن نخشاه بفعل أوامره واجتناب نواهيه. وهو -جل وعلا- الذي إليه تُحْشَرُ جميع الخلائق يوم القيامة.

{ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أي:وأمرنا أن نقيم الصلاة بأركانها وشروطها وسننها ومكملاتها.{ وَاتَّقُوهُ} بفعل ما أمر به، واجتناب ما عنه نهى.{ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي:تُجْمَعون ليوم القيامة، فيجازيكم بأعمالكم، خيرها وشرها.

وقوله وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ معطوف على محل لِنُسْلِمَ كأنه قيل أمرنا لنسلم وأمرنا أيضا بإقامة الصلاة والاتقاء.

وفي تخصيص الصلاة بالذكر من بين أنواع الشرائع وعطفها على الأمر بالإسلام، وقرنها بالأمر بالتقوى دليل على تفخيم أمرها وعظمة شأنها.

وقوله وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ جملة مستأنفة موجبة لامتثال ما أمر من الأمور الثلاثة، أى: هو الذي تعودون إليه يوم القيامة للحساب لا إلى غيره.

( وأن أقيموا الصلاة واتقوه ) أي : وأمرنا بإقامة الصلاة وبتقواه في جميع الأحوال ( وهو الذي إليه تحشرون ) أي : يوم القيامة .

القول في تأويل قوله : وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأمرنا أنْ أقيموا الصلاة.

* * *

وإنما قيل: " وأن أقيموا الصلاة "، فعطف ب " أن " على " اللام " من لِنُسْلِمَ ، لأن قوله: لِنُسْلِمَ معناه: أن نسلم, فردّ قوله: " وأن أقيموا " على معنى: لِنُسْلِمَ , إذ كانت " اللام " التي في قوله: لِنُسْلِمَ , لامًا لا تصحب إلا المستقبل من الأفعال, وكانت " أن " من الحروف التي تدل على الاستقبال دلالة " اللام " التي في لِنُسْلِمَ , فعطف بها عليها، لاتفاق معنيهما فيما ذكرت.

ف " أن " في موضع نصب بالردّ على اللام. (31)

* * *

وكان بعض نحويِّي البصرة يقول: إما أن يكون ذلك،" أمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة ", يقول: أمرنا كي نسلم, كما قال: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (32) [سورة يونس: 104] ، أي: إنما أمرت بذلك. (33) ثم قال: " وأن أقيموا الصلاة واتقوه "، أي: أمرنا أن أقيموا الصلاة = أو يكون أوصل الفعل باللام, والمعنى: أمرت أن أكون, كما أوصل الفعل باللام في قوله: هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ، [سورة الأعراف: 154].

* * *

فتأويل الكلام: وأمرنا بإقامة الصلاة, وذلك أداؤها بحدودها التي فرضت علينا (34) =" واتقوه "، يقول: واتقوا رب العالمين الذي أمرنا أن نسلم له, فخافوه واحذروا سَخطه، بأداء الصلاة المفروضة عليكم، والإذعان له بالطاعة، وإخلاص العبادة له =" وهو الذي إليه تحشرون "، يقول: وربكم رب العالمين، هو الذي إليه تحشرون فتجمعون يوم القيامة, (35) فيجازي كلَّ عامل منكم بعمله, وتوفي كل نفس ما كسبت.

---------------------

الهوامش :

(31) انظر معاني القرآن للفراء 1: 339.

(32) في المطبوعة والمخطوطة: "وأمرت لأن أكون من المؤمنين" ، وهذه ليست آية في كتاب الله ، بل الآية هي التي ذكرت ، وهي حق الاستدلال في هذا الموضع.

(33) في المطبوعة والمخطوطة: "إنما أمرت لذلك" ، وهو خطأ ، والصواب ما أثبت.

(34) انظر تفسير"إقامة الصلاة" فيما سلف من فهارس اللغة (قوم) (صلا).

(35) انظر تفسير"الحشر" فيما سلف ص: 373 تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[72] إن لم تؤدِّ إقامة الصلاة إلى التقوى؛ فما هي بصلوات؛ بل حركات.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ:
  • وأن أقيموا: معطوفة بالواو على موضع «لِنُسْلِمَ» على تقدير: وأمرنا أن نسلم وأن أقيموا أو وأمرنا لأن نسلم ولأن أقيموا أي للاسلام ولإقامة الصلاة. أن: حرف مصدري ونصب. أقيموا:فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو:ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الصلاة: مفعول به منصوب بالفتحة. وأن وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر باللام أي لإقامة الصلاة. واتقوه: معطوفة بالواو على «أَقِيمُوا» وتعرب إعرابها. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ:
  • الواو: استئنافية. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر «هُوَ». إليه: جار ومجرور متعلق بتحشرون.تحشرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون وهو مبني للمجهول. والواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. والجملة: صلة الموصول لا محل لها. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [72] لما قبلها :     ولَمَّا أمر بالإسلام في نهاية الآية السابقة؛ ناسب أن يأمر هنا بالصلاة التي هي أهم ركن من أركانه، فقال تعالى:
﴿ وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [73] :الأنعام     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ..

التفسير :

[73] والله سبحانه هو الذي خلق السموات والأرض بالحق، واذكر -أيها الرسول- يوم القيامة إذ يقول الله:«كن»، فيكون عن أمره كلمح البصر أو هو أقرب، قوله هو الحق الكامل، وله الملك سبحانه وحده، يوم ينفخ المَلَك في «القَرْن» النفخة الثانية التي تكون بها عودة الأروا

{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} ليأمر العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم،{ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ} الذي لا مرية فيه ولا مثنوية، ولا يقول شيئا عبثا{ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} أي:يوم القيامة، خصه بالذكر –مع أنه مالك كل شيء- لأنه تنقطع فيه الأملاك، فلا يبقى ملك إلا الله الواحد القهار.{ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} الذي له الحكمة التامة، والنعمة السابغة، والإحسان العظيم، والعلم المحيط بالسرائر والبواطن والخفايا، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.

وقوله وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ معطوف على قوله وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.

قال الآلوسى: «ولعله أريد بخلقهما خلق ما فيهما- أيضا- وعدم التصريح بذلك لظهور اشتمالهما على جميع العلويات والسفليات.

وقوله «بالحق» متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل «خلق» أى: قائما بالحق، وجوز أن يكون صفة لمصدر الفعل المؤكد أى: خلقا متلبسا بالحق» .

والحق في الأصل مصدر حق إذا ثبت، ثم صار اسما للأمر الثابت الذي لا ينكر، وهو ضد الباطل.

وقوله وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ أى: وقضاؤه المعروف بالحقيقة كائن، حين يقول- سبحانه- لشيء من الأشياء «كن فيكون» ذلك الشيء ويحدث.

ويَوْمَ خبر مقدم، وقَوْلُهُ مبتدأ مؤخر، والْحَقُّ صفته.

والجملة الكريمة بيان لقدرته- تعالى- على حشر المخلوقات بكون مراده لا يتخلف عن أمره، وإن قوله هو النافذ وأمره هو الواقع قال- تعالى- إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

وفي قوله قَوْلُهُ الْحَقُّ صيغة قصر للمبالغة أى: هو الحق الكامل، لأن أقوال غيره وإن كان فيها كثير من الحق فهي معرضة للخطأ وما كان فيها غير معرض للخطأ فهو من وحى الله أو من نعمته بالعقل والإصابة للحق.

وقوله وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ أى: أن الملك لله تعالى وحده في ذلك اليوم فلا ملك لأحد سواه.

قال أبو السعود: «وتقييد اختصاص الملك له- تعالى- بذلك اليوم مع عموم الاختصاص لجميع الأوقات لغاية ظهور ذلك بانقطاع العلائق المجازية الكائنة في الدنيا المصححة للملكية المجازية في الجملة، فهو كقوله- تعالى- لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ وقوله: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ.

المراد «بالصور» القرن الذي ينفخ فيه الملك نفخة الصعق والموت، ونفخة البعث والنشور والله أعلم بحقيقته.

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: إن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال:

«قرن ينفخ فيه» رواه أبو داود والترمذي والحاكم عنه أيضا.

وقيل المراد بالصور هنا جمع صورة والمراد بها الأبدان أى: يوم ينفخ في صور الموجودات فتعود إلى الحياة.

ثم ختمت الآية بما يدل على سعة علم الله- تعالى- وعظم إتقانه في صنعه فقال- تعالى-: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.

الغيب. ما غاب عن الناس فلم يدركوه. الشهادة: ضد الغيب وهي الأمور التي يشاهدها الناس ويتوصلون إلى علمها.

وصفة الْحَكِيمُ تجمع إتقان الصنع فدل على عظم القدرة مع تعلق العلم بالمصنوعات.

وصفة الْخَبِيرُ تجمع العلم بالمعلومات ظاهرها وخفيها.

أى: فهو- سبحانه- وحده العالم بأحوال جميع الموجودات ما غاب منها وما هو مشاهد، وهو ذو الحكمة في جميع أفعاله والعالم بالأمور الجلية والخفية.

وبعد أن ساق القرآن ألوانا من الأدلة على وحدانية الله وسعة علمه وقدرته أخذ في التدليل على بطلان الشرك وإثبات التوحيد عن طريق القصة، فحكى لنا جانبا مما قاله إبراهيم لأبيه وقومه فقال- تعالى-:

( وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ) أي : بالعدل ، فهو خالقهما ومالكهما ، والمدبر لهما ولمن فيهما .

وقوله : ( ويوم يقول كن فيكون ) يعني : يوم القيامة ، الذي يقول الله : ( كن ) فيكون عن أمره كلمح البصر ، أو هو أقرب .

( ويوم ) منصوب إما على العطف على قوله : ( واتقوه ) وتقديره : واتقوا يوم يقول كن فيكون ، وإما على قوله : ( خلق السماوات والأرض ) أي : وخلق يوم يقول كن فيكون . فذكر بدء الخلق وإعادته ، وهذا مناسب . وإما على إضمار فعل تقديره : واذكر يوم يقول كن فيكون .

وقوله : ( قوله الحق وله الملك ) جملتان محلهما الجر ، على أنهما صفتان لرب العالمين .

وقوله : ( يوم ينفخ في الصور ) يحتمل أن يكون بدلا من قوله : ( ويوم يقول كن فيكون ) ( يوم ينفخ في الصور ) ويحتمل أن يكون ظرفا لقوله : ( وله الملك يوم ينفخ في الصور ) كقوله ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [ غافر : 16 ] ، وكقوله ( الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ) [ الفرقان : 26 ] ، وما أشبه ذلك .

واختلف المفسرون في قوله : ( يوم ينفخ في الصور ) فقال بعضهم : المراد بالصور هاهنا جمع " صورة " أي : يوم ينفخ فيها فتحيا .

قال ابن جرير : كما يقال سور - لسور البلد هو جمع سورة . والصحيح أن المراد بالصور : " القرن " الذي ينفخ فيه إسرافيل - عليه السلام - ، قال ابن جرير : والصواب عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن إسرافيل قد التقم الصور وحنى جبهته ، ينتظر متى يؤمر فينفخ " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا سليمان التيمي ، عن أسلم العجلي ، عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن عمرو قال : قال أعرابي : يا رسول الله ، ما الصور؟ قال : " قرن ينفخ فيه .

وقد روينا حديث الصور بطوله ، من طريق الحافظ أبي القاسم الطبراني ، في كتابه " الطوالات " قال : حدثنا أحمد بن الحسن المصري الأيلي ، حدثنا أبو عاصم النبيل ، حدثنا إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة ، - رضي الله عنه - قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو في طائفة من أصحابه ، فقال : " إن الله لما فرغ من خلق السموات والأرض ، خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه ، شاخصا بصره إلى العرش ، ينتظر متى يؤمر " . قلت : يا رسول الله ، وما الصور؟ قال " القرن " . قلت : كيف هو؟ قال : " عظيم ، والذي بعثني بالحق ، إن عظم دارة فيه كعرض السموات والأرض . ينفخ فيه ثلاث نفخات : النفخة الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين . يأمر الله تعالى إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول . انفخ ، فينفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السموات [ وأهل ] الأرض إلا من شاء الله . ويأمره فيديمها ويطيلها ولا يفتر ، وهي كقول الله : ( وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ) ، فيسير الله الجبال فتمر مر السحاب ، فتكون سرابا " .

ثم ترتج الأرض بأهلها رجة فتكون كالسفينة المرمية في البحر ، تضربها الأمواج ، تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق بالعرش ، ترجرجه الرياح ، وهي التي يقول ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة ) [ النازعات : 6 - 8 ] ، فيميد الناس على ظهرها ، وتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، وتشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة من الفزع ، حتى تأتي الأقطار ، فتأتيها الملائكة فتضرب وجوهها ، فترجع ، ويولي الناس مدبرين ما لهم من أمر الله من عاصم ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله تعالى : ( يوم التناد ) [ غافر : 32 ] .

فبينما هم على ذلك ، إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر ، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله ، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم ، ثم نظروا إلى السماء ، فإذا هي كالمهل ، ثم انشقت فانتشرت نجومها ، وانخسف شمسها وقمرها . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك " قال أبو هريرة : يا رسول الله ، من استثنى الله ، عز وجل ، حين يقول : ( ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) [ النمل : 87 ] ، قال : " أولئك الشهداء ، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، وهم أحياء عند الله يرزقون ، وقاهم الله فزع ذلك اليوم ، وآمنهم منه ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه " ، قال : وهو الذي يقول الله ، عز وجل : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) [ الحج : 1 ، 2 ] فيكونون في ذلك العذاب ما شاء الله ، إلا أنه يطول .

ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق ، فينفخ نفخة الصعق ، فيصعق أهل السموات [ وأهل ] الأرض إلا من شاء الله ، فإذا هم قد خمدوا ، وجاء ملك الموت إلى الجبار ، عز وجل ، فيقول : يا رب ، قد مات أهل السموات والأرض إلا من شئت . فيقول الله - وهو أعلم بمن بقي - : فمن بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقيت حملة العرش ، وبقي جبريل وميكائيل وبقيت أنا . فيقول الله ، عز وجل : ليمت جبريل وميكائيل . فينطق الله العرش فيقول : يا رب ، يموت جبريل وميكائيل !! فيقول : اسكت ، فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي ، فيموتان . ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار [ عز وجل ] فيقول يا رب ، قد مات جبريل وميكائيل . فيقول الله [ عز وجل ] - وهو أعلم بمن بقي - : فمن تبقى؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقيت أنا . فيقول الله ، [ عز وجل ] ليمت حملة عرشي . فيموتوا ، ويأمر الله العرش . فيقبض الصور منإسرافيل ثم يأتي ملك الموت فيقول : يا رب ، قد مات حملة عرشك . فيقول الله - وهو أعلم بمن بقي - : : فمن بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقيت أنا . فيقول الله [ عز وجل ] أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما رأيت ، فمت . فيموت . فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار الأحد [ الصمد ] الذي لم يلد ولم يولد ، كان آخرا كما كان أولا طوى السموات والأرض طي السجل للكتب ثم دحاهما ثم يلقفهما ثلاث مرات ، ثم يقول : أنا الجبار ، أنا الجبار ، أنا الجبار ثلاثا . ثم هتف بصوته : ( لمن الملك اليوم ) ثلاث مرات ، فلا يجيبه أحد ، ثم يقول لنفسه : ( لله الواحد القهار ) [ غافر : 16 ] ، يقول الله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) [ إبراهيم : 48 ] ، فيبسطهما ويسطحهما ، ثم يمدهما مد الأديم العكاظي ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) [ طه : 107 ] .

ثم يزجر الله الخلق زجرة ، فإذا هم في هذه الأرض المبدلة مثل ما كانوا فيها من الأولى ، من كان في بطنها كان في بطنها ، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها ، ثم ينزل الله [ عز وجل ] عليهم ماء من تحت العرش ، ثم يأمر الله السماء أن تمطر ، فتمطر أربعين يوما ، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا ، ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت فتنبت كنبات الطراثيث - أو : كنبات البقل - حتى إذا تكاملت أجسادهم فكانت كما كانت ، قال الله ، عز وجل : ليحيا حملة عرشي ، فيحيون . ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور ، فيضعه على فيه ، ثم يقول : ليحيا جبريل وميكائيل فيحيان ، ثم يدعو الله الأرواح فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نورا ، وأرواح الكافرين ظلمة ، فيقبضها جميعا ثم يلقيها في الصور .

ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث ، فينفخ نفخة البعث ، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض ، فيقول [ الله ] وعزتي وجلالي ، ليرجعن كل روح إلى جسده ، فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد ، فتدخل في الخياشيم ، ثم تمشي في الأجساد كما يمشي السم في اللديغ ، ثم تنشق الأرض عنكم وأنا أول من تنشق الأرض عنه ، فتخرجون سراعا إلى ربكم تنسلون ( مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر ) [ القمر : 8 ] حفاة عراة [ غلفا ] غرلا فتقفون موقفا واحدا مقداره سبعون عاما ، لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم ، فتبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم تدمعون دما وتعرقون حتى يلجمكم العرق ، أو يبلغ الأذقان ، وتقولون من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا؟ فتقولون من أحق بذلك من أبيكم آدم خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا؟ فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه فيأبى ، ويقول : ما أنا بصاحب ذلك . فيستقرءون الأنبياء نبيا نبيا ، كلما جاءوا نبيا ، أبى عليهم " . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " حتى يأتوني ، فأنطلق إلى الفحص فأخر ساجدا " قال أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الفحص؟ قال : " قدام العرش حتى يبعث الله إلي ملكا فيأخذ بعضدي ، ويرفعني ، فيقول لي : يا محمد فأقول : نعم يا رب . فيقول الله ، عز وجل : ما شأنك؟ وهو أعلم ، فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك ، فاقض بينهم . قال [ الله ] قد شفعتك ، أنا آتيكم أقضي بينكم " .

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فأرجع فأقف مع الناس ، فبينما نحن وقوف ، إذ سمعنا حسا من السماء شديدا ، فهالنا فنزل أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض ، أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، وقلنا لهم : أفيكم ربنا؟ قالوا : لا وهو آت .

ثم ينزل [ من ] أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة ، وبمثلي من فيها من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض ، أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، وقلنا لهم : أفيكم ربنا؟ فيقولون : لا وهو آت .

ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف ، حتى ينزل الجبار ، عز وجل ، في ظلل من الغمام والملائكة ، فيحمل عرشه يومئذ ثمانية - وهم اليوم أربعة - أقدامهم في تخوم الأرض السفلى والأرض والسموات إلى حجزتهم والعرش على مناكبهم ، لهم زجل في تسبيحهم ، يقولون : سبحان ذي العرش والجبروت ، سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت ، سبوح قدوس قدوس قدوس ، سبحان ربنا الأعلى ، رب الملائكة والروح ، سبحان ربنا الأعلى ، الذي يميت الخلائق ولا يموت ، فيضع الله كرسيه حيث يشاء من أرضه ، ثم يهتف بصوته يا معشر الجن والإنس ، إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا ، أسمع قولكم وأبصر أعمالكم ، فأنصتوا إلي ، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .

ثم يأمر الله جهنم ، فيخرج منها عنق [ مظلم ] ساطع ، ثم يقول : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون ) - أو : بها تكذبون - شك أبو عاصم - ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) [ يس : 60 - 64 ] فيميز الله الناس وتجثو الأمم . يقول الله تعالى : ( وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون ) [ الجاثية : 28 ] فيقضي الله ، عز وجل ، بين خلقه ، إلا الثقلين الجن والإنس ، فيقضي بين الوحش والبهائم ، حتى إنه ليقضي للجماء من ذات القرن ، فإذا فرغ من ذلك ، فلم تبق تبعة عند واحدة للأخرى قال الله [ لها ] كوني ترابا . فعند ذلك يقول الكافر : ( يا ليتني كنت ترابا ) [ النبأ : 40 ]

ثم يقضي الله [ عز وجل ] بين العباد ، فكان أول ما يقضي فيه الدماء ، ويأتي كل قتيل في سبيل الله ، عز وجل ، ويأمر الله [ عز وجل ] كل قتيل فيحمل رأسه تشخب أوداجه يقول : يا رب ، فيم قتلني هذا؟ فيقول - وهو أعلم - : فيم قتلتهم؟ فيقول : قتلتهم لتكون العزة لك . فيقول الله له : صدقت . فيجعل الله وجهه مثل نور الشمس ، ثم تمر به الملائكة إلى الجنة .

ويأتي كل من قتل على غير ذلك يحمل رأسه وتشخب أوداجه ، فيقول : يا رب ، [ فيم ] قتلني هذا؟ فيقول - وهو أعلم - : لم قتلتهم؟ فيقول : يا رب ، قتلتهم لتكون العزة لك ولي . فيقول : تعست . ثم لا تبقى نفس قتلها إلا قتل بها ، ولا مظلمة ظلمها إلا أخذ بها ، وكان في مشيئة الله إن شاء عذبه ، وإن شاء رحمه .

ثم يقضي الله تعالى بين من بقي من خلقه حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها [ الله ] للمظلوم من الظالم ، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء .

فإذا فرغ الله من ذلك ، ناد مناد يسمع الخلائق كلهم : ألا ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله . فلا يبقى أحد عبد من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه ، ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير ، ويجعل ملك من الملائكة على صورة عيسى ابن مريم . ثم يتبع هذا اليهود وهذا النصارى ، ثم قادتهم آلهتهم إلى النار ، وهو الذي يقول [ تعالى ] ( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون ) [ الأنبياء : 99 ] .

فإذا لم يبق إلا المؤمنون فيهم المنافقون ، جاءهم الله فيما شاء من هيئته ، فقال : يا أيها الناس ، ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، وما كنا نعبد غيره ، فينصرف عنهم ، وهو الله الذي يأتيهم فيمكث ما شاء الله أن يمكث ، ثم يأتيهم فيقول : يا أيها الناس ، ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله وما كنا نعبد غيره ، فيكشف لهم عن ساقه ، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون أنه ربهم ، فيخرون سجدا على وجوههم ، ويخر كل منافق على قفاه ، ويجعل الله أصلابهم كصياصي البقر . ثم يأذن الله لهم فيرفعون ، ويضرب الله الصراط بين ظهراني جهنم كحد الشفرة - أو : كحد السيف - عليه كلاليب وخطاطيف وحسك كحسك السعدان ، دون جسر دحض مزلة ، فيمرون كطرف العين ، أو كلمح البرق ، أو كمر الريح ، أو كجياد الخيل ، أو كجياد الركاب ، أو كجياد الرجال . فناج سالم ، وناج مخدوش ، ومكردس على وجهه في جهنم .

فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة ، قالوا : من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم - عليه السلام - ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا؟ فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بنوح فإنه أول رسل الله . فيؤتى نوح فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ويقول عليكم بإبراهيم فإن الله اتخذه خليلا . فيؤتى إبراهيم فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ويقول : عليكم بموسى فإن الله قربه نجيا ، وكلمه وأنزل عليه التوراة . فيؤتى موسى فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : لست بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم .

فيؤتى عيسى ابن مريم ، فيطلب ذلك إليه ، فيقول : ما أنا بصاحبكم ، ولكن عليكم بمحمد " . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فيأتوني - ولي عند ربي ثلاث شفاعات [ وعدنهن ] - فأنطلق فآتي الجنة ، فآخذ بحلقة الباب ، فأستفتح فيفتح لي ، فأحيى ويرحب بي . فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي خررت ساجدا ، فيأذن الله لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه ، ثم يقول : ارفع رأسك يا محمد واشفع تشفع ، وسل تعطه . فإذا رفعت رأسي يقول الله - وهو أعلم - : ما شأنك؟ فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في أهل الجنة فيدخلون الجنة ، فيقول الله : قد شفعتك وقد أذنت لهم في دخول الجنة " .

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " والذي نفسي بيده ، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم ، فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة ، سبعين مما ينشئ الله ، عز وجل ، وثنتين آدميتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله ، لعبادتهما الله في الدنيا . فيدخل على الأولى في غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ ، عليها سبعون زوجا من سندس وإستبرق ، ثم إنه يضع يده بين كتفيها ، ثم ينظر إلى يده من صدرها ، ومن وراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت ، كبدها له مرآة ، وكبده لها مرآة . فبينا هو عندها لا يملها ولا تمله ، ما يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء ، ما يفتر ذكره ، وما تشتكي قبلها . فبينا هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل ، إلا أنه لا مني ولا منية إلا أن لك أزواجا غيرها . فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة ، كلما أتى واحدة [ له ] قالت : له والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك ، ولا في الجنة شيء أحب إلي منك .

وإذا وقع أهل النار في النار ، وقع فيها خلق من خلق ربك أوبقتهم أعمالهم ، فمنهم من تأخذ النار قدميه لا تجاوز ذلك ، ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه ، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه إلى حقويه ، ومنهم من تأخذ جسده كله ، إلا وجهه حرم الله صورته عليها " . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فأقول يا رب ، من وقع في النار من أمتي . فيقول : أخرجوا من عرفتم ، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد . ثم يأذن الله في الشفاعة فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع ، فيقول الله : أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا . فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، ثم يشفع الله فيقول : أخرجوا من [ وجدتم ] في قلبه إيمانا ثلثي دينار . ثم يقول : ثلث دينار . ثم يقول : ربع دينار . ثم يقول : قيراطا . ثم يقول : حبة من خردل . فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط ، ولا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع ، حتى إن إبليس ليتطاول مما يرى من رحمة الله رجاء أن يشفع له ، ثم يقول : بقيت وأنا أرحم الراحمين . فيدخل يده في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره ، كأنهم حمم ، فيلقون على نهر يقال له : نهر الحيوان ، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ما يلقى الشمس منها أخيضر ، وما يلي الظل منها أصيفر ، فينبتون كنبات الطراثيث ، حتى يكونوا أمثال الذر ، مكتوب في رقابهم : " الجهنميون عتقاء الرحمن " ، يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب ، ما عملوا خيرا لله قط ، فيمكثون في الجنة ما شاء الله ، وذلك الكتاب في رقابهم ، ثم يقولون : ربنا امح عنا هذا الكتاب ، فيمحوه الله ، عز وجل ، عنهم " .

هذا حديث [ مشهور ] وهو غريب جدا ، ولبعضه شواهد في الأحاديث المتفرقة وفي بعض ألفاظه نكارة . تفرد به إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة ، وقد اختلف فيه ، فمنهم من وثقه ، ومنهم من ضعفه ، ونص على نكارة حديثه غير واحد من الأئمة كأحمد بن حنبل وأبي حاتم الرازي وعمرو بن علي الفلاس ، ومنهم من قال فيه : هو متروك . وقال ابن عدي : أحاديثه كلها فيها نظر إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء .

قلت : وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث على وجوه كثيرة ، قد أفردتها في جزء على حدة . وأما سياقه ، فغريب جدا ، ويقال : إنه جمعه من أحاديث كثيرة ، وجعله سياقا واحدا ، فأنكر عليه بسبب ذلك . وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول : إنه رأى للوليد بن مسلم مصنفا قد جمع فيه كل الشواهد لبعض مفردات هذا الحديث ، فالله أعلم .

القول في تأويل قوله : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأنداد, الداعيك إلى عبادة الأوثان: " أمرنا لنسلم لرب العالمين، الذي خلق السماوات والأرض بالحق, لا من لا ينفع ولا يضر، ولا يسمع ولا يبصر ".

* * *

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " بالحق ".

فقال بعضهم: معنى ذلك، وهو الذي خلق السماوات والأرض حقًّا وصوابًا, لا باطلا وخطأ, كما قال تعالى ذكره: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا [سورة ص: 27] . قالوا: وأدخلت فيه " الباء " و " الألف واللام ", كما تفعل العرب في نظائر ذلك فتقول: " فلان يقول بالحق ", بمعنى: أنه يقول الحق. قالوا: ولا شيء في" قوله بالحق " غير إصابته الصواب فيه = لا أنّ" الحق " معنى غير " القول " , وإنما هو صفةٌ للقول، إذا كان بها القول، كان القائل موصوفًا بالقول بالحق، وبقول الحق. قالوا: فكذلك خلق السماوات والأرض، حكمة من حكم الله, فالله موصوف بالحكمة في خلقهما وخلق ما سواهما من سائر خلقه = لا أنّ ذلك حقٌّ سوى خَلْقِهما خَلَقَهما به. (36)

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: خلق السماوات والأرض بكلامه وقوله لهما: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ، [سورة فصلت: 11] . قالوا: فالحق، في هذا الموضع معنيّ به: كلامه. واستشهدوا لقيلهم ذلك بقوله: " ويوم يقول كن فيكون قوله الحق "،" الحق " هو قوله وكلامه. (37) قالوا: والله خلق الأشياء بكلامه وقيله، فما خلق به الأشياء فغير الأشياء المخلوقة. (38) قالوا: فإذْ كان ذلك كذلك, وجب أن يكون كلام الله الذي خلق به الخلق غيرَ مخلوق.

* * *

وأما قوله: " ويوم يقول كن فيكون "، فإن أهل العربية اختلفوا في العامل في" يوم يقول "، وفي معنى ذلك.

فقال بعض نحويي البصرة: " اليوم " مضاف إلى " يقول كن فيكون ". (39) قال: وهو نصب، وليس له خبر ظاهر, والله أعلم, وهو على ما فسرت لك = كأنه يعني بذلك أن نصبه على: واذكر يوم يقول كن فيكون. قال: وكذلك: " يوم ينفخ في الصور "، قال: وقال بعضهم: يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة. (40)

* * *

وقال بعضهم: " يقول كن فيكون " للصور خاصة (41) = فمعنى الكلام على تأويلهم: يوم يقول للصور كن فيكون، قوله الحق يوم ينفخ فيه عالم الغيب والشهادة = فيكون " القول " حينئذ مرفوعًا ب " الحق " و " الحق " ب " القول " ، وقوله: " يوم يقول كن فيكون "، و " يوم ينفخ في الصور "، صلة " الحق ".

* * *

وقال آخرون: بل قوله: " كن فيكون "، معنيٌّ به كل ما كان الله مُعِيده في الآخرة بعد إفنائه، ومنشئه بعد إعدامه = فالكلام على مذهب هؤلاء، متناهٍ عند قوله: " كن فيكون "، وقوله: " قوله الحق "، خبر مبتدأ = وتأويله: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق, ويوم يقول للأشياء كن فيكون خلقهما بالحق بعد فنائهما. ثم ابتدأ الخبر عن قوله ووعده خلقَه أنه معيدهما بعد فنائهما عن أنه حق فقال: قوله هذا، الحقّ الذي لا شك فيه. وأخبر أن له الملك يوم ينفخ في الصور = ف يوم ينفخ في الصور "، يكون على هذا التأويل من صلة " الملك ".

وقد يجوز على هذا التأويل أن يكون قوله: " يوم ينفخ في الصور " من صلة " الحق ".

* * *

وقال آخرون: بل معنى الكلام: ويوم يقول لما فني: " كن "، فيكون قوله الحق, فجعل " القول " مرفوعًا بقوله " ويوم يقول كن فيكون "، وجعل قوله: " كن فيكون "، للقول محلا وقوله: " يوم ينفخ في الصور "، من صلة " الحق " = كأنه وجه تأويل ذلك إلى: ويومئذ قوله الحق يوم ينفخ في الصور. وإن جعل على هذا التأويل " يوم ينفخ في الصور " بيانًا عن اليوم الأول, كان وجهًا صحيحًا. ولو جعل قوله: " قوله الحق "، مرفوعًا بقوله: " يوم ينفخ في الصور "، وقوله: " يوم ينفخ في الصور "، محلا وقوله: " ويوم يقول كن فيكون " من صلته، كان جائزًا.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ أنه المنفرد بخلق السماوات والأرض دون كل ما سواه, معرِّفًا من أشرك به من خلقه جهلَه في عبادة الأوثان والأصنام، وخطأ ما هم عليه مقيمون من عبادة ما لا يضر ولا ينفع، ولا يقدر على اجتلاب نفع إلى نفسه، ولا دفع ضر عنها = ومحتجًّا عليهم في إنكارهم البعثَ بعد الممات والثوابَ والعقاب، بقدرته على ابتداع ذلك ابتداءً, وأن الذي ابتدع ذلك غير متعذر عليه إفناؤه ثم إعادته بعد إفنائه, فقال: " وهو الذي خلق "، أيها العادلون بربهم من لا ينفع ولا يضر ولا يقدر على شيء =" السماوات والأرض بالحق ", حجة على خلقه, ليعرفوا بها صانعها، وليستدلُّوا بها على عظيم قدرته وسلطانه, فيخلصوا له العبادة =" ويوم يقول كن فيكون "، يقول: ويوم يقول حين تبدل الأرض غير الأرض والسماوات كذلك: " كن فيكون ", كما شاء تعالى ذكره, فتكون الأرض غير الأرض = ويكون [الكلام] عند قوله: " كن فيكون " متناهيًا. (42)

وإذا كان كذلك معناه، وجب أن يكون في الكلام محذوفٌ يدلّ عليه الظاهر, ويكون معنى الكلام: ويوم يقول كذلك: " كن فيكون " تبدل [السماوات والأرض] غير السماوات والأرض. (43) ويدلّ على ذلك قوله: " وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق "، ثم ابتدأ الخبر عن القول فقال: " قوله الحق "، بمعنى وعدُه هذا الذي وَعدَ تعالى ذكره، من تبديله السماوات والأرض غير الأرض والسماوات, الحقُّ الذي لا شك فيه =" وله الملك يوم ينفخ في الصور "، فيكون قوله: " يوم ينفخ في الصور "، من صلة " الملك " = ويكون معنى الكلام: ولله الملك يومئذ، لأن النفخة الثانية في الصور حال تبديل الله السماوات والأرض غيرهما.

وجائز أن يكون " القول " أعنى: " قوله الحق "، = مرفوعًا بقوله: " ويوم يقول كن فيكون ", ويكون قوله: " كن فيكون " محلا للقول مرافعًا، فيكون تأويل الكلام: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق, ويوم يبدلها غير السماوات والأرض، فيقول لذلك: " كن فيكون "،" قوله الحق ".

* * *

وأما قوله: " وله الملك يوم ينفخ في الصور "، فإنه خُصّ بالخبر عن ملكه يومئذ, وإن كان الملك له خالصًا في كل وقت في الدنيا والآخرة، لأنه عنى تعالى ذكره أنه لا منازع له فيه يومئذ ولا مدّعي له, وأنه المنفرد به دون كل من كان ينازعه فيه في الدنيا من الجبابرة، فأذعن جميعهم يومئذ له به, وعلموا أنهم كانوا من دعواهم في الدنيا في باطل.

* * *

واختلف في معنى " الصور " في هذا الموضع.

فقال بعضهم: هو قرن ينفخ فيه نفختان: إحداهما لفناء من كان حيًّا على الأرض, والثانية لنشر كل مَيْتٍ. واعتلوا لقولهم ذلك بقوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [سورة الزمر : 68] ، وبالخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذ سئل عن الصور: هو قرن يُنفخ فيه. (44)

* * *

وقال آخرون: " الصور " في هذا الموضع جمع " صورة "، ينفخ فيها روحها فتحيا, كقولهم: (45) " سور " لسور المدينة, وهو جمع " سورة ", كما قال جرير:

سُورُ الْمَدِينَةِ وَالْجِبَالُ الْخُشَّعَ (46)

* * *

والعرب تقول: " نفخ في الصور " و " نفخ الصور "، ومن قولهم: " نفخ الصور " (47)

قول الشاعر: (48)

لَـوْلا ابْـنُ جَـعْدَةَ لَـمْ تُفْتَحْ قُهُنْدُزُكُمْ

وَلا خُرَاسَـانَ حَـتَّى يُنْفَـخَ الصُّـورُ (49)

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه قال: " إن إسرافيلَ قد التقم الصور وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر فينفخ "، (50) وأنه قال: " الصور قرن ينفخ فيه ". (51)

* * *

وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله: " يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة "، يعني: أن عالم الغيب والشهادة، هو الذي ينفخ في الصور.

13432 - حدثني به المثنى قال، حدثنا عبدالله بن صالح قال، حدثنا معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله: " عالم الغيب والشهادة "، يعني: أنّ عالم الغيب والشهادة هو الذي ينفخ في الصور .

* * *

= فكأن ابن عباس تأوّل في ذلك أن قوله: " عالم الغيب والشهادة "، اسم الفاعل الذي لم يسمَّ في قوله: " يوم ينفخ في الصور "، وأن معنى الكلام: يوم ينفخ الله في الصور، عالم الغيب والشهادة. كما تقول العرب: " أُكلَ طعامك، عبدُ الله ", فتظهر اسم الآكل بعد أن قد جرى الخبر بما لم يسم آكله. وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوع, فإن أحسن من ذلك أن يكون قوله: " عالم الغيب والشهادة "، مرفوعًا على أنه نعت ل " الذي"، في قوله: " وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق " .

* * *

وروي عنه أيضًا أنه كان يقول: " الصور " في هذا الموضع، النفخة الأولى.

13433 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة "، يعني بالصور: النفخة الأولى, ألم تسمع أنه يقول: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى يعني الثانية فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [سورة الزمر: 68].

* * *

ويعني بقوله: " عالم الغيب والشهادة " ، عالم ما تعاينون: أيها الناس, فتشاهدونه, (52) وما يغيب عن حواسكم وأبصاركم فلا تحسونه ولا تبصرونه (53) =" وهو الحكيم "، في تدبيره وتصريفه خلقه من حال الوجود إلى العدم, ثم من حال العدم والفناء إلى الوجود, ثم في مجازاتهم بما يجازيهم به من ثواب أو عقاب (54) =" الخبير "، بكل ما يعملونه ويكسبونه من حسن وسيئ, حافظ ذلك عليهم ليحازيهم على كل ذلك. (55) يقول تعالى ذكره: فاحذروا، أيها العادلون بربكم، عقابَه, فإنه عليم بكل ما تأتون وتذرون, وهو لكم من وراء الجزاء على ما تعملون.

* * *

---------------

الهوامش :

(36) في المطبوعة: "سوى خلقهما به" ، أساء وحذف وبدل وأفسد الكلام ، ثم ضبط"سوى" فعلا بتشديد الواو ، وجعل"خلقهما به" مصدرًا منصوبًا بالفعل. وهو فساد وخطل.

والصواب ما في المخطوطة: "سوى" (بكسر السين) بمعنى"غير" و"خلقهما" الأولى مصدر مضاف مجرور ، و"خلقهما به" فعل ماض. وهذا حق المعنى وصوابه. وهذا من عبث الناشرين والمصححين ، يستعيذ المرء من مثله ، فإنه ناقض للأمانة أولا ، ولمعاني العقل والفقه بعد ذلك.

(37) هذه العبارة فيها في المخطوطة سقط وتكرار ، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب.

(38) كانت هذه العبارة في المطبوعة: "كما خلق به الأشياء غير المخلوقة" ، وهو كلام ساقط جدًا ، فاسد المعنى بل هو غاية في فساد المعنى. والذي في المخطوطة: "مما خلق به الأشياء بغير الأشياء المخلوقة" ، وهي محرفة ، صواب قراءتها ما أثبت ، يدل على ذلك الجملة الآتية. ويعني أن الذي خلق به الأشياء - هو غير الأشياء المخلوقة ، وإذا كان غيرها ، فهو غير مخلوق.

(39) في المخطوطة: "مضاف إلى كن فيكون" ، والصواب ما في المطبوعة.

(40) هذه الجملة الأخيرة لم أعرف لها هنا موقعًا ، ولكني تركتها على حالها. وهي منقطعة عما بعدها بلا شك ، فإن الذي يليها هو مقالة الفراء من الكوفيين. وأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء.

(41) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 340.

(42) في المطبوعة: "فتكون الأرض غير الأرض عند قوله: كن فيكون ، متناهيًا" ، وهي كلام سقيم ، أسقط من المخطوطة: "ويكون" ، هي ثابتة فيها ، ولكن أسقط الناسخ ما وضعته بين القوسين ، وبذلك استقامت العبارة. وهذا بين من السياق.

(43) ما بين القوسين زيادة لا بد منها ، وفي المخطوطة: "تبدله" مكان"تبدل" والصواب ما في المطبوعة. والناسخ في هذا الموضع قد أسقط الكلام وأفسده.

(44) رواه أحمد في مسند عبد الله بن عمرو رقم: 6507 ، وانظر تعليق أخي السيد أحمد عليه.

ورواه أبو داود في سننه 4: 326 ، رقم: 326 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، والترمذي في باب"ما جاء في الصور" ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح". ورواه الحاكم في المستدرك 4: 560 ، وقال: "حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي. و"القرن" ، البوق يتخذ من القرون ، ينفخ فيه.

(45) في المطبوعة والمخطوطة: "لقولهم" ، والصواب بالكاف كما أثبته.

(46) مضى تخريجه وتمامه فيما سلف 2: 17 ، 242.

(47) انظر تفسير"نفخ" فيما سلف 6: 426 ، 427.

(48) لم أعرف قائله.

(49) معاني القرآن للفراء 1: 340 ، نسب قريش: 345 ، المعرب للجواليقي: 267 اللسان (صور). و"ابن جعدة" ، هو: "عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي" ، وكان أبوه"جعدة بن هبيرة" على خراسان ، ولاه علي بن أبي طالب. و"القهندز" (بضم القاف والهاء وسكون النون ، وضم الدال). من لغة أهل خراسان ، يعنون بها: الحصن أو القلعة.

(50) رواه الترمذي في باب"ما جاء في الصور" ، وفي أول تفسير سورة الزمر وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 337 ، ثم قال: "رواه مسلم في صحيحه" ، ولم أستطع أن أعرف مكانه في صحيح مسلم.

(51) انظر التعليق السالف ص: 462 ، تعليق: 1

(52) انظر تفسير"الشهادة" فيما سلف من فهارس اللغة (شهد).

(53) انظر تفسير"الغيب" فيما سلف ص: 402 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(54) انظر تفسير"الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (حكم).

(55) انظر تفسير"الخبير" فيما سلف من فهارس اللغة (خبر).

المعاني :

الصُّورِ :       الْقَرْنِ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ إِسْرَافِيلُ - عليه السلام - السراج
ٱلصُّورِ :       القَرْنِ الذي يُنفَخُ فيه للبعثِ الميسر في غريب القرآن
وَٱلشَّهَٰدَةِ :       وما تُشاهِدُونه الميسر في غريب القرآن

التدبر :

وقفة
[73] ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ هذا اليوم هو يوم القيامة، وخصَّه بالذكر لأنه تنقطع فيه الأملاك، فلا يبقى ملك إلا ملك الله الواحد القهار.
وقفة
[73] ﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ صيغة قصر للمبالغة، أي قوله هو الحق الكامل؛ لأن أقوال غيره -وإن كان فيها كثير من الحق- فهي معرضة للخطأ، وما كان فيها صوابًا فهو من وحي الله أو من نعمته بالعقل والإصابة، فالفضل فيه راجع إلى الله.
وقفة
[73] ﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ المراد بالقول كل ما يدل على مراد الله وقضائه يوم القيامة، وهو يوم يقول: کن، من أمر تكوين، أو أمر ثواب، أو أمر عقاب، فكل هذا من قول الله تعالى في ذلك اليوم.
وقفة
[73] ﴿عالم الغيب والشهادة﴾ بدأ بعلم الغيب الذي تكون فيه أكثر الأسرار والأوزار؛ فلا يُغريك الظلام بالآثام.

الإعراب :

  • ﴿ وَهُوَ الَّذِي:
  • الواو: عاطفة. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر «هُوَ».
  • ﴿ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ:
  • الجملة صلة الموصول لا محل لها.خلق: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. السموات والأرض بالحق: السموات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. والأرض: معطوفة بالواو على «السَّماواتِ» منصوبة مثلها بالفتحة الظاهرة في آخرها. بالحق: جار ومجرور متعلق بحال من الفاعل في «خَلَقَ» أي ومعه الحق. أو متعلق بمصدر محذوف. بتقدير: خلقا مبينا بالحق.
  • ﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ:
  • الواو: حرف عطف. يوم: ظرف زمان بمعنى «حين» منصوب بالفتحة وهو مضاف بمعنى: وقوله حق يوم يقول للشيء كن فيكون. يقول: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يَقُولُ» في محل جر بالاضافة. وشبه الجملة «يَوْمَ يَقُولُ» في محل رفع خبر مقدم. ويجوز أن يكون «يَوْمَ» معطوفا على مفعول «اتَّقُوهُ» أو في محل نصب مفعولا به لفعل مضمر تقديره اذكر.
  • ﴿ كُنْ فَيَكُونُ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به «مقول القول». كن: فعل أمر تام مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي يقول للشيء كن فيكون. فيكون: الفاء:استئنافية أي فهو يكون. و «يكون» فعل مضارع تام مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت.
  • ﴿ قَوْلُهُ الْحَقُّ:
  • قوله: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. الحق: صفة لقوله مرفوعة مثله بالضمة.ويجوز أن يكون قوله الحق فاعلا للفعل «يكون» على معنى وحين يقول لقوله الحق. أي لقضائه الحق. كن فيكون قوله الحق.
  • ﴿ وَلَهُ الْمُلْكُ:
  • الواو: استئنافية. له: جار ومجرور متعلق بخبر محذوف مقدم.الملك: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة
  • ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ
  • يوم: ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بقوله:وله الملك. وهو مضاف. ينفخ: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة. في الصور: جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل أي يوم ينفخ الله في الصور أي صور الموتى فيعيد اليهم الحياة. ويجوز أن يكون المقصود يوم ينفخ اسرافيل في البوق. والجملة الفعلية «يُنْفَخُ فِي الصُّورِ» في محل جر مضاف اليه ويجوز أن يكون «يَوْمَ» بدلا من «يَوْمَ» الأول.
  • ﴿ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ:
  • عالم: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو. الغيب:مضاف إليه مجرور بالكسرة. الشهادة: معطوفة بالواو على «الْغَيْبِ» مجرورة مثله.
  • ﴿ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ:
  • الواو: استئنافية. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الحكيم: خبر «هُوَ» مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره. الخبير: خبر ثان للمبتدأ مرفوع بالضمة أيضا. '

المتشابهات :

الأنعام: 73﴿وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ
الكهف: 52﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [73] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل في الآيات المتقدمة فساد طريقة عبدة الأصنام؛ ذكر ههنا ما يدل على أنه لا معبود إلا الله وحده، قال تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

البحث بالسورة

البحث في المصحف